بحث حول الزواج في الفقه المالكي وقانون الأسرة الجزائري مقدمة
المبحث الأول : تعريف الزواج وحكمه والحكمة من مشروعيته
المطلب الأول : تعريف الزواج
المطلب الثاني : حكمه الشرعي
المطلب الثالث : الحكمة من مشروعية الزواج
المبحث الثاني : مقدمة الزواج ( الخطبة )
المطلب الأول : تعريف الخطبة وطبيعتها
المطلب الثاني : شروط الخطبة
المطلب الثالث : العدول عن الخطبة وأثره
المبحث الثالث : أركان عقد الزواج
المطلب الأول : الصيغة
المطلب الثاني : ولي الزوجة
المبحث الرابع : شروط عقد الزواج
المطلب الأول : الإشهاد على الزواج
المطلب الثاني : الصداق
خاتمة
مقـدمة
إن المجتمعات على اختلاف أشكالها وأطيافها ، ما هي إلا مجموعة من الأسر التي تتكون من الأصول والفروع والحواشي انتضمت على نسق فرضته طبيعة الانسان ، ومهمته الأولى وهي إعمار الأرض ، وما الدول والحضارات إلا تكتل لأسر رضيت أن تعيش تحت نظام معين .
ومنشأ الأسرة من أقدس رابطة جمعت بين الرجل والمرأة لتقرير مصير مشترك وغاية سامية ، بعقد مقدس هو عقد الزواج ، والذي من أعظم نتائجه إكثار النسل ، والسهر على الجيل الموالي تربية وسلوكا ولعل أعظم تشريع ضبط العلاقة الزوجية ، وحدد إطارها ، وأبرز الحقوق والواجبات لكل طرف هو التشريع الاسلامي العظيم الذي ظل طيلة قرون المهيمن على جميع مناحي الحياة ، في البلاد العربية والإسلامية لكن لأسباب كثيرة استبعدت الشريعة من شتى جوانب الحياة وتأثرت المنظومة التشريعية في كثير من البلاد الاسلامية بالقوانين الغربية ، والجانب الوحيد الذي ظل صامدا في وجه التغيير هو جانب الأحوال الشخصية فأحكام الأحوال الشخصية في بلاد المسلمين مستقاة من الشريعة الاسلامية ، واختلافها من بلد لأخر تبعا للمذهب السائد والجزائر حافظت على تمسكها بالمذهب المالكي ، الذي اعتمد في أول تقنين للأسرة تحت رقم 11/84 الصادر بتاريخ 09/06/1984 ، والذي لا يزال معتمدا في اجتهادات المحكمة العليا لكن بعد تعديل القانون بموجب الأمر 02/05
نجد أن المشرع حاد عن المذهب المالكي خصوصا في بعض المسائل التي ينبني عليها عقد الزواج ، فما هي هذه الجوانب ؟ وما المذهب الذي أخذ به القانون .؟
المبحث الأول : تعريف الزواج وحكمه والحكمة من مشروعيته المطلب الأول : تعريف الزواج
لغة : الزواج لغة يطلق على اقتران الشيئين وازدواجهما ، والنكاح هو الضم والجمع والتشابك ، فيقال تناكحت الأشجار إذا تشابكت أغصانها
اصطلاحا : هو عقد و.ضعه الشارع يفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة ، وحل استمتاع المرأة بالرجل أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد بطريق الأصالة اختصاص الرجل بالتمتع بالمرأة وحلية استمتاع المرأة بالرجل
- أما قانون الأسرة فقد عرفه في المادة (04) المعدلة بموجب الأمر 05/02 ( الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي ) (1) .
المطلب الثاني : حكمه الشرعي :
الزواج مشروع بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة أما الكتاب فقول الله عزوجل(فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث وربع) الأية 03 سورة النساء وقوله جل شأنه (( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم )) الأية 32 سورة النور
أماالسنة فقوله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإته أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه الشيخان وأصحاب السنن من حديث ابن مسعود وتعتريه الأحكام الخمسة كما ذكر الفقهاء رحمهم الله حسب أحوال الناس فمثلا يكون فرضا عند عامة الفقهاء إذا تيقن الانسان الوقوع في الزنا ، وكان قادرا على أعباء الزواج من مهر ونفقة وغيرها ويكون حراما إذا كان عاجزا عن تكاليف الزواج ، عاجزا عن القيام بالتزاماته الزوجية وتيقن الإضرار بالمرأة كما في حالة التعدد أو حالة العجز عن الوطء .
المطلب الثالث : الحكمة من مشروعية الزواج
يمكن جمعها في ثلاث عناصر
1 – التكاثر والتناسل من أجل بقاء النوع الإنساني ، من أجل عمارة الأرض وإقامة الأسرة التي بها ينتظم المجتمع لما في ذلك من حفظ الأنساب.
2- إحصان الزوجين وإعفافهما من الوقوع في الحرام بإيجاد متنفس للشهوة من طريق مشروع مأمون العواقب.
3- الاستقرار النفسي والعاطفي بما يقيمه النكاح بين الزوجين بسبب هذا الرباط من مودة وألفة ومودة ورحمة وتعاون قال تعالى (( ومن ـلياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون )) الأية 21سورة الروم .
المبحث الثاني : مقدمة الزواج ( الخطبة )
الخطبة هي المقدمة التي تأتي بين يدي الزواج ، حرصا على إقامة الزواج على أمتن الأسس ، وأقوى المباديء وقد اقتصرت في هذا المبحث على بعض العناصر من هذا الموضوع وهي تعريف الخطبة وطبيعتها ، وشروط الخطبة وأثر العدول عن الخطبة .
