التحكيم في القانون الجزائري
بحث شامل حول التحكيم
الخطة
الفصل التمهيدي التعريف بالتحكيم وطبيعته القانونية
المبحث الاول تعريف التحكيم ومزاياه
المطلب الاول تعريف التحكيم
المطلب الثاني مزايا التحكيم على الصعيدين الوطني والدولي
المبحث الثاني : تمييز التحكيم عن النظم المشابهة له ومعيارية الدولية
المطلب الاول : تمييز التحكيم عن النظم المشابهة له
المطلب الثاني : التحكيم الوطني والتحكيم الدولي والتحكيم الأجنبي
الفصــل الأول شروط اتفـاق التحكيــم وآثـــاره
المبحث الأول : شروط صحة اتفاق التحكيم
المطلب الأول : الشروط الموضوعية
المطلب الثاني :الشروط الشكلية
المبــحث الثاني : آثار اتفـــــاق التحكيم
المطلــب الأول : الأثر المانع لاتفاق التحكيم
المطلـــب الثاني : العلاقة بين اتفاق التحكيم،والعلاقة بين الأطراف (مبدأ استقلالية شرط التحكيم )
المطلــب الثالث : نطاق الأثر الملزم لاتفاق التحكيم من حيث الأشخاص.
الفصـــل الثانــــي كيفيــة صـــدور حكــــم التحكــــــيم
المبحث الأول تحديد القانون الدي تطبقه هيئة التحكيم على موضوع النزاع
المطلب الأول تطبيق قانون إرادة الأطراف
المطلب الثاني تصدي هيئة التحكيم لتحديد القانون المطبق على موضوع النزاع
المطلب الثالث الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة و الإنصاف
المبحـث الثاني كيفيـة صـدور حكم التحكـيم و شــروط صحتــه
المطلــب الأول اختصاص هيئة التحكيم باتخاذ التدابير المؤقتة و التحفظية
المطلب الثاني ميعاد إصدار الحكم و سلطة الهيئة في مده
المطلب الثالث إصدار الحكم المنهي للخصومة والشروط الواجب توافرها
الفصل الثالث بطلان حكم التحكيم
المبحـث الأول بطلان حكم التحكيم
المطلـب الأول عدم جواز الطعن في حكم التحكيم
المطلب الثاني الطعن في حكم التحكيم وفقا للقانون الجزائري
المطلـب الثالـث الطعن في حكم التحكيم وفقا للقانون الفرنسي.
المبحـث الثانـي إمكانية رفع دعوى بطلان حكم التحكيم
المطلـب الأول الأسباب التي يجب توافرها لرفع دعوى البطلان
المطلـب الثانـي أسباب بطلان أحكام التحكيم في ظل القانون الفرنسي
المطلـب الثالـث أسباب بطلان أحكام التحكيم في ظل القانون المصري
الفصل الرابع تنفيذ حكم التحكيم
المبحث الأول حجية حكم التحكيم
المطلب الأول حجية حكم التحكيم و نطاقها
المطلب الثاني حجية حكم التحكيم و وجوب نفاذه (القانون المصري) والفرنسي.
المبحث الثاني إجراءات تنفيذ حكم التحكيم
المطلب الأول تنفيذ حكم التحكيم
المطلب الثاني تنفيذ حكم التحكيم الخاضع للقانون المصري والفرنسي
خاتمة
الفصل التمهيدي: التعريف بالتحكيم و طبيعته القانونية
قبل الخوض في البحث عن شروط التحكيم وكيفية صدور الحكم فلابد أن نفق اولا على تعريفه، ومزايا وعيوبه، وكذالك يجب ان نفرقه على بعض الانظمة المشابهة لهوذلك ما سوف نبينه في هذا الفصل.
المبحث الاول تعريف التحكيم ومزاياه.
في هذا المبحث سوف نعرف التحكيم لغة واصطلاحا، وبعد ذلك سوف نتطرق الى مزايا التحكيم على سواء على الصعيد الداخلي او الدولي.
المطلب الاول تعريف التحكيم
أولا: التحكيم لغة :
التحكيم لغة من مادة "حكـم" وحكم بتشديد الكاف تعني طلب الحكم ممن يتم الاحتكام إليه ويسمى "الحكم" بفتح الحاء، والكاف أو المحكم بضم الميم وفتح الحاء والكاف مشددة[1]).
ويقصد بالتحكيم في اللغة كذلك التفويض في الحكم فهو مأخوذ من حكم وأحكمه فاستحكم أي صار محكما في ماله تحكيما إذا جعل إليه الحكم فيه فاحتكم عليه ذلك([2]).
والتحكيم نجده في قوله تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " ([3]). أي يجعلوك حكما فيما حل بينهم من شجار.
ثانيـا:التحكيـم اصطلاحا
يقصد بالتحكيم في الاصطلاح القانوني، اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة، عقدية أو غير عقدية، على أن يتم الفصل في المنازعات التي ثارت بينهم بالفعل، أو التي يحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين ([4]).
ويعرفه الأستاذ الدكتورمحسن شفيق بأنه:"اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين، ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة به"، وعرف بأنه:"أسلوب لفض المنازعات ملزمة لأطرافه ويبنى على اختيار الخصوم بإرادتهم أفرادا عاديين للفصل فيما يثور بينهم أو يحتمل أن يثور بينهم من نزاع"([5]).
وعرف كذلك بأنه:"نظام لحل المنازعات المالية بين الأطراف، والأطراف هو لفظ يمكن أن ينصرف إلى الأشخاص الطبيعيين أوإلى الأشخاص الاعتبارين سواء كانوا دولا أم شركات" ([6]).
وأيضا عرف بأنه النظام الذي بموجبه يسوي طرف من الغير خلافا قائما بين طرفين أو عدة أطراف، ممارسا لمهمة قضائية عهدت إليه عن طريق هؤلاء الأطراف.
وعرفت المحكمة الدستورية المصرية العليا التحكيم بكونه"عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحدّدانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالاة، مجردا من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه،بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية "([7]).
وعرف المشرع المصري التحكيم في المادة الرابعة من القانون رقم 27 لسنة 1994 بأنه:"ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة، سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق طرفين، منظمة أو مركزا دائما للتحكيم أو لم تكن كذلك.
تنصرف عبارة هيئة التحكيم إلى الهيئة المشكلة من محكم واحد أو أكثر للفصل في النزاع المحال إلى التحكيم أما لفظ المحكمة فينصرف إلى المحكمة التابعة للنظام القضائي في الدولة.
تنصرف عبارة طرفي التحكيم في هذا القانون إلى أطراف التحكيم ولو تعددوا".
فالتحكيم أساسه ارادة الاطراف،منها يستقي المحكمون سلطاتهم واختصاصهم بالفصل في النزاع،وبسببهاتنزع اختصاصات محاكم الدولة بنظر النزاع ليعهد بها الى محكمين اختارهم الاطراف ([8])، واضافة الى ما سبق فالقانون هو دائما مصدر التحكيم، ولكن ارادة المشرع تظل ساكنة الى ان تحركها ارادة الاطراف فهو نظام تتدخل ارادة الاطراف لكي تضعه في حالة حركة ([9]).
والتحكيم من السلطة العامة مثله مثل الحكم الذي يوصل المسار بالمسار القضائي, ولا يغير من مهمة هذه الحقيقة اختلاف المسار التحكيمي عن المسار القضائي في مدى الالتزام بأحكام القانون، فالجوهر في هذا الشأن هو أن حكم المحكم يحسم النزاع وأن التحكيم يؤدي من ثم الوظيفة ذاتها التي يؤديها القضاء ([10]).
ويعرفه الأستاذ الدكتور:أدولف رييولط بأنه "نظام الغاية منه عدم عرض النزاع على القضاة المعينين من طرف الدولة ليبتوا فيه، وعرضه من قبل الأطراف باتفاق مشترك على أشخاص غير مفوضين من طرف السلطة" ([11]).
نخلص مما سبق إلى أن التحكيم هو "الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة به فبمقتضى التحكيم ينزل الخصوم عن الالتجاء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على محكم ARBITRE أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم، وقد يكون هذا الاتفاق تبعا لعقد معين يذكر في صلبه ويسمى شرط التحكيم " clause compromissoir"، وقد يكون بمناسبة نزاع معين قائم بالفعل بين الخصوم ([12]) ويسمى عندئذ بمشارطة التحكيم، والواقع أن الفقه قدم العديد من التعريفات التي لا تخرج في معناها عن المعنى السابق.
ويثير التحكيم جدلا حول طبيعته القانونية، حيث اتجه البعض إلى ترجيح الطبيعة القضائية، وذلك على أساس تركيز النظر والاعتماد على طبيعة المهمة التي يؤديها المحكم، فهو يفصل في نزاع شأنه شأن القاضي، ويتميز حكم التحكيم بعدم قابليته للطعن فيه في ظل معظم التشريعات والاتفاقيات الدولية في حيث أن حكم القاضي قابل للطعن فيه. ويترتب على الطبيعة القضائية للتحكيم، التسليم بحق الدولة في التدخل، لأن القضاء أصلا منوط بالسلطة القضائية[13]). كما أن التحكيم ذو طبيعة استثنائية يسمح لأشخاص من خارج السلطة القضائية للقيام بوظيفة القاضي، فلا بد أن تراقب الدولة وتتدخل بقواعد آمرة تضمن سلامة إجراءات التحكيم، وسلامة الحكم، وتنظم القواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم [14].
- زيادة عن ذلك الطبيعة العقدية للتحكيم التي تولي الأهمية بالدرجة الأولى لأطراف النزاع كونهم يخولون من يقوم بمهمة التحكيم، يعددون له الإجراءات التي يتبعها، يحددون شخص أو أشخاص التحكيم، يدفعون أتعابهم، ويحددون لهم القانون الذي يحسم النزاع وفقا لنصوصه ؛ وتشريعات التحكيم التي تسنها الدول أو الاتفاقيات الدولية، لا تضع أحكاما آمرة إلا في أضيق الحدود ولخدمة وتحقيق "إرادة الأطراف في الالتجاء الاختياري للتحكيم". وفي حدود ما يمس الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكيان الدولة.
