مقدمة :
يفرض القانون الإجرائي و هو ينظم وسائل لحماية الحقوق الموضوعية شكليات معينة تحقق الحماية القانونية لأصحاب هذه الحقوق و إذا تمت مخالفة تلك الأوضاع التي تفرض على المتعاقدين أو هذه الشكليات التي تفرض على الخصوم فان العمل الإجرائي المخالف يغدو غير فعال و يفقد أثاره القانونية و يتم التعبير عن ذلك الوضع بالقول أن العمل الإجرائي يكون باطلا .
فالبطلان الذي يلحق العمل الإجرائي هو وصف أو تكييف قانوني لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها القانون إذا كان كاملا.
والبطلان يعد أهم الجزاءات و أكثرها شيوعا للمخالفات التي يمكن إن تعيب العمل الإجرائي، وهو أيضا جزاء خطير إذ انه يهاجم العناصر التي تستند إليها الدعوى يمكن إن يؤدي إلى انهيارها أو إلى عدم صحتها فهو لا يعني مجرد إهدار الإجراء المعيب مع السماح بإعادته و لكنه قد يؤدي في أحوال كثيرة إلى انهيار الخصومة بأكملها ، وضرورة إعادة الدعوى من جديد، بل قد يؤدي إلى زوال الحقوق الموضوعية كما لو لم يستطع المدعي إعادة الدعوى بسبب انقضاء حقه بالتقادم، و في ابسط الأحوال إبطال إجراء من الإجراءات الدعوى قد يؤدي إلى إطالة أمدها.
وهذا لا يعني الدعوة إلى إلغاء إجراء البطلان نهائيا أو انه لا فائدة من ورائه، ذلك انه جزاء على مخالفة الشكل، فهو يشكل ضمانة فعالة لاحترام هذا الشكل و الغاية منه، وأهمها احترام حقوق الخصوم و حرياتهم. و لقد حاول المشرع الجزائري في ظل قانون 08/09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية إن ينظم هذا الموضوع بأكثر تفصيل ودقة و يتفادى النقص والغموض الذي شاب القانون القديم ،لذا وجب التساؤل إلي أي مدى و فق المشرع الجزائري في التوفيق بين الاعتبارات السالفة الذكر أي التوفيق بين ضرورة البطلان كجزاء على عدم احترام الشكليات و بين مبدأ الفصل في الدعوى في أجال معقولة والذي جعله المشرع مبدأ من مبادئ هذا القانون الجديد؟.
و في سبيل الإجابة عن هذا التساؤل تم تقسيم هذه المداخلة إلى مبحثين نتطرق في المبحث الأول إلى التمسك ببطلان إجراءات الخصومة عن طريق الدفع ، و في المبحث الثاني إلي التمسك ببطلان الحكم عن طريق طرق الطعن
المبحث الأول: التمسك ببطلان إجراءات الخصومة (عن طريق الدفع)
اعتبر المشرع الجزائري في القانون 08/09 الدفع بالبطلان من الدفوع الشكلية يخضع للقواعد العامة التي تحكم مختلف الدفوع الشكلية، وقد ميز المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي بين البطلان لعيب في الشكل (م 61، 62، 63) أو لبطلان لعيب في الموضوع (م64، 65) على خلاف المشرع المصري الذي لا يعرف إلا البطلان لعيب في الشكل ، وسوف نتعرض في البداية إلى التمسك بالبطلان من ناحية الشخص الذي يتمسك به (المطلب الأول) ثم نتعرض لوقت التمسك بالدفع بالبطلان (المطلب الثاني)،وكيفية تصحيحه(المطلب الثالث). المطلب الأول: المتمسك بالدفع بالبطلان
إذا كان من المتفق عليه انه لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه ( الفرع الاول) فانه لا يجوز ان يتمسك بالبطلان الا من مشرع لمصلحته، (الفرع الثاني)، كما نجد أن المشرع قد قيد هذه الوسيلة عن طريق الإجازة لصاحب المصلحة النزول عن التمسك بالدفع بالبطلان، إلا انه وسع فيه من جانب حماية المصالح العامة من خلال تقريره للبطلان المتعلق بالنظام العام و البطلان لعيب في الموضوع (الفرع الثالث). الفرع الأول: لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه
لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه قاعدة قديمة تنتمي بجذورها إلى القانون الروماني، الذي كان يقرر انه ليس لأحد أن يفيد من باطل صدر منه، وهي تمثل الآن مبدءا مستقرا لا يحتاج إلى التصريح للعمل به مثلما فعل المشرع الجزائري في القانون 08/09 وكذا المشرع الفرنسي، وان كان المشرع المصري قد نص عليه في المادة 21/02 من قانون المرافعات وهكذا لا يجوز التمسك بالبطلان من الخصم الذي تسبب فيه على ما ذهب إليه المشرع المصري، وعلى ما ذهب إليه القضاء الفرنسي لا يحق أن يتمسك بالبطلان من كان سببا في حدوث الضرر إذا كان من تمسك بالبطلان هو من أصيب بالضرر وهو الموقف الذي سيعتمد في القانون الجزائري الذي اعتمد قاعدة "لا بطلان إلا بضرر" في المادة 60 ق ا م ا.
وقد تبنى القضاء و الفقه تفسيرا مرنا لهذه القاعدة يتماشى مع مذهب الحد من البطلان بحيث يصدر عن الخصم سلوك يساهم ولو بقدر محدود وحده أو مع غيره بطريق مباشر او غير مباشر في حدوث البطلان، فانه لا يحق لهذا الخصم التمسك به إلا أن قاعدة " لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه" مقصورة عل حالة بطلان الإجراء غير المتعلق بالنظام العام أما إذا كان الإجراء، متعلق بالنظام العام فانه يجوز لأي من الخصوم التمسك به بما فيه الخصم المتسبب فيه لان هذا البطلان لا يقتصر التمسك به على من شرع لمصلحته فلأي خصم التمسك به حتى المتسبب فيه، رعاية للمصلحة العامة التي تعلو على أي اعتبار .
الفرع الثاني: لا يجوز أن يتمسك بالبطلان إلا من قرر لمصلحته وعليه أن يثبت الضرر الذي لحقه أولا: لا يجوز أن يتمسك بالبطلان إلا من قرر لمصلحته
عبارة تقليدية وردت في المادة 63 من ق ا م إ تمثل قاعدة مستقرة في الفقه والقضاء وان كانت غير واضحة المعالم وتحتاج إلى التحديد بناءا على الهدف من النص ومسلك المشرع الحديث في الحد من البطلان طبقا لنص المادة 63 ق ا م إ.
