تعريف العلاقة السببية :
لقيام الركن المادي للجريمة لا يكفي وقوع الفعل الاجرامي من الجاني وتحقق النتيجة الضارة بل لابد ان تنسب هذه النتيجة الى السلوك الاجرامي اي ان تقوم بينهما علاقة سببية ..بمعنى ان ارتكاب السلوك الاجرامي هو الذي ادى وحده لى حدوث النتيجة.
يفقصد بالعلاقة السببية أن النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة .
وعلاقة السببية هي عنصر في الركن المادي للجريمة. ومن الواضح أن المقصود بالنتيجة هنا التي ترتبط بالنشاط هي النتيجة المادية . فإذا زهقت روح المجني عليه فإن الفاعل لا يفسأل عنها إلاّ إذا كان هو الذي تسبب في حدوثها.
أهمية العلاقة السببية :
تتمثل اهميتها في انها هي التي تسلهم في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية.حيث تستبعد هذه المسؤوليةفي حالة عدم قيام العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة فيسال الجاني في هذه الحالة على الشروع في الجريمة يالنسبة للجرائم العمدية ..اما بالنسبة للجرائم الغير العمدية فلا تقوم المسؤولية الجنائية اصلا اذا انتفت رابطة السببية بين الفعل والنتيجة لانه لا يمكن تصور الشروع في الجرائم الغير عمدية.
تحديد معيار العلاقة السببية :
إذا كان السلوك الاجرامي هو وحده الذي ادى الى حدوث النتيجة فلا يكون هناك اي اشكال في قيام العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة كمن يطلق رصاصة متعمدا فتصيب راس المجني عليه في الحال ..هنا تقوم العلاقة السببية بين اطلاق الرصاصة اي السلوك والوفاة اي النتيجة.
ولكن الاشكال يثور في حالة تدخل عوامل اخرى الى جانب فعل الجاني في حدوث النتيجة.
فالسؤوال المطروح هنا..
هل تقوم العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة كون الفعل احد العوامل التي ساهمت في حدوث النتيجة ام يجب ان تكةن لهذا الفعل اهمية خاصة ؟
ولمعالجة هذا الإشكال إنقسم الفقه الى 3 نظريات :
أولا : نظرية السبب المباشر : théorie de la cause directe
مؤدى هذه النظرية ان العوامل التي تشترك في احداث النتيجة تتفاوت فيما بينها من حيث تاثيرها في حدوث النتيجة فمنها ما له دورا مباشرا وفعالا في حدوث ومنها ما له دور ثانوي ومساعد....يقتضي المنطق اسناد النتيجة الى اقواها اي الى العامل الذي كان له الدور المباشر في حدوث النتيجة فلا يسال الجاني عن النتيجة الا اذا كانت متصلة اتصالا مباشرا بسلوكه كما لو كانت هذه النتيجة هي الوفاة وكان ما قام به الجاني هو احداث جرح بالمجني عليه ادى بطبيعته الى الوفاة.
فإذا تدخل عامل آخر الى جانب سلوك الجانيفي احداث النتيجة تنقطع العلاقة السببية بين هذا السلوك والنتيجة اذا كان هذا العامل يفوقه من حيث التاثير في حدوث النتيجة سواء كان مالوفا او شاذا كخطا الطبيب في العلاج او انقلاب سيارة الاسعاف او اندلاع حريق في المستشفى.
- ويعاب على هذه النظرية انها تحصر العلاقة السببية في نطاق ضيق مما يؤدي الى افلات بعض الجناة من العقاب لمجرد انهم قاموا بدور اقل من دور العوامل الاخرى التي ساهمت في احداث النتيجة.
ثانيا : نظرية تعادل الاسباب : théirie de l'équivalence des causes
ذهب هذه النظرية الى القول بان جميع العوامل التي ساهمت في احداث النتيجة هي متعادلة بغير ترجيح بين عامل واخر من ناحية قوته واثره في احداث النتيجة ولما كان سلوك الجاني من بين هذه العوامل لذا يجب ان يسال عنها مهما كانت اهمية العوامل التي ساهمت مع سلوكه في احداثها وسواء كانت هذه العوامل مالوفة او شاذة وسواء كانت راجعة الى فعل الطبيعة او فعل الانسان.
فلقد وضع انصار هذه النظرية معيارا سهلا لمعرفة ما اذا كانت النتيجة تسند الى سلوك الجاني او لا .وهذا المعيار يتمثل في اجابة السؤال الاتي :
- هل كان حدوث النتيجة ممكنا لو تخلف سلوك الجاني ؟
فإذا كانت الاجابة "لا" قامت السببية بين السلوك والنتيجة.
أما اذا كانت الاجابة "نعم"انقطعت العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة.
