نظام الجرائم و العقوبات الميزوبوتامية الجرائم ضد الأشخاص و الأموال العقوبات المقررة عند إهمال المسبب لأضرار
تتسم القوانين القديمة الميزوبوتامية في هذا المجال (العقوبات) بعدم المساواة في تطبيق العقوبات، حيث كان يراعى في تطبيقها الوضع الإجتماعي للمجني عليه و هذا الأمر يبدو طبيعيا في تلك المجتمعات بطبقيته. كما تتميز هذه القوانين و خاصة قانون حمورابي بمبدأ عدم شخصية العقوبة، فغالبا ما كانت العقوبات لا تطبق على الفاعل وحده، بل تمتد إلى أشخاص أبرياء من أقاربه، و كما يتميز قانون حمورابي بالصرامة في العقوبات سواء كانت الجرائم ضد الأشخاص أو مقدمة ضد الأموال.
ولقد تضمنت المجموعة القانونية للملك حمورابي في مجال تنظيم الجرائم و العقوبات قواعد قانونية كثيرة، و حلول جديدة حيث استبدلت العديد من العقوبات القاسية التي كان تطبيقها يتخذ طابعا دينيا فسمي قبل هذا القانون بالجزاءات الدينية . فتم استبدالها بعقوبات مالية و مدنية (جسمانية)، فمثلا كان الكهنة أو رجال الدين قبل ظهور قانون حمورابي إذا اتهم شخص بارتكابه جريمة من الجرائم كالسرقة و السحر مثلا فإنهم كانوا يأمرونه بإلقاء نفسه في نهر الفرات فإذا نجى من الغرق اعتبر بريئا ومن حقه استرجاع الأموال التي اتهم بسرقتها، أما إن هلك اعتبر مذنبا و بالتالي تكون كل أمواله إلى الشخص الذي اتهمه. و هذه هي نتيجة المحاكمة التي ترضي عليها الآلهة.
فرع 1 : الجرائم ضد الأشخاص و الأموال :
يعد قانون حمورابي أول قانون في العهد القديم الذي قرر أصل مبدأ القصاص على الجرائم ضد الأشخاص. أما الجرائم ضد الأموال خاصة جريمة السرقة بأنواعها فإنه يقرر على مرتكبيها أشد العقوبة (أي الإعدام) وذلك لأهداف اقتصادية تتمثل في ضمان الإستقرار والأمن في المجتمع.
الجرائم ضد الأشخاص :
سجل قانون حمورابي تطورا رائدا في الميدان العقابي عندما أخذ بعين الإعتبار في تسليط العقوبة بالقصد الجنائي (نية الجاني المذنبة) خلافا للقوانين الميزوبوتامية التي سبقته كقانون أورنامو و قانون أشنونة. كما أصبح يفرق هذا القانون بين الجرائم العمدية و الجرائم غير العمدية. ففي حالة القتل أو المساس بأحد أعضاء الجسم فهنا ميز قانون حمورابي بين المجني عليه الحر و بين (المشكنوا (مسكين)) العبيد فيما يتعلق بالأحرار كان مبدأ القصاص هو المطبق و كانت الجريمة عمدية حيث كان الحر يقتل الحر ويعاقب بمثل فعله في فقأ العين أو كسر السن، أما إذا كانت الجريمة غير عمدية فالدية هي التي تحكم محل القصاص.
أما في حالة ما إذا كان المجني عليه من طبقة المساكين أو عبيد فلا يلتزم الجاني إلا بقيمة الضحية في القتل أي قيمة ما نقص منها في حالة المساس بعضو من الأعضاء. وتمثل ذلك كقاعدة عامة قيمة العبد بنصف ½ قيمة المسكين. فمثلا العقوبة المقررة لمن فقأ عين أحد من طبقة المساكين هي دفع دية قدرها 60 مثقالا من الفضة، أما إذا كان فاقئ العين من طبقة العبيد هي دفع دية 30 مثقال من الفضة.
الجرح و الضرب : في هذا النوع من الجرائم طبق قانون حمورابي كذلك الصفة غير العمدية للجريمة، و بصفة الجاني و المجني عليه حيث تقضي هذه النصوص أن الجرح العمدي يعاقب بغرامة و الجرح غير العمدي يكتفي فيه الفاعل بدفع نفقات العلاج للطبيب. كما تقضي هذه القوانين كذلك أن ضرب الحر يعاقب بغرامة مالية و أن ضرب من هو أرفع منه في المرتبة الإجتماعية يعاقب بالجلد (60 جلدة)، و أن ضرب الحر من طرف العبد يعاقب بقطع أذنه.
و زيادة على ذلك خصص قانون حمورابي بعض النصوص في حكم ضرب المرأة الحامل، لأن الإنجاب أساس المجتمع الميزوبوتامي. و فـَــرَّقَ بين الحفــرَّةف و الأمَــَـةف ، فبالنسبة لضرب الحرة الحامل ميز القانون بين فرضيتين :
- ففي حالة إسقاط الحمل و الذي أوجب فيه الغرامة المالية و بين موت المرأة الحامل الناتج عن الضرب، حيث قررت نصوصه بأن عقوبة الجاني (الضارب) تتمثل في قتل ابنته.
- أما بالنسبة لضرب الأمة الحامل فلم يميز القانون بين إسقاط الحمل أو الموت في الحالتين يلتزم الجاني بدفع غرامة مالية.
الجرائم الواقعة على الأموال :
كانت عقوبة الإعدام هي المقررة عموما على الجرائم المخلة بالإستقرار الإقتصادي و التي تسعى إليه القوانين الميزوبوتامية. لذا نجد نصوص قانونية متعددة تعاقب بالموت المتلبس بجريمة السرقة و قاطع الطريق الذي يسلب الناس و المطفف و من ييستوفي الحيل و الخديعة أكثر مما يستحق
فرع 2 : العقوبات المقررة عند إهمال المسبب لأضرار :
لم يفرق قانون حمورابي بين المسؤولية المدنية و المسؤولية الجنائية كما هو الحال في التشريعات الحديثة فمسؤولية البناء أو الطبيب مثلا تخضع لعقوبات شديدة خاصة إذا أدى إهمالهما إلى موت المتضرر.
فبالنسبة للبناء ، أوردت قوانين حمورابي عدة احتمالات في سقوط البناء و عرضت البناء إلى عقوبات متعددة وفقا للوضعيات التي قد تحدث، فضلا على التزامه بإعادة البناء على نفقته، فقد يقتل ابن البناء أو ابنته إذا سقط البناء على ابن أو بنت صاحب البيت. و قد يلتزم بدفع تعويضات تتمثل في ما قيمة العبد أو الأمة إذا سقط البناء على أحدهما و إما قيمة ما تلف من حاجات صاحب البناء عند سقوطه.
أما بالنسبة للطبيب يقضي نفس القانون على أن الإهمال المؤدي إلى تلف عضو المريض أو موته تقابله عقوبة قطع يد الطبيب إذا كان المريض حرا. و في حالة كون المريض عبدا أو مسكينا فيلتزم الطبيب بقيمة ما نقص منه