مراجعة القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية[/u]
إن المطالع للنصوص القانونية سارية المفعول المتعلقة بالملكية الفكرية، يكتشف أن غالبية القوانين أعدت في سنوات الستينات حيث لا تستجيب لمقتضيات المرحلة الحالية، فالقوانين المتعلقة بالاختراعات وكذا حقوق المؤلف والحقوق المجاورة قد تم تنظيمها بنصين حديثين نسبيا وهما على التوالي: المرسوم التشريعي رقم 17/93 والأمر 10/97 وبالتالي فهي تستجيب إلى حد ما للوضع الاقتصادي، أما عن النصوص المتعلقة بالعلامات، تسميأت المنشأ والرسوم و النماذج، فهي نصوص قديمة حيث كان الوضع الاقتصادي للبلاد يختلف عما هو عليه الآن.
والرآي الغالب الآن هو إعداد قانون موحد ليتكفل بحماية الملكية الفكرية خاصة وأن الجزائر تتأهب للإنظمام للمنظمة العالمية للتجارة، كما أن قانون موحد يسهل على المؤسسات العمومية تطبيق الأحكام والآليات بصورة واضحة كما يسهل العمل لرجال القضاء ويسمح للمجتمع المدني أخذ صورة واضحة حول الآليات المخولة له في مجال حماية الملكية الفكرية.
كما يرى رجال القانون أن القانون الجديد يجب أن يتضمن المحاور الآتية لزوما:
1-تعريف عاما وواضحا لظاهرة التزييف والقرصنة باعتبارهما كل فعل بمس بحقوق الملكية الفكرية.
2-وضع نظاما جزائيا صارما من حيث العقوبات الأصلية أو العقوبات الفرعية.
3-توضيح بدقة الإجراءات والآليات التي تسمح لمختلف السلطات العمومية بالتدخل بفعالية وبالسرعة اللازمة.
توسيع آليات تدخل أجهزة الرقابة والتفتيش
لا يمتلك أي نص قانوني قيمة فعلية إذا لم يوضح بدقة آليات التدخل الميدانية للسلطات العمومية كالجمارك ومصالح قمع الغش و الضرائب...إلخ
فالمشكل الذي تعاني منه الجزائر هو وجود نصوص قانونية مجردة غير متبوعة بنصوص تطبيقية، فالمادة 22 من قانون الجمارك تمنع التجارة في المواد المزيفة مع إحالة التطبيق على نص تنظيمي، الذي لم يظهر للوجود لحد الساعة.
-إلى جانب توضيح الآليات في النصوص التنظيمية، يجب توسيع هذه الأخيرة لتواكب تطور التدفقات الدولية، وهذا باعتماد التوصيات الآتية:
1-أعطاء صلاحيات واسعة لمختلف هيئات الدولة للتدخل في حال معاينة مخالفة تمس الملكية الفكرية.
2-تقوية التعاون والتنسيق بين السلطات التي خول لها القانون حق التدخل مع السلطات الإدارية المختصة بموضوع الملكية الفكرية وهي:
أ-الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة.
ب-المعهد الوطني للملكية الصناعية.
3-تفعيل العلاقة التي تربط السلطات العمومية بالمجتمع المدني.
عصرنة الجهاز القضائي لمواجهة جرائم العصر
لقد أدى تطور نظام حماية الملكية الفكرية إلى توسيع القاعدة القانونية التي يعتمد عليها القاضي في تكييف التجاوزات الحاصلة في هذا المجال من أجل إقرار العقوبات الملائمة، غير أن الواقع يبين نقصا ملحوظا في المؤهلات المعرفية لدى القاضي بشكل يفتح المجال أمام ضعف في القرارات و الأحكام القضائية مما قد يمس بنظم الحماية المقررة لصاحب الحق، هذه الوضعية تمثل مبررا كافيا لاستيعاب حتمية تكوين القاضي وتأهليه في هذا المجال.
كما يجب نشر الاجتهاد القضائي، الذي يظل مصدرا أساسيا لعمل القاضي وأداة يجب الاهتمام بها من أجل تطوير دور العدالة في محاربة التزييف وإعلام كافة المتدخلين في مجال حماية الملكية الفكرية بمستجداته لاسيما إدارة الجمارك، الديوان الوطني لحقوق المؤلف، المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية.
ترقية دور الفرد و المجتمع المدني في مجال حماية الملكية الفكرية
إعطاء تسهيلات لصاحب الحق في الدفاع عن ملكيته الفكرية
بما أن أصحاب الحق هم المعنيون الأوائل، و المتضررون من عملية المساس بحقوقهم المرتبطة بعنصر من عناصر الملكية الفكرية، فإن القانون يجب أن يمنحهم الحق للتدخل أمام مختلف السلطات العمومية وهذا بواسطة عرائض قصد التبليغ بوجود انتهاكات لحقوقهم، وعلى الهيئات العمومية أن تأخذ هذه العرائض بعين الاعتبار وعلى وجه السرعة قصد كبح الخطر.
حيث يوضح صاحب الحق في عريضة الأدلة عن وجود الانتهاكات لكن في نفس الوقت يجب أن يضع كفالة لضمان خسائر الطرف الآخر (المدعى عليه) في حال عدم ثبوت الضرر.
فتدخل صاحب الحق بوجه خاص والقطاع الخاص بوجه عام في محاربة التزييف يعتبر مفتاح نجاح كل عمليات المراقبة، فلقد تبنت على سبيل المثال المنظمة العالمية للجمارك منهج التعاون مع المنظمات الحرفية من خلال توقيع عدة بروكولات تعاون معها تضمن :
أ-تعيين مراسلين جمركين ضمن المؤسسات.
