المسؤولية الإدارية لمصالح الشرطة
مذكرة تخرج خطة
الـــفــصل اﻷول :المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة على أساس الخطأ
المـبــحث اﻷول : الخطأ الشخصي كأساس للمسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة
المـطـلــب اﻷول: مفهوم الخطأ الشخصي للشرطي
المـطـلــب الـثـــاني : تحديد الخطأ الشخصي في الفعل الضار للشرطي
المـبـــحــث الثاني : المسؤولية اﻹدارية على أساس الخطأ المرفقي للشرطة
الـمـــطـلــب اﻷول: الخطأ الجسيم آشرط لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة
الـمــطـلــب الـثــاني : الخطأ البسيط آاستثناء لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة
الــفــصـــــل الــــثـانـي : المسؤولية اﻹدارية غير الخطئية عن أعمال الشرطة
المـبــحـــث اﻷول : المسؤولية الدولة عن مخاطر استعمال مصالح الشرطة للأسلحة النارية و اﻵﻻت الخطيرة
المـطـلــب اﻷول : شروط قيام المسؤولية اﻹدارية على أساس المخاطر
المـطـلــب الـثـاني : تطبيقات القضاء الجزائري للمسؤولية أﻹدارية على أساس المخاطر
المـبـــحــث الثاني : المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة على أساس الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
الـمـــطـلــب اﻷول : حاﻻت الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
الـمــطـلــب الـثــاني : موقف التشريع و القضاء الجزائري من مبدأ الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
خـاتــــمــة
مقدمة
ﻻ شك أن حقوق اﻹنسان و ما ينبثق عنها من حقوق و حريات تمثل جوهر دولة القانون ذلك أن نظامها الدستوري و القانوني يقوم على حماية تلك الحقوق و الحريات، و لذلك تغدو الموازنة بين حماية الحريات و الحقوق من جهة و حراسة النظام العام من جهة أخرى إحدى أهم غايات القانون في الدولة و ﻷجل حفظ النظام العام تعتمد السلطات العامة عدة وسائل و أدوات منها أجهزة الشرطة التي تتولى القيام بنشاطات تنظيمية و أخرى مادية من اجل حفظ النظام العام في إطار ما يسمى بالضبط اﻹداري. آما تتولى القيام بأعمال أخرى تندرج في إطار الضبط القضائي. و في الجزائر، أنشئت هيئة وطنية للأمن الوطني سنة 3691 بموجب المرسوم 36/563 بتاريخ 61/90/3691 آإحدى الهيئات التابعة لوزير الداخلية، إﻻ أنه سنة 5691 أنشأت مديرية عامة للهيئة الوطنية لﻸمن لدى رئاسة الجمهورية بموجب المرسوم رقم 56/27 بتاريخ 11/30/5691 حيث ألحقت الهيئة الوطنية لﻸمن برئاسة الجمهورية، إذ تم وضعها تحت سلطة المديرية العامة للهيئة الوطنية للأمن برئاسة الجمهورية، غير أنه في شهر جويلية 5691 أعيدت هذه الهيئة الوطنية للأمن في شكل مديرية إلى وزارة الداخلية بموجب المرسوم رقم 56/581 في 21 جويلية 5691 المتعلقة بالهيئة الوطنية للأمن. و بموجب المرسوم 17/051 المؤرخ 30 يونيو 1791 أنشئت مجموعات متنقلة لشرطة الحدود و السير التابعة لمصالح أمن الوﻻيات و أمن الدوائر التي ترأس من قبل موظف اﻷمن الوطني معين من قبل وزير الداخلية، و يمارس صلاحياته تحت سلطته. و هناك مصلحة أمن الوﻻية التي تسهر على تسيير و تنسيق نشاطات أمن الدوائر التابعة لها و التي توضع تحت سلطة موظف يعينه وزير الداخلية طبقا للمرسوم السالف الذآر، آما يعتبر رئيس مصلحة امن الوﻻية تحت سلطة الوالي الوظيفية. أما مصلحة أمن الدائرة فتضم محافظات اﻷمن العمومي و الفرق المتنقلة للشرطة القضائية و فرق الإستعلامات العامة، و يكون مقرها في مرآز الدائرة، و تعمل تحت سلطة
موظف يعينه وزير الداخلية، و يعمل هذا الموظف رئيس مصلحة أمن الدائرة( تحت السلطة الوظيفية لرئيس الدائرة ) في مسائل اﻷمن و حفظ النظام العام. و تتكون شرطة اﻷمن الوطني من أعوان يعينون لشغل منصب دائم بالمصالح المرآزية أو المصالح الخارجية للأمن الوطني، و آذا في المؤسسات العمومية ذات الطابع اﻹداري التابعة للأمن. و ينقسمون حسب المادة 40 من المرسوم التنفيذي 19/425 الصادر بتاريخ 52 ديسمبر 1991 المتضمن القانون الخاص بموظفي اﻷمن الوطني إلى: القسم اﻷول: الموظفين بالزي المدني القسم الثاني: موظفي الهيئة المشترآة. و هناك جهاز الشرطة البلدية الذي أنشئ بموجب المرسوم التنفيذي 39/702 في 22/90/3991 المتضمن إنشاء سلك شرطة البلدية و المحدد لمهامه و آيفيات عمله، إذ يتولون المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة و يتكون هذا السلك من: سلك مراقبي الشرطة البلدية سلك محافظة الشرطة البلدية سلك أعوان الشرطة البلدية.و يضاف إلى ذلك المادة 41 من المرسوم التنفيذي 79/40 المؤرخ 40/10/7991 المتضمن شروط ممارسة عمل الدفاع الذاتي التي اعتبرت مجموعات الدفاع الذاتي تنشأ و تحل بناءا على قرار من الوالي. و يندرج أيضا ضمن مفهوم الشرطة الدرك الوطني الذي يمارس مهام الشرطة اﻹدارية و الشرطة القضائية المدنية إضافة إلى مهامه العسكرية اﻷخرى. و تتولى الشرطة مهام الضبط اﻹداري، بمعنى المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، إضافة إلى الضبط القضائي طبقا للمادة 21 ق إ ج ، و يندرج فيها البحث و التحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع اﻷدلة عنها و البحث عن مرتكبيها ما لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي. فالضبط الذي تمارسه أجهزة الشرطة ينقسم إلى نوعين: إداري و قضائي،
فالضبط اﻹداري، وقائي مانع يهدف إلى المحافظة على اﻷمن العام، الصحة العامة و السكنية العامة. أما الضبط القضائي، فهو قامع يهدف إلى إكتتشاف الجرائم بعد وقوعها و جمع اﻷدلة المثبتة لها. أو القضائية، تكتسي صعوبات ناجمة عن وآﻼ من أعمال الشرطة اﻹدارية خصوصية الجهاز في حد ذاته و نشاطه المتميز، الذي يفرض على موظفيه التدخل السريع و الفعال، و هو ما يعرض الشرطي ﻹرتكاب أخطاء وهو بصدد تأدية وظيفته، أو حتى خارجها اﻷمر الذي يرتب مسؤوليته الجزائية أو التأديبية. و من أجل حماية الحريات و الحقوق من جهة، و حماية أعضاء الشرطة نظرا لما ينطوي عليه نشاطهم من مخاطر من جهة أخرى، إبتكر القضاء اﻹداري فكرة (مسؤولية الدولة على أعمال الشرطة) بما يمنح حماية اآبر للضحية، إذ تصور الفقه و القضاء فكرة الشخص المعنوي الذي ينوب عن الموظف في دفع التعويضات. ففي مرحلة أولى استند القاضي اﻹداري إلى قواعد القانون العام في تقرير مسؤولية الدولة، ثم وسع من نطاق رقابته لتشمل النشاطات الخطيرة التي فرضها تطور المجتمع و ذلك بالنظر للوسائل المستعملة للحفاظ على النظام العام معتمدا المسؤولية على أساس المخاطر. ثم و تحقيقا لحماية أآبر للضحية، فقد وسع القضاء اﻹداري من مجال المسؤولية بغية تحميل الدولة التعويض على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة. و معنى ذلك أن القضاء اﻹداري الفرنسي تبنى نظاما لمسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة، بحيث صارت نظرية متكاملة تمتاز بخصوصياتها و مميزاتها استنادا للنشاط المميز ﻷعمال الشرطة. و الحقيقة أن لفكرة المسؤولية أهمية بالغة، باعتبارها إحدى الوسائل اﻷساسية للموازنة بين ضرورة التدخل في إطار الضبط اﻹداري أو القضائي، و ضرورة ضمان الحقوق و الحريات التي قد تتعرض لﻺنتهاك، و هو ما يفرض آفالة تعويض المتضرر، الذي تضمنه نظرية مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة التي تمثل إحدى وسائل القضاء
اﻹداري لحماية اﻷشخاص و ممتلكاتهم، و هو أحد اﻷوجه التي تكشف عن أهمية هذا الموضوع. أما عن الوجه اﻵخر، فإن هذه النظرية لم تلق العناية الكافية سواء من حيث المعالجة التشريعية، أو من جانب العمل القضائي في الجزائر، و هو ما أفقدها الوضوح الﻼزم لكفالة اﻷهداف المرجوة منها. و هكذا يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة، و خصوصا في ظل المسعى الحالي للسلطات العامة في الدولة، الذي يهدف لبناء الحكم الراشد و تكريس دولة القانون و هو ما يفرض توحيد الجهود لبناء نظرية واضحة و متكاملة تحمي الحقوق و الحريات. و على ذلك، فهذا الموضوع يثير إشكالية أساسية تتعلق بالنظام القانوني لمسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة؟ أي آيفية المعالجة التشريعية و القضائية لهذه المسؤولية؟ بمعنى هل أن هذه المسؤولية تبنى على أساس قواعد القانون المدني؟ أم هي مسؤولية تفرض خصوصياتها المختلفة إعتماد أسس أخرى ﻻ يعرفها القانون المدني؟ هذه اﻹشكالية تفرض علينا معالجتها بإعتماد منهجية مزدوجة تقوم على التحليل للقواعد القانونية رغم قلتها بغية إبراز موقف المشرع الجزائري من هذه المسؤولية و ذلك مع مقارنتها بالتطبيق القضائي للكشف عن الدور الخﻼق للقاضي اﻹداري الجزائري بما يكمل النقص التشريعي في هذا المجال و ذلك باﻹعتماد على القضاء المقارن و خصوصا الفرنسي لريادته في هذا المجال.
ذالك ما سنحاول اﻹجابة عليه من خلال الخطة التالية :
الفصل اﻷول : المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة على أساس الخطأ
لقد استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على قاعدة مسؤولية اﻹدارة عن أعمالها الضارة و غير المشروعة منذ قضية BLANCO الشهيرة1 حيث رأى مجلس الدولة:"...أن مسؤولية اﻹدارة على اﻷضرار التي تلحق اﻷفراد بسبب تصرفات اﻷشخاص الذين تستخدمهم في الموفق العام، ﻻ يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها القانون المدني للعﻼقات فيما بين اﻷفراد. و هذه المسؤولية ليست بالعامة و ﻻ بالمطلقة، بل لها قواعدها الخاصة التي تتنوع وفقا لحاجات المرفق و ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة و الحقوق الخاصة"
و على إثر هذا الحكم اﻷساسي استقر الوضع القانوني في هذا الصدد، بحيث أصبحت المسؤولية اﻹدارية الخطئية تقوم على ثلاثة أركان و هي: ركن الخطأ، ركن الضرر، و ركن العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر المترتب، و يقوم الخطأ فيها آأساس قانوني يبررها و يفسر تحميل المسؤول عبء نتائجها و بالتالي وجب علينا التمييز بين الخطأ المرفقي الذي ينسب فيه اﻹهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته، و بين الحطأ الشخصي الذي ينسب إلى الموظف )العون( ذلك أنه في الحالة اﻷولى تقع المسؤولية على عاتق اﻹدارة )المجموعة العمومية( وحدها وتكون بالتالي ملزمة بأداء التعويض، و ينعقد اﻹختصاص فيها للقضاء اﻹداري. أما في الحالة الثانية فتكون المسؤولية على عاتق الموظف العون شخصيا ويقع التنفيذ على أمواله الخاصة و ينعقد اﻹختصاص للقضاء اﻹداري غير أنه من الضروري
----------------------------
1-انظر الدكتور سليمان الطماوي –القضاء اﻹداري-الكتاب الثاني قضاء التعويض و طرق الطعن في اﻷحكام دار الفكر العربي ص 811-911.
2 - Les grands arrêts de la jurisprudence administrative F 12éme édition responsabilité 8 février 7-1 1873 Blanco page
معرفة متى يكون الخطأ مصلحيا، فتسأل عنه اﻹدارة ؟ و متى يكون شخصيا فيسأل عنه الموظف (العون) و ما أثر الجميع بين الخطأين؟ هذا ما سوف نتناوله من خلال تحديد آل من الخطأ الشخصي و المرفقي آأساس لقيام مسؤولية اﻹدارة.
المبحث اﻷول: الخطأ الشخصي كأساس للمسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة
من المسلم به أن إقرار المسؤولية الشخصية للموظف (العون) تتطلب ثبوت ارتكابه لخطأ شخصي رتب ضررا بالغير اﻷمر الذي يستدعي تمييز الخطأ الشخصي للموظف (العون)، و آذا معرفة النتائج القانونية المترتبة على إقرار الخطأ الشخصي له.