ان التمسك بالبطلان مخول فقط للشخص أو الأشخاص الذين قرر الإجراء لحماية مصلحتهم المحددة فإذا خولف الشكل المقرر لهذا الإجراء أو لم يتم بالطريقة التي نص عليها المشرع كان هذا الإجراء باطلا ويثبت الحق في التمسك بالبطلان في هذه الحالة لهذا الشخص وحده أو لهؤلاء الأشخاص وحدهم دون غيرهم، وليس لغير الخصم صاحب المصلحة أن يتمسك بهذا البطلان فلا يمكن للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه ولا للنيابة إذا كانت طرفا أن تطالب به، وفي حالة تعدد الخصوم في القضية، فانه يكون لكل منهم أن يتمسك ببطلان الإجراء الموجه إليه إذا كان معيبا و استطاع إثبات الضرر.
أما إذا كان الإجراء قد تم بالنسبة له صحيحا، بينما تم باطلا بالنسبة لغيره فلا يحق له التمسك بالبطلان لأنه ليس صاحب المصلحة في ذلك ، غير انه إذا كان موضوع الدعوى لا يقبل التجزئة بسبب طبيعته أو بسبب نص في القانون يوجب اختصام أشخاص معينين في الدعوى كما في دعوى استرداد المنقولات المحجوزة التي يجب أن ترفع على الدائن الحاجز و على المحجوز عليه و على الحاجزين المتدخلين (م 717)، و كما في دعوى الاستحقاق الفرعية، فان الخصومة في هذه الأحوال إما تبقى برمتها أو تزول برمتها، فإذا كان التبليغ الرسمي باطلا بالنسبة لأحد الخصوم فانه يترتب عليه البطلان بالنسبة للجميع إلا أنه في حالة عدم التجزئة وحيث يتعدد الخصوم إجباريا لا تخرج عن قاعدة " لا يتمسك بالبطلان إلا من شرع لمصلحته" ذلك أن بقية الخصوم ليس لهم الحق في التمسك بهذا البطلان رغم أن لهم مصلحة في ذلك، أي يجب التمييز بين التمسك بالبطلان(مقصور على من شرع لصالحه)، وبين الاستفادة منه ( لجميع الخصوم) .
ولا يختلف الحال في أحوال التضامن فلا يتمسك به إلا من شرع لمصلحته، كما تطبق قاعدة التضامن في ينفع لا فيما يضر.
و لا شك أن حق التمسك بالبطلان ينتقل إلى الخلف العام و الخلف الخاص وفقا للقواعد العامة فلورثة الشخص الذي شرع البطلان لمصلحة التمسك بالبطلان المقرر لمورثهم، كما يمكن للدائن أن يستعمل حق مدينه في التمسك ببطلان العمل الإجرائي و هو بذلك يستعمل الدعوى غير المباشرة و يمارسها عن طريق التدخل في الخصومة. و إذا كان البطلان يشوب إجراءات التنفيذ، فيمكن للدائن أن يتمسك به من خلال المنازعة في التنفيذ . ثانيا: على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه
نصت على ذلك المادة 60 ق.ا.م.ا، وبهذا النص يكون المشرع الجزائري قد اعتمد مبدأ انه لا بطلان بغير ضرر و هو بذلك يكون قد اتخذ موقفا واضحا، على خلاف القانون السابق الذي اتسم بالغموض في هذه المسالة ، فلا يكفي - وفقا لهذا المبدأ - مجرد مخالفة الشكل حتى يحكم بالبطلان أو نص القانون على البطلان أي يجب حتى يحكم به أن يثبت أن هذه المخالفة أضرت بمصالح الخصم المتمسك بالبطلان ، و يتصف هذا المبدأ بميزتين:
- انه يتجنب مضار تحكم القاضي، حيث يضيق سلطته التقديرية الرابعة، و يحدد له سلفا الضرر كضابط للحكم بالبطلان.
- أنه يتجنب تحكم المشرع فيجعل الضرر و ليس النص هو ضابط الحكم بالبطلان، فلا يحكم بالبطلان حتى لو نص عليه إذ لم يترتب عليه ضرر.
و قد اخذ المشرع الفرنسي بهذا المبدأ جزئيا في 12 جانفي 1923، حيث قصره على مخالفة الإجراءات الخاصة بتحرير وإعلان صحف الدعاوى ثم خطى خطوة كبرى بالمرسوم بقانون الصادر في 30 أكتوبر 1935، حيث أضاف فقرة أولى للمادة 73 من قانون المرافعات تنص على أن كل بطلان يلحق بصحيفة و بعمل إجرائي لا يمكن الحكم به ما لم يترتب عليه ضرر بمصالح الخصم، وبدا اخذ المشرع بمبدأ لا بطلان بغير ضرر كمبدأ عام يحكم بطلان الأعمال الإجرائية ، ثم جاء قانون المرافعات الفرنسي الجديد الصادر في 05 ديسمبر 1985 و الذي أرسى معالم نظرية البطلان في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي وفقا للقواعد التالي
لا يقر بطلانها إلا بنص صريح في القانون و على من يتمسك به أن يثبت الضرر، و ليس المقصود بالضرر هنا الضرر الشخصي الذي يصيب المتمسك بالبطلان، فهو ليس مرادفا للضرر كشرط للمسؤولية مما يوجب التعويض، إنما يقصد به - باعتباره سببا للبطلان كجزاء - تخلف الغاية من الأجراء .
و يمكن إضافة هنا مخالفة الأشكال المتعلقة بالنظام العام حتى ولو لم يرد فيها نص، بشرط إثبات الضرر.
وقد حددت المادة 64 حالات البطلان الموضوعية و هي انعدام الأهلية و انعدام الأهلية و التفويض لشخص معنوي. وهي محددة على سبيل الحصر و لا يشترط فيها إثبات الضرر. الفرع الثالث: مدى جواز التنازل عن الدفع بالبطلان
يتقلص نطاق التمسك بالبطلان بالنظر إلى الشخص المتمسك به بالتنازل عنه (أولا ) كما يتوسع في حالة النظام العام أو وجود عيب في الموضوع ( ثانيا ). أولا- لصاحب المصلحة النزول عن التمسك بدفعه :
من أهم الوسائل التي جاء بها المشرع للحد من البطلان، حيث يزول البطلان ، إذا تنازل عنه من شرع لمصلحة صراحة أو ضمنا و هو ما عبر عنه المشرع الجزائري ضمنا بنص المادة 61 ق ا م ا "لا يعتد بهذا الدفع إذ قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحق لاحق للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته".