أي أن الدولة تفق عند دور الدولة "الحارسة" تسهر على "منع المساس بالنظام العام".
أو لضمان حسن سير عملية التحكيم وذلك بوضع قواعد مقررة تسد ثغرات اتفاق الأطراف [15].
وبالتالي فإن تنفيذ معظم أحكام التحكيم يتم طواعية ودون الالتجاء للقضاء للحصول على أمر التنفيذ، وحتى لو تم الالتجاء للقضاء، فلا يعدو الأمر أن يكون مشابها لعقود الصلح التي تخضع لتصديق القضاء.
وقد تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على تأكيد الطبيعة العقدية وارتكاز التحكيم كوسيلة تسوية المنازعات على الاختيار الحر لإرادة الأطراف، فقضت بعدم دستورية النصوص القانونية المختلفة التي تكرس نظام التحكيم الجبري سواء في مجال المنازعات الجمركية أو الضريبية أو المنازعات الناشئة عن تطبيق نصوص التحكيم الجبري في قانون سوق رأس المال[16].
(1)- د. محمود مختار أحمد بريري، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية، 2007، ص 5.
(2)- القاموس المحيط للفيروز آبادي، المجلد الرابع، دار الفكرالعربي، بيروت، 1298هـ-1978م .
(3)- سورة النساء،الآية 65.
([4])- د/ أبو زيد رضوان-الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي،دار الفكر العربي-ط1981
([5])- د/ محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي،دراسة في قانون التجارة الدولية-دار النهضة العربية-ص.13.
([6])- د/ إبراهيم أحمد إبراهيم- التحكيم الدولي الخاص، دار النهضة العربية،ط4 -2005 ص.29.
([7])- أنظر في ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا-17 ديسمبر 1994- القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية دستورية.
([8])- د/ داليا عبد المعطي حسين علي،مرجع سابق،ص40.
([9])- مرجع سابق،ص40.
([10])- مصطفى محمد الجمال، د.عكاشة عبد العال، التحكيم في العلاقات العامة الدولية والداخلية، الطبعة الأولى، بدون ناشر، 1998، ص19.
([11])- د/أودلف رييولط، المسطرة المدنية في شروح المعهد الوطني للدراسات القضائية، وزارة العدل، المملكة المغربية،1990،ص204.
([12])-د/ أحمد أبو الوفا، التحكيم الإختياري والإجباري، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف، الإسكندرية سنة 1988،ص15.
([13])-د/ محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 15.
([14])-د/ جابر جاد نصار، التحكيم في العقود الادارية، دار النهضة العربية، 2007، ص 61.
([15])-د/ جابر جاد نصار، المرجع السابق، ص 61.
([16])د. عبد الباقي الصغير، صعوبات التحكيم في عقود الانشاءات الدولية، مقالة بجامعة القاهرة، 2009، العدد 4، ص 112
المطلب الثاني : مزايا التحكيم على الصعيدين الوطني والدولي
بعد تبيان تعريف التحكيم وما المقصود منه سوف نتطرق في هذا المطلب الى مزايا التحكيم سواء على الصعيد الوطني أو الدولي
- تأتي في مقدمة مبررات الالتجاء للتحكيم وإبراز مزاياه، الحجة المتمثلة في رغبة أطراف العلاقة القانونية تفادي طرح منازعاتهم على القضاء، مع ما تتسم به إجراءات التقاضي من بطء وتعقيد، علاوة على احتمال استطالة أمد النزاع بسبب تعدد درجات التقاضي وإمكانية الطعن في الأحكام، وتقديم إشكالات التنفيذ، التي قد تحكمها اعتبارات المدد في الخصومة، والمماطلة التي تحقق القول بأن العدالة البطيئة فرع من الظلم [1].
- كما أن التحكيم هو نتيجة عمل جماعي يشارك فيه الأطراف والمحكومون، لا تحكمه اعتبارات الخصومة ورغبة كل طرف في الانتصار لنفسه كما هو شأن الخصوم أمام القاضي، حيث وسائل المطل واستغلال المهارات القانونية في فتح الثغرات أو تهيئة وسائل الطعن ومواصلة طرقها تباعا مع استغلال الإجراءات والمواعيد ووسائل الإعلان والتلاعب التي قد تؤدي في النهاية إلى ضياع الحق من صاحبه وكسب الظالم لقضيته. إن التحكيم يغلق كل هذه الأبواب، فتم مواعيد يحددها الأطراف لكي يتم إصدار الحكم، ويهيمن المحكومون على "الإجراءات" بعد تحديدها بواسطة الأطراف، أو وفقا للقواعد المعمول بها في إحدى هيئات التحكيم الدائمة كغرفة التجارة الدولية بباريس، أو المركز الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة أو ووفقا لقواعد اليونسترال (لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي)، كما أن الأطراف هم الذين يختارون القانون الذي يحكم موضوع النزاع، فليس الأمر متروكا لقواعد الإسناد التي قد تطبق وتؤدي إلى صدم توقعات الأطراف، وعلى فرض عدم تحديد القانون بواسطة الأطراف، فالمحكم لا تسري عليه قاعدة خضوع الدعوى لقانون البلد الذي تقام فيه كما هو شأن القاضي الذي يتعين عليه تطبيق قواعد التنازع في قانونه الوطني، وبالتالي فالمحكم يتمتع بحرية تكاد تكون مطلقة في اختيار القانون الذي يراه معبرا عن الإدارة الضمنية للأطراف، أو الذي يراه أكثر ملائمة تبعا لطبيعة النزاع المعروض عليه[2].
- كما أن المحكم على خلاف القاضي، لا يلزم أن يكون رجل قانون فالأطراف يمكنهم اختيار محكم له خبرة في مجال النشاط الذي يتعلق به النزاع، فقد يكون مهندسا أو طبيبا أو رجل أعمال، مما يجعله مؤهلا لفهم وإدراك طبيعة النزاع دون أن يكون مضطرا للاستعانة بالخبراء وهو أمر لا غنى عنه إذا كان النزاع معروضا على القضاء، وبالتالي فالمحكم مصدر ثقة وطمأنينة للأطراف في حكمه وطريقه تفادي للإطالة نظرا لاستخدامه خبرته مباشرة على عكس القاضي الذي ينتظر تقرير الخبراء[3].
- إن التحكيم هو الوسيلة الملائمة لفض النزاعات أو الخلافات التي قد تثور بمناسبة تنفيذ العقود الناجمة عن عملية التنمية الاقتصادية التي تسعى الدول النامية إلى تحقيقها التي تمثل الشركات متعددة القوميات طرفها التقليدي في العصر الحالي لأن التحكيم لا يخضع أحد طرفي هذا الخلاف لقضاء دولة أجنبية عنه نظرا لوجود اتفاقيات دولية تنظم التحكيم في المنازعات التي تثور بين الدول ورعايا دولة أخرى مما يبث الطمأنينة في نفس المستثمرين ويبعثهم على الاستثمار دون الخوف من ميول القضاة وتدني مستواهم وانحرافهم[4].
- إضافة إلى هذا وذاك فإن للتحكيم ميزة السرية حيث لا يوجد مبدأ العلانية فيمكن نظر النزاع في جلسات لا يحضرها سوى أطراف النزاع وممثليهم، كما يحق للأطراف عدم نشر الأحكام، بل الأصل عدم نشرها إلا بموافقتهم، علاوة على أن " عامل" السرية لا يتعلق بكل عقود التجارة الدولية ولكن يظل زمام الأمر دائما في يد الأطراف والمحكمين.
الاعتراضات على نظام التحكيم وبيان مثالبه:
- يلقي نظام التحكيم هجوما يبلغ حد "العنف" أحيانا، فإذا كان ضروريا فهو شر لابد منه، لذلك يجب أن يظل له طابع الاستثناء ويجب أن تهيمن الدولة على تنظيم التحكيم خاصة في الدول النامية باعتبار العدالة وإقامتها وظيفة لا يصح أن يترك أمرها للأفراد، وإلا سادت الفوضى وهيمن القوى أو الغني وضاعت حقوق الضعفاء والفقراء الذين يمثلون الطرف الضعيف في علاقات التجارة الدولية ،و كل القواعد و الأحكام التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية أو تكرسها هيئات ومراكز التحكيم الدائمة هي من صنع الدول المتقدمة بل وأسهمت وتسهم في تكوين أدبيات وفقه التحكيم وقضاءه، الشركات متعددة القوميات التي تمسك بزمام أمور التجارة الدولية، وترسى ما يطلق عليه أعراف وعادات التجارة الدولية، ولا يحكمها في ذلك إلا تحقيق مصالحها دون اعتداد بمصالح الدول النامية، وبالتالي فإن التحكيم ليس سوى آلية من آليات النظام الرأسمالي العالمي، يستخدمها لضمان ريادة وزعامة دول الشمال المتقدم وبقاء تخلف وتبعية الجنوب المتخلف. إذن فالمقصود به أساسا منع القضاء الوطني في الدول النامية من نظر منازعات عقود التنمية الاقتصادية وما ينجم عنه من تأثر القاضي الوطني بما تقتضيه مصالح بلاده الاقتصادية وبالتالي تأثر مصالح المستثمر الذي يعتبر التحكيم "طوق النجاة" بالنسبة إليه لارتكازه على مبدأ "سلطان الإدارة" والمحكم ليس ملزما بتطبيق قانون معين، فالأطراف أحرار في تحديد القانون الذي يقوم المحكم بتطبيقه، مما يجعل الطرف الضعيف أي الدول النامية و مشروعاتها تحت رحمة "المحكم" الذي لا يمكن أن تتوفر له حيدة ونزاهة القاضي، ويبلغ الشر مداه في نظام التحكيم، كل هذا يقودنا في النهاية إلى ما معناه العودة لنظام الامتيازات الأجنبية الذي ظل جاثما يشل يد المشرع الوطني في الدول النامية إبان عصور الاحتلال ويذهب البعض إلى أن إصدار وسن التشريعات الوطنية للتحكيم أصبح أمرا مفروضا على الدول النامية، وإلا وجدت نفسها محرومة من المعونات الدولية ومن مؤازرة المؤسسات الدولية المنوط بها مساعدة هذه الدول كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكافة الوكالات التابعة للأمم المتحدة [5].