المطلب اﻷول: مفهوم الخطأ الشخصي للشرطي
سوف نتطرق من خلال هذا المطلب إلى تعريف الخطأ الشخصي للشرطي بصفة عامة، و آذا إلى أنواع اﻷخطاء الشخصية، المرتكبة من قبله.
الفرع اﻷول: تعريف الخطأ الشخصي للشرطي
لقد اختلفت التعريفات الفقهية و القضائية للخطأ في المسؤولية بصفة عامة في غياب تعريف التشريع له. فنجد الفقيه الفرنسي مازو يعرفه:"بأنه عيب يشوب مسلك اﻹنسان ﻻ يأتيه رجل عاقل متبصر أحاطته ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت المسؤول" أما تعريف الفقيه بﻼنيول الذي أخذ به آل من المشرعان التونسي و المغربي فهو يرى:"أن الخطأ هو الإخلال باﻹلتزام سابق مع توافر التمييز و اﻹدراك لدى المخل بهذا اﻹلتزام"
لكن التعريف الغالب و الشائع للخطأ المستوجب للمسؤولية هو أنه "فعل ضار غير مشروع" و يتبين من التعريفات السابقة أن للخطأ رآنين: أولهما مادي و موضوعي و يعني به اﻹخﻼل بالتزام قانوني سابق ينطوي على عنصر التعدي أو الإخلال باﻻلتزامات و الواجبات القانونية سواء آانت هذه اﻷخيرة محددة أو مقابلة لحقوق الغير. و ثانيهما معنوي نفسي ينطوي على عنصر اﻹدراك و التمييز لكن إذا ما أردنا تحديد الخطأ الشخصي للموظف (العون) فإننا نجد القضاء قد أخذ بمعايير لتحديده3 و هو ما سوف نتطرق إليه في المطلب الثاني. لكن يمكننا على ضوء ذلك تعريف الخطأ الشخصي لعون القوة العمومية باعتباره ذلك الخطأ المترآب من قبل عون القوة العمومية بحيث ﻻ تكون له عﻼقة بوظيفته مما يؤدي لقيام المسؤولية المدنية ضده منفردا و بالتالي فإنه يتحمل التعويض في ذمته المالية، ذلك أن عون القوة العمومية هو قبل كل شيء موظف عام و بالتالي فإن آل خطأ يرتكبه يتمثل في الإخلال باﻻلتزامات و الوجبات القانونية الوظيفية المقررة و المنظمة بواسطة قواعد القانون اﻹداري، فيكون الخطأ الشخصي له هنا خطأ تأديبيا يقيم و يعقد مسؤوليته التأديبية ذلك أنه: " آل تقصير في الواجبات المهنية و آل مساس بالطاعة عن قصد و آل خطا يرتكبه موظف في ممارسة مهامه أو أثناءها يعرضه إلى عقوبة تأديبية دون الإخلال عند اللزوم بتطبيق
قانون العقوبات..."
--------------------------
3-لقد اختلف الفقهاء في المعايير التي استمدوها من قضاء مجلس الدولة و منهم ﻻ فيريير هوريو دوجي و جييز. 4- انظر "اﻷستاذ عوابدي عمار"-نظرية المسؤولية اﻹدارية –نظرية تأصيلية تجليلية و مقارنة ديوان المطبوعات الجامعية ص911-021.
الفرع الثاني: أنواع اﻷخطاء الشخصية للشرطي
تتعدد اﻷخطاء الشخصية لعون القوة العمومية من عدة جوانب، فقد يكون الخطأ الشخصي للشرطي مثﻼ:خطأ تأديبيا، جزائيا، مدنيا أو إداريا كما قد يكون الخطأ في حد ذاته عمديا أو باﻹهمال كما يمكن أن يكون خطأ جسيما أو يسيرا، و هو ما سوف نتطرق إليه فيما يلي: فيقوم الخطأ التأديبي: و بالتبعية تقوم المؤسسة عنه بمجرد وقوع خطأ وظيفي من العامل، فالخطأ التأديبي يعني به: "اﻻنحراف في السلوك الوظيفي للعامل مع إدراكه لهذا اﻻنحراف" و عليه نستنتج أن فكرة الخطأ التأديبي تقوم على ركنين" أحدهما مادي: و يقصد منه كل انحراف في السلوك يصدر عن الموظف ويكون موضوعا للمسائلة التأديبية، و يتمثل في قيام العامل بعمل محظور عليه أو امتناعه عن عمل مفروض عليه، و يستوي أن يكون الفعل الخاطئ إيجابيا أو سلبيا.
كما يحدد معيار السلوك المنحرف بمعيار شخصي يتمثل أساسا في السلوك المألوف الموظف ذاته إذا وجد في نفس الظروف، و كذا بمعيار موضوعي فيقاس سلوك الموظف بسلوك الموظف متوسط الكفاية من ذات فئته أو طائفته أو تخصصه بحيث يعتبر مخطئا إذا خرج على هذا المألوف، على أن يؤخذ في كل ذلك بكافة الظروف و المﻼبسات المحيطة بمرتكب الفعل. أما بالنسبة للركن الثاني و هو الركن المعنوي الخطأ، و يتمثل في اﻹدراك و هو ما يعبر عنه بضرورة توافر التمييز في الموظف.
----------------------
5-انظر كتاب اﻷستاذ العميد "محمد ماجد ياقاوت"-اﻹجراءات و الضمانات في تأديب ضابط الشرطة منشأة المعارف باﻹسكندرية ص من 05 إلى 45.
الخطأ المدني :
فهو ذلك الخطأ الذي يعقد المسؤولية المدنية، و نعني به كل إخﻼل بأي التزام قانوني و لو لم يكن مما تكلفه قوانين العقوبات، ذلك أن الخطأ المدني أعم في محتواه من الخطأ الجنائي الذي يكون ركن من أركان المسؤولية الجنائية. أما الخطأ الجنائي: بنص خاص. أما إذا جئنا لتعريف الخطأ الشخصي لعون القوة العمومية، فنجده ذلك الخطأ المرتكب خارج الوظيفة أو الذي ليست له عﻼقة بالوظيفة باعتباره يعبر عن تصرف فردي ﻻ يعط الوجه الﻼئق أو المنتظر من العون العمومي و يصيب الغير بأضرار و لذا فإنه يتحمل المرتكب وحده مسؤولية فعله، ذلك أن الجريمة الجنائية قد ﻻ تعتبر باستمرار و كقاعدة مطلقة خطأ شخصيا يستوجب مسؤولية الموظف الشخصية إذ يجب لكي يسأل الموظف أن تكون الجريمة عمدية6. و تجدر اﻹشارة أنه يمكن أن يكون هذا الخطأ عمديا أو باﻹهمال، كما قد يكون جسيما أو يسيرا و هو ما سوف نتطرق إليه بشيء من التفصيل في المطلب الموالي.
المطلب الثاني : تحديد الخطأ الشخصي في الفعل الضار للشرطي
قد يكون مصدر الضرر الخطأ الشخصي بعون القوة العمومية، و عليه نجد القضاء قد أخذ بمعايير في تحديده و ذلك لصعوبة عمل الشرطي في حد ذاته.
و هو ما سوف نتناوله من خلال تطرقنا إلى المعايير المعتمدة من قيل القضاء في تحديد الشخصي للشرطي، و آذا إلى صعوبات التكييف المتعلقة بعمله. فيعني به كل إخلال بواجب أو التزام قانوني تفرضه أو تقرره قواعد قانون العقوبات
--------------------
6- انظراﻷستاذ "عمار عوابدي" المرجع السابق ص
الفرع اﻷول: المعايير القضائية في تحديد الخطأ الشخصي للشرطي
لقد أخذ القضاء اﻹداري بمعايير لتحديد الخطأ الشخصي للشرطي، و تتمثل هذه اﻷخيرة في اعتباره ذلك الخطأ المرتكب خارج الوظيفة، و هو الخطأ العمدي و الخطأ الجسيم. و نشير أن إثبات هذا النوع من الخطأ بأبعاده الثﻼثة ضد موظف اﻷمن يؤدي إلى قيام مسؤوليته المالية الخاصة. معيار الخطأ المرتكب خارج الوظيفة: يجد الطابع اﻻنفصالي عن الوظيفة محتواه لما يكون الخطأ مرتكب أثناء ممارسة الوظيفة أو خارجها ولذا فإننا ﻻ نجد صعوبة في تكييف الخطأ المرتكب خارج الوظيفة، ذلك أن الوظيفة ﻻ تهيمن على حياة الموظف بصفة آلية، و عليه فﻼ يمكننا مسألة الدولة عن أعمال القوة العمومية بسبب أن درآي قام بقتل غريمه أو أن شرطي قام بقتل فتاة آان قد نقلها بسيارته الشخصية و خارج ساعات العمل، و على الرغم من ذلك فإن في مجال مسؤولية مصالح القوة العمومية و نظرا للقانون الخاص بموظفي اﻷمن العمومي الذي يعتبر الشرطي في حالة خدمة حتى خارج ساعات العمل، و عله فإن الطابع اﻻنفصالي للفعل الضار عن الوظيفة يجد مشاآل في تكييفه و هذا يرجع لصعوبة تكييف الخطأ الشخصي لعون القوة العمومية المرتكب أثناء ممارسة الوظيفة
و عليه أوجد القضاء معيارين يميز من خلالهما اﻷخطاء الشخصية و هما: معيار نية العون و آذا معيار الجسامة الخاصة. معيار نية العون : تكمن النية في الرغبة في اﻹضرار بمرتفق مصلحة الشرطة و نيل مكاسب خاصة.و نظرا لعون لمعظم التصرفات التي تقوم على هاذين المعيارين بالنسبة لموظف الشرطة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، و بالتالي يسهل التفرقة بين الخطأ الشخصي
----------------------
أنظر مذكرة التخرج الطالب بلقايد علي المرجع السابق ص 40
البحث و الخطأ الموقفي، و لكن بالرغم من ذلك تبقى هناك صعوبات ﻷن اﻹكراه لما يكون نشاط الشرطة مادي و ميداني فإنه يختلف عن اتخاذ تدابير تنظيمية )خطأ بسيط(. معيار الجسامة الخاصة: و يقصد بها تلك اﻷخطاء التي تكتسي خطورة معينة تتجاوز اﻷخطاء الممكن انتظارها عن عون القوة العمومية، و لذا فيعتبر من قبيل الخطأ الشخصي استعمال العنف أثناء اﻻستنطاق ﻷنها ﻻ تمد بصلة لضرورة ممارسة الوظيفة. كما أن استعمال القوة بشكل يزيد عن اﻻستعمال الشرعي المتعلقة بممارسة الوظيفة يعتبر خطأ شخصي8. أما الخطأ العمدي :فيعني به كل إخلال بواجب أو التزام قانوني مقترن بقصد اﻹضرار بالغير، و هو بالتالي يحوي عنصرين9. اﻷول: و هو فعل أو امتناع عن فعل يعد إخﻼﻻ بالتزام أو واجب قانوني. الثاني: وهو قصد و نية اﻹضرار. و عليه يعتبر الخطأ عمديا بمجرد اتجاه اﻹرادة إلى إحداث الضرر، و لذلك يتحتم على القاضي عند تقريره اعتماد مقياسين أحدهما موضوعي مادي و اﻵخر نفسي شخصي يتﻼءمان مع طبيعة الخطأ في حد ذاته.
الفرع الثاني : صعوبات التكييف المتعلقة بعمل الشرطي.
إن طبيعة عمل الشرطة المتضمنة اﻹكراه و السرعة في التنفيذ تشكل ﻻ محالة مصدرا للوقوع في الخطأ، و لذا فإننا نجد أن معظم اﻷخطاء الوظيفية تكون أخطاء جزائية، و عليه فقد اعتمد القضاء الفرنسي فكرة )انفصال الخطأ الجزائي عن الخطأ الشخصي( و اعتبر أن جنحة الجروح الخطأ المسندة للعون ﻻ تدخل في تكوين الخطأ
----------------------------------
8-إن مسألة جسامة الخطأ هي مسألة تقديرية متروكة للقاضي،و المﻼحظ أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد نجده يتميز بحمايته للموظف، فهو ﻻ يعتبر الخطأ الجسيم شخصيا إﻻ إذا كان على درجة استثنائية من الجسامة.
9-انظر كتاب اﻷستاذ "عوابدي عمار" المرجع السابق ص 811.
المنفصل عن ممارسة الوظيفة، و عليه فقد وسع من مجال الخطأ الشخصي على أساس علاقته بالمرفق، بالتالي أعفى العون العمومي من مسؤولية التعويض و أسندها إلى المرفق. و عليه فقد رأى القضاء أن أخطاء الرعونة وحدها تشكل خطأ مرفقي و بقيت الجرائم العمدية الضارة في مجال اﻷخطاء الشخصي، و لهذا فإننا نجد أن القضاء اعتبر الشرطي الذي يقود سيارة الخدمة أثناء ممارسة وظيفة و يسير بسرعة فائقة على اليسار مسببا أضرار للغير، اعتبره ارتكب خطأ شخصي و هذا قبل أن تصبح حوادث السيارات اﻹدارية من اختصاص المحاكم العادية بحكم المادة 70 مكرر ق إ م، حيث تستثني هذه المادة من اختصاص الغرفة اﻹدارية بالمجالس القضائية المنازعات المتعلقة بكل دعوى المسؤولية للتعويض عن اﻷضرار مهما كانت طبيعتها، التي سببتها أية مركبة تكون فيها الدولة أو الوﻻية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصيغة اﻹدارية مسؤولة بدل مأمورها هذا المسبب لﻸضرار خﻼل مزاولة مهامه. كما أثيرت مسألة هامة تتعلق بمدى تُثير أمر الرئيس اﻹداري على مسؤولية أ الموظف Ordre Hiérarchiqueذلك أنها تطرح مشكل التكييف الحقيقي حول ما إذا كان الضحية يتابع العون المنفذ أو اﻵمر بالفعل، إﻻ أننا نجد قضاء مجلس الدولة الفرنسي أقر كلما كانت المخالفة جسيمة، و وجه عدم المشروعية ظاهرا، فقد أقر بمسؤولية المخالف للقانون، و من الموظف الشخصية رغم أنه تصرف بناءا على أمر الرئيس
أمثلة ذلك ما قضت به محكمة التنازع الفرنسية في قضية "الجرس" 71/11/0191 حيث قضت بالمسؤولية الشخصية لنائب المحافظ الذي قام بمصادرة جريدة لوجود قذف بها، و ذلك رغم كونه تصرف بناء على أمر الرئيس اﻹداري .
