بحث أنواع الجرائم في القانون الجنائي الجزائري
تقسيمات الجرائم من حيث ركنها الشرعي
جرائم بحسب جسامتها وخطورتها
جرائم بحسب طبيعتها
تقسيمات الجرائم من حيث ركنها المادي
المطلب الأول الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة والفرق بينهما.
المطلب الثاني: الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد والفرق بينهما.
المطلب الثالث: الجرائم المركبة والجرائم المتتابعة الأفعال والفرق بينهما
المطلب الرابع: الجرائم السلبية والجرائم الايجابية والفرق بينهما
المبحث الثالث: تقسيمات الجرائم من حيث ركنها المعنوي
المطلب الأول: الجرائم العمدية
المطلب الثاني: الجرائم الغير العمدية
المطلب الثالث: الفرق بين الجرائم العمدية والجرائم الغير عمدية
المبحث الرابع: ظروف الجرائم في قانون العقوبات الجزائري
المطلب الأول: ظروف الإعفاء من العقوبة
المطلب الثاني: ظروف التخفيف من العقوبة
المطلب الثالث: ظروف التشديد من العقوبة
الخاتمة
مقدمة
تعددت تصنيفات الجرائم واختلفت بحسب استنادها لمعايير أركان الجريمة حيث قسمت من حيث ركنها الشرعي والمادي والمعنوي فهذه التقسيمات منها ما هو منصوص عليه في قانون العقوبات الجزائري ( جنايات جنح مخالفات) ومنها ما هو تقسيم فقهي، بحيث في كلتا الحالتين يترتب على كلاهما نتائج عملية بالغة الأهمية سواء من الناحية الموضوعية المتعلقة بقانون العقوبات أو من الناحية الإجرائية المتعلقة بالقانون الإجراءات الجزائية.
حيث تعد الجريمة ظاهرة مقيتة ولدت منذ ولادة المجتمعات الإنسانية كما الظواهر الأخرى، مستفيدة من التقدم العلمي بتفعيل أساليبها ووسائلها ونتيجة لذلك تعددت أهدافها وتوسعت جغرافيتها، دون تمييز بين الدول الغنية التي توفر لقمة العيش، وبين الدول الفقيرة التي تفتقر لأدنى شروط الحياة، سواء كان نظامها ديمقراطي، أو ملكي أو رئاسي أو غيرهم.
إن الدول تصرف الملايين من الأموال للحد من انتشار الجريمة، وذلك باستعمال أملاك وأنواع جديدة، ورتب في الأمن، منشئات كالسجون ومراكز إعادة التربية وغيرها. حيث أن وقوع الفعل الإجرامي يفرضه منطق القوى والضعف والغنى والفقر، الخير والشر. وقد تكون الظاهرة الإجرامية ذات ارتباط ثقافي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، أو تاريخي، وقد تكون أيضا ذات ارتباط بالدين.
وقد دار مجال عنيف حول ظاهرة العنف والجريمة تظوأ لظهور أنواع جديدة من الجرائم فرضت على الساحة الدولية، كالجرائم الإرهابية، والقرصنة الالكترونية حتى إن بعضها أصبح يتخذ أشكال غير تقليدية ، كاستعمال وسيلة الانترنت، وهذه التعقيدات في التقنيات صاحبه تعقيد في التعرف على نوع الجريمة وعلى مدى خطورتها، وكيفية محاربتها، وهذا استمر الحال على ما هو عليه فسيكون من المتعذر تحديد تصنيف الجرائم، كما يجعلها تختلف من نظام إلى آخر ومن دولة إلى أخرى حسب تقدمها وقد تلاحقت أراء، بينما تصارعت أخرى، وكل رأي لا يخلو من الخلفية الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو التاريخية، والمنهل الذي تتأثر به أو تنهل منه، وهو ما يجعل الجريمة تتأثر وهو ما يجعل الجريمة تتأثر بالظروف التي أو تخففها أو تعفي مرتكبيها من العقاب، ولأن الجريمة في تطور مستمر فهي تخضع للنظم التشريعية في تقديرها بحسب الظرف الزماني والمكاني، وهذا ما عرفته النظم القديمة الرومانية واليونانية والفرعونية، كما تطرقت له الديانات السماوية ولا أدل على ذلك مما جاء في القرآن الكريم من وصف الجرائم والعقوبات التي أقرها كما انه أوضح لنا بعض الجرائم التي كانت سائدة قديما، وقد قسم النظام الإسلامي الجرائم إلى جرائم حدود وجرائم التعازير، وقد تقسم الجرائم في النظم الحديثة بدرجة استهجان المجتمع للجريمة فنجد أن العقوبة تقاس بمدى خطورتها على المجتمع الإنساني ومدى تأثيرها على النمو الاقتصادي والاجتماعي وكذلك المساس بأمن الدولة ورموزها التاريخية فبذلك فهي تختلف من دولة إلى أخرى ومن زمان إلى آخر.