مقارنة وترجيح:
إن المقابلة والتضاد بين تحبيذ أو نبد نظام التحكيم لا تخلو من المبالغة فليس صحيحا إطلاق القول بأن التحكيم يحمي المستثمر الأجنبي من فساد وتدني نظم التقاضي في الدول النامية، فالفساد والانحراف ظاهرة لا وطن لها، وشبهة انحياز القاضي إذا قامت لدى القاضي في الدول النامية، فهي تقوم أيضا بالنسبة للقاضي في الدول المتقدمة. ولكن النظرة الموضوعية تكشف عن بطء إجراءات التقاضي وتعدد درجاته وارتفاع تكاليفه في الدول المتقدمة بوجه خاص، يجعل التحكم هو الوسيلة الأكثر ملائمة سواء في المنازعات الوطنية أو منازعات التجارة الدولية، كما أن التحكم يسهم في حل مشكل تعدد القضايا التي تطرح على القضاء على الصعيد الوطني، و إذا انتقلنا إلى صعيد علاقات التجارة الدولية، فلا بد من مواجهة واقع العالم المعاصر، فهو عالم شئنا أم أبينا تتولى زمام أموره الدول الصناعية المتقدمة، فإذا أثرنا " الصراع " والنضال، فهو صراع غير متكافئ ولا تسعنا شعارات الأمس الآفل عن الإمبريالية و الرأسمالية المستغلة في هذا النضال، فنحن أمام حاجيتنا للتنمية الاقتصادية الشاملة، وإعداد المفاوضين وتكوين "الكوادر " القادرة على صياغة شرط أو اتفاق التحكيم على نحو متوازن، كالنص على تطبيق القانون الوطني، وهو نص دارج في عقود الاستثمار التي تبرمها الدول النامية مع المستثمر الأجنبي، بل ونجد اتفاقية واشنطن المتعلقة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى تنص على تطبيق قانون الدولة الطرف في النزاع، إذا لم يتفق الأطراف على تحديد القانون واجب التطبيق، والأمر نفسه نجده في مدونة السلوك الخاصة بعقود نقل التقنية.
وبالتالي يمكن للدولة التدخل في سن تشريعات التحكيم لضمان كفاءة هذا الأخير الذي يتم داخل البلاد "التحكم الداخلي" . أما إذا تعلق الأمر بالمستثمر الأجنبي والدولة فمن الممكن أن يتفقا للجوء إلى القانون الوطني، وإذا تعلق الأمر بمشروعات خاصة وطنية ومشروعات أجنبية يكون الاتفاق خاضع للمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
[1] د. معوض عبد التواب، المستحدث في التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر الجامعي الاسكندرية، 1991، ص 31.
[2] د. نبيل اسماعيل عمر، التحكيم في المواد المدنية والتجارية والوطنية والدولية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2004.ـ ص 23.
[3] د. ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، 1996، ص 12.
[4] د. كمال ابراهيم، التحكيم التجاري الدولي، دار النشر الاسكندرية، 1991، ص 26.
[5]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 35.
المبحث الثاني : تمييز التحكيم عن النظم المشابهة له ومعيارية الدولية
يعد التحكيم وسيلة لتسوية المنازعات تجارية كانت أم مدنية أم إدارية، بغير طريق القضاء العام في الدولة، مما يتعين التمييز بين هذه النظم المتعددة على نحو قاطع وتحديد مجال عمل كل منه بحيث يمتنع اللبس أو الخلط بينهما ([1])، وكذلك هذا ما يتوجب معه التفرقة بينه وبين النظم البديلة لحسم المنازعات كالصلح والخبرة والوكالة والتوفيق والقضاء العادي، وهذا حتى يتضح مدى استقلاله عنها، خاصة وأنه قد يتم استخدام الخصوم بعض الألفاظ المبهمة وغير المحددة مما يصعب معه إعطاء تحديد مهمة الشخص المختار لحل النزاع.
المطلب الاول : تمييز التحكيم عن النظم المشابهة له
سوف نبين في هذا المطلب النظم التي تتشابه مع طبيعة التحكيم حتى لا يقع الخلط بينهم
الفرع الاول: الصلح Transaction و الخبرة EXPERTISE
اولا: الصلح
الصلح عقد ينهي الأطراف به نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن يتنازل كل منهم على وجه التبادل عن حقه وهذا يختلف عن التحكيم كما سيتضح لنا ذلك، بأن تنازل الأطراف عن حقهم ثم إن الأسباب التي تدفع بالأطراف إلى اللجوء إلى كل من الوسيلتين ليست واحدة، ففي حين أنه يمكن الطعن في الحكم الصادر عن هيئة المحكمين وإلغاؤه لعيب في الشكل أو الموضوع فلا يمكن الطعن بسبب الغلط في القانون؛ كما إن الصلح ينهي النزاعات التي يتناولها ويترتب عليه إسقاط الحقوق والإدعاءات التي يتنازل عنها أحد الأطراف نهائيا، إلا أن الحال ليس كذلك بالنسبة للتحكيم كما سيتضح لنا ذلك فيما بعد.
وقد عرف المشرع المصري الصلح في المادة:549 من القانون المدني بأنه:" عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من إدعاءاته."في حين عرفه المشرع الفرنسي في المادة 2044 من القانون المدني بأنه:" عقد يحسم به المتعاقدان نزاعا قائما أو يتقيان به نزاعا محتملا"([2])، وبالرجوع إلى النصوص التشريعية نجد أن كلا من الصلح والتحكيم وسيلتان لتسوية المنازعات الإدارية بدلا من القضاء العام في الدولة([3])، فكلاهما يوصل إلى إنهاء النزاع الناشئ بين المتعاقدين، أما عن وجه الاختلاف بينهما فيكمن في عدة نواح:
1- في التحكيم يكون محل العقدهو الالتزام بعدم طرح النزاععلى القضاء واختيار محكم خاص للفصل فيه، أما في الصلح فيكون محل العقد تسوية مباشرة للنزاع فحواها نزول كل من المتنازعين عن بعض ما يدعيه نزولا يكفي به الآخرون.
وقد حكم القضاء البلجيكي بأنه يعد من قبل الصلح لا التحكيم نزول جميع الخصوم بأنفسهم عن بعض ما يدعونه بتضحية من جانب كل منهم مع تكليف أحد الخبراء بتقدير التعويض على أساس يتم تحديده بدقة من جانبهم ([4]).
2- التحكيم لا ينتهي به النزاع بمجرد إبرام عقد الاتفاق على التحكيم وإنما ينتهي بممارسة المحكم المختار لمهمته وإصداره حكما فيه، وهذا الحكم يكون قابلا للتنفيذ الجبري وفقا للإجراءات المقررة في القواعد العامة بمجرد الحصول على أمر تنفيذه.
أما في الصلح فينتهي النزاع بمجرد التنازل المرضي لكل المتنازعين، ولا يتم تنفيذ عقد الصلح إلا إذا تم في صورة عقد رسمي أو تم أمام المحكمة وفقا لنص المادة 103 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ([5])
ويبقى فارق هام بين التحكيم من جهة والصلح والتوفيق من جهة أخرى إذ ينتهي التحكيم بقرار حاسم قابل للتنفيذ مباشرة بعد وضع الصيغة التنفيذية دون أن تمتد سلطة قاضي التنفيذ في الموضوع، أما الصلح فلا يقبل التنفيذ إلا بعد تصديق القضاء الذي يجعله صالحا لإمكانية وضع الصيغة التنفيذية([6])، والتحكيم اشد خطورة من الصلح لان التجاوز عن الحق في الصلح معلوم قبل تمامه بينما في التحكيم تتعذر معرفة ما يمكن أن يحكم به المحكم.
و الخلاصة أن تمتع المحكم بسلطة قضائية تمكنه من الفصل في النزاع بحكم ملزم لأطرافه هو المعيار الحاسم في التمييز بين التحكيم والصلح فضلا عن أن جوهر الصلح هو التنازل المتبادل من جانب أطرافه عن جزء من الحق الموضوعي بهدف حسم النزاع و هو ما لا يوجد في التحكيم.
ثانيا-الخبرة EXPERTISE
يقصد بالخبرة ذلك الإجراء الذي يعهد بمقتضاه القاضي أو المحكم أو الخصوم إلى شخص ما مهمته إبداء رأيه في بعض المسائل ذات الطابع الفني التي يكون على دراية بها دون إلزام القاضي أو الخصوم بهذا الرأي ([7])، وعلى ذلك تختلف الخبرة عن التحكيم في هدفها وكذلك في النظام القانوني الذي يحكمها، فالتحكيم نظام خاص للتقاضي، يقوم خلاله المحكم بحسم النزاع بحكم ملزم للأطراف متى حاز قوة الأمر المقضي به، حتى ولو كان مخالفا لرغباتهم وإرادتهم.
