شروط إعادة الأمر بالحبس بعد الإفراج إذا قرر وكيل الجمهورية أن يتقدم بطلب إصدار أمر بالإفراج على المتهم المحبوس مؤقتا تنفيذا لنص المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية و رفض قاضي التحقيق طلبه, فإن القانون لم يحدد أجلا يسمح من خلاله لوكيل الجمهورية بتقديم طلب آخر مرة ثانية بقصد الإفراج, بمعنى أنه يجوز له تقديم طلبه في كل وقت إذا لم يبت قاضي التحقيق فيه في أجل ثمان و أربعين (48) ساعة.
عمليا نادرا ما تطلب النيابة العامة الإفراج إن لم نقل إطلاقا, على الرغم من أن المشرع منحها حق طلبه من قاضي التحقيق لصالح المتهم في كل وقت, دون تعليقه على شرط أو تقييده بأجل أو بمدة معينة.
- أما إذا تعلق الأمر بالمتهم أو محاميه, فإنه لا يمكن له تجديد طلبه إلا بعد مرور شهر من تاريخ رفض الطلب السابق طبقا للمادة 127 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
إذا كانت القاعدة العامة أنه لا يجوز إطلاقا, و لا بأي حال من الأحوال أن يصدر أي أمر بإعادة إيداع المتهم الذي أفرج عنه الحبس مرة ثانية, لنفس الأسباب و الظروف فإنه و استثناءا من القاعدة يجوز إصدار أمر جديد بإيداعه الحبس إذا توافرت شروط
معينة, حددها القانون و ذكرها على سبيل الحصر في المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية بحيث لا يجوز تجاوزها أو القياس عليها.., و هذه الشروط هي:
1- شرط عدم وفاء المتهم بالتزاماته :
إذا قرر قاضي التحقيق أو قاضي الحكم الإفراج عن المتهم أو إطلاق سراحه بصفة مؤقتة, على أساس أنه يتعهد بالمثول و الحضور أمامه كلما طلب منه ذلك, ثم أن هذا المتهم المفرج عنه قد خالف تعهده و لم يحضر لدى القاضي المذكور في الوقت المحدد بعد استدعائه بصفة قانونية و صحيحة و هذا ما نصت عليه المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية:"...أن يتعهد المتهم بالحضور في جميع إجراءات التحقيق بمجرد استدعائه, و أن يخطر القاضي بجميع تنقلاته" و كذلك المادة 130 من قانون الإجراءات الجزائية:" و إذا طرح الأمر على جهة الحكم في الأحوال المنصوص عليها في المادتين 128 و 129 استدعي الخصوم و محاميهم بكتاب موصى عليه..." ففي هذه الحالة يجيز المشرع لكل من قاضي التحقيق أو قاضي الحكم أن يأمر من جديد بإيداع المتهم الحبس المؤقت و لو لنفس الأسباب التي كان قد حبس من أجلها في المرة الأولى إذ نصت المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا استدعي المتهم للحضور بعد الإفراج و لم يمتثل... فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوعة إليها الدعوى إصدار أمر جديد بإيداعه الحبس....".
2- شرط ظهور ظروف جديدة أو خطيرة :
لقد نصت على هذه الحالة المادة 131 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية:"...أو إذا طرأت ظروف جديدة أو خطيرة تجعل من الضروري حبسه, فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوع إليها الدعوى أن تصدر أمرا جديدا بإيداعه السجن".
يستشف من نص هذه المادة بأنه إذا قرر قاضي التحقيق الإفراج عن المتهم بصفة مؤقتة سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ثم طرأت أثناء التحقيق ظروف جديدة أو خطيرة, كاكتشاف أن الوقائع المتابع من أجلها المتهم هي ذات وصف جزائي, أو اكتشاف أن المتهم المفرج عنه مؤقتا كان متابعا بجريمة واحدة, بينما في الواقع كان قد ارتكب جرائم متعددة في نفس الوقت أو في أوقات متباعدة, مازال لم يتابع من أجلها و أنه لو ترك حرا سيفلت من العدالة, أو يؤثر على معالم الجريمة و يخفي أو يزيل أدلة إثباتها و إسنادها إليه, تجعل من الضروري الأمر بإعادة حبس المتهم المفرج عنه, فيجيز القانون لقاضي التحقيق الذي سبق و أن أمر بالإفراج عنه أو قاضي الحكم المطروحة أمامه الدعوى, و الذي سبق و أن أمر بإطلاق سراحه, أن يأمر بإيداعه الحبس من جديد.
