logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





19-09-2016 11:18 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 30-03-2013
رقم العضوية : 157
المشاركات : 462
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 310
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب

أهم الإتجاهات النظریة في
علم الاجتماع السیاسي

مقدمة
إن المتتبعین لحركة علم الاجتماع ، یلاحظون تعدد وتباین وتزاید الكتابات حول نظریة هذا العلم ، لعل ذلك كله یرجع إلى الأهمیة النظریة بالنسبة لنمو العلم وتقدمه، وانٕ كانت الكتابات في أغلبها، تحاول تحلیل الارتباط بین النظریة والاتجاهات والمذاهب الفكریة والإیدیولوجیة والأخلاقیة، وذلك من أجل الوصول بنظریة العلم إلى وضع یمكنه من تحقیق أهداف الوصف والفهم والتفسیر والتنبؤ والضبط والتحكم بالظواهر التي یهتم بدراستها.
لذا فإن أغلب مؤرخي علم الاجتماع السیاسي، والمهتمين بدراسة تاریخه، یكادون أن یتفقوا على أن هذا العلم قد نشأ كنسق معرفي متمیز، في أحضان النظریات السوسیولوجیة الكبرى في أوروبا، خاصة في عصر التنویر، حیث یذهب إلى ذلك (أرفینج زایتلن) في معالجته المستفیضة للنظریة الاجتماعیة وعلاقتها بالأیدیولوجیة، خاصةعندتحلیله للأسس الفلسفیة لأفكارعصرالتنویر، والاتجاهات المحافظة والرادیكالیة، منذ ظهور أفكار( سان سیمون وأو جست كونت وماكس فیبر وباریتو وامیل دوركایم و كارل مانهایم... الخ)
لقد أسهمت مثل هذه الكتابات والمحاولات العلمیة، في توجیه الاهتمام نحو الأیدیولوجیة كمعیار لتصنیف التراث النظري في علم الاجتماع، وعملت من ناحیة أخرى على بلورة فكرة تقسیم ذلك التراث إلى اتجاهین نظریین أساسیین، هما: (المادیة التاریخیة، والبنائیة الوظیفیة).

غیر أنه من الملاحظ على هذه الكتابات، أنها قد انصرفت في أغلبها نحو الماضي، متتبعة التراث النظري لعلم الاجتماع منذ البدایة، في محاولة لعرض وتفسیر أفكار أقطاب هذا العلم.
إن دراسة النظریات السیاسیة، تلقى اهتماما كبیرا من قبل المتخصصین في علم الاجتماع السیاسي ، لأنها تعد جزء من النظریة السوسیولوجیة العامة التي یقوم علیها علم الاجتماع العام وفروعه المختلفة ، كما تحظى دراسة هذه النظریات باهتمام العلوم السیاسیة وكذلك العلوم الاجتماعیة الأخرى ، ومرد ذلك إلى طبیعة تعقد الظاهرة السیاسیة وباعتبارها أحد أنواع الظواهر الاجتماعیة (Political Phenomenon).
وفيما يلي نتناول الاتجاهات النظریة في مجال علم الاجتماع السیاسي بإیجاز، متتبعین في ذلك التطورات الفكریة والسیاسیة التي ظهرت مع بروز الحضارات البشریة الأولي، والتي ما تزال منبعا مهما لا یمكن تجاهله عند دراس الواقع الفعلي للتراث البشرى الذي تعیشه مجتمعات العصر الحدیث ، حیث نلاحظ ارتباط المفكرین والفلاسفة بدراسة الظاهرة السیاسیة وتطور الفكر السیاسي منذ العصور القدیمة، ثم العصور الوسطى، وخلال عصر النهضة والتنویر، حیث تنتهي هذه الحقبةالزمنیة تقریبا مع نهایة القرن السابع عشر أو بدایة القرن الثامن عشر، لتبدأ حقبة ثانیة لها روادها ومفكروها وظروفها الاجتماعیة والسیاسیة والعلمیة وتستمر على مدى القرنین الثامن عشر والتاسع عشر، حیث تم تصنیفها في إطار النظریات السیاسیة الحدیثة، كما برزت مع نهایة القرن التاسع عشر و خلال القرن العشرین اتجاهات نظریة معاصرة، لها آراء متعددة حول القضایا والمشكلات السیاسیة التي یهتم بمعالجتها علم الاجتماع السیاسي.