- يعاب على هذه النظرية انها لم تميز بين العوامل من حيث تاثيرها في حدوث النتيجة وبين العوامل المالوفة والشاذة فهي تحمل الجاني النتيجة لمجرد كونه احد العوامل التي ساهمت في حدوثها..كما انها تحمل الجاني عبء المسؤولية الجنائية في اغلب الحلات كما لو كانت الاصابة خفيفة ولكن المجنب عليه توفي بسبب انقلاب سيارة الاسعاف التي حملته الى المستشفى او حريق شب في المستشفى...
- نقد نظرية تعادل الأسباب :
كانت نظرية تعادل الأسباب محلا للانتقاد من عدة نواحي، أهمها:
1- إنها تؤدي إلى التوسع في ثبوت علاقة السببية ، فتنتهي إلى توافر تلك العلاقة في كل مرة يجتمع فيها سبب إنساني مع سبب طبيعي (غير فعل الإنسان) كما في حالة توجيه طعنات إلى المجني عليه وحدوث حريق بالمستشفى .
2- إنها لا تمايز بين الأسباب . فهناك من أفعال الإنسان ما يشكل عملا أقل تأثيرا في إحداث علاقة السببية من غيره إذا اجتمع مع فعل إنسان آخر. من ذلك توجيه طعنة إلى المجني عليه ثم حدوث خطأ جسيم من الطبيب في أثناء إجراء عمليه جراحية أو معالجة طبية.
ثالثا : نظرية السبب الملائم : théorie de la cause adéquate
إذا كانت جاءت هذه النظرية وسطى بين النظريتين السابقتين...فراى انصارها ان سلوك الجاني يعد سببا ملائما متى كانت العوامل التي تدخلت الى جانبه في حدوث النتيجة مالوفة ومتوقعة وفقا للمجرى العادي للامور اما اذا كانت هذه العوامل شاذة غير مالوفة وفقا للمجرى العادي للامور فان العلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة تنقطع..ومن ثم لا يسال الجاني عن النتيجة التي حدثت.
ومن العوامل المالوفة والمتوقعة ضعف المجني عليه لكبر سنه او لمرض مزمن يعاني منه او عدم امكان الاتصال برجال الاسعاف لنقاه بالسرعة اللازمة او نقص بعض الادوية اللازمة لإسعاف المجني عليه......الخ
ومن العوامل الشاذة الغير المالوفة والتي تقطع العلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة اندلاع حريق في المستشفى او انقلاب سيارو الاسعاف التي تحمل المصاب....الخ
ولتحديد ما اذا كانت العوامل التي ساهمت في حدوث النتيجة مالوفة ام شاذة ياخذ انصار هذه النظرية بمعيار العلم والتوقع فما أحاط به العلم فهو مالوف وما لم يحط به العلم فهو شاذ.
وعليه يكون سلوك الجاني سببا ملائما كلما كانت النتيجة متوقعة من قبل الجاني.
- وبناء عليه فإن نظرية السببية الملائمة تدخل في تقديرها معيار التوقع . بيد أن هذا المعيار ليس معيارا شخصيا ، بل هو معيار موضوعي يستند إلى المجرى العادي للأمور وليس إلى توقع الجاني نفسه . ومن ثمّ فإن ذلك لا يتنافى مع مفهوم علاقة السببية كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة.
على العكس من ذلك إذا شبّ حريق في المستشفى، فإن ذلك يقطع علاقة السببية بين إطلاق الرصاص ووفاة المجني عليه لأن اندلاع حريق بالمستشفى ليس من الأمور المألوفة وفقا للمجرى العادي للأمور ، فتنقطع لذلك علاقة السببية.
مشكلة تعدد الأسباب :
إذا لم يتوافر سوى سبب واحد من الأسباب القانونية، فإن الأمر يصبح سهلا ميسورا في تحديد مسئولية الفاعل عن حدوث النتيجة . بيد أن الأسباب قد تتعدد في كثير من الأحيان ويساهم كل منها بنصيب في حدوث النتيجة .
من ذلك أن يكون المجني عليه مريضا بالسكر مثلا وتؤدي الطعنة التي وجهها إليه المتهم إلى نزيف الدم المتواصل الذي جعل السيطرة عليه أمرا صعبا بسبب هذا النوع من المرض . كما أن المجني عليه قد يهمل في علاجه فيساهم ذلك في موته أو في إصابته بعاهة مستديمة .
في هذه الحالات التي تتعدد فيها الأسباب التي تساهم في حدوث النتيجة يفثار التساؤل عن مدى مسئولية الفاعل أي عن مدى توافر أو انقطاع علاقة السببية بين النشاط والنتيجة . للوصول إلى إجابة على هذا التساؤل ظهرت نظريات لكل منها مفهومها في تحديد مدى توافر علاقة السببية على ما سيلي بيانه.
تم تحرير الموضوع بواسطة :Harrir Abdelghani
بتاريخ:23-12-2014 05:22 مساءً