3- شرط الحكم بعدم الاختصاص :
نصت على هذا الشرط المادة 131 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية:" و لغرفة الاتهام ذلك الحق نفسه في حالة عدم الاختصاص و ذلك ريثما ترفع الدعوى للجهة القضائية المختصة".
يمكن تصور هذه الحالة أنه إذا أحيلت القضية على جهة من جهات الحكم و رأت هذه الأخيرة أنها غير مختصة بالفصل, ثم أنه قبل أن تحال القضية إلى الجهة المختصة مثل محكمة الجنايات أو إلى محكمة أخرى ظهرت ظروف جديدة و خطيرة, فإنه يجوز لغرفة الاتهام أن تصدر أمرا بإعادة حبس المتهم مؤقتا لمدة غير محددة يمكن أن تطول أو تقصر إلى غاية تقديم الدعوى إلى الجهة المختصة, و يكون ذلك بناء على طلب مسبب من النائب العام لدى المجلس القضائي الذي توجد بدائرته الجهة التي قررت الحكم بعدم الاختصاص.
4- شرط سلب المتهم حق الاستفادة من قرار الإفراج :
تنص المادة 131 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجزائية:"و إذا قررت غرفة الاتهام الإفراج معدلة بذلك قرار قاضي التحقيق فلا يجوز للأخير أن يصدر أمر حبس جديد بناء على أوجه الاتهام عينها, إلا إذا قامت غرفة الاتهام بناء على طلب كتابي من النيابة العامة بسحب حق المتهم في الانتفاع بقرارها."
و يتجسد هذا الشرط في حالة ما إذا أمر قاضي التحقيق بحبس المتهم مؤقتا, أو رفض طلب الإفراج عنه, و طعن وكيل الجمهورية أو المتهم أو محاميه و أفرجت غرفة الاتهام عن المتهم المحبوس مؤقتا مخالفة بذلك أمر قاضي التحقيق, فلا يجوز لهذا الأخير إصدار أمر بحبس المتهم مؤقتا من جديد استنادا إلى عناصر و أسباب الاتهام ذاتها, إلا إذا قدمت النيابة العامة طلبا كتابيا إلى غرفة الاتهام تطلب فيه سحب حق المتهم في الانتفاع بقرارها و قبول هذه الأخيرة هذا الطلب.
- و السؤال الذي يطرح نفسه بعد تعرضنا لمختلف الشروط التي إذا توفر أحدها يمكن لقاضي التحقيق أن يعدل عن الأمر بالإفراج الذي أصدره لصالح المتهم, و يأمر بإعادة إيداعه الحبس فهل يقصد هنا المشرع الإفراج الوجوبي و الجوازي معا أم أن الأمر هنا يتعلق فقط بالإفراج الجوازي فقط؟
في رأينا أن الأمر يتعلق بالإفراج الجوازي لأن المشرع منحه لقاضي التحقيق في إطار سلطته التقديرية, يلجأ إليه متى شاء من أجل التخفيف من حدة الحبس المؤقت, فخوله سلطة الإفراج عن المتهم بصفة مؤقتة إذا لم يكن الحبس ضروري لحسن سير التحقيق, كما يمكنه كذلك من الحق في التراجع عنه و الأمر بإعادة حبسه مؤقتا من جديد إذا توافرت إحدى الشروط.
لكن هل يلزم القانون القضاة بتسبيب الأمر بإعادة حبس المتهم بصفة مؤقتة ؟
لم ينص المشرع على ضرورة تسبيب الأمر الصادر بإعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه بصفة مؤقتة من الجهات التي خول لها القانون هذه الصلاحية, و حسب رأينا فإنه يجب تسبيب هذا الأمر ضمانا لحقوق المتهم, طالما أن المشرع حدد الحالات التي يجوز فيها اتخاذه.