مقدمة
كان الإنسان وحده في العصور الماضية هو الذي يكون طرفا ايجابيا أو سلبيا في الحق و بذلك كانت أطراف الحقوق دائما أشخاصا طبيعيين ، و لكن مع التقدم الحضاري في المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث شعر الإنسان بأنه يكون عاجزا عن القيام بالمشروعات الكبيرة بمفرده و أنه لا يكون قادرا على انجاز المنشات الاقتصادية الهامة وحده بل لابد له لكي يحقق الأهداف الحيوية من الانضمام إلى مجموعة من الأفراد الآخرين يساهمون معه بجهودهم الشخصية أو بأموالهم لإقامة المنشات الضخمة .[1]
و بانضمام الأشخاص الطبيعيين ، و بتكتيل أموالهم في تلك المؤسسات الاقتصادية الكبرى ، كان لمجموعات الأشخاص أو مجموعات الأموال أن تدخل الحياة القانونية في المجتمع تارة كأطراف موجبة لها حقوق ، و تارة كأطراف سالبة عليها التزامات .[2]
و من ثمة ظهر الشخص المعنوي أو ما يسمى بالشخص الاعتباري كشخص بديل عن الإنسان الذي يسمى بالشخص الطبيعي .
لم يعرف المشرع الجزائري الأشخاص الاعتباري تعريفا دقيقا بل عددت المادة 49 من القانون المدني الجزائري الأشخاص المعنوية المرادفة للأشخاص الاعتبارية و هي :
_ الدولة ، الولاية ، البلدية .
_ المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري .
_ الشركات المدنية و التجارية .
_ الجمعيات و المؤسسات .
_ الوقف .
_ كل مجموعة من أشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية .”[3]
و طالما أن القانون يعترف بالشخصية الاعتبارية معنى ذلك أن تصبح شبيهة بالشخص الطبيعي الإنسان فتنص المادة 50 من القانون المدني على أنه ” يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان ، و ذلك في الحدود التي يقررها القانون .
يكون لها خصوصا :
_ ذمة مالية .
_ أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون .
_ موطن و هو المكان التي يوجد فيه مركز إدارته .
_ الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج و لها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها ، في نظر القانون الداخلي في الجزائر .”
و يعرف الشخص الاعتباري على أنه مجموعة من الأشخاص أو من الأموال في إطار منظم يرمي إلى تحقيق هدف معين و تقوم هذه المجموعة على اعتبار أنها وحدة مستقلة عن أعضائها فهي شخص واحد متميز عن الأشخاص الذين يدخلون في تكوينه .
فإذا ما خرج الشخص الاعتباري عن الغرض المنشأ لأجله و كان هذا الخروج مجرما فعاقبا عليه طبقا لقانون العقوبات . فهل يمكن إقامة المسؤولية الجزائية ليس فقط على عاتق رئيسه أو مديره بل على الشركة بصفتها شخصا معنويا ؟
المبحث الأول : المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري في الفقه و القانون المقارن .
المسؤولية الجزائية هي مسؤولية المجرم الذي قام عن إرادة بارتكاب فعل مجرم قانونا و التزامه بتحمل نتائج أفعاله .
فالفقه الجنائي لا يختلف إذن حول صلاحية الشخص المعنوي لارتكاب الجريمة بنفسه_ فقد اتفق الفقهاء على استحالة وقوعها منه _ و إنما الخلاف ينصب على مدى جواز مساءلته .[4]
المطلب الأول : المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري في الفقه .
اختلف الفقه حول هذه المسألة و انقسم إلى فريقين ، نتناولهما في الفرعين الآتيين :
الفرع الأول : الرأي المعارض لإقامة المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري
مؤدى هذا الرأي الذي دافع عليه على وجه الخصوص فقهاء القرن 19 أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا ذلك أن المسؤولية الجزائية تبنى على الإرادة و الإدراك أي على عناصر ذهنية لا تتوفر إلا في الأشخاص الطبيعيين .
يشكل هذا الاعتراض حجر الزاوية في رفض المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي و هو منطلق كل المناهضين لهذه المسؤولية في الفقه و القضاء ، و حاصل حجتهم أن الشخص المعنوي لا وجود له في الحقيقة إذ هو ضرب من العدم ، و من ثم فهو لا يستطيع إتيان العمل المادي للجريمة ، كما تعوزه القدرة و الإرادة أو القدرة المريدة أما الأنشطة _ بصورها المختلفة _ التي تسند إليه و الأفعال المنسوبة إليه فهي وليدة أفعال أشخاص طبيعيين سواء كانوا مديرين أو منفذين .[5]
فعلى مستوى الإسناد يستحيل إسناد خطأ إلى شخص معنوي الذي ليس له كيان حقيقي و لا إرادة خاصة به في حين أن المسؤولية الجزائية تقتضي خطأ شخصيا يتمثل في إمكانية إسناد الخطأ إلى من ارتكبه .
