شرط الميعاد في بعض الدعاوى الإدارية لقد حرص المشرع الجزائري على إضفاء شرط الميعاد في بعض الدعاوى الإدارية. والغاية من ذلك هي الرغبة في تحقيق استقرار الأوضاع الإدارية ، و عدم بقاء أعمال الإدارة أمدا طويلا معرضة للطعن، و الرغبة في تحقيق الاستقرار للمراكز القانونية للأفراد المستفيدين من قرارات إن كنا بصدد دعاوى إلغاء على سبيل المثال .
نتطرق في هذا الموضوع لتحديد شرط الميعاد و بدئ سريانه ، ولانقطاع وانتهاء الميعاد .
أ- تحديد الميعاد و بدئ سريانه
نتطرق في هنا إلى فرعين، الأول خاص بتحديد الميعاد، و الثاني نبين فيه كيفية بدئه أي كيفية سريانه.
أولا: تحديد الميعاد
إن تحديد ميعاد ثابت للدعوى يشكل بكل تأكيد قيدا خطيرا على حرية الأفراد في مقاضاة الإدارة، غير أن هذا القيد تفرضه متطلبات المصلحة العامة
فقانون الإجراءات المدنية و الإدارية نص على ميعاد دعوى الإلغاء، و جعله ميعاد موحد سواء بالنسبة لدعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية أو أمام مجلس الدولة و هذا كقاعدة عامة لشرط الميعاد ، و نجد هناك نصوص خاصة أخرى تنص على مواعيد مختلفة عن الميعاد المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
1: القاعدة العامة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
حرص المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الأخير،على توحيد مواعيد الطعون سواء أمام المحاكم الإدارية ( المادة 829 ) أو أمام مجلس الدولة (المادة 907 ) ، و المقصود بالطعون في هذا الصدد هو دعوى الإلغاء – وحدد المواعيد ب 04 أشهر من تاريخ تبليغ صاحب الشأن بالقرار الفردي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي ، و بمفهوم المخالفة نفهم أن دعوى التعويض لا ترتبط بآجال و مواعيد .
هذا بعدما كان هناك اختلاف بين ميعاد رفع الدعوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة و ميعاد الدعوى العائدة لاختصاص الغرفة الإدارية سواء كانت محلية أو جهوية.
فميعاد النوع الأول كان يقدر بشهرين من تاريخ تبليغ القرار الصريح برفض التظلم أو من تاريخ حصول القرار الضمني برفع التظلم .
أما ميعاد النوع الثاني فكان يقدر بــ 04 أشهر من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه أو نشره .
و بهذا التعديل الأخير يكون المشرع الجزائري قد ساهم في تبسيط الإجراءات للمتقاضين . كما أنه عندما جعل ميعاد رفع الدعوى أمام مجلس الدولة 04 أشهر فانه يكون قد منح للمتقاضي متسعا من الوقت لجمع أدلته و اختيار محام معتمد لدى مجلس الدولة طبقا لنص المادة 905 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
غير أن توحيد الميعاد العام لا ينفي وجود مواعيد خاصة منصوص عليها في العديد من القوانين خاصة.
2: الاستثناءات المنصوص عليها في القوانين الخاصة
هناك نصوص خاصة تنص على آجال معينة لرفع دعاوى معينة أمام القضاء الإداري كاستثناء على القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 829 من ق/إ/م/إ ، كما هو الحال مثلا بخصوص الطعن في قرارات المجلس الوطني لأخلاقيات الطب فهذه القرارات تكون قابلة للطعن بالإلغاء في أجل سنة واحدة أمام مجلس الدولة .
كذلك إمكانية الطعن الممنوحة لوزير المالية في النظام الذي يصدره مجلس النقد والقرض أمام مجلس الدولة خلال أجل 60 يوما من تاريخ نشره .
أيضا قانون نزع الملكية الذي يحدد ميعاد الدعوى في مجال الطعن في قرارات التصريح بالمنفعة العمومية بشهر واحد من تاريخ التبليغ أو نشر القرار .
هذه الأمثلة جاءت على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر لتعدد الاستثناءات المنصوص عليها في قوانين متفرقة.