--------------------------------
01-انظر الدكتور"سليمان محمد الطماوي" المرجع السابق ص 731-831. 11-انظر اﻷستاذ"عمار عوابدي" المرجع السابق ص 941.
المبحث الثاني : المسؤولية اﻹدارية على أساس الخطأ المرفقي للشرطة
يعد الخطأ المرفقي في جوهره خطأ شخصيا للموظف العام من الناحية العضوية، و لكن نظرا ﻻتصاله بالوظيفة العامة اتصاﻻ ماديا أو معنويا أو كليهما يصبغ بصبغة الوظيفة العامة فيتحول إلى خطأ مرفقي يقيم مسؤولية المرفق، و من مقتضى ذلك أنه يجب على المضرور لكي يحصل على التعويض أن يثبت خطأ العون باعتباره ارتكب خطأ تأدية واجبات الوظيفة أو بسببها و بالتالي نكون هنا قد انتقلنا من فكرة الخطأ الشخصي للعون (الشرطي) المرتب لمسؤولية الشخصية في ذمته المالية الخاصة إلى فكرة الخطأ المرفقي الذي يعقد مسؤولية السلطة اﻹدارية (الخزينة العامة) في التـــعـويض و نذكر في هذا الصدد قضية "سماتي نبيل" ضد وزير الداخلية – قرار الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا في 52/70/6791 حيث جاء في حيثياتها القرار"...أن هناك خطأ مسند للمرفق العمومي" و لما كان الخطأ المرفقي في أساسه أصلا خطأ شخصي، لكن ليس منفصلا عن الوظيفة وبالتالي ينسب الخطأ للمرفق و ذلك لضمان تعويض الضحية من جهة و حماية رجل الشرطة من جهة أخرى و عليه يمكننا تعريف الخطأ المرفقي حسب اﻷستاذ "عوابدي عمار:" بأنه ذلك الخطأ الذي ينسب فيه اﻹهمال أو التقصير المولد للضرر إلى المرفق ذاته حتى و لو قام به ماديا أحد الموظفين، و يترتب عليه مسؤولية اﻹدارة العامة عن اﻷضرار الناجمة و تحميلها عبء التعويض و تسأل في ذلك أمام القضاء اﻹداري" كما يرى اﻷستاذ "فالين" أن الخطأ المرفقي هو ذلك الخطأ الذي ﻻ يمكن فصله عن المرفق "
و للخطأ المرفقي بهذا المعنى صورثلاثة هي : مرفق الشرطة أدى الخدمة على وجه سيء: و يدخل تحت هذه التسمية جميع اﻷعمال اﻹيجابية الصادرة عن اﻹدارة و المنطوية على خطأ و حاﻻت المسؤولية من هذا القبيل هي التي أقرها القضاء، وصورها متعددة،
--------------------------------
21-انظر اﻷستاذ"عوابدي عمار" المرجع السابق ص 221.
1- كأن يكون الخطأ راجع لعمل مادي صادر عن أحد اﻷعوان و هو يؤدي واجبه على وجه سيء و مثاله أن يطلق أحد اﻷعوان النار على أحد المتظاهرين في حفل رسمي فيقتله، و كان في إمكانه تجنب ذلك ) قضية DAME GUIRARDالحكم الصادر 81 ماي 2391(31. كما قد يكون مرجع الضرر راجع إلى سوء تنظيم المرفق العام أو يكون مرجع الخطأ إلى تصرف قانوني معيب كما لو تعجلت اﻹدارة في تنفيذ حكم قضائي قبل أن يصير قابلا للنفاذ.
مرفق الشرطة لم يؤد الخدمة :
2- و ينطوي تحت هذه الصورة امتناع اﻹدارة عن أداء واجب تكون ملزمة قانونا بأدائه إذا كان من شأن هذا اﻹمتناع أن يصيب اﻷفراد بأضرار إذ تقوم المسؤولية هنا على أساس موقف سلبي وقفته اﻹدارة بامتناعها عن إتيان تصرف معين، و عليه تطور قضاء مجلس الدولة الفرنسي في مجال المسؤولية في حالة إهمال اﻹدارة أداء واجباتها المترتبة على مرفق الشرطة و مثال ذلك أن تقوم اﻹدارة بإطﻼق صواريخ في بعض اﻷعياد دون أن تتخذ اﻹحتياطات الﻼزمة لمنع إصابة اﻷفراد بأضرار.
مرفق الشرطة تباطئ في آداء الخدمة أكثر من اللازم :
3- و هي أحدث صورة قرر فيها القضاء اﻹداري مسؤولية اﻹدارة، فاﻹدارة مثﻼ إذا ما تباطأت في تنفيذ أمر كان عليها تنفيذه فإن تباطؤها في أداء تلك الخدمة من شأنه أن يرتب ضررا لﻸفراد يقيم مسؤولياتها و بالتالي تحملت عبء التعويض. و ما تجدر اﻹشارة إليه أن القضاء وسع نظرية الخطأ المرفقي لحماية المتضرر حماية أكبر حيث اعتب الخطأ الشخصي خطأ مرفقي إذا تم أثناء ممارسة الوظيفة أو بسببها أوفي زمن يفترض أن يكون الموظف فيه قائما بنشاطه حتى إن كان في ذلك الوقت الذي ارتكب فيه الخطأ خارج العمل أو الخطأ ارتكب خارج نطاق العمل لكن بوسائل لم تكن ليتحصل عليها إﻻ بمناسبة عمله كالسﻼح مثﻼ، و باختصار فإذا توافرت
-----------------------------
31-انظرالدكتور "سليمان محمد الطماوي" المرج السابق ص 341-541.
ظروف ثلاث المكان الزمن و الوسائل -(circonstance-temporale spatial ) instrumentaleاعتبر الخطأ خطأ مرفقي حتى إذا كان مرتكبه موظف معلوم. و عليه نتساءل عن الخطأ الذي يقيم المسؤولية اﻹدارية على أساس الخطأ المرفقي للشرطة و عن كيفية تقديره؟
المطلب اﻷول: الخطأ الجسيم كشرط لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة
إذا كانت المسؤولية تقوم على أساس أركان ثﻼثة تتمثل في: الخطأ الضرر و العﻼقة السببية بين الخطأ و الضرر. و إذا كان الخطأ بصفة عامة هو أساس قيام مسؤولية مرفق الشرطة عن اﻷعمال القانونية )أو النشاط التنظيمي( و اﻷعمال المادية التي يؤديها عنه اﻷعوان في نطاق اختصاصاتهم المحددة قانونا. فإن التساؤل القائم يتعلق بطبيعة الخطأ الذي يعقد مسؤولية اﻹدارة و عن كيفية تقدير القاضي له؟ و هو ما سنتناوله من خلال المطلب التالي.
الفرع اﻷول: تحديد الخطأ الجسيم
يمكننا بداية تعريف الخطأ الجسيم41 بصفة عامة على أنه ذلك الخطأ الذي ﻻ يقع من شخص قليل الذكاء و العناية كما يراد به، ذلك الخطأ الذي ﻻ يرتكبه بحسن نية اكثر الناس غباوة، فهو ﻻ ينطوي على قصد اﻹضرار وﻻ عدم اﻹستقامة و يبقى تحديد مفهومه تحت رقابة القضاء. و لقد أقر القضاء بوجوب وجود الخطأ الجسيم في قيام المسؤولية، و هذا حتى ﻻ يصبح الشرطي مقيد في تصرفاته متحسبا لكل نزاع قضائي قد يحصل أثناء تصرفه في
----------------------------------
41-انظر اﻷستاذ "عمار عوابدي المرجع السابق ص 911.
إطار التنظيمات و ذلك بالنظر لنشاط مصالح الشرطة الذي يتميز بالصعوبة التي تحكم وحالة طبيعته، و كذا اﻷخطار المتوقعة و غير المتوقعة نتيجة التدخلات الميدانية اﻹستعجال التي تطبعها، و لذلك يجب أن يكون أساس المسؤولية اﻹدارية بفعل أعمال الشرطة في هذه الحالة هو الخطأ الجسيم الذي يخضع لتقدير القاضي طبقا لظروف الزمان و المكان و طبيعة النشاط كما سوف نتطرق إليه ﻻحقا. و عليه فإن للخطأ الجسيم بهذا المعنى صورتين: الخطأ باﻹمتناع عن التدخل الخطأ بالقيام بالتدخل
- أوﻻ الخطأ باﻹمتناع عن التدخل :
يتصور الخطأ هنا لما يقوم الشرطي بتنفيذ العمل الضروري أوفي حالة عدم وجود توقع الإخلال أو عدم توقع حدوث الإخلال.
و نجد تطبيقات القضاء حول عدم توقع الحادث كثيرة نذكر منها محاولة تفجير طائرة راكنة بالمطار، و كان القضاء قد أثبت انعدام مراقبة الشرطة على المطار بالرغم من وجود خطر على اﻷمن العمومي حسب القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي في 41 مارس 6791 في قضية شركة AIR INTER أما بالنسبة لعدم وجود الفعل، فيتمثل في غياب الفعل المادي للشرطة اتجاه إخلال حدث فعلا.
و على القاضي في هذه الحالة التحقق من وجود خطورة من اﻹمتناع عن التدخل أو ﻻ و ذلك انطﻼقا من ظروف الزمان و المكان و هذا ما رآه مجلس الدولة الفرنسي في 72 أفريل 9791 حيث رأى بأن رجال الشرطة قضية شركة LE PROFIL
51-قد ﻻ تتحقق الصعوبات الميدانية في كل الحاﻻت إﻻ أن الصعوبة تكمن في تحضير و تصور التنظيم المﻼئم كما هو الحال مثلا في تنظيم حركة المرور في شارع كثير النشاط و به مداخل لسكنات خاصة و يطرح المشكل في تحديد جهة من الطريق تكون ممنوعة الوقوف تماما أو وقوف خاص أو وقتي.
----------------------------
61-انظر مذكرة الطالب "بلقايد علي" المرجع السابق ص 90.
المختصين في حراسة اﻷموال أثناء نقلها لم يرتكبوا خطأ جسيما عندما امتنعوا عن إستعمال اﻷسلحة النارية للإعتراض على السارقين الذين يحملون أسلحة بالنظر إلى توقع الضرر المحتمل على اﻷشخاص لو استعملوا أسلحتهم ضد الفاعلين و وقع اشتباك بينهم.
ثانيا الخطأ بالقيام بالتدخل
عكس الصورة اﻷولى فقد يكون تقدير الجسامة محاط بنوع من النسبية، و لذا نجد كان القاضي يرجع في تقديره ﻷعمال الشرطة إلى معيار الظروف لمعرفة ما إذا الشرطي قد ارتكب خطأ جسيما أم ﻻ.
و مثال هذه الظروف عدم اﻹنتباه أو عدم اتخاذ اﻹحتياطات أو عدم تقدير اﻷوامر الخطيرة أو عدم حسن تقدير الظروف.
و من بين اﻷمثلة على هذا الخطأ نذكر أعمال القوة الغير ضرورية للتنفيذ قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 03 أفريل 9691 قضية وزير الداخلية REGIDOR التي تتلخص وقائعها في استعمال القوة غير المبررة من قبل حافظ اﻷمن العمومي ضد أحد اﻷشخاص أثناء ممارسة المهام و ذلك دون أن تجبره ضرورة ملحة للقيام بذلك، و عليه ٌقيمت مسؤولية الدولة.
أ و في قضية أخرى اعتبر حافظ اﻷمن قد إرتكب خطأ جسيما باستعماله لمسدسه أثناء مشاجرة استعماﻻ يفوق اللزوم بضربه بأخمسه أحد المعتدين في حين كان المسدس مزودا بالطلقات.
و ما تجدر اﻹشارة إليه أنه و في كل اﻷحوال هناك حاﻻت تمكن اﻹدارة من التخلص من المسؤولية و ذلك إذا أثبتت الخطأ في جانب الضحية أو قيام القوة القــاهرة و عليه فإذا كان نشاط الشرطة بهذه الخصوصية و إذا كان الخطأ المقيم لمسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة هو ذلك الخطأ الجسيم، فكيف يمكن للقاضي تقدير جسامة هذا الخطأ المرفقي؟
الفرع الثاني: كيفية تقدير الخطأ المرفقي للشرطة
يناط بالقاضي اﻹداري تقدير الخطأ المرفقي الذي تقوم على أساسه مسؤولية اﻹدارة من أعمال موظفيها القانونية أو ما يعرف بالنشاط التنظيمي لمرفق الشرطة و كذا فيما يخص النشاط المادي التنفيذي الذي يتمثل في تلك العمليات التي تقوم بها المصالح لتنفيذ أوامر أو نصوص قانونية للحفاظ على النظام العام، ذلك أنه أصبحت مسؤولية مصالح الشرطة تقوم على أساس الخطأ الجسيم فيما يتعلق باﻷعمال المادية.
