logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





02-04-2013 05:19 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-03-2013
رقم العضوية : 148
المشاركات : 94
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 50
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

شرح المذاهب القانونية
تنقسم المذاهب القانونية المفسرة لنشأة وجوهر القانون الى مذهبان رئيسيان
المذاهب الشكلية والمذاهب الموضوعية او الإجتماعية.

1.المذاهب الشكلية: يتمثل العامل المشترك بين المذاهب الشكلية في اعتبار القانون مشيئة الدولة: أي مشيئة من له السلطة العليا في المجتمع، ويطلق على هذة المذاهب مصطلحات عديدة كمذهب الوضعية القانونية، واصطلاح الوضعية مستمد من اصطلاح القانون الوضعي. نشأت الوضعية القانونية عن الوضعية الفلسفية القائمة على المنطق والتجربة والحقائق المادية، وبالتالي فهي لا تعترف بالميتافيزيقيا او ما وراء الطبيعة، وتنكر ما يسمى بالقانون الطبيعي الخالد او القواعد الأخلاقية المطلقة، ولا تعترف الا بالقانون الوضعي لأنه موجود في الواقع في دولة معينة في زمن معين.
تقتصر هذه الدراسة على ذكر اهم المذاهب الشكلية المتمثلة في مذهب اوستن، مذهب كلسن ومدرسة الشرح على المتون.
أ. مذهب اوستن:
يرى الفيلسوف الانجليزي اوستن انه لا وجود للقانون الا من خلال وجود مجتمع منظم توجد فيه هيئة حاكمة، تباشر هذه الهيئة الحاكمة سلطان الدولة على الطبقة المحكومة، يصدر القانون في صورة امر بعمل شيء او الإمتناع عنه: أي ان القانون يصدر في الأمر او النهي وليس مجرد نصيحة، يقترن هذا الأمر بجزاء دنيوي يوقعه الحاكم على من يخالفه 1
-----
1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 119 .

يترتب على فكرة اوستن عدة نتائج: اولها ان القانون الدولي ليس قانونا بمعنى الكلمة نظرا لعدم وجود هيئة حاكمة في اتمع الدولي، تأمر الدول باتباع قاعدة معينة وتتولى توقيع الجزاء على الدول المخالفة. ينطبق نفس القول كذلك على القانون الدستوري لأنه يصدر بمحض ارادة الحاكم ولا يتقيد به الا في حدود مشيئته ولا يتصور ان يوقع الجزاء على نفسه، ومن جهة اخرى فإن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون بإعتباره اوامر تصدر من الحاكم، ولا يعتبر العرف مصدرا للقانون الا بالقدر الذي يجيزه الحاكم، ويجب ان يتجه تفسير النصوص الى الكشف عن ارادة الحاكم، بغض النظر عن تغير الظروف التي وضعت فيها هذه النصوص.
ب. مذهب كلسن:
يعتبر الفقيه النمساوي كلسن من ابرز المؤيدين للوضعية القانونية، ويرى هذا الأخير ان القانون هو الدولة ذاتها، فهو ليس تعبيرا عن ارادة الدولة، بل ان هذه الأخيرة هي نفسها القانون، ولا يوجد قانون غير الذي ينتج عن الدولة، والدولة ليست سوى التعبير عن وحدة النظام القانوني القائم في بلد معين، فهي مجموعة من القواعد التي تندرج حسب مرتبتها تدرجا هرميا؛ فالعقد مثلا يستند الى القاعدة التي تنظمه ويستند الحكم القضائي والقرار الإداري الى اللائحة او قاعدة قانونية، وتستند اللائحة الى قواعد القانون العادي وقواعد القانون الدستوري وهذه بدورها تستند الى قاعة اصلية هي قمة الهرم.
يترتب عى ما سبق في رأي كلسن، ان القانون موحد ولا يجب تقسيمه وان الدولة هي النظام القانوني نفسه، ويجب ان يقتصر دور رجل القانون على التعرف على القانون كما هو موجود بغض النظر عن الضوابط الخلقية والقيم الإجتماعية والمثل العليا ومبادىء القانون الطبيعي لأنها ليست قانونية.
ج. مدرسة الشرح على المتون:
نشأت هذه المدرسة في فرنسا ومفادها ان النص القانوني مقدس ويجب الإعتماد عليه كلية دون الإستعانة بالرأي او العرف او الإجتهاد، ولا يعترف اصحاب هذا المذهب بالفراغ التشريعي وقصور النصوص القانونية، ويرجع هذا الفكر الى تقديس زعيم الدولة الفرنسية آنذاك نابليون بونبارت 1، وحسب هذا المذهب فان العيب قد يكون في الفقيه، لكن لا يكون ابدا في النص القانوني، وبالتالي اخذ اصحاب مدرسة الشرح على المتون يشرحون القانون متنا متنا بنفس التبويب والترتيب وارقام النصوص، فالنصوص التشريعية هي الأساس لأنها تناولت كل شيء وحوت حلول لكل المشاكل، ولا توجد قاعدة قانونية خارج تلك النصوص، فالتتشريع هو المصدر الوحيد للقانون، ولا يعتبر العرف مصدرا للقانون الا بناءا على اجازة المشرع، ولا يملك العرف ان يعدل التشريع او يلغيه، وهنا يظهر وجه التشابه بين مدرسة الشرح على المتون ومذهب اوستن.
نظرا لأن التشريع تعبير عن ارادة المشرع كما تذهب اليه مدرسة الشرح على المتون، فإنه يتعين على مفسر القانون البحث عن هذه الإرادة وقت التشريع، وذلك من خلال صياغة النص ذاته او باللجوء للأعمال التحضيرية التي صاحبت وضعه، فإذا لم تكن نية المشرع الحقيقية واضحة فإنه يعتمد بالنية المفترضة: أي النية التي تفترض ان المشرع كان يقصدها لو انه اراد ان يضع حلا للمشكلة القائمة، ولا يجوز البحث عن النية الإحتمالية للمشرع: أي النية التي كان من المحتمل ان تكون للمشرع اذا وضع القانون في الوقت الذي يطبق فيه؛ معناه وضع المشرع النص في الوقت المطبق فيه حيث تغيرت الظروف، بل العبرة بنية المشرع وقت وضع النص الأصلي لا احتمال نية المشرع وقت تطبيق ، النص، ومن هنا يجب على القاضي تطبيق النص كما هو حتى ولو كان معيبا (2) وينبغي تغليب القانون الوضعي على القانون الطبيعي، ويؤدي ذلك الى اطلاق ارادة المشرع وسلطان الدولة وقوتها.
----------
1.حسين الصغير. المرجع السابق، ص 90
2.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 113

وجهت للمذاهب الشكلية عدة انتقادات تلخص في النقاط التالية:
1.تقتصر على الجانب الشكلي دون البحث عن مضمون وجوهر القانون، فهذه المذاهب لا تتغلغل الى صميم القاعدة للتعرف على طبيعتها وتطورها والقيم التي نشأت عليها.