كما نجد المجرمين كثيرا ما يسعون إلى الإفلات من العقوبة بداعي عدم علمهم ودرايتهم بالظروف كما أنه في الكثير من الأحيان يعجز حتى الاقتصاد في التفرقة بين تصنيف وتقسيم بعض الجرائم، فتضاربت أراء القضاء والمحققين وعرف الاهتمام في حالة بعض الملفات إلى أنواع المحاكم.
وهنا تكمن مشكلة الدراسة، ماهية تقسيم الجريمة وظروفها؟ وعلى أي أساس قسمت الجريمة قي قانون العقوبات الجزائري؟ وما هي الظروف التي قد تلحق الجريمة؟
وللإجابة على هذه الإشكالية وضعنا الفرضيات التالية:
- حيث أن الجريمة تخضع في تقسيماتها إلى المشرع والفقه، كما انه يطغى عليها عامل الشخصي والنفسي والظرف الذي وضع فيه القانون والذي وضع من أجله.
- إذ انه إذا كانت الجريمة وليدة المجتمع، فن تقسيماتها وظروفها لهم نفس المقياس
وبما أن طبيعة الموضوع تفرض تحليل التقسيمات الفقهية والقانونية والمقارنة بين كل التقسيمات فإننا اتخذنا المنهج التحليلي و المقارن لتوضيح عناصر الموضوع. إلا أن الدراسة مثل هذه المواضيع تتطلب الكثير والشيء الغير متوفر لدى المكتبات العامة، وإن وجد فإنه يتناول القوانين غير الجزائرية كالقانون اللبناني والمصري والليبي وغيرهم.
وقد قسمت خطة البحث إلى أربعة مباحث رئيسية وكل مبحث يتضمن مطالب وفروع جزئية.
فما هي تقسيمات الجرائم المتفق عليها فقهيا؟ وعلى أي أساس قسمت الجرائم في قانون العقوبات الجزائري؟ وما هي الظروف المحيطة بالجريمة ؟ وهل لها تأثير على العقوبة المقررة للجناة ؟
المبحث الأول: تقسيمات الجرائم من حيث ركنها الشرعي.
قسمت الجرائم من حيث ركنها الشرعي استنادا إلى جسامتها وخطورتها وطبيعتها
المطلب الأول: جرائم بحسب جسامتها وخطورتها:
قسمت الجرائم بحسب جسامتها في قانون العقوبات الجزائري واغلب القوانين الأخرى إلى جنايات وجنح ومخالفات.
ويستند هذا التقسيم إلى جسامة الفعل وخطورة الجريمة وجسامة العقوبة المقررة لهذا الفعل، وعليه نصت المادة 27 ق ع ج بحيث من خلالها يستخلص معيار الجسامة من خلال العقوبة المقررة لكل تقسيم فأشد الجرائم جسامة هي الجنايات واقلها جسامة هي المخالفات، أما الجنح فهي تتوسط النوعين، ويظهر الفرق بين هذه التقسيمات من خلال مقدار العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات.
أ- العقوبات الأصلية للجنايات هي:
1- الإعدام
2- السجن المؤبد
3- السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس(05) سنوات إلى عشرين (20) سنة
ب- العقوبات الأصلية للجنح هي:
1- الحبس لمدة تتجاوز شهرين إلى خمس (05) سنوات، ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى.
2- الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج
ج- العقوبات الأصلية للمخالفات هي:
1- الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر
2- الغرامة من 2000 دج إلى 20.000 دج وفقا لما جاء في المادة 5 ق.ع.ج (1).
فستعد الجرائم بصفتها اعتداء على الفرد والمجتمع، بحسب الضرر الذي تسببه أو بقدر الخطر الذي يلحق بهما، وبحسب أهمية الاعتداء بقدر سندة العقوبة، حيث أن أشد الجرائم عقوبة وخطورة الجنايات والجنح ضد الأشخاص هي جريمة القتل العمدي.
وتلي بعدها جرائم العرض ضد الأسرة والآداب ثم الجرائم ضد الأموال، ومن جهة أخرى الجرائم الواقعة على السلامة العامة والمؤسسات، فتعد جرائم خطيرة بناءا على ما ينتج عنها من آثار تضر بالمجتمع ككل.
الفرع الأول: أهمية تقسيم هذه الجرائم من الناحية الموضوعية.
إن تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات بالغ الأهمية من خلال النتائج المترتبة عنه على الصعيد الموضوعي المتعلق بقانون العقوبات، حيث يظهر الفرق بين هذه التقسيمات من خلال النصوص
1- من حيث الشروع:
يعاقب على الشروع في الجنايات أما الجنح فلا يعاقب على الشروع لا بناء على نص صريح في القانون أما في أما في المخالفات فلا يعاقب عنه على الإطلاق وفقا لنص المادة 30، 31 ق.ع.ج.
2- من حيث وقف تنفيد العقوبة في الجنايات والجنح:
إذا لم يكن المتهم قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم العقوبات العام. وفق النص المادة 592 ق.ج أما في المخالفات فهو جوازي بدون قيد أو شرط.
