دعوى التعويض من الإدعاء أمام قاضي التحقيق تعريف دعوى التعويض هي تلك الدعوى التي يرفعها المدعي عليه المتضرر من إدعاء إقامة مدعي مدني ضده في إطار شكوى أمام قاضي التحقيق تطبيقا لأحكام المادة 72 ق. إ . ج . يتهمه فيه بارتكابه فعل يوصف بالجريمة ثم يتبين من خلال التحقيق أن هذا الاتهام غير صحيح فيقرر قاضي التحقيق إنهاء الدعوى بأمر لأوجه للمتابعة مما يسمح للمدعى عليه المتهم في هذه الحالة طلب حق التعويض من المدعي الذي أساء استعمال حقه في الادعاء و هذه الدعوى تتحقق وفق شروط شكلية و أخرى موضوعية .
شروط دعوى التعويض وأطرافها الــفــــــــرع الأول: الشروط الشكلية : أولا : ميعاد رفع الدعوى :
بمقتضى نص المادة 78 من قانون . إ. ج فإن دعوى التعويض ينبغي رفعها أمام المحكمة الجزائية في ميعاد ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الأمر بأن لأوجه للمتابعة في صورته النهائية و يعني به انقضاء مواعيد الاستئناف بالنسبة لجميع أطراف الدعوى بما في ذلك النيابة العامة وهي تلك المواعيد المقررة في المواد 170-171-173 من قانون الإجراءات الجزائية .
وبذلك تكون دعوى التعويض وقتيه تتقادم بمرور ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار النهائي ذلك التقادم الذي يمس الدعوى وحدها دون الحق الذي ترتبه حيث يبقى لصاحبه حق المطالبة به أمام المحكمة المدنية على أساس قاعدة الخطأ و الضرر المقرر في المادة 124 من القانون المدني و في هذه الحالة فإن الدعوى تخضع للتقادم المدني.
ومن جهة أخرى فإن دعوى التعويض المدني هي دعوى مدنية ذات طابع مزدوج، مدنية من حيث الموضوع و جزائية من حيث الإجراءات التي تتخذ بشأنها و هذا الطابع المميز لا يمنع صاحبه من متابعة المدعي المدني جزائيا عن تهمة الوشاية الكاذبة المنصوص عليها في المادة 300 من قانون العقوبات متى توفرت شروطها القانونية.
ثـــــانيا : الإخــتصـــــاص :
من حيث الاختصاص فقد أراد المشرع أن يخضع دعوى التعويض لإجراءات خاصة بحسب خصوصيتها التي أرادها أن تكون بمثابة دعوى استعجاليه تمارس عن طريق إجراءات خاصة . كما أعطى لها طابعا مميزا عند ما أجاز لطالب التعويض إقامة دعواه أمام المحكمة الجزائية التي أجرى في دائرتها التحقيق في القضية و هي المحكمة المختصة بالفصل في طلب التعويض دون سواها .
من جهة أخرى فإن الاختصاص المحلي للمحكمة يقوم على أساس الموطن المختار الذي حدده المدعي المدني بمقر دائرة المحكمة التي يعمل بها قاضي التحقيق و هي المختصة بنظر
في الدعوى. حتى و لو كان للمدعي موطنا آخر خارج دائرة المحكمة, و هذا يعد خروجا عن قاعدة الاختصاص في المواد الجزائية.
وعليه فإن دعوى التعويض التي ترفع على أنقاض الادعاء المدني وذلك بعد صدور أمر بألا وجه للمتابعة لا تختلف من حيث الشكل والجوهر عن دعوى التعويض التي تأتي على إثر حكم البراءة في حالة الإدعاء المدني أمام المحكمة طبقا لأحكام المادة 366 من: ق.إ.ج .
الفـــــــرع الثــــاني: الشروط الموضوعية :
إن دعوى التعويض الناجمة عن سو استعمال الإدعاء المدني لا تعني الحكم بالتعويض تلقائيا بمجرد رفعها من المدعي بل يتعين توافر شروط موضوعية بثبوت هذا الحق وهو نصت عليه المادة 78 من :ق.إ.ج إجراءات الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق . أولا : شـكـوى الإدعاء المدني :
لقيام دعوى التعويض لا بد من وجود شكوى مصحوبة بادعاء مدني صادر من شخص معلوم قام بتحريك الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق طبقا لأحكام المادة: (72) من:ق.إ.ج.