أولا : الاتجاهات النظریة في العصور القدیمة :
عند دراستة وتحلیل الظواهر السیاسیة بصفة خاصة، وللظواهر الاجتماعیة بصفة عامة، فإنه لا يمكن تجاهل موضوعین أساسین:
1- الرجوع إلى الجهود العلمیة والفكریة الكبيرة الناتجة عن جهود العدید من المفكرین والفلاسفة في العصور القدیمة، التي سبقت نشأة الدولة بمفهومها الحديث.
2- بروز بعض الفلاسفة والمفكرین كرواد في هذا المجال، لهم توجهاتهم الفكریة التي برزت من خلال الواقع المعاش في مجتمعاتهم، ولا تزال صالحة للقیاس علیها عند معالجة بعض القضایا الأساسیة التي یتناولها العلم في عصرنا الراهن.

الفكر السیاسي الإغریقي (اليوناني)القدیم :
وبرزت اهميته نظراً لاهمیة الأفكار والتوجهات النظریة لبعض الفلاسفة الذین برزوا في ذلك العصر، ومن أهمهم: (أفلاطون) الذي مزجت فلسفته السیاسیة بین الواقعیة والمثالیة، وذلك في مؤلفاته وكتبه كـ (الجمهوریة، والسیاسي، ورجل الدولة، والقوانين) التي رسم فیها الخطوط الرئیسة لنظريته وتحلیلاته السیاسیة والأخلاقیة والقانونیة والفلسفیة، التي عكست طبیعة نظام دولته (المدینة الفاضلة)، كما أن تحلیلات إفلاطون عن الطبقات الاجتماعیة، خلقت معادلة اجتماعیة واقتصادیة ونفسیة، حيث ركز على البناء الاجتماعي الذي یقوم على أساس طبقي لغرض العمل . على إشباع حاجات مجتمع المدینة وتحقیق ذاتیة كل طبقة .

إن جوهر أفكار إفلاطون، هو محاولته تجاوز الواقع المریر الذي یعصف بالمجتمع الیوناني من مشكلات وصعوبات ، والبحث عن مجتمع یخلو من كل المظاهر والظواهر الاجتماعیة السلبیة ، من هنا جاء كتابه ( الجمهوریة ) ، الذي طرح من خلاله مجتمع المدینة الفاضلة ، تلك المدینة التي تقوم على الفضیلة والعدالة ، والحكم للاصلح ، وتقوم على (أن الفضیلة هي المعرفة، والتخصص وتقسیم العمل، والطبقات الاجتماعیة، والعدالة، والتربیة والتعلیم، والرأي العام، ونظم الحكم).وعلى هذا الأساس ظهرت في مدينته الفاضلة طبقات اجتماعیة هي:
1- الحكام : ویمثلون رأس المجتمع أوعقله، ویكون أفراد هذه الطبقة من الفلاسفة والحكماء الذین ینبغي أن تتوفر لدیهم الحكمة والشجاعة والعدالة ، وبالتالي فإنهم مؤهلین لممارسة الحكم. ویرمز لهذه الطبقة بالذهب .
2- الجند : ویمثلون قلب المجتمع، وأفراد هذه الطبقة لهم حقوق، وواجبات تتمثل في الدفاع وحمایة الدولة داخلیا وخارجیا، ویرمز لهذه الطبقة بالفضة
3- العمال أو المنتجین : وهم یمثلون بطن المجتمع، ويتولون مهمة العملية الإنتاجية من ( زراعة، وحرف ، وتجارة ... الخ ) ، وتحتل هذه الطبقة المكانة الدنیا بین طبقات المجتمع ، وقد رمز لها بالحدید أو النحاس .
على ذلك فإن إفلاطون یعد بحق(أبو الفلسفة السیاسیة) حیث أثرى الفكر السیاسي بمساهماته التي تركت بصماتها على جهود العلماء الفكریة، وتحلیلاتهم السیاسیة.