3- من حيث الاشتراك
نص المادة 44 ق.ع: « يعاقب الشريك في الجناية أو الجنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة» أما في المخالفات لا يعاقب على الاشتراك فيها على الإطلاق ( الفقرة الأخيرة من نص المادة) مثال ذلك نص المادة 176 ق.ع.
4- من حيث تقادم العقوبة
« تتقادم العقوبات الصادرة بحكم في مواضيع الجنايات بعد مضي عشرين (20) سنة كاملة استنادا إلى التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا» ( المادة 613 الأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17 يونيو 1975) ق.ج.
- وتتقادم العقوبات الصادرة بحكم في مواضيع المخالفات بعد مضي سنتين كاملتين إبتداءا من تاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا وحق النص المادة 615 ( الأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17 يونيو 1975) ق إ ج
5- من حيث ظروف التخفيف:
يختلف تخفيف العقوبة والنزول إلى حدها الأدنى بالاختلاف وصف الجريمة والعقوبة المقررة لها قانونا:
عموما في الجنايات وفقا لنص المادة 53 ق.ع
إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام يجوز تخفيضها إلى عشرة سنوات سجن إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد يجوز تخفيفها إلى خمس (05) سنوات وذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤقت من عشر سنوات (10) إلى عشرين سنة (20) فيجوز تخفيضها إلى وثلاث سنوات (3).
وإذا كانت العقوبات المقررة قانونا في مواد الجنح هي الحبس أو الغرامة وتقرر فائدة الشخص الذي ليس له سوابق قضائية بالظروف المخففة ويجوز تخفيض العقوبة بالحبس إلى شهرين والغرامة إلى 20.000 دج وفقا لنص المادة 53 مكرر 4. ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 قع.
- أما في المخالفات فإن العقوبات المقررة قانونا لا يجوز تخفيضها عن حدها الأدنى.
الفرع الثاني: أهمية تقسيم هذه الجرائم من الناحية الإجرائية
إن الفرق بين هذه التقسيمات على الصعيد الإجرائي المتعلق بالإجراءات الجزائية بالغ الأهمية من خلال النتائج المترتبة عنه.
1- من حيث الاختصاص
تختص محكمة الجنايات أو ينظر في القضايا الجنائية على مستوى المحكمة الابتدائية.
2- من حيث تقادم الدعوى العمومية
تختلف مدة انقضاء الدعوى الجنائية بحسب التقادم بحيث نوع الجريمة حيث تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنايات وفقا لنص المادة 7 ق إ ج « بانقضاء عشرة (10) سنوات كاملة تسري من يوم اقتراف الجريمـة، ن لـم يتخذ في تلك الفتـرة أي جراء من الإجراءات التحقيق أو المتابعة، فإن كانت قد اتخذت إجراءات في تلك الفترة فلا يسري التقادم إلى بعد عشر (10) سنوات كاملة من آخر جراء»
- وتنقض الدعوى العمومية في مواد الجنح نص المادة 8 ق إ ج « بمرور ثلاث سنوات كاملة ويتبع في شأن التقادم الموضحة في المادة 7»
- وتنقضي في مواد المخالفات نص المادة 9 ق.ج بمضي سنتين كاملتين وتحتسب هذه المدة من يوم ارتكاب الجريمة.
1- من حيث التحقيق
- في الجنايات يكون التحقيق القضائي وجوبي
- في الجنح يكون التحقيق القضائي اختياري ما لم يكن ثمة نصوص خاصة وفي المخالفات يجوز إجراءه إذا طالبه وكيل الجمهورية وفقا لنص المادة 66 ق.إ.ج، وفي كل الحالات لا يجوز لقاضي التحقيق جراء التحقيق إلا بموجب طلب من الوكيل الجمهورية حتى وإن كانت الجريمة من الجنايات أو الجنح وفقا لنص المادة 67 ق.إ.ج
2- من حيث حضور المتهم
فيما يخص حضور المتهم أمام المحكمة ( يجوز القانون للمدعي المدني اللجوء إلى جراء تكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام المحكمة في الجنح فقط)(1)، وفي الحالات المذكورة في المادة 337 مكرر ( قانون العقوبات رقم 90-24 المؤرخ في 18 غشت 1990) ق.إ.ج، ترك الأسرة- عدم تسليم الطفل- انتهاك حرمة منزل القذف- إصدار شيك بدون رصيد.
أما في الجنح الأخرى ينبغي الحصول على ترخيص من النيابة العامة للقيام بتكليف المباشر بالحضور.
3- من حيث حضور الدفاع (المحامي)
في مواد الجنايات حضور المحامي في الجلسة للدفاع وجوبي بحيث إذا لم يعين المتهم محاميا له فعلى الرئيس الجلسة تعيينه حتى وإن كان المتهم مهنته محامي: وفق لنص المادة 292 ق.إ.ج
أما في مواد الجنح والمخالفات فحضور الدفاع جوازي.