وفي هذا الإطار فإن الشكاوى العادية و البلاغات التي يتقدم بها أصحابها إلى النيابة العامة أو إلى ضباط الشرطة القضائية بغرض التبليغ عن وقوع جريمة أو أي اعتداء وقع عليهم من شخص معين يتولى على إثرها وكيل الجمهورية تحريك الدعوى العمومية ، ولو تدخل بعد ذلك المشتكي أمام قاضي التحقيق أو المحكمة بصفته مدعيا مدنيا .
إن دعوى التعويض بمفهوم المادة 78 ق. إ.ج دعوى شاملة تخول لكل الأشخاص الواردة أسمائهم في شكوى الادعاء المدني بصفتهم متهمين حق طلب التعويض عن كل الأضرار المادية و المعنوية. غير أن الدعوى المقدمة ضد مجهول لا يفتح مجال لدعوى التعويض.
من جهة أخرى فإن دعوى التعويض تكون غير جائزة و غير مقبولة إذا كان الشخص الذي استفاد بأمر بالأوجه للمتابعة قد سلك الطريق المدني للمطالبة بالتعويض على نفس الضرر حيث تطبق في هذه الحالة قاعدة الاختيار.
ثـــــــــانيا : قــيام تحقيق قضائي :
لكي تتحقق دعوى التعويض المنصوص عليه في المادة 78 ق. إ . ج. يجب توفر شرط قيام تحقيق قضائي الذي جاء بناءا على شكوى مصحوبة بالادعاء المدني أمام السيد قاضي التحقيق صادر عن شخص معلوم يدعى فيه انه تعرض لفعل يوصف بالجريمة من قبل المشتكي منه.و يقصد بقيام تحقيق قضائي هو سماع الطرف المشتكي منه بصفته متهما و بذلك تخرج التحقيقات الأولية التي تقوم بها الشرطة القضائية و التحقيقات المفتوحة في إطار النيابة القضائية و كذلك التحقيق التكميلي الذي تأمر به غرفة الاتهام بخصوص الوقائع الجديدة التي لم ترد في شكوى الادعاء المدني .
و من جهة أخرى فلا مجال لدعوى التعويض إذا كان التحقيق القضائي الذي قد انتهى برفض الإدعاء المدني أو عدم قبوله أو الأمر بعدم الاختصاص لكن يجب التميز بين الأمر القاضي بانتقاء وجه الدعوى الذي يأتي عادة على اثر عدم التوصل إلى اكتشاف الجريمة أو لوجود مانع قانوني يحول دون إقامة الدعوى العمومية و بين الأمر القاضي بالأوجه للمتابعة الذي يصدر في حالة عدم وجود الجريمة أصلا أو عدم ثبوتها و من ثمة فإنه يكون منتجا لدعوى التعويض المدني.
لكن لا مجال للقول بدعوى التعويض إذا كان التحقيق القضائي مفتوحا ضد مجهول حتى و لو جاء ذلك بناءا على شكوى مصحوبة بادعاء مدني ,لذلك يستحسن في شكوى المصحوبة بالادعاء المدني إن تكون مرفوعة دائما ضد مجهول حتى يتفادى المدعي عواقب ادعائه و بعض من مسؤولية المتابعة و دعوى التعويض ما لم يكن المدعي حائز على دلائل كافية تحقق النتيجة من ادعائه.
ثـــــالثا : صـدور قرار نهائي ينهي المتابعة :
المبدأ العام في دعوى التعويض أنها تبنى على عدم قيام ما يثبت ادعاءات المدعي المدني وهذا يجعلها مرتبطة بالقرار الذي يصدر في الدعوى العمومية في مهدها الأول عندما تنتهي إلى نتيجة سلبية أثناء التحقيق ويعني به عدم قيام الواقعة المدعى بها أصلا أو عدو ثبوتها على الأقل وهذا ما يعبر عنها قانونا بقرار لا وجه للمتابعة أو انتفاء وجه الدعوى الذي يصدره قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام على إثر إدعاء مدني غير صحيح في وقائعه.