ولا يختلط الاتفاق على الاستعانة بالخبرة بالاتفاق على التحكيم فالخبير لا يصدر قرارات وإنما هو يبدي رأيا فنيا يظل للأطراف حق قبوله أو المنازعة فيه، والعودة لطلب تقارير خبرة أخرى من آخرين، أما في التحكيم فالمحكم يصدر قرار يحسم النزاع ويلزم الأطراف ويحوز حجية الشيء المقضي به، فلا يملك الأطراف العودة لطرح النزاع على محكمين آخرين أو رفع دعوى قضائية، وحتى في حالة إتفاق الأطراف على إضفاء الطابع الجبري على رأي الخبير، فيظل لازما الإلتجاء للقضاء الفصل في موضوع النزاع وفقا لرأي الخبير أما قرار المحكم يقبل التنفيذ مجرد وضع الصيغة التنفيذية عليه دون حاجة لحكم قضائي يفصل في الموضوع الذي حسمه قرار التحكيم ([8]).
ويجب أن لا يعتد بالتسمية التي يطلقها الخصوم على الشخص الذي يعهدون إليه بمهمة التحكيم أو الخبرة، وذلك لأن الخصوم قد يعهدون بمهمة تحكيمية إلى شخص ويطلقون عليه اسم الخبير والعكس أيضا بأن يعهدوا بمهمة الخبرة إلى شخص ولكن يسمونه محكما، ومن ثم يجب عدم الاعتماد بهذه التسمية المطلقة، وإنما العبرة دائمة بطبيعة المهمة التي تناط بهذا الشخص والتي يمكن الكشف عنها من خلال الواقع وظروف القضية ([9]).
وعليه فإن عملية الخبرة ليس هدفها حسم نزاع معين، وإنما هدفها إعطاء رأي متخصص بصدد مشكلة ما، في حين أن الهدف من العملية التحكيمية هو حسم النزاع برأي ملزم للخصوم ([10]).
الفرع الثاني: الوكالة MANDAT و التوفيق
اولا: الوكالة
الوكالة أو الإنابة هي عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و باسمه ويجب أن يتوفر فيها الشكل الواجب توفره في العمل القانوني، والوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يتجاوز الحدود المرسومة، ولا يقوم الوكيل كقاعدة عامة إلا بما يمكن أن يقوم به الموكل وبالمقابل نجد أن المحكم مستقل تمام الاستقلال عن الخصوم، فبمجرد الاتفاق على التحكيم تصبح للمحكم صفة القاضي ولا يمكن للخصوم التدخل في حكمه بل إن حكمه يفرض عليهم.
بيد أن أحد الفقهاء قد ذهب إلى القول بأن المحكم وكيل عن الخصوم أو هو بمثابة وكيل عن الخصم الذي إختاره عضوا في هيئة التحكيم([11])، والواقع فإن هذا المفهوم يفرغ نظام التحكيم من مضمونه، فالمحكم ليس وكيلا يدافع عن مصالح من إختاره، فهو لا يلتزم بتعليمات من إختاره ولكنه على العكس من ذلك يباشر سلطة القضاء،ومن ثم فالمحكم قاض وليس وكيلا عن الخصوم أو عن الخصم الذي إختاره([12]).
ثانيا: التوفيق Conciliation
أنه في حالة نشوء خلاف بين الطرفين في تنفيذ عقد دولي قد يفضل أحدهما أن يلجأ إلى محاولة للتوفيق بين الطرف الأخير بدلا من الدخول في تحكيم قد تتأثر به علاقتهما مستقبلا، فالتوفيق هو قبول الأطراف تكليف موفق أو موفقين حل النزاع، ويتولى الموفق تحديد حل وسط يقبله الطرفان المتنازعان.
والتوفيق أسلوب من أساليب تسوية الخلافات التجارية الدولية بطريقة ودية وتوجد أنظمة للتوفيق تقضي بأن أي نزاع ذي أي صفة دولية يمكن تسويته بترتيبات ودية بواسطة اللعبة الإدارية للتوفيق بغرفة التجارة الدولية، وفي أثناء عملية التوفيق وإجراءاته لا يجوز أن يلجأ أي من الطرفين إلى التحكيم أو إلى محكمة عادية لأنه مرتبط بضرورة إستكمال التوفيق إلى أن ينجح حتما أو تفشل إجراءاته، ولكن لا يوجد مايمنع أي من الطرفين إتخاذ إجراءات وقتية للمحافظة على حقوقه.
وقد نظم المشرع المصري التوفيق وأحكامه كوسيلة لحسم بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الإعتباريين طرفا فيها بالقانون رقم:7/2000 الخاص بإنشاء لجان التوفيق، ويتفق التوفيق مع التحكيم من حيث أن كليهما يهدف إلى حل النزاع كما أن المسائل التي يجوز أن يرد عليها التحكيم هي التي يجوز الإتفاق على التوفيق في شأنها، وهي المسائل التي تقبل الصلح.
ويختلف التوفيق عن التحكيم من حيث أن طريق التحكيم ملزم فمن بدأه وأقدم على أول خطوة فيه يلزم بالسير فيه إلى النهاية، فلا يملك التراجع في منتصف الطريق، كما يختلفان من حيث أن قرار التحكيم نهائي وملزم للأطراف فيلزمان بالتقيد به، كما لا يجوز لهما كقاعدة عامة، الطعن فيه، أما قرار الموفق فلا يلزم الأطراف إذ يملك أيهما رفضه أو عدم التقيد به، فهو مجرد توصية أو إقتراح([13]).
المطلب الثاني : التحكيم الوطني والتحكيم الدولي والتحكيم الأجنبي
يمكننا أن نوضح التحكيم الوطني بأنه ذلك الذي يتعلق بنزاع وطني في جميع عناصره، ويتعين له محكمين وطنيين يصدرون حكمهم داخل الدولة وفقا لإجراءات وطنية مع تطبيق القانون الوطني ولا يثير التحكيم الوطني أية صعوبة لأنه يخضع للقانون الوطني ولا ينفذ خارج إقليم الدولة، ولا يجوز للقاضي أن يتصدى لموضوع النزاع، حيث يقتصر دوره على بحث مدى توافر الشروط اللازمة للتنفيذ، وخصوصا مدى إتفاق متطلبات التنفيذ مع النظام العام في الدولة.
ونعني بالتحكيم الدولي هو الذي ينتمي بعناصره المختلفة لأكثر من دولة، ويثير عدة صعوبات مثل تحديد القانون الواجب التطبيق على إتفاق التحكيم، وإجراءاته، وموضوع النزاع وتحديد مكان التحكيم، وأسماء وجنسيات المحكمين، وهذه لا وجود لها في التحكيم الوطني.
وهذا التحكيم يصعب تحديد إنتمائه لدولة بعينها دون الدولة الأخرى، وهناك عدة معايير لتمييز التحكيم الدولي عن غيره، وهي ([14]):
المعيار الجغرافي: يتمثل في معيار التحكيم.
المعيار القانوني: يتمثل في تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم.
المعيار الإقتصادي: يتمثل بتعلق العقد المراد تسويته عن طريق التحكيم بالتجارة الدولية.
ويعتبر المشرع الفرنسي التحكيم دوليا إذا تعلق بمصالح التجارة الدولية في المادة 1492/مرافعات، أما المشرع المصري لم يربط الصفة الدولية بالصفة التجارية، في المادة 31 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994.
أما التحكيم الأجنبي، فهو الذي ينتمي فيه التحكيم بأحد أو بعض عناصره لدولة أخرى، كأن يكون حكم التحكيم قد صدر في دولة معينة ينتمي إليها ويراد تنفيذه في دولة أخرى([15])، ولا يعد كل تحكيم أجنبي تحكيما دوليا، حيث إن التحكيم الدولي قد يكون كذلك مع جريانه في الداخل، وحتى مع خصومه للقانون الوطني إلا أنه يجوز الجمع بين الأجنبية والدولية للتحكيم إن كان يتعلق بمنازعة دولية([16]).
التحكيم الحر) الخاص ( والتحكيم المؤسسي )النظامي).
التحكيم الحر هو اختيار أطراف النزاع المحكمين في كل حالة، وذلك دون التقيد بنظام دائم، فيجري في حالات فردية، ولا يختار الأطراف هيئة دائمة، وإنما يلجأون إلى اختيار محكم أو أكثر بمعرفتهم([17]). والتحكيم الحر يعطي للخصوم حرية اختيار من يشاؤون من المحكمين مع تحديد القواعد والإجراءات التي يتبعونها، وكذلك القانون الواجب التطبيق، ومكان التحكيم وهوية المحكم، وهو تحكيم طليق من أي قالب جاهز مسبقا، وهو تحكيم خاص بحالتهم دون غيرهم ويتميز بأنه أسلوب مثالي إذا تصدى له محكم كفؤ لحسم منازعات التجارة الدولية، وهو قليل التكاليف ويحقق سرية أكبر من التحكيم المؤسسي، حيث إن التحكيم المؤسسي يضم محكمين من جنسيات مختلفة ويؤدي إلى تسريب الأسرار وإفشائها، ويتبع التحكيم الحر القواعد الإجرائية بمرونة أكثر ويحقق أيضا السرعة([18]).
والتحكيم الحر يراعي مصالح الدولة فلا يثير الإعتبارات المتعلقة بسيادة الدولة، وذلك خلافا للتحكيم المؤسسي الذي تحرص الدول على تجنبه وتفضل التحكيم الحر عليه، وذلك لأن مراكز التحكيم قلما تخلو من تحيز أو إرتباط بدولة المقر، وهي إعتبارات تهم الكثير من الدول ولا سيما الدول النامية ([19]).لذلك فإن كثيرا من المنازعات يفضل أطرافها اللجوء إلى التحكيم الخاص (الحر) كما هو الشأن في حالات التحكيم في عقود البترول ([20]). ولا شك أن التحكيم الحر يتمتع بمرونة تراعي مصالح الطرف الضعيف، حيث يختار كل طرف محكما، ويتولى المحكمان إختيار المحكم المرجع.