ومن أهم مساهمات أفلاطون في الفكر السیاسي التالي:
فكرة أرستقراطیة المثقفین: بمعنى أن السلطة السیاسیة یجب أن لا تعطى للأغنى أو الأقوى أو للأكثر عراقة، بل یجب أن تعطى للأكثر تعلیما ومعرفة.
أفكاره في دیمقراطیة التعلیم والمساواة المطلقة في تكافؤ الفرص لكافة أبناء الشعب وطبقاته ، بصرف النظر عن الوضع الاجتماعي أوالجنس.
أفكاره وآراءه في تدهور الحكومات ومیلها للانهیار إلى الأسوأ، نتیجة لتغلب نزعات أدنى عند الحكام.
اعتقاده بأن المجتمع مكون من أنظمة ( سیاسية، وأسرية، ودینية، واقتصادية) متصلة ببعضها، وأن أي تغییر یطرأ على أحدها ینعكس على بقیة أنظمة المجتمع.
العلاقة بین الفرد والدولة: فالرئیس ینبغي أن یكون خبیرا بالفلسفة، ویجب أن یضحي بنفسه من أجل خدمة المجموع، كما أن الجماعة أهم من الفرد.
كان یعتقد بأن العدالة لا یمكن أن تتحقق في المجتمع دون اعتماده على مبدأ تقسیم العمل والتخصص فیه. فالفرد من أي الطبقات الثلاث یجب أن یؤدي عمله المؤهل له، وعلى كل طبقة القیام بعملها الخاص دون تدخلها بمهام ومسؤولیات الطبقات الأخرى.

توما الاكويني:
الذي ربط بین السیاسة والأخلاق، انطلاقا من الموجهات الدینیة والثقافیة والاجتماعیة التي مرت بها مجتمعات العصور القدیمة والوسطى بصورة خاصة . وقد تناول الفكر السیاسي عند (توما الاكو یني: 1225م) أفكار أرسطو ونظریته السیاسیة بالشرح والتحلیل، خلال القرن (13م) وذلك في كتابه(حكومة الأمراء ) حيث حرص على:
أن یخضع الجمیع لطبیعة السلطة القانونیة ما جعله یربط عموما بین السلطة أو نظام الحكم والنظام القانوني.
طبيعة العلاقة بین السلطتین الدينية والحاكمة والخلاف بينهما. وأن تسیر أعمالها وفقا للقانون.
انتقد كثیرا نظام الحكم الاستبدادي، بل وحث الجماهیر على ضرورة مقاومة هذا النوع من الحكم .

الفكر السیاسي الإسلامي :
أما إسهامات المفكرین السیاسیین الإسلامیین فقد كانت منبعا خصبا أدى إلى تطور وازدهار العلوم السیاسیة والاجتماعیة بوجه عام، یأتي في مقدمتهم ابن خلدون، وابن الأزرق، والفارابي، والكثیرین غیرهم.
ابن الازرق: لقد ساهم أبي عبدا لله محمد بن الأزرق الذي توفى سنة 1491م مساهمة فعالة في التأسیس لعلم الاجتماع السیاسي، خاصة في كتابه (بدائع السلك في طبائع الملك) الذي یعده البعض محاولة جدیدة لتنظیم أفكار ابن خلدون في مجال المیدان السیاسي والاجتماعي، حیث ركز على دراسة عدد من الظواهر السیاسیة، مثل السلوك السیاسي للحكام والمحكومین، ونظام الدولة، وأنماط الحكم السیاسي في المجتمعات البدویة والحضریة، كما ناقش أشكال الخلافة والعوائق التي تواجه الملك والخلافة ، وغیر ذلك من الموضوعات ذات العلاقة ، التي یعدها المتخصصون من أهم التحلیلات في دراسة أنماط السلوك السیاسي.

فقد كانت المقدمة الأولى تبحث في تقریر ما یوطن في النظر في الملك عقلا .
أما المقدمة الثانیة فتتناول تمهید في أصول الملك شرعا.
أما كتبه الأربعة فقد كانت مخصصة لدراسة السیاسة من جوانبها المختلفة:
فتناول الكتاب الأول: حقیقة الملك والخلافة وسائر أنواع الرئاسات.
أما الكتاب الثاني: فیعالج أركان الملك وقواعد بنائه.
فيما یتناول الكتاب الثالث: ما یطالب به السلطان تشییدا لأركان الملك وتأسیسا لقواعده.
والكتاب الرابع خصصه: لمعالجة عوائق الملك وعوارضه، أي الصعوبات التي تصادف الحاكم في بناء النظام وامٕكانیة تعرضه للانهیار وحدوث تغیرات سیاسیة ، وبذلك كان هذا التقسیم منطقي إلى حد كبیر، حیث یبدأ بالأسس والقواعد العامة التي تقوم علیها معالجة الأنظمة السیاسیة.