و التعبير الصريح عن إرادة التنازل عن البطلان يكون بإعلان الخصم إرادة النزول عن حقه في التمسك بالبطلان، و لا يشترط فانه شكل محدد، و يسري انه يتم التنازل عن البطلان قبلا حدوث البطلان، أو بعد حدوثه.
و يمكن أن يكون النزول عن البطلان ضمنيا حيث تنصرف إرادة الخصم إلى النزول عن حقه في البطلان، ولكن لا يمكن التعبير عن هذه الإرادة بطريقة صريحة و إنما يستفاد من سلوك الخصم في الدعوى، بحيث سلك سلوكا يدل على استعداده لتحمل آثار العمل المعيب و لا يكتفي بالسكوت .
و يعد إبداء دفع في الموضوع لاحق للعمل الإجرامي المعيب من صور التنازل الضمني عن البطلان(م 61 ق ا م ا ج ).
و إذا تعدد الخصوم المتخذ الإجراء ضدهم، فان تنازل احدهم عن البطلان لا يزول حق الآخرين في التنازل عنه. ثانيا- البطلان المتعلق بالنظام العام و البطلان المقرر لعيب في الموضوع:
- يجوز لكل شخص له مصلحة أن يتمسك به، سواء من باشر العمل أو بوشر ضده أي كل من يكون في مركز قانوني يتأثر ببطلان العمل الإجرامي، كما يجوز للنيابة العامة التمسك بهذا البطلان إذا كانت طرفا .
- تعلق البطلان بالنظام العام، يستفاد من نص المشرع على أن"المحكمة تقضي من تلقاء نفسها"، حيث يستفاد عدم التعلق بالنظام العام بنص المشرع على أن المحكمة لا تقضي به إلا بناءا على طلب . أو بنصه على أن البطلان يزول بنزول من له الحق في التمسك به. وإذ ا لم يوجد نص تشريعي، فان القاضي يضع نصب عينيه نوع المصلحة التي يرمي المشرع إلى حمايتها بالقاعدة المخالفة هل هي مصلحة عامة فيكون البطلان متعلق بالنظام العام، أم مصلحة خاصة فيكون البطلان خاصا .
- للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها، و لو لم يتمسك به أي من الخصوم، سواء كانت ابتدائية أو استئنافية أو محكمة نقض.
- كما يجب مراعاة أن التمسك بالبطلان المتعلق بالنظام العام معلق على عدم تحقق الغاية من الشكل الذي تمت مخالفته، فتحقق الغاية من الإجراء مانع من الحكم بالبطلان و أي كانت صورته و هذا على رأي المشرع المصري (م 20/02) و معلق على تحقق الضرر على رأي المشرعين الفرنسي و الجزائري.
- انعدام الأهلية للخصوم
- انعدام الأهلية أو التفويض للشخص الطبيعي أو المعنوي.
ونجد أن المشرع الجزائري انه اعتبر هذه الحالات واردة على سبيل الحصر على خلاف استقرار قضاء محكمة النقض الفرنسية علي اعتبارها واردة على سبيل المثال ، فتشكل عيب في الموضوع، قيام المحضر القضائي بتبليغ خارج اختصاصه الإقليمي .
ويتم التمسك بالبطلان لعيب في الموضوع عن طريق دفع إجرائي، وان كان هذا الدفع يخضع لقواعد خاصة، أكثر مرونة تميزه بوضوح عن الدفع بالبطلان لعيب في الشكل، فيمكن إثارته في أي حالة كانت عليها الدعوى (م 65 ق أ م أ)، كما يقضى به دون حاجة إلى إثبات ضرر، وبلا حاجة إلى نص .
المطلب الثاني: وقت التمسك بالدفع بالبطلان:
باعتباره دفعا شكليا فان تطبق عليه القواعد المتعلقة بالدفوع الشكلية وفي بينها وجوب إبدائه قبل التعرض للموضوع، وهو ما نصت عليه المادة 50 ق ام ا "يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل إبداء أي دفاع في الموضوع و دفع بعدم القبول، وذلك تحت طائلة عدم القبول"، وهو ما أكدته المادة 61 ق ام ا "يمكن إثارة الدفع ببطلان الأعمال الاجرائية شكلا خلال القيام بها، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحقا للعمل الإجرائي المنشوب بالبطلان دون إثارته".
معنى ذلك أن مناسبة أو وقت التمسك بالبطلان هو قبل الكلام في الموضوع ، وبالتعرض للموضوع يسط الحق في التمسك بالبطلان فالمحكمة تحكم عندئذ بعدم قبول الدفع ، وهو جزاء يتعلق بالنظام العام يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الخصوم، لان هذه القاعدة مقررة لتنظيم إدارة الحاكم لوظيفتها عند نظر الدعاوى.
وهو ما نص عليه المشرع الفرنسي في المادة 74 ق ام ا بحيث نص على ان البطلان لعيب في الشكل يثار أولا باول، بمجرد حدوثه، ولو كان الأمر يتعلق بالنظام العام على خلاف البطلان لعيب في الموضوع فيجوز التمسك في أي مرحلة كانت عليها الدعوى.
أما المشرع الجزائري فقد سكت عن التكلم عن الدفع بالبطلان لعيب في الشكل متعلق بالنظام العام كما سعت عن الدفوع بالبطلان لعيب في الموضوع، ولم ينص على انه يجوز إبداؤها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، بل يبدوا لنا إلى انه يذهب نحو وجوب إبداء كل الدفوع الإجرائية (ما عدا عدم الاختصاص النوعي) قبل الكلام في الموضوع.
فلا يوجد أي مبرر للتراخي قي التمسك بالبطلان إلى أوقات بعيدة، طالما أن الإجراء معيب وهذا العيب لم يكن خفيا على الخصم، أي كان يعلم به وحضر أو ترافع و قدم مذكرة إلى المحكمة فيجب أن يتمسك به في البداية وإلا سقط حقه فيه، فالعيوب الشكلية وان تعلقت بالنظام العام يجب تصفيتها من بداية النزاع أو فور حدوثها، فيكفي لحماية النظام العام أن يكون من حق كل خصم التمسك بالبطلان حتى من تسبب فيه، وللنيابة العامة كذلك، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، فبمجرد إبداء المدعى عليه أي طلب متعلق بالموضوع، يعتبر تعرضا للموضوع سواء كان طلب عارضا في الخصومة أو طلب يتعلق بأدلة الموضوع، مثل طلب التحقيق أو طلب التأجيل لتقديم المستندات أو للصلح أو لإدخال ضامن فيجب أن يكون الطلب حتى يعتبر تعرضا للموضوع جازما ودالا بوضوح على أن الخصم الذي تقدم به يناقش موضوع الدعوى، وذلك سواء قصد الخصم بنشاطه النزول عن الدفع بالبطلان أو لم يقصد أو لم ينتبه إلى حقه فيه .
