المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: سعيد السلام عليـــــــكم
عدالة ضابط الجنسية في تحقيق مصلحة الزوجة الجزائرية
الأستاذ أمجد عبد الفتاح أحمد حسان
الأستاذ والي جمال
المقدمة
المبحث الأول: الحالة الشخصية للزوجة الجزائرية وتأثير الإحالة عليها
المطلب الأول: ضابط الجنسية لحل منازعات الحالة الشخصية
الفرع الأول: مبررات اختيار ضابط الجنسية
الفرع الثاني: خضوع الحالة الشخصية للجزائرية للقانون الجزائري
المطلب الثاني: دور الإحالة في حماية مصالح الزوجة الجزائرية
الفرع الأول : مفهوم الإحالة
الفرع الثاني : تأثير الإحالة على حقوق الزوجة الجزائرية
المبحث الثاني: دور ضابط الجنسية في مسائل الزواج
المطلب الأول: ضابط الجنسية لحل منازعات انعقاد الزواج
الفرع الأول: ضابط الجنسية لحكم منازعات صحة الزواج
الفرع الثاني: ضوابط تحديد القانون الذي يحكم منازعات شكل الزواج
المطلب الثاني: دور ضابط الجنسية في أثار وانحلال الزواج
الفرع الأول: ضابط الجنسية وأثار الزواج
الفرع الثاني: ضابط الجنسية وانحلال الزواج
الخاتمة
المراجع
مقدمة لقد مر القانون الدولي الخاص بمراحل تاريخية إلى أن وصل إلينا في مفهومه الحالي؛ فلقد كانت الجماعات القديمة منغلقة على نفسها ووضعت أسس ومبادئ وقوانين محلية لا تطبق إلا عليها، فلم تعترف للأجانب بالشخصية القانون، في الوقت الذي حمت فيه الشريعة الإسلامية حقوق جميع الأجانب.
ولقد ظهرت البوادر الأولى لتنازع القوانين في روما خاصة بين القانون المدني الخاص بالرومان وقانون الشعوب، أما في العهد الإقطاعي فقد طفبق مبدأ إقليمية القوانين والذي يعني أن القانون يطبق على كل الموجودين داخل الإقليم سواء كانوا وطنين أو أجانب.
وتعددت التعريفات التي أعطيت للقانون الدولي الخاص، فالبعض عرفه بأنه "مجموعة القواعد التي تحكم المنازعات التي تقع بين قوانين الدول المختلفة في الجزء الخاص منها" وعرفه آخرون بأنه " العلم الذي ينظم العلاقات الدولية الخاصة بين الأفراد"، ويقصد بتنازع القوانين "وجود قانونين أو أكثر على استعداد لحكم مسألة معينة، فيها عنصر أجنبي"
وعلى غرار مختلف التشريعات فلقد نظم المشرع الجزائري قواعد التنازع التي يوجد فيها عنصراً أجنبياً في القانون المدني في المواد من 09-24، وقد تماشى المشرع مع التطورات التي حدثت في هذا الميدان وذلك عندما عدل القانون المدني في عام 2005؛ حيث شمل هذا التعديل أغلب قواعد التنازع، وكان هذا التعديل تماشياً مع المواقف الفقهية والاتفاقيات الدولي ذات الصلة والعلاقة بالموضوع.
وحرص المشرع من خلال تنظيمه لقواعد التنازع تحقيق العدالة ومصلحة المجتمع، والعدالة المنشودة في قواعد الإسناد لمصلحة الجزائريين والقانون الجزائري هي عدالة نسبية وليست مطلقة، فعندما يتبنى المشرع ضابط إسناد دون أخر فهذا يعني أنه يرى أن هذا الضابط يحقق العدالة ويخدم مصالح وأهداف عليا لأفراد الشعب ومنظومته القانونية.
إن موضوع الأحوال الشخصية وخاصة الزواج من أكثر المواضيع التي يثار بشأنها منازعات في إطار تنازع القوانين، وهذا يرجع إلى اختلاف الأنظمة القانونية واختلاف التشريعات والشرائع والأديان مما يترتب عليه اختلاف الحلول المطبقة على منازعات الأحوال الشخصية، وبما أن المرأة هي المحور الأساسي في العلاقة الزوجية هذا يعني أن حقوقها ستتأثر بهذا التنظيم.
ولقد اختار المشرع ضابط الجنسية لحل المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بصفة أساسية، وعن سبب اختيار المشرع الجزائري لهذا الضابط فمن أجل تطبيق القانون الجزائري على الجزائريين والجزائريات أينما حلوا أو ارتحلوا، وعلى أساس أنه القانون الأفضل والأكثر عدالة والذي يحمي مصالح الجزائريين.
إلا أن هذا المفهوم العام لا يمنع مَن يَدْخفل في جوهر الموضوع أن يجد العكس، أي أن هناك أحوال -بالرغم من المبدأ المعلن من المشرع والذي يرمي إلى تطبيق القانون الجزائري على الزوجة الجزائري بوصفه أفضل القوانين- لن يفطَبَقْ القانون الجزائري على الزوجة الجزائرية في أحوال معينة، وقد يكون تطبيق القانون الجزائري ليس هو الأفضل في جميع الأحوال، ولا يحقق مصلحة الزوجة الجزائرية.
من هنا يمكن القول أن كل ما يمس المرأة الجزائري من خلال تطبيق قواعد الإسناد – والتي يميل فيها المشرع إلى تطبيق قانون الجنسية بصفة أصلية والقانون الجزائري بصفة احتياطية- سيكون محلاً لتحليل والمناقشة في هذه الموضوع لنصل في النهاية ونبين هل حقق المشرع الجزائري مصلحة الزوجة الجزائرية أم لا؟
نحاول في هذا الموضوع عرض الوضعيات المتعددة للزوجة الجزائرية من خلال قواعد الإسناد، مسلطين الضوء على الحالات الخاصة التي قد تفضار بها المرأة الجزائرية من خلال تطبيق قواعد الإسناد.
المبحث الأول: الحالة الشخصية للزوجة الجزائرية وتأثير الإحالة عليها
تعتبر الحالة الشخصية من المسائل التي تميز الإنسان عن غيره، أي أنها تميز الزوجة الجزائرية عن غيرها، ولقد تبنى المشرع الجزائري ضابط الجنسية لحل المنازعات المتعلقة بحالة الجزائريين وأهليتهم "المطلب الأول"، كما سمح المشرع بالإحالة من الدرجة الأولى هذه الإحالة قد تؤثر على منازعات الزوجة الجزائرية "المطلب الثاني".