ثانیا : الاتجاهات النظریة الحدیثة والمعاصرة :
الاتجاهات النظریة منذ عصر النهضة : بعد أن كان المجتمع الأوروبي یرزح تحت وطأة العوائق والقیود التي كانت تحیط به في العصور الوسطى، فقد شهد تغیرات اقتصادیة كبیرة منذ نهایة القرن الخامس عشر كان لها أثرا كبیرا على الحیاة السیاسیة والاجتماعیة، حیث لم یعد نظام الحكم الذي ساد في الماضي صالحا لحركة التجارة والصناعة التي اتسعت دوائرها، نتیجة لتقدم وسائل المواصلات وفتح الأسواق الجدیدة، فكانت بدایة التغییر بانهیار الكنیسة الكاثولیكیة بفعل الثورات العديدة لتي مزقت البناء الديني القدیم من داخله، مما أدى الى انهیار البناءات الاجتماعیة الواقعیة، فوجد المجتمع الأوروبي نفسه في حالة من اللامعیاریة واللانظام، توجب معها على الافراد أن يبحثوا عن واقع جدید في إطار نظام اجتماعي مستحدث على أسس جدیدة، ليلبوا حاجاتهم الملحة.

إن تلك التغیرات التي حدثت في المجتمع الأوروبي بما صاحبها من انهیار واعٕادة بناء، قد خلقت نوعا من التفكیر المستنیر العلمي بعد سیادة التفكیر اللاهوتي (الديني) في مراحل سابقة، وقد أسس ذلك لبدایة عصر جدید یحترم تفكیر الأفراد واستخدام العقل في حل المشاكل الاجتماعیة والسیاسیة، و معالجة الانحطاط الأخلاقي المسیطر على المجتمع الأوروبي في حینه، بحیث انعكس كل ذلك على التوجهات السیاسیة التي طورت على ید العدید من المفكرین الإنجلیز والفرنسیین والإیطالیین، الذین عمدوا إلى إحداث تغییرات اجتماعیة وسیاسیة تهدف إلى تنظیم المجتمعات الأوروبیة بما یتلاءم مع العصر الجدید .

نظریات العقد الاجتماعي :
برزت نظریات العقد الاجتماعي، والتي یطلق علیها أحیانا نظریات العقد السیاسي في أعقاب عملیات الانهیار والتجدید في البنى المختلفة التي تعرض لها المجتمع الأوروبي إبان القرنین (15 و16م)لتعكس مرحلة تاریخیة سیاسیة جدیدة على المجتمعات الإنسانیة، إلا أن صیاغة المجتمع الجدید قد استغرقت الفترة ما بین عصر النهضة وعصر التنویر، أي الفترة التي استمرت حتى نهایة القرن (18م) وطرحت خلالها تصورات عدیدة متباینة ومتناقضة أحیانا، إلا أنها جمیعا تتفق على عدم كفاءة النظام الديني القدیم لتنظیم الحیاة المجتمعیة، والبحث عن تأسیس نظام جدید یعطي للإنسان مساحة أرحب للمشاركة في صنع النظام الذي یدعم مشاركته في المجتمع ویساعد على النمو الملائم لإمكانیاته ، لذا فإن الفكر السیاسي خلال تلك الفترة خطى خطوات سریعة نحو طرح العدید من الأفكار التي من شأنها أن تعزز السلطة السیاسیة، وتضمن وجود حدود شرعیة متعاقد علیها بین الحكام والمحكومین ، تمثل ذلك في الآراء التي جاء بها كل من (هو بز، و لوك، و روسو) فیما كوّن بعد ذلك

1- توماس هوبز( 1588-1679م) :
حیث كانت منتشرة حالة من الفوضى الشاملة سادت المجتمع الأوروبي بشكل عام، وعلى وجه الخصوص المجتمع الإنجلیزي الذي عایشه "هوبز" و الذي خضع لمجموعة من الصراعات والحروب الأهلیة التي جعلت الحیاة السیاسیة غیر مستقرة، وظهرت علاقات من نوع جدید أدت إلى ظهور الحاجة للتأكید على التعاقدات في مجالات الحياة ومنها المجال السياسي (التعاقد الاجتماعي كاساس للحكم)، لذا نجد هو بز یعرف الظلم بأنه عدم إنجاز العهود.