المطلب الأول : تعريف الخطبة وطبيعتها الفرع الأول : تعريف الخطبة :
هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة وإعلام المرأة أو وليها بذلك مباشرة أو عن طريق وكيل ، فإذا وافقت المخطوبة وأهلها فقد تمت الخطبة وترتبت عليها أحكامها الشرعية (1)
وقد ندب الشارع إليها من أجل معرفة أخلاق وميول الطرفين بالقدر المسموح به شرعا ،من أجل إيجاد أسباب التلاقي والتجاوب لأن عقد الزواج رابط ديمومة بين الرجل والمرأة .
أما قانون الأسرة فعرف الخطبة في المادة (05) المعدلة بالأمر 05-02 الخطبة وعد بالزواج
وقد أثار المشرع أمرا في المادة (06) المعدلة بموجب الأمر 05-02 إن اقتران الفاتحة بالخطبة لايعد زواجا هذا نص الفقرة الأولى وهو نفس الحكم الذي ورد في المادة (06) من القانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة قبل التعديل ,يمكن أن تقترن الخطبة بالفاتحة أوتسبقها بمدة غير محددة, تخضع الخطبة والفاتحة لنفس أحكام المادة (05) المادة (05) تضمنت أحكام الخطبة لكن الفقرة (02) من المادة (06) بعد التعديل نصت غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة يعد زواجا متى نوفر ركن الرضا وشروط الزواج المنصوص عليها في المادة 09 مكرر من هذا القانون ، فالفاتحة بهذا المعنى في مفهوم شعبنا تكون عبارة عن إبرام عقد زواج شفهي. وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية ، يعبر فيها المتعاقدان عن ركن الرضا بواسطة ممثليهما أي حضور ولي الزوجة ووكيل الزوج والشهود وتحديد الصداق وتجتمع فيه العلانية والاشهار . .
في حين أن الخطبة لا تتعدى حدود إجراءات تحضيرية تقتصر على مجرد اعلان الرغبة في الزواج والمصاهرة (2) .
-----------------------------------------
(1) د/ وهبة الزحيلي : الفقه الاسلامي وأدلته ، الطبعة 02 ، دار الفكر ، سورية ، دمشق ،سنة1985 م ، ص 10
(2) المستشار:عبد العزيز سعد،قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد ، الطبعة 02، دارهومة ، الجزائر، سنة 2008 ص16
ويظهر ذلك في الاعتماد القضائي بالمحكمة العليا.
ومتى تبين في قضية الحال أن الخطبة لم تسبق الفاتحة حتى تعتبر وعدا بالزواج طبقا للمادة (05) من قانون الأسرة, وإنما اقترنت الخطبة بالفاتحة أثناء مجلس العقد بحضور الشهود والولي وتحديد الصداق , وبالتالي فإن اقتران الخطبة بالفاتحة في هذه الحالة يعتبر زواجا صحيحا متى توفرت أركانه طبقا للمادة (09) من قانون الأسرة ’ وعليه فإن قضاة الموضوع باعتبارهم الفاتحة مثل الخطبة تعتبر وعدا بالزواج رغم تقديم الطاعنة لشهودها على وقوع الزواج وتوفر أركانه فإنهم بقضائهم كما فعلوا أخطئوا في تطبيق القانون (1) .
المطلب الثاني : شروط الخطبة
الشروط الشرعية والتي استقاها الفقهاء من نصوص السنة النبوية
1- أن تكون المرأة خالية من الموانع الشرعية التي تمنع الزواج حالا أي أن ألا تكون من المحرمات على التأبيد أو على التأقيت قال تعالى (( حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم وأخواتكم .. )) الأية 23 سورة النساء.
2- ألا يسبقه غيره إليها بخطبة شرعية ، فيحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه إذا ركن الرجل إلى المرأة وركنت إليه ، لأن في ذلك اعتداء على حق الغير وما ينجر عن ذلك من شقاق ونزاع ودليله قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة (( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه )) أخرجه مالك والبخاري، ، وفي المذهب لا يجوز الخطبة على الخطبة إذا حصل الركون والتوافق والرضا ، أما قبل التراكن فلا بأس بذلك لحديث فاطمة بنت قيس .
وروي عن ابن القاسم أن النهي يعني إذا خطب رجل صالح على خطبة رجل صالح ، أما إذا كان الأول غير صالح والثاني صالح جاز (2) .
ـ أما قانون الأسرة الجزائري لم بنص صراحة على شروط الخطبة ، لأنها نفس شروط النكاح ، وبالأحرى يرجع في البحث عن شروطها وكامل أحكامها إلى الفقه الذي يعتبر أحد المصادر التفسيرية للقانون ، ونقصد به في هذا المقام الفقه الاسلامي طبقا للمادة (222) من قانون الأسرة
( كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
- المادة (9) قبل التعديل (يتم عقد الزواج برضا الزوجين وولي الزوجة وشاهدين وصداق
(1) أ / نبيل صقر : الدليل القانوني للأسرة ، الطبعة 01 ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، سنة 2007 ، ص 8
(2) ابن رشد الحفيد : بداية المجتهد ، الطبعة 01 ، دار العقيدة ، الاسكمدرية ، مصر سنة 2004 ، الجزء 02 ص04
المطلب الثالث : العدول عن الخطبة وأثره
بما أن الخطبة هي مجرد إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة في نظر الشرع والقانون ، فيجوز للخاطب والمخطوبة العدول عنها لعدم قيام العقد أصلا وبالتالي لا وجود للالتزامات متبادلة بين الطرفين، ولكن المطلوب من الناحية الخلقية ألا ينقض أحدهما العهد إلا لضرورة أو مبرر شرعي . قال تعالى (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )) الأية 34 سورة الاسراء ، لكن قد يترتب عن العدول أثار منها حكم الصداق الهدايا ، والتعويض عن الضرر الذي يلحق أحد الخطيبين بسبب العدول .