المطلب الأول: ضابط الجنسية لحل منازعات الحالة الشخصية
لقد تبنت غالبية القوانين ضابط الجنسية لحل منازعات الأحوال الشخصية لأسباب ومبررات تعلق بتحقيق مصلحة الأفراد "الفرع الأول"، وهذا ما طبقه المشرع في منازعات الحالة الشخصية للجزائريين "الفرع الثاني"
الفرع الأول: مبررات اختيار ضابط الجنسية
يحل تنازع القوانين عن طريق قواعد الإسناد، التي تبين بواسطة ضوابط الإسناد ما هو القانون الواجب التطبيق، وقد يحدد المشرع ضابط واحد للإسناد؛ وقد يعدد هذه الضوابط لتكون أياً منها صالحة لحل النزاع وتحقق الأهداف المرجوة منها، ويكون التعدد إما على سبيل الترتيب والأولوية (إذا لم يتوافر الضابط الأول فيطبق الثاني)، أو على سبيل التخيير يختار القاضي الضابط الأنسب لحل النزاع الذي يحقق العدالة أكثر من غيره.
ولقد حدد المشرع الجزائري ضابط إسناد وحيد لحل منازعات مسائل الأحوال الشخصية وهو ضابط الجنسية وذلك من خلال المواد من 10-13 من القانون المدني الجزائري، وهذا ما تبناه القانون المصري، في حين أن القانون التونسي عدد ضوابط حل منازعات الأحوال الشخصية؛ حيث بين أن القانون الوطني المشترك للزوجين هو المختص بحل منازعات الأحوال الشخصية، وإذا لم يتوفر هذا الضابط فيطبق قانون المقر المشترك لهما، وإلا فقانون المحكمة، وهذا لا يمنع أن دول أخرى مثل بريطانيا تأخذ بضابط الموطن لحكم مسائل الأحوال الشخصية.
ولنا أن نتساءل؛ بما أن الدول تختلف في اختيار ضابط الإسناد الذي على أساسه تحل منازعات الأحوال الشخصية، فأي هذه الضوابط أفضل للمواطنين بشكل عام وللزوجة الجزائرية بشكل خاص؟
من المعلوم أن منازعات الأحوال الشخصية هي من أكثر المنازعات التي تثار في إطار تنازع القوانين لعدة أسباب؛ أهمها اختلاف العادات والتقاليد والأديان والتي تفرَتفب العديد من الإشكاليات مثل "تعدد الزيجات في بلد لا يعترف بالتعدد، الحضانة للزوجة في بلد لا يعترف بهذا الحق، الزواج العرفي في بلد لا يعترف به".
وبناء على كل ما سبق يمكن القول لو أجرينا مفاضلة بين ضابط الجنسية وضابط الموطن فسنجد:
يفهم مما سبق أن هذا الضابط يراعي وضعيات الأجانب المتوطنين خارج بلدانهم، فقد يكون من مصلحة هذه الدول تبني ضابط الموطن لأنه يهدف لإخضاع الأجانب –وهم كثيرون- إلى قانون الدولة التي يعيشون فيها، مما يعني توحيد القانون المطبق على كل الموجودين على الإقليم من المواطنين والأجانب.
- أن قانون الموطن أفضل للزوجة الجزائرية المتوطنة بالخارج، لأن علاقتها بالبلاد المتوطنة فيها تكون قوية، وأنه الحل في حال تعدد جنسيات أفراد الأسرة الواحدة، والتعرف على قانون الموطن هو أمر سهل على الجزائرية المتوطنة في الخارج، كما أن ضابط الموطن يفسَهّفل عمل القاضي إذا ما كان الأطراف متواجدين في هذا البلد أي متوطنين فيه، هذه هي الحجج التي تبناها أنصار قانون الموطن.</li>
فمن الأفضل أن تتبنى الدول التي يكون لديها مواطنين يعيشون في الخارج ضابط الجنسية، والذي يعني أن منازعات مواطنيها فيما يتعلق بالأحوال الشخصية تخضع لقانون جنسيتهم، وهذا يؤدي لبقاء الارتباط والولاء بين المواطنين في الخارج ودولهم، وعلى اعتبار أن قانون دولتهم يعطيهم الحقوق التي يتوقعونها أو يصبون إليها.
- في المقابل فإن أنصار الجنسية يرون أن الجنسية فكرة ثابتة على خلاف الموطن، وأن قانون الجنسية أفضل للأسرة الواحدة في حال تعدد المواطن، وأنها أفضل لإبقاء رابطة الولاء بين المواطنين ودفوَلفهفم. </li>
وبالرغم من الفوائد التي يحققها ضابط الجنسية إلا أنه قد يثير بعض الصعوبات منها:
أولاً: حالة تعدد جنسيات الزوجة الجزائرية
فإذا كان لزوجة الجزائرية في الوقت نفسه أكثر من جنسية واحدة، فهنا لن تتحقق الأهداف المتوخى من ضابط الجنسية، ولذا لا بد من إيجاد حل، وحسم مسألة تعدد الجنسيات مسألة سابقة على تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع، لذلك فإن الفقه الراجح يرى ضرورة الأخذ بقانون الجنسية الفعلية، أي الجنسية التي يرتبط بها الشخص أكثر من غيرها، لأنه لا بد أن يكون في النهاية ولاء وانتماء الشخص لقانون بلد ما، وعلى القاضي أن يحدد الجنسية الفعلية من خلال التعرف على ظروف كل حالة.
وتبنى المشرع الجزائري قانون الجنسية الحقيقية تطبيقاً للمادة 22 من القانون المدني،ويا حبذا لو أنه قال بتطبيق قانون الجنسية الفعلية لأنها تدل على المعنى أكثر من الجنسية الحقيقية، وإذا كانت إحدى هاتين الجنسيتين هي الجنسية الجزائرية فلا يأخذ بقانون الجنسية الحقيقية بل بالقانون الجزائري، وهذا الأمر منطقي لأن فيه تغليب للجنسية الجزائرية ولأن النزاع سيعرض على القاضي الجزائري الذي سيطبق هذه القاعدة.
يتضح مما سبق أن الزوجة الجزائرية في حال تعدد جنسياتها؛ بأن يكون لها الجنسية الجزائرية والجنسية الإسبانية، فالجنسية التي يتم منح الحقوق على أساسها هي الجنسية الجزائرية وليس الجنسية الإسبانية، ويعتبر هذا ضمانة للزوجة الجزائرية التي قد تتجنس بأكثر من جنسية، وبما أن غالبية الجزائريات هن مسلمات فإن أنسب القوانين هو القانون الجزائري المستمد من الشريعة الإسلامية أعدل الشرائع وأنسبها.
ولا يغير هذا الرأي القول بأنه قد يكون قانون الجنسية الفعلية للجزائرية أنسب لها من القانون الجزائري خاصة عندما تكون هذه الجزائرية مولود في الخارج وتأقلمت قانونياً وفعلياً مع الجنسية الأجنبية أكثر من القانون الجزائري، لأنه كما قلنا فإن قانون الأسرة الجزائري المستمد من الشريعة هو أنسب القوانين وأكثرها عدلاً.
ثانياً: في حالة انعدام الجنسية
عندما يكون أحد الأشخاص عديم الجنسية فلا بد من تحديد الجنسية التي ستطبق عليه، ولذلك فإن الفقه يرى ضرورة تطبيق قانون أخر جنسية للشخص، ولكن قد يكون الشخص عديم الجنسية منذ ولادته، فقد يطبق قانون البلد الذي ولد فيه، ما لم يكن هذا البلد هو الذي سحب منه الجنسية، وبين المشرع الجزائري في المادة 22/2 من القانون المدني أنه في حالة انعدام الجنسية يطبق قانون الموطن أو محل إقامة عديم الجنسية.