وأما فيما يخص النشاط التنظيمي اﻹداري فيكفي الخطأ البسيط لقيام المسؤولية عليه فإن القاضي اﻹداري عند تقديره للخطأ ما إذا كان جسيما أو بسيطا ﻻ بد عليه أن يرتكز في ذلك على معايير ذاتية آخذا بعين اﻹعتبار المعطيات الخاصة بالشخص مرتكب الخطأ، و أخرى موضوعية و تتعلق بتقدير التصرف في حد ذاته81.
ففيما يخص النشاط التنظيمي فعلى القاضي تقدير مشروعية القرارات اﻹدارية ذلك ان عدم المشروعية يشكل في حد ذاته خطأ مرفقي يرتب مسؤولية اﻹدارة.
فلكي يكون القرار اﻹداري سليما منتجا ﻵثاره القانونية ﻻ بد من توافر اﻷركان التي يقوم عليها وسﻼمة كل ركن منها من العيوب.
أما فيما يخص تقدير الخطأ المرفقي في حالة اﻷعمال المادية الذي قد يأخذ عدة صور كاﻹهمال، الترك، التأخير أو عدم التبصر فهنا القاضي اﻹداري لم يتقيد بأية قاعدة مجردة، و إنما يقدر الخطأ في كل حالة على حدى آخذا بعين اﻹعتبار جسامة الخطأ و كذا إعتبارات و ظروف متعددة كمراعاة ظرفي الزمان و المكان الذي أدى فيهما المرفق
------------------------------------
71- لقد فرق القضاء اﻹداري فيما يخص النشاط المادي لمصالح الشرطة بين ما إذا كان العمل المادي ﻻ يستعمل فيها السلاح فهنا يشترط الخطأ الجسيم لقيام المسؤولية أما فيما يخص اﻷعمال المادية التنفيذية التي يستعمل فيها السﻼح فهنا وجب التفريق بين ما إذا كانت الضحية معينة بالعملية أين يشترط الخطأ الجسيم لقيام المسؤولية وبين كون الضحية غير معنية، فتقوم المسؤولية هنا بدون خطأ أصلا.
81-اﻻستاذ خلوف رشيد قانون المسؤولية اﻹدارية ديوان المطبوعات الجامعية ص52-62-82-76-86 91يعرف القرار اﻹداري على أنه: )عمل قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة إحدى السلطات اﻹدارية في الدولة و يحدث آثارا قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم.
خدمته و كذا مراعاة كل من أعباء المرفق و موارده في مواجهة التزاماته، و كذا موقف المضرور إزاءه باﻹضافة على مراعاة القاضي لطبيعة المرفق و أهميته اﻹجتماعية، ذلك ام مرفق الشرطة باعتباره يسعى إلى الحفاظ على النظام العام بأبعاده الكﻼسيكية فإنه ﻻ يسأل إﻻ عن اﻷخطاء اﻹستثنائية و المنطوية على درجة معينة من الجسامة. و عليه فمنذ أن أقر القضاء مبدأ مسؤولية اﻹدارة عن أعمال الشرطة تعددت التطبيقات في هذا المجال نذكر منها: التجاء الشرطة إلى القسوة في معاملة الجماهير Brutalité policières فهنا لم يقرر القضاء اﻹداري المسؤولية إﻻ إذا ارتكبت مصلحة الشرطة خطأ ظاهرا جسيما كأن تصل القسوة إلى المشاركة في القتل. الحجز التعسفي )(détention arbitraire رفض مصلحة الشرطة المعاونة في تنفيذ اﻷحكام و القرارات القضائية - بدون وجه حق.
المطلب الثاني: الخطأ البسيط كاستثناء لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة
قد ﻻ تكون كل أعمال الشرطة صعبة و معقدة، ذلك أن هناك أعمال و نشاطات سهلة ﻻ تنطوي على صعوبة خاصة بسبب طبيعتها، كوضع إشارات للحفر أو اتخاذ تدابير في غير حالة اﻹستعجال أو إعطاء معلومات ففي مثل هذه الحاﻻت نجد القضاء اﻹدراك الفرنسي أقام المسؤولية على أساس الخطأ البسيط و اعتبر أن تسليم محافظة الشرطة لرخصة مبهمة للخروج خارج التراب الوطني خطأ بسيطا وكذلك اﻷمر بالنسبة لتسليم معلومات إلى غير المصالح التابعة لها أو مسك فهرس الشرطة بطريقة غير صحيحة. كذلك اﻷمر بالنسبة للقضاء الجزائري، الذي ساير نظيره الفرنسي في هذا الجانب إذ اعتبر أن عدم وضع اللوائح من قبل سلطات الشرطة اﻹدارية يشكل خطأ بسيطا تقوم على أساسه المسؤولية.
كذلك الشأن بالنسبة لعدم اتخاذ التدابير الوقائية لضمان سلامة اﻷشخاص و اﻷموال التدابير، يرتب في اﻷماكن العمومية التي قد يحصل فيها أي حادث أو عدم كفاية مسؤولية البلدية و مثاله ما جاء في المادة 541 من قانون البلدية رقم 09/80 التي تنص :"على أن البلدية مسؤولة عن اﻷخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبي البلدي و المنتخبون البلديون و موظفو البلدية أثناء قيامهم بوظائفهم و بمناسبتها كما يمكن للبلدية أن ترفع دعوى ضد هؤﻻء في حالة ارتكابهم لخطأ شخصي و هذا ما تقرره المادة 811 من قانون 09/90 المؤرخ في 70/40/0991. ذلك أن المادة 96 منه تلزم رئيس البلدية في إطار صﻼحيات الشرطة اﻹدارية الموكلة له بتنفيذ القوانين والتنظيمات و اتخاذ كل اﻹجراءات الوقائية اﻷمر الذي يؤكده قرار الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا الصادر بتاريخ 60/40/3791 بشأن قضية "بن مشيش" ضد رئيس بلدية الخروب حيث جاء في إحدى حيثياته: "أن الضرر الحاصل للمستأنف يجد مصدره في خطأ رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي تغافل القانون و لم يتخذ كل اﻹحتياطات الضرورية لضمان النظام العام عبر تراب البلدية" و عليه نخلص أن الخطأ الغير موصوف فيما يتعلق باﻹجراءات الوقائية و التي ﻻ تشكل صعوبة في اتخاذها كافية ﻹقامة مسؤولية اﻹدارة سواء فيما يتعلق بالسكينة العامة أو اﻷمن العمومي أو تنظيم التسلية أو النظافة.
الفرع اﻷول: الخطأ في فحص الهوية و مراقبتها
قد يشكل عمل الشرطة المتمثلة في فحص و مراقبة هوية اﻷفراد خطأ يقيم مسؤوليتها اﻹدارية، و لهذا نجد المادة 05 من قانون العقوبات التي تنص أن فحص الهوية ﻻ يكون إﻻ إذا كان الشخص المراد التحقق من شخصيته موجودا في مكان وقوع الجريمة مما يعني أن التحقق من الهوية مرتبط بالضبطية القضائية.
لكن نظرا للوضع اﻷمني الذي مرت به البﻼد أصبح من الجائز ﻷفراد الشرطة طلب هوية أي شخص متواجد باﻷماكن العمومية كمحطات المسافرين و السكك الحديدية، و في حالة عدم حيازتهم للوثائق المطلوبة،، أمكن اقتيادهم حاﻻ إلى المركز و أخذ الوقت الكافي للكشف عن هويتهم وهذا دون أخذ صور فوتوغرافية و البصمات إﻻ في حالة عدم تمكن مصالح الشرطة من إثبات الهوية و الكشف عنها و إﻻ كنا بصدد خطأ يرتب المسؤولية. و تجدر اﻹشارة في هذا الصدد أنه احتراما للحريات الفردية قام المشرع الفرنسي في إطار تعديل قانون اﻹجراءات الجزائية بموجب قانون 01 أوت 3991 في مادته 87 بإخضاع إجراءات الشرطة بشأن فحص و مراقبة هوية اﻷفراد تخضع لمراقبة القضاء حامي الحريات و الحقوق.
الفرع الثاني : الخطأ البسيط في التحريات اﻹبتدائية للشرطة القضائية
تنص المادة 15 من ق ع على أنه يلزم ضابط الشرطة القضائية من تمكين الموقوف تحت النظر باﻹتصال بأهله فورا و أن عدم اﻹلتزام يؤدي إلى الخطأ المقيم لمسؤولية الدولة وفقا لما تنص عليه المادة 801 ق ع التي تقيم المسؤولية على أساس الخطأ البسيط و ذلك عندما يأمر الموظف بعمل تحكمي أو الماس بالحريات و الحقوق الشخصية للأفراد.
ذلك أنه يعتبر مرتكب الجنايات المنصوص عليها في المادة 701 مسؤول شخصيا مسؤولية مدنية و كذلك الدولة على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل و من أمثلة ذلك تعرض سيارة أحد اﻷشخاص إلى أضرار فادحة بعد أن استدعى إلى مركز الشرطة و عند امتثاله وجد نفسه متهما فتم حجزه مؤقتا، و بعد يوم قدم إلى النيابة التي أمرت بإيداعه، و بعد 51 يوما أطلق سراحه و عندما وجد سيارته قد أصيبت بأضرار فادحة، فقدم دعوى للقضاء اﻹداري على أساس مسؤولية الشرطة باعتبار أنه لم يتم تمكينه من اﻹتصال بأهله، و عليه فإن عدم إعطائه حق اﻹتصال بأهله من أجل استﻼم السيارة و حفظها لحسابه في أي مكان آمن هو الذي أدى ﻹتﻼفها.
نخلص في اﻷخير أن القضاء الجزائري كنظيره الفرنسي فرق بين كل من الخطأ كأخطاء تقيم المسؤولية اﻹدارية كما نجد الغرفة الشخصي و المرفقي، و اعتمدها اﻹدارية بالمحكمة العليا اعتمدت قاعدة جمع اﻷخطاء عندما يكون الضرر نتيجة خطأ شخصي و آخر مرفقي ارتكبهما موظف ما، و بالتبعية قد نكون أمام حالة جمع المسؤوليات سواء كان ذلك على أساس الخطأ الشخصي المرتكب خارج المرفق و من اﻵثار المترتبة عن قاعدة الجمع، هو منح الضحية حق اﻹختيار في رفع الدعوى ضد اﻹدارة أو ضد الموظف )العون( لكن و نظرا لمﻼءة اﻹدارة فإن الضحية تفضل دائما مخاصمة اﻹدارة.
و يقابل مبدأ جمع المسؤوليات مبدأ آخر هو عدم جمع التعويضات الذي يترتب عليه حق كل من اﻹدارة، أو الموظف )العون( في رفع دعوى الرجوع يطلب فيها استرداد المبالغ المحكوم بها عليه، و التي قد تتخذ صورتين: إما دعوى الرجوع من اﻹدارة على الموظف (العون) أو من الموظف على اﻹدارة ذلك أن اﻹدارة ﻻ تتحمل المسؤولية كاملة، إﻻ في حالة الخطأ المصلحي الثابت بصفة كلية في جانبها. و في حالة النزاع بين كل من اﻹدارة و الموظف حول تقدير نصيب كل منهما فإن جهة القضاء اﻹداري هي التي تتولى تقدير نصيب كل من الطرفين، و ذلك طبقا لدرجة جسامة الخطأ. أما في حالة تعدد المسؤولون عن الخطأ الشخصي فإنه ﻻ تضمان بينهم، فيسأل كل منهم بنسبة ما ارتكبه من خطأ، و ذلك أن القرار الصادر على اﻹدارة بدفع التعويض استنادا إلى أخطاء متعددة ﻻ يحوز حجية الشيء المقضي به في مواجهة الموظف (العون) من حيث توزيع عبء التعويض النهائي بينه و بين اﻹدارة.
و عليه فيحق للموظف عندما تتحرك عليه دعوى الرجوع أمام القضاء اﻹداري أن يثير النزاع برمته سواء فيما يتعلق بكيفية تقدير التعويض أو من حيث مبدأ المسؤولية ذاته. و بالتالي فإذا آانت المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة على أساس الخطأ هي اﻷصل، و ذلك بعد أن تدخل القضاء اﻹداري بإقراره لمسؤولية اﻹدارة في قضية بﻼنكو الشهيرة فهل اعتمد القضاء اﻹداري أساسا آخر لقيام المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة خاصة في حالة عدم توفر رآن الخطأ؟ و ما هي اﻷسس التي اعتمد عليها في قيامهما؟
الفصل الثاني : المسؤولية اﻹدارية غير الخطئية عن أعمال الشرطة
لقد كانت عدم مسؤولية الدولة عن نشاط مرفق الشرطة يشكل القاعدة العامة، و لم TOMASO-GRICOو 5091 بمناسبة قضية
تنتف مسؤولياتها الخطيئة إﻻ في الذي أقر بموجبه مجلس الدولة الفرنسي بإمكانه قيام مسؤولية الدولة عن مصالح الشرطة في حالة إثبات الخطأ، ثم تحدد هذا الخطأ في أحكام ﻻحقة بالخطأ الجسم 2 مراعاة لصعوبة عمل الشرطة. فأمام تعاظم المخاطر التي يتكبدها اﻷفراد نتيجة عمليات الشرطة من جهة، و أمام التطور المذهل الذي شهدته نظرية المخاطر من جهة أخرى، أحدث مجلس الدولة الشهيرة بتاريخ
12 جوان 1991 أين قرر مسؤولية الدولة عن استعمال الشرطة لﻸسلحة الخطرة دون اشتراط الخطأ، و كذا أقر بمسؤوليتها على أساس الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامـة، و هو ما سوف نتناوله من خلال المبحثين التاليين:
-----------------------------
Les grands arrêts de la jurisprudence administrative F 12éme édition Responsabilité de la
38-97 puissance public service de la police TOMASO GRICO 10/02/1905 page
2-ﻻ يتعلق الخطأ الجسم إﻻ باﻷعمال المادية للشرطة دون اﻷعمال القانونية التي تبقى خاضعة للقاعدة العامة.