2.تتسم المذاهب الشكلية بالنزعة الإستبدادية؛ حيث تؤدي الى اطلاق سلطة الدولة، فالقانون هو التعبير عن ارادة الدولة التي لا حدود لها، ولا يجوز البحث هن مدى عدالتها او تحقيقها للصالح العام، فالقوة هي القانون والقانون يكون في خدمة القوة؛ ومن هنا يلاحظ تطايق هذا النقد مع النقد الماركسي الموجه للنظام الراسمالي المتمثل في ان القانون هو خادم للطبقة القوية في المجتمع على حساب الطبقة الضعيفة، وبالتالي فالقانون يدعم قيم الطبقة الحاكمة والمسيطرة، وتتمثل هذه القيم في اللاعدالة واللامساواة في فرص العيش بالإضافة الى الإستغلال: وهذا ما ذهبت اليه المذاهب الشكلية، حيث قدست القانون وجعلته غاية لا وسيلة لتحقيق غايات وقيم كالعدل والأمن والإستقرار في المجتمع: أي ان القانون هو الهدف المراد الوصول اليه، وبالتالي تكمن غاية القانون في تطبيق القانون حرفيا، مهما كان هذا القانون ظالما.
3.تتسم المذاهب الشكلية بالنظرة الضيقة الى القانون وربطه بالدولة وحصر مصدره في التشريع، مع انه من الثابت وجود القانون في الجماعات البدائية في شكل عرف قبل ظهور الدولة بمعناها الحديث 1؛ فللعرف قوة ذاتية مستمدة من ضمير الجماعة وبالتالي فالمذاهب الشكلية انكرت العرف وكل مصدر للقانون ماعدا التشريع،
-------
1.المرجع نفسه، ص 114
وبالتالي فان هذه المذاهب تنكر ان للمجتمع دور في اصدار القانون، بل ان دوره يقتصر على الخضوع فقط. من هنا تظهر النزعة الإستبدادبة للمذاهب الشكلية في النظر الى القانون، وعدم تمكنها من الوصول الى جوهر القانون؛ فما الذي يرغم المجتمع للخضوع الى قانون تنتفي قدسيته، ولا يبنى على قيم تدعمه وتدعم الزاميته، هنا تكون القوة هي الدافع لإخضاع المجتمع للقانون، ومنه يكون خضوع المجتمع خوفا من بطش الحاكم لا احساسا بالزامية القانون، ويصدر هذا الإحساس بالزامية القانون عند شعور افراد المجتمع بكون القانون يهدف الى خدمتهم وتحقيق الأمن لهم. ان اتنفاء هذا الإحساس بالإلزامية معناه انه لا توجد قيم في المجتمع تتمثل في احترام القانون وعدم الخروج عنه.
هذا فيما يخص المذاهب الشكلية، اما الصنف الاخر من المذاهب حاول ان ينظر الى القانون نظرة اكثر اتساعا من المذاهب الشكلية، ويكون نظريات اكثر واقعية واكثر تعمقا في جوهر القانون، وهذه المذاهب هي ما يطلق عليها بالمذاهب الإجتماعية او الواقعية.


2.المذاهب الإجتماعية (الواقعية): تبحث المذاهب الواقعية عن القانون في الواقع: أي في المجتمع حيث يطبق القانون، ويطلق على هذا الصنف من المذاهب مصطلح مذاهب الوضعية الإجتماعية، وذلك بمقابل مذاهب الوضعية القانونية المذكورة سابقا، والذي يربط القانون بالدولة ويحصر مصدر القانون في التشريع. تعددت المذاهب الواقعية وابرزها هو: المذهب التاريخي، مذهب التضامن الإجتماعي، مذهب الغاية الإجتماعية واصحاب نظرية القانون الطبيعي.
ا.المذهب التاريخي:
تركز المدرسة التاريخية على الواقع التاريخي كمادة بحث عن اصول القانون، وتلخص الأسس التي تقوم عليها افكار المدرسة التاريخية في النقاط التالية.
1.القانون ليس من خلق ارادة المشرع او السلطان، ولكنه من صنع الزمن ونتاج التطور التاريخي، فالقانون ينشأ مع الجماعة متكيفا بمعيشتها، ويتأثر بظرفها الإقتصادية والجغرافية والإجتماعية، وبالتالي فالقانون هو وليد البيئة الإجتماعية 1، ويتطور ذاتيا دون ان تلعب الإنسان دورا في تطوره، فيتكون القانون تلقائيا في المجتمع وينمو فيه ويساير تطوره.
2.يأتي دور المشرع بعد نشوء القانون في المجتمع، وعمل المشرع يقتصر على تبيين القواعد التي توارثها المجتمع، ومراقبة تطورها والإكتفاء بتسجيل هذا التطور في نصوص قانونية، ومنه فالمذهب التاريخي جعل المجتمع المصدر الوحيد للقانون.
3.يعتبر العرف عند اصحاب المدرسة التاريخية المصدر المثالي للقانون لأنه تعبير مباشر وتلقائي عن ضمير الجماعة، ويتطور مع حاجاتها وميولها، لذلك فالعرف يسمو على التشريع وبالتالي يستطيع ان يلغيه ويعدله، ويفرض اصحاب المدرسة التاريخية فكرة تجميع وتدوين القوانين؛ لأن ذلك يؤدي الى تجميد نصوص القانون وبالتالي وقوفه عقبة امام التطور، ويرفض كذلك اصحاب هذا المذهب فكرة وجود قانون طبيعي ثابت صالح لكل زمان ومكان، بل القوانين تتعدد . وتختلف باختلاف الأمم وتتغير بحسب الزمان والمكان 2
--------
. 1.حسين الصغير. المرجع السابق، ص 92
. 2.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 116

تنتقد المدرسة التاريخية كونها ركزت تركيزا مبالغا فيه على ربط القانون بالجماعة، وبالتالي انكار الإرادة الإنسانية في تكوين وتطوير القانون، فالمشرع يمكن ان يلعب دورا هاما في اختيار او تعديل القواعد القانونية، ويبذل الأفراد جهدا من اجل تغيير وانشاء القانون، فكثيرا من القوانين احتاجت لكفاح من جانب المحكومين من اجل الوصول اليها؛ مثل قواعد قانون العمل ونظم التأمين الإجتماعية.
ايضا تدوين القاعدة القانونية ليس معناه انها لن تتغير او تتطور، بل يمكن تعديلها والغائها، ويكون هذا التعديل والإلغاء اسرع من التغير في الأعراف، لأنها تتطلب مدة زمنية اطول لنشوء الإحساس بإلزاميتها.
ب.مذهب الغاية الإجتماعية:
يعتبر فون اهرنج الفقيه الألماني زعيم مدرسة الغاية الإجتماعية ويطلق على هذه المذهب ايضا مصطلح مذهب الكفاح والنضال، ويرى اهرنج ان القانون لايتطور تطورا اعمى دون غاية او هدف، بل ان نشأته وتطوره يكونان وفقا لغاية محددة، وان عامل الإرادة البشرية عامل اساسي في تطور القانون لا يمكن اغفاله، ليس ذلك فحسب بل ان عامل الإرادة هذا يشتد حتى يصبح ارادة عنيفة وكفاحا مستمرا يوجه القانون الى غاية محددة.