الفرع الثاني: خضوع الحالة الشخصية للجزائرية للقانون الجزائري.
لقد بين المشرع الجزائري أن منازعات الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم تخضع لقانون جنسيتهم، هذا يعني أن الحالة الشخصية للجزائرية تخضع كذلك لقانون جنسيتها أي القانون الجزائري.
فحسب قواعد الإسناد الجزائرية فمنازعات الحالة الشخصية للجزائرية تخضع للقانون الجزائري سواء كانت موجودة في الجزائر أو خارجها، ما دام أن الدعوى رفعت أمام القاضي الجزائري، حيث يفطَبَق القانون الجزائري الذي يرى فيه المشرع أعدل وأنسب القوانين والذي يحقق مصلحة الزوجة الجزائرية.
فإذ ثار نزاع أمام القاضي الجزائري حول الحالة الشخصية أو أهلية امرأة جزائرية موجودة في بريطانيا، فسيطبق القاضي القانون الجزائري سواء كان لمصلحة الزوجة الجزائرية أو ضدها.
وفي الأحوال التي يعطي القانون البريطاني (بوصفه قانون الموطن) للزوجة الجزائرية حقوقاً أكثر من القانون الجزائري، عندها يمكن أن نتساءل أليس ضابط الموطن أفضل للمرأة الجزائرية من القانون الجزائري، والقول بغير هذا يعني عزوف هذه الزوجة عن اللجوء إلى القضاء الجزائري ولجوئها دون تردد إلى القضاء البريطاني والذي يطبق قانون الموطن، مما يعني إفراغ ضابط الجنسية من محتواه وأهدافه، لذا من الأفضل أن يراعي القانون الجزائري مصلحة الزوجة الجزائرية، وذلك بتبني أكثر من ضابط إسناد ويكون مقر أو موطن الزوجة إحدى هذه الضوابط.
وفي الأحوال التي تتعمد الزوجة الجزائرية تبديل ضابط الإسناد من الجنسية إلى الموطن في إطار بحثها عن تحقيق مصالحها، سيعتبر هذا التصرف تحايلاً على القانون الجزائري مما يؤدي إلى عدم اعتراف القانون الجزائري بالقانون الأجنبي ولا بحكمه، لذا فالأفضل أن يكون لدينا أكثر من ضابط للإسناد يختار القاضي أنسبها حسب النزاع المعروض عليه.
إن تطبيق قانون الموطن قد يكون أكثر عدالة للزوجة الجزائرية خاصة إذا ما بنت تعاملاتها على أساس قانون الموطن فاكتسبت حقوقاً وتحملت التزامات، فالمشرع عندما يضع القواعد القانونية يضعها بشكل عام ومجرد يرى من خلالها تحقيق مصالح الأفراد دون أن يحقق مصلحة شخص بعينها(مصلحة الزوجة الجزائرية في الخارج عندما يكون قانون الموطن أفضل لها)،أي أن المشرع اعتبر أن تطبيق قانون الجنسية أفضل لعموم الجزائريين والجزائريات مع علمه بعدم انطباق هذا الوصف على جميعهم.
المطلب الثاني: دور الإحالة في حماية مصالح الزوجة الجزائرية
للإحالة تأثير إيجابي أو سلبي على حقوق الزوجة الجزائرية، ويظهر هذا التأثير بعد توضيح مفهوم الإحالة "الفرع الأول"، ونظم المشرع الجزائري الإحالة بشكل وسع من خلالها اختصاص القانون الجزائري "الفرع الثاني"
الفرع الأول : مفهوم الإحالة
عندما يفعْرَض النزاع ذا العنصر الأجنبي على القاضي فسيطبق قواعد الإسناد في بلده، فإذا أشارت هذه القواعد إلى تطبيق القانون الأجنبي، فيكون القاضي أمام أحد الخيارين، إما أنه يطبق القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي وهذا يعني أنه يرفض الإحالة، أو أنه يطبق قواعد الإسناد الأجنبية أي أنه يقبل الإحالة.
ومن هنا يمكن تعريف الإحالة بأنها " النظرية التي تلزم القاضي بتطبيق قواعد الإسناد الأجنبية" وتقوم الإحالة عندما يوجد اختلاف في الحكم ما بين قواعد الإسناد الوطنية والأجنبية، وتظهر الإحالة في التنازع السلبي وذلك عندما يتخلى كل قانون عن حكم النزاع.
لقد ثار نقاش بين الفقهاء حول مسألة الإحالة وأهميتها في تنازع القوانين، فهناك من يؤيد الإحالة على أساس أن قواعد الإسناد عندما تشير إلى تطبيق القانون الأجنبي فإن هذا القانون يطبق بما فيه من قواعد إسناد أجنبية، وبالتالي لا بد من تطبيق الإحالة عندما يرفض القانون الأجنبي الاختصاص بحكم النزاع.
فالإحالة تفسَهّفل من عمل القاضي وذلك في الحالات التي يفرْجفع القانون الأجنبي الاختصاص إلى قانون القاضي، فهي تؤدي إلى توحيد الحلول المطبقة على المنازعات، فلو أن القاضي يطبق قانون الجنسية؛ وقانون الجنسية يطبق قانون الموطن، فإذا طبقنا الإحالة هذا يعني أن القاضي الوطني سيعمل بضابط الموطن مما يعني توحيد في ضوابط الإسناد.
وفي المقابل فهناك من يرفض الإحالة على أساس أنها قد تؤدي إلى حلقة مفرغة، وفيها إجحاف بحقوق الأفراد لأنه سيطبق عليهم قانوناً أخراً غريب عنهم.
وعلى خلاف موقف المشرع الجزائري قبل تعديل القانون المدني؛ فلقد بين –في المادة 23 مكرر 1 من القانون 05/10 المعدل للقانون المدني- أنه " إذا تقرر أن قانوناً أجنبياً هو الواجب التطبيق فلا يطبق منه إلا أحكامه الداخلية دون تلك الخاصة بتنازع القوانين من حيث المكان، غير أنه يطبق القانون الجزائري إذا أحالت عليه قواعد تنازع القوانين في القانون الأجنبي المختص"
مما سبق يتضح أن المشرع وضع مبدأً عاماً وهو رفض الإحالة لأنه ألزم القاضي بتطبيق القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي، وهذا الرأي يتماشى مع الاتجاه الفقهي الغالب الذي يرفض الإحالة نظراً لمساوئها الكبيرة، وفي نفس الوقت وضع حلاً للفقه الجزائري الذي كان يتخبط ليعرف موقف المشرع من الإحالة.
ويفهم كذلك من المادة السابقة قَبول المشرع للإحالة من الدرجة الأولى، وذلك عندما تحيل "ترجع" قواعد الإسناد الأجنبية الاختصاص إلى القانون الجزائري، وفي ذلك فإن المشرع يتماشى مع الاتجاه الفقهي الذي رفض الإحالة كأصل عام وأجازها في حالة إرجاع النزاع إلى قانون القاضي.