و على مستوى العقوبة لا يمكن أن يطبق على الشخص الاعتباري أهم العقوبات المقررة للجرائم و هي العقوبة السالبة للحرية ، و إذا أمكن تطبيق بعض العقوبات كالغرامة و المصادرة فإن توقيعها يؤدي إلى الإخلال بمبدأ شخصية العقوبة إذ أن هذه العقوبة ستصيب الأشخاص الحقيقيين من مساهمين أو أعضاء و قد يكون منهم من لم يشترك في الفعل المعاقب عليه و قد يجهله .
الفرع الثاني : الرأي المؤيد لإقامة المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري
يرى أصحاب هذا الرأي الذي دافع عنه على وجه الخصوص الفقهاء المعاصرون أن التطور الهائل في مجال الصناعة أدى إلى تزايد الجماعات التي تقوم بدور فعال في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي ، بل و حتى في المجال السياسي .
و قد سبق للقانون المدني و القانون التجاري الاعتراف لهذه الجماعات بالشخصية الحقيقية و حان الوقت ليعترف قانون العقوبات لها بذلك .
و حسب هذا الفريق الشخص الاعتباري كائن حقيقي له وسيلة تعبير و إرادة جماعية و قادر على العمل و بالتالي قادر على الخطأ ، و من جهة أخرى فإن تنوع العقوبات التي يمكن أن تنزل بالشخص المعنوي من غرامة و مصادرة و إغلاق و حل لا يشكل عائقا أمام .. ، فعاقبتها و لقد أخذت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تتبلور شيئا فشيئا حتى أصبحت حقيقة واقعة في عدد كبير من التشريعات و كانت انكلترا هي السباقة لإقرارها منذ 1889 تلتها كندا و الو م أ ، و أخيرا إيطاليا و فرنسا منذ قانون العقوبات الجديد سنة 1992
المطلب الثاني : المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري في القانون المقارن
ما يهمنا ليس التعرف على من أخذت بمسؤولية الشخص الاعتباري و من لم تأخذ بل البحث في شروط إقامة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون المقارن و بالرجوع لقانون العقوبات الفرنسي و هو الأقرب لتشريعنا نجد المادة 121 / 2 من ق ع منه على أنه ” الأشخاص المعنوية مسؤولة جزائيا …عن الجرائم المرتكبة لحسابها من قبل هيئاتها و ممثليها ” يتضح من هذا النص أن الشخص الاعتباري يعامل تماما كالشخص الطبيعي فيمكن أن يسأل عن أية جريمة منفذة أو تم الشروع فيها ، كما يمكنه أن يكون فاعلا أو شريكا ، غير أن تطبيق هذا الحكم يتطلب تحديد الأشخاص محل المساءلة الجزائية ثم السلوك محل المساءلة و أخيرا الجرائم التي تشملها .
نتناول هذا المطلب في الفروع الآتية :
الفرع الأول : تحديد الأشخاص محل المساءلة الجزائية
تتفق التشريعات التي اعتمدت مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري على حصر مجال هذه المسؤولية و اقتصارها على الأشخاص التي تقوم بنشاط اقتصادي أو صناعي أو مالي و استثناء الدولة بالمفهوم الضيق أي الإدارة المركزية و مصالحها الخارجية ( المديريات الولائية ) ، أما الجماعات المحلية الولاية و البلدية ، فقد اختلفت التشريعات بشأنها و منها ما اتخذ موقفا وسط كما هو الحال في القانون الفرنسي الذي لم يستثنها غير أنه حصر مسؤوليتها في الجرائم المرتكبة أثناء ممارسة أنشطة من المحتمل أن تكون محل تفويض مرفق عام أما الأشخاص الاعتباري الأخرى الخاضعة للقانون العام فكلها تخضع للمساءلة الجزائية أي كانت هيكلتها القانونية .