ثانيا : بدء سريان الميعاد
- يبدأ حساب الميعاد في الدعاوى العائدة لاختصاص المحاكم الإدارية و مجلس الدولة من تاريخ التبليغ الشخصي بصفة القرار الإداري إن كان فرديا ، أو من تاريخ نشر القرار الإداري إذا كان جماعيا أو تنظيميا5.
و ليس قرار رفض التظلم لأن التظلم ليس شرطا في هذه الدعاوى إلا إذا تعلق الأمر بالمنازعات الخاصة، إذ يبدأ سريانه في هذه الحالة من تاريخ تبليغ القرار الصريح برفض التظلم أو من تاريخ القرار الضمني بالرفض.
إن قاعدة حساب الميعاد من تاريخ النشر أو التبليغ، تعرف استثناءا هاما يعرف باسم نظرية العلم اليقين " la théorie de la connaissance acquis " و هي نظرية من ابتكار القضاء الإداري الفرنسي و مفادها هو أنه إذا علم صاحب المصلحة بمضمون القرار و مشتملاته علما يقينا نافيا للجهالة، قام ذلك مقام النشر أو الإعلان، و يبدأ سريان الميعاد في حقه من تاريخ هذا العلم اليقيني .
و يمكن تطبيق هذه النظرية عندما يثبت من ملف الدعوى، أو من أية أوراق أخرى أو من حضور الشخص و دفاعه أنه أخذ علما مؤكدا و كافيا بالقرار محل الطعن
و يلاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي الذي يعد مبتكر هذه النظرية كما سبق و أن ذكرنا يطبقها حاليا بشكل ضيق .
أما في الجزائر، فقد تم تكريس هذه النظرية تكريسا واسعا حيث قضت المحكمة العليا الغرفة الإدارية في قرار صدر في 11/ديسمبر/1982بمايلي :" أن الطاعن أخذ علما يقينا بالقرار محل الطعن من خلال الدعوى الإستعجالية التي رفعها ."
إن نظرية العلم اليقين، و رغم مالها من أهمية عملية تتمثل على وجه الخصوص في مساهمة القاضي الإداري في المحافظة على استقرار الأوضاع القانونية بما يسهل عمل الإدارة باعتبارها سلطة تعمل للصالح العام، إلا إنها تحمل في متنها من الخطورة و التناقضات ما دفع بالقضاء الإداري المقارن، إلى مراجعة عميقة
و جدية لمجال الأخذ بها وصلت إلى حد إنكارها كما هو الحال بالنسبة لموقف مجلس الدولة الفرنسي.
و تتمثل هذه الخطورة، في الخروج الصارخ عن ترتيبات النص القانوني بما تحمله في طياتها من مساسا بدولة القانون، و إهدارا لحقوق الأفراد في مخاصمة قرارات الإدارة أمام القضاء الإداري.
ب - انقطاع الميعاد و انتهائه
نتطرق هنا لانقطاع الميعاد، و لانتهائه.
أولا : انقطاع الميعاد
المقصود بانقطاع الميعاد هو تمديده و ذلك إذا ما طرأت حالات معينة، إن مصدر هذه الحالات هو الاجتهاد القضائي الذي ما لبثت التشريعات الداخلية و إن تبنتها.
لقد نص القانون الجزائري على هذه الحالات في ما يلي:
" تنقطع آجال الطعن (الميعاد) في الحالات الآتية:
01- الطعن أمام جهة قضائية إدارية غير مختصة.
02- طلب المساعدة القضائية .
03- وفاة المدعي أو تغير أهليته.
04- القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ. "
نتطرق لكل حالة من الحالات السابقة على النحو التالي:
1: الطعن أمام جهة إدارية غير مختصة :
عندما يرفع المدعي دعواه خطأ إلى جهة قضائية إدارية غير مختصة، فإنه إلى أن يعيد المدعي نشر دعواه أمام الجهة الإدارية المختصة قد يكون ميعاد الدعوى قد انتهى، و عليه و في هذه الحالة يمدد الميعاد عندما يصدر حكما بعدم الاختصاص، بحيث يوقف سريان الميعاد في مواجهة المدعي اعتبارا من تاريخ نشر الدعوى التي توجت بعدم الاختصاص.