3- تتلخص وقائع قضية le comteأنه في 01فيفري5491 حوالي العاشرة ليﻼ بينما كان أعوان اﻷمن العمومي في باريس مكلفين بإيقاف سيارة مشبوهة، و رغم استعمال إشارة التوقف ثم الصفارة إﻻ أن السيارة قامت بخرق الموقف، اﻷمر الذي أدى بأخذ رجال الشرطة إلى إطﻼق النار باتجاه أسفل السيارة، و لكن أصابت الرصاصة السيد le comteالذي كان جالسا إلى جانب السائق فأردته قتيﻼ و على إثر دعوة التعويض التي رفعها ورثته قرر مجلس الدولة المسؤولية دون اشتراط الخطأ ﻷول مرة و ذلك لوجود مخاطر إستثنائية.
المبحث اﻷول : مسؤولية الدولة عن مخاطر إستعمال مصالح الشرطة للأسلحة النارية و اﻵﻻت الخطيرة
تتنوع مجاﻻت المسؤولية عن المخاطر و تتوسع من مجال إلى آخر بما فيها تلك المتعلقة باستعمال الشرطة للأسلحة و اﻵﻻت الخطرة، و التي ظهرت بمناسبة قضية le 1949 comteأين أقر مجلس الدولة الفرنسي بمسؤولية الدولة على أساسها. و عليه فإذا كانت المسؤولية عن استعمال اﻷسلحة و اﻵﻻت الخطرة هي صورة من صور المسؤولية عن اﻷشياء الخطرة، فما هي شروطها و آذا تطبيقاتها في القضاء الجزائري؟ و هو ما سوف نتناوله من خلال تطرقنا لشروط المسؤولية من جهة، و آذا موقف القضاء الجزائري من جهة أخرى.
المطلب اﻷول : شروط قيام المسؤولية اﻹدارية على أيساس المخاطر
يمكننا إستخلاص شروط تطبيق نظرية المخاطر اﻹستثنائية في مجال استعمال الشرطة للأسلحة و اﻵﻻت الخطيرة من خلال مراجعتنا لقرار le comte و هي : الطابع الخطير للشيء المستعمل )السلاح ( الضرر غير العادي، و آذا وضعية الضحية ( و فكرة الغير).
الفرع اﻷول: فكرة اﻷشياء الخطيرة
نستخلص من خلال قرار le comte الذي يتحدث عن أسلحة و آﻻت تنطوي على مخاطر استثنائية، أن السلاح بهذا الوصف يعد من اﻷشياء الخطرة، فإذا آانت هذه الفكرة قد طرحت آشرط لقيام المسؤولية غير الخطيئة في قضاء مجلس الدولة آما في قضاء محكمة النقض02 فإن هذا الطرح لم يكن واحدا و إذا كان القضاء العادي قد تخلى
02-اعتبرت محكمة النقض كل اﻷشياء الخطرة بصفة عامة مستوجبة لقيام المسؤولية غير الخطيئة في حين كان مجلس الدولة يعمد إلى دراسة كل حالة على حدة دون أن يصل إلى تكوين مبدأ يتحكم في قراراته.
03 تحت وطئه اﻻنتقادات عن فكرة اﻷشياء الخطرة منذ 0391 مقررا و مقيما المسؤولية دون خطأ عن آل اﻷشياء الجامدة مهما آانت طبيعتها و نوعها، فإن القضاء و اﻹداري ﻻ يزال متمسكا بهذه الفكرة رغم عجزه عن وضع معيار للتمييز بين اﻷشياء الخطيرة و العادية مكتفيا بوضع قائمة لها، و التي اعتبرها عبر سنوات اجتهاده خطيرة و ما آون أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبر السﻼح إلى RABBETخاصة على السلاح يعنينا منها هو السلاح الخطير الرشاش Mitrailletteفي قضية le comteالسالف عرضها سﻼحا خطيرا، و عليه فقد ألح مفوض الحكومة السيد الرشاش Mitrailletteالجديد و على قوته و استعماله )الحرج( و قد وسع هذا الطابع الخطير ليشمل المسدسات البسيطة
pistolets et revolvers و بالتالي نخلص أن مفهوم السﻼح الخطير يقتصر في اجتهاد مجلس الدولة على الناري فقط مهما آان عاديا أو استثنائيا دون باقي اﻷسلحة مهما آانت. آما يرى اﻷستاذ "مسعود شيهوب" أن مفهوم السﻼح الخطير يتوسع ليشمل آل سﻼح يشكل خطورة على اﻷموال و اﻷشخاص. و ما تجدر اﻹشارة إليه أنه و رغم تمسك مجلس الدولة بمفهوم فكرة اﻷشياء الخطرة وفق تعريف ذاتي في غياب معياره موضوعي، فإنها ﻻقت الكثير من النقد من قبل الفقه. فيرى البعض في نقد فكرة اﻷشياء الخطرة، أن المسؤولية غير الخطيئة عن اﻷشياء الخطرة هي في حقيقة اﻷمر نوع من المسؤولية الخطئية بفعل التدخل اﻹيجابي للشيء في إحداث الضرر، و ذلك بسبب الخطورة الكامنة فيه. في حين يرى البعض اﻵخر أن فكرة اﻷشياء الخطرة ﻻ تتماشى مع أساس المسؤولية المتمثلة في الغرم بالغنم، ذلك أن حارس الشيء يتحمل المغارم )اﻷضرار( المترتبة عن استعمال هذا الشيء ﻷنه يغنم من استعماله، بغض النظر عما إذا آان شيئا خطيرا أم ﻻ.
-------------------------
12-عرف قانون العقوبات الجزائري السلاح في المادة 39/3-4.
عليه نخلص أنه و رغم جدية هذه اﻹنتقادات الموجهة إلى معيار اﻷشياء الخطرة فإن البدائل المقترحة آانت هي اﻷخرى ﻻ تخلو من النقد اﻷمر الذي يفسر ربما بقاء مجلس الدولة متمسكا بفكرته.
الفرع الثاني : الضرر غير العادي
يعرف الضرر بصفة عامة، على أنه إخلال بمصلحة المضرور سواء آانت ذات قيمة مالية أو ذات أهمية، آما قد تكون مصلحة معنوية، و عليه يكون الضرر نوعين:
الضرر المادي:
و يقصد به الإخلال بمصلحة ذات قيمة مالية باعتبار أنه يصيب المضرور في جسمه أو في ماله، و هو اﻷآثر حدوثا و بالتالي فﻼ بد من توافر شرطين هامين حتى يتحقق الضرر المادي و هما: أن يكون هناك إخلال بمصلحة مالية للحضور.
و أن يكون هذا الإخلال بالمصلحة المادية (المالية) محققا22.
أما الضرر المعنوي :
أو اﻷدبي فيقصد به كل ألم نفسي أو جسدي يحدثه عمل أو إهمال صادر من الغير في نفس شخص ما.
و يتمثل الضرر غير العادي آشرط لقيام المسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة في ذلك الضرر البليغ للضحية، بحيث يتجاوز اﻷعباء التي يمكن أن يتحملها الشخص العادي مقابل استفادته من اﻹمتيازات التي يتحصل عليها من مرفق الشرطة. و ما يجب التأآيد عليه هو أنه ﻻبد أن يصيب الضرر غير العادي32 الضحية الغير معنية بعمليات الشرطة، ذلك أن مفهوم هذا الشرط يكتنفه الغموض في غياب معيار نستطيع به التمييز بين الضرر العادي و الضرر غير العادي.
----------------------------
22- يصيب الضرر المعنوي شعور كرامة أو شرف المتضرر أو أي معنى آخر من المعاني التي يحرص و يحافظ الناس عليها.
32- يرى البعض من الفقهاء أن مفهوم الضرر غير العادي ﻻ يضيق شيئا لفكرة اﻷشياء الخطرة التي ن المفروض أنها تلغي فكرة )الضرر غير العادي( ذلك أنه عندما تتحقق المخاطر غير العادية و تحصل اﻷضرار الخطيرة فليس ذلك سوى تأكيد لفكرة أن الشيء خطير.
نخلص مما سبق أن مسؤولية الدولة تقوم دون وجود أي خطأ عندما تستعمل مصالح اﻷمن أسلحة نارية قد تشكل مخاطر بالنسبة للأشخاص و اﻷموال بحيث تتجاوز اﻷضرار المترتبة عنها الحدود العادية التي يمكن تحملها.
الفرع الثالث: وضعية الضحية كشرط لقيام المسؤولية
لقد اشترط مجلس الدولة الفرنسي في قيام مسؤولية الدولة دون خطأ على أساس مخاطر استعمال مصالح الشرطة لﻸسلحة النارية و اﻵﻻت الخطيرة أن يكون المضرور غير معني بعمليات الشرطة، أما الضحية المعنية بعمليات الشرطة تكون مجبرة على إثبات الخطأ البسيط. لكننا نجد مجلس الدولة قد وسع اجتهاده و امتدت القاعدة إلى تحميل المسؤولية على الشرطة حتى في حالة أن الشخص الذي أطلق النار باعتباره يمد يد المساعدة للشرطة سواء من تلقاء نفسه أو بصفته مسخرا من قبلها، و بالتالي نجده قد تعرض إلى اﻷضرار التي تصيب المتعاونين سواء كأن المتعاون مسخر أو تلقائي و آذلك إلى اﻷضرار الناجمة عن التجمهر.
أوﻻ: اﻷضرار التي تصيب المتعاونين
لقد سبق لنا القول أنه تقوم مسؤولية مصالح الشرطة أو الدرك نتيجة تنفيذهم لعمل مادي ضار، لكن قد تقوم مسؤولية الشرطة آذلك في حالة أن تصاب ضحية ما بأضرار من قبل الغير جراء تعاونها سواء بصفة تلقائية مع مصالح الشرطة أو باعتبارها مسخرة. المتعاون المسخر:
------------------------------
1- يمكن لمصالح الشرطة أو الدرك اﻹستعانة بشخص أو أآثر أثناء ممارسة مهامها، و بالتالي يكون لهم الحق في التعويض إذا ما أصيبوا بضرر أثناء فترة تعاونهم.
و عليه يمكن تعويض الشخص المار المسخر من قبل الشرطي أو الدرآي نتيجة الضرر الذي يصيبه أثناء قيامه بإيقاف مجرم مثﻼ، آما يمكن تعويض الطبيب المسخر من طرف الدرك باعتبار أن مجلس الدولة الفرنسي في قضية الطبيب GIRY مسؤولية اﻹدارة بالنسبة للمتعاونين الظرفين سواء آانوا تلقائيين أو مسخرين تبني على أساس المسؤولية بدون خطأ.
يقصد بالتلقائية، قيام الشخص بمساعدة القوة العمومية دون تلقيه أي أمر أو طلب من ففي حالة المتعاون التلقائي يكون المبدأ هو جبر الخطر اﻹجتماعي الذي يفرض تدخل الشخص تلقائيا من أجل تقديم المساعدة لشخص آخر في حالة خطر، و بالمقابل يكون من الواجب تعويضه في حالة إصابته بأضرار تطبيقا لمبدأ التضامن، و هو ما يفهم من خلال نص المادتين 281-154/80 من قانون العقوبات الجزائري52.
و عليه فكما تقوم مسؤولية الدولة عن العمل الضار لمصالح الشرطة، فتقوم أيضا مسؤوليتها نتيجة اﻷضرار التي تصيب اﻷشخاص المتعاونين التلقائيين مع مصالح الشرطة حتى في حالة عدم وجود الخطأ، و تكون بالتالي مطالبة بالتعويض و نشير في هذا السياق إلى أن المشرع الجزائري أقر بتعويض المسخرين عن اﻷضرار اللاحقة بهم في بعض النصوص القانونية نذكر منها:
-------------------------------
42-مذكرة تخرج للطالب بلقايد علي-المرجع السابق ص 61-71. 52-تتعلق المادتين بفرض جزاءات على كل من يمتنع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر سواء طلبت منه أو أهمل ذلك و كان بإمكانه القيام بها دون أن تشكل عليه خطورة أو على الغير.
43 المادة 02 من القانون 48/21 المعدل و المتمم بقانون 19/02 المتضمن قانون الغابات التي تنص أنه: "...تضمن الدولة جبر اﻷضرار التي تلحق باﻷشخاص المسخرين لهذا الغرض ..."
ثانيا : اﻷضرار الناجمة عن التجمهر
لم يعد مفهوم التجمهر يشكل حاليا أي عائق في إقامة المسؤولية غير الخطئية، و ذلك أن القضاء في فرنسا لم يعد يفرق بين آون مصدر الضرر جموع المتجمهرين أو قوات الشرطة. فالقاعدة العامة أن مسؤولية الشرطة عن نشاطها العام يخضع لنظام الخطأ الجسيم إﻻ في حالة استعمال السلاح الخطير حيث تقوم المسؤولية دون خطأ. أما في حالة التجمهرات فإن المسؤولية تقوم دون خطأ و بغض النظر عن نوعية السﻼح المستعمل، و ذلك أنه من الصعب على الضحية تحديد سبب الضرر و المسؤولية عنه.