و يشترط في القرار الذي تقام عليه دعوى التعويض أن يكون قرار قطعيا غير قابل لأي طعن و أن يكون عاما و شاملا لجميع الوقائع موضوع الاتهام و عليه إذا صدر قرار بالأوجه للمتابعة بصفة جزئية فلا مجال لدعوى التعويض حتى و لو تبعه وصف جديد آو تغيير في أوجه الاتهام أو في حالة المتهمين.
و لكن السؤال الذي يبقى مطروح على أي أساس تقوم دعوى التعويض أو ما هو الخطأ الذي تقوم عليه دعوى التعويض؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب أولا التعرف على مفهوم الخطأ في دعوى التعويض
الأصل في دعوى التعويض أنها تقوم على قاعدة الخطأ و الضرر المنصوص عليه في المادة 124 من القانون المدني التي تقرر المسؤولية عن الأضرار التي يتسبب فيها الشخص للغير يلتزم على أساسها بالتعويض . وبذلك تتلاقى الدعوى المدنية مع دعوى التعويض من حيث الهدف وهو جبر الضرر إلا أنهما يختلفان من حيث الإجراءات ومن حيث إثبات الضرر الذي تفأسس عليه دعوى التعويض الذي هو الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بألا وجه للمتابعة حيث يعتبر هذا الأمر دليل الخطأ الوحيد الذي يمكن اعتماده في الدعوى وعلى أساسه يحكم بالتعويض ما لم يثبت أن الضرر يعود إلى سبب آخر غير الوقائع موضوع الاتهام لأنه في هذه الحالة يكون إثبات الخطأ على عاتق المدعى عليه .
أما بالنسبة للحالة التي يتنازل فيها المدعي المدني عن إدعائه بعد تقديم الشكوى ومع ذلك تستمر النيابة العامة في المتابعة الجزائية التي تؤدي في الأخير إلى صدور الأمر بألا وجه للمتابعة ففي هذه الفرضية ينبغي التفرقة بين ثلاث حالات:
أ/- حالة كون المدعي المدني ترك إدعائه قبل عرض الشكوى وكيل الجمهورية وهذا يعني أن المدعي قد تراجع عن إقامة إدعائه من تلقاء نفسه وبالتالي فلا مسؤولية عليه.
ب/- حالة الشكوى قد عرضت على وكيل الجمهورية الذي قدم طلباته بالمتابعة حيث يصبح التنازل عن الشكوى لايؤثر على سير الدعوى العمومية التي قد تنتهي بإدانة المتهم . وهنا فإن القضاء يعتبر هذا التنازل من صاحبه عدولا اختياريا غير أنه لا يرفع عنه مسؤولية التعويض.
ج/- حالة كون المدعي المدني تابع إدعائه إلى النهاية مع صدور أمر بألا وجه للمتابعة أو حكم البراءة وفي هذه الحالة تكون مسؤولية المدعي المدني كاملة يلتزم على أساسها بالتعويض افتراضيا بمجرد صدور القرار أو الحكم المنهي للدعوى الفــــرع الثــــالــث : أطـــراف دعوى التعويض : أولا : الـــــمــــدعـي :
بالنسبة للمدعي فهو ذلك الشخص المتضرر من الادعاء المدني المستفيد من قرار عدم المتابعة الذي ورد اسمه في الشكوى حيث صار متهما ثم ثبتت براءته المفترضة بصدور أمر ألا وجه للمتابعة من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام سواء كان المتهم بالغا أو قاصرا أو عديم الأهلية الذي يمكنه ممارسة دعوى التعويض بواسطة ممثله القانوني .
إن دعوى التعويض لايمكن حصرها في المتابعات التي تقام ضد شخص معلوم بل تجوز أيضا ممارستها في حالة الادعاء المدني ضد مجهول إذا ورد في الشكوى أسماء أشخاص كانوا محل متابعة لاحقا بناءا على اتهام موجه لهم من قاضي التحقيق في نفس الوقائع حيث يمكن لكل شخص كان محل متابعة بصفته متهما إقامة دعوى التعويض ضد المشتكي إذا صدر لصالحه أمر بالا وجه للمتابعة.