الفرع الأول : حكم الصداق والهدايا في حالة العدول عن الخطبة أولا حكم الصداق :
اتفق الفقهاء على أن ما قدمه الخاطب من مهر في مرحلة الخطبة ، فله أن يسترده سواء كان قائما أو مستهلكا ، وفي حالة الهلاك يسترد قيمته إن كان قيميا ، ومثله إن كان مثليا ، أيا كان سبب العدول (1) ومن أي طرف لعدم وجود أي سبب من أسباب استحقاق المهر .
- أما قانون الأسرة لم ينص صراحة ولاضمنا لا قبل التعديل ولا بعد التعديل على حكم المهر المدفوع في مرحلة الخطبة ، ولكن يرجع في حكم هذا إلى الفقه.
ثانيا : حكم الهدايا في بعد العدول عن الخطبة
في مذهب الامام مالك رحمه الله إذا أهدى الرجل للمرأة مدة الخطبة ، ثم فسخت الخطبة فله استرجاع ما أهداها ، ومطالبتها برده إذا كان الفسخ من جهتها أما إذا كان العدول من جهته ـأي الخاطب ـ فلا رجوع له عليها ، وفي الحالة التي يكون له الحق في استرجاع ماأهداه فإنه يأخذه بعينه إن كان موجودا ، أما إذا ضاع ما أهدداه أو استهلك فالقاعدة في الضمان تقضي أن يلزم في المثلي من المتاع مثله وفي المقوم قيمته (2) .
- أما قانون الأسرة الجزائري فقد نص في المادة (05) المعددلة بموجب الأمر 05/02 ( لا يسترد الخاطب من المخطوبة شيئا مما أهداها إذا كان العدول منه ، وعليه أن يرد للمخطوبة مالم يستهلك مما أهدته له أو قيمته وإذا كان العدول من المخطوبة فعليه أن ترد للخاطب مالم يستهلك من هدايا أو قيمته )
---------------------------------------------------
(1) د/ الزحيلي ، المرجع السابق ، ص26
(2) د/ الصادق عبد الرحمن الغرياني ، مدونة الفقه المالكي وأدلته ، الطبعة 01 ، مؤسسة الريان ، بيروت ، لبنان ،سنة 2006 ، الجزء الثاني ، ص 493
من خلال قراءتنا للمادة نجد أن القانون يلزم العادل من الخطيبين برد ما لم يستهلك أي أن الرد يفوت بالاستهلاك من خلال منطوق المادة نجد أن المشرع أخذ في شق هذه المسألة بالمذهب المالكي فمنع العادل من الخطيبين أن يسترد شيئا من الهدايا ، لكنه ألزمه ـ أي العادل ـ برد مالم يستهلك فأخذ في هذا الشق بالمذهب الحنفي ،لآن السادة الحننفية يكيفون هدايا الخطبة على أنها هبة ، وللواهب أن يرجع في هبته إلا إذا وجد مانع من موانع الرجوع بالهبة ، كهلاك الشيء أو استهلاكه ، وبالتالي فإن كان ما أهداه الخاطب موجودا فله استرداده ، وإن هلك أواستهلك أو حدث فيه تغيير فلا حق للخاطب في استرداد بدله (1) .
ثالثا : حكم الضرر المترتب عن العدول عن الخطبة
من المعلوم فقها وقضاءا أن الخطبة ليست عقدا ملزما ، وإنما هي مجرد وعد شفهي بإبرام عقد الزواج في المستقبل ، وعليه فيجوز لكلا الطرفين العدول . ولكن قد يترتب عن العدول ضرر للمعدول عنه فهل على العادل التعويض عن الضرر ؟
- قانون الأسرة نص في المادة (05) ف 03 على التالي ( إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين ، جاز الحكم له بالتعويض )
فما سند هذا في الفقه المالكي ؟
انقسم الفقه والقضاء بشأن هذه المسألة إلى فريقين : ـ الفريق الأول : يرى لزوم التعويض ويكيف الخطبة على أنها اتفاق ملزم أووعد بالتعاقد في وقت لاحق ، فالعدول عن هذا الالتزام يوجب التعويض عن الضرر إلا إذا أثبت العادل سببا معقولا ، وهذا رأي الشيخ شلتوت شيخ الأزهر سابقا ـ الفريق الثاني : لا يقول بالتعويض لأنه يرى بأن العادل استعمل حقه وهو حق غير مقيد بشرط ولا ضمان ، والضرر الناتج للطرف الآخر هو بسبب اغتراره فكان عليه أن يتفاداه .
ولكن الناظر في مسلك القولين يجد نوعا من المغالاة عند الفريقين فالفريق الأول أخرج الخطبة عن طبيعتها وجعلها عقدا مما يفرز نوعا من الإكراه على إتمام عقد الزواج ، وهذا يتنافى مع روح الشريعة والقانون أما الفريق الثاني فقد نظر إلى الخطبة على أنها وعد بالزواج ، وأن العدول حق مقرر للطرفين ، وفاته التعسف في استعمال الحق الذي يترتب عليه الضرر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) د/ الزحيلي ، المرجع السابق ، ص 26
وإزاء هذين الرأيين انتهى القضاء بمصر إلى مباديء ثلاثة ذكرها الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري
1 - الخطبة ليست بعقد ملزم
2- مجرد العدول عن الخطبة لا يكون سببا للتعويض
3 – إذا اقترن العدول عن الخطبة بأفعال ألحقت ضررا بأحد الخاطبين جاز التعويض عن الصرر على أساس المسؤولية التقصيرية (إثبات الخطبة والضرر)
وهذا يمكن إعتماده في الفقه الحديث عملا بقواعد الشريعة الإسلامية مثل تحريم التغرير ، والتسبب في الضرر يوجب الضمان ، لا ضرر ولا ضرار ، كما يتلائم ونظرية التعسف في استعمال الحق التي أخذ بها المالكية والحنابلة ، و يمكن تأصيل التعويض عن الضرر بمبدأ الإلتزام في الفقه المالكي في مشهور الأقوال وهو أن الوعد بشيء يقضي بتنفيذ الوعد إن كان مبنيا على سبب ، ودخل الموعود بالسبب أي فيجب الوفاء بالوعد المعلق على سبب وباشر الموعود السبب ونفذه كترك منصب عمل مثلا .