و قد أشارت المادة 79 من قانون العقوبات الجزائري إلى تعريف التجمهر المسلح و التجمهر غير المسلح، و بينت كيفية تدخل القوة العمومية في الحالتين و كذا اﻷشخاص المؤهلين بإعطاء إشارات التنبيه أو التفرق و هم: الوالي رئيس البلدية و رئيس المجلس الشعبي البلدي 72.
تعتبر البلدية مسؤولية مدنيا عن الخسائر و اﻷضرار المترتبة عن الجنايات و الجنح المرتكبة بالقوة و ما تجدر اﻹشارة إليه، أن المادة 931 من قانون البلدية تنص على أنه العلنية أو بالعنف في ترابها، فتصيب اﻷشخاص و اﻷموال أو خلال التجمهرات و
--------------------------------
62-لقد فرضت المادة 48 من قانون 19/02 المعدل و المتمم لقانون 48/21 المتضمن قانون الغابات جزاءات على كل شخص رفض تقديم المساعدة في إطار التسخير. 72-يمارس صﻼحيات الضبط اﻹداري الوالي و رئيس البلدية أو أحد نوابه أو محافظ الشرطة أو أي ضابط آخر من الضبط القضائي. 82-نصت المادتين 18-38 من قانون البلدية عل حاﻻت حلول الوالي محل رئيس البلدية في اتخاذ إجراءات الحفاظ على اﻷمن و السﻼمة العامة و ذلك عندما يتهدد النظام العام في بلدتين أو أكثر متجاوزة و هنا يمارس الوالي صﻼحيات الضبط تبعا لتوجيهات وزير الداخلية مستعمﻼ في ذلك قوات اﻷمن التابعة للدولة.
التجمعات، غير أنها تعفى من المسؤولية في حالة اﻷضرار الناجمة عن الحرب أو عندما يساهم المتضررون في إحداثها.
و نخلص في اﻷخير إلى القول أن التمييز بين المعني و غير المعني بعمليات الشرطة هو طرح يؤدي إلى تعايش نظامين للمسؤولية في نفس الموضوع حسب ما ذهب إليه اﻷستاذ "مسعود شيهوب" ذلك أنه و حسب رأيه ﻻ يوجد من داع لربط وضعية الضحية بنظام المسؤولية، و بالتالي يقتصر نظام المسؤولية بدون خطأ على الغير دون المعني بعمليات الشرطة. ذلك أنه قد تكون متابعة المعني بناءا على معلومات خاطئة، مما ينجم عنه الحكم ببراءته و عليه فليس من العدل أن نطالبه بإثبات الخطأ. و بالتالي يجدر تعميم نظام المسؤولية بدون خطأ على الجميع سواءا آانوا معنيين أو ﻻ بعمليات الشرطة مع اﻹبقاء على حق الدولة في الرجوع على من ساهم بخطئه في الضرر سواء آان من أعوان اﻷمن أو من المعنيين بالعملية أو حتى من الغير. و إذا آانت مسؤولية الدولة عن مخاطر استعمال مصالح الشرطة لﻸسلحة النارية و اﻵﻻت الخطرة باعتبارها صورة من صور المسؤولية عن اﻷشياء الخطرة تقوم على الشروط الخاصة السالفة الذآر، فهل نجدلها تطبيق في القضاء الجزائري؟
المخاطر.
المطلب الثاني : تطبيقات القضاء الجزائري للمسؤولية اﻹدارية على أساس المخاطر
يتضح من الوهلة اﻷولى تطابق موقفي القضاء الجزائري و الفرنسي من خلال ما ذهبت إليه الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا بمناسبة القضايا المطروحة عليها والتي ستناول أهمها، آما أن الفرق الوحيد الموجود يمكن في تحدث الغرفة اﻹدارية )المحكمة العليا( عن المخاطر الخاصة Risque spéciale في الوقت الذي نجد فيه مجلس الدولة الفرنسي يتحدث في قضية Le comteالسالفة الذآر، عن المخاطر اﻹستثنائية Les risques exceptionnels ذلك أننا نجد مجلس الدولة اعتمد في تأسيسه لقيام المسؤولية في قضية وزارة الدفاع الوطني ضد ورثة بن عمارة لخميستي في 80/30/9991 على نظرية المخاطر آما أوجدها مجلس الدولة الفرنسي في قضية Le comte
الفرع اﻷول: اﻷخطار اﻹستثنائية كأأساس للمسؤولية اﻹدارية عن أعمال الشرطة.
لقد تبنت الغرفة اﻹدارية المسؤولية على أساس اﻷخطار اﻹستثنائية في قضية "بن حسان أحمد" ضد وزير الداخلية92 و تعود وقائع القضية إلى انفجار خزان البنزين بمحافظة الشرطة المرآزية بالجزائر العاصمة و أصيبت أسرة بن حسان أحمد بأضرار بليغة، حيث أدى اﻹنفجار إلى وفاة زوجته الحامل و ابنته صفية، و عليه جاء في حيثيات قرار الغرفة اﻹدارية:"حيث أنه آان خزان البنزين تم وضعه من قبل سوناطراك و شرآة آالطام ﻻ يعفى بأي حال من اﻷحوال السلطة العمومية من مسؤولياتها، و أن وجود هذا الخزان يشكل أخطار استثنائية على اﻷشخاص و الممتلكات و أن اﻷضرار الناتجة في هذه الحالة تتجاوز بجسامتها اﻷعباء التي يمكن تحملها من قبل اﻷفراد عادة"
الفرع الثاني : إستعمال مصالح اﻷمن أسلحة نارية تشكل مخاطر خاصة
لقد أقامت الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا المسؤولية اﻹدارية على أساس المخاطر بمناسبة قضية وزارة الداخلية ضد السيدة ل م بتاريخ 61 فيفري 6791.
و تعود وقائع القضية إلى 51 سبتمبر 0791 عندما قام رجال الشرطة بعملية إلقاء القبض على أحد المجرمين في مدينة البليدة حيث أصيب السيد ب م برصاصة ضائعة و هو واقف أمام دآانه فتوفي، فقامت أرملة المرحوم برفع دعوى تعويض بإسمها و بإسم
-----------------------------------
92-انظر كتاب "اﻷستاذ لحسن الشيخ آث ملويا" المنتقى في قضاء مجلس الدولة-الجزء اﻷول-دارهومة طبعة 2002 ص19-99. 03-"الدكتور مسعود شيهوب"-المسؤولية عن المخاطر ص 601.
أبنائها، فصرحت الغرفة اﻹدارية بالمجلس القضائي بمسؤولية الدولة على أساس الخطأ، غير أنه و لدى استئناف القرار ذهبت الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا ﻹقامة المسؤولية على أساس المخاطر بحيث جاء في إحدى حيثياته: "...حيث أنه إذا آانت مسؤولية مصالح اﻷمن ﻻ يمكن أن تقام إﻻ على أساس الخطأ الجسيم، فإن مسؤولية الدولة تقوم دون وجود أي خطأ عندما تستعمل مصالح اﻷمن أسلحة نارية قد تشكل مخاطر خاصة بالنسبة للأشخاص و اﻷموال تتجاوز اﻷضرار الناجمة عنها الحدود العادية التي يمكن تحملها"
الفرع الثالث: المسؤولية المدنية على أساس التابع و المتبوع كإستثناء لقيام مسؤولية الدولة.
لقد أخذ القضاء اﻹداري الجزائري، آاستثناء بالمسؤولية المدنية، عكس بعض القضايا التي طبق فيها قواعد القانون العام آخذا بالمسؤولية على أساس الخطأ و المخاطر، غير أنه في القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 82/20/0002 نجده أخذ بالمسؤولية المدنية على أساس التابع و المتبوع بمناسبة قضية أرملة عمور عبد اﷲ مع وزارة الداخلية و تتلخص وقائعها: أنه بتاريخ 12/20/5991 أوقفت دورية السيد عمور عبد اﷲ و اقتادته إلى مرآز الشرطة بمستغانم للتحقيق معه حول مصدر جهاز الراديو الذي ضبط بحوزته غير أنه و لدى خروجه من المرآز تعرض له الحارس )عون اﻷمن العمومي( مستعملا سلاحه الناري، و مصيبا إياه برصاصة برأسه أردته قتيلا.
فرفع ذوي الحقوق دعوى ضد عون اﻷمن من وزارة الداخلية فقضت الغرفة اﻹدارية بمجلس مستغانم برفض التعويض بسبب حفظ القضية جزائيا ضد عون اﻷمن العمومي، غير أن مجلس الدولة أقر مسؤولية وزارة الداخلية لكن على أساس المادة 631 ق م )التابع و المتبوع( و لعدم إثبات خطأ الضحية قضى بالتعويض لصالح ذوي الحقوق.
و نخلص مما سبق أن القضاء اﻹداري الجزائري عكس القضايا السابقة أخذ بالمسؤولية المدنية )التابع و المتبوع(في حين كانن بإمكانه إقامة المسؤولية على أساس المخاطر مستندا على الخطأ البسيط آون أن الضحية في قضية الحال هي معنية بعمل الشرطة. ذلك أنه و حسبما رأيناه تقوم مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة أثناء استعمالها لﻸسلحة النارية على أساس المخاطر عندما تكون الضحية غير معنية بعمليات الشرطة، آما تقوم على أساس الخطأ البسيط عندما تكون الضحية معنية بهذه العمليات و نذآر في هذا السياق ما قضى به مجلس الدولة بمناسبة قضية المديرية العامة للأمن الوطني ضد أرملة لشاني و من معها في 10/20/9991 و الذي رأى أن مسؤولية المديرية العامة للشرطة تقوم ما دام أن الضرر ناتجا عن استعمال السلاح الناري. و تتخلص وقائع القضية، أنه بتاريخ 31/90/0991 أسندت للشرطي "عبد الرحمن" مهمة الحراسة بلباس مدني بمستودع ميترو الجزائر بمنحدر تافورة، غير أنه أهمل منصب عمله متوجها إلى ساحة الشهداء ليشتري بعض اللوازم حامﻼ معه سلاحه الناري الخاص بعمله و الذي استعمله ضد المدعو "لشاني نور الدين" مصيبا إياه بجروح خطيرة أفضت لوفاته. و على إثر الدعوى التي رفعتها أرملة الضحية المتوفاة ضد المديرية العامة للأمن الوطني أصدرت الغرفة اﻹدارية بمجلس قضاء الجزائر قرار صرحت فيه بمسؤولية المديرية العامة للأمن الوطني و ألزمتها بالتعويض، و ذلك على أساس المادة 831 ق م آون أن: الشرطي آانت له وقت الوقائع حراسة سلاحه و استعماله و إدارته و مراقبته و أن الشرطي لم يكن وقت الوقائع بلباسه الرسمي، و لم يكن في خدمته، بل في 1- 2- بالتالي يكون مسؤوﻻ عن ما يحدث به من ضرر. وضعية غير شرعية، لكونه أهمل بإرادته منصب عمله.
غير أن مجلس الدولة و على إثر اﻹستئناف المسجل من قبل مديرية اﻷمن الوطني،نجده أيد قرار الغرفة اﻹدارية مؤسسا قضاءه على المادة 631 ق م و التي تنص على أن المتبوع مسؤول عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى آان واقعا في حالة تأدية وظيفته، أو بسبب وظيفته، و رأى أن دفع المديرية العامة للأمن الوطني القائل بأن الشرطي المتسبب في وفاة الضحية آانت له وقت الحادثة السيطرة الكاملة على سلاحه الناري، و أنه لم يكن في الخدمة مردود عليه من جهته: أولهما: أن السﻼح الناري سلم إليه بسبب وظيفته، و أن على اﻹدارة التأآد من آونه لن يستعمل سﻼحه في إحداث ضرر بالغير. و ثانيهما: أن الشرطي استعمل سﻼحه الناري بمناسبة وظيفته، بمعنى أن وظيفته هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة. و عليه نجد مجلس الدولة استند في قراره على أساس المسؤولية بدون خطأ على أساس استعمال السلاح الناري و الخطير و ذلك بتوافر 3 شروط هي: استعمال أسلحة أو آﻻت ذات مخاطر استثنائية للأشخاص و اﻷموال أن تكون اﻷضرار نتيجة لذلك اﻹستعمال أن تكون تلك اﻷضرار متميزة في جسامتها و تتجاوز المساوئ العادية الناتجة عن وجود مصالح الشرطة.
و عليه فيكفي إذن لتقوم مسؤولية المديرية العامة للشرطة أن يكون هناك سﻼحا ناريا، و أن ينتج الضرر عن إستعمال ذلك السﻼح دون التفكير في وجود الخطأ أم ﻻ مادامت اﻹدارة هي التي منحت السلاح للشرطي، فأساس المسؤلية هو المــخــاطر أو خطورة السلاح.