أما التحكيم المؤسسي فتتولاه هيئات أو منظمات دولية أو وطنية قائمة ويطبق بشأنه قواعد وإجراءات محددة وموضوعة سلفا من قبل الإتفاقيات الدولية أو القرارات المنشئة لها ([21])، ولوائح هذه الهيئات تكون واجبة التطبيق بمجرد إختيار الأطراف هذه الهيئات للفصل في النزاع، ولقد أصبح التحكيم المؤسسي هو القاعدة في مجال التجارة الدولية ([22]) حيث يفصل في الأطراف اللجوء إلى هذه المراكز التحكيمية لأنها توفر لهم الكوادر المتخصصة والمدربة تيسيرا لعملية التحكيم ولحسن سير الإجراءات ([23])، وعند عدم إتفاق الأطراف على مقر التحكيم وعلى القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وموضوع النزاع، فإن لوائح هذه المراكز تضمن قواعد تساعد على تخطي هذه العقبات ([24]).
والتحكيم المؤسسي يتناسب مع مصلحة الأطراف في إنهاء النزاع وذلك حتى لا يعرقل أحدهما العملية التحكيمية، فيؤمن سيرها بفاعلية إلى حين إصدار الحكمن كما قد يكون هو المخرج الوحيد، وذلك عندما تعلق الأمر بتحكيم متعدد الأطراف حيث تثار مشكلة اختيار المحكمين وتشكيل هيئة المحكمين ؟ ويتم حل هذا الأمر عن طريق قيام المؤسسة التي يجري التحكيم فيها باختيار المحكمين وتشكيلها وهذا الأمر لا يكون إلا في التحكيم المؤسسي، حيث أن المؤسسة التي تجري التحكيم ([25]) هي السلطة المختصة بتعيينهم.
ويعد من أشهر القضايا الصادرة في هذا الشأن قضية Ducat التي عرضت على غرفة التجارة الدولية Icc بين شركة BKMI و كونسوريتوم SIMENS وشركة Ducat حيث أصدرت حكما تمهيديا وذلك فيما يتعلق بالاختصاص، حيث أوضحت بموجبه أن الأطراف المتنازعة تجمعهم نوايا مشتركة لحسم النزاع عن طريق تحكيم متعدد الأطراف.
إلا أن البعض يرى أن التحكيم المؤسسي تكاد تنعدم فيه مظاهر الرضائية أو الاختيارية وحرية الإرادة، مما يمكن القول معه أنه أقرب إلى القضاء الإجباري منه إلى التحكيم الاختياري الحر ([26])، وهذا انتقاد يرى الباحث في غيره موضعه.
اعتبر التحكيم إتفاقا فلا يكون واجب التنفيذ-عند عدم وجود نص خاص، إلا إذا أقرته المحكمة بناء على دعوى تقدم إليها بالحكم بتنفيذ مضمونه ([27]).
ومن وجهة نظر أنصار النظرية القضائية يفصل قانون محل التحكيم في حكم النزاع، فيرون في قرار التحكيم حكما يقترب تماما من الحكم القضائي، ولا يحتاج لتنفيذه إلا مجرد تقديم طلب الى رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ للأمر بموضوع التنفيذ عليه ([28]).
ومن وجهة نظر الذين يأخذون موقفا وسطا فإن النتائج التي تترتب على تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم تختلف عن الإتجاهين السابقين وعلى وجه الخصوص عند تنفيذ قرارات التحكيم، فتظل قرارات التحكيم بمثابة عقد أو إتفاق ولو حازت على أمر التنفيذ طبقا للنظرة التعاقدية البحتة، وطبقا للنظرة القضائية تعتبر أحكاما قضائية بغض النظر عن عدم حصولها على أمر التنفيذ([29]).
([1])- د. أحمد حسان حافظ مطاوع، مرجع سابق، ص 23.
([2])د/ محمود جمال الدين زكي، العقود المسماة، ط1960، مطابع دار الكتاب العربي، مصر، ص15.
([3])د/نجلاء حسين سيد أحمد خليل، التحكيم الإداري في المنازعات الادارية في مصر وفرنسا، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2002 ص37.
([4]) الحكم المشار إليه في : د.أحمد أبو الوفا، مرجع سابق، ص 30.
([5]) ـد/ نادية محمد معوض، مرجع سابق، ص37.
([6]) ـ د/ محمود مختار بريري، مرجع سابق، ص 21.
([7])ـ أنظر د.أحمد أبو الوفا، مرجع سابق، ص29 .
([8]) ـ د/ محمود مختار بريري، مرجع سابق، ص 22.
([9]) ـ د/أحمد حسان الغندور، مرجع سابق، ص 24
([10]) ـ د/عصمت عبد الله الشيخ، التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي، دار النهضة العربية، سنة2003، ص24.
([11])ـ د/أحمد أبو الوفا، التحكيم في قوانين البلاد العربية،منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الأولى، بدون سنة طبع، ص44.
([12]) ـ د/عزمي عبد الفتاح، قانون التحكيم الكويتي، مطبوعات جامعة الكويت، الطبعة الأولى، سنة 1990، ص11.
([13]) د/ أحمد المصيلحي، دورة تدريبية في أساسيات و مبادىء التحكيم الدولي، نقابة المحامين، سنة2007، ص14.
([14])-د/ احمد شرف الدين، دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية، دون ناشر، دون تاريخ نشر،ص71.
([15]) د/ ابراهيم أحمد ابراهيم، مرجع سابق، ص180.
([16])د/ محمود مختار بريري، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية، سنة1998، ص21.
([17])د/ عصمت الشيخ، مرجع سابق، ص31.
([18])د/ شاكر العبسي، التحكيم التجاري الدولي، ابن اليمن للطباعة والنشر صنعاء، سنة2000، ص148-150.
([19])نفس المرجع ،ص15
(1)- د/ سراج حسين محمد أبو زيد، مرجع سابق،ص144.
([21])- د/ عصمت الشيخ، مرجع سابق، ص31.
([22])-د/ محمود هاشم، النظرية العامة للتحكيم، دار الفكر العربي، 1990، ص49.
([23])-د/ شاكر العبسي،مرجع سابق، ص148.
([24])-د/ محمد يوسف علوان، تسوية منازعات العقود الإقتصادية الدولية، بحث منشور في مجلة نقابة المحامين، الأردن ملحق رقم:1، تشرين أول، 1977، ص105.
(6)-د/ محمد عبد المجيد اسماعيل، عقود الأشغال الدولية،القاهرة، دون ناشر، سنة 2000، ص308و404
([26])- د/ شاكر العبسي، مرجع سابق، ص148.
([27])-د/ عصمت عبد الله الشيخ،مرجع سابق،ص46.
-([28])نفس المرجع،ص46.
([29])-د/ ناريمان عبد القادر، إتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994،دار النهضة العربية،1996، ص55.
الفصــــل الأول شروط اتفـاق التحكيــم وآثــــــاره
كما أشرنا سابقا للجوء للتحكيم يجب أن يكون إتفاقا بين أطراف المعاملة أو العقد في حالة نشوب نزاع بينهما لكن هدا الإتفاق يخضع لشروط و هاته الأخيرة يترتب عنها آثار وهو ما سنتطرق إليه في المبحثين القادمين .
المبحث الأول : شروط صحة اتفاق التحكيم
إن شروط إتفاق التحكيم بدورها تنقسم إلى قسمين شكلية وموضوعية .
المطلب الأول : الشروط الموضوعية
تتمثل هذه الشروط في ضرورة توافر التراضي الصحيح وأن يرد هذا التراضي على محل ممكن ومشروع، وأن يستند إلى سبب مشروع. ونعرض لأركان الاتفاق تباعا:
الفرع الأول : التراضي
ويعني تطابق إرادتين واتجاههما إلى ترتيب آثار قانونية تبعا لمضمون ما اتفقا عليه، فلا بد من إيجاب وقبول يتلاقيان على اختيار التحكيم اختيارا حرا كوسيلة لحسم المنازعات التي تثور بشأن العلاقة الأصلية وإذا تعلق الأمر بشرط التحكيم، سيكون مدار الأمر على التحقق من تطابق إرادة الأطراف بشأن شرط التحكيم كأحد شروط العقد، أما إذا تعلق الأمر بمشارطة، فسيكون التحكيم هو محل هذا الاتفاق، وليس مجرد بند أو شرط في العقد أو العلاقة القانونية الأصلية [1].
ويلزم أن تتوفر الأهلية لدى الأطراف وهي أهلية التصرف في الحق، حيث كما يصح للأشخاص الطبيعيين الاتفاق على التحكيم، كذلك يصح للأشخاص الاعتبارية كالشركات مدنية أو تجارية عامة أو خاصة أو الهيئات أو المؤسسات العامة[2].
ويجدر التنبيه إلى أن اتفاق التحكيم شرطا أو مشارطة قد يخضع لقانون مختلف عن القانون الذي يحكم الاتفاق الأصلي، و لذا يكون المرجع في توفر التراضي وصحته وخلوه من العيوب كالغلط والتدليس أو الإكرام للقانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم [3].
وإذا كان الاتفاق بشأن التحكيم يدخل في نطاق نصوص اتفاقية نيويورك، فالتراضي يخضع أيضا لقانون الإدارة وإلا خضع لقانون البلد الذي يصدر فيه حكم التحكيم [4] و الأولوية في حالة تعارض لأحكام الاتفاقية بحكم نص المادة الأولى. كما قد يتعلق الأمر بقدرة أو صلاحية أشخاص القانون العام لإبرام اتفاقات تحكيم أو إبرام عقود تتضمن شرط التحكيم، حيث تنص المادة (2060) مدني من القانون الفرنسي على حظر التحكيم بشأن المنازعات التي تتعلق بالجماعات العامة والمؤسسات العامة وكل ما يتعلق بالنظام العام، ولم يستثنى سوى المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري فأتاح لها إمكانية الاتفاق على التحكيم بشرط صدور مرسوم يسمح لها بذلك، أما إذا تعلق الأمر بعلاقة الأشخاص العامة بشركات أجنبية فقد ورد استثناء على الحظر بمقتضى المادة التاسع من القانون الصادر في 19ـ08ـ1986 و مؤدى هدا الاستثناء السماح للأشخاص بإدراج شرط التحكيم في عقودها مع الشركات الأجنبية إذا تعلق الأمر بمشروعات قومية[5].