كما تكون المحاكمة في الجنايات ملزمة في جلسات علنية ما لم يقرر القاضي يمكن ذلك لظروف تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة أما في الجنح والمخالفات قد يصدر القاضي أمر جزائي دون مرافعة مسبقة وفقا لنص المادة 392 مكرر ( قانون رقم 78-01 المؤرخ في 28 يناير 1978 ق إ ج
المطلب الثاني: جرائم بحسب طبيعتها :
بالإضافة إلى تقسيم الجرائم بحسب جسامتها وخطورتها، فتعد الجرائم من حيث طبيعتها عنصرا مهما في تحديد الصبغة التي تتميز بها هذه الجرائم:
حيث انه من السهل التعرف على جرائم القانون العام أو الجرائم العادية في تحديد طبيعتها لأنها جرائم تقع على الأشخاص وأموالهم ويعتبر مرتكبها مجرد أشرار، بينما هناك جرائم ذات الصبغة السياسية عسكرية تحتاج إلى تعريف لأن في الغالب مرتكبيها ينتمون إلى الطبقة المتقدمة أو الارستقراطية، وفي النهاية القرن العشرين ظهر نوع آخر من الجرائم وهي الجرائم الإرهابية وعليه تعد كل من الجرائم السياسية والعسكرية والإرهابية من الجرائم التي تهدد كيان المجتمع ككل فلهذا إن دراسة هذا التقسيم تتطلب التعرف على هذه الجرائم وتوضيح الفرق بين طبيعة كل جريمة:
الفرع الأول: الجرائم السياسية والجرائم العادية والفرق بينهما
سنتناول في هذا الفرع تحديد مفهوم الجرائم السياسية أو الجرائم ذات الطبيعة السياسية وفي هذا النطاق تنازع الفقهاء بين مذهبين مذهب موضوعي ومذهب شخصي.
أ- المذهب الموضوعي :
فأنصار هذا المذهب عرفوا الجريمة على أنها:« اعتداء على مصلحة يحميها القانون بجزاء عندما تكون المصلحة المعتدي عليها ذات طبيعة سياسية» (1)
وبمعنى أن كل الأفعال التي يقصد منها الاعتداء العدواني على التنظيم السياسي للدولة وما فيها من مصالح سياسية مثلا جرائم الاعتداء على امن الدولة ومؤامرات التمرد، أو الاعتداء على حقوق الأفراد السياسية كحق الانتخاب وبالتالي تعتبر طبيعة الحق المعتدي عليه هو تحديد للجريمة سواء كانت سياسية أو عادية أو غيرها.
ب- المذهب الشخصي :
أساس رأي هذا الاتجاه على الغاية أو الباعث الذي يدفع الشخص لارتكاب الجريمة، بحيث إذا كان الباعث لارتكاب الجريمة أو الغرض من تنفيذها ذو طبيعة سياسية في هذه الحالة يكون تحديد الباعث أو الدافع سياسي ومسألة التحديد في غاية الدقة مثلا قد يكون الباعث من اجل تحقيق غاية سياسية كإزالة حاكم متعسف في استعمال السلطة مستبد في حكمه وفي هذه الحالة قد تكون الغاية من أجل انقاد البلد من ظلم الحاكم أو لتحقيق نظام سياسي جديد، في نظر الفاعل قد يتضمن الاستقرار والعدل وبالتالي تكون الغاية من اجل مصلحة المجتمع والوطن، بغض النظر عن مصلحة الفاعل الشخصية.
فكان من معتنقي المذهب الموضوعي للجريمة القضاء الفرنسي، بحيث قضت محكمة النقض الفرنسية على أن كل الجرائم التي تمس بالمصلحة الخاصة أو بحياة شخص أو بسلامته الجسدية وكذلك أعمال التخريب والهدم المادي تعد جرائم من القانون العام حتى وإن كان دافعها سياسي، وقد صدر هذا القرار في قضية متعلقة بالضرب والجرح العمدي ومخالف التشريع الخاص بالأسلحة(1)
أما المشرع الجزائري لم يعطي تعريف محدد للجريمة السياسية ولكن يبدو أنه أخد بالمذهب الموضوعي وذلك من خلال ما ورد في أقسام قانون العقوبات في الفصل الأول من الباب الأول من كتاب الثالث تحت عنوان ( الجنايات والجنح ضد أمن الدولة) جرائم الخيانة والتجسس، جرائم التعدي الأخرى على الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني، الاعتداءات والمؤامرات والجرائم الأخرى ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن وجنايات التقتيل والتخريب المخلة بالدولة والجنايات المساهمة في حركات التمرد وإضافة إلى ذلك الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريب التي ظهرت مؤخرا فكل هذه الجرائم تدخل ضمن نظام مفهوم الجريمة السياسية.
- وبالتمييز بين الجرائم السياسية والجرائم العادية.
- من حيث العقوبــة في جنايات الجرائم العــادية تطبق عقوبـة الإعدام، السجن المؤبد أو المؤقت.
أما الجرائم السياسية تطبق عقوبة الحبس المؤبد أو الحبس الجنائي المؤقت ويستبعد المشرع عقوبة الإعدام بحيث أن المجرمين السياسيين لا يعدمون بل يتم نفيهم.