ب-خلق شبكات اتصال.
جـ-وضع أسس برنامج تحسيس مكثف.
إنشاء جمعيات حماية المستهلك
بالإضافة إلى دور المؤسسات وأصحاب الحق في حماية ملكيتهم الفكرية، هناك ضرورة لإشتراك المجتمع المدني في هذا المجال، من خلال إنشاء جمعيات تتولى حماية المستهلك، فكما سبق وأن ذكرنا أن المنتوجات المقلدة أو المزيفة تشكل تهديد حقيقي على صحة وأمن المستهلك وهذا ما وضحنه في الفصل الأول من خلال التحدث عن تقليد المواد الصيدلانية وقطع الغيار ومواد أخرى.
فالمواطن لضعف إمكانياته المالية والقانونية لا يستطيع اللجوء إلى القضاء في حال تعرضه للمغالطة والمواد المزيفة خاصة إذا تكرر معه ذالك، إذن فالجمعيات التي تمثل مصالح المستهلكين بإمكانها القيام بالمطالبة الجماعية بحقوق المستهلكين أمام مختلف هيئات الدولة وأمام القضاء، كما أنها تمارس عمل تحسيسي من شأنه أن يصرف المستهلك عن المنتجات المزيفة إلى المنتجات الأصلية رغم الغلاء النسبي لثمن هذه الأخيرة.
أهمية العمل التحسيسى بخطورة ظاهرة التزييف والتقليد والقرصنة
لقد أصبحت اقتصاديات لدول كثيرة من العالم مبنية على رواج المواد المقلدة أو المزيفة، حيث رغم العوائد المالية لهذه المنتجات، إلا أنها أمم تناست الأخلاق و المبادئ وروح المنافسة الشريفة، ومع تنامي الأصوات المنددة بمناهج هذه الدول في التعامل مع خروقات الملكية الفكرية، تخلت كثير منها على هذه البضائع ومنها اليابان، في حين تستمر دول جنوب شرق آسيا في اعتماد اقتصاد المواد المزيفة.
فعل الرغم من أن جل دول العالم سنت قوانين لحماية الملكية الفكرية، إلا أن رواج السلع المقلدة يزداد مع مرور الأيام، إذ تشير إحصائيات المنظمة العالمية للتجارة أن تجارة المواد المقلدة نشكل أكثر من 5% من التجارة الدولية. ويرجع تنامي هذه الظواهر إلى غياب النشاط التحسيسي الذي يفترض أن تقوم به وسائل الإعلام والجمعيات وباقي فعاليات المجتمع، كما تسيطر في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع الجزائري فكرة جواز تقليد أو تزييف منتج أو مؤلف أدبي أو صناعي كالأجهزة الرقمية وبرامج الحاسوب في حين تجرم وتحرم أنواع السرقات الأخرى، فهذه الازدواجية في التعامل مع نفس الفعل وهو "السرقة" يجب أن تأخذ مكانتها في نقشات المفكرين ورجال الإعلام وكذا رجال الدين.
[face=Simplified Arabic]خاتمة[/face]
<font face="Simplified Arabic">إن رغبة المجتمع في التأسيس لحضارة فكرية واقتصادية واجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط، وعلى رأسها توفير الظروف الملاءمة لنمو الإبداع الفكري والصناعي واحترام وحماية جميع الإبداعات مهما كانت بسيطة، فالدولة الغربية فهمت أن ترقية الفكر والإبداع لا يمكن أن يتحقق إلا بحماية المبدع وإبدعاته ومحاربة السرقات الأدبية ونشاطات القرصنة والتي تمس خاصة قطاع الرقميات والإعلام الآلي والتكنولوجيا الحديثة كما أن الدولة الغربية استوعبت أن مجيء المستثمر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت الدولة قادرة على فرض رقابتها لضمان السوق الحر و المنافسة المشروعة و يتأكد من رغبتها في محاربة السوق الموازية والبضائع المقلدة والمزيفة وجميع النشاطات الغير شرعية التي تمس بوجوده كمستثمر.
فكيف ننتظر مجيء المستثمر الأجنبي أو الوطني، وهو يرى منتوجاته تتعرض للتقليد وتروج على أعلى مستوى من طرف شركات تعمل في السوق السوداء وخارجة عن سيطرة الدولة، في حين أنه خصص الأموال الكبيرة في البحث ليصل بمنتوجه لذالك المستوى فالمعادلة التي يجب أن نستوعبها، أنه إذا أردنا الازدهار والنمو فعلينا بتقديس واحترام الملكية الفكرية بشقيها الأدبي والفني من جهة والصناعي من جهة أخرى وعلينا أن ندرك جيدا أنه لا إقلاع ولارقي خارج هذه المعادلة.
----------------------------------------
قائمة المراجع
<font face="Simplified Arabic">1-الأمر رقم 66-57 مؤرخ في 14 مارس 1966 المتعلق بعلامات الصنع والعلامات التجارية.
2-الأمر رقم 66-86 مؤرخ في 28 أفريل 1966 المتعلق بالرسوم والنماذج.
3-المر رقم 76-65 مؤرخ في 16 جويلية 1976 المتعلق بتسمية المنشأ.
4-القانون رقم 89-02 مؤرخ في 07 فيفري 1989 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك.
5-المرسوم التشريعي رقم 93-17 مؤرخ في 07 ديسمبر 1993 المتعلق بحماية الاختراعات.
6-الأمر رقم 97-10 مؤرخ في 06 مارس 1997 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
7-المرسوم التنفيذي رقم 90-39 مؤرخ في 30 جانفي 1990 المتعلق بمراقبة النوعية وقمع الغش.