الفرع الثاني : السلوك محل المساءلة الجزائية
إذا كان تحديد مسؤولية الشخص الطبيعي لا يثير إشكالا إذ يمكن تحديدها بالنظر الى العمل المادي ( سلوك إيجابي أو سلوك سلبي ) الذي يقوم به الجاني إذا كان هذا العمل مرفوقا بالركن المعنوي المطلوب فإن هذا المعيار لا يصلح عندما يتعلق بالشخص الاعتباري الذي لا يملكه أن يسلك سلوكا إلا بواسطة شخص طبيعي و كي تتجاوز هذه الصعوبات نصت غالبية التشريعات التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي على هذا الأخير يكون مسؤولا عن الجرائم المرتكبة لحسابه من طرف هيئاته أو ممثليه كما نصت عليه المادة 121 فقرة 02 من قانون العقوبات الفرنسي و يقصد بعبارة ” لحسابه ” أن الشخص المعنوي لا يسأل إلا عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحة أو لفائدته و مثال ذلك تقديم رشوة لحصول مؤسسة اقتصادية على صفقة و بالمقابل لا يسأل الشخص المعنوي على الأعمال المنجزة لحساب المدير أو لأي شخص آخر و يقصد بهيئات الشخص المعنوي ممثليه القانونيين كالرئيس و المدير العام و المسير و كذا مجلس الإدارة و الجمعية العامة للشركاء أو الأعضاء .
و يقصد بممثلي الشخص الاعتباري هم الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسم الشخص المعنوي ، سواء كانت هذه السلطة القانونية أو بحكم قانون المؤسسة قد يكون الرئيس و المدير العام و المسير أو رئيس مجلس الإدارة و أيضا المصفي في حالة حل الشركة .
كما نصت الفقرة الثانية من المادة 05 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه ” إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال .[6]
الفرع الثالث : الجرائم التي يسأل عنها الشخص الاعتباري
من خلال الاطلاع على التشريعات التي أقرت هذا النوع من المسؤولية يكتشف أنها لم تحصرها في جرائم معينة بل عملت على توسيع نطاقها مع الحفاظ على خصوصيتها و هكذا يسأل جزائيا الشخص المعنوي في القانون الفرنسي عن كافة الجرائم ضد الأموال و عن القتل العمدي و كل جرائم العنف غير العمدي كما يسأل عن الجرائم الإرهابية و الرشوة و التزوير و تزييف النقود فضلا عن جرائم المنافسة و البيئة و تبييض الأموال .
و إذا كانت المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري لا تحجب مسؤولية الشخص الطبيعي و إن قام بالعمل الجرمي لحساب الشخص الاعتباري ، فإن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا المساءلة الشخص المعنوي ، و هكذا فإن وفاة الشخص الطبيعي على سبيل المثال لا يحول دون متابعة الشخص المعنوي عن الجريمة التي ارتكبها الأول لحساب الثاني .
المبحث الثاني : موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري
المطلب الأول : المبدأ الذي أخذ به و الاستثناءات
الفرع الأول : من حيث المبدأ
لم يأخذ المشرع الجزائري صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري غير أنه لم يستبعدا صراحة بل إن ما نصت عليه المادة 09 من ق ع الفقرة 05 التي أدرجت حل الشخص المعنوي ضمن العقوبات التكميلية التي يجوز للقاضي الحكم بها في الجنايات و الجنح يبعث على الاعتقاد بأن المشرع الجزائري يعترف ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري .
نصت المادة 04 من قانون العقوبات[7] ، في الباب الأول مكرر بعنوان العقوبات المطبقة على الأشخاص و بالتحديد في مواد الجنايات و الجنح ، و نفسها في المادة من قانون الإجراءات الجزائية [8] و هي :
” 1_ الغرامة التي تساوي من مرة ( 1 ) إلى خمس (5) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة .
2_ واحدة أو أكثر من العقوبات الاتية :
_ حل الشخص المعنوي .
_ غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس ( 5 ) سنوات .
_ الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس ( 5 ) سنوات .
_ المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز ( 5 ) سنوات .
_ مصادرة الشيء التي الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها .
_ نشر و تعليق حكم الإدانة .
_ الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز ( 5 ) سنوات و تنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكب الجريمة بمناسبته .”[9]
و لكن هذا التحليل مردود عليه لسببين :
السبب الأول و هو غياب أدنى أثر في قانون العقوبات يمكن اعتباره دليلا أو حتى قرينة علىأو لا لإقامة المسؤولية الجزائية و الاستناد إليه للقول أن حله هي عقوبة شخص الاعتباري .