- لا يجوز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه في الجرائم السياسية نص المادة 600 ف1.
- لا يجوز تطبيق إجراء التلبس في الجنح ذات طبيعة سياسية أو جنح الصحافة وفقا لنص المادة 59 قانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004) ق4 ق إ ج
- يمنع تسليم المجرمين السياسيين المتواطئين في جريمة أو جنحة ذات صبغة سياسية أو إذا تبين من الظروف التسليم مطلوب لغرض سياسي نص المادة 698 ق2 ق.ج.
- من حيث الاختصاص
تخضع الجرائم السياسية لقواعد خاصة وغالبا تختص المحاكم العسكرية بالنظر في الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة والجدير بالإشارة أنه قبل تعديل 1989 كانت الجرائم ضد أمن الدولة من اختصاصا مجلس أمن الدولة:
الفرع الثاني: الجرائم العسكرية واهم ما يميزها
هي الجرائم المخالفة لقواعد ونظام العسكري الذي يفرضها قانون القضاء العسكري على الأشخاص الخاضعين له، ويحدد هذا القانون نوع الجرائم ذات الصيغة العسكرية والعقوبات المقررة لها ويحدد الأشخاص الذين تطبق عليهم وفي الغالب الأعباء تطبق العقوبات التأديبية على مرتكبي الجرائم العسكرية بصفتهم ينتمون إلى هيئة من الهيئات العسكرية وهذه الجرائم هي الإخلال بالواجبات العسكرية مما يترتب عنها عقوبة تأديبية مثل عصيان الأوامر الفرار داخـل أو خارج البلاد، تحريض على الفرار، أو الجرائم المخلة بالشرف والواجب العسكري مثل الاستسلام- الخيانة – التجسس – والمؤامرات العسكرية – ومخالفة التعليمات العسكرية.
وأهم ما يميز الجرائم العسكرية عن الجرائم العادية.
هو أن مصدرها قانون خاص وهو قانون القضاء العسكري وتختص المحاكم العسكرية في النظر إلى الجرائم العسكرية كما ينظم قانون القضاء العسكري إجراءات تطبيق على العسكريين والشبه العسكريين والمنتمين للهيئات العسكرية.
من حيث العقوبات : فن العقوبات المقررة على الجرائم العسكرية فهي عقوبات تأديبية رادعة بحيث قد تتمثل في فصل الفاعل من الجيش أو حرمانه من الرتبة أو فقدان الرتبة وبعقوبة العزل.
إلا أن هناك جرائم عادية كالسرقة وأعمال العنف تخضع لقانون العام إذا كـان مرتكبها عسكري أو شبه عسكري وترتكب خارج الهيئات العسكرية أو الثكنات.
الفرع الثالث: جرائم إرهابية أو تخريبية وأهم ما يضرها
بالإضافة إلى الجرائم السياسية والعسكرية ظهرت الجرائم الإرهابية والتي نص عليها المشرع الجزائري في الجزء الثاني من أقسام قانون العقوبات الكتاب الثالث الباب الأول الفصل الأول، القسم الرابع مكرر، والذي حرفه المشرع من خلال نص المادة 87 مكرر الأمر رقم 95-11 المؤرخ في 250 فبراير 1995 على أنه ( كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية والاستقرار المؤسسات) وسيرها العادي، ويكون ذلك الفعـــل غرضه ترعيب السكان أو الاعتداء على السلامة المعنوية أو الجسدية وزعزعة الأمن أو عرقلـة حركة وحريات التنقل أو عمل السلطات العمومية أو عرقلة سير المؤسسات وكل الاعتداءات التي تهز أمن واستقرار العام) تأخذ صبغة الجريمة الإرهابيـة أو التخريبيـة. وأيضـا كل نشاط أو انخراط في جمعيـة أو منظمة يكون فيها جزائري ويشتبه بها كمنظمة إرهابية مهما كان شكلها أو تسميتها وفقا لنص المادة 87 مكرر 6 ق ع.
واهم ما يميز الجرائم الإرهابية عن الجرائم العادية العقوبات المقررة لها وهي عقوبات أصلية مستردة.
- الإعدام بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤبد.
- السجن المؤبد بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤقت.
- السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون بالسجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات.
كما يخضع المجرم لعقوبات تبعية كالحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية وفقا لنص المادة 87 مكرر 9 ق ع.
أما من حيث الاختصاص والإجراءات:
تختص المحاكم العسكرية ومحاكم القانون العام النظر في الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية
فعندما يتعلق الأمر بهذا النوع من الجرائم. يجوز تفتيش المنازل حتى في غياب صاحبه وفي أي وقت يأمر به قاضي التحقيق ضابط الشرطة القضائية للقيام بهذه المهمة كما يجوز له القيام بهذه المهمة بنفسه
- ويجوز تمديد أجال توقيف النظر إلى 5 مرات وفقا لنص المادة 51 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في ديسمبر 2006) ق.9 ق.إ.ج.