الفرع الثاني : تأثير الإحالة على حقوق الزوجة الجزائرية
بدايةً نقول أن من الفقه من أجاز الإحالة في صورتها الأولى "أي الإحالة من الدرجة الأولى" ومنعها في حالات خاصة كمسائل الأحوال الشخصية على أساس أنه إذا تصورنا الإحالة في كل المواضيع فلا يمكن تصورها في الأحوال الشخصية؛ لأن هذا القول سوف يقودنا إلى أن نطبق قانوناً أخراً على المواطنين غير قانونهم.
ومثال ذلك لو أن بريطانية مسلمة تزوجت بمسيحي وفقاً للقانون البريطاني ثم أثير مدى صحة الزواج وفقاً للقانون الجزائري، فهنا سيطبق القاضي الجزائري قواعد الإسناد الجزائرية التي تبين تطبيق قانون كل من الزوجة والزوج أي تطبيق القانون البريطاني، ولنفترض أن القانون البريطاني يرجع الاختصاص إلى قانون القاضي أي القانون الجزائري؛ فسنطبق القانون الجزائري بناء على قبولنا للإحالة، وهذا يعني بالنسبة للأطراف أنهم سوف يتحاكمون أمام القانون الجزائري، والذي سيعتبر أن زواجهم باطلاً لأنه تم بين زوجة مسلمة مع زوج مسيحي.
هذا مثالاً دال على أن تطبيق الإحالة قد يكون فيه ضرر وإجحاف بحقوق الأفراد، لأنه سيطبق عليهم قانوناً غريب عنهم لم يكن في توقعهم عندما ابرموا زواجهم ولا يلبي طموح أحدهم على الأقل، لذا فإن تطبيق قانونهم الأصلي أفضل وأكثر تحقيقاً للعدالة.
يقابل هذا الرأي رأي أخر يعتبر أنه لا بد من تطبيق القانون الجديد اعتماداً على الإحالة لأنه قد يكون القانون الجديد أكثر عدالة وتحقيقاً لمصالح الأفراد، كما أن كل دولة تتبنى قواعد الإسناد التي تناسبها وتناسب مواطنيها، لذا عندما تتبنى دولة ضابط الموطن وتقبل الإحالة فلا بد أنها تكون على دراية بوضعية مواطنيها، وترى أن قانون الدولة الأجنبية يناسبهم وهو عنواناً للحقيقة، وعلى هذا الأساس فهناك من عبر عن ذلك بقوله "أننا لسنا ملكيين أكثر من الملك" ولن نكون حريصين على مصالح الأشخاص أكثر من دولهم.
ومثال ذلك لو وقع نزاع حول الأحوال الشخصية بين بريطانية مسلمة وزوجها البريطاني عندما يكونوا متوطنين في الجزائر، فالقانون الجزائري يخضع منازعات الأحوال الشخصية إلى قانون الجنسية أي القانون البريطاني، والقانون البريطاني يطبق قانون الموطن أي القانون الجزائري، وبتطبيق الإحالة يعني أن القاضي الجزائري سيطبق على النزاع القانون الجزائري على البريطانيين المتوطنين في الجزائر، وهذا الأمر يفسَهّفل من عمل القاضي، وهو أنسب بالنسبة للأشخاص المتوطنين في الجزائر، وفيه تماشي مع قواعد الإسناد الأجنبية.
والحقيقة أن قبول المشرع الجزائري للإحالة فتح المجال أمام النقاشات السابقة حول عدالة تطبيق الإحالة على حقوق الزوجة الجزائري، حيث أن المشرع لم يعطينا أي استثناء فيما يتعلق بقبول الإحالة من الدرجة الأولى مع أن الفقه قد وضع عليها إستثناءات.
فلو أن ألمانية متوطنة في الجزائر تزوجت ببريطاني ثم تجنست بالجنسية الجزائرية وثار نزاع حول أثار عقد الزواج أو حل الرابطة الزوجية، ففي هذه الحالة فإن القانون الواجب التطبيق هو قانون جنسية الزوج أي القانون البريطاني وليس القانون الجزائري، مما يعني أننا سنطبق على الجزائرية القانون البريطاني، ولكن بتبني المشرع للإحالة من الدرجة الأول سمح بتطبيق القانون الجزائري في حالة إحالة إرجاع القانون البريطاني الاختصاص إلى القانون الجزائري بوصفه قانون موطن الأشخاص.
هذا يعني أن تبني الإحالة في هذه الوضعية أفاد الزوجة الجزائري ويعتبر هذا الأمر حلاً للزوجة الجزائرية التي تتجنس بعد انعقاد الزواج والتي لا يشملها الاستثناء الوارد في المادة 13 من القانون المدني،فبدلاً من أن نطبق على الجزائرية القانون الأجنبي يمكن أن نستفيد من الإحالة لتطبيق القانون الجزائري عليها.
كما أن تبني المشرع الجزائري للاستثناء الوارد في المادة 13 حل محل الإحالة في الأحوال التي يكون في المنازعة زوجة جزائرية حتى ولو كان الزوج أجنبياً، أي لا داعي للجوء للإحالة من الدرجة الأولى بل نطبق الاستثناء الذي يقودنا إلى تطبيق القانون الجزائري، كما أن المشرع لم يتبنى الإحالة من الدرجة الثانية مما يعني أنه لن يتغير ضابط الإسناد عندما نكون في إطار منازعة أحد أطرافها زوجة جزائرية، ففي جميع الأحوال سيطبق القانون الجزائري من خلال تطبيق الاستثناء الوارد في المادة 13 أو من خلال قَبفولنا للإحالة.
فلو فرضنا أن جزائرية تعيش في اليونان طوال حياتها ووقع لها إشكال مع زوج يوناني الجنسية حيث رفع عليها دعوى الطلاق أمام القاضي الجزائري، في هذا النزاع سيطبق القاضي الجزائري الاستثناء الوارد في المادة 13 أي يطبق القانون الجزائري لوجود طرف جزائري، والقانون الجزائري يعطي لزوج الحق في فك الرابطة الزوجية، وبالتالي لا يمكن تصور تطبيق قانون أخر على الزوجة الجزائرية لأن المشرع لم يتبنى الإحالة الدرجة الثانية.
المبحث الثاني: دور ضابط الجنسية في مسائل الزواج
من المعلوم أن الزواج عقد يثير العديد من الصعوبات خاصة الزواج المختلط "ما بين المواطنين والأجانب"، إذ أنه يفتح المجال أمام تنازع القوانين، ويمر الزواج بمرحلة الانعقاد "المطلب الأول" ثم يرتب أثاراً وقد ينحل "المطلب الثاني"
المطلب الأول: ضابط الجنسية لحل منازعات انعقاد الزواج
يعد الزواج من أكثر المواضيع التي تثير إشكاليات في مادة تنازع القوانين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الزواج -الذي يدخل في إطار الأحوال الشخصية- لا تتفق التشريعات المختلفة على إعطاءه مفهوم موحد، وهذا الاختلاف مرجعه الاعتبارات الدينية والتاريخية.