يذهب اهرنج الى ان هناك حقيقة لا شك فيها، وهي ان الظواهر الطبيعية تخضع لقانون السبب، اما الظواهر الإجتماعية فتخضع لقانون الغاية، وبما ان القانون ظاهرة اجتماعية وكل ظاهرة اجتماعية تخضع لقانون الغاية، فالقانون بذلك . ليس الا وسيلة لتحقيق غاية 1 اما الغاية من القانون فتتجلى في المحافظة على المجتمع عن طريق الثواب
--------------
. 1.ابراهيم ابو الغار. المرجع السابق، ص 73

والعقاب، ومنه يرى اهرنج ان القانون وسيلة لغاية واضحة ومحددة، والإنسان في ذلك يسير مهتديا بغايته، ولا يقتصر دوره على ان يقف سلبيا في مشاهدة القانون وهو يتطور من تلقاء نفسه، بل الإنسان يؤثر في القانون بفعله ويكيف تطوره وهو في سبيل ذلك يقوم بكفاح عنيف حتى يتمكن من تغيير الاتجاه الذي يسير فيه القانون اذ ظل السبيل الذي يوصله للغاية المنشودة، وقد يستدعي هذا منه ان يقدم على عمل عنيف حتى يحقق مسايرة القانون للحاجات والمتطلبات المتطورة.
من الملاحظ في مذهب الغاية الإجتماعية، انه يجعل للقانون غاية يحققها، هذه الغاية تتمثل في المحافظة على المجتمع، فاذا فرض وكانت قاعدة قانونية لا تحقق هذه الغاية، وجب ان تتغير ولو تطلب هذا الأمر كفاحا طويل المدى، فالقانون في الواقع من عمل الإنسان، فهو يريد ويكافح من اجل تحقيق ما يريد.
وجهت لمذهب الغاية الإجتماعية عدة انتقادات متمثلة في ان هذا المذهب يصلح لتغيير بعض القوانين مثل الدستوري وقانون العمل، لكنه لا يستطيع تغيير بعض القوانين التي هي نتيجة لتطور منطقي تلقائي راجع لطبيعة التعامل في ميادين معينة، مثل القواعد العرفية المختلفة التي لا دخل لكفاح الشعوب فيها 1. اذ يوجد ان بعض القوانين لا تحتاج للإعتراف بها، في الحين تستلزم اخرى النضال الطويل، ولهذا ينتقد هذا المذهب بربطه تفسير نشأة القوانين كلها وتغيرها بالكفاح.
---------
. 1.حسين الصغير. المرجع السابق، ص 94

ج.مذهب التضامن الإجتماعي:
يعد الفقيه الفرنسي ليون دوجي من ابرز اصحاب مذهب التضامن الإجتماعي، الذي يرى ان الإنسان قد عاش في الماضي كما يعيش الآن مع غيره في حياة اجتماعية، والمجتمع بالنسبة اليه يعتبر حقيقة واقعية، وعلى ذلك فالإنسان كان عضوا في جماعة انسانية، وهو بطبيعته يشعر بكيانه الشخصي المستقل عن المجتمع ، ذلك لأن له حاجاته الشخصية وميوله الخاص، الا انه يعلم بانه لا يمكن اشباع هذه الحاجات والميولات الا اذا عاش مع الأخرين، فالإنسان يشعر بحاجته للجماعة، وعدم مقدرته على تحقيق حاجاته الا في ظل المجتمع، كما يشعر في نفس الوقت بكيانه الشخصي المستقل.
من هذا المنطلق يرتبط الإنسان بأفراد المجتمع ارتباط تضامن، والتضامن من ، وجهة نظر دوجي يعتبر حقيقة واقعية علمية، وليست مثلا اعلى ميتافيزيقي 1وكلما تقدمت المجتمعات البشرية، كلما اتسع نطاق التضامن وتشعبه، ويرى دوجي ان التضامن الإجتماعي قد ظهر بصورة واضحة في كل مراحل التاريخ، اذ ظهر في القبائل البدائية حيث كان الناس يجتمعون للدفاع عن كيانهم وظروف حياتهم، اكما ظهر التضامن في نطاق الأسرة بصورة اكثر وضوحا، حيث كانت الدوافع المؤدية الى ذلك اكثر مما سبق حيث ظهرت عوامل القرابة والدين، ثم ظهر هذا التضامن في المدن حيث اجتمعت الأسر ذات الأصول والتقاليد والأعراف المتحدة، واخيرا ظهر التضامن الإجتماعي في الأمة التي تمثل الشكل الحديث للجماعة المتحضرة، التي ترجع نشأتها الى عديد من العوامل مثل: اتحاد القانون والحكومة والقيم والدين والتقاليد...الخ.
يرى دوجي ان هناك عدة عوامل تدفع للتضامن الإجتماعي اهمها:
1.هناك حاجات ومصالح مشتركة بين الناس لا يمكن ان تتحقق الا من خلال التضامن والحياة المشتركة.
2.ان الناس يتمايزون في حاجاتهم وقدراتهم لتحقيق هذه الحاجات، ومن ثم فان تحقيقها لا يتم الا عن طريق تبادل الخدمات فيما بينهم.
---------
. 1.ابراهيم ابو الغار. المرجع السابق، ص 75
اطلق دوجي على العامل الأول للتضامن مصطلح التضامن بالتشابه، اما العامل الثاني التضامن بتقسيم العمل.
مما سبق فالمجتمع لا يقوم اساسا الا على التضامن والتماسك الذي يربط افراد هذا المجتمع بعضهم ببعض، وينتج عن ذلك ضرورة وجود قاعدة قانونية يسير وفقها الإنسان الإجتماعي، وهذه القاعدة مؤداها انه لا يجب عمل أي شيء من شأنه الإضرار بالتضامن الإجتماعي، سواء التضامن بالتشابه او التضامن بتقسيم العمل، ليس هذا فحسب بل يجب عمل كل ما من شأنه تحقيق تقدم هذا التضامن الإجتماعي، ومنه يرى دوجي ان القانون الوضعي لا يكون شرعيا الا اذا كان هدفه تحقيق المبدأ السابق وتقدمه.
اذا فالقاعدة القانونية التي نشأت من التضامن الإجتماعي، تتشكل وفقا لما يقتضيه هذا الأخير، وتظهر بنفس الصفات التي يحملها التضامن؛ بمعنى انها قاعدة اجتماعية وفردية، فهي اجتماعية في طبيعتها واساسها؛ لأنها لم تنشأ الا من اجل تنظيم العلاقات والروابط الإجتماعية في المجتمع، وهي فردية؛ لأنها تحتوي على ضمائر الأفراد جميعا، ولأنها لا تطبق ولا يمكن ان تطبق الا عليهم، وهذه القاعدة لا يمكن ان يخضع لها الا كائن له ارادة وضمير وهو الإنسان.
تعتبر كذلك القاعدة القانونية عند دوجي ثابتة ومتغيرة في نفس الوقت؛ فهي ثابتة في الأساس الذي تقوم عليه، ومتغيرة في تطبيقاتها المختلفة، التي تتنوع وفقا لتنوع غالبيئة والناس، وعلى هذا النحو تكون القاعدة القانونية بعيدة كل البعد عن كونها قاعدة مثالية ومطلقة كما هو الحال عند اصحاب القانون الطبيعي.