- الجدل حول صحة شرط التحكيم الاختباري في العقود الإدارية [6].
- ظهر جدل بشأن جواز إدراج شرط، التحكيم في العقود الإدارية بين مؤيد ومعارض حيث انتهى الأمر إزاء هذا الجدل المستعسر إلى تدخل المشرع المصري وإصدار القانون رقم 09 لسنة 1997 بإضافة فقرة ثانية تنص على جواز الاتفاق على التحكيم في المنازعات العقود الإدارية بشرط موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة مع عدم جواز التفويض في ذلك.
- كما دهب المشرع الجزائري في المادة (1006) الفقرة الأخيرة إلى القول أنه"لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص وأهليتهم.
ولا يجوز للأشخاص المعنوية العامة أن تطلب التحكيم ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية".
الفرع الثاني : قابلية النزاع للتسوية بطريق التحكيم : (محل التحكيم)
المعيار الذي يحسم الأمر هنا هو هل حدث إخلال بالنظام العام أم لا ؟
فقد نصت نصوص اتفاقية نيويورك على حق الدولة في منع تنفيذ حكم التحكيم إذا كان تنفيذه يؤدي إلى المساس بالنظام العام، وهو ما يتوفر في حالات مخالفة الاختصاص لدى المشرع المصري، إذا أدت إلى صدور أحكام تصطدم بالقوانين التي تحمي المصالح الأساسية في الدولة سياسة كانت أو اقتصادية أو اجتماعية[7] .
كما نصت المادة (1006) من القانون الجزائري في فقرتها الأولى أنه " يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها" وبالتالي يجوز لي التحكيم في حق لي كامل التصرف فيه ماعدا الالتزام بالنفقة، الحق في السكن، الحق في الملبس، الحق في الميراث، النظام العام ومجموعة المبادئ المنطوية تحته من( الصحة العامة، السكنية العامة الآداب العامة، والأمن العام )، الحالة ،و الأهلية.
الفرع الثالث : السبب
إن اتفاق الأطراف على التحكيم يجد سببه في إرادة الأطراف استبعاد طرح النزاع على القضاء وتفويض الأمر للمحكمين، وهذا سبب مشروع دائما، ولا تتصور عدم مشروعيته إلا إذا ثبت أن المقصود بالتحكيم التهرب من أحكام القانون الذي سيتعين تطبيقه لو طرح النزاع على القضاء نظرا لما يتضمنه هذا القانون من قيود أو التزامات يراد التحلل منها[8]، و بالتالي نكون أمام حالة من الغش نحو القانون فيكون التحكيم وسيلة غير مشروعة يراد بها الاستفادة من حرية الأطراف وحرية المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق، ولا يختلط السبب غير المشروع بالمحل غير الممكن أو غير المشروع، فالأول يقتضي البحث عن إجابة السؤال لماذا لجأ الأطراف للتحكم ؟ أما الثاني فيتعلق بتحديد الموضوع المراد تسويتة بطريق التحكيم وهل هو ممكن ومشروع أم لا؟
المطلب الثاني : الشروط الشكلية
ذهب المشرع الجزائري في المادة (1008) في فقرتها الأولى أنه " يثبت شرط التحكيم، تحت طائلة البطلان، بالكتابة في الاتفاقية الأصلية أو في الوثيقة التي تستند إليها." كما بينت المادة (1040) ذلك أكثر حيث قالت أنه " يجب من حيث الشكل، وتحت طائلة البطلان، أن تبرم اتفاقية التحكم كتابة، أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة"
حيث يجب في جميع الأحوال التوقيع على اتفاق التحكيم شرطا كان أو مشارطة ولكن لا يلزم أن يوقع الأطراف توقيعا خاصا بجوار حكم التحكيم ادا ورد بندا من بنود العقد الأصلي، ويكفي التوقيع على العقد، اد ينصرف هذا التوقيع إلى كافة بنود العقد .
كما تتحقق الكتابة وفقا لنص القانون، إذا ورد شرط التحكيم في رسائل أو برقيات متبادلة بين الطرفين، ويمتد ذلك إلى كل وسائل الاتصال المكتوبة،و لكن يجب تحقق تبادل الإيجاب والقبول بشأن التحكيم[9].
ويعتبر شرط متحققا، إذا تم النص في العقد الأصلي على الإحالة على وثيقة تتضمن شرط تحكيم كالإحالة على عقد نموذجي في مجال النقل البحري أو بيع البضائع أو عقد تشييد[10] .
ولكن لا يلزم أن تتضمن الإحالة ما يفيد " اعتبار شرط التحكيم " الذي تتضمنه هذه الوثيقةجزءا من العقد الأصلي حيث الإحالة التي قد يتضح منها عدم دراية أو علم أحد الأطراف بوجود شرط التحكيم ينتفي فيها إمكانية القول بوجود اتفاق وتراضي مكتوب على شرط التحكيم ينفي فيها إمكانية القول بوجود اتفاق و تراضي مكتوب على شرط التحكيم[11] .
يستلزم القانون الفرنسي الكتابة كشرط لوجود شرط تحكيم وإلا كان باطلا، ولكن يستوي أن ترد كتابة شرط التحكيم في العقد الأصلي أو في وثيقة يحيل إليها هدا العقد. أما بالنسبة لمشارطة التحكيم في العقد الأصلي فالكتابة شرط لاثباتها و ليس لوجودها ،ولذلك يمكن إثباتها بمحضر يوقعه المحكم و الأطراف( المادة 1949 مرافعات فرنسي)
وعادة يتضمن شرط التحكيم الإشارة إلى جريان التحكيم وفقا لقانون معين مع تحديد عدد المحكمين وكيفية اختيارهم ومواجهة احتمالات تعذر تنفيذ ما تم الاتفاق عليه .
تشكيل هيئة التحكيم:
أ- حرية الأطراف والعون القضائي في عملية اختيار المحكمين:
- تنص المادة (1008) على وجوب تضمن شرط التحكيم، تحت طائلة البطلان، تعيين المحكم أو المحكمين، أو تحديد كيفيات تعيينهم حتى يكون هناك اتفاق أولي على هذه الهيئة المكلفة بالتحكيم، وكذا اتفاق الأطراف فيما بعد وبمحض إرادتهم على تشكيل هذه الهيئة وفقا لحريتهم حيث يمكن أن تتكون من شخص أو عدة أشخاص، وهنا يتدخل المشرع بنص أمر في نص المادة (1017) "تتشكل محكمة التحكيم من محكم أو عدة محكمين بعدد فردي" وهو نفس ما ذهب إليه المشرع المصري وعالجه المشرع الفرنسي صراحة، فنصت المادة (1454) مرافعات على أنه في حالة تحديد عدد زوجي، فلمحكمة التحكيم أن تختار محكما، سواء اتفق الأطراف على ذلك، أو يتولى الآمر المحكمون الذين تم اختيارهم، وإذا اختلفوا فيتولى ذلك رئيس المحكمة الابتدائية[12].
ب- بالنسبة للمشرع الجزائري
في هاته النقطة فإنه في حالة صعوبة تعيين المحكمين تنص المادة (1009) على أنه : "إذا اعترضت صعوبة تشكيل محكمة التحكيم، بفعل أحد الأطراف أو بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين، يعين المحكم أو المحكمون من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه."
- ويلزم أن يكون المحكم متمتعا بالأهلية، وألا يعرض له عارض يؤدي إلى الحجر عليه وألا يكون محروما من حقوقه المدينة للحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو شهر إفلاسه طالما لم يسترد اعتباره[13]. وهو ما ذهبت إليه المادة (1014) حيث تقول "لا تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي، إلا إذا كان متمتعا بحقوقه المدنية". كما أنه يتحتم على المحكم إعلان قبوله القيام بالمهمة المسندة إليها حيث ظهر هذا في المادة (1015) إذ "لا يعد تشكيل محكمة التحكيم صحيحا، إلا إذا قبل المحكم أو المحكمون بالمهمة المسندة إليهم."
- كما نظم القانون الأحكام الخاصة برد المحكمين إذا قامت ظروف تثير شكوك حولهم وهو ما ذهبت في تفصيله المادة (1016): "يجوز رد المحكم في الحالات الآتية:
1- عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف.
2- عندما يوجد سب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف.
3- عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته، لاسيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.
لا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه، أو شارك في تعينه، إلا لسبب علم بعد التعيين". فمن خلال هاته النقطة الأخيرة يتبين أنه منعا للتلاعب حظر على أي طرف، طلب رد المحكم الذي اختاره بنفسه إلا إذا أثبت وجود أسباب طرأت بعد تعيينه.
كما تبلغ محكمة التحكيم والطرف الآخر دون تأخير بسب الرد، وفي حالة النزاع، إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفيات تسويته ولم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، يفصل القاضي في ذلك بأمر بناءا على طلب من يهمه التعجيل. وهذا الأمر غير قابل لأي طعن وهو ما تضمنته المادة الأخيرة الذكر.
أما في حالة عزل أو استبدال المحكمين إلى جانب صعوبة التعيين فإنه يجوز للطرف الذي يهمه التعجيل حسب المادة (1041) القيام بما يأتي:
1- رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.
2- رفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر، إذا كان التحكيم يجري في الخارج و اختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر. ب ـ تشكيل هيئة التحكيم في ظل قواعد اليونسترال والقانون النموذجي تكتسب قواعد اليونسترال أهمية خاصة نظرا لما تتمتع به من قبول عالمي سواء في دول العالم الصناعي المتقدمة أو الدول النامية.
