شرح مبدأ شخصية القوانين المقصود بمبدأ شخصية القوانين
أساس مبدأ شخصية القوانين مجال تطبيق مبدأ شخصية القوانين
مقدمة
باعتبار الدولة المعاصرة عضوا في المجتمع الدولي فإن هذه العضوية تفرض عليها إفساح المجال لتطبيق القوانين الأجنبية فيما يخص العلاقة الدولي أي العلاقات التي تشمل على عنصر أجنبي و هذا على الرغم من اعتناقها بمبدأ إقليمية القوانين و يرى جانب من الفقه أن التزام الدولة بذلك يفرضه عليها الدولي، و من ثم يفرضه القانون الدولي الوضعي، و مع ذلك فإن للدولة الحرية المطلقة في رسم حدود تطبيق القانون الأجنبي على إقليمها.
إذا تعتنق الدولة المعاصرة بجانب مبدأ إقليمية القوانين، مبدأ شخصية القوانين الذي يقضي به أن قانون الدولة يمتد و يطبق على رعاياها حتى لو انتقلوا إلى الخارج إذ سيبقى الشخص مرتبطا بدولته ارتباطا وثيقا. وقد نادى بهذا المبدأ الفقيه الإيطالي "مانشيني" و مؤداه أن قوانين كل دولة إنما وضعت من أجل الأفراد المنتمين إلى جنسيتها، و قد رعي في رضعها الاعتبارات الخاصة بهم وحدهم؛ و من ثم فالقاعدة هي سريان قانون الدولة على رعاياها أينما كانوا أي حتى لو كانوا خارج حدودها.
والواقع هو أن مبدأ شخصية القوانين ظهر في العصور القديمة و ساد في المجتمعات آنذاك على أساس النفور من الأجنبي و معاملته معاملة
العبد أو العدو فكان التمييز سائدا و عاما بين الوطني و الأجنبي و كان لا يطبق على هذا الأخير القانون الوطني الذي يعتبر بمثابة امتياز قاصر
على الوطنيين فحسب فكان الإغريق مثلا يعتبرون حق التقاضي امتيازا مقصورا على الوطنيين. أما الرومان فكانوا يعتبرون تطبيق القانون
المدنيLe jus civitatus امتيازا يتمتع به المواطنون الرومان فحسب أما الأجانب فكانوا يخضعون لقوانينهم الشخصية.
إذا كان مبدأ شخصية القوانين قديما قوم على أساس عدائي. فقانون الدولة هو امتياز يتمتع به الوطني وحده دون الأجنبي.
غير أن تطور المجتمعات الحديثة اقتضى تغيير هذا الأساس الذي يقوم حاليا على المجاملة الدولية التي فرضتها ضرورة المعاملات الدولية.
أولا : المقصود بمبدأ شخصية القوانين
يقصد بهذا المبدأ سريان القاعدة القانونية على الأشخاص المنتمين إلى الدولة سواء كانوا موجودين على إقليمها أو مقيمين خارج الإقليم، وعدم سريان هذه القاعدة على الأشخاص المنتمين للدول الأخرى حتى ولو كانوا مقيمين في إقليمها. فإذا قلنا مثلا أن القانون الجزائري شخصي التطبيق فمعنى ذلك ما يلي :
1/- أن القانون يطبق على الجزائريين حتى ولو وجدوا خارج الإقليم الجزائري.
2/- أنه لا يسري على الأجانب حتى ولو وجدوا داخل الإقليم الجزائري.
ثانيا : أساس مبدأ شخصية القوانين
يقوم مبدأ السريان الشخصي للقاعدة القانونية على أساس سيادة الدولة على رعاياها أينما وجدوا، وذلك للعلاقة التي تربطهم بها، وهي علاقة لا تتقيد بمكان معين، بل تتسع لتشمل جميع الأمكنة التي تحوي أحدا من رعاياها، فهؤلاء الرعايا هم الذين وضعت التشريعات من أجلهم، ومن ثم يجب أن تطبق غليهم أينما وجدوا، فيعتبر حق الدولة في السيادة على رعاياها نتيجة طبيعية لكون هؤلاء الرعايا يمثلون عنصر الشعب في الدولة التي لا يمكن أن تقوم بغيره، فالدولة إذا كيان بشري إضافة إلى أنها كيان إقليمي.
ثالثا : مجال تطبيق مبدأ شخصية القوانين
أن أفسح مجال لتطبيق مبدأ شخصية القوانين هو القانون الخاص، لا سيما الأحوال الشخصية (من الزواج و نفقة و طلاق و ميراث… ) إذ تميل الدول المعاصرة إلى اتجاه واحد هو إخضاع هذه الأحوال إلى القانون الشخصي و هذا حسما للتنازع بين القوانين من حيث المكان. فتقرر قواعد الإسناد إخضاع الأحوال الشخصية قانون جنسية الشخص أي قانونه الوطني و من ثم فكلما انتقل الفرد إلى الخارج و أجرى تصرفا متعلقا بحالته الشخصية خضع تصرفه لقانونه الشخصي مجال تطبيق مبدأ شخصية القوانين في القانون العام
يفسح المجال لتطبيق مبدأ شخصية القوانين حتى في مجال القانون العام الذي تظهر فيه سيادة الدولة واضحة، و إن كان تطبيقه في هذا المجال ضيقا، إذ نجده في الحقوق السياسية، و الواجبات العامة التي يقررها الدستور. فتطبق تطبيقا شخصيا بحيث تقتصر على الوطنيين دون الأجانب و حتى في قانون العقوبات الذي يسود فيه مبدأ إقليمية القوانين، نجد تطبيقا محدودا لمبدأ شخصية القوانين و ذلك عندا يقرر امتداد أحكامه إلى مواطنيه حتى لو كانت الجرائم المنسوبة إليه قد ارتكبت في الخارج و الحكمة في ذلك تعود إلى عدم إفلات المجرم من العقاب
خاتمة
الدولة المعاصرة لا يتسنى لها أن تتبنى مبدأ واحد و تترك الآخر لأن ضرورة و حاجة المعاملات الدولية تفرض عليها إفساح المجال لتطبيق القوانين الأجنبية استنادا إلى مبدأ شخصية القوانين و إذ كان هذا المبدأ قد اعتبر مساسا بسيادة الدولة في المجتمعات القديمة. فإن قبول تطبيقه في المجتمعات الحديثة لتسيير المعاملات الدولية دليل على رقي الدولة و على درجة حضارتها لذا فالدولة الحديثة تأخذ بالمبدأين معا و إن كان مبدأ الإقليمية هو الأصل و مبدأ شخصية القوانين هو الاستثناء حتى لو كان قد وجد تعارض بين المبدأين قديما .