------------------------
13-انظر اﻷستاذ "لحسين بن الشيخ آث ملويا-المرجع السابق ص 22-32-42. 23-يرى محافظ الدولة باربي " BARBETنظن بأن استعمالالسلاح من طرف اﻷعوان المكلفين بحفظ اﻷمن يجعل الخواص عرضة لمخاطر غير عادية، و التي تفتح أهم الحق في التعويض إذا تحققت تلك المخاطر"
و إذا كانت مسؤولية الدولة عن عمل الشرطة تقوم بدون خطأ على أساس مخاطر استعمالها للأسلحة النارية واﻵﻻت الخطرة، فهل يمكننا اعتباره اﻷساس الوحيد في قيام مسؤولية الدولة؟
المبحث الثاني : مسؤولية الدولة من أعمال الشرطة على أساس الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة.
لقد شهد القضاء تطورا ملحوظا في مجال المسؤولية بدون خطأ، فبعد أن شملت آل مظاهر النشاط المادي للإدارة حيث أقام القضاء و التشريع - حسب الحاﻻت- المسؤولية في هذا المجال على أساس المخاطر، بعد ذلك آان ﻻبد أن تشمل هذه المسؤولية التصرفات القانونية المشروعة على أساس مبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة. من صنع الفقه تأييدا لفكرة إستقلال المسؤولية العـامــة و تعتبر هذه النظرية
إستجابة لمفاهيم العدالة اﻹجتماعية، و بالتالي فإن اﻷعباء العامة التي تفرضها السلطة تحقيقا للمصلحة العامة توزع بالتساوي و على أفراد المجتمع.
لكن ما دمنا بصدد دراسة مسؤولية الدولة عن مرفق حساس آمرفق الشرطة فإن التصريح بمسؤولية الدولة عنها مرهون بتحقيق 3 أنواع من الشروط عامة، خاصة و إضافية لصيقة بكل حالة من حاﻻت الإخلال بالمساواة. ذلك أنه يعني بالشروط العامة، تلك المطلوبة في المسؤولية دون خطأ بوجه عام حيث ينبغي توافر رآني الضرر و العلاقة السببية، كما ﻻ بد أن يكون الضرر فيها أكيدا و مباشرا ...إلخ.
أما الشروط الخاصة، فهي تلك المتعلقة بالمسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة فقط دون الحاﻻت اﻷخرى للمسؤولية غير الخطئية و تتعلق بخصائص الضرر المستوجب لقيام المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة، إذا ﻻ بد أن يكون هذا الضرر خاصا و غير عادي.
و أخيرا بالنسبة للشروط اﻹضافية فهي تتعلق بكل حالة من حاﻻت المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة، ففي المسؤولية بسبب اﻹمتناع عن تنفيذ اﻷحكام و القرارات
-----------------------------------
33- يرى أنصار هذه النظرية و من بينهم A DE LAUBADEREأنها تهتم أساسا بالضرر و ترتكز على إصلاحه دون أدنى اهتمام بالخطأ أو المخاطر الذين يعتبران من وجهة نظرهم مجرد شروط لقيام المسؤولية و ليس أساسا لها.
القضائية مثلا يشترط أن يكون الحكم محل اﻹمتناع عن التنفيذ نهائيا، و أن يكون بسبب تحقيق النظام العام و أن يكون اﻹمتناع قد استمر لفترة زمنية معينة، و عليه يجدر بنا التساؤل عن حاﻻت الإخلال بالمساواة التي تقيم مسؤولية الدولة و عن موقف القضاء الجزائري منها؟
المطلب اﻷول : حاﻻت الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
حتى تقوم المسؤولية اﻹدارية بفعل أعمال الشرطة التي تبنى على أساس بدون خطأ ﻻبد من امتناع من أعطت له الدولة صلاحية تنفيذ حكم أو قرار قضائي عن تنفيذه تحت طائلة الإخلال بالنظام العام أو حتى في حالة إتخاذ بعض التدابير، و عليه تتمثل حاﻻت الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة التي سنتناولها فيما يلي في: عدم تنفيذ قرار قضائي عدم ضبط النظام العام عدم تطبيق قرار إداري
الفرع اﻷول : عدم تنفيذ حكم أو قرار قضائي
تكون الدولة مسؤولة في مثل هذه الحالة دون ارتكابها لخطأ إذا كان امتناعها عن تنفيذ القرار القضائي راجعا إلى حرص اﻹدارة على تفادي حصول بعض المشاآل الوخيمة، و ذلك بتوافر شروط معينة إضافة للشروط العامة و الخاصة السالفة الذآر: أن يكون الحكم محل اﻹمتناع عن التنفيذ نهائيا أن يكون اﻹمتناع بسبب النظام العام )و إﻻ اعتبر تعسفا( و ان يكون اﻹمتناع قد استمر لفترة زمنية معينة .
و أحسن مثال يذكر في هذه الحالة هو قضية (Couitéasقرار مجلس الدولة الفرنسي 03 نوفمبر 3291 و التي دارت وقائعها في تونس، و التي صدر بشأنها قرار من مجلس الدولة الفرنسي باعتبار اﻹدارة مسؤولة دون خطأ و يتعلق اﻷمر برفض السلطة اﻹدارية الفرنسية بتونس آنذاك تنفيذ حكم قضائي صدر لصالح أحد المعمرين اﻷجانب تفاديا لنشوب إضطرابات خطيرة من قبل السكان التونسيين باعتبار أن الحكم القضائي المراد تنفيذه آان لصالح أحد المعمرين آما سبق ذآره والذي يقضي بطرد عدد من القبائل الرحل من أراضي بالجنوب التونسي43. وعليه ففي مثل هذه الحالة و آما تم اقراره في قرار ،COUITEASيكون للشخص الذي امتنعت اﻹدارة عن ضمان تنفيذ الحكم القضائي الصادر لفائدته مستحقا للتعويض على أساس مسؤولية اﻹدارة دون خطأ بما أن إمتناع اﻹدارة عن ضمان تنفيذ الحكم القضائي )اﻷمر الذي يتطلب تدخل القوة العمومية( مرده درء وقوع اضطراب في النظام العام. و في قضية أخرى امتنعت اﻹدارة عن ضمان تنفيذ حكم قضائي بإخراج مجموعة من العمال المضربين المعتصمين بأحد المصانع، فامتنعت اﻹدارة عن تنفيذ مثل هذا الحكم القضائي تفاديا لحصول مشاآل إضافية53.
ففي مثل هذه الحاﻻت يفرض على اﻹدارة إذن تعويض أصحاب اﻷحكام القضائية التي امتنعت عن تنفيذها، وهذا بالرغم من عدم ارتكابها ﻷي خطا إذ يؤسس عدم قيامها بالتنفيذ على مقتضيات المصلحة العامة. و عليه نخلص أنه آلما رأت المجموعة العمومية أن تنفيذ حكم قضائي نهائي ممهور بالصيغة التنفيذية، وصادر ضد أحد اﻷفراد لصالح أفراد أخرين يرتب إخلال جسيما باﻷمن العام و يعرض فكرة الصالح العام للخطر و التهديد، آان لها أن تمتنع عن المساعدة على تنفيذه بالقوة الجبرية، و هي في ذلك ﻻ تكون قد إرتكبت خطأ مصلحيا و
-------------------------------
43-انظر الدكتور توفيق بوعشبة مبادئ القانون اﻹداري التونسي التنظيم اﻹداري-النشاط اﻹداري-القضاء اﻹداري المدرسة القومية للإدارة مركز البحوث و الدراسات اﻹدارية –تونس-ص 612. 53-انظراﻷستاذ عوابدي عمار المرجع السابق ص 042.
لكن يجب عليها أن تعوض الشخص الذي صدر الحكم لصالحه ﻷنه دون شك يكون قد تحمل في هذه الحالة عبأ ثقيلا في سبيل المصلحة العامة ﻻ يتفق مع ما يقضي به مبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة.
الفرع الثاني: عدم تطبيق قرار إداري
قد يؤدي عدم تطبيق قرار إداري من قيل اﻹدارة إلى إلزامها بالتعويض إذا آان هذا اﻻمتناع قد ألحق ضررا خاصا و غير عادي بأحد المخاطبين بالقرار اﻹداري محل التنفيذ.
و لقد وسع القضاء اﻹداري في مجال هذه المسؤولية لتشمل القرارات التنظيمية المتعلقة بالضبط اﻹداري إذا آانت هذه القرارات قد رتبت إخلالا ب المساواة أمام اﻷعباء العامة، و مثال ذلك: قرارات الضبط اﻹداري التي تمنع مرور شاحنات في طرق معينة.
أو حتي مرور اﻷشخاص في شوارع معينة أين فتحت محلات تجارية بنيت معظم نشاطاتها على استقطاب زبائنها من هؤﻻء الراجلين أو أصحاب الشاحنات مما أدى ﻹلحاقهم بأضرار خاصة، و بالتالي منح لهم القضاء التعويض على أساس مبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة بدون وجود أي خطأ ضد مصالح الشرطة القضائية أو اﻹدارية.
الفرع الثالث: عدم ضبط النظام
العام قد ترى القوة العمومية أحيانا، أن تدخلها لفظ نزاع أو وضع معين يؤدي إلى تفاقم اﻷوضاع اﻷمنية و ينجر عنه إخلالا خطير بالنظام العام و عليه إن رأت ذلك في إطار سلطتها التقديرية، فتكون بالتالي مجبرة ﻷدائها التعويض لكل متضرر له الحق الحماية القانونية من جراء اﻷضرار المادية التي تكون قد مسته و آذا له حق التعويض عن ما فاته من آسب و ما لحقه من خسارة من جراء عدم اتخاذ السلطات اﻹجراءات القانونية و المادية ﻹعادة استتباب اﻷمن و النظام العام المترتب عن عدم تدخلها، و مثال ذلك :
عدم تدخل القوة العمومية لإخلاء سكنات احتلت بطريقة غير شرعية إذ أن عدم تدخلها هذا و إن كان مبررا بتفاهم اﻷوضاع اﻷمنية في حالة الإخلاء، بحيث يؤدي إلى المساس الخطير بالنظام العام، فإنه ﻻ ينبغي من جهة أخرى أن يشكل عبئا أو ضررا يتحمله المتضرر لوحده و لذلك وجب تعويضه لوحده، و لذلك وجب تعويضه على أساس مبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة. و عليه، إن آانت مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة تقوم على أساس الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة من خلال الحاﻻت التي تم التطرق إليها، فما هو موقف القضاء و التشريع الجزائري منها ؟
المطلب الثاني : موقف التشريع و القضاء الجزائري من مبدأ الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
سنتناول من خلال هذا المطلب آل من موقف التشريع و القضاء الجزائري من مبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة، باعتبار أن هذا المبدأ يشكل تدعيما ثمينا لمبدأ المسؤولية الذي يتميز به النظام القانوني للنشاط اﻹداري بصفة عامة.
الفرع اﻷول: موقف التشريع الجزائري من مبدأ الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
لقد أكد الدستور الجزائري في مادته 541 على ضرورة تنفيذ أحكام القضاء بنصه "على آل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم في آل وقت و في كل مكان و في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء" و من خلال استقرائنا للمواد 023-423 ق إ م نجد أن تسخير القوة العمومية للتنفيذ الجبري للأحكام و القرارات القضائية يكون من اختصاص السلطة القضائية عن طريق قضاة النيابة العامة مباشرة و عن طريق استعمال القوة العمومية و يشعر الوالي بذلك،
و عكس ما هو محمول به في فرنسا حيث أن منح القوة العمومية لطلب التنفيذ يكون من اختصاص الوالي الذي يقدر في مهلة محددة مدى تأثير التنفيذ على النظام العام لمنح القوة العمومية من عدمه و في الحالة اﻷخيرة فإن الدولة تكون مسؤولة عن تعويض أي ضرر خاص و غير عادي يصيب اﻷفراد من جراء عدم تدخل القوة العمومية لحماية مواطنيها.
و تجدر اﻹشارة أنه حتى يكون قرار قضائي عادي قابلا للتنفيذ ﻻبد أن يكون نهائي ممهور بالصيغة التنفيذية63 يأمر فيه كل أعوان التنفيذ القيام بتنفيذ القرار.
لكن في الحالة التي يعكر فيها التنفيذ اﻷمن العمومي، يمكن للوالي حسب المادة 423- 20 ق ا م أن يوقف التنفيذ مؤقتا، لكن القانون لم يحدد لنا مدة هذا التوقيف، اﻷمر الذي أدى إلى صدور منشور يحدد المهلة بـ 30 أشهر و يتعلق اﻷمر باﻷحكام و القرارات القابلة للتنفيذ في مجال الطرد من السكنات أو إخلاء قطع أرضية و حتى محلات تجارية حيث أنه وقبل تسخير القوة العمومية من قبل وكيل الجمهورية فعلى هذا اﻷخير أن يخطر الوالي بهذا التنفيذ، و على الوالي أن يرد خلال 51 يوما سواء باﻹيجاب إن لم يرى هناك مانع أمني، أو بتأجيل التنفيذ لمهلة ﻻ تتجاوز في كل اﻷحوال 30 أشهر73.
لكن الجدير بالذكر أنه في حالة كون القرارات الصادرة ضد اﻹدارة و التي ﻻ تستجيب للتنفيذ من تلقاء نفسها، فإننا نجد المشرع قد تدخل من هذا الجانب بموجب نص قانوني يحمل رقم 19/20 المؤرخ في 80 جانفي 1991 حيث يتجه الشخص المحكوم له ليقدم ملفا إلى الخزينة العامة بالوﻻية بعد تحرير محضر عدم وجود من قبل المحضر القضائي بعد ذلك يصرف له المبلغ المحكوم به مباشرة من رصيد اﻹدارة المحكوم ضدها
-----------------------------------
63 - تكون الصيغة التنفيذية القرارات القضائية قي القضايا اﻹدارية "الجمهورية تدعو و تأمر وزير...أو الوالي عندما يتعلق اﻷمر بدعوى تخص جماعة محلية" 73 - لقد حدد مجلس الدولة الفرنسي المهلة العادية لتوقيف التنفيذ بشهرين فقط و ما بعدها فإن ر فض طلب مساعدة القوة العمومية يعتبر خطأ جسيما.