- بينما في الجرائم العادية لا يجوز أن تتجاوز مدة التوقيف 48 ساعة.
- وتعتبر محكمة الجنايات الجهة القضائية المختصة بالفصل في الأفعال الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية المحالة ليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام نص المادة 248 الأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فبراير 1995)
- كما تختص في الحكم جزائيا على الأشخاص البالغين والقصر اللذين اكتمل سنهم 16 سنة والمحالين إليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام نص المادة 249 الأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فبراير 1995.
- ومن حيث التقادم:
لا تنقضي الدعــوى العموميـة أبـدا في الجرائـم الجنايات والجنح الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية وبتلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية كما لا تتقادم الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن هذه الأفعال وفقا لنص المادة 8 مكرر القانون 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004
المبحث الثاني : تقسيمات الجرائم من حيث ركنها المادي
وقسمت الجرائم من حيث تنفيذ ركنها المادي إلى جرائم وقتية ومستمرة، جرائم بسيطة واعتيادية، جرائم مركبة وأخرى متتابعة الأفعال وجرائم سلبية وايجابية ويتضمن هذا المبحث تعريف كل جريمة على حدا والفرق بين كل جريمة وأخرى.
المطلب الأول: الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة والفرق بينهما
الفرع الأول: الجرائم الوقتية
يطلق عليها تسمية الوقتية أو الفورية وهي التي تقع وتنتهي تحقيق العناصر المكونة لها في لحظة زمنية أو برهة قصيرة من الزمن مثلا القتل- هتك العرض – التزوير بحيث في هذه الجرائم لا يكون تنفيذها قابلا للامتداد.
الفرع الثاني: الجرائم المستمرة
وهي تلك التي يستغرق تنفيذها وقتا طويلا نسبيا مثلا إخفاء أشياء مسروقة أو حيازة أسلحة بدون ترخيص، أو حيازة مخضرات لفترة زمنية طويلة نسبيا، ويشترط في الجرائم المستمرة واكتمال ركنها المادي أن يكون تنفيذها قابلا بطبيعة لامتداد الزمني بحسب ظروف هذا النشاط الإجرامي ومتخذة نص المادة 387 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006) واهم ما يميز الجرائم المستمرة عن الجرائم الوقتية يظهر من خلال خصائصها
الجرائم المستمرة :
يتزامن بها الركن المادي والمعنوي معا حيث في مثل هذه الجرائم يكتفي القاضي بتوافر الركن المادي بل لابد من توافر إرادة الجاني في الاستمرار بهذا النشاط، بحيث إذا لم يتواجد الركنين معا وكان الاستمرار في الركن المادي فقط فنكون بصدد جريمة وقتيـة ذات اثر مستمر أو جريمة مستمرة ذات اسمرار ثابت مثال ( إقامة بناء دون ترخيص أو لصق إعلانات محظورة ذلك فيها ) ففي هذين المثالين الركن المادي للجريمة بدأ وانتهى ولكن الاستمرار بقي في آثار الجريمة ذاتها ولهذا المعنى الدقيق الجرائم المستمرة هو تعاصر الركنين معا.
ولا تنحصر الجرائم المستمرة في الوجه الايجابي للسلوك وإنما قد تأخذ وجه سلبي كترك الأطفال والعاجزين في مكان خالي من السكان نص المادة 314 ق ع. وعليه يتطلب وجود الركنين معا سواء في الوجه الايجابي للسلوك الإجرامي أو الوجه السلبي له.
الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم الوقتية والمستمرة :
الفرق بينهما في غاية الأهمية سواء من ناحية تطبيق أحكام قانون العقوبات أو من ناحية تطبيق أحكام القانون الإجراءات الجزائية.
1-من ناحية الأحكام الموضوعية، المتعلقة بقانون العقوبات
أ- من ناحية تحديد النطاق الزمني :
الجرائم الوقتية:
تخضع لعدم رجعية القوانين إلى الماضي، إلا إذا كان القانون أصلح للمتهم ولا يسري القانون الجديد على الجرائم الوقتية التي وقعت واكتملت في ظل قانون قديم.
الجرائم المستمرة:
يسري عليها تطبيق القانون الجديد حتى ولو كان أسوء للمتهم
مثلا: إذا ارتكب شخص فعل إجرامي في ظل قانون قديم ومازال ذلك الفعل مستمرا وقائما بعد صدور ونفاذ القانون الجديد فيطبق على الجاني أحكام القانون الجديد حتى ولو كان أسوء من القديم.