وتعد منازعات انعقاد الزواج من أخطر المنازعات، لأنه يترتب عليها صحة أو بطلان عقد الزواج، وقد تقع هذه المنازعات فيما يتعلق بشروط صحة العقد "الفرع الأول" كما قد تقع المنازعات في الشروط الشكلية للزواج "الفرع الثاني"
الفرع الأول: ضابط الجنسية لحكم منازعات صحة الزواج
ينعقد الزواج صحيحاً بتوفر مجموعة من الشروط الموضوعية، فلقد بين المشرع في المادة 11 من القانون المدني أن الشروط الموضوعية لصحة الزواج تخضع للقانون الوطني لكل من الزوجين، وبين المشرع في قانون الأسرة أن أركان وشروط عقد الزواج هي التراضي والولي والشهود والمهر، وهي تدخل في شروط صحة الزواج والتي يثور بشأنها منازعات في إطار القانون الدولي الخاص.
فإذا ثار نزاع حول شروط صحة زواج الجزائرية؛ فهذا النزاع يخضع إلى قانون جنسية كل من الزوجين، أي إلى قانون جنسية الزوجة والزوج، ويرجع سبب اختيار هذا الضابط إلى أن النزاع حول الشروط الموضوعية لزواج معناه الاختلاف حول صحة أو بطلان عقد الزواج، مما يعني تهديد الحياة الزوجية والتي هي رابطة مقدسة يجب عدم التساهل في القول ببطلانها، ولذا تم إخضاع الشروط الموضوعة لقانون جنسية كل من الزوجين، ولم يقصره المشرع على جنسية الزوج.
إن تطبيق ضابط الجنسية يعد مسألة سهلة في حال اتحاد جنسية كل من الزوجين، وقد تختلف جنسية كل من الزوجيين فما هو الحل؟
لم يبين المشرع الجزائري موقفه من هذه المسألة وكنا ننتظر أن يبين موقفه بعد التعديل الأخير للقانون المدني، ويا ليته تبنى النظام الموزع كأصل عام والتطبيق الجامع في حالة موانع الزواج، وفي المقابل تبنى المشرع التونسي صراحة التطبيق الموزع؛ وذلك عندما بين في الفصل 45 من مدونة القانون الدولي الخاص أن الشروط الأصلية للزواج تخضع للقانون الشخصي للزوجين كلّ على حدة.
وعموماً فالفقه يتبنى إما التطبيق الجامع (أي ضرورة توفر في كل زوج الشروط الموضوعية في قانونه وفي قانون الزوج الآخر) أو التطبيق الموزع (أي ضرورة توفر في كل زوج الشروط الموضوعية في قانونه فقط دون القانون الأخر) ولكن ما هو الحل إذا كان أحد الزوجين جزائرياً؟
مثال ذلك إذا تزوجت جزائرية من أمريكي مسلم وثار بينهم نزاعاً حول شرط الولي حيث أن زواجها تم دون حضور الولي، وعلى فرض أن القانون الأمريكي لا يشترط حضور أو موافقة الولي لصحة الزواج وثار نزاع فما هو الحل؟
فالحل حسب الأصل العام هو ما جاء به المشرع الجزائري في المادة 11 من القانون المدني أي تطبيق قانون جنسية كل من الزوجين أي سنطبق القانون الجزائري والقانون الأمريكي، وبما أنهما مختلفو الجنسية فلا بد من التطبيق الجامع والذي يعني ضرورة توفر في كل طرف الشروط الموضوعية في قانونه وفي قانون الطرف الأخر مما يعني أن الزواج سيعتبر باطلاً، وهذا يعني الإضرار بمصالح الزوجة الجزائرية التي سينتهي بالنسبة لها عقد الزواج.
ويمكن استعمال التطبيق الموزع مما يعني أننا سننظر إلى الطرف المزعوم عدم احترامه لشروط بلده للقول ببطلان العقد من جانبه، وفي هذه الحالة سيعتبر الزواج باطلاً بالنسبة للزوجة الجزائرية التي لم تحترم شرط الوالي المطلوب توفره في القانون الجزائري.
ولو فرضنا في المثال السابق أن القانون الأمريكي يشترط الزواج الديني لصحة الزواج، وهذا الزواج مع الجزائرية قد تم في الشكل المدني فلو رفع الزوج الدعوى أمام المحاكم الجزائرية، فتطبيق القاضي الجزائري لنظام الموزع معناه أن زواج الجزائرية صحيح انطلاقاً من تطبيق قانون جنسيتها وهو القانون الجزائري والذي لا يشترط الزواج الديني فزواجها صحيح.
نفهم مما سبق أن تبنى المشرع لضابط الجنسية وفقاً لتطبيق الموزع دون الجامع حمى به مصالح الزوجة الجزائرية.
وزيادة في حماية مصالح الزوجة الجزائرية بين المشرع في المادة 13 من القانون المدني أنه إذا كان أحد الزوجين جزائرياً عند الانعقاد فلا يطبق القانون الأجنبي وإنما يطبق القانون الجزائري "كما هو الحال في المثال السابق فالزوجة جزائرية عند الانعقاد"، وهذه ضمانه أضافها المشرع لحماية الزوجة الجزائرية، حيث أن تطبيق القانون الجزائري عليها بدلاًَ من تطبيق القانون الأجنبي سيوفر لها في الغالب الحماية الكاملة.
نخلص مما سبق أن تطبيق النظام الموزع سمح بتطبيق أحكام القانون الجزائري على الجزائرية كما أن تبني المشرع للاستثناء السابق أكد على ضرورة تطبيق القانون الجزائري.
وعلى فرض أن زوجة جزائرية تزوجت من يوناني زواجاً مدنياً وأرادت أن تحل الرابطة الزوجية مع زوجها على أساس أن الزواج تخلف فيه شرطاً جوهرياً -حسب القانون اليوناني- وهو الزواج الديني، عندها سيعتبر الزواج باطلاً بالنسبة للزوج، ولكن حسب الاستثناء الذي أورده المشرع فالزوجة الجزائرية لن تستفيد من هذا الوضع لأنه لن يطبق القانون اليوناني ولكن سيطبق القانون الجزائري حسب الاستثناء الوارد في المادة 13 من القانون المدني، فهذا يعني أن تطبيق الاستثناء حرم الزوجة من حق إبطال عقد الزواج وفقاً للقانون اليوناني.
وإذا تعلق الأمر بأجنبيين تزوجا ثم انتقلا للعيش بالجزائر ثم تجنست الزوجة بالجنسية الجزائرية، فلا يطبق الاستثناء لأنه لم يكن أحد الزوجين وقت إبرام الزواج جزائرية الجنسية
إن اشتراط المشرع في المادة 13 أن يكون أحد الزوجيين جزائرياً وقت انعقاد الزواج لتطبيق القانون الجزائري قد يفرز لنا حالة لا تحمى فيها الزوجة الجزائرية ولن يطبق القانون الجزائري بالرغم من أنها تحمل الجنسية الجزائرية.