لكن ما حكم الشكوى التي يشير فيها إلى أشخاص بصفاتهم لا بأسمائهم ؟
الاتجاه الغالب في الفقه والذي يؤيده القضاء أن الأشخاص المشار إليهم في الشكوى بصفتهم أو بعلامات مميزة يعتبرون في حكم المشتكى وعليه فإذا أشير في الشكوى إلى شخص بصفته أو بإحدى العلامات المميزة له كالإشارة إلى المشبوه فيه بأنه يقيم في مكان ما أو تحديدا لوظيفته فإن كل هذه الصفات تدخل في حكم التشخيص الذي تقوم معه الشبهة .
و مع ذلك فإن هذا التحديد الوارد في النص القانوني لا يلغي القاعدة العامة المقررة في القانون المدني التي تجيز نقل الحق إلى الخلف العام و الخلف الخاص من ذوي الحقوق والدائنين الذين يمكن لهم الحلول للمطالبة بالتعويض في حالة وفاة صاحب الحق الأصلي في حالات خاصة.
ثــــــــانيا : المـــــدعــى عــليه :
إن المدعى عليه في دعوى التعويض هو ذلك الشخص الذي تقدم بالشكوى بصفته متضررا من جريمة امام قاضي التحقيق سواء كان هذا الشخص طبيعيا أو معنويا حيث يمكن ممارسة التعويض ضده إذا كانت الشكوى قدمت باسمه أو لصالحه ،ولما كان الشخص المعنوي ليس له إرادة فعلية فان إرادة ممثله تحل محله حيث تعتبر الشكوى صادرة عنه متى كانت لصالحه وهذا ما استقر عليه الفقه وأكده القضاء في عدة أحكام له حينما قضي برفض دعوى التعويض،التي رفعها صاحبها على رئيس المؤسسة بصفة شخصية .
وبالنسبة للورثة فانه يمكن ممارسة دعوى التعويض ضدهم في حالة الوفاة في حدود التركة أو بما يعود عليهم بالمنفعة حسب الحالات والأوضاع.
بالنسبة لمسؤولية القصر وعديمي الأهلية فتطبق في ذلك أحكام القانون المدني بوجه عام.
وفي جميع الأحوال تبقى دعوى التعويض مدنية تتصل بالذمة المالية للمدعي عليه تخضع لقواعد القانون المدني غير انه كحالة استثنائية تطبيق الحكام الإكراه البدني في مجال التنفيذ وهذا تطبيقا لمقتضيات المادة 599 من ق إ ج .
إجراءات رفع دعوى التعويض والحكم فيها الفـــرع الأول : إجراءات رفع دعوى التعويض :
ترفع الدعوى التعويض المدني أمام المحكمة الجزائية طبقا لنص المادة 78 ق. إ . ج عن طريق التكليف بالحضور و قد استعمل مصطلح التكليف بالحضور أمام محكمة الجنح و هو يقصد به تلك الإجراءات المقررة في باب التكليف المباشر المنصوص عليها في المادة337 ق . إ . ج.إلا أن المشرع لم ينص صراحة على شكلية معينة لرفع هذه الدعوى إلا انه من المنطق القانوني و التطبيقات العملية تقتضي أن ترفع الدعوى في شكل عريضة مكتوبة و معللة بوقائعها و أسبابها مع بيان الأطراف وصيفاتهم و موطنهم مع ضرورة تقديم الأمر الصادر عن قاضي التحقيق القاضي بالأوجه للمتابعة الذي يكون الأساس في دعوى التعويض و تودع هذه العريضة لدى كتابة ضبط المحكمة دون حاجة إلى موافقة النيابة التي تكون بدورها ملزمة بجدولة القضية و تحديد تاريخ الجلسة بعد إحضار ملف التحقيق الذي تفصل المحكمة على أساسه في القضية دون مصاريف.