ویمكن أن نلخص بعض أفكار " هوبز" السياسية في النقاط التالیة :
درس الطبیعة الإنسانیة مستعینا بالمناهج التي طورتها العلوم الطبیعیة، وبذلك استبعد المناهج المیتافیزیقیة والدينية التي كانت سائدة خلال العصور الوسطى، وقد فسر كل . من الدولة والمجتمع تفسیرا مادیا، فقال: (إن الإنسان وجد نفسه مع الآخرین
حیث یعیش الجمیع في حالة من الفوضى واللانظامیة وغیاب الرادع القانوني، ما أدى إلى انعدام إمكانیة العیش بسلام وطمأنینة)، وقد أطلق على هذه الحالة الأولیة اسم(الحالة الطبیعیة ) التي لا یخضع فیها الإنسان إلى قوانین الحركة الطبیعیة، بل یكون له عالمه الطبیعي الذاتي الذي یتكون من مجموعة من الغرائز والرغبات والدوافع النفسیة التي یسعى لتحقیقها ، إذن فإن مصدر التغییر في الإنسان حسب رأیه، هو تحقیق الأنانیة الفردیة .
لا یمكن أن یكتب الاستمرار للحیاة الاجتماعیة الطبیعیة التي كانت توجد في المجتمعات السابقة على وجود المجتمعات البشریة، وذلك لوجود دوافع أخرى للإنسان، تدعوه إلى التحرك نحو الأمن والاستقرار والسلام والتعاون، حیث ینتقل الإنسان بذلك من الحالة الطبیعیة المتوحشة إلى حالة الاجتماع أو المجتمع المدني، وذلك لا یتم إلا عن طریق التعاقد الاجتماعي.

دعا (هوبز) إلى دعم الملكیة المطلقة للقضاء على ما اسماه(حرب الكل ضد الكل) من أجل ايجاد الحكومات الاكثر استقرارا ونظامیة، وأن یكون مصدر القانون لیس النظام الاجتماعي وإنما سلطة الحاكم.
یرى (هوبز) بأنه لا حاجة للجماعات الوسیطة بین الفرد والدولة، كالكنیسة والنقابات التي ینظر إلیها على أنها مصدر لإنتاج الشقاقات، وأنها تجاوز على سیادة الدولة والحاكم، لذا یجب أن یتم التوازن بسلطة مركزیة قویة ومطلقة لصاحب السلطة السیاسیة، الأمر الذي يخولها تحقیق مهامها ومسؤولیاتها عن طریق التعاقد الذي یتم بین المحكومین والحاكم.

لقد جاءت أفكار هوبز هذه في مؤلفه (التنین) الذي يعده الدارسون لأعماله ، بأنه قد قدم حلا لبناء نظام اجتماعي یتحول بالأفراد من الحالة الطبیعیة اللانظامیة إلى المجتمع المدني والدولة الحدیثة ، إلا أنه كان حلا دیكتاتوریا .

2- جون لوك (1662- 1704م) :
یتفق " لوك " مع " هو بز " في أن الناس یكونوا في الحالة الطبیعیة قبل التحول إلى المجتمع المنظم، إلا أن نظرته للأفراد في إطار هذه الحالة یختلف تماما عن نظرة "هوبز"، فیرى أن للإنسان حقوقا مطلقة لا یخلقها المجتمع، وانٕما استحقها الإنسان بحكم إنسانیته، وأول هذه الحقوق الحریة التي تنشأ عنها المساواة والحقوق الأخرى، وهى : حق الملكیة والحریة الشخصیة وحق الدفاع عنهما، كما یرى بأن السلطة السیاسیة تنشأ بالتراضي المشترك والتعاقد الإرادي ، لأن أعضاء المجتمع جمیعهم أفراد ضمن الحالة الطبیعیة، وقد تعاقدوا لصیانة حقوقهم الطبیعیة ، وعهدوا لأحدهم بالحفاظ على هذه الحقوق لضمان بقاء المجتمع واستمراره.

لقد حرص " لوك " بأن یطور أفكار "هوبز" ولكن من منظور مختلف ، لذا فإن مساهمته الفكریة كانت تطویرا لنظریة العقد الاجتماعي أیضا ، ومن الممكن أن نلاحظ ذلك من خلال ما یلي :
یرى (لوك) أن الحالة الطبیعیة ـ حالة التوحش عندهوبزـ كانت صالحة جدا لحیاة الإنسان مع غیره من أبناء جنسه ، حياة یسودها الوئام والطمأنینة والاستقرار، وتحكمها قواعد عامة كالقوانین الطبیعیة التي عرفتها المجتمعات البشریة في تلك الفترة، حیث أن قانون الطبیعة یحدد تحدیدا كاملا كل حقوق الإنسان وواجباته.