وفي كل الأحوال فان مسألة ما يعتبر كلاما في الموضوع وما لا يعتبر كذلك إنما يخضع لسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع أما تكييف الواقعة باعتبارها كلاما في الموضوع فيخضع لرقابة محكمة النقض باعتبار ذلك مسالة قانونية .
كما يجب إبداء جميع أوجه البطلان العام وهو ما يفهم من نص المادة 50 ق ام ا بنصها "...يجب إثارة الدفوع الشكلية في أن واحد" وهذا حتى لا يطول أمد النزاع على صحة العمل الإجرائي فيجب على الخصوم أن يفحصوا ويدققوا جيدا في الأعمال الإجرائية وان يبدوا أسباب البطلان المختلفة التي تشوبها مرة واحدة وهو ما نص عليه المشرع الفرنسي في المادة 113 ق ا م.
كما يجب إبداء الدفع بالبطلان مع سائر الدفوع الشكلية، وقد نص المشرع الفرنسي على هذه القاعدة في المادة 74/01، التي شملت كل الدفوع الشكلية حتى ما اتصل منها بالنظام العام، باستثناء الدفع بالارتباط وكذلك الدفع بالبطلان لعيب في الموضوع، أما المشرع الجزائري قد استثنى فقط الدفع لعدم اختصاص النوعي (م 36 ق ا م ا).
المطلب الثالث- تصحيح الإجراء الباطل:
ويقصد بتصحيح البطلان زواله، بحيث يمتنع بعد التصحيح طلبه، كما يمتنع الحكم به، وبهدف عدم المغالاة في الشكل والحد من حالات البطلان نص المشرع الجزائري على طريقتين لتصحيح البطلان وهي إما بالنزول عن التمسك به (أولا) أو تصحيحه بالتكملة (ثانيا). أولا- النزول عن التمسك بالبطلان:
ويكون صراحة عن طريق القبول بالطلبات وهو الإجراء الذي نصت عليه المادة 237 ق أ م أ ج بنصها "القبول هو تخلي أحد الخصوم عن حقه في الاحتجاج على طلب خصمه ، أو على حكم سبق صدوره..."، كما تنص المادة 238 أ م أ ج :"القبول بطلب الخصم يعد اعترافا بصحة ادعاءاته وتخليا من المدعى عليه".
وقد يكون التنازل ضمنيا وهو أمر تستنتجه المحكمة من سلوك الخصم في الدعوى كما إذا رد على الإجراء بما يدل على انه اعتبره صحيحا أو قام بعمل أو إجراء آخر باعتباره كذلك، ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في ذلك دون رقابة عليه من محكمة النقض بشرط أن يبني استنتاجه على أسباب سائغة ومعقولة، ويترتب على النزول على التمسك بالبطلان اعتبار العمل صحيحا ومنتجا لأثاره من وقت القيام به . ثانيا- التصحيح بالتكملة (إعادة العمل الإجرائي):
تنص المادة 62 أ م أ ج :"يجوز لقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح، يسري اثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان".
كما تنص المادة 65:" لا يقضي بطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة"، وقد اخذ المشرع الفرنسي بهذه الصورة بنصه في المادة 11، على أن العمل الباطل يغطى بالتصحيح اللاحق له، ما لم يحدث سقوط بشرط ألا يترك التصحيح أي اثر للضرر القائم.
ويقصد بتصحيح الإجراء الباطل بان يضاف إليه البيان أو الشكل أو العنصر الذي ينقصه ، ووفقا لنص المادة 62، يتم هذا التصحيح بطلب من القاضي ويمنح لذلك اجل، كما قد يكون بمبادرة من الخصم المتسبب في البطلان طبقا للمادة 66 أ م أ ج.
و التصحيح بالتكملة جائز ولو بعد التمسك بالبطلان، وحتى ولو كان هذا البطلان يتعلق بالنظام العام، ومتى تم تصحيح العيب زال ما لحقه من بطلان ولم يعد محلا للتمسك به وينتج أثره من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان
2-أما إذا تعلق الأمر بمخالفة شرط من الشروط الموضوعية التي تؤثر على صحة الإجراءات كانعدام أهلية الالتجاء إلى القضاء، أو سلطة التمثيل فانه يتعين الحكم بالبطلان دون حاجة إلى إثبات الضرر،حتى ولو لم ينص المشرع على البطلان صراحة (م 119)، أما موقف المشرع الجزائري فيمكن إجماله فيما يلي: 1 - بالنسبة للأعمال الإجرائية: 2- بالنسبة للأعمال الموضوعية:
1-البطلان المتعلق بالنظام العام: بجانب البطلان المقرر للمصلحة الخاصة هناك البطلان المقرر لصالح المصلحة العامة، و يخضع هذا البطلان لمجموعة من القواعد:
2البطلان لعيب في الموضوع: يلاحظ أن فكرة النظام العام بدأت تضمحل في لقانون الفرنسي و القانون الجزائري الجديد لصالح نوع آخر من البطلان وهو البطلان يعيب في الموضوع Vice de fond وقد عالج المشرع الجزائري هذا البطلان في المادتين 64 و 65 ق إم إ و سلك في ذلك مسلك المشرع الفرنسي في المادة 117 ق إ م الفرنسي ، وقد حصرها في: إذا تعلق الأمر بعيب في الشكل فلا يحكم ببطلان الإجراء إلا إذا نص على ذلك صراحة و يستثنى من ذلك الأشكال الجوهرية أو المتعلقة بالنظام العام فهذه يحكم ببطلانها إذا خولفت دون حاجة إلى نص (م 114/01)، على انه يشترط في جميع الحالات ألا يحكم بالبطلان إلا إذا اثبت الخصم المتمسك به الضرر، حتى و لو تعلق الأمر بمخالفة لكل جوهري أو متعلق بالنظام العام.