مثال ذلك حالة الزوجة المغربية المتزوجة بزوج يوناني ثم تتجنس بالجنسية الجزائرية أثناء إقامتها في الجزائر وذلك بعد الزواج، فلو طبقنا الأصل العام الوارد في المادة 11 فلن يطبق عليها القانون الجزائري لأن المادة تنص على تطيق قانون كل من الزوجيين، صحيح أن المادة 11 لم تبين الوقت الذي على أساسه تحدد جنسية الزوجيين؛ إلا أن المنطق وبناء على القياس فإن قانون جنسية كل من الزوجيين يفحَدَّد يوم انعقاد الزواج وليس يوم رفع الدعوى لأنه الوقت الذي على أساسه يقرر مدى صحة شروط الزواج من عدمه، وبما أنهما مختلفي الجنسية يوم الانعقاد فلا بد من التطبيق الجامع أو الموزع، وفي الحالتين لن يطبق القانون الجزائري على الزوجة، بل سيطبق القانون المغربي أو القانون اليوناني، وهذه هي المفارقة التي توجد في القانون الجزائري؛ أنه حمى الزوجة الجزائرية وطبق عليها القانون الجزائري إلا أن هذه الحالة قد أفلتت من تنظيم المشرع الجزائري لوضعية الزوجة الجزائرية، وهذا يعني أن الزوجة الجزائرية التي رفعت الدعوى لن يطبق عليها القانون الجزائري لا حسب الأصل العام ولا حسب الاستثناء.
وحمى المشرع الجزائري الزوجة في حالة تطبيق قانون أجنبي عن طريق فكرة النظام العام، حيث أن فكرة النظام العام تؤدي إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي إذا كان مخالفاً للقانون الجزائري، ففي الحالات السابقة؛ والتي أفلتت من تنظيم المشرع الجزائري يمكن الرجوع إلى أفكار النظام العام -إذا ما توافرت شروطها- لعدم تطبيق القانون الأجنبي الضار بمصلحة الزوجة الجزائرية واستبداله بالقانون الجزائري.
الفرع الثاني: ضوابط تحديد القانون الذي يحكم منازعات شكل الزواج
إن الزواج كتصرف قانوني لا بد أن يتوفر على مجموعة من الشروط الشكلية، فبعض القوانين تشترط الشكل الديني، وأخرى تشترط الشكل المدني ويكتفي البعض الآخر بتوافق الإراديتين دون أي شكل خاص، وفي القانون الجزائري لا يشترط الشكل الديني لصحة الزواج بل يكفي أن يتم الزواج بالشكل المدني، ويكفي أن يوثق الزواج أمام موظف رسمي كالموثق، مع أن المشرع قد فتح المجال أمام الزواج العرفي.
والأصل أن زواج الجزائرية إذا ما تم داخل الجزائري فهو يخضع إلى الأوضاع الألوفة فيه، ولكن من الممكن أن تتزوج الجزائرية في خارج الجزائر فلم يبين المشرع قواعد خاصة تحكم شكل زواج الجزائرية لا في القانون المدني القديم ولا في التعديل الجديد.
ولذا يمكن تطبيق ما نظمه المشرع بالنسبة لجميع أشكال التصرفات الواردة في المادة 19 من القانون المدني " حيث تخضع التصرفات القانونية في شكلها إلى قانون المكان الذي تمت فيه ويجوز أن تخضع إلى قانون الموطن المشترك أو لقانونهما الوطني أو القانوني الذي يسري على أحكامها الموضوعة"، ويخضع شكل الزواج إلى قانون المحل حسب المادة 97 من قانون الحالة المدنية، والتي أخضعت شكل زواج الجزائريين في الخارج إلى الأوضاع المألوفة في ذلك البلد شريطة أن لا يخالف الجزائري الشروط الأساسية في قانونه"، كما يمكن للجزائرية أن تبرم زواجها أمام القنصليات الجزائرية في الخارج تطبيقاً للمادة96 من قانون الحالة المدنية.
مما سبق يتضح أن شكل الزواج يخضع إلى قانون مكان إبرام الزواج، وفي حال اشترك الزوجين في موطن مشترك فيمكن تطبيق قانون الموطن، وإذا اشترك الزوجين في الجنسية فيمكن تطبيق أحكام قانون جنسيتهم وللقاضي الاختيار بين هذه الضوابط، وعلى القاضي أن يختار الضابط الأكثر تناسباً مع احتياجات ومصالح الزوجة الجزائرية.
ولقد سكت المشرع في المادة 97من قانون الحالة المدنية عن حالة زواج الجزائرية في الخارج خوفاً من زواج الجزائريات بغير المسلمين، لكن هذا التخوف يزول عندما اشترط المشرع أن يراعي الجزائري الشروط الموضوعية في قانونه، أي على الزوجة الجزائرية أن تحترم الشروط الموضوعية في قانونها، وإذا احترمت الزوجة الجزائرية الشروط الموضوعية في قانونها هذا يعني احترامها للشروط الأساسية للزواج، وبالتالي يمكن القول أن الزوجة الجزائرية لها أن تبرم زواجها من الناحية الشكلية وفقاً للأوضاع المألوفة في البلد الأجنبي
المطلب الثاني: دور ضابط الجنسية في أثار وانحلال الزواج
لقد فَصَّل المشرع الجزائري في قواعد الإسناد التي تحكم موضوع الزواج وهذا خلافاً للمواضيع الأخرى نظراً لكثرة المنازعات في موضوع الزواج، وعلى هذا الأساس فلقد خص المشرع أثار الزواج بقاعدة إسناد خاصة بها "الفرع الأول"، وأخرى خاصة بحل الرابطة الزوجية "الفرع الثاني".
الفرع الأول: ضابط الجنسية وأثار الزواج
قد يقع النزاع بين الزوج والزوجة الجزائرية حول أثار عقد الزواج، وعالج المشرع القانون الواجب التطبيق على أثار الزواج في المادة 12 فقرة أولى من القانون المدني حيث أخضع منازعات أثار الزواج إلى الأصل العام الذي تخضع له منازعات الأحوال الشخصية أي لقانون الجنسية، واختار المشرع الجزائري قانون جنسية الزوج دون قانون جنسية الزوجة، على اعتبار أن لزوج الدور الأكبر والأعباء الأثقل في الحياة الزوجية.
ولم يقف المشرع عند المعاني السابقة بل أنه تبنى قانون جنسية الزوجة الجزائرية إذا ما كانت لها هذه الجنسية يوم إبرام عقد الزواج، وبهذا فإن المشرع قد تبنى قانون جنسية الزوجة الجزائرية ولم يحرمها من تطبيق القانون الأجنبي عليها بل جعل الاختصاص يعود للقانون الجزائري لأن الزوجة الجزائرية هي أحد أطراف المنازعة، وهذا ما تبناه المشرع من خلال المادة 13 من القانون المدني.