الـــــــــفرع الثاني : الحكم في دعوى التعويض :
نصت المادة 78الفقرة الثالثة من ق إ ج تجرى المرافعات في غرفة المشورة ويسمع أطراف الدعوى ومحاموهم والنيابة العامة ويصدر الحكم في جلسة علنية.
وبمفهوم النص فان الجلسة المخصصة للنظر في دعوى التعويض يجب أن تكون سرية تنعقد في غرفة المداولات حفاظا على مصلحة الأطراف غير انه يشترط في الدعوى أن تكون منظورة أمام محكمة الجنح في إطار جلسة. عامة أو خاصة تستدعى إليها الأطراف بصفة قانونية تفصل المحكمة في دعوى التعويض اعتمادا على ملف التحقيق الذي صدر فيه الأمر بالا وجه للمتابعة الذي تتولى النيابة العامة إحضاره عند جدولة القضية فإذا لم يحضر ملف أمرت المحكمة بإحضاره في الحال لنفس الجلسة أو في جلسة لاحقة بعد التأجيل .
و في جميع الأحوال يجب أن تعطى الكلمة للمدعي والمدعى عليه و محاميهما عملا بحق الدفاع وكذلك النيابة العامة بصفتها طرفا ملاحظا تبدي رأيها لصالح القانون وليس بصفتها خصما في الدعوى لذا فانه لا يترتب عن عدم حضورها عند النطق بالحكم أي أثر قانوني غير أن حضورها في الجلسة يعد من الأشكال الجوهرية لصحة تشكيل المحكمة طبقا لأحكام المادة 340 ويصدر الحكم في جلسة علنية وإلا كان باطلا .
ولما كان الهدف من دعوى التعويض هو جبر الضرر والحصول على التعويض فإنه يجوز للمحكمة أن تحكم بالعقوبة الجزائية وإنما تفصل في دعوى التعويض الذي يشمل الضرر المادي والمعنوي على أن يراعي في ذلك ضخامة الضرر وآثاره على الشخص وعائلته ومكانته الاجتماعية حاضرا ومستقبلا وكذلك المصاريف التي أنفقها المتضرر بسبب الإدعاء المدني ودعوى التعويض ويرجع في كل هذا لقاعدة تقدير الضرر.
الــــــــفرع الثـــــالث : نــشـر الـحـكـم :
يعتبر إجراء نشر الحكم من الوسائل الأكثر فعالية لجبر الضرر المعنوي وهو الأهم وإعادة الاعتبار للشخص المتضرر من الإدعاء الذي يكون قد أتهم كذبا حيث يكون نشر الحكم في هذه الحالة بمثابة الإعلان للعامة وإطلاعهم بعدم صحة هذا الإدعاء ومعرفة الحقيقة بإبعاد الفضيحة التي أثارتها شكوى المدعي المدني في مواجهة المشتكى منه والتي تعد بمثابة بلاغ كاذب يستدعي التشهير به علنا. لهذا كان قانون الإجراءات الجزائية في المادة 78 الفقرة الثالثة من : ق.إ.ج. قد اقر مبدأ نشر الحكم وأجاز للمحكمة أن تأمر بمقتضى الحكم الفاصل في دعوى التعويض نشر نص الحكم كليا أو جزئيا على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو عدة صحف محلية أو وطنية تعينها المحكمة مع تحديد السعر الأقصى لكل نشرية وهذا كله من أجل إصلاح الضرر ورفع الإساءة وتحسين سمعة الشخص الذي تضرر بفعل الادعاء الكاذب .
من جهة أخرى فان عملية النشر يمكن أن يكون لها أثر فعال في مواجهة المشتكي الذي يثبت عليه كذبه وسوء نيته حيث يصبح محل إدانة جماعية في نظر العامة وهذا يؤدي حتما إلى انقلاب المجتمع عليه في غضبه وسخطه حيث يعد ذلك في حد ذاته عقابا اجتماعيا .