فكل الأشخاص المعنوية كما جاء في ق ع ج هو عقوبة تكميلية مقررة للشخص الطبيعي الذي يرتكب جناية أو جنحة و ليس للشخص المعنوي ذاته الذي يرتكب جريمة .
السبب الثاني : أن المشرع لم يحدد شروط تطبيق هذه العقوبة و لأنها عقوبة تكميلية لا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون صراحة عليها كجزاء لجريمة معينة و بالرجوع إلى ق ع و القوانين المكملة له لا نجد فيها إطلاقا حل الشخص المعنوي كعقوبة لجناية أو جنحة .
و نفس الشيء بالنسبة للقضاء الجزائري الذي استبعد في عدة مناسبات صراحة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث رفض تحميل وحدة اقتصادية مسؤولية دفع الغرامة المحكوم بها على مديرها من أجل ارتكابه جنحة إصدار شيك بدون رصيد باسم و لحساب المؤسسة ( غ ج م ق قرار 04 12 1994 ملف رقم 122336 ) .
الفرع الثاني : الاستثناءات
النصوص التي أقرت صراحة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة : الصادر بموجب القانون رقم 90_36 المتضمن قانون المالية لسنة 1991 [10]، المعدل بالقانون رقم 91_25 المتضمن قانون المالية لسنة 1992 ، فنجد نص المادة 309 منه في الفقرة 09 على أنه : ” عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بالعقوبات الحبس المستحقة و بالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة ” و تضيف الفقرة الثانية :” و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال هذا الأخير بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها .
حيث نصت المادة 05 من الأمر رقم 96 _22 ،[11] على أنه :” تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية : غرامة ، مصادرة محل الجنحة ، مصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش ، هذا فضلا عن العقوبات الأخرى المتمثلة في المنع عن مزاولة عمليات تجارية و من عقد صفقات عمومية و من الدعوة العلنية إلى الادخار …
النصوص التي أخذت ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري :
يتعلق الامر أساسا بالامر رقم 95_06 المتضمن قانون المنافسة الذي ذصت عليها المادتان 02 و03 من نطاق تطبيق هذا القانون الذي يشمل نشاطات الانتاج و التوزيع و الخدمات التي يقوم بها كل شخص طبيعي أو معنوي ثم جاءت المادتان 14 و 13 بجزاءات مالية تطبق على مرتكبي الممارسات الجماعية المنافسة مثل الاتفاقات غير المشروعة و التعسف الناجم عن هيمنة على السوق و تجميع المؤسسات بدون رخصة .
تنص المادة 56 من قانون المنافسة على أنه :” يعاقب على الممارسات المقيدة للمنافسة كما هو منصوص عليها في المادة 14 من هذا الأمر ، بغرامة لا تفوق 12% من مبلغ رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة ، أو بغرامة تساوي على الأقل ضعفي الربح المحقق بواسطة هذه الممارسات ، على ألا تتجاوز هذه الغرامة أربعة أضعاف هذا الربح ، و إذا كان مرتكب المخالفة لا يملك رقم أعمال محدد ، فالغرامة لا تتجاوز ستة ملايين دينار ( 6,000,000 ).”[12]
و يستخلص من طبيعة هذه المخالفات و هذا ما نصت عليه المادتين 02 و 03 من الامر السابق أن مرتكبيها يكونوا في الغالب أشخاص معنويين ، و ما يدعم هذا الاستنتاج هو ما نصت به المادة 15 من نفس الامر التي نصت على إحالة الملف الى وكيل الجمهورية المختص إقليميا من أجل المتابعة القضائية إذا كان تنظيم و تنفيذ الممارسات المنافية للمنافسة و التعسف الناتج عن الهيمنة على السوق يتحمل منها شخص طبيعي مسؤولية شخصية بمفهوم المخالفة لا يحال الملف الى وكيل الجمهورية إذا كان مرتكبو هذه المخالفات أشخاصا معنوية ، و في هذه الحالة يكون اختصاص البت في الدعوى لمجلس المنافسة و هو هيئة شبه قضائية يرأسها قاضي محترف و يضم ضمن تشكيلته قضاة محترفين و خبراء و لمجلس المنافسة أن يقضي على الشخص المعنوي ، حال إدانته بغرامة يختلف قدرها باختلاف المخالفة المرتكبة .
المطلب الثاني : ما جاء به القانون رقم 04 _14 المعدل و المتمم ل ق إ ج
نص القانون رقم 04_14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم للأمر 66_155 ، المؤرخ في 08 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية نصت في المادة 6 منه ليتمم الباب الثاني من الكتاب الأول من الآمر 66 _155 بفصل ثالث عنوانه في المتابعة الجزائية للشخص المعنوي من المادة 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 .