يرى " لوك " بأنه رغم تلك السمات الإیجابیة الممیزة لحیاة الأفراد في الحالة الطبیعیة، إلا أن عیبها یكمن في أنها لا تشمل على تنظیم مثل القضاء والقانون المكتوب والعقوبات المحددة، لذا فإن القانون الوضعي لا یضیف شیئا إلى الصفة الأخلاقیة التي تتسم بها أنواع السلوك المختلفة ، إلا أنه یهیئ جهازا للتنفیذ الفعال.
یؤكد " لوك " على ضرورة الفصل بین الكنیسة والدولة والعمل على سیادة الحریة في إطار تأكیده على قیام المجتمع المدني ، كما أید الملكیة الخاصة باعتبارها حق مكفول للجمیع ، وهي حق طبیعي یقوم أساسا على العمل ولیس التملك أوالحیازة . فقط .

يرى (لوك) أن حیاة الأفراد في الحالة الطبیعیة یحكمها العقل، لذلك فإن الأفراد لا یتنازلون في العقد المبرم مع الحاكم عن كل حقوقهم الطبیعیة إلا بالقدر اللازم لكفالة الصالح العام .
یلتزم الحاكم أو السلطان باعتباره طرفا في العقد، بتسخیر سلطته في تحقیق الصالح العام واحترام الحقوق الطبیعیة للأفراد، في حین أنه إذا أخل بالالتزام فإنه یحق للأفراد فسخ العقد والثورة علیه.
یعدُ المتخصصون " لوك " من مؤسسي النظام الملكي(المقید) أو ما یسمى في أدبیات علم الاجتماع السیاسي الآن بالملكیة الدستوریة، لذلك فإن الحل الذي قدمه لمشكلة بناء النظام السیاسي في المجتمعات یعد من المنظور التقلیدي حلا دیمقراطیا .

جان جاك روسو ( 1712-1778م) مثل غیره من المفكرین تأثر (روسو) بالظروف الموضوعیة التي سادت مجتمعه الذي یعیش فیه ، فتأثر بالواقع السیاسي في فرنسا وغیرها من الدول الأوروبیة وخاصة بریطانیا، كما كان لأفكار(هوبز) في كتابه (التنین ) أصداء واسعة على بناءه الفكري.

وضع " روسو " أفكاره في نظریة العقد الاجتماعي التي أضافت لها أبعادا أساسیة متباینة مع أفكار سابقیه، وذلك في مؤ لفه (دروس عن الفن والعلم) وكان أساس أفكاره ما شاهده من انحرافات المجتمع الفرنسي التي كانت أساس تعمیمات تصوراته السیاسیة ، فكان " روسو " بذلك خیر معبر عن مشاكل فرنسا السیاسیة والاجتماعیة فیما قبل الثورة الفرنسیة. ویمكن أن نلخص بعض أفكاره في الآتي :
یرى " روسو " بأن الحیاة الأولى للإنسان هي الحالة الطبیعیة، أي حالة الفطرة التي تتسم بثلاثة مبادئ أساسیة، هي (مبدأ الحریة ومبدأ المساواة ومبدأ العدالة) كما یرى البعض بأنه قد أضفى علیها الطابع الرومانسي، حیث تتسم بالسعادة
والهناء والعواطف والحب والايثار، إلا أنه یر ى بأن الحالة الطبیعیة حالة (لا نظامیة) ولا توجد بها قوانین طبیعیة أو دینیة منظمة، لذا عاش الإنسان حیاة من العزلة الاجتماعیة .

لا یمكن أن تستمر الحیاة بهذا الشكل اللانظامي، لذلك سعى الإنسان إلى الحیاة الاجتماعیة المنظمة بشكل أفضل لغرض مواجهة مخاطر البیئة الطبیعیة والخارجیة، التي رغم ما فیها من إیجابیات إلا أن بها مظاهر سلبیة عدیدة، لهذا یرى " روسو " بأنه على الإنسان أن یتخلى عن حقوقه الطبیعیة من أجل إیجاد سلطة علیا تخضع للإرادة العامة، أي إرادة الشعب الذي یجب أن یكون هو صاحب السلطة السیاسیة.

إذا كان (هو بز) قد جعل السلطة والسیادة تتمثل في النظام السیاسي الملكي، و(لوك) قد ركز على أهمیة وجود السیادة في السلطة الملكیة المقیدة، فإن (روسو) حرص على أن تكون السلطة والسیادة للشعب وهي سلطة مطلقه.