والملاحظ أن المشرع قد حدد الجنسية بوقت الانعقاد وذلك من أجل وضع حلاً لمسألة التنازع المتغير للجنسية، فإذا قام الزوج بتغير جنسيته بعد انعقاد الزواج فإن ذلك لن يؤثر في تحديد القانون الواجب التطبيق، ولم يأخذ المشرع بالقانون الوطني لكل من الزوجين من أجل تطبيق قانون واحد على آثار الزواج.
وعلى خلاف الموقف السابق أخضع المشرع التونسي واجبات الزوجين للقانون الشخصي المشترك، وإذا لم يكن الزوجين من جنسية واحدة فيطبق قانون آخر مقر مشترك لهما وإلاّ فقانون المحكمة، وبالنسبة للنظام المالي للزوجين فيخضع للقانون الشخصي المشترك، وعند اختلاف الجنسية يخضع لقانون أوّل مقرّ مشترك لهما إن وجد وإلا فلقانون مكان إبرام عقد الزواج، أي أنه لم يفضل جنسية الزوج على جنسية الزوجة، وأخذ بعين الاعتبار مقر الزوجية المشترك وقانون المحكمة.
فإذا وقع نزاع حول آثار عقد الزواج بين زوج سعودي وزوجة جزائرية متوطنين في تونس، ورفع النزاع أمام المحكمة الجزائرية، فالقانون الذي يحكم هذا النزاع هو قانون جنسية الزوج وقت الانعقاد أي القانون السعودي، لأنه هو قانون جنسية الزوج وقت انعقاد الزواج حسب الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون المدني.
قد يكون هذا القانون مجحفاً بحقوق الزوجة الجزائرية، لذا استثنى المشرع هذه الحالة من حكم المادة 12 وأخضعها لحكم المادة 13 من القانون المدني، وبما أن الزوجة يوم انعقاد الزواج كانت جزائرية فهذا يعني أنه لن يطبق قانون جنسية زوجها بل سيطبق القانون الجزائري.
ومن هنا فإن الآثار التي يرتبها عقد الزواج سواء كانت أثار شخصية (كواجب الاحترام والمعاملة الحسنة والإنفاق عليها) أو ما يتعلق بالآثار المالية للزواج أو الاتفاقيات المالية التي من الممكن أن تعقدها الزوجة الجزائرية مع الزوج الأجنبي؛ فإنها تخضع للقانون الجزائري حسب الاستثناء الوارد في المادة 13 من القانون المدني، حتى ولو كان قانون جنسية الزوج لا يعترف بهذه الحقوق.
ويمكننا أن نتساءل عن القانون الذي يحكم تغيير الزوجة الجزائرية لاسمها أو لقبها وفقاً لقانون زوجها، لم يبين المشرع الجزائري موقفه من هذه المسألة في حين أن الفقه الراجح يعتبر أن هذه المسألة تدخل في أثار الزواج لأن تغير الاسم لم يثار إلا بمناسبة إبرام عقد الزواج، أي تطبيق قانون جنسية الزوج الأصل العام والاستثناء يحيلنا إلى تطبيق القانون الجزائري.
وسواء تماشينا مع الرأي الفقهي واعتبرنا أن تغيير الاسم يعتبر من أثار الزواج أو اعتبرنا أن تغيير الاسم هو من المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص فسيتم تطبيق القانون الجزائري في الحالتين، وهذه ضمانة إضافية منحها المشرع للزوجة الجزائرية مما يعني تطبيق القانون الجزائري في جميع الحالات على اسم ولقب الزوجة الجزائرية، ونفس القول السابق ينطبق على أهلية المرأة الجزائرية في حالة أن قانون جنسية الزوج ينقص من أهليتها لدى مباشرة بعض التصرفات.
إن تبني المشرع الجزائري للاستثناء المتعلق بتطبيق القانون الجزائري إذا ما كانت الزوجة جزائرية وقت الانعقاد فيما يتعلق بمنازعات أثار الزواج، تشوبه فجوة معها لا تحمى الزوجة الجزائرية ولا يطبق القانون الجزائري فيما يتعلق بهذه المنازعات؛ لا حسب الأصل العام الوارد في المادة 12 فقرة أولى ولا الاستثناء الوارد في المادة 13 من القانون المدني.
مثال ذلك لو أن تونسية تزوجت بمغربي في الجزائر، ثم تجنست بالجنسية الجزائرية، وثار نزاع حول الآثار المالية أو الشخصية لعقد الزواج؛ فلن يتم تطبيق القانون الجزائري لأن الأصل أن نطبق قانون جنسية الزوج وقت الانعقاد وليس قانون جنسية الزوجة، ولن يتم تطبيق الاستثناء لأن الزوجة لم تكن جزائرية وقت الانعقاد، وبالتالي بالرغم من أن الزوجة الجزائرية هي التي رفعت الدعوى مطالبة بتطبيق القانون الجزائري فلن يتم تطبيق القانون الجزائري.
ويرجع سبب هذا التناقض إلى أن المشرع اشترط لتطبيق الاستثناء وجود طرف جزائري وقت الانعقاد وليس بعده مما فتح المجال أمام حالات تكون الزوجة تجنست بالجنسية الجزائرية بعد انعقاد الزواج، وما يبرر موقف المشرع هو أن أثار الزواج ترتبط بوقت انعقاد الزواج وليس بوقت رفع الدعوى، لذا ربط المشرع الجنسية الجزائرية بوقت الانعقاد، وهذا القول لا يمنع أن نتساءل عن عدالة تطبيق قانون جنسية الزوج الأجنبي على الزوجة الجزائرية، وآلا يشكل هذا إجحاف بحقها؛ خاصة إذا ما كان قانون جنسية الزوج ينتمي إلى منظومة قانونية مختلفة عن القانون الجزائري.
الفرع الثاني: ضابط الجنسية وانحلال الزواج
كأي رابطة قانونية فإن عقد الزواج يمكن حله، وتتعدد طرق حل الرابطة الزوجية "الطلاق أو التطليق أو الخلع"
فإذا ما ثار نزاع حول فك الرابطة الزوجة فيخضع النزاع إلى قانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى وليس إلى قانون جنسية الزوجة، وهذا ما جاءت به المادة 12/2 من القانون المدني، ويبرر الفقه اختيار قانون جنسية الزوج وليس الزوجة، ذلك على أساس الأعباء الكبيرة التي يتحملها الزوج في الحياة الزوجية، ولم يأخذ المشرع بالقانون المشترك للزوجين حتى يتم إخضاع الطلاق إلى قانون موحد، وراعى القانون التونسي إخضاع الطلاق إلى قانون موحد وذلك عندما أخضع الطلاق والتفريق الجسدي إلى القانون الشخصي المشترك عند إقامة الدعوى، وإلا فقانون آخر مقر مشترك للزوجين إن وجد وإلاّ تطبّفق المحكمة قانونها، أي أنه تبنى قانون الجنسية المشتركة أو المقر المشترك وليس قانون جنسية الزوج.
إلا أن المشرع الجزائري لم يقف عند المعاني السابقة بل وضع استثناء مفاده تطبيق القانون الجزائري في منازعات حل الرابطة الزوجية إذا كانت الزوجة جزائرية وقت إبرام عقد الزواج حسب الاستثناء الوارد في المادة 13 من القانون المدني.