بعد التأكد من كون القرار نهائي و أن المبلغ المحكوم به محدد إثر التحقيق المنجز عن طريق النائب العام. لكن تجدر المﻼحظة، و مع حالة العسر التي أصبحت تعاني منها كثير من البلديات، أصبح أمين الخزينة يرفض دفع المبلغ كله أو جزء منه بدعوى عدم كفاية الرصيد، فهل يحق هنا لطالب التنفيذ أن يرفع دعوى تعويض أخرى ضد الدولة ممثلة في شخص وزير المالية بفعل رفض تنفيذ القانون إذ التطبيقات القضائية في هذا الجانب منعدمة لحد اﻵن.
الفرع الثاني : تطبيقات القضاء الجزائري لمبدأ الإخلال بالمساواة أمام اﻷعباء العامة
إن تطبيقات القضاء الجزائري لهذا النوع من المسؤولية ضئيل جدا، و لم نجد في إطار بحثنا إﻻ تطبيقا وحيدا يتعلق بتدخل اﻹدارة في منع تنفيذ قرار قضائي ورد في قضية بوشات و سعيدي ضد وزير الداخلية وزير العمل و والي الجزائر ) قرار الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا بتاريخ 02جانفي 9791 ( حيث ترجع وقائعها إلى أن العارضين كانا قد تحصﻼ على حكم مؤيد بقرار ضد السادة قرومي و مراح يقضي بدفع لهما مبلغا ماليا معينا عن 82 شهر إيجار، و أن والي وﻻية الجزائر قد أرسل للمكلف بالتنفيذ بدائرة اﻹختصاص يمنعه فيها بإجراء التنفيذ ضد قرومي و مراح، فرفع السيدين سعيدي و بوشات دعوى أمام الغرفة اﻹدارية بالجزائر التي رفضت منحهما التعويض بسبب رفض تنفيذ الحكم الصادر لصالحهما بفعل الوالي، فرفضت الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا قبلت طلبهما إﻻ أن الغرفة اﻹدارية بالمحكمة العليا قبلته، حيث جاء في القرار ما يلي:"حيث أن المتقاضي المتحصل على حكم يكتسي الصيغة التنفيذية له الحق في مساعدة السلطة اﻹدارية لضمان تنفيذ السند المسلم له، و إن السلطة اﻹدارية لها الحق في تقدير ظروف التنفيذ و بالتالي الحق في تأجيله لما ترى وجود خطر على اﻷمن و السكينة، و إن الضرر الناتج عن هذا الرفض ﻻ ينبغي النظر إليه كعبء يتحمله المعني إذا ما امتد هذا الرفض خارج المدة الممنوحة لﻺدارة للتقدير" نخلص في اﻷخير، و بمقارنة المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة مع مسؤولية الدولة عن اﻷضرار الناتجة عن استعمال مصالح الشرطة للأسلحة النارية مع اﻹشارة لقلة غزارة التطبيقات و اﻵﻻت الخطيرة إلى تباين تطبيقات كل منهما، المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة و يرجع ذلك حسب بعض الفقهاء إلى حداثة المسؤولية بالمقارنة مع المسؤولية عن استعمال اﻷسلحة النارية و اﻵﻻت الخطيرة أما السبب الثاني و هو اﻷهم فيرتبط بشروط المسؤولية المتعددة التي بالغ القضاء في تعدادها اﻷمر الذي جعله يحد من أي توسع محتمل للمسؤولية فإلى جانب الشروط العامة و اﻹضافة فإن هناك شروط خاصة تتعلق بخصوصية الضرر و خطورته و هما شرطان نجدهما يتجليان أيضا في المسؤولية عن اﻷضرار الناتجة عن استعمال مصالح الشرطة للأسلحة النارية و اﻵﻻت الخطيرة.
و على العموم و بالرغم من أن شرطي الخصوصية و الخطورة قد إستعملا سابقا كحواجز لمنع أي توسع في تطبيق المسؤولية إﻻ أن اﻻجتهاد الحديث بدأ يتحرر من المفهوم الضيق لهذين الشرطين اﻷمر الذي يجعلنا نعتقد بأن المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة سيتوسع أكثر في المستقبل ذلك أن تحفظ القضاء بشأن هذه اﻷخيرة نجد له على اﻷقل تفسيرين :
اﻷول : و يتعلق بالحفاظ على المال العام فحرص القاضي على ميزانية الدولة هو الذي جعله يقيد تطور المسؤولية دون خطأ و يضيق من نطاق تطبيقها، آما يأخذ هذا التضييق شكلا أكثر صرامة في المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة منه عن المخاطر.
الثاني:
فيتعلق بكون أن أهم حاﻻت المسؤولية عن الإخلال بمبدأ المساواة تتعلق بأعمال السيادة التي آانت نموذجا عمليا لفكرة عدم مسؤولية الدولة.
خـاتـمـة
نستخلص من خلال هذا البحث خصوصية نشاط مرفق الشرطة سواء تعلق اﻷمر بنشاطه التنظيمي أو المادي و لذلك يختلف نظام المسؤولية فيها عن تلك المطبقة في القانون المدني ذلك أن طبيعة مرفق الشرطة من حيث هو مرفق عمومي له أساليبه الخاصة من حيث اتخاذه للتدابير الوقائية أو توقع اﻹخﻼﻻت الممكنة وقمعها و ذلك في إطار ما يسمى بالضبط اﻹداري أو الضبط القضائي مما حفز القضاء اﻹداري على مسايرة هذا التغيير في الظروف و النشاط المتميز لمرفق الشرطة معتمدا أسس جديدة في المسؤولية فمن إشتراطه الخطأ الجسيم إلى الخطأ البسيط في حاﻻت إستثنائية إلى اﻷخذ بالمسؤولية اﻹدارية بدون خطأ سواء على أساس المخاطر أو على أساس المساواة أمام اﻷعباء العامة وذلك ضمانا لحماية أكبر للضحية مقابل تعقيد أساليب أعمال الشرطة.
و ما تجدر اﻹشارة إليه من خلال التطبيقات القضائية في مجال المسؤولية اﻹدارية هو تأثر القضاء الجزائري بنظيره الفرنسي من خلال اﻷخذ بنظام وأسس المسؤولية اﻹدارية بفعل أعمال الشرطة. غير أنه بإعتماد المشرع الجزائري المعيار العضوي في المادة 70 من قانون اﻹجراءات المدنية في تحديده جهة اﻹختصاص النوعي تكون قد سهل من مهمة القاضي في تكييف النزاع المطروح عليه ووضعه في إطاره القانوني الصحيح.
غير أن الفائدة من معرفة هيئات الشرطة و النشاط الذي تقوم عليه يكمن في تحديد مستوى الهيئة القضائية المختصة داخل النظام القضائي اﻹداري و اﻷشخاص الممثلة أمام القضاء و هو ما يساعد على تحفيز و إثراء اﻹجتهاد القضائي في هذا المجال نظرا للطابع المتميز لمرفق الشرطة و نشاطه الخاص.
و من ثم فإن تطبيق القرارات المتضمنة التدابير الوقائية يؤول تنفيذها إلى أفراد القوة العمومية من شرطة اﻷمن الوطني أو شرطة البلدية و أثناء تنفيذهم لهذه المهام آشرطة إدارية فإن معرفة المتسبب في الضرر يؤدي بالضرورة إلى معرفة الجهة القضائية المختصة .
أ و عليه فإن اﻷعمال الضارة لموظف اﻷمن الوطني سواء تعلق اﻷمر بالمستوى المرآزي أو الغير المرآزي فإن المسؤولية اﻹدارية تبنى على أساس الخطأ البسيط أو الجسيم أو على أساس المخاطر و ترفع الدعوى ضد الدولة أمام مجلس الدولة ممثلة في وزارة الداخلية. أما بالنسبة لﻸضرار المتسبب في وقوعها شرطة البلدية فإن الدعوى توجه حسب رأينا ضد الوالي آونه صاحب صﻼحية التعيين و البلدية بالتضامن نظرا لسلطة اﻹدارة و اﻹشراف طبقا لقانون إنشاء سلك الشرطة البلدية. أما بالنسبة ﻷعمال الضبطية القضائية و المتمثلة في معاينة الجرائم و البحث عن مرتكبيها و تقديمهم للعدالة فإن الأضرار المتسبب فيها ضباط الشرطة القضائية في رأينا فإن المسؤولية اﻹدارية تقام ضد الدولة ممثلتة في وزارة الداخلية حسب المادة 70 ق إ م التي تعتمد المعيار العضوي في اﻹختصاص القضائي اﻹداري. و الذي إعتمده المشرع الجزائري في تحديد جهة اﻹختصاص النوعي.
المراجـــــــع : أولا : الكتب
1- الدكتور سليمان محمد الطماوي – القضاء اﻹداري . الكتاب الثاني. قضاء التعويض و طرق الطعن في اﻷحكام دراسة مقارنة – دار الفكر العربي 6891.
2- الدآتور سليمان محمد الطماوي – القضاء اﻹداري . الكتاب الثالث. قضاء التأديب دراسة مقارنة 7891.
3- الدآتور موريس نخلة – المختار في اﻻجتهاد اﻹداري – منشورات الحلبي الحقوقية. 8991.
4- الدآتور توفيق بوعشبة – مبادئ القانون اﻹداري التونسي ) التنظيم اﻹداري – النشاط اﻹداري – القضاء اﻹداري( المدرسة القومية للإدارة. مركز البحوث و الدراسات اﻹدارية تونس.
5- الدكتور مصطفى أبوزيد فهمي – القانون اﻹداري. ذاتية القانون اﻻداري اﻹدارة العامة في معناها العضوي. اﻹدارة العامة في معناها الوظيفي. الدار الجامعية 3991.
6- اﻷستاذ محمد ماجد ياقوت – اﻹجراءات و الضمانات في تأديب ضابط الشرطة. منشأة المعارف باﻹسكندرية.
7- اﻷستاذ خلوفي رشيد – قانون المسؤولية اﻹدارية – ديوان المطبوعات الجمعية 4991.
8- اﻷستاذ مسعود شهوب – المسؤولية عن المخاطر و تطبيقاتها في القانون اﻹداري دراسة مقارنة . ديوان المطبوعات الجامعية. بن عكنون الجزائر.
9- اﻷستاذ مسعود شهوب – المسؤولية من اﻹخﻼل بمبدأ المساواة و تطبيقاتها في القانون اﻹداري دراسة مقارنة. ديوان المطبوعات الجامعية. بن عكنون الجزائر.
10- اﻷستاذ عوابدي عمار - نظرية المسؤولية اﻹدارية نظرية تأصيلية تحليلية و مقارنة – ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الثانية 4002. 11- اﻷستاذ جيلالي بغدادي – التحقيق دراسة مقارنة نظرية و تطبيقية الديوان الوطني للاشغال التربوية الطبعة اﻷولى 9991.
12 21(- Les grands arrêts de la jurisprudence administrative F 12éme édition.Dalloz
ثانيا: القوانين
1- اﻷمر رقم 66-651 مؤرخ في 81 صفر عام 6831 الموافق 8 يونيو سنة 6691 يتضمن قانون العقوبات.
2- اﻷمر رقم 66-551 المؤرخ في 81 فصر عام 6831 الموافق 8 يونيو سنة 6691 يتضمن قانون اﻹجراءات الجزائية المعدل و المتمم .
3- اﻷمر رقم 66-451 مؤرخ في 81 فصر 6831 الموافق 8 يونيو 6691 يتضمن قانون اﻹجراءات المدنية.
4- قانون رقم 09/90 مؤرخ في 70/40/0991 المتضمن قانون الوﻻية الجريدة الرسمية رقم 51 مؤرخ في 11/40/0991.
5- قانون رقم 09/80 مؤرخ في 70/40/0991 المتضمن البلدية الجريدة الرسمية رقم 51 مؤرخ في 11/40/0991.
6- المرسوم التنفيذي 19/425 المؤرخ في 81 جمادي الثانية عام 2141 هـ الموافق لـ 52 ديسمبر سنة 1991 المتضمن القانون الخاص بموظفي اﻷمن الوطني.
7- المرسوم التنفيذي رقم 29/27 المؤرخ في 50 جمادي اﻷول عام 3141 هـ الموافق لـ13 أآتوبر سنة 2991 يتضمن مهام المديرية العامة للأمن الوطني و تنظيمها.
8- المرسوم التنفيذي رقم 99/74 مؤرخ في 72 شوال عام 9141هـ الموافق لـ 31 فيفري سنة 9991 يتعلق بمنع تعويضات لصلح اﻷشخاص الطبيعيين ضحايا اﻷضرار الجسدية أو المادية التي لحقت بهم نتيجة أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار مكافحة اﻹرهاب و كذا لصالح ذوي حقوقهم
ثالثا : المجلات القضائية
- حسين بن الشيخ آث ملويا
- المنتقي في قضاء مجلس الدولة الجزء اﻷول دار هومة طبعة2002 .
----------------------------------
من إعداد : الطالبة القاضية
- بــولـــعــيــون فــــراح
تم تحرير الموضوع بواسطة :Harrir Abdelghani
بتاريخ:29-12-2015 09:25 مساءً