من أجل تنظیم الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة لأفراد المجتمع، لجأ "روسو" إلى بناء القوة في المجتمع، حتى یستطیع أن یطلب من الأفراد الخضوع الكامل له، وهذا ما تجلى في تركیزه على الإرادة العامة التي لا تتجزأ، وهي غیر محددة النطاق، كما أنها تتطلب ولاء وطاعة من قبل الفرد في المجتمع، بذلك یلتزم كل مواطن بأن یقدم للدولة كل ما تطلبه منه، ویؤكد أن الحضور الكامل للدولة في حیاة الفرد لا يعتبر قهرا وانٕما یعتبر أساسا ضروریا لحریته.
نظرا لاستحالة العودة إلى الحالة الطبیعیة الأولى بسبب ظهور الطمع والحسد والأنانیة والسرقة والقتل في المجتمع، فقد أضطر المجتمع إلى تنظیم شئونه عن طریق التعاقد الاجتماعي بین أفراده لیعیشوا حیاة یتوفر فیها كل ما یشبع حاجاتهم الأساسیة بإطاعة القانون الذي یصون حریتهم ویحمیهم من العدوان، فیتنازل كل فرد عن أنانیته لمصلحة الجمیع، أي ما یسمى الآن بالمصلحة العامة. لكي يضمن حقوقه التي كفلها له القانون .
وتقوم التربیة بجانب القانون بدور هام في تثبیت القیم الاجتماعیة والأخلاق العامة حتى یمكن أن یستمر المجتمع ویحتفظ بتوازنه ، والدولة هي الهیئة التي تشرف على سیادة القانون.
وبذلك فقد قدم " روسو " حلا لمشكلة بناء النظام السیاسي یقترب من الدیمقراطیة الشعبیة المباشرة .

الاتجاهات النظریة في العصر الحدیث :
شهدت الفترة التاریخیة التي عایشتها المجتمعات الأوروبیة ، والتي أتفق على تسمیتها (بعصر الإصلاح والتنویر) والممتدة تقریبا حتى نهایة القرن (17م) شهدت الكثیر من الأحداث والتغیرات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة، التي أدت إلى انتقال تلك المجتمعات نقلات نوعیة كبیرة، كما تجسدت أهم نتائجها كذلك خلال القرن (18م) التي كان من أبرزها قیام الثورة الفرنسیة سنة(1789م) بالإضافة إلى التطور الاقتصادي الصناعي في بریطانیا، و شهدت ألمانیا خلال تلك الحقبة الزمنیة تقدما ثقافیا ملحوظا، فقد أدى تعدد هذه الأحداث التاریخیة والسیاسیة ومظاهرها الاجتماعیة والثقافیة، وذلك مع بدایة القرن (18م) وخلال القرن (19م) إلى ظهور مجموعة من النظریات السیاسیة التي تم تصنیفها في إطار النظریات السیاسیة الحدیثة، وقد كانت انعكاسا لمرحلة تاریخیة وسیاسیة جدیدة وهي مرحلة العصر الحدیث.

خلال هذه المرحلة الحدیثة، ظهرت مجموعة جدیدة من العلماء السیاسیین والاقتصادیین والاجتماعیین الذین یصنفون تحت علماء مرحلة العصر الحدیث، ووضعوا الكثیر من النظریات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة التي عبرت عن ملامح الحیاة في المجتمعات الحدیثة وخاصة في الوقت الحاضر.

وفيما يلي سيتم استعراض نموذجا واحدا من النماذج النظریة التي برزت خلال هذه المرحلة ، وكان لها تأثیرات لاحقة امتدت خلال قرون من الزمن، بل ومازال الجدل حولها إلى الآن بین مؤید ومعارض ومردد وناقد، كما هو الحال حول المواضیع والتوجهات النظریة الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة المهمة، حیث أن الاختلاف في وجهات النظر العلمیة هو أساس تقدم هذه العلوم.