المبحث الثالث : أركان عقد الزواج
الركن عند جمهور الفقهاء ما به قوام الشيء ووجوده ، فلا يتحقق إلا به وهو مالا توجد الماهية الشرعية إلا به ، فأركان النكاح الصيغة أي الايجاب والقبول ، والمحل وهما الزوج والزوجة ، وولي الزوجة.
المطلب الأول : الصيغة
وهي اللفظ الدال على النكاح أوعلى حصوله وتحققه إيجابا وقبولا (1) وهي اللفظ المعبر عن إرادة الطرفين ورغبتهما في إتمام عقد الزواج والصيغة هي الركن المتفق عليه بين المذاهب وهي أن يقول ولي المرأة زوجت فلانة لفلان ، ويقول الزوج أو وكيله قبلت النكاح لنفسي أو لموكلي قال سبحانه على لسان شعيب ((إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تاجرني ثماني حجج )) الآية27سورة القصص وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي رغب في نكاح المرأة التي وهبت نفسها للنبي (إذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرءان ) (2)
القاعدة العامة في صيغ العقود أنها تكون بكل ما يدل على الرضا دون التقيد بالفظ مخصوص ، لأن الاعتداد في العقود بالمقاصد والمعاني دون الألفاظ والمباني إلا أن عقد النكاح لما له من خصوصية أولى العلماء الصيغة التي ينعقد بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) الحبيب بن الطاهر : الفقه المالكي وأدلته ، الطبعة 03 ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، لبنان ، سنة 2005 ، الجزء 03، ص204
(2) الغرياني ، المرجع السابق ، ص 514
مزيدا من الاحتياط ، فاشترطوا في الصيغة التي ينعقد بها الزواج أن تكون بلفظ الزواج والنكاح ، لأنهما لفظان صريحان في التعبير عن المقصود وتكون الصيغة في النكاح بلفظ الماضي مثل أنكحت ، ولا ينعقد النكاح مثل أزوجك ولا بلفظ الأمر مثل تزوج ابنتي لأن صيغة المضارع تدل على مجرد الوعد بالنكاح ، والأمر يدل على الطلب إلا إذا وجدت قرينة تدل على العزم على وقوع النكاح مثل حفلة عقد الزواج (1) .
وزاد علماء المذهب أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة مع ذكر الصداق لقوله تعالى ((وامرأة مومنة إن وهبت نفسها للنبي )) وحديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ّ، وألحق جماعة من علماء المذهب بلفظ الهبة كل لفظ يفيد البقاء مدى الحياة ، فإنه ينعقد به النكاح إذا ذكر معه الصدااق مثل أن يقول الولي أعطيتك أو منحتك ابنتي بصداق قدره كذا .
ينعقد النكاح من الأخرس بالإشارة ، أو الكتابة التي تفيد الايجاب والقبول ، كما يجوز أن يعبر بالكتابة وباللفظ العجمي للقاعدة السابقة ، وخلاصة القول يشترط.
في الصيغة :
1- إتصال الإيجاب بالقبول أي في مجلس واحد
2- أن يكون التعبير عن الرضا فوري لا لبس فيه ولا غموض ولا خيار
3- وجود الإرادة الحرة والكاملة
4- صيغة التأبيد لأن كل ما يدل على التأقيت يدخل العقد في نكاح المتعة .
- أما قانون الأسرة فنصت المادة (09) منه قبل التعديل ( يتم عقد الزواج برضا الزوجين ، وبولي الزوجة وشاهدين وصداق ) فهذه كانت أركان عقد الزواج في القانون استنادا إلى قول ابن أبي زيد رحمه الله ( لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل ) لكن بعدد تعديل قانون الأسرة بموجب الأمر05/02 أصبح نص المادة (09) ( ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين ) من خلال المادة نجد أن القانون أخذ بالرضا كركن وحيد لعقد الزواج أما الولي والصداق والشهود فأصبحت شروط للعقد تضمنها المادة (09) مكرر والرضا أمر خفي يعبر عنه بالايجاب والقبول والملاحظ من خلال المادة (09) أن القانون قد حاذ عن المذهب المالكي إلى المذهب الحنفي ، لكن القانون سكت عن كيفية التعبير عن الرضا ، هل يكون شخصيا في مجلس العقد ؟ أم يكون بواسطة الولي أو المفوض أو الوكيل الخاص (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرياني ، المرجع نفسه ، ص 514 ، 515
(2) المستشار عبد العزيز سعد ، المرجع نفسه ، ص 39
ونصت المادة (10) عن التعبير عن الرضا ( يكون الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الأخر بكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا .
ويصح الإيجاب والقبول من ا لعاجز بكل ما يفيد معنى النكاح لغة أو عرفا بالكتابة أو الاشارة )
المطلب الثاني : ولي الزوجة
مسألة الولي في عقد الزواج أثارت ضجة كبيرة، وأسالت الكثير من الحبر بعد تعديل قانون الأسرة بموجب الأمر 02/05 ، وهذا ما سنتعرض له في هذا المطلب وما المذهب الذي أخذ به القانون . الفرع الأول تعريف الولاية :
الولاية في الزواج هي تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه (1) أو هو الذي يتولى العقد نيابة عن الزوجة كونه أبا أو وصيا أورجلا من عامة المسلمين أو حاكما ، فالمرأة لا تتولى عقد نكاحها بنفسها فالقرءان يسند عقد النكاح على المرأة للرجال قال تعالى (( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن )) الآية سورة البقرة قال الشافعي هي أصرح ءاية في اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ، ويقول سبحانه (( ولا تنكحوا المشركين حتى يومنوا )) الآية سورة البقرة
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) رواه أخمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي و حديث أبي بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا نكاح إلا بولي )
وفي الباب عن عائشة وبن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس نفس المعنى ، فحمله الجمهور على نفي الصحة ، وحمله أبو حنيفة على نفي الكمال.
الفرع الثاني :الحكمة من الولاية في الزواج :
الولاية على المرأة في النكاح هي مظهر تكريم وتشريف للمرأة ، حيث نصب الشارع لها ممثلا يدافع عنها ويحامي عنها في عقد لو تولته لنفسها بنفسها لغلب عليها الحياء والعاطفة ، وأسقطت الكثير من حقوقها هذا في الجانب المادي ، أما في الجانب الأخر وهو الأهم أن يساهم في إختيار الزوج المناسب صاحب العقل والدين والخلق ، الذي يصون المرأة ويحفظ حقوقها لأنه الأكثر تجربة وتبصرا بحقائق الأمور ، أما المرأة فقد تغلب عليها العاطفة العابرة لرغبتها في الزواج فتتعلق بالشاب الذي يطلبها لمظهره دون روية ، لغلبة الهوى ورهافة الحس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) أ/عيسى حداد : عقد الزواج دراسة مقارنة ، منشورات جامعة باجي مختار ، عنابة ، سنة 2006 ، ص 119
مبدأ الولاية في عقد الزواج يقوم على أساس التضامن في تحمل مسؤوليات هذا العقد ، لأنه عقد لا تعود أثاره على الزوج والزوجة فحسب بل يصيب الأهل والأولياء شيء من أثاره ،تكريما وإعزازا ، عارا وحطة ، فالولاية بهذا لا تعني الحط من شأن المرأة (1) بل هي مظهر من مظاهر إعزازها وتشريفها
الفرع الثالث : شروط صحة الولي (2)
يشترط المذهب المالكي فيمن يتولى العقد نيابة عن الزوجة 1- الذكورة : فلا يصح العقد من أنثى والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ) رواه بن ماجه في باب النكاح ولو كانت المزوجة وليتها امرأة بالوصية ، فإن هذه الوصية توكل ذكرا يتولى عنها العقد ، فإن لم توكل وتولت العقد بنفسها فسخ أبدا أي قبل الدخول وبعده 2- البلوغ : فلا يصح نكاح الصبي لعدم أهليته 3- العقل فلا يصح من مجنون ومعتوه وسكران 4- الإسلام : وهذا الشرط في خصوص المسلمة ، فلا يصح أن يتولى عقد نكاحها كافر ، ولو كان أباها لقوله تعالى (( ولن يجعل الله للكافرين على المومنين سبيلا )) الآية سورة النساء 5- خلو الولي من الإحرام بحج أو عمرة 6- عدم الإكراه : فلا يصح العقد من مكره ، لأن الإكراه من مفسدات الرضا وهو عام في جميع العقود .
ولا تشترط العدالة في الولي لأن فسقه لا يخرجه عن الولاية ، كما لا يشترط الرشد ،لأن الولاية لا تدخل في مجالات الحجر على السفيه.
الفرع الرابع : أقسام الولاية :
تنقسم الولاية في المذهب إلى ولاية الاجبار ،وولاية الاختيار 1- ولاية الإجبار: وهي سلطة ثابتة شرعا بمقتضاها يستطيع الولي إجبار المولى عليه من غير موافقته ورضاه بسبب الصغر والبكارة أو فقدان العقل (3) . والولي المجبر هو الأب ووصيه دون غيرهم لقوله تعالى (( وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )) الأية سورة النور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ الغرياني : المرجع السابق ،ص 557
(2) الحبيب بن الطاهر : المرجع السابق ، ص 226 ، 227
(3) أ/ عيسى حداد : المرجع السابق ، ص 124
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها )
ولكن للولي المجبر أن يزوح من في ولايته بغير رضاها من كفء ، أما إن زوجها من غير كفء مع امتناعها أو اعتراضها كان عاضلا قال الشيخ خليل رحمه الله ( ورضاء البكر صمت .. وإن منعت أو نفرت لم تزوج ،لا إن ضحكت أو بكت ) (1).
2- ولاية الإختيار : هي التي لا يستطيع الولي أن يستبد بتزويج المولى عليها بل لابد أن تتلاقى إرادة الزوجة مع إرادة الولي ، وتشترك في الاختيار و يتولى هو الصيغة (2) .
وهذه الولاية تثبت للثيب البالغة فستأذن ولو كانت سفيهة ن ويكون إذنها بأن تعرب عما في ضميرها من رضا أو امتناع ، ولا يكتفى منها بالصمت وألحق المالكية بالثيب البالغة في الإعراب بالقول بعض الأبكار وهن كما قال الشيخ خليل في مختصره ( والثيب تعرب : كبكر رشدت ، أو عضلت ، أو زوجت بعرض ، أو برق ، أوبعيب ،أو يتيمة ، أو افتيت عليها ) (3) .