فلو أن نزاعاً دار حول مدى توفر شرط الضرر كسبب للمطالبة بالتطليق بين زوج سوري وزوجة لبنانية، ثم تجنست الزوجة اللبنانية بالجنسية الجزائرية، وعرض النزاع على القاضي الجزائري، فإن القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع حسب الأصل العام هو قانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى "أي القانون السوري" حسب المادة 12 فقرة 02 من القانون المدني، ولا يمكن في المثال السابق الاعتماد على الاستثناء الوارد في المادة 13 لأن الزوجة لم تكن جزائرية يوم انعقاد الزواج، وبالتالي فإن القانون الواجب التطبيق هو القانون السوري وليس القانون الجزائري، مما يعني أنه سيطبق على الجزائرية قانون قد يكون بعيد كل البعد عنها ولا يضمن لها العدالة المنشودة.
لقد بررنا فيما سبق ربط المشرع الجزائري الاستثناء بوجود طرف جزائري يوم انعقاد الزواج، لأن الحقوق المزعومة ينظر لها وقت انعقاد الزواج كما هو الأمر بالنسبة لصحة الزواج وأثاره، لكن الأمر يختلف بالنسبة لحل الرابطة الزوجة إذ أنها ترتبط بتاريخ رفع الدعوى وليس بالانعقاد مما يجعل ربط تطبيق القانون الجزائري بوجود طرف جزائري وقت الانعقاد غير مبرر.
إن قانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى يبن لنا وسائل فك الرابطة الزوجية والشروط الواجب توفرها في الطلاق أو التطليق أو الخلع، فكل ما يدخل في الجانب الموضوعي لفك الرابطة الزوجية يطبق عليه قانون جنسية الزوج، كما أن كل الآثار المترتبة على فك الرابطة الزوجية كنفقة العدة والحضانة وتغير الاسم وسحب الجنسية تخضع كذلك لأثار الزواج
الخاتمة
لقد عالج المشرع الجزائري منازعات الأحوال الشخصية من خلال تطبيق قانون الجنسية، وذلك من أجل تحقيق سياسة تشريعية تميل إلى إبقاء العلاقة بين الجزائريين ودولتهم وقانونهم؛ وعلى أساس أن القانون الجزائري هو أفضل القوانين التي تحقق طموح وأمال الجزائريين، وفضل المشرع قانون جنسية الزوج على قانون جنسية الزوجة لما له من واجبات والتزامات في الحياة الأسرية.
وفي المقابل فإن المشرع لم يفهمل وضعية الزوجة الجزائرية، فبالرغم من تبنيه لقانون جنسية الزوج كمعيار لحل منازعات الأحوال الشخصية إلا أنه فتح المجال أمام تطبيق القانون الجزائري متى كانت الزوجة الجزائرية طرفاً في المنازعة، وكان ذلك بمناسبة تبني المشرع للاستثناء الذي أورده في المادة 13 من القانون المدني.
بالرغم من العناية والحرص الذي أبداه المشرع الجزائري لتطبيق القانون الجزائري على الجزائريين، والذي يستشف من خلال تحليل المواد من 10-13 من القانون المدني، إلا أنه من خلال اشتراطه لأن يكون أحد الطرفين جزائرياً وقت التعاقد قد أفلتت حالات من الهدف المنشود "تطبيق القانون الجزائري على كل الجزائريين"، مما يعني أننا سنجد منازعات فيها طرف جزائري ويطبق القاضي الجزائري عليها قانوناً أجنبياً، أقل ما يمكن أن يقال عن هذا القانون هو أنه سيكون مجحفاً بحقوق الجزائرية، لذا لا بد من تعديل المادة 13 لتتماشى مع تطبيق القانون الجزائري على كل الجزائريين فيما يتعلق بمنازعات الأحوال الشخصية.
إن تبني المشرع الجزائري للإحالة من الدرجة الأولى دون الإحالة من الدرجة الثانية ضمن عدم تطبيق قانون أجنبي على منازعات الزوجة الجزائرية، لأن الإحالة من الدرجة الأولى تعني الرجوع إلى القانون الجزائري.
وبالرغم من أن تطبق قانون الجنسية على منازعات الأحوال الشخصية يضمن تطبيق القانون على جميع الجزائريين المتواجدين داخل الوطن أو خارجه إلا أنه قد لا يكون هو أعدل القوانين خاصة بالنسبة للمغتربتين الذين يتوطنون ويعيشون طوال حياتهم خارج الجزائر ويفجْرفونَ تصرفاتهم على أساس قانون موطنهم، فيكون تطبيق قانون الموطن أفضل لهم، وإذا كانت المصالح المتوخى من تطبيق قانون الجنسية جليلة فلا بد من النص على تبني قانون الجنسية المشتركة للزوجين في جميع منازعات الأحوال الشخصية، وإلا فيطبق قانون الموطن، وهذا سيراً على نهج المشرع التونسي.
المراجع
- الدكتور أعراب بلقاسم– القانون الدولي الخاص- الجزء الأول تنازع القوانين- دار هومة لطباعة والنشر والتوزيع الجزائر –طبعة 2003. </li>
- الأستاذ أمجد حسان- محاضرات في القانون الدولي الخاص- ألقيت على طلبة السنة الرابعة في معهد الحقوق المركز الجامعي بشار- السنة الجامعية 2006-2007.</li>
- الدكتور زرواطي الطيب- القانون الدولي الخاص الجزائري مقارناً بالقوانين العربية- الجزء الأول تنازع القوانين – مطبعة الكاهنة الجزائر- طبعة 2000. </li>
- الدكتور عبد الكريم عمروشي- القانون الدولي الخاص- الجزء الأول تنازع القوانين- مكتبة دار الثقافة عمان-طبعة 1997.</li>
- الدكتور عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص –الجزء الثاني تنازع القوانين –دار النهضة العربية- طبعة سنة 1972. الدكتور عكاشة محمد عبد العال– تنازع القوانين دراسة مقارنة- دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية- طبعة 2002.</li>
- الدكتور على على سليمان- مذكرات في القانون الدولي الخاص- الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية الجزائر طبعة 2001.</li>
- الدكتور محمد مبروك اللافي– تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي- منشورات الجامعة المفتوحة مطبعة الانتصار-طبعة 1994.</li>
- الدكتور محند إسعاد- القانون الدولي الخاص- الجزء الاول قواعد التنازع- ديوان المطبوعات الجامعية-طبعة 1994.</li>
- الدكتور هشام على خالد صادق والدكتورة حفيظة السيد حداد-دروس في القانون الدولي الخاص – الكتاب الثاني تنازع القوانين- دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية- طبعة 2000.</li>
- الأمر رقم 05/10 المؤرخ في 20 يونيو سنة 2005، المعدل للأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 والمتضمن القانون المدني، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 44 لسنة 2005.</li>
- القانون الدولي الخاص التونسي، مجلة القانون الدولي الخاص 1998-11-27 الجمهورية التونسية المنشور على الموقع الإلكتروني.</li>