استنادا لما سبق، تكون الوظيفة الأساسية لرجل القانون متمثلة في تحديد القاعدة القانونية وفقا للظروف والأحوال المختلفة للجماعة التي يضعون القانون من اجلها، وتستمد حقوق الأفراد من هذه القاعدة القانونية، لأنه طالما وجب على كل فرد ان يعمل وفقا لهذا القانون من اجل تحقيق التضامن الإجتماعي، فإن لكل فرد الحق في ان يعمل كل ما من شأنه ان يساعد هذا التضامن ويمنع كل المعوقات التي تفق في وجه هذا الأخير. بناءا على ذلك فإن الإنسان الإجتماعي له حقوق، ولكن هذه الحقوق لا تعتبر امتيازات او حقوق شخصية يملكها باعتباره انسانا، ولكنها تعتبر سلطات منحها القانون الوضعي له كإنسان . اجتماعي 1
يرى دوجي انه ليس هناك خضوع الا للقانون، ونفس الكلام ينطبق على الدولة ووظيفتها، فطالما ان الهدف من السلطة هو تحقيق التضامن، فهي تكون مقيدة بحكم القانون، وذلك بأن تعمل على تحقيق سيادته حتى ولو قامت الدولة على اساس القوة، الا ان هذه القوة لا تكون شرعية الا اذا كانت متفقة مع القانون.
يلاحظ مما سبق ان مذهب دوجي يتشابه في كثير من جوانبه مع افكار دوركايم الذي تتطرقت له هذه الدراسة سابقا، ويشترك مذهب دوجي مع دوركايم في التضامن الإجتماعي وتقسيم هذا التضامن، فالتضامن بالتشابه عند دوجي ينطبق على التضامن الآلي عند دوركايم، اما التضامن بتقسيم العمل فينطبق على التضامن العضوي، بالإضافة الى رد القواعد الموجهة للسوك سواءا تمثلت في القيم او القانون الى المجتمع في نشأتها، وخضوع الأفراد لهذه القواعد يتم عن طريق ارادة حرة، ومنه فإن دوجي يتكلم بلغة دوركايم في كثير من جوانب نظريته المفسرة للقانون التي تكلم بها هذا الأخير عند تفسيره للقيم، ويستنتج من هنا ان القيم والقانون تلتقي في كثير من النقاط المشتركة بينهما وذلك من حيث المصدر والوظيفة.
--------
. 1.ابراهيم ابو الغار. المرجع السابق، ص 77
اما بخصوص النقد الموجه الى مذهب التضامن الإجتماعي هو ان دوجي يقرر حقيقة واقعية هي التضامن الإجتماعي، ثم يذهب الى ان النظام الإجتماعي كله يقوم على هذه الحقيقة وحدها، وبذلك يهمل حقائق اخرى في المجتمع مثل الصراع والتنافس التي لا يقل تأثيرها في المجتمع عن التضامن، ويستخلص ان دوجي اقام القانون على التضامن وليس على الصراع، وبالتالي ينتقل دوجي من نطاق الواقع الى نطاق الواجب؛ أي من نطاق العلم الواقعي الذي يبني عليه رؤيته للقانون الى نطاق الفلسفة والميتافيزيقيا.

جزء من رسالة ماجيستير بعنوان : دراسة تقييمية لمدى مطابقة القانون الوضعي الجزائري مع قيم المجتمع ودينه للطالب رؤوف بوقرة - تخصص علم الاجتماع القانوني - جامعة باتنة 2008 / 2009 _الصفحة من 114 الى 140.

د.مذهب القانون الطبيعي:
القانون الطبيعي هو مجموعة قواعد السلوك الكامنة في الطبيعة، هذه القواعد ثابتة بمرور الزمن ولا تختلف من مكان إلى آخر؛ معناه أن هناك قانونا يكمن في طبيعة الأشياء وطبيعة العلاقات الإجتماعية، وهو قانون ثابت لا يتغير يكتشفه العقل وهو القانون الطبيعي الأبدي مثل كل القوانين التي تسيطر على الظواهر الطبيعية. فكما أن العالم الطبيعي يخضع لقوانين ثابتة لا تتغير، فإن العالم الإجتماعي هو الآخر يخضع لقوانين طبيعية توجهه في الإتجاه الذي يسير فيه ومهمة العقل البشري في هذا المجال هو التعمق في العلاقات الإجتماعية وأنماط السلوك الإنساني، ليتسنى استخلاص هذا القانون الطبيعي ويصوغ قانونه الوضعي وفقا له.
مر القانون الطبيعي بمراحل كثيرة متعددة، إذ عرفه الفلاسفة اليونان والرومان، وقد ورثت المسيحية ورجال الكنيسة في العصور الوسطى القانون الطبيعي، فجعلوه القانون الإلهي، أما في العصر الحديث فاهتم به عدد من الفلاسفة ووجدوا فيه الأساس الذي يمكن أن تقوم على مبادئه العلاقات التي تربط الدول، وكان 1 المؤسس الحقيقي للقانون الطبيعي في Grotius الفقيه الهولندي جروشيوس عهده الجديد.
----------
. 1.ابراهيم ابو الغار. المرجع السابق، ص 64
ظهرت فكرة القانون الطبيعي في العصر الحديث بعدما ادت سيطرة الإقطاع وهيمنة الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا إلى إنفجار الأوضاع وبدء تكون الدول الحديثة، وظهور مبدأ سيادة الدولة وبالتالي الإطاحة بسيادة الكنيسة وسلطانها، وهذا ما أدى إلى المبالغة في المناداة بسيادة الدولة. فدعى ميكافيلي وبودان إلى سيادة الدولة المطلقة، ووضع صاحب الحكم فوق الأخلاق والقانون، فيجوز لصاحب الحكم التأكيد على سلطانه بكافة الوسائل وبالتالي حدث انتقال من استبداد الكنيسة إلى استبداد الدولة.
أدى طغيان الدولة إلى عودة ظهور الرغبة في فكرة القانون الطبيعي، فظهرت كما سبق ذكره على يد جروشيوس بعد تجريدها من الصفة الدينية التي أصبغتها عليها الكنيسة في القرون الوسطى. فتم تأسيس المذهب التقليدي للقانون الطبيعي، ويقوم هذا المذهب على أن الإنسان اجتماعي بفطرته ويتميز عن سائر المخلوقات بالعقل الذي يوجهه في حياته إلى ما يجب إتباعه من قواعد في المجتمع كي يتهيأ له الإستقرار والتقدم، وهذه القواعد هي ما يسمى بالقانون الطبيعي، وبالتالي فالقانون الطبيعي هو مجموعة القواعد التي يستلهمها العقل المستقيم من طبيعة الأشياء والروابط الإنسانية ومنه فإن طبيعة الروابط الإجتماعية هي التي توحي بمضمون القاعدة القانونية: حيث يكتشفها العقل البشري، وتقتصر وظيفة السلطة العامة على إصدارها، ولما كانت الطبيعة الإنسانية عامة وثابتة فإن القانون الطبيعي يكتسب منها صفة الثبات والخلود.
سادت النظرية السابقة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فتحولت أفكار القانون الطبيعي من مجرد أفكار فلسفية إلى أفكار سياسية واجتماعية، وتضمنت نواة المذهب الفردي الذي يسعى لتمجيد الفرد والدفاع عن حريته وحقوقه الأصلية التي ولدت معه، فالعقل يفرض وجود حقوق طبيعية للإنسان ملتصقة به تولد معه قبل نشوء الحياة الإجتماعية، مترتبة عن صفته الإنسانية وتعد هذه الحقوق مبدأ أساسي من مبادئ القانون الطبيعي، ويجب على القانون الوضعي إقرار هذه الحقوق وتأمين التمتع بها.
هنا يظهر فرق واضح بين المذهب التقليدي الطبيعي وأفكار فلاسفة المذهب الفردي الذي تتطرق إليه هذه الدراسة لاحقا، في أن فقهاء المذهب الطبيعي التقليدي يؤسسون القانون على طبيعة الأشياء وطبيعة الروابط الإجتماعية، أما فلاسفة المذهب الفردي يرون مصدر القانون الحالة الفردية السالفة على وجود المجتمع، وحقوق الإنسان هي الحقوق التي يتمتع بها قبل دخوله في المجتمع.
عاصرت فكرة القانون الطبيعي فكرة العقد الإجتماعي التي تأثرت بها، 1Hobbes واختلف أنصار نظرية العقد الإجتماعي في تحديد مضمونها، فيرى هوبز أن الإنسان كان يتمتع في الأصل بحرية مطلقة، ونظرا ان من شأن هذه الحرية أن تؤدي إلى الفوضى، فإن الأفراد أبرموا فيما بينهم عقد اجتماعيا ينقلهم من حالة الفطرة إلى حالة التنظيم، وبالتالي لم يكن السلطان طرفا في هذا العقد، اذا لم يتنازل السلطان للأفراد واحتفظ بكافة حرياته أما الأفراد فتنازلوا عن كافة حرياتهم، ويعتبر هذا التنازل كاملا ولا رجعة فيه، وبالتالي يتمتع السلطان بحرية مطلقة في التنظيم، وكما يرى هوبز فالإستبداد أفضل من الفوضى.
فيرى أن العقد قد أبرم بين الشعب والسلطان؛ حيث تنازل أما لوك الأفراد عن جزء من حرياتهم الطبيعية واحتفظوا بالجزء الباقي، وفي المقابل يلزم العقد السلطان بحماية ذلك الجزء من الحقوق إلى جانب العمل على تحقيق الصالح العام، فإذا أخل السلطان بإلتزامه جاز للشعب فسخ العقد، وتصبح الثورة عليه مشروعة.
----------------
. 1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 129
فيرى أن العقد الإجتماعي أبرم بين جميع أفراد الشعب أما روسو Rousseau 1 على أن يتنازلوا عن حرياتهم الفطرية للشعب نفسه، فليس هناك سلطان سوى الشعب، وعوضوا حرياتهم الفطرية بحريات مدنية محدودة، وأقام الشعب وكيلا عنه للإشراف على حرياتهم ويكفل لهم التمتع بها، هذا الوكيل هو السلطان الذي للشعب الحق في عزله إذا أخل بواجبات الوكالة.
بعد انتصار الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، حيث ثأرت بنظرية روسو، صدر عنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1784 ، ونص في مادته الثانية على أن الغاية من كل مجتمع سياسي المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا تزول، وهذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن ومقاومة التعسف، وأصبح القانون الطبيعي بذلك مذهبا رسميا، وتأثرت به القوانين الوضعية التي صدرت في تلك الفترة، وصدر مشروع التقنين المدني الذي وضعه نابليون، وينص على أنه يوجد قانون لا يتغير، هذا القانون ليس سوى العقل الطبيعي من حيث أنه يحكم كل البشر.
تعرضت نظرية القانون الطبيعي لنقد جارح خلال القرن التاسع عشر على يد أنصار المدرسة التاريخية، وشهد القرن التاسع عشر تطورات اقتصادية واجتماعية هامة أدت إلى ظهور أفكار جديدة مناقضة للقانون الطبيعي تتمثل في المذاهب الإشتراكية. شهد كذلك القرن التاسع عشر ازدهار الصناعة وانتشار المشروعات الكبرى والإحتكارات الضخمة، فاختل التوازن الإقتصادي والإجتماعي بسبب سوء استغلال الطبقة العاملة على يد الرأسمالية، فأصبحت الحرية وسيلة لتبرير ظلم وإهدار حقوق العمال.
-----------------
. 1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 129
ركزت المدرسة التاريخية نقدها للقانون الطبيعي على وجود قواعد أزلية صالحة لكل زمان ومكان. فالمدرسة التاريخية كما سبق ذكره تركز على تطور القانون وتغيره.
أما الفكر الإشتراكي ركز في نقده للقانون الطبيعي على نزعته الفردية التي تقدس الفرد بحقوقه الطبيعية وتجعل المجتمع والقانون في خدمته، وتتطرق هذه الدراسة بشيء من التفصيل للمذهب الفردي الناتج عن المذهب الطبيعي وأيضا الفكر الإشتراكي الناتج عن نقد المذهب الفردي بعد التطرق الى المذهب المختلط.
ه.المذهب المختلط:
يرجع المذهب المختلط الى الفقيه الفرنسي جيني، الذي انطلق من فكرة محتواها هي ان وظيفة القانون هي تحديد ما يجب ان يكون لا ما هو كائن فعلا، والعقل وحده هو الذي يحدد هذا الوجوب، ولكن اعمال العقل يفترض اولا وقبل كل شيء معرفة الحقائق الواقعية حتى يمكن لهذا العقل ان يفرق بين ما يجب ان يكون وما لا يجب ان يكون، ومن هذه الفكرة كانت الحاجة الى مذهب مختلط . يجمع بين العقل والواقع في آن واحد 1
انطلاقا من الفكرة السابقة يكشف جيني عن اربعة انواع من الحقائق تشكل القيم التي يحملها القانون، وتتمثل هذه الحقائق في: الحقائق الواقعية او الطبيعية، الحقائق التاريخية، الحقائق العقلية والحقائق المثالية.
----------
. 1.مصطفى محمد الجمال. المرجع السابق، ص 349
1.الحقائق الواقعية:
يقصد بالحقائق الواقعية الظروف الواقعية التي تحيط بالإنسان في الجماعة، وهذه قد تكون اولا: مادية كالمناخ والتربة وما ينتج عنهما، وكالتكوين البيولوجي الوظيفي للإنسان، ثانيا: قد تكون ظروفا معنوية كالحالة النفسية والنزعات الخلقية والمشاعر الدينية، واخيرا: قد تكون ظروفا اقتصادية او قوى سياسية او اجتماعية.
هذه الحقائق لا تخلق القانون بذاتها، وانما تكون الضرورة التي تقتضي خلقه والأرضية التي يقوم عليها ويتحدد بها، فالحقائق الواقعية تعتبر الأساس الأول لقيام القانون وان كانت غير كافية بذاتها لقيام هذا الأخير.
تشتمل الحقائق الواقعية مثلا على اختلاف الناس الى جنسين: الرجل والمرأة، فهذه الحقيقة بحد ذاتها لا تخلق قواعد الزواج ولكنها تفرض وجود نظام للإرتباط بين الرجل والمرأة وتحدد الإطار العام لهذا الإرتباط، فتفرض مثلا ان يكون بين شخصين من جنسين مختلفين لا من جنس واحد، وتفرض كذلك اختلاف المركز القانوني لهذين الشخصين في هذا الإرتباط، نتيجة للإختلاف العضوي والنفسي او المعنوي بينهما.
هذه الحقائق تعتبر حقائق علمية يقينية، يتم الوصول اليها عن طريق منهج العلوم القائم على الملاحظة والتجربة.
2.الحقائق التاريخية:
يقصد بالحقائق التارخية عند الصحاب المذهب المختلط: ما تكون في المجتمع على مر الزمن من اصول لتنظم الحياة: وهذه الأصول ليست مجرد عناصر مادية لخلق قواعد القانون وتحديد اطار هذا القانون ، كما هو الحال في الحقائق الواقعية، وانما هي مضمون متجمع بالفعل او بمعنى اخر قواعد متكونة من خلال التجربة الإنسانية جيلا بعد جيل، تفرض نفسها على حياة الناس في انها تتمع بقوة استقرارها والإعتياد عليها 1، ومن هنا فخلق قواعد القانون او تغييرها لا يمكن ان يتجاهل هذه الحقائق ايا كان مضمونها، ودور الإصلاح القانوني يكون عادة في اتجاه تطوير هذه الأصول، لا في اتجاه القضاء عليها، فالحقائق التاريخية تمثل العمود الفقري الذي تدور حوله حركة التطور.
----------
. 1.مصطفى محمد الجمال. المرجع السابق، ص 350
مثلا في ارتباط الرجل بالمرأة يتضح ان هذا الإرتباط قد أخذ من الناحية التاريخية صورة الزواج كنظام هيكلي تحدده مجموعة من الشروط ويحوي مجموعة من الأثار، مهما كان اختلافها في الزمان والمكان، ويخضع لرقابة سلطة اجتماعية؛ دينية او مدنية، ومن ثم فإن كل تجديد في تنظيم الإرتباط بين الرجل والمرأة جب ان يتم في اطار فكرة الزواج بالمعنى السابق و لا يتخطاها، فيغير مثلا هذا التجديد بعض شروط الزواج او بعض اثاره او في السلطة الإجتماعية القائمة بالرقابة عليه، دون المساس بفكرة الزراج في ذاتها، وهذا ما حدث في تعديل قانون الأسرة الجزائري سنة 2005 ؛ حيث غير في شروط الزواج، الا ان هذا التعديل لم يمس فكرة الزواج بحد ذاتها، وترتب على هذا التعديل بعض الأثار الإجتماعية التي لم تكن قبله، بغض النظر عن كونها سلبية او ايجابية الا ان التغير مس الشروط والأثار دون المساس بجوهر فكرة الزواج.
3.الحقائق العقلية:
تعتبر الحقائق العقلية عند اصحاب المذهب المختلط؛ تلك الأصول التي استخلصها العقل من طبيعة الإنسان وصلته بما يحيط به، فهي اصول ضرورية لأن حياة الإنسان لا تستقيم بدونها، ومنه فهي حقائق ثابتة في المكان والزمان، وهي اصول عقلية لأن العقل وحده قادر على الكشف عنها، ومنه يرى اصحاب المذهب المختلط بأن الحقائق العقلية تمثل الجزء الصحيح في نظرية القانون الطبيعي التي سبق ذكرها.
عند تطبيق الحقائق العقلية في المثال السابق عن الزواج، يتبين ان هذه الحقائق تفرض ان يقتصر الزواج على الإرتباط الثابت المستمر بين الرجل والمرأة، والناشىء عن إرادة كل منهما والمستهدف تكوين اسرة وتربية الأبناء الناشئين عن هذا الإرتباط، ولذلك يتميز الزواج عن العلاقة العارضة.
4.الحقائق المثالية:
تتمثل الحقائق المثالية في امال الناس ومطامحهم وتطلعاتهم نحو التقدم المطرد للقانون الوضعي، وهذه التطلعات لا يفرضها الواقع او التاريخ او العقل، وانما تعبر عن الميول الى تنظيم مرغوب للعلاقات القانونية، وترجع هذه التطلعات الى اعتبارات مادية او نفسية او اخلاقية او دينية او سياسية.
تتميز هذه الحقائق بالإختلاق في الزمان والمكان، بالنظر الى ان العقل لا يفرضها، كما تتميز بأنها ليست حقائق علمية بالمعنى الدقيق، بالنظر الى ان معرفتها لا تتم عن طريق العقل، وانما عن طريق الإيمان والشعور، فمثلا في نظام الزواج، عند الأخذ بمبدأ تعدد الزوجات، او مبدأ عدم انحلال الزواج بالطلاق؛ أي سائر القواعد التفصيلية التي تنظم العلاقات الزوجية، فيرى اصحاب المذهب المختلط ان الأخذ بأحد الميادين لا يكون على اساس العقل في الطبيعة الإنسانية، وانما يكون صدى للأحاسيس الخلقية والإجتماعية المختلفة.
5.ترابط الحقائق المختلفة:
تكون الحقائق السابقة الذكر: الطبيعية، التاريخية، العقلية والمثالية في الواقع كلا واحد لا يقبل التجزئة، وذلك لا يمنع كون الحقائق العقلية لها الغلبة في خلق القواعد القانونية، وانها الحقائق المحورية في خلق هذه القواعد، وذلك لأن خلق القانون يعتبر في المقام الأول خلقا ذهنيا، يقوم على اسس من الحقائق الواقعية والتاريخية ويأخذ بعين الإعتبار الحقائق المثالية 1، فالأمر بالنسبة للحقائق الواقعية والتاريخية يقتصر على تسجيلها ووضعها امام المشرع كأساس له، اما الحقائق المثالية توضع كتوجيه له، ويبقى دور الحقائق العقلية التي تفرض نفسها على هذه الحقائق كلها كمعيار للحكم على مدى سلامتها وملائمتها لتحقيق الغاية التي يهدف لها التنظيم القانوني.
---------------
. 1.مصطفى محمد الجمال. المرجع السابق، ص 354
مما سبق، يجمع المذهب المختلط بين جميع الحقائق في حياة الإنسان، ويأخذها بعين الإعتبار لتكوين القاعدة القانونية، وكخلاصة متعلقة بموضوع هذه الدراسة، فالقانون يرتكز على القيم الإجتماعية والدينية والتقاليد والبيئة الجغرافية والطبيعة البيولوجية للإنسان...الخ، لتكوين هذا القانون، ومنه عدم ارتكاز القانون عند تشريعه على القيم يعتبر اغفالا لأحدى الحقائق الأساسية التي يبنى علها القانون، بل اغفالا لكل الحقائق، لأن القيم تمثل معيارا عقليا للحكم على الأشياء، وتعتبر مثلا عليا لما يجب ان يكون وتمثل ايضا حقائق تاريخية متجذرة في المجتمع وحقائق واقعية اجتماعية، وكل ذلك في وقت واحد، ومنه كما تتجمع الحقائق السابقة لتخلق القانون، تتغلغل القيم في كل الحقائق السابقة، ومن هنا يتضح مدى وثاقة العلاقة بين القيم والقانون.
و.المذهب الفردي:
يقوم المذهب الفردي على فكرة أساسية تتمثل في أن الفرد هو محور الحياة الإجتماعية وهدفها، والإنسان أساس الوجد وغايته، فهو محور كل القيم والغاية العليا لكل تنظيم اجتماعي، إذا الفرد لا يستمد وجوده من المجتمع، بل المجتمع هو الذي يقوم بفضل الفرد، وكذا فإن الجماعة توجد لخدمته لأنه يولد ومعه حقوق لصيقة به ولا يكتسبها من الجماعة، ومصلحة الفرد هي السبيل لتحقيق مصلحة الجماعة.
كان للديانة المسيحية بمفهومها الكنائسي تأثير كبير على ظهور المذهب الفردي، حيث تنظر إلى الإنسان كفرد وقيمة في حد ذاته، يرتبط روحيا بالسيد المسيح، وتقوم الرهبنة كنظام مثالي على الوحدة واعتزال كل مظاهر الجماعة.
بعدها أتى عصر النهضة حاملا معه ازدهار التجارة وانتشارها، وقيام الثورة الصناعية وظهور الإستعمار وبالتالي التوسع في استثمار الموارد الطبيعية في المناطق المستعمرة الجديدة، مما أدى إلى إطلاق الحرية الفردية والمنافسة الحرة وانتقال رؤوس الأموال للتجارة، وظهرت الحاجة إلى إطلاق حرية الأفراد دون قيود لاستغلال تلك الثروات والموارد والطاقات، وبالتالي تجلت غاية القانون في تحقيق أكبر قدر ممكن من تأكيد ذاتية الفرد وحريته، وإزالة القيود المفروضة على النشاط الإقتصادي بسبب إقطاع العصور الوسطى 1، وظهر القانون التجاري ليعطي الدور الأساسي لإرادة الفرد ويبين التصرفات القانونية على أساس الإرادة الفردية.
مما سبق تركزت أبحاث الفلسفة الفردية حول الفرد كفرد بغض النظر عن ارتباطه بتنظيم سياسي معين؛ لأن المجتمع المنظم او الدولة وجدت نتيجة عمل إرادي؛ أي بناءا على اتفاق تبادلي بين الأفراد المكونين للمجتمع وهذا تطرق له البحث سابقا في نظرية العقد الإجتماعي، وبالتالي فالفرد هو الذي أقام المجتمع المنظم بإرادته، ومن ثم يجب أن يعمل المجتمع بكل ما فيه من تنظيمات وخاصة القانون على حماية الفرد ومصالحه وتحقيق سعادته، ويفقد القانون سلطانه إن تخلى عن تحقيق غايته.
ترتب على المذهب الفردي عدة نتائج سياسية وإقتصادية وإجتماعية وقانونية، أهمها:
1.تعتبر الحرية والمساواة من الحقوق الطبيعية اللصيقة بالشخصية، التي لا يجوز تقييدها أو المساس بها، بل إن المجتمع السياسي المنظم قد وجد لتأكيد تلك الحقوق وحمايتها، ومنه كان للمذهب الفردي أثر واضح في محاربة طغيان الدولة واستبدادها وقيام العديد من الثورات وأبرزها الثورة الفرنسية.
-----------
1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 30 .
2.يمنح الفرد في المذهب الفردي حرية اقتصادية كاملة، حيث تسود المنافسة والنشاط الإقتصادي دون تدخل من الدولة أو وضع قيود عليه، وبالتالي شجع المذهب الفردي المبادرة الفردية، وحرية كل فرد في اختيار الوسيلة المناسبة لاستثمار أمواله، مما ادى الى سيادة مذهب الإقتصاد الحر وقانون العرض والطلب 1 .
3.يعتبر الفرد هدف القانون الأسمى، وليس للقانون دور سوى حماية وضمان حقوق وحريات الأفراد، أما الفرد فيسبق ويعلو المجتمع والقانون، فحرية الفرد لا يحدها سوى حرية غيره؛ لأن الأفراد متساوون لا سلطة لأحدهم على الآخر، ومنه فوظيفة القانون تقتصر على رسم الحدود والفواصل بين حقوق وحريات الأفراد، وتتجلى وظيفة القانون في العمل على التوفيق بين الإستعمال المتعارض لهذه الحقوق.
مما سبق برز دور الإرادة وسلطانها في المجال القانوني سواء فيما يتعلق بنظام الأسرة والميراث، أو في نطاق المعاملات حيث تسود حرية التعاقد وسلطة الأفراد في إبرام ما يشاؤون من عقود واحتوائها ما يريدون من شروط، دون تدخل أو رقابة من قبل السلطة، فالأفراد أحرار ومتساوون.
أما فيما يخص الملكية الخاصة فهي مصونة لا تمس، وهي مطلقة فيما تخول لصاحبها من سلطات، ولا يجوز تقييد سلطات المالك على ملكه إلا في أضيق الحدود، ولا يصح نزع الملكية الفردية ولو للمصلحة العامة.
إذا اعتمدت القوانين في ظل المذهب الفردي في نشأتها على قيم متمثلة في الحرية والمساواة، فهذه القيم أدت إلى ظهور القانون، وبالتالي أعتبرت القيم غاية القانون والهدف منه، وتتمثل وظيفة القانون في المحافظة على هذه القيم، وبالتالي فإن عارض القانون القيم التي أنشأته وارتكز عليها وجب الخروج عنه واعتباره باطلا، لكن اعتماد القانون على قيم كالحرية المطلقة وتقديس هذه القيمة، وبالتالي تقديس المصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة أدى إلى ظهور الأنانية في المجتمع واستعباد القوي للضعيف، وانتشار الإحتكار والإستغلال، لأن الحرية والمساواة التي يقوم عليها المذهب الفردي هي قيم نظرية: فالتنافس بين الأفراد يؤدي إلى غلبة الأقوى وضياع حقوق الضعيف وبالتالي سيادة الظلم وعدم المساواة واللاعدالة، وانعكست هذه النتائج على القانون حيث أدى تطبيق مبدأ سلطان الإرادة إلى سيادة إرادة الأقوى في التعاقد، وثم فرض شروط الأقوياء اقتصاديا على الطبقة الضعيفة، وبالتالي أصبحت حرية الإختيار قيمة نظرية فقط، لأن الطبقة الضعيفة لا تملك سوى خيارين، يتمثل الأول في تنفيذ شروط تعاقد الطبقة القوية وبالتالي تستغل هذه الأخيرة عمل الضعفاء وجهدهم بثمن زهيد، أما الإختيار الثاني فيتمثل في الموت من الفقر والجوع، وبالتالي يعتبر الإختيار الأول أقل ضررا.
---------------
. 1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 31
ز.المذهب الإشتراكي:
أدى تطور النظام الفردي والرأسمالي إلى التفاوت الملحوظ بين الطبقات واتسعت الهوة بينهما، وأصبحت قيم كالحرية والمساواة لا معنى لها في ظل الضعف الإقتصادي والإجتماعي.
ظهر المذهب الإشتراكي كرد فعل للظلم الذي تعرضت له الطبقات الضعيفة، حيث كان أرباب العمل يفرضون شروطا قاسية في عقود العمل على العمال مقابل أجور زهيدة تحت ستار الحرية، ومنه كان رد فعل المذهب الإشتراكي منطقيا حيث نظر للإنسان ككائن اجتماعي، ومن ثم يجب النظر بالدرجة الأولى إلى مصلحة المجتمع بأكمله، فالعبرة بتحقيق مصلحة الجماعة قبل كل شيء، والفرد لا قيمة له إلا بوصفه عضوا في الجماعة يعمل من أجلها، ويجب تسخير الفرد لخدمة الصالح العام، وانعكس ذلك على القانون فهو لا يهتم بالإنسان كفرد منعزل ومستقل عن غيره، ولكن يهتم به ككائن اجتماعي يرتبط بالناس ويعيش معهم، وبالتالي فإن الغاية من القانون هي تحقيق مصلحة الجماعة وسعادتها، ويجب تسخير كل الوسائل في خدمة الجماعة؛ أي الدولة التي تمثلها في العصر الحديث.
مما سبق ترتب على المذهب الإشتراكي عدة نتائج مناقضة تماما للمذهب الفردي؛ حيث أدى هذا المذهب إلى تغير الخريطة السياسية للعالم في القرن العشرين، فقد تبنت العديد من الأحزاب والثورات الفكر الإشتراكي وسيطرت على مقاليد الحكم في كثير من بلدان العالم.
أدى المذهب الإشتراكي أيضا إلى تدخل الدولة للحد من الحريات العامة في سبيل تحقيق المصلحة العامة، والحد من المبادرة الفردية في النشاط الإقتصادي،
وسيطرت الدولة على جميع وسائل الإنتاج وقامت بتشجيع القطاع العام، وإحلال مبدأ الإقتصاد الموجه محل مبدأ الإقتصاد الحر 1 .
تغيرت فلسفة وجوهر القانون نظرا لاتباع الإتجاه الإشتراكي حيث بات التركيز على مصطلح مصلحة بدلا من مصطلح حق، فالقانون موجود لضمان المصالح
الإجتماعية، حيث ينبغي أن يتدخل في مختلف النشاطات في الجماعة، وذلك بقواعد آمرة لإقامة مساواة فعلية وواقعية بين الأفراد، وبالتالي تضائل دور مبدأ سلطان الإرادة والحرية التعاقدية، فالقانون يعتمد على النظام المستمد من السلطة وليس من العقد كما هو الحال في المذهب الفردي، فتضع السلطة القانون انطلاقا من الأفكار التي تسيطر على المجتمع وتشكل أساس تنظيمه، وبالتالي يصدر القانون تعبيرا عن القيم الإجتماعية والمثل العليا والظروف الإقتصادية والإجتماعية.
تتدخل الدولة في المذهب الإشتراكي لكفالة الحرية والمساواة الفعلية بين الأفراد، ولحماية هذه القيم في المجتمع سنت الدولة القوانين التي تضع القيود على النشاط الفردي والإقتصادي لحماية الطبقة الضعيفة، وتوفير الظروف الإقتصادية
والإجتماعية المناسبة لمنع الإحتكار والإستغلال على نحو يحقق المساواة الواقعية وليست النظرية بين أفراد المجتمع، وبالتالي تتحدد وظيفة القانون في تحقيق مصلحة الجماعة، وتبرز أهمية النظم القانونية التي تفرضها الدولة على الأفراد في لعب دورها الإيجابي في تحقيق العدالة الإجتماعية، وتنظيم الحقوق الموجهة التي تتفق مع الصالح العام، فالملكية ليست حقا خاصا مطلقا بل هي وظيفة اقتصادية واجتماعية، تأميمها ونزعها للمصلحة العامة، ويجب أيضا وضع أحكام لتنظيم الأسرة والميراث على نحو يمكنها من أداء دورها الإجتماعي على خير وجه.
----------
. 1.محمد حسين منصور. المرجع السابق، ص 37
أما في مجال التعاقد، فيتدخل القانون لفرض رقابته على مضمون للعقد وشروطه، لأن احترام سلطان الإرادة لا يكون إلا بالقدر الذي ينطوي على تحقيق العدالة، فالقانون يفرض بعض القيود على الأفراد لتحقيق بعض المصالح الإجتماعية، مثل: عقد التأمين الإجباري من حوادث السيارات، وسلطة القاضي في تعديل عقود الإذعان لصالح الطرف الضعيف، وفرض الكثير من الشروط في عقد العمل لحماية العامل.
إلا أن المذهب الإشتراكي لم يخلو من العيوب المتمثلة في تطرفه في إهدار الفرد وحقوقه لمصلحة الجماعة، مما أدى إلى طغيان سلطان الدولة والحكام على نحو يعدم حرية الفرد، وازداد تدخل الدولة في كثير من المجالات مما أدى إلى تقلص دور الفرد وشل حركته وعرقلة نشاطه، وكانت النتيجة هي زيادة التعقيدات الإدارية والكساد الإجتماعي والإقتصادي، واستفحال دور القانون العام على حساب القانون الخاص، حيث تدخلت الدولة في كافة المعاملات والعلاقات القانونية بصفتها سلطة عامة.
مما سبق ارتكز القانون في المذهب الفردي على قيم تتمثل في المساواة والحرية المطلقة النظرية، وأدى هذا النظام إلى استغلال الطبقة الضعيفة من قبل أصحاب رؤوس الأموال، أما القانون في النظام الإشتراكي فارتكز على قيم المساواة بين الأفراد الواقعية، وأدى ذلك إلى الإستبداد وطغيان الحكام والدولة على الشعب، والواضح أن كلا النظامين انطلقا من فلسفة تدعم الفقراء وحرياتهم ووصل في الواقع إلى زيادة فقر الفقراء واستغلالهم واستبدادهم ومنه فالطبقة الفقيرة تقف دائما في موقف الضحية في النظم الوضعية.
أما القانون الوضعي الجزائري، فتعتبر حالته كسائر الدول العربية، فليس للقانون الجزائري أصول فلسفية ترتكز على مذاهب منسجمة ومتكاملة، فهو يعتبر مزيجا من الفوضى، حيث أن كل فرع من فروع القانون له أصول خاصة به، فالنسبة لقانون العقوبات فلا يكاد ان يميز عن مجموعة نابليون بونابرت 1، وهناك قوانين اشتراكية كقانون الثورة الزراعية وقانون العمل، بالإضافة الى قوانين رأسمالية ليبيرالية كالقانون المدني، واخيرا قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية كقانون الأحوال الشخصية.
حتى فيما يخص هذه القوانين، فعند القول انها اشتراكية فلا تعتبر اشتراكية باتم معنى الكلمة بل يغلب عليها الطابع الإشتراكي، وكذلك بالنسبة للقوانين الراسمالية اللبيرالية، فلا تعتبر راسمالية بمعنى الكلمة، بل يغلب عليها الطابع الرأسمالي، وهذا ما شكل مزيجا غير متناسق من القواعد القانونية في القانون الوضعي الجزائري.
ان القاء نظرة على المذاهب الوضعية وان كانت تحتوي على بعض الجوانب الإيجابية، الا انها لا تخلو من العيوب والنقد، لأن الإنسان مهما حاول الإلمامبكل جوانب الحياة وحاول تجريد القانون من مصالحه الشخصية واتخاذ موقف الحياد في اصدار وتفسير القانون، لكنه يبقى غير قادر على ذلك وهذا راجع لتأثره بكثير من العوامل التي تحول دون امكانيته القيام بذلك، ومنه يجب ان يكون خالق القانون خالقا امثل وخالقا اسمى من الإنسان، وهذا يقودنا الى القانون الإلهي، ومنه يخصص العنصر اللاحق الى موقف الشريعة الإسلامية من المذاهب القانونية الوضعية التي سبق ذكرها.
----------------
1.حسين الصغير. المرجع السابق، ص 104 .

look/images/icons/i1.gif شرح المذاهب القانونية
  17-03-2020 11:30 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-01-2012
رقم العضوية : 3
المشاركات : 333
الجنس :
الدعوات : 6
قوة السمعة : 160
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : متربص
شرح المذاهب القانونية المفسرة شكرا جزيلا لك

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
شرح ، المذاهب ، القانونية ،









الساعة الآن 10:24 AM