فالولاية عند الإمام مالك معتبرة بالتعصيب إلا الابن، فمن كان أقرب عصبة كان أحق بالولاية ، والأبناء عنده أولى وإن سفلوا ، ثم الأباء ثم الاخوة للأب والأم ثم للأب ،ثم بنو الاخوة للأب والأم ثم للأب فقط ثم الأجداد للأب وإن علوا ، ثم العمومة ، ثم المولى ثم السلطان ، والمولى الأعلى عند الامام مالك أحق من الأسفل ، والوصي أولى من ولي النسب (4)
الفرع الخامس : أثر تخلف الولي في عقد الزواج عند الإمام مالك :
إذا وقع العقد بدون ولي فإنه يفسخ مطلقا قبل الدخول وبعده ، ولو طال ولا حد في ذلك على الزوجين للأدلة المتفدمة ، اما قوله صلى الله عليه وسلم ( فإن الزانية هي التخي تزوج نفسها ) فإنه محمول على المبالغة وشدة الزجر ، ويؤِيد هذا المحمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة ( فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ) فانتفى بذلك الحد عنهما (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) الشيخ خليل بن إسحاق : مختصر العلامة خليل ، صححه وعلق عليه الشيخ أحمد نصر ، ص113
(2) أ/ عيسى حداد :المرجع السابق ، ص 120
(3) الشيخ خليل : المختصر ، ص 113
(4) ابن رشد الحفيد : المرجع السابق ، ص16
(5) الحبيب بن الطاهر : المرجع السابق ، ص209 ، 210
الفرع السادس : الولي في قانون الأسرة :
أما قانون لأسرة قبل التعديل كان يعتبر الولي ركنا من أركان عقد الزواج استنادا إلى المذهب المالكي طبقا للمادة (09) ( يتم عقد الزواج برضا الزوجين ، وولي الزوجة وشاهدين وصداق ) لكن بعد تعديل القانون بموجب الأمر 05/02 أدرج المشرع الولي ضمن شروط عقد الزواج حسب نص المادة (09) مكرر ( يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية :
- أهلية الزواج
- الصداق
- الولي
- شاهدان
- انعدام الموانع الشرعية .
وقراءة للمادتين (11) (13) من القانون
المادة (11) ( تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص تختاره )
المادة (13) ( لا يجوز للولي ، أبا كان أو غيره ، أن يجبر القاصرة التي في ولايته على الزواج ، ولا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها )
نصت المادة (11) على حضور الولي ، ونصت المادة (13) على أن القاصرة لا تعقد زواجها إلا بوليها دون أأن تكون له سلطة الإجبار .
ويتضح من خلال قراءة المادتين أن المشرعين الجزائريين قد تحولوا عن المذهب المالكي وأخذوا برأي المذهب الحنفي وهو الذي لا يقول بولاية الإجبار إلا على الصغار وذلك واضح من خلال منطوق المادة (13) من ق أ ج فظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن للمرأة العاقلة البالغة تزويج نفسها وابنتها الصغيرة ، وتتوكل عن الغير لكن لو وضعت نفسها عند غير كفء فللأولياء الاعتراض وعبارتهم ( ينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم بعقد عليها ولي ، بكرا كانت أم ثيبا ، والولاية مندوبة مستحبة فقط ، وعند محمد بن الحسن ينعقد موقوفا )(1)
ودليلهم من القرءان إسناد النكاح إلى المرأة في قوله تعالى ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره )) الأية سورة البقرة
وقوله جل شأنه (( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن )) الأية سورة البقرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) د/ الزحيلي : المرجع السابق ،ص 84
وقوله (( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف )) الأية سورة البقرة ، هذه الأيات صريحة في أن زواج المرأة يصدر عنها ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام ( الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر )
- أثر نخلف الولي حسب قانون الأسرة :نصت المادة (33/ف2) المعدلة بالأمر 02/05 ( إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه ، ويثبت بعد الدخول بصداق المثل ) فعقد الزواج في القانون إذا فقد شرطا من شروطه الواردة في المادة (09) مكرر يكون قابلا للإبطال .
المبحث الرابع : شروط عقد الزواج
يشترط في المذهب للزواج شرطان شهادة الشهود ، والصداق المطلب الأول : الإشهاد على الزواج :
بما أن عقد النكاح من العقود الخطيرة وتترتب أثار وحقوق كثبوت النسب والميراث والعدة ، اشترط الشارع الحكيم الاشهاد عليه سدا لباب الفساد وتمييزا للحلال عن الحرام .
الفرع الأول : وقت الاشهاد
الاشهاد مطلوب وقت العقد على وجه الندب فإن حصل العقد من غير إشهاد عليه فقد وجب الاشهاد بعد ذلك قبل الدخول وحمل فقهاء المالكية لفظ النكاح في حديث عائشة رضي الله عنها ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) على الوطء وليس على العقد (1) .
الفرع الثاني : خلاصة شروط الشاهدين في المذهب
يشترط في شاهدي عقد الزواج
1- التكليف ويقصد به أن يكونوا أهلا لتحمل الشهادة وذلك بالبلوغ والعقل ، فلا تصح شهادة الصبي ولو كان مميزا ، لأنه لا يتحقق بحضور الصبيان الإعلان والتكريم ، كما لا يتناسب حضورهم مع خطورة عقد الزواج كما لا تصح شهادة المجنون، إذ لا تتحقق الغاية من شهادة المجنون وهي إعلان الزواج وإثباته في المستقبل عند الجحود والإنكار وهذان الشرطان محل اتفاق بين الفقهاء .