إذا اتفق الأطراف على تعيين محكم فرد، فلكل منهما أن يقترح على الآخر أسماء عدة أشخاص أو عدة مؤسسات أو هيئات تتولى سلطة تعيين المحكم الفرد. وإذا تعذر اتفاق الأطراف ولم يتم تحديد هيئة تتولى تعيين المحكم، أو رفضت هذه الهيئة إجراء هذا التعيين خلال الستين يوما التالية للطلب المقدم إليها من أحد الأطراف، فلكل طرف الحق في تقديم طلب السكرتير العام لمحكمة التحكيم الدائمة بلاهاي لتحديد الجهة التي تتولى التعيين ويتم هذا التعيين وفقا لنظام القوائم المتطابقة التي ترسل للأطراف والمتضمنة على الأقل لثلاثة أسماء، ووفقا للقواعد التي تضمنتها المادة السادسة إلا إذا اتفق الأطراف على استبعاد هذه القواعد، أو رأت الجهة المنوط بها أمر تعيين المحكم الفرد، استخدام سلطتها التقديرية دون التقييد بهذه القواعد[14].
أما إذا كان التشكيل ثلاثيا، فوفقا لنص المادة السابعة، يختار كل طرف محكما، ويتولى المحكمان المختاران، اختيار الثالث الذي يتولى رئاسة محكمة التحكيم. وإذا تقاعس طرف، فتتولى الجهة المتفق عليها أو التي تم تحديدها على النحو السابق ذكره في حالة الحكم الفرد، تعيين الحكم الثالث، وتتبع القواعد نفسها في حالة فشل الحكمين المختارين من الأطراف في اختيار المحكم الثالث، (المادة السابعة).
ج ـ تشكيل هيئة التحكيم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس
عالج نظام المصالحة و التحكيم لغرفة التجارة الدولية تشكيل محكمة التحكيم في المواد (7 ـ12) ،أما اصطلاح المحكمة الدولية فهو خاص بجهاز تحكيم غرفة التجارة الدولية و التي لا تتولى الفصل في المنازعات، و إنما تختص بتشكيل محكمة التحكيم، فهي التي تعين و تثبت المحكمين ادا لم يتفق الأطراف على طريقة اختيار المحكمين و تراعي المحكمة جنسية المحكمين و محال إقامتهم أو غير دلك من العلاقات مع دول الأطراف أو المحكمين الآخرين . ويجوز أن لا يكون فردا أو أن يكون التشكيل ثلاثيا، فادا كان واحدا و اختاره الأطراف فتقوم المحكمة بتثبيته أي إقرار اتفاق الأطراف، أما ادا لم يتفق الأطراف فتتصدى المحكمة لتعيينه بعد مضي ثلاثين يوما من تاريخ إعلان الطرف الآخر بطلب التحكيم [15] .
واذا كان التشكيل ثلاثيا ،فالأصل ـ كما هوالحال في قواعد اليونسترال ـ و أيضا في القانون المصري ـ يتولى كل طرف اختيار محكم، سواء في طلب التحكيم أو الرد عليه، وتتولى المحكمة تثبيته . أما المحكم الثالث فاما أن يختاره المحكمان، و أما تتولى دلك المحكمة ابتداءا في حالة فشل المحكمين في اختيار الثالث الذي يتولى رئاسة المحكمة
واذا خلا اتفاق الأطراف من تحديد عدد المحكمين، تعين المحكمة محكما واحدا، إلا ادا وجدت ما يقتضي محكمين، فيكون للأطراف مهلة ثلاثين يوما ليتولى كل منهم تعيين محكم.
واذا تعدد المدعون و المدعى عليهم، فيعين المدعون بالتضامن محكما و كذلك المدعي عليهم ادا كانت الهيئة ثلاثية ،وادا تعذر دلك تولت محكمة التحكيم بالغرفة تعيين المحكمين وفقا للقواعد السابقة (المادة 10 ).
د ـ تشكيل هيئة التحكيم وفقا لنظام محكمة لندن للتحكيم الدولي
تعالج قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي، تشكيل "محكمة التحكيم"،سواء من محكم واحد أو عدة محكمين وقد يحدد مقدم طلب التحكيم اسم محكمة في طلبه الذي يوجهه إلى مسجل المحكمة و يقوم المدعي عليه بتسمية محكمه في رده ادا شاء، ويعتبر متنازلا عن حقه في هده التسمية ادا كان اتفاق التحكيم ينص على تولي كل طرف ترشيح محكمه و خلال رده تحديد المحكم .( مادة 1 و 2 من قواعد محكمة لندن )[16].
وتتولى المحكمة وحدها تعيين المحكمين ويصدر قرار التعيين باسم المحكمة، التي يتولى رئيسه أو أحد نوابه إصدار هدا القرار. وتعتد المحكمة عند إتخاد قرار التعيين باتفاق الأطراف بشأن طريقة أو معيار الاختيار.
ه ـ تشكيل محكمة التحكيم في ظل نصوص اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثماريين الدول ورعايا الدول الأخرى
أنشئ المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ( C-I-R-D-I) بمقتضى اتفاقية واشنطن التي تعالج تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار والتي قد تنشا بين دولة ورعايا دولة أخرى موقعة على الاتفاقية . وتنظم قواعد المركز وسائل تسوية الخلافات بطريقة التوفيق أو التحكيم [17].
يتولى إدارة المركز مجلس إدارة برئاسة رئيس البنك الدولي للتعمير والتنمية(B-I-R-D) كما توجد سكرتارية تشمل سكرتارية عامة و سكرتير أو عدة سكرتيريين عامين و مساعدين فضلا عن جهاز العاملين. ويتم تقديم طلب التحكيم إلى السكرتارية العامة لتقرر تسجيل الطلب أو رفضه ادا تبين عدم دخول النزاع في اختصاص المركز فادا تم تسجيل الطلب يتم تشكيل محكمة التحكيم من محكم واحد أو عدد فردي في حالة التعدد و يتولى دلك الأطراف وفقا لاتفاقهم [18]، و إلا كان العدد ثلاثة ،يختار كل طرف محكما، ويتولى الأطراف اختيار الثالث الذي يتولى الرئاسة ،فالأمر لا يتولاه المحكمان المختاران كما هو الحال في قواعد اليونسترال والقانون النموذجي الذي يتبناه المشرع المصري كما رأينا .
واذا لم يتم تشكيل محكمة التحكيم على النحو السابق خلال التسعين يوما التالية لإعلان تسجيل الطلب لدى السكرتارية العامة أو الميعاد المتفق عليه بين الأطراف،فيتولى رئيس البنك الدولي باعتباره رئيس مجلس إدارة المركز بناءا على طلب أحد الأطراف ، و بعد التشاور مع الأطراف ادا أمكن تعيين المحكم أو المحكمين الدين لم يتم تعيينهم على أن لا يكونوا من جنسية الدولة الطرف في النزاع أو جنسية الدولة التي ينتمي إليها الطرف الثاني[19]..
ويلزم أن تكون أغلبية المحكمين من جنسية مختلفة عن جنسية أطراف النزاع (الدولة و رعية دولة أخرى) إلا ادا اتفق الأطراف على تعيين محكم واحد أو تعيين محكم بواسطة كل طرف من أطراف النزاع.
[1]- د. عليوش قريوع، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، ص 23.
[2]- د. سامية راشد، التحكيم في العرقات الدولية الخاصة، منشأة المعارف الاسكندرية بدون سنة نشر، 61.
[3]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 52.
[4]- توفر التراضي وما يرد عنه من محل وسبب مشروعين يخضع كل ذلك للقانون المصري إذا كان قانون الإرادة،أو قانون الموطن المشترك وقانون مكان إبرام الإنفاق، ودلك إعمالا لنص المادة 19/1 مدني، ومؤدى ذلك أن التحكيم الذي يجري في مصر، قد يكون ثمرة إنفاق لا يخض للقانون المصري، والعكس صحيح.
"لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه " المادة (11 )من القانون الجديد المصري.
[5]د. محمود مختار بريري، نفس المرجع السابق، ص 53.
[6]د. جابر جاد نصار، المرجع السابقـ ص 65.
[7]د. أبو زيد رضوان، الاسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، القاهرة، 1981، ص 87.
[8]د. هاني سري الدين، التحكيم التجاري الدولي – دراسة مقارنة-، دار النهضة العربية، 2005، ص 78.
[9]د. سميحة القليوبي، التحكيم التجاري، دار النهضة العربية، 2009، ص 56.
[10]ومثال ذلك الإحالة على أخذ نماذج عقود البيئة الدولية لتجارة الحبوب بلندن أو نماذج سوق بضائع هامبرغ أو نماذج العقود والشروط العامة التي يضعها الإتحاد الدولي للمهندسين الإستشماريين أو نماذج عقود النقل البحري أو الجوي أو عقود التأمين.
[11]تنص المادة 1443 فرنسي على إمكان تحقق الكتابة بالإحالة على وثيقة تتضمن شرط التحكيم .
- نصت المادة الخامسة من قواعد اليونسترال على ترك تحديد عدد المحكمين لإدارة الأطراف، فإذا لم يكن هناك إتفاق خلال 15 يوما من تلقي المدعي عليه إعلان التحكيم على أن يكون المحكم " واحدا" فيتم تشكيل محكمة التحكيم من ثلاثة محكمين وهو نفس ما دهب إليه المركز الإقليمي بالقاهرة، الذي يجري التحكم فيه وفقا لهذه القواعد مضيفا فقرة تستلزم أن يكون العدد وترا وإلا بطل التحكيم.
[12]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 54.
[13]د/ محسن شفيق، المرجع السابق، ص 24.
[14]د. سميحة القليوبي، ضوابط التحكيم التجاري، مقال منشور، بمجلة القانون والاقتصاد 1987، العدد 3، ص 72.
[15]د محمد شكري سرور، قواعد اجراءات التحكيم وفقا لنظام غرفة التجارية الدولية، مجلة الحقوق الكويت العدد 1 و 2مارس 1993، ص 59.
[16]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص 80.