وإذا كان المشرع قد أجاز إمكانية نشر الحكم بغرض التكذيب ورد الاعتبار للشخص المتضرر من الادعاء المدني فهو لم يجعل ذلك أمرا حتميا بل أخضعه للسلطة التقديرية للمحكمة التي تفصل في موضوع النشر الذي يكون بناءا على طلب المدعي كما يجوز للمحكمة أن تقرره من تلقاء نفسها عند الاقتضاء ويترتب على هذا النتائج القانونية الآتية :
- إن دعوى التعويض تكون ضد كل شخص قدم الشكوى بصفته مدعيا أصليا أو متدخلا أثناء سير التحقيق إذا كان المدعى عليه قد سمع من طرف قاضي التحقيق بصفته متهما حتى ولو لم يسمع فيها المشتكى مع انتهاء الدعوى بأمر ألا وجه للمتابعة وهذا يؤدي حتما إلى اعتبار كل الأطراف المدعية والمتدخلة و متضامنة في حكم التعويض ونشر الحكم .
- إن قرار نشر الحكم يخضع من حيث المبدأ للسلطة التقديرية للمحكمة الفاصلة في دعوى التعويض غير انه في حالة رفض الطلب وجب تعليل القرار وإلا كان باطلا.
-على المحكمة الاستجابة لطلب المدعي الرامي إلى تحديد الجريدة التي تنشر فيها الحكم وان تمكنه من طلباته بشأنها غير انه لا يجوز الأمر بنشر التحقيقات القضائية وما جاء فيها من اعترافات وشهادات حتى ولو وردت ضمن حيثيات الحكم.
لقد تبين لنا مما سبق التطرق إليه في هذا الموضوع أن كل جريمة ترتكب قد ينشأ عنها ضرر يبيح للسلطات العامة أن تتدخل طالبة من القضاء توقيع العقوبة المقررة لها ، باعتبارها ممثل الحق العام وطرف أصلي في تحريك الدعوى العمومية .
ووقوع هذه الجريمة ينشأ عنه أحيانا ضررا يصيب أحد الأفراد من المجتمع فينشأ حينئذف لهذا الشخص المضرور إقامة دعوى يطلب فيها التعويض عن الضرر الذي أصابه.
وهذا الحق يباشره المتضرر عن طريق الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق .
وقد نص عليه المشرع الجزائري في المواد : (77،76،75،74،73،72،78 ) من قانون الإجراءات الجزائية ، كما تضمنته العديد من المؤلفات القانونية .
ولهذا فإن الإدعاء المدني يعتبر طريق استثنائي أجاز القانون من خلاله لكل شخص يرى أنه متضرر من جريمة ما تحريك الدعوى العمومية عن طريق تقديم شكوى مصحوبة بادعاء مدني أمام قاضي التحقيق ، ويجوز كذلك الإدعاء مدنيا في أي وقت أثناء سير التحقيق وتجوز المنازعة في طلب الإدعاء المدني من جانب النيابة العامة أو المتهم أو أي طرف آخر، ويلزم على قاضي التحقيق الفصل في هذه المنازعة.
ولقد أقر المشرع الجزائري حقوقا للمدعي المدني كحق الإطلاع على الملف وحق الإبلاغ و الاستئناف والطعن وأضفى عليها طابع السرعة والفعالية في الإجراءات.
كما أنه قد أقر للمدعى عليه أيضا الحق في ممارسة دعوى التعويض في حالة خسارة المدعى المدني لدعواه أو عند صدور أمر بألا للمتابعة أو حكم بالبراءة لصالحه.
وعليه فإن نظام الإدعاء المدني قائم بذاته ومعمول به في التشريع الجزائري وفي الجانب العملي والتطبيقي رغم بعض السلبيات التي تعترضه كترك السلطة التقديرية لقاضي التحقيق في تحديد مبلغ الكفالة وهو أمر يؤدي في بعض الأحيان بالمدعي المدني إلى ترك هذا الطريق والتخلي عنه كإجراء من إجراءات التقاضي .
إلا أن المشرع الجزائري لا زال يسعى إلى إجراء تحسينات في القانون وإيجاد حل لبعض الإشكالات القانونية و التطبيقية من خلال التعديلات التي يجريها في كل مرة وإعطاء كافة المؤهلات والإمكانيات لقاضي التحقيق كما أخصه أيضا بسلطات واسعة في مجال التحقيق القضائي.