المبحث الثاني- التمسك ببطلان الحكم:
لا يقتصر مجال البطلان على إجراءات الخصومة، حيث يتم التمسك ببطلان تلك الإجراءات عن طريق دفع شكلي، وإنما قد يلحق البطلان كذلك الحكم سواء لعيب فيه أو لأنه بني على إجراء باطل، وطريق التمسك ببطلانه هو الطعن، لذا سنعرض لأسباب بطلان الأحكام (مطلب أول) وكيفية التمسك به (مطلب ثاني) وأثره على الحقوق الموضوعية (مطلب ثالث). المطلب الأول ; أسباب بطلان الأحكام:
يبطل الحكم أما لعيب ذاتي فيه ( فرع أول) أو نظرا لقيامه على إجراء باطل (فرع ثاني) الفرع الأول- بطلان الحكم لعيب ذاتي:
ويقصد بذلك أن الحكم غير صحيح شكلا ويمكن تعداد هذه العيوب كما يلي: أ- يجب أن يصدر الحكم من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا وإلا كان باطلا:
فإذا كانت أقسام المحكمة تشكيلتها فردية، فان المشرع اوجب في المادة 502 ق أم أن يتشكل القسم الإجتماعي، تحت طائلة البطلان عن قاضي رئيسا ومساعدين"، كما اوجب في المادة 276، ذكر أسماء وألقاب وصفات القضاة الذين تداولوا في القضية تحت طائلة البطلان إذا ثبت من وثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات انه لم يتم مراعاة فعلا هذا الإجراء .
وهو نفس البيان الواجب ذكره في القرار الصادر عن المجلس القضائي وكذلك فيما يخص قرارات المحكمة العليا .
كما يبطل الحكم أيضا إذا تخلف بيان من البيانات التي أوجب المشرع إدراجها ضمن ورقة الحكم، وقد نصت المادة 275 ق أم أ :"يجب أن يشتمل الحكم، تحت طائلة البطلان للعبارة الآتية:
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
باسم الشعب الجزائري.
كما نصت المادة م 276:"يجب أن يتضمن الحكم البيانات الآتية:
1- الجهة القضائية التي أصدرته.
2- أسماء وألقاب وصفات القضاة اللذين تداولوا في القضية.
3- تاريخ النطق به.
4- اسم ولقب ممثل النيابة العامة عند الاقتضاء.
5- واسم ولقب أمين الضبط الذي حظر على تشكيلة الحكم.
6- أسماء وألقاب الخصوم وموطن كل منهم، وفي حالة الشخص المعنوي تذكر طبيعته وتسميته ومقره الاجتماعي وصفة ممثله القانوني أو ألاتفاقي.
7- أسماء وألقاب المحامين أو أي شخص قام بتمثيل أو مساعدة الخصوم.
8- الإشارة إلى عبارة النطق بالحكم في جلسة علنية".
كما نصت المادة 277 على انه " لا يجوز النطق بالحكم إلا بعد تسبيبه ويجب أن يسبب الحكم من حيث الوقائع و القانون، وان يشار إلى النصوص المطبقة، يجب أن يستعرض بإيجاز وقائع القضية وطلبات وادعاءات الخصوم ووسائل دفاعهم ويجب أن يرد على كل الطلبات والأوجه المثارة يتضمن ما قضى به في شكل منظوق".
- وقد أوردت المادة 565 ق أ م أ نفس البيانات فيما يخص القرار الصادر عن المجلس القضائي مع إضافة الإشارة إلى تلاوة التقرير. كما نصت المادة 278 " يوقع على أصل الحكم الرئيس وأمين الضبط والقاضي المقرر عند الاقتضاء..."
فقد حددت المواد السابقة البيانات الواجب ذكرها في الحكم وهي نفس البيانات تقريبا التي نصت عليها المادة 554 ق إجراءات مدنية فرنسي .
وهكذا وخلافا لما ذهب إليه القضاء المصري الذي اعتبر أن صدور الأحكام وتنفيذها باسم الأمة أو الشعب أمر مفترض بقوة الدستور نفسه ولا يتطلب عمل ايجابي من احد وإيراد ذلك البيان بورقة الحكم ليس إلا عملا ماديا لاحق كاشفا عن ذلك الأمر المفترض وليس شيئا له ومنه إذا خلا من هذه العبارة لا يعد باطلا ، فان المشرع الجزائري يعتبر عدم ذكر هذه البيانات يترتب عنه بطلان الحكم.
أما فيما يخص بقية البيانات الأخرى فنجد المادة 283 " لا يترتب على اغفال أو عدم صحة احد البيانات المقدرة بصحة الحكم بطلانه إذا ثبت من وثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات انه تم فعلا مراعاة القواعد القانونية".
وهكذا إذا لم تورد المحكمة أي بيان من البيانات السابقة مع تبين من وثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات انه تم مراعاة القواعد القانونية، فان ذلك لا يؤدي إلى هدم الحكم الذي استنفذ وقتا طويلا وجهدا كبيرا من الخصوم والقضاة، فإذا ورد أي خطا مادي أو إغفال لأحد البيانات كاسم الجهة القضائية أو أسماء وألقاب وصفات القضاة، أو تاريخ النطق، أو أسماء الخصوم...، فأمكن تصحيحها عن طريق الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم مثل سائر الأخطاء المادية التي يقع فيها أي حكم من الأحكام، والتي أجاز المشرع تصحيحها في المادة 286 ق أم أ جديد، ولا شك أن المحكمة حين تقوم بتصحيح هذا البيان إنما تقوم بعمل مادي بحيث إذا قامت المحكمة من تصحيحه لا تعتبر قد عدلت فيما قضت به من حقوق والتزامات للأطراف، وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 287/02.
ب-بطلان الحكم لعيب في المداولة:
من الضروري أن يتبادل القضاة الرأي بعد سماع المرافعة للاتفاق على الحكم في الدعوى قبل إصداره، و هو ما عبر عنه المشرع بالمداولة ويمكن أن يتم تبادل الرأي أو التشاور بين القضاة أما فورا وهم جلوس في قاعة الجلسة أو الانتقال إلى غرفة المشاورة وتخضع المداولة لعدة قواعد حتى تكون صحيحة مطابقة للقانون، فيجب أن تتم المداولات في السرية، وتكون بحضور كل قضاة التشكيلة دون حضور ممثل النيابة العامة والخصوم ومحاميهم وامين الضبط ، كما لا يمكن للخصوم تقديم طلبات أو الإدلاء بملاحظات بعد إقفال باب المرافعة ، كما يضاف إلى القرارات الصادرة عن المجالس القضائية وجوب أن يتلوا المستشار المقرر تقريره الكتابي أثناء المداولة .