ب- من حيث تحديد النطاق المكاني :
الجرائم الوقتية :
تطبق على مثل هذه الجرائم أحكام القانون البلد الذي وقعت فيه حدود إقليمية
الجرائم المستمرة:
بما أن هذه الجرائم مستمرة بطبيعتها فقد تتم في دولة ما ويستمر النشاط الإجرامي في دولة أخرى وعليه يتم تحديد مكان وقوع الجريمة في كل إقليم اسمرت فيه وبالتالي يسري عليها أحكام القوانين كل الأماكن التي تمت فيها حالة الاستمرار الإجرامي
ج- من حيث الدفاع الشرعي :
الجرائم الوقتية:
لا يجوز الدفاع الشرعي فيها لأن الاعتداء المبرر للدفاع قد انتهى بتحقيق الجريمة
الجرائم المستمرة:
قد يجوز فيها الدفاع الشرعي( بعد بدء الجريمة المستمرة إذا كانت حالة الاستمرار لا تزال قائمة عند إتباع فعل الدفاع، ويكون القصد من الدفاع هو الحيلولة دون استمرار فعل الاعتداء الذي يحقق في الجريمة المستمرة) (1)
2- من ناحية الأحكام الجزائية المتعلقة بقانون الإجراءات الجزائية.
أ- من حيث الاختصاص المكاني
الجرائم الوقتية:
تختص في النظر إليها محاكم المنطقة التي وقعت فيها الجريمة مثلا وقعت جريمة السرقة في ولاية أدرار وفر الجاني بعد ارتكابها إلى ولاية أخرى فإن الاختصاص يعود لمحكمة أدرار.
الجرائم المستمرة:
فتحدث في منطقة معينة ويستمر الفعل الإجرامي في عدة مناطق وبالتالي تخضع لاختصاص محاكم متعددة بحيث استمرار الفعل الواقع في كل منطقة، مثلا: من يحوز على مخضرات أثناء سفره من منطقة إلى أخرى وقبض عليه في الطريق فن محكمة البلد الذي قبض عليه فيها تختص بمحاكمته.
ب- من حيث صدور قانون العفو.
مرتكب الجرائم الوقتية يستفيد من صدور قانون العفو العام، بينما في الجرائم المستمرة الواقعة قبل صدور وظلت مستمرة وقائمة إلى ما بعد صدور لا يستفيد مرتكبها من هذا القانون.
ج- من حيث تقادم الدعوى العمومية
الجرائم الوقتية:
تبدأ سريان التقادم الدعوى من يوم الموالي لارتكاب الجريمة المادة 7 ق.إ.ج.
الجرائم المستمرة فتبدأ مدة سريان التقادم الدعوى من اليوم الموالي لانتهاء حالة الاستمرار.
مثلا: جريمة إخفاء أشياء المسروقة حيث تبدأ مدة سريان تقادم الدعوى حتى اليوم الذي يتم فيه تسليم هذه الأشياء أو اكتشافها
د- من حيث حجية الشيء المقتضى به
في الجرائم الوقتية يكون الحكم بات ونهائي وعليه لا يجوز تحريك الدعوى العمومية مرة أخرى أمام القضاء لأن الحكم البات فيها حاز على قوة الشيء المحكوم فيه.
أما في الجرائم المستمرة: الحكم الصادر يحوز على قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة فجميع الوقائع السابقة فإذا تحددت حالة الاستمرار بعد صدور الحكم النهائي فإنها تعد جريمة جديدة مستقلة عن سابقتها
المطلب الثاني: الجرائم البسيطة والجرائم الاعتياد والفرق ينهما.
الفرع الأول: جرائم البسيطة
وهي تلك المتكونة من سلوك إجرامي واحد كافي لتحقيق الاعتداء الواقع على مصلحة محمية قانونا، ويشترط في هذا النوع من الجرائم عدم تكرار السلوك مثل جريمة السرقة أو الرشوة، وقد يتخذ هذا السلوك وجه ايجابي كما قد يكون سلبي ويمكن القول أن اغلب الجرائم بسيطة بحيث يكتفي المشرع بفعل إجرامي واحد يقوم عليه الركن المادي للجريمة.
الفرع الثاني : جرائم الاعتياد
وهي من الجرائم القليلة ولكي يقوم ركنها المادي يشترط تكرار الفعل الإجرامي بحيث في بعض الحالات لا يقتنع المشرع بتوافر فعل واحد بلا يتطلب وجود عادة أو تكرار على ارتكاب عدة أفعال للقيام المسؤولية الجنائية مثل جريمة التسول المادة 195 ق ع أو جريمة تحريض القصر على الفساد المادة 342 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20/12/2006) المتضمن قانون العقوبات أو جريمة الاعتياد على قبول ممارسة الدعارة نص المادة 346 ق.ع وكان معنى التكرار في جرائم الاعتياد محل خلاف الفقهاء.
من حيث عدد مرات في تكرار الفعل الإجرامي، والفارق الزمني بين الفعل وآخر فهناك من رأى بمجرد تكرار الفعل مرة واحدة أخرى، وهناك من يرى بتكرار الفعل ثلاث مرات، وذهب البعض إلى عدم تحديد المرات مسبقا ومن الأفضل تركها للسلطة التقديرية للقاضي.
أما الرأي السائد فقها يرى أن التكرار بمجرد وقوع الفعل مرتين كافي لاكتمال الجريمة.