و لا يبدأ الميعاد في السريان من جديد للمدة الباقية، إلا من تاريخ تبليغ الحكم بعدم الاختصاص ، و لو كان هذا التبليغ إلى محامي المدعي و ليس له شخصيا .
2 : طلب المساعدة القضائية:
في هذه الحالة لا يبدأ الميعاد في السريان للمدة الباقية، إلا من تاريخ تبليغ قرار قبول أو رفض الطلب من مكتب المساعدة القضائية .
3 : وفاة المدعي أو تغير أهليته:
و في هذه الحالة لا يبدأ الميعاد في السريان للمدة المتبقية، إلا من تاريخ تولي ورثة المدعي المتوفى للدعوى و مباشرتهم لإجراءات التقاضي، بدلا عن مورثهم أو من تاريخ رجوع أهلية المدعي إلى سابق عهدها .
4 : القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ:
يتقطع الميعاد بمجرد حدوث القوة القاهرة و لا يعود في السريان للمدة الباقية إلا بانتهاء حالة القوة القاهرة كما هي معرفة في القانون المدني أي الحادث المفاجئ الخارج عن إرادة الطاعن و الذي لا يمكن توقعه و لا درؤه عند الحادث .
بالإضافة إلى هذه الحالات السابقات، نصت المادة 405 من ق/إ/م/إ على تمديد الأجل إلى أول يوم عمل موالي إذا كان اليوم الأخير من الأجل ليس يوم عمل كليا أو جزئيا.
ثانيا : انتهاء الميعاد
يترتب على انتهاء ميعاد الدعوى الإدارية، عدم قبول الدعوى أمام القضاء الإداري . و الدفع بعدم القبول في هذا الصدد متعلق بالنظام العام، يثيره القاضي تلقائيا و في أي مرحلة كانت عليه الدعوى، و هذا ما أكدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في عدة مرات .
كما ينتج عن انتهاء و انقضاء الميعاد، تحصن القرارات الإدارية المشوبة بعيب أو أكثر من عيوب المشروعية ضد السحب أو الإلغاء كقاعدة عامة .
غير أنه، و في إطار دعوى الإلغاء إذا ما فات و انتهى الميعاد اللجوء إلى طرق أخرى و هي:
أولا :
الدفع عن طريق الاستثناء بعدم مشروعية القرار التنظيمي غير المشروع بمناسبة الدعوى الأصلية المتعلقة بالطعن بالإلغاء في القرارات التنظيمية للقرار التنظيمي المتحصن.
ثانيا :
دائما في إطار القرارات التنظيمية المتحصنة و التي فات ميعاد دعوى الإلغاء بشأنها و ذلك عندما تتغير الظروف الواقعية أو القانونية التي كانت تبرر وجود القرار التنظيمي و يتم ذلك بعد التظلم و طلب تعديل الإدارة القرار أو سحبه ، و في حالة ما إذا كان القانون هو الذي عدل الظروف فان الطعن يكون مقبولا مباشرة خلال شهرين من تاريخ إصدار القانون ، و هذا ما أقره الاجتهاد القضائي الإداري الفرنسي.
ثالثا :
يجوز للأشخاص الذين تضرروا من القرار الغير المشروع الذي تحصن، أن يلجئوا إلى دعوى المسؤولية المؤسسة على الخطأ .
غير أنه و بخصوص هذا الاستثناء الثالث فان القضاء الإداري الجزائري يذهب عكس ذلك تماما إذ قضت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بتاريخ 09/مارس/ 1985 : "متى كانت دعوى الطعن بالبطلان في قرار إداري من اجل تجاوز السلطة مرفوعة خارج الآجال و انتهى مصيرها بعدم القبول، فان قرار ( المحكمة العليا) يرتب آثارا من شأنها إثبات صحة القرار الإداري و صيرورته نهائيا بما لا يحق التمسك بعدم شرعيته تدعيما للمطالبة بالتعويض ، و من ثمة كان الطلب المبني في هذه الحالة على عدم الشرعية كأساس للتعويض طلبا غير مقبول عكس ما ذهب إليه خطأ قاضي الدرجة الأولى. "
بتوفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيق
تم تحرير الموضوع بواسطة :درع العدل الجزائري
بتاريخ:30-09-2015 10:41 صباحاً