وهكذا إذا تداول في الحكم من لم يسمع المرافعة أو حضر شخصا آخر من غير التشكلية أو على خصم أثناءها، يكون الحكم باطلا بطلانا متصلا بالنظام العام لتلقه بأسس النظام القضائي ، على أن الأصل هو افتراض حصول إجراءات المداولة صحيحة، لان الأصل في الإجراءات أنها قد روعيت وعلى المتمسك بعدم حصول المداولة على وجهها السليم أن يقيم ذلك و المناط في هذا الخصوص هو الاعتداد بالبيانات المثبتة بالحكم على أن تكمل بما ورد بمحضر الجلسة، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية ، فإذا ثبت من الحكم ذاته، اختلاف الهيئة التي تداولت عن الهيئة سمعت المرافعة كان الحكم باطلا، أما إذا ثبت من نسخة الحكم ذاته أن القضاة الذين تداولوا هم الذين سمعوا المرافعة فان الحكم يكون صحيحا.
ولا يقبل الاحتجاج بمحضر الجلسة التي تلي بها منطوق الحكم لإثبات اختلاف الهيئة التي نطقت بالحكم عن الهيئة التي سمعت المرافعة، ذلك ان العبرة بسلامة الحكم في هذا الصدد هي الهيئة التي أصدرته لا الهيئة التي نطقت به .
ومن ناحية السرية قضي بأنه يعتبر مخالفا لمبدأ السرية، الحكم الذي يذكر انه قد صدر بالإجماع .
وللحد من بطلان الأحكام الناتجة عن تعيب عملية المداولة، يذهب القضاء الفرنسي إلى افتراض صحتها، أي أن القضاة الذين سمعوا المرافعة يفترض أنهم قد تداولوا كذلك الحالة عندما يذكر الحكم أن قضاة معينين هم الذين تداولوا فانه يفترض هم ذاتهم الذين سمعوا المرافعة .
أما إذا لم تسمح بيانات الحكم بافتراض أن احد القضاة الذين أصدروه قد أشرك فعلا في سماع المرافعة، وشارك في المداولة على نحو صحيح فان يكون باطلا
ج- بطلان الحكم لتعيب النطق به وإصداره:
قرر المشرع في المادة 272 ق ام اج أن النطق بأحكام يكون علينا ويقتصر النطق وفقا للمادة 273 على تلاوة منطوقه في الجلسة من طرف الرئيس وبحضور قضاة التشكيلة الذين تداولوا في القضية.
- فيجب أن يكون النطق بالحكم علانية في جميع الأحوال، حتى الأحوال التي تكون فيها الجلسة سرية، وإلا كان الحكم باطلا، ذلك أن الحكم لا يوجد إلا بالنطق به لأنه للقضاة العدول عن رأيهم قبل النطق بالحكم، ويعتبر الحكم صادر عن تاريخ النطق به، وهو بطلان يتصل بالنظام العام
- كما اوجب المشرع حضور القضاة الذين اشتركوا في المداولة لإصدار الحكم، فحضورهم هو تأكيد على إصرارهم على الرأي الذين أبدى وعدم العدول عنه.
وهذا على خلاف الشرع الفرنسي الذي لا يشترط أن يحضر النطق بالحكم جميع القضاة الذين تداولوا وسمعوا المرافعة، فيكفي حضور احد القضاة فقط ممن أصدروا الحكم، ولا يشترط رئيس التشكيلة .
كما يجب أن تصدر الأحكام القضائية باللغة العربية، تحت طائلة البطلان هو بطلان متصل بالنظام العام يمكن للقاضي أو يثيره من تلقاء نفسه وهو ما نصت عيه المادة 08/04 ق ا م ا ج.
د- بطلان الحكم الناتج عن عيب في التوقيع:
يشترط المشرع الجزائري في المادة 278 توقيع كل من الرئيس وامين الضبط والقاضي المقرر على أصل الحكم، فإذا تخلف توقيع من هذه التوقيعات يكون الحكم باطلا لتعلقه بالنظام العام إلا أنه ووفق للمادة 283 ق/م التي نصت على انه لا يترتب على إغفال أو عدم صحة احد البيانات المقررة لصحة الحكم ببطلانه، إذا ثبت عن الوثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات انه تم فعلا مراعاة القواعد القانونية، إذ أن نص المادة 263 يعتبر خطوة واسعة في طريق الحد من بطلان الأحكام فليس معنى أن المشرع نص على أن بيانا معينا أو طريقة محددة لإعداد الحكم أو الإصدار ويجب احترامها وإلا كان الحكم باطلا، وإنما يقضى بالبطلان بوقوع المخالفة لذلك البيان أو تلك الطريقة.
ثانيا- بطلان الحكم لعيب في الإجراءات التي بني عليها:
إذا حدث وان بني الحكم علي اجراء باطل فانه يبطل بدوره، لبطلان أو انهيار الأساس الذي بني عليه، ويتم التمسك بهذا البطلان عن طريق الطعن، فإذا اتخذ في الدعوى أي إجراء باطل، بني عليه الحكم كان الحكم ذاته باطلا، ويستوي أن يكون هذا الإجراء الباطل قد انفتحت به الخصومة أو انتهت به، أو أن يكون إجراء يتعلق بسيرها أو استبعادها.
فمثلا خلو محضر التبليغ الرسمي من بيانات المادة 407 يجعله قابلا للإبطال وإذا حكم بإبطاله فانه يترتب على ذلك إلغاء جميع الإجراءات اللاحقة له.
- وإذا بني الحكم على إجراء من إجراءات التحقيق، وكان هذا الإجراء باطلا فان الحكم يبطل بالتبعية.
- وإذا صدر الحكم في فترة انقطاع الخصومة كان باطلا، لأنه يترتب على انقطاع سير الخصومة بطلان جميع الإجراءات التي تمت بعد حصوله.
- ويبطل الحكم كذلك إذا كانت الجلسات التي نظرت فيها الدعوى سرية حيث ذلك مخالف لمبدأ علنية الجلسات (م 07 ق ا م اج)، وإذا نص القانون على وجوب أن تكون سرية وجب على المحكمة أن تحترم ذلك وإلا كان حكمها باطلا.
- ولعل أوضح صور البطلان الحكم لبنائه على إجراءات باطلة، وأكثرها ذيوعها في بطلان الحكم لعدم احترام حق الدفاع
- كما يعتبر الحكم باطلا إذا بني على واقعة لا سند لها بالأوراق أو مستندة إلى مصدر موجود ولكنه مناقض لها أو يستحيل منه استخلاص تلك الواقعة
- كذلك يبطل الحكم إذا لم يشتمل على الأسباب التي بني عليها ، أو شاب تسبيبهه قصور، كما يبطل الحكم تناقض أسباسه.