النظریة الماركسیة :
شهد القرن التاسع عشر طرح أفكار سیاسیة متعددة تبلورت في العدید من النظریات، منها اللیبرالیة النفعیة، والاشتراكیة المثالیة، حتى جاء " كار ل ماركس " ( 1818- 1883م) لیضیف نظریة جدیدة سمیت نسبة إلیه بالماركسیة، فقد تأثر في ذلك بأحوال ألمانیا التي ولد بها، وبالأحوال السیئة التي كانت تعیش بمقتضاها الطبقة العاملة، خاصة ما نتج عن التصنیع وعدم نیل الطبقة العاملة لثماره، كما تأثر بعدم تطبیق المساواة التي تعد أساس الدیمقراطیة الغربیة، وقد كانت أفكاره تؤكد على أن النظام الرأسمالي، الذي كان سائدا في الغرب، لم یعد یتمشى مع مرحلة التصنیع، وأن ذلك النظام لا یمكن إصلاحه وانٕما یجب إحلال بدیل عنه.

لقد كان للعدید من العوامل الأثر الفعال على أفكار" ماركس " فقد أنتقل من ألمانیا إلى انجلترا التي عاش فیها معظم حیاته منفیا، ودرس القانون ثم التاریخ والفلسفة، وعمل بالصحافة ، وعندما أغلقت الصحیفة التي كان یعمل بها، رحل إلى باریس ودرس الاقتصاد السیاسي، وقد طرد من باریس فلجأ إلى بروكسیل، وقد شاركه أفكاره الثوریة التي تمیز بها زمیله وصدیقه " فردریك إنجلز " ، كما أنه مارس السیاسة منذ صغره – في نحو الثلاثین من عمره – عندما قام مع صدیقه إنجلز بكتابة أهم أعماله ( بیان الحزب بالشیوعي ) بتكلیف من ( عصبة الشیوعیین ) وهي جمعیة عمال دولية سریة ، وذلك في مؤتمرها المنعقد بلندن في نوفمبر 1847 ، حیث نشر هذا العمل بعدة لغات ، كما أن من أهم مؤلفاته أیضا والتي تبلورت من خلالها أهم أفكاره النظریة، كتاب ( رأس المال ) ، و( الإیدیولوجیة الألمانیة ) ، و( الصراعات الطبقیة في فرنسا ) ، و مساهمة في نقد الاقتصاد السیاسي ) ، و غیرها العدید من الأبحاث والمؤلفات في كافة المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والفلسفیة .

ویمكن أن نلخص إسهامات " كارل ماركس " النظریة في الآتي :
فسر المجتمع تفسیرا مادیا بحتاً، ملغيا كل التفسیرات المیتافیزیقیة – الدينية التي كانت سائدة في العصور القدیمة .
من الناحیة الفلسفیة فقد أخذ عن " هیجل " فكرة الدیالكتیكیة أو الجدلیة على أساس أن العالم قائم على التطور وفقا لعملیة دینامیكیة ولیست استاتیكیة جامدة، وان هذه العملیة تتكون في شكل متناقضات والتولیف بینها، إلا أنه اختلف عن "هیجل" الذي طبق ذلك على الأفكار الصرفة ، أما " ماركس " فقد طبقها على السلوك المادي، حیث یر ى أن المادة هي أساس الوجود ، وتبلور عن ذلك ثلاثة أسس قامت علیها الجدلیة المادیة الماركسیة وهي:
قانون وحدة الأضداد وصراعها، القائم على الإیمان بأن كل شيء يحتوي نقیضه، أي یحتوي على الشيء وضده أو السالب والموجب ، وأن هذا التناقض الصراع یؤدي إلى التطور ، وینطبق ذلك على النظام الرأسمالي، الذي يقوم على طرفين هما : البرجوازي الذي أمتلك وسائل الإنتاج ، والعامل (البروليتاري)،وهما متصارعان، ومن تصارعهما يتقدم التاريخ وصولا إلى الشیوعیة .
قانون تحول التغیرات الكمیة إلى نوعیة أو كیفیة .
قانون نفي النفي : الذي بموجبه ینتقل التاريخ من مرحلة إلى مرحلة، وكل مرحلة هي نفي للمرحلة السابقة علیها، بل واسمى منها.
أما المرحلة الأخیرة كما یرى ماركس، فهي النظام الاشتراكي الذي سیرث النظام الرأسمالي، وهو أولى خطوات الشیوعیة التي ینشد تحققها، كما یر ى أن هذا النظام حتمي الحدوث وفقا للمادیة التاريخية .
تم تحرير الموضوع بواسطة :أمازيغ بتاريخ:19-09-2016 11:21 صباحاً

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
الإتجاهات ، النظریة ، علم ، الاجتماع ، السیاسي ،









الساعة الآن 08:33 PM