أما من حيث الفارق الزمني بين الفعل والآخر، فإن كان الفرق بين الفعل الأول والفعل الثاني مدة طويلة هذا دلالة على عدم تواجد إرادة الاعتياد لدى الجاني وعليه لم يحدد المشرع الفارق الزمني وترك ذلك لتقدير القاضي
الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم البسيطة والجرائم الاعتياد
ويتوضح الفرق بينهما من الناحية العملية على النحو التالي.
أ- من حيث الاختصاص المكاني للمحكمة:
- الجرائم البسيطة:
تخضع للاختصاص محكمة محددة التي وقعت في دائرة اختصاصها هذه الجريمة.
- جرائم الاعتياد:
بما أن التكرار ملزما فيها، قد تتكرر في عدة مناطق مثل جريمة التسول، وبالتالي تختص كل محكمة من هذه المناطق الذي ارتكب في دائرة اختصاصها فعل من أفعال هذه الجريمة.
ب- من حيث سريان الأحكام الجزائية زمنيا.
الجرائم البسيطة: لا يسري القانون الجديد على الجرائم البسيطة السابقة على صدوره .
جرائم الاعتياد: يسري عليها القانون الجديد من يوم نفاذه ( فتضم الأفعال السابقة لصدور القانون الجديد إلى الأفعال اللاحقة لنفاذه)
المطلب الثالث: الجرائم المركبة والجرائم المتتابعة الأفعال :
الفرع الأول: الجرائم المركبة
وهي تلك الجرائم التي يتطلب لاكتمال ركنها المادي أكثر من فعل مختلف مثلا جريمة النصب التي تقوم على فعل احتيالي باستخدام وسائل احتيالية تم الاستيلاء على بعض المال أو الثروة الغير وذلك بطريقة احتيالية ( نص المادة 372 ق ع)
الفرع الثاني: جرائم المتتابعة الأفعال
وهي التي تقوم على عدة أفعال إجرامية متتابعة ومتماثلة تقع على حق واحد معتدي عليه وتحقق غرض إجرامي واحد مثلا تزوير عدة جوازات سفر أو تزوير عدة قطع نقدية أو سرقة منزل على عدة دفعات لكي لا ينكشف أمره، بحيث كل فعل من هذه الأفعال يشكل جريمة مستقلة عن الأخرى ولكن رغم ذلك تحتسب جريمة واحدة لكونها تنصب على حق معتدي عليه واحد وغرض إجرامي واحد.
وفي هذه الحالة هذا النوع من الجرائم يجمع بين الركنين المادي والمعنوي معا
الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم المركبة والجرائم المتتابعة الأفعال
وتكون أساس الفرق بينهما من حيث الأحكام الموضوعية حيث الجرائم المركبة بالنظر إلى طبيعتها تخضع لأحكام مختلفة عن الجرائم المتتابعة حيث أن النص الجديد يسري على كل فعل يكون جريمة مركبة حتى ولو كان أول فعل إجرامي أرتكب قبل صدور ونفاذ النص الجديد.
أما الجرائم المتتابعة الأفعال تخضع لنفس الأحكام التي تخضع إليها الجرائم البسيطة أما من حيث الأحكام الجزائية.
الجرائم المركبة تخضع لاختصاص المحاكم التي وقعت في دائرة اختصاصها فعل من الأفعال هذه الجريمة
جرائم المتتابعة الفعال: تكاد تتواجد الأحكام التي تسري عليها مع تلك التي تسري على الجرائم المستمرة وجرائم الاعتياد.
المطلب الرابع : الجرائم السلبية والجرائم الايجابية والفرق بينهما
الفرع الأول: الجرائم السلبية
وهي الجرائم التي تمثل في الامتناع عن فعل يوجب القانون فعله ويعاقب عليه بمجرد الامتناع بغض النظر عن النتيجة الإجرامية المترتبة عنه ( أن يستوي في نظر المشرع وقوع النتيجة أو عدم وقوعها على الإطلاق)
مثال امتناع الشاهد للحضور للشهادة، وعليه يشترط لتحقيق النموذج القانوني لهذه الجرائم
- وجود امتناع عن فعل ايجابي يتطلبه القانون
- توفر الصفة الايرادية لهذا لامتناع.
الفرع الثاني : جرائم الايجابية
والتي تتمثل في القيام بفعل بنهى عنه القانون وتتوفر فيه الإرادة مما ينجم عنه أثار إجرامية يعاقب عليها
الفرع الثالث : الفرق بين الجرائم السلبية والجرائم الايجابية
الفرق بينهما ليس مثيرا للإشكال من الناحية العملية وإنما الإشكال قد يقع في حالة ما إذا ارتكبت الجريمة الايجابية عن طريق الامتناع أو الترك
وهو نوع من الجرائم سميت بالجرائم السلبية ذات النتيجة حيث يكون الامتناع عن الفعل والنتيجة المترتبة عنه عنصران المكونان للركن المادي وهذا ما يميزها عن الجرائم السلبية البسيطة
مثال: امتناع الأم من إرضاع طفلها ويؤدي ذلك الامتناع إلى وفاته.
فأثار هذا الموضوع جدالا بين الفقهاء وحول مدى مسؤولية الجاني عن امتناعه والذي ينتج عنه جريمة معينