logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





06-01-2016 01:39 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 13-08-2015
رقم العضوية : 1926
المشاركات : 306
الجنس :
تاريخ الميلاد : 3-4-1988
الدعوات : 4
قوة السمعة : 150
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : طالب

مدى حجية وسائل الإثبات المعاصرة في القضاء الإسلامي
مقدمة
من المعلوم أن القانون الوضعي لم ينص على القرائن إلا حديثا، لوجود الاختلاف في اعتبارها كما أشرنا لذلك مقدما وكانت إضافتها في المادة (124) سنة 1931 في القانون المصري. وقد جعل القانون الفرنسي والمصري القرائن على نوعين:
أ- قرائن قانونية : وهي التي نص عليها أيضا صريحا. ولذا سميت قانونية.
ب- قرائن قضائية : وهي التي يستنبطها القاضي من ظروف الدعوى، أي أنها استنباط القاضي الأمور المجهولة من أمور معلومة.
ثم كان أن استحدث رجال القانون الوضعي صورا من الوسائل لإثبات بعض الجرائم السياسية والحدود والقصاص ونحو ذلك من الجرائم التي أقر القانون الوضعي إثباتها عن طريق القرينة، واعتبرت دليلا أصليا وعلى القاضي أن يأخذ بها. ويمكن إجمال هذه الوسائل فيما يلي:
1- بصمات الأصابع.
2- التحاليل المخبرية.
3- الكلب البوليسي.
4- التسجيل الصوتي والصور.

مدى حجية هذه الوسائل في القضاء الإسلامي :
من وجوه إعجاز القرآن الكريم، وجود إشارات دقيقة إلى الكثير من النظريات العلمية الحديثة التي سبق إليها القرآن الكريم قبل أن يكتشفها العلم الحديث. ومن الإعجاز أن القرآن لا يتعارض مع ما يكشفه العلم من نظريات علمية صحيحة ثابتة. فقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾<sup><sup>[1]</sup></sup><sup>[27]</sup>.
وما استحدثه رجال القانون من قرائن حديثة بعضها قد يتوافق مع أصول الشريعة وبعضها قد لا يكون قاطعا لا في الشريعة ولا في القانون، ويعنينا هنا إبراز موقف القضاء الإسلامي في هذا الجانب وهل هذه الوسائل المعاصرة صحيحة قاطعة في الاستدلال؟ وتفصيل ذلك :

بصمات الإنسان:
إختلاف بصمات الإنسان لم تكشف إلا في سنة 1884م حيث استعملت في انجلترا رسميا طريقة للتعرف على الشخص بواسطة بصمات الأصابع، ثم اتبعت هذه الطريقة في جميع البلاد<sup><sup>[2]</sup></sup><sup>[28]</sup>.
وقد أثبت العلم أن بشرة الأصابع مغطاة بخطوط دقيقة على عدة أنواع، وهذه الخطوط لا تتغير مدى الحياة. وجميع أعضاء الجسم تتشابه أحيانا ولكن الأصابع لها مميزات خاصة إذ أنها لا تتشابه ولا تتناسب في ملايين البشر.
وهذه المعجزة الإلهية، حيث جعل الله تعالى ذلك دليلا على البعث يوم القيامة في قوله تعالى: ﴿أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه﴾<sup><sup>[3]</sup></sup><sup>[29]</sup>.
وبصمات الأصابع اعتبرت من القرائن الحديثة، وأقر القانون الوضعي اعتبار أثر البصمة في مكان الجريمة قرينة على مساهمة الشخص في الجريمة وعلى القاضي أن يأخذ بها كدليل لإدانة المتهم، إذا لم يستطع تفسير وجود بصمته في مكان الجريمة تفسيرا معقولا يقنع القاضي باستبعادها كدليل، أما في القضاء الإسلامي، فالواقع أن الفقهاء قديما لم يذكر في كتبهم أي إشارة إلى اعتبار البصمات من طرق الإثبات أمام القاضي.
لكن وجد من العلماء المحدثين من عني بذلك وتناول البصمات، فقد جاء في تفسير الشيخ طنطاوي جوهري ما يشير إلى الأخذ بالبصمات في تفسير قوله تعالى : ﴿حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وإبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون﴾<sup><sup>[4]</sup></sup><sup>[30]</sup>، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿بلى قادرين على أن نسوي بنانه﴾.
ومما قاله في ذلك<sup><sup>[5]</sup></sup><sup>[31]</sup>: ونشاهد هذه المشاهدات من الدلالات الصادقة على حكمته وقدرته وعظمته ومعرفة الجانبين بالطرق العلمية في بحث خطوط اليدين والرجلين.
ثم يقول في موضع آخر: وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة على أن حكم القاضي مبني على الظن والنبي صلي الله عليه وسلم كان يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر لأننا لا نزال في الأرض.
فإذا وجدنا أن الظن جاء معه يقين ظاهر ألقينا هذا الظن الم يقل الله تعالى في سورة النجم : ﴿إن الظن لا يغني عن الحق شيئا﴾<sup><sup>[6]</sup></sup><sup>[32]</sup>.
فإذا سمع القاضي رجلا يقول إن الشمس لم تطلع مع أنها طالعة فهذه الشهادة لا تقبل لأنها خالفت الحق هكذا إذا دلت أصابع المجرم على أنه القاتل وأن آثار الأصابع ظهرت على صنجة السيف والسيف وجد على رقبة القتيل.
وجاءت شواهد أخرى على ذلك، فإذا شهد بنفي هذا نقول له كذبت أيها الشاهد. إن هذه الآيات أيها الصديق نزلت في القرآن ليتضح لنا بها القضاء في باب كان مقفلا إلا قليلا.
ومن خلال كلام طنطاوي جوهري يتبين أنه يرى البصمة قرينة صادقة تدل على الجاني، لذلك يجب على القاضي الأخذ بها.
ويؤكد اعتماده على هذه القرينة إلى أبعد من ذلك إذ يقول<sup><sup>[7]</sup></sup><sup>[33]</sup>: فقال صديق: لقد فهمت من مقالكم إن هذه العوالم صوادق في دلالتها والإنسان قد يكذب وإن هذه الأيدي وهذه الأرجل دلائلها صادقات، وفيها علامات مثبتات لجرائم أصحابها وليست كاذبة بخلاف ألسنة الإنسان في الأرض فهي كاذبة ولكن هل علم الله تعالى بأعمالنا في حاجة إلى أمثال الأيدي والأرجل فقلت: كلا هو يعلم ذلك ولكن هذه الآيات موجهات لإصلاح نفوسنا ولها دلالتان<sup><sup>[8]</sup></sup><sup>[34]</sup>:
الأولى : إن الله عليم بأعمالنا.
الثانية : أنه ضرب لنا مثلا بأيدينا وأرجلنا فيها علامات، ولصدق هذه العلامات الدالات على أفعالنا نسب إليها أن تخاطب، وإذا سمع الله منها أفلا يسمع القضاة نطق هذه الأيدي فيحكمون بما تدل عليه<sup><sup>[9]</sup></sup><sup>[35]</sup>.
ونلاحظ من النص أنه جعل القول بقرينة البصمة هو القول السديد، كما ذهب إليه كثير من الفقهاء المعاصرين، وهو الذي يتمشى مع نظر الفقه الإسلامي في الحد من الجريمة والمجرمين والتوصل إليهم ما أمكن بدلالة الدلائل لما يؤدي ذلك إلى استقرار وأمن المجتمع الإسلامي.
لكن هذا القول على إطلاقه غير سديد، في الاعتماد على القرينة من هذا الطريق يدون دلائل أخرى فليس صحيحا أن تسند التهمة إلى شخص بقرينة البصمة فقط لاعتبارات كثيرة أهمها:

أولا: هذا القول لم يقل به أحد من الفقهاء.
ثانيا: لا يتفق مع القول بأن شهادة الشهود هي الأصل في اعتبار الدلالة على إثبات الحق في الحدود والقصاص.
ثالثا: يتعارض الأخذ بالبصمة بدرء الحدود عن طريق الشبهات. والشبهة في قرينة البصمة موجودة. فلا يعني وجود بصمة إنسان على مكان أنه القاتل أو السارق أو نحو ذلك لاحتمال أن يكون القاتل أو السارق غيره، أو أن يكون مشاركاً في الفعل.

وخلاصة القول: إنه يمكن الاعتماد على قرينة البصمة كأداة للقاضي للاعتراف أو أن يقوي ذلك بدلائل أخرى بحكم بها والله تعالى أعلم.

1- التحاليل المخبرية :
التحليل عن طريق المختبرات سواء كان تحليل الدم أو المني أو البول أو غير ذلك، يمكن القول إنها تشبه قرينة البصمة ولكنها غير قاطعة في الاستدلال بها. وأن ثبتت ثبوتا علميا كاملا لا يمنع القاضي أن يأخذ بها.
لأن مثل هذه التحاليل له أصل في القضاء الإسلامي كالحكم بالقافة والفراسة والعلامات والأمارات الدالة على الأشياء. وذكر أبن القيم رحمه الله في هذا الباب أمثلة لا حصر لها مما يؤكد صحة التحاليل في عصرنا هذا ومن هذه الإشارات<sup><sup>[10]</sup></sup><sup>[36]</sup>:
1- ما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة وألقت بصفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت إلى عمر رضي الله عنه صارخة فقالت هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله فسأل عمر النساء فقلن له أن ببدنها وثوبها أثر المني، فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما فنظر علي إلى الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصب على الثوب فجمد البياض ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت.
واعتراف المرأة هنا نتج عن قرينة قوية تشبه التحاليل في المختبرات العلمية إلى حد كبير، وأكد ذلك أيضا ما عقب به ابن القيم بعد ذكر هذه الحادثة بقوله :
يشبه هذا وغيره ما روى أحمد من أن المرأة إذا ادعت أن زوجها عنين وأنكر ذلك وهي تثبت فإنه يخلى معها في بيت ويقال له أخرج ماءك على شيء، فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار، فإن ذاب فهو مني وبطل قولها وهذا حكم بالأمارات الظاهرة، فإن المني إذا جعل على النار ذاب واضمحل وإن كان بياض بيض تجمع وتيبس<sup><sup>[11]</sup></sup><sup>[37]</sup>.
2- ويمكن أن نقول ذلك في رواية أخرى لم تصل إليها بعد التحاليل المخبرية في العصر الحاضر وذلك فيما روى أنه أتى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل أسود ومعه امرأة سوداء فقال: يا أمير المؤمنين إني أغرس غرسا أسود وهذه سوداء على ما ترى فقد أتتني بولد أحمر. فقالت المرأة والله يا أمير المؤمنين ما خنته وأنه لولده، فبقي عمر لا يدري ما يقول فسأل عن ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه عنه فقال للأسود: إن سألتك عن شيء أتصدقني، قال : أجل والله، قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض قال: قد كان ذلك، قال علي: الله اكبر إن النطفة إذا اختلطت بالدم فخلق الله عز وجل منها خلقا كان أحمر فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك<sup><sup>[12]</sup></sup><sup>[38]</sup>.
3- ما ذكره ابن القيم أيضا في ذلك إذ يقول: ورفع إلى بعض القضاة رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه أزال بصره وشمه، فقال: يمتحن بأن يرفع عينيه إلى قرص الشمس فإن كان صحيحا لم تثبت عيناه لها وينحدر منها الدمع.
وتحرق خرقة وتقدم إلى أنفه فإن كان صحيح الشم بلغت الرائحة خيشومه ودمعت عيناه.
ورواية أخرى في هذا الأمر هي في أقضية علي رضي الله عنه وهي أن المضروب أدعى أنه أخرس، فأمر أن يخرج لسانه وينخس بإبرة فإن خرج الدم أحمر فهو صحيح اللسان، وإن خرج أسود فهو أخرس<sup><sup>[13]</sup></sup><sup>[39]</sup>.
فأي تحليل أبلغ من هذه التحاليل في عصر لم يكن فيه مختبرات علمية بأحدث الآلات كما هو الحال اليوم.
وعلى هذا نقول إن هذه الأمثلة وغيرها كثير مما جاء عن كبار الصحابة وغيرهم من القضاة تدل دلالة قطعية على اعتبار هذه الوسائل المعاصرة دليلا أمام القاضي ليأخذ به وأنه لا يتعارض مع التحاليل العلمية الصحيحة في هذا المجال والله تعالى اعلم.

2- التسجيل الصوتي والصور:
أما الاعتماد على تسجيل الأصوات والصور الشخصية في إثبات التهمة فإن هذا لا يتفق وقواعد النظام القضائي في الإسلام لوجود الشبهة فيه ومهارة التزييف في مثل هذه الأمور.
مع العلم أن رجال القانون الوضعي تحرزوا في الأخذ بذلك رغم اعتبارهم لهذه الوسيلة أنها قرينة يعول عليها القاضي بناء الحكم على اختلاف بينهم. وقد عللوا عدم الأخذ بها لما في ذلك من اعتداء على الحرية والمساس بحياة الإنسان الخاصة. وقد وضعوا للأخذ بها شروطاً وجعلوها في الجرائم الخطيرة التي ينبغي تحديدها سلفاً. أما رد هذه القرينة وعدم اعتبارها في القضاء الإسلامي فيمكن إرجاعه إلى الاعتبارات التالية:
أولا: وجود الشبهة في ذلك، والقاعدة الفقهية درء الحدود بالشبهات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادرءوا الحدود بالشبهات" والشبهة في ذلك قرينة قوية جداً حيث تصل المهارة في تقليد الأصوات وتزييف الصور إلى حد يصعب فيه التمييز بين الخطأ والصواب.
ثانياً: في ذلك اعتداء على حياة الفرد الخاصة وقد رعاها الإسلام وحفظها من كل سوء وفيها اعتداء على الحرية الشخصية ومعلوم أن الإسلام حرم التجسس بقوله تعالى: ﴿ولا تجسسوا﴾<sup><sup>[14]</sup></sup><sup>[40]</sup>.
وفي ذلك روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع صوتاً في بيت فارتاب أن صاحب الدار يرتكب محرماً فتسلق المنزل وتسور الحائط ورأى رجلاً وامرأة ومعهما زق خمر، فقال يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصية، وأراد أن يقيم عليه الحد فقال الرجل: لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت عصيت الله في واحدة فقد عصيت أنت في ثلاث، قال تعالى ﴿ولا تجسسوا﴾ وأنت تجسست، وقال: ﴿واتوا البيوت من أبوابها﴾<sup><sup>[15]</sup></sup><sup>[41]</sup>. وأنت تسورت الجدار وصعدت الجدار ونزلت منه وقال تعالى: ﴿ولا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها﴾<sup><sup>[16]</sup></sup><sup>[42]</sup>. وأنت لم تسلم، فخجل عمر وبكى وقال للرجل: هل عندك من خير إن عفوت عنك. قال نعم قال اذهب فقد عفوت عنك<sup><sup>[17]</sup></sup><sup>[43]</sup>.
والصواب : عدم صحة هذه الرواية عن عمر رضي الله عنه، وعلى فرض صحتها فهذا يعني عدم سلامة هذا الدليل، للجوء عمر إلى طرق غير مشروعة مما جعله يتراجع عن فعله ويعفو عن الرجل.
وخلاصة القول: إن عدم صحة الاعتماد على قرينة التسجيل والصور الشخصية كدليل يعتمد عليه القاضي لشبهة التزييف في الصور والتسجيل الصوتي، وكما مرّ فإن القاعدة الشرعية درء الحدود بالشبهات في قوله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات".

3- التعرف على المجرم عن طريق الكلب البوليسي :
أما قرينة التعرف على المجرم عن طريق الكلب البوليسي فهي من الأمور الحديثة التي لجأ إليها القانون الوضعي، ولقد درجت الشرطة على أخذ الكلب البوليسي إلى محل الجريمة، ويدعونه يشم أثراً من آثارها كقميص أو أثره على الأرض ثم يؤخذ إلى طابور يضم المتهم وغيره من الناس الذين لا صلة لهم بالجريمة فيتعرف لهم على المتهم من بينهم.
وهذه القرينة لا يوجد لها في القضاء الإسلامي أي قول عند الفقهاء لحداثتها.
أما موقف القضاء الإسلامي منها :
فإنه لا بد من نظرة عامة على طرق الإثبات في القضاء الإسلامي حتى نتبين الصواب في ذلك.
ومعلوم أن القضاء الإسلامي أكثر تشدداً من القانون الوضعي في مجال إثبات الجنايات، وذلك بتضييقه لمجال إعمال القرائن في نوعين من الجرائم وهما جرائم الحدود والقصاص، وأجازه في النوع الثالث وهي جرائم التعزير.
فلو سلمنا بالأخذ بقرينة التعرف على المجرم عن طريق الكلب البوليسي فإن مجال إعمالها لا يدخل إلا في النوع الثالث من الجرائم
مع العلم أن رجال القانون الوضعي لم يجعلوا هذه القرينة أمراً مسلماً إذ منعوا القضاة من الاعتماد عليها وحدها كدليل في الدعوى ولا يؤخذ بها إلا إذا عضدتها قرائن أخرى فمن باب أولى أن لا يأخذ بها القضاء الإسلامي الذي كان أكثر احتياطاً في مجال إثبات الجنايات<sup><sup>[18]</sup></sup><sup>[44]</sup>.
وترد هذه القرينة من ناحية أخرى وهي: إن الإسلام تشدد في قبول الشهادة في الحدود والقصاص ولم يبح للمرأة الشهادة في ذلك كما هو معلوم، فمن باب أولى أن لا يقبل القضاء الإسلامي شهادة الحيوان.
ومعلوم أن الكلاب أنواع ويعتمد القانون الوضعي في ذلك على مهارة تدريبها فيحتمل عدم المهارة أو النقص في التدريب أو أن الكلب ليس من النوع الذكي، كما أنه لا يؤمن نسيانه للرائحة التي أعطيت له كما لا يؤمن وحشيتيه وافتراسه مما يؤدي إلى الكراه وبطلان الدليل<sup><sup>[19]</sup></sup><sup>[45]</sup>.
لهذا احتاط رجال القانون وكذلك القضاء الإسلامي فلا يؤخذ بهذه القرينة وان اختلت فيها النتيجة العلمية أو كانت غير مؤكدة ويقينية أو تقوى بقرائن أخرى عند القاضي ليحكم بقناعته في ذلك.

خلاصة القول : إن القضاء الإسلامي بتشريعاته الخالدة صالح لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذه الوسائل المعاصرة لإثبات الحقوق التي ذكرتها وبينت مدى حجيتها وغيرها لم أشر إليها مع أنها حديثة لعدم وجود الدليل القطعي على حجيتها كالتنويم المغناطيسي، حيث يعمل به في بعض الدول في الكشف عن الجرائم التي يعجز القضاء عن الوصول إليها، وكذلك الحقن الحديثة التي تعطى للشخص من أجل الحصول على ما عنده من معلومات، فهي من الوسائل التي تعتريها الشبهات في القضاء الإسلامي، الذي يقوم على درء الحدود بالشبهات كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خاتمة
إن الإسلام يأخذ بكل ما يستجد من علوم، أو وسائل معاصرة لإثبات الحقوق أمام القاضي من خلالها، شريطة الدقة والصحة والعدالة الكاملة في إصدار الحكم وذلك لأن القضاء الإسلامي شرع من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وإيصال الحق إلى مستحقه، ومنع استبداد القوي بالضعيف، والقضاء على أيدي أهل الفساد، وصيانة الأعراض والأموال والأرواح، حتى يتحقق للإنسان الطمأنينة النفسية.
وهذا لا يتحقق إلا بوجود القاضي العدل، والحكم بالعدل من قبله، واستقلال سلطة القضاء.


الهوامــــــش



[1][27]- القرآن الكريم، سورة فصلت، آية. 53.
[2][28]- الصابوني، التبيان في علوم القرآن، ص. 132- 133.
[3][29]- القرآن الكريم، سورة القيامة، آية. 4.
[4][30]- القرآن الكريم، سورة فصلت، آية. 20- 22.
[5][31]- الطنطاوي جوهري، تفسير الجواهر، ج19، ص. 152.
[6][32]- القرآن الكريم، سورة النجم، آية. 28.
[7][33]- تفسير الجواهر، ج19، ص. 152.
[8][34]- عوض أبو بكر، أثر القرينة في الحكم الجنائي، ص. 98.
[9][35]- تفسير الجواهر، ج19، ص. 152.
[10][36]- ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص. 42- 43.
[11][37]- ابن قدامه، المغني، ج6، ص. 675.
[12][38]- ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص. 42.
[13][39]- المصدر السابق، ص. 44.
[14][40]- القرآن الكريم، سورة الحجرات، آية. 12.
[15][41]- القرآن الكريم، سورة البقرة، آية. 189.
[16][42]- القرآن الكريم، سورة النور، آية. 27.
[17][43]- الطبري، تاريخ الأمم، ج5، ص. 20.
[18][44]- حسين مؤنس، نظرية الإثبات، ج4، ص. 64.
[19][45]- عوض أبو بكر، أثر القرينة في الحكم الجنائي، ص. 104.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
حجية ، وسائل ، الإثبات ، المعاصرة ، القضاء ، الإسلامي ،









الساعة الآن 07:55 AM