2- التعدد أن تكون ـ الشهادة ـ برجلين من غير ولي الزوجة ،ولا تصح الشهادة برجل واحد ، ولا برجل وامرأتين ، لأن شهادة النساء تجوز في الأموال لا غير قال تعالى (( وأشهدوا ذوي عدل منكم )) الأية سورة الطلاق .
3- الذكورة فلا تصح شهادة النساء في هذا الباب قال الزهري ( مضت السنة ألا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق لأنه عقد ليس بمال ولا يقصد منه مال )
4- الحرية : شرط عند الجمهور فلا تصح شهادة العبيد لخطورة عقد الزواج ولأن العبد لا ولاية له .
5- العدالة : ولو ظاهرة فلا تصح شهادة فاسقين ولا مستوري الحال إلا إن عدما العدول فيكتفى بمستوري الحال للحديث ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) قال الصاوي ( يستكثر من الشهود وهو مطلوب في هذه الأزمنة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) الغرياني : المرجع السابق ،ص572 ( بتصرف )
6- الاسلام : وذلك في الزوجين المسلمين ويشترط سماع الشهود لكلام العاقدين وفهم المراد منه
التفرع الثالث : أثر تخلف الاشهاد في المذهب
إذا كان الاشهاد شرط صحة فإن دخل الزوج بدونه فإن النكاح يتعين فسخه بطلقة تكون بائنة ، وكونه يفسخ بطلقة لأن العقد صحيح ، وكونها بائنة لأنه جبري وقع بحكم القاضي ، ولا يتأتى أن يكون رجعيا ، لأن الرجعي يشترط فيه تقدم وطء صحيح ، ويحدا معا حد الزنا جلدا أو رجما إن حصل الوطء وأقرا به ، أو ثبت بأربعة شهود كالزنا (1) .
ولا يقام عليهما الحد إن فشا النكاح بينهما بشبهة ، كذلك إن وقع العقد بشهادة فاسقين ، أو فشوه بنحو ضرب الدف أو الوليمة لوجود الشبهة ، ولوجود قول الغير ، وكذلك لاختلاف الفقهاء هل الاشهاد شرط صحة أم شرط تمام . الفرع الرابع : موقف قانون الأسرة
بالرجوع إلى قانون الأسرة نجد أنه يعتبر الشهود شرط في عقد الزواج طبقا لما ورد في المادة (09) مكرر ( يجب أن تتوفر في عقد لزاج الشروط الآتية : أهلية الزواج ، الصداق ، الولي ، شاهدان ، انعدام الموانع الشرعية ) وسكت المشرع عن شروط الشهود ولم يشر إليها إطلاقا إلا شرط التعدد أي أن يكونا اثنين .
الفرع الخامس : أثر تخلف الاشهاد في القانون
في حالة إغفال شرط الاشهاد في عقد الزواج ذكر المشرع في المادة (33/ف2) بأنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعدده بصداق المثل .
المطلب الثاني : الصداق الفرع الأول : تعريف الصداق وشروطه وحكمه أولا تعريف الصداق : و هو ما تستحقه الزوجة من الزوج بسبب النكاح ، ويسمى مهرا ونحلة وفريضة وأجرا (2) ثنيا: شروطه ويشترط في الصداق
1- أن يكون متمولا شرعا : من عرض أو حيوان أو عقار
2- أن يكون طاهرا لا نجسا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) الحبيب بن الطاهر : المرجع السابق ، ص 189
(2) الغرياني : المرجع السابق ، ص 580
3-أن يكون منتفعا به شرعا إذ لا بقع التقويم بما لا ينتفع به كآلة اللهو
4-أن يكون مقدورا على تسليمه للزوجة
5-أن يكون معلوما قدرا وصنفا وأجلا
الفرع الثاني حكمه :
هو شرط صحة في عقد الزواج لا يجوز اشتراط إسقاطه فقد فرضه الله على الأزواج فقال تعالى ((وءاتوا انساء صدقاتهن نحلة .. ) الآية سورة النساء وقال سبحانه ((فما استمعتم به منهن فئاتوهن أجورهن فريضة )) الآية سورة النساء والصداق علامة على رغبة الرجل في المرأة وتكريمه إياها ، وفيه تعظيم لأمر الزواج ،وإعلاء لشأنه فلا يقدم عليه إلا من كان جادا صادقا في مبتغاه (1)
الفرع الثالث : استحقاق الصداق كاملا
1- وطء الزوج لزوجته بعد العقد ، ولو كان العقد فاسدا ولو مع مانع شرعي كالوطء وقت الحيض أو الإحرام قال تعالى (( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم .. )) الآية سورة البقرة ومعنى الآية أن الزوج إذا طلق زوجته قبل المسيس فعليه نصف الصداق المسمى فيفهم من الآية أنه إذا حصل الطلاق بعد الوطء فقد وجب الصداق كاملا .
2- موت أحد الزوجين قبل الدخول ، فيجب أن تأخذ الزوجة الصداق كاملا بموجب العقد ولو كان الزوج غير بالغ ، ولو كانت الزوجة غير مطيقة فقد سئل بن عباس رضي الله عنهما عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض لها صداقا قال ( لها الصداق والميراث )
هذا في نكاح التسمية ، أما نكاح التفويض فلا تأخذ فيه الزوجة المتوفي عنها زوجها شيئا قبل الفرض ، وهو مذهب مالك رحمه الله ومذهب بن عمر وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم .
3- الاقامة سنة في بيت الزوجية بعد الدخول بلا وطء في هذه الحالة تستحق الزوجة الصداق كاملا ، إذا كان قد فرض لها صداقا ، وكان الزوج بالغا والزوجة مطيقة للوطء ، لأن إقامة السنة مدة كافية في الاستمتاع فتقوم مقام الوطء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) الغرياني : المرجع السابق ، ص 606
الفرع الخامس : استحقاق الزوجة نصف الصداق
تستحق الزوجة نصف الصداق إذا طلقت قبل الدخول وسمي لها صداقا للآية (( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم .. )) الآية سورة البقرة .
الفرع السادس : حالة التنازع في قبض الصداق
إذا اختلف الزوجان في قبض الصداق قبل الدخول فأنكرت المرأة القبض ، وادعى الزوج دفع الصداق ولا بينة لأحدهما فالقول قول الزوجة مع اليمين لأنها المنكر للقاعدة ' البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ''
فإذا حصل الاختلاف بعد الدخول ، وادعت المرأة عدم قبض الصداق ، وادعى الزوج دفع الصداق ، صدق الزوج بيمينه لأن قوله يترجح بتمكينها نفسها له (1)
الفرع السابع : أثر تخلف شرط الصداق
إذا أغفل الصداق في عقد الزواج أو كان فاسدا لفساد شرط من شروطه فإنه يفسخ قبل الدخول وجوبا ، ويثبت بعده بصداق المثل وذلك قياسا على البيع الفاسد لفساد العوض ، فإنه يفسخ قبل فوات السلعة ولا يفسخ بعد الفوات (1) .
الفرع الثامن : الصداق في قانون الأسرة
عرفته المادة (14) ( الصداق هو ما يدفع نحلة للزوجة من نقود أو غيرها من كل ماهو مباح شرعا ، وهو ملك لها تتصرف فيه كما شاءت ) وقد جرى القانون في ذلك على ما جرى عليه المذهب واعتبر القانون شرطا من شروط صحة الزواج استنادا للمادة (09) مكرر كما اشترطت المادة (15) تحديد الصداق فقد ورد فيها (يحدد الصداق في العقد ، سواءا كان معجلا أو مؤجلا )
ولكن كره فقهاء المذهب تأجيل المهر إلا أن يكون إلى أجل معلوم ، كما لا يمكن تأجيله كله بعد الدخول ولعل المشرع الجزائري في هذه المسألة نحى منحى المذهب الحنفي ونصت المادة (16) على حالات استحقاق الصداق ( تستحق الزوجة الصداق كاملا بالدخول أو وفاة الزوج ، وتستحق النصف عند الطلاق قبل الدخول) أما أثر تخلفه فنرجع إلى المادة (33) من ق أ ج والقاعدة عند أهل القانون أن الفقه هو مصدر من المصادر التفسيرية للقانون ، فيرجع إليه في كل مالم يرد فيه نص في القانون كما ورد في قانون الأسرة طبقا للمادة (222)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
(1) الحبيب بن الطاهر :المرجع السابق ، ص 284
خـاتمـة
لاحظنا من خلال هذا البحث البسيط أن المشرع الجزائري قد أخذ بالمذهب الحنفي في كثير من المسائل المتعلقة بعقد الزواج وذلك لعدة أسباب منها ظهور تيارات فكرية في الجزائر ، بين متشدد في مجال الأحوال الشخصية وبين متساهل وبين وسط بين هذين ، وبين من ينادون بحرية المرأة المطلقة ، ومن ينادون بدمج قانون الأسرة في القانون المدني تماشيا مع قوانين الغرب استجاب المشرع الجزائري إلى هذه المطالب معدلا قانون الأسرة بموجب الأمر الرئاسي 02/05 المؤرخ في 27/02/2005 بحثا عن مرونة الأحكام في غير المذهب المالكي من أجل إرضاء كثير من التوجهات والتيارات ومن أكبر المآخذ على قانون الأسرة الجزائري عدم تقييد ه لقضاة الموضوع بمذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي ، وهو ما نصت عليه المادة (222) (كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الاسلامية )
وهذا ينجر عنه كثير من التناقضات في الأحكام في حين نجد بعض القوانين العربية في جانب الأحوال الشخصية تقييد القضاة بمذهب معين فقد نصت مدونة الأسرة المغربية في المادة (400) كل ما لم يرد به نص في هذه المدونةيرجع فيه إلى المذهب المالكي ، والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الاسلام ، في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف ) ورد في المادة (305) من قانون الأحوال الشخصية السوري ما نصه ( كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي ) ولكن يبقى الشيء الايجابي في هذا القانون هو قداسة مرجعيته وهي الشريعة الاسلامية .
المراجع
1- القرءان الكريم
2- د/ وهبة الزحيلي : الفقه الاسلامي وأدلته ، الطبعة 02 ، دار الفكر ، سورية ، دمشق ،سنة1985 م
3- ابن رشد الحفيد : بداية المجتهد ، الطبعة 01 ، دار العقيدة ، الاسكمدرية ، مصر سنة 2004 ، الجزء 02
4- د/ الصادق عبد الرحمن الغرياني ، مدونة الفقه المالكي وأدلته ، الطبعة 01 ، مؤسسة الريان ، بيروت ، لبنان ،سنة 2006
5- الحبيب بن الطاهر : الفقه المالكي وأدلته ، الطبعة 03 ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، لبنان ، سنة 2005 ، الجزء 03
6- أ/عيسى حداد : عقد الزواج دراسة مقارنة ، منشورات جامعة باجي مختار ، عنابة ، سنة 2006
7- خليل بن إسحاق : مختصر العلامة خليل ، صححه وعلق عليه الشيخ أحمد نصر
8- المستشار:عبد العزيز سعد،قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد الطبعة 02، دارهومة ، الجزائر، سنة 2008
9- أ / نبيل صقر : الدليل القانوني للأسرة ، الطبعة 01 ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، سنة 2007