المطلب الثاني : كيفية التمسك ببطلان الحكم (ضرورة التمسك ببطلان الحكم عن طريق الطعن):
إذا كان الحكم باطلا سواء لعيب ذاتي فيه أو لقيامه على إجراءات باطلة. فانه يجب التمسك بهذا البطلان عن طريق الطعن في الحكم الباطل أو المبني على إجراء باطل من الخصم صاحب الحق في التمسك بالبطلان.
وإذا سقط الحق في الطعن لأي سبب من الأسباب ترتب عن ذلك تصحيح بطلان الحكم والإجراءات السابقة عليه .
- وإذا رفع الطعن في الميعاد ولم يتمسك الخصم _ في عريضة الطعن _ بأوجه البطلان التي تشوب الحكم أو التي تعيب الإيراد المبني عليها، فلا يحق له بعد ذلك التمسك بتلك الأوجه حسب المادة 61 ق ام ا.
- وإذا كان الأصل انه لا يمكن طلب بطلان الأحكام إلا عن طريق الطعن المنصوص عليه في القانون، إلا انه إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية، بحيث يشوبه عيب جوهري جسيم يعيب كيانه ويفقده صفته كحكم فان الحكم يعتبر منعدما، ولا يرتب حجية الأمر المقضي ولا يستنفذ القاضي سلطته ولا يرد عليه التصحيح، فالقضاء تبنى فكرة الانعدام mexistence ويرتب عليها إمكانية التمسك بانعدام الحكم عن طريق دعوى احد ببطلان الحكم، وكذلك عن طريق الدفع بانعدام الحكم، بالإضافة إلى إمكانية التمسك بانعدام الحكم عن طريق الطعن فيه وإمكانية التمسك بانعدام الحكم عن طريق منازعة في التنفيذ .
المطلب الثالث: اثر بطلان الحكم على الحقوق الموضوعية للخصوم وعلى الإجراءات المتخذة في الدعوى
- اذا كان الحكم باطلا، لعيب فيه أو لبطلان الإجراءات التي يعتمد عليها وتمسك الطاعن بهذا البطلان، عن طريق الطعن ولم يكن قد اسقط حقه في التمسك بالبطلان، فان لقضاء محكمة الطعن ببطلان الحكم اثر على الحقوق الموضوعية للخصوم(فرع أول) وعلى الإجراءات التي اتخذت ومدى استنفاذ محكمة أول درجة لولايتها (فرع ثاني). فرع اول: اثر بطلان الحكم على الحقوق الموضوعية للخصوم:
برفع الدعوى تترتب عن المطالبة القضائية الصحيحة عدة أثار موضوعية، تدور حول مبدأ "أن الوقت الذي ينقضي في نظر الطلب يجب إلا يضر المدعي"، ولعل أهم هذه الآثار على الإطلاق هو قطع التقادم ، فالتقادم ينقطع بالمطالبة القضائية الصحيحة، ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة ، فلأن المطالبة تؤدي دورا تحفظيا بالنسبة لحق المدعي فان التقادم الذي يسري لمصلحة المدعى عليه ينقطع بمجرد المطالبة القضائية ولا يسري هذا التقادم طوال مدة الخصوم واذا انتهت الخصومة قبل الفصل في الموضوع كانقضائها بالسقوط او التنازل فان الخصومة تزول والتقادم يعتبر انه لم ينقطع فلا تبدا اي مدة جديدة ، وكذلك الحال عند رفض الدعوى.
- أما إذا حدث ان نظرت المحكمة في الموضوع ، وأصدرت حكمها فيه ، ثم يتبين بعد ذلك بطلان هذا الحكم لتعيب ذاتي أو لتعيب الإجراءات التي بني عليها ، فهل يترتب على ذلك ، انقطاع التقادم؟.
-في الحقيقة إن قطع التقادم يرتب عن مجرد المطالبة القضائية الصحيحة، فالتقادم لا ينقطع إلا إذا كانت عريضة افتتاح الدعوى ذاتها باطلة ومعنى ذلك يجب التمييز بين بطلان الحكم لبطلان العريضة الافتتاحية و بطلانه لسبب أخر.
- ففي الحالة الأولى يؤدي إلى زوال جميع الآثار التي تترتب على رفعها واعتبار الخصومة لم تنعقد ومنها انقطاع التقادم ، أما إذا كانت العريضة صحيحة في ذاتها فإنها تقطع التقادم، فبطلان الحكم لعيب ذاتي فيه لا يبطل العريضة الافتتاحية كما أن بطلانه لقيامه على إجراء باطل من إجراءات الخصومة (لاحق على العريضة الافتتاحية) ، لا يؤثر على العريضة الافتتاحية الصحيحة التي قطعت التقادم و بالتالي لا يزول ما ترتب عليها من قطع التقادم حق المدعي الساري لمصلحة المدعي عليه .
- غير انه يجب مراعاة، انه لا يكفي – قطع التقادم- أن تكون العريضة الافتتاحية للدعوة صحيحة و إنما يجب أن تنعقد– بناءا عليها – الخصومة أي يجب عليه تبليغها للمدعي عليه. فرع ثاني: اثر بطلان الحكم على الإجراءات المتخذة في الدعوى
- يجب التفريق بين بطلان الحكم لعيب ذاتي و بين بطلانه لتعيب الإجراءات التي بني عليها ، فإذا كان الحكم باطلا لعيب فيه فان الحكم يزول و تبقى إجراءات الدعوى التي صدر في هذا الحكم صحيحة وقائمة و تكمل عليها المحكمة التي تستعيد النظر في النزاع . إما إذا كان سبب بطلان الحكم هو قيامه على إجراء باطل فان هذا الإجراء هو الذي يزول ، و إذا كان هذا الإجراء باطلا في شق منه فان هذا الشق و حده هو الذي يبطل ، كما تزول جميع الإجراءات اللاحقة عليه طالما كانت مبنية عليه بينما تبقى قائمة الإجراءات السابقة على العمل الباطل طالما كانت صحيحة و هو ما نصت عليه المادة 24 ق ا م ا رغم إن المشرع الجزائري قد سكت عن هذه المسالة : لكن لا مانع عن تطبيق ما ذهب إليه المشرع المصري إعمالا للقواعد العامة في البطلان .