نجد المادة 65 مكرر تنص على تطبيق كل قواعد المتابعة و التحقيق و المحاكمة المنصوص منها ق إ ج أن المشرع الجزائري أصبح يعترف صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و إلا لما كان المشرع الجزائري ينص على تطبق على الشخص المعنوي و لكن و بما أن ق ع لا ينص على الجرائم و لا على العقوبات الخاصة بالشخص المعنوي نعتقد أن المتابعة و التحقيق هنا تتعلق بما نصت عليه القوانين الخاصة التي تطرقنا إليها في المطلب الأول أي قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة و كذلك الأمر 96 _22 المؤرخ في 09 / 07 / 1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج و حددت م 65 مكرر 1 الاختصاص المحلي للجهة القضائية بمكان ارتكاب الجريمة أو مكان وجود المقر الاجتماعي للشخص المعنوي و إذا تمت متابعة أشخاص طبيعية في الوقت ذاته مع الشخص المعنوي تختص الجهات القضائية المرفوعة أمامها دعوى الأشخاص الطبيعية بمتابعة الشخص المعنوي .
و تنص المادة 65 مكرر 02 على أن الشخص المعنوي في إجراءات الدعوى من طرف ممثله القانوني الذي كانت له هذه الصفة عند المتابعة و الممثل القانوني هو الشخص الطبيعي الذي يخوله القانون أو القانون الأساسي للشخص المعنوي تفويضا لتمثيله و إذا تم تغيير الممثل القانوني أثناء سير الإجراءات يقوم خلفه بإبلاغ الجهة القضائية المرفوعة إليها الدعوى بهذا التغيير .
أما المادة 65 مكرر3 فتنص أنه إذا تمت المتابعة للشخص المعنوي و ممثله القانوني جزائيا في نفس الوقت أو إذا لم يوجد أي شخص مؤهل لتمثيله يعين رئيس المحكمة بناء على طلب النيابة العامة ممثلا عنه من ضمن مستخدمي الشخص المعنوي .
و باستقراء هذه المواد نلاحظ أنها تنطبق فقط على ما ورد في نص القانون أو الأمر 96_22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصيين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ذلك أنه النص الوحيد الموجود في التشريع الجزائري الذي يحمل الشخص المعنوي العقوبة كوحدة و ليس للأعضاء المسيرين أو المدير فقط ذلك أن حتى قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة و المتصرفين و ليس الشخص المعنوي كوحدة واحدة ذلك أن المادة 65 مكرر 3 من القانون رقم 04_14 تفرق بين متابعة الشخص المعنوي و بين متابعة ممثله القانوني جزائيا .
كما تنص المادة 65 مكرر 4 على جواز إخضاع الشخص المعنوي من طرف قاضي التحقيق إلى تدبير أو أكثر من تدابير على النحو الآتي :
_ إيداع كفالة .
_ تقديم تأمينات عينية لضمان حقوق الضحية .
_ المنع من إصدار شيكات أو استعمال بطاقات الدفع مع مراعاة حقوق الغير .
_ المنع من ممارسة بعض النشاطات المهنية أو الاجتماعية المرتبطة بالجريمة .
كما نصت نفس المادة على معاقبة للشخص المعنوي الذي يخالف التدبير المتخذ ضده بغرامة من 100000 إلى 500000 دج بأمر من قاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية .
خاتمة
نقول أنه كان على المشرع الجزائري أن يتمم قانون العقوبات أولا بالنص على الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الشخص المعنوي و العقوبات التي يمكن متابعتها بشأنها و تطبيقها عليه قبل تعديل ق إ ج ذلك أن نصوص التعديل التي جاء بها القانون رقم 04_14 ستبقى حبر على ورق إلا بخصوص الشخص المعنوي و لكن خاصة ما جاء به الأمر 96_22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصيين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج .
نأمل أن يواكب المشرع الجزائري التطور الحاصل في التشريعات الأخرى على الأقل ماهو وارد في التشريع الفرنسي خاصة و أن مشرعنا عودنا على وفائه في نقل ما يتوصل إليه من تشريعات في فرنسا خاصة و أن الجزائر مقدمة على الانضمام للمنظمة العالمية للتجارة و منه منح حرية أكبر و حقوق أكبر في المجال الاقتصادي خاصة للشركات الأجنبية منها و الوطنية و بالتالي لابد من النص في قانون العقوبات على الأعمال التي توصف بأنها جرائم إذا ارتكبت من الشخص المعنوي و العقوبات المقررة لها تماشيا مع ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية .
إن اعتبار الشخص الاعتباري كائن حقيقيا و له إرادة كاملة يستطيع التعبير عنها بكل الوسائل و ما ينتج عنه من القيام أو الامتناع عن القيام بأفعال ، و عليه باتت المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري أمر محتوما و واقع تقتضيه المعطيات الجديدة مع تطور وظيفة الدولة في ظل المجتمع السياسي ، و ربط المتابعة الجزائية بوجود نص قانوني .
قائمة المراجع
1_ النصوص القانونية
القانون رقم 05_10 ، المؤرخ في 20 جوان 2005 ، المعدل و المتمم للأمر رقم 75_59 ، المتضمن القانون المدني .[1]
القانون رقم 04_ 14 ، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 ، يعدل و يتمم الأمر رقم 66 _156 ، المؤرخ في 08 جويلية 1996 و المتضمن قانون الإجراءات الجزائية ، الجريدة الرسمية العدد 71 ، المؤرخة في 10 نوفمبر 2004 .[1]
القانون رقم 04_ 15 ، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 ، يعدل و يتمم الأمر رقم 66 _156 ، المؤرخ في 08 جويلية 1996 و المتضمن قانون العقوبات ، الجريدة الرسمية العدد 71 ، المؤرخة في 10 نوفمبر 2004 .[1]
الجريدة الرسمية العدد 57 ، المؤرخة في 31 ديسمبر سنة 1990 ، ص 1898 .[1]
الأمر رقم 96 _22 ، المؤرخ في 09 جويلية 1996 ، يتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، العدد 43 ، ص 10 الى ص 13 . [1]
2_ الكتب
إسحاق إبراهيم منصور ، نظريتا القانون و الحق و تطبيقاتهما في القوانين الجزائرية ، طبعة 2001 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 235 .[1]
إبراهيم علي صالح ، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، دون طبعة ، دار المعرف ، القاهرة ، مصر دون سنة ، ص 102. [1]
محمد كمال الدين إمام ، المسؤولية الجنائية أساسها و تطورها دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الشريعة الإسلامية ، دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية ، مصر ، سنة 2004 ، ص 280 .[1]
إسحاق إبراهيم منصور ، نظريتا القانون و الحق و تطبيقاتهما في القوانين الجزائرية ، طبعة 2001 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 235 . [1]
القانون رقم 05_10 ، المؤرخ في 20 جوان 2005 ، المعدل و المتمم للامر رقم 75_59 ، المتضمن القانون المدني .[2]
القانون رقم 05_10 ، المرجع السابق .[3]
محمد كمال الدين إمام ، المسؤولية الجنائية أساسها و تطورها دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الشريعة الإسلامية ، دار الجامعة الجديدة للنشر الاسكندرية ، مصر ، سنة 2004 ، ص 280 .[4]
إبراهيم علي صالح ، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، دون طبعة ، دار المعرف ، القاهرة ، مصر ، دون سنة ، ص 102 .[5]
القانون رقم 04_ 14 ، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 ، يعدل و يتمم الأمر رقم 66 _156 ، المؤرخ في 08 جويلية 1996 و المتضمن قانون الإجراءات الجزائية ، الجريدة الرسمية العدد 71 ، المؤرخة في 10 نوفمبر 2004 .[6]
القانون رقم 04_ 15 ، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 ، يعدل و يتمم الأمر رقم 66 _156 ، المؤرخ في 08 جويلية 1996 و المتضمن قانون العقوبات ، الجريدة الرسمية العدد 71 ، المؤرخة في 10 نوفمبر 2004 .[7]
القانون رقم 04_ 14 ، المرجع السابق . [8] [9]
الجريدة الرسمية العدد 57 ، المؤرخة في 31 ديسمبر سنة 1990 ، ص 1898 .[10]
الامر رقم 96 _22 ، المؤرخ في 09 جويلية 1996 ، يتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الاموال من و إلى الخارج ، العدد 43 ، ص 10 الى ص 13 . [11]
الأمر رقم 08_12 ، المؤرخ في 25 جوان 2008 ، المعدل و المتمم للامر رقم 03_03 ، المؤرخ في 19 جويلية 2003 ، الجريدة الرسمية العدد 36 المؤرخة في 02 جويلية 2008 .[12][12]