[17]د. هاني سري الدين، التحكيم في عقود البناء والتشغيل، دار النهضة العربية، 2005، ص 67.
[18]د. هاني سري الدين، التحكيم في عقود البناء والتشغيل، المرجع السابق، ص 67.
[19]د. هاني سري الدين، نفس المرجع السابق، ص 67.
المبــحث الثاني: آثار اتفـــــاق التحكيم
كما أشرنا سابقا فإن لاتفاق التحكيم أثار نستعرضها فيما يأتي .
المطلــب الأول : الأثر المانع لاتفاق التحكيم
يقدم القانون الفرنسي أحكاما مشابهة بخصوص تحديد آثار اتفاق التحكيم، فتنص المادة (1458) على أنه ادا رفع أمام قضاء الدولة نزاع اتصلت به محكمة تحكيم بمقتضى اتفاق تحكيم، فيجب على هدا القضاء إعلان عدم اختصاصه أما ادا كان النزاع لم يتصل بعد بهيئة التحكيم فعلى القضاء إعلان عدم اختصاصه طالما أن اتفاق التحكيم ليس واضحا بطلانه[1].
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فيقول انه ليس من اختصاص القاضي الفصل في النزاعات التي اتفق فيها على التحكيم كما أشارت المادة 1045 "يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع ،ادا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو ادا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن يثار من أحد الأطراف ". على أن يكون موضوع النزاع من اختصاصها أي محكمة التحكيم فادا لم يكن كذلك فيجب الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع و هو ما بينته المادة 1044 "تفصل محكمة التحكيم في الاختصاص الخاص بها و يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع.
تفصل محكمة التحكيم في اختصاصها بحكم أولي إلا ادا كان الدفع بعدم الاختصاص مرتبطا بموضوع النزاع."
أما فيما يخص المشرع المصري فهو أكثر دقة من نظيره الفرنسي[2] لأن اتفاق التحكيم عنده لا ينزع اختصاص القاضي و إنما يحجبه في نظر النزاع، ويلاحظ أن تم فارقا هاما بين القانون المصري والفرنسي اد لا يفرق القانون المصري بين حالة رفع الدعوى أمام القضاء بعد أو قبل اتصال هيئة التحكيم بالنزاع موضوع اتفاق التحكيم ففي الحالتين يتحتم الحكم بعد قبول الدعوى أما القانون الفرنسي و ادا كان يحتم الحكم بعدم الاختصاص في حالة رفع الدعوى بعد اتصال هيئة التحكيم بالنزاع فانه يخول القاضي إمكانية عدم الحكم بعدم الاختصاص و التصدي للموضوع ،ادا تبين له البطلان الظاهر لاتفاق التحكيم كحالة خلو شرط التحكيم من تسمية المحكمين أو بيان أسلوب اختيارهم أو خلو المشارطة من تحديد موضوع النزاع[3].
المطلـــب الثاني : العلاقة بين اتفاق التحكيم،والعلاقة بين الأطراف(مبدأ استقلالية شرط التحكيم )
يثور التساؤل عن مصير شرط التحكيم الذي تضمنه العقد الأصلي ،ادا تعرض هدا العقد لسبب أدى إلى بطلانه أو فسخه أو إنهائه.فالمتصور منطقيا أن العقد ادا تعرض لأحد هده العوارض .فانه يزول بكل ما تضمنه و بالتالي ينتهي أثر شرط التحكيم بالتبعية و لكن تطور قضاء و فقه التحكيم خاصة التحكيم التجاري الدولي انتهى إلى عكس دلك، اد كرس مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، فلا يؤدي بطلان أو فسخ أو إنهاء هدا العقد إلى التأثير على شرط التحكيم . فالشرط يظل صحيحا، طالما استكمل شروط صحته الخاصة به. و كما أشرنا آنفا قد يخضع هدا الشرط لقانون مختلف عن القانون الذي يخضع له موضوع العقد الأصلي، لدلك من المتصور أن يستوفي الشرط شروط صحته رغم ما أصاب العقد الأصلي من عوارض . وترتيبا على دلك ينتج الشرط أثره ،ويكون للمحكمين سلطة النظر في أي منازعات تنشأ عن فسخ أو إنهاء العقد الأصلي[4].
ولم يتضمن القانون الفرنسي نصا صريحا يكرس استقلالية شرط التحكيم و لكنه كرس في المادة (1466) مبدأ الاختصاص ويستند الفقه إلى هدا النص للقول بأنه يؤدي إلى تقرير مبدأ استقلالية شرط التحكيم من الناحية العملية إذ طالما أن المحكم له سلطة البت في بطلان أو صحة العقد الأصلي، بمقتضى اتفاق التحكيم، فان هدا يعني أن هدا الاتفاق ـ أي اتفاق التحكيم ـ بوصفه اتفاقا على الإجراءات، يكون ممكنا نزعه أو فصله عن العقد الأصلي، و بالتالي يكون متمتعا بالاستقلالية . و الواقع أننا نجد صعوبة إلى حد ما في الربط بين مبدأ الاختصاص بالاختصاص ومبدأ الاستقلالية، و الأكثر قبولا القول بأن مبدأ الاستقلالية يعد من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام التحكيم سواء على الصعيد الوطني أو الدولي،قد كرسه القضاء الفرنسي بصدد التحكيم التجاري الدولي على نحو قاطع و متواتر مما يصلح أساسا للقول بوجوده أيضا في التحكيم الداخلي بدلا من محاولة التعسف في تفسير النصوص وتحميلها ما لا تحتمله[5].
المطلــب الثالث: نطاق الأثر الملزم لاتفاق التحكيم من حيث الأشخاص
إن مبدأ نسبية الاتفاقات، يؤدي إلى القول بأن اتفاق التحكيم لا تمتد آثاره إلى أشخاص لم يوقعوا على الاتفاق سواء بأنفسهم أو عن طريق ممثل لهم، أي أطراف الاتفاق[6] .
ولكن هناك حالات عملية قد تدق أحيانا، فضلا عن أن فكرة "الطرف " لا تعني فقط "الشخص الموقع" على الاتفاق، و إنما تشمل أيضا خلفه العام أو الخاص . "كالوارث الذي أبرم مورثه عقدا تضمن شرط تحكيم أو في حوالة العقود، إذ ترد الحوالة على الشرط المنصوص عليه في العقد ".
ولكن هل يمتد التحكيم للغير عن طريق نصوص المرافعات كإدخال الغير في الدعوى ؟ لا شك أن الطابع "العقدي" للتحكيم يحول دون دلك . ولكن لا يعتبر غيرا الشريك أو المدين المتضامن . فلو تعدد الشركاء أو المدينون المتضامنون، و أبرم أحدهم عقدا أو تضمن عقد القرض في حالة المدينين المتضامنين شرط التحكيم، فان الشرط يمتد أثره للجميع، إيجابا وسلبا، أي يستطيع كل منهم التمسك باتفاق التحكيم ،كما يستطيع الطرف الآخر الاحتجاج بهذا الاتفاق في مواجهة أي منهم . ويسري هدا في حالة شركات الأشخاص حيث لا تحجب الشخصية المعنوية حجبا كاملا أشخاص الشركاء ،ويسري من باب أولى في المحاصة، حيث لا توجد أصلا شخصية معنوية، فادا أبرم أحد المحا صين عقدا تضمن شرط تحكيم، فان لشركائه التمسك بالشرط، و للطرف الأخر في العقد للاحتجاج بالشرط على الجميع، ودلك ادا كانت إدارة المحاصة جماعية تستلزم حضور الجميع[7] .
و أخدًا بالمنطق نفسه يمتد إتفاق التحكيم ليشمل جميع مشروعات المؤسسات لمشروع أو فرع مشترك إدا أبرم هدا الفرع عقداً تضمن شرط تحكيم[8] .
ولكن إدا وقع طرفان إتفاق تحكيم، وكان أحدهما مؤسسة عامة، فقام الوزير باعتماد العقد الأصلي المتضمن لشرط التحكيم، فهدا التوقيع لا يجعل الدولة طرفاً في إتفاق التحكيم، لأن توقيع " الوزير " كان مباشرة لسلطاته الولائية و ليس توقيعاً بصفته طرفاً وهدا ما دهب إليه القضاء الفرنسي في قضية هضبة الأهرام[9]، و إن انتهى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار سابق الإشارة إليه إلى العكس .
ويتضح في كثير من الحالات أن تحديد " الأطراف " الذين يملكون التمسك باتفاق التحكيم، ويمكن الاحتجاج عليهم به، يتوقف على الفحص الدقيق للعقد و الملابسات المحيطة به خاصة وأن الأمر في العقود الدولية، يؤدي في العديد من الحالات إلى استعانة الأطراف الأصليين بمقاولين من الباطن أو بشركات يتم تأسيسها، أو إنشاء فروع مشتركة لمباشرة تنفيذ العقد أو العقود المتتابعة التي قد ينم إبرامها أو حالة تجديد العقود بتغيير الدائن أو المدين أو محل الالتزام، في كافة هذه الصور يمتد شرط التحكيم ويتسع نطاقه ليصبح كالمظلة التي تحيط بالعلاقات التي تنشأ تحت الاتفاق الأصلي ويتسع بذلك مفهوم "الأطراف "
[1]د. محمود مختار بريري، المرجع السابق، ص17.
[2]د. سامي عبد الباقي، المرجع السابق، ص 51.
[3]د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 26.
[4]د. أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص26.
[5] - حسم المشرع المصري الجدل في الفقه في القانون الجديد، فنصت المادة (23) على أن "يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، ادا كان هدا الشرط صحيحا في دانه ."
[6]د. سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 63.
[7]د. عبد الباقي الصغير، المرجع السابق، ص 69.
[8]د. هاني سري الدين، المرجع السابق، ص 74.
[9]نقض فرنسي 12/07/1984 في النزاع المعروف بخصوص الاستغلال السياحي لمنطقة هضبة الهرم.