-كما يفقد الحكم الذي قضي ببطلانه حجية الشيء المقضي فيه فإذا أبطل الحكم الابتدائي من محكمة الاستئناف ، فان هذا الحكم يزول و لا يجوز الاستناد إليه في شأن التدليل على ثبوت واقعة معينة ، و لا تصبح له أي حجة و يمكن بالتالي رفع دعوى جديدة بالحق الموضوعي طالما، إن هذا الحق لم يتقادم و كذلك الحال إن تم إبطال الحكم النهائي من محكمة النقض إذ يعتبر هذا الحكم كأن لم يكن و لا يمكن الاستناد عليه في خصومة جديدة كدليل من أدلة الإثبات ولا يجوز في تسبيب حكم من الأحكام الإحالة في أسبابه الواقعية أو القانونية إلى حكم صدر بين الخصوم وقضي بعد ذلك بنقضه .
- و بإبطال حكم محكمة أول درجة فان محكمة الاستئناف عليها أن تنظر موضوع الدعوى . فليس لها إن تعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى التي فصلت في موضوع الدعوى ، لأنها استنفذت ولايتها ،و إنما يتعين على محكمة الاستئناف إن تفصل في الموضوع بحكم جديد تراعي فيه الإجراءات الصحيحة الواجبة الإتباع .
-أما إذا كانت عريضة افتتاح الدعوى باطلة فإن محكمة الإستئتاف تقتصر عندئذ على الحكم بالبطلان دون التصدي لنظر موضوع الدعوى ، كذلك الحال إذا كانت العريضة لم تبلغ للمدعي عليه
-مع ذلك أجازت المادة 346 ق.ا.م.ج للمجلس القضائي عند الفصل في استئناف حكم حاصل في احد الدفوع الشكلية قضى بإنهاء الخصومة التصدي للمسائل غير المفصول فيها ، إذ تبين له ، و لحسن سير العدالة، إعطاء حل نهائي للنزاع ، وذلك بعد الأمر بإجراء تحقيقي عند الاقتضاء.أما إذا كان الحكم الباطل صادرا عن محكمة استئناف و أبطلته محكمة النقض فإن محكمة النقض عندئذ لا تتصدى للفصل في الموضوع ، الا اذا كان صالحا للفصل فيه ، او كان الطعن للمرة الثانية على سبيل الجواز وللمرة الثالثة على سبيل الوجوب
خاتمة
نتناول النتائج المتوصل إليها ثم نحاول تقديم بعض التوصيات. أولا النتائج: من خلال ما سبق نخلص إلى ما يلي
- البطلان هو جزاء إجرائي ضروري وفعال ليس فقط لحماية شكليات الأعمال الإجرائية بل لحماية حقوق الخصوم لاسيما حقهم في الدفاع لذا يقال بحق أن الشكل هو توأم الحريla forme et la sœur jumelle de la liberté.
- البطلان جزاء خطير بل هو أكثر الجزاءات الإجرائية خطورة على الإطلاق فهو لا يؤدي إلى زوال الخصومة فقط، بل قد يمس حتى بالحقوق الموضوعية.
- إن الإكثار من النص على البطلان يؤدي إلى إطالة النزاعات وامد الدعاوى وفي ذلك مضيعة للوقت وهدر للجهد.
- تحاول التشريعات الحديثة التوفيق بين اعتبارات ضرورة النص على البطلان لاحترام الشكليات أو الإجراءات و الحد من الآثار السلبية للبطلان.
- المشرع الجزائري في القانون الجديد حاول أن ينظم موضوع البطلان بأكثر تفصيل ودقة وإزالة الغموض الذي شاب القانون القديم
-اعتمد المشرع الجزائري في القانون الجزائري على غرار المشرع الفرنسي قاعدة "لا بطلان إلا بنص وبضرر" وهذا فيما يخص الأعمال الإجرائية الشكلية فقط، دون التفريق بين تلك المتعلقة بالنظام العام وتلك غير المتعلقة بالنظام العام.ولا شك أن اعتماد هذه القاعدة فيه حصر لمجالات البطلان وحد منه.
- حصر بطلان الأعمال الإجرائية من حيث الموضوع في الأهلية وانعدام التفويض للشخص الطبيعي أو المعنوي وجعلها من النظام العام، ولم يشترط إثبات الضرر لتقرير البطلان
- كان أكثر مرونة فيما يخص بطلان الأحكام وحد من حالات بطلانه بل إنه نص صراحة على انه حتى لو لم تذكر بيانات الحكم مهما كانت، فانه لا يترتب على ذلك البطلان إذا تبين من وثائق القضية انه تم مراعاة الإجراءات القانونية.
- ما يؤخذ على المشرع الجزائري في التعديل الجديد انه نظم البطلان كجزاء إجرائي في الباب الخاص بالدفوع وكان الأحرى تخصيص له جزءا خاصا به لان البطلان لا يقدم كدفع فقط بل قد يثار بمناسبة طعن.
ثانيا: الاقتراحات
- يجب على القضاة عند تطبيقهم هذا القانون مراعاة روح هذا القانون الذي جاء للحد من البطلان. وذلك من خلال اعتماده قاعدة "لا بطلان إلا بنص وبضرر".
- كما نقترح على المشرع بمناسبة أي تعديل لهذا القانون ما يلي:
- تخصيص باب للبطلان يتضمن كل القواعد العامة للبطلان.
-إعادة صياغة نص المادة 60 ق ا م بحيث تصبح تنص على البطلان بسبب مخالفة الإجراءات المتصلة بالنظام العام.
-كما يجب التوضيح بان الضرر المقصود هنا لا ينتج عن البطلان بل يترتب عن مخالفة الشكل المطلوب.
كما ان مبدا لا بطلان بغير ضرر لا يصلح في حد ذاته كمبدأ عام يحكم نظرية البطلان، إذ لا يتطور في مجال بطلان الأحكام أو عندما يتعلق الأمر بشكل جوهري أو بشكل يتعلق بالنظام العام ففي هذه الحالات يتعين الحكم بالبطلان دون بحث فيه إذا كانت المخالفة قد تسبب ضررا للخصم المتمسك بالبطلان ام لا
قائمة المراجع
-احمد هندي، التمسك بالبطلان في قانون المرافعات، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية طبعة 2005
-احمد أبو الوفاء، نظرية الدفوع، الطبعة الثانية، 1988
-فتحي والي، نظرية البطلان، طبعة 2
-احمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات، المدنية و التجارية.دار النهضة العربية /طبعة 2000
-أمينة النمر، الدعوى و إجراءاتها،
- نبيل اسماعيل عمر، اصول الرافعات، نشاة المعارف، الاسكندرية، 1986
مصطفى كبره، النقض المدني ، دون دار نشر ، 1992-
- L. cadiet et E. Jeulond, Droit judicaire privé, litec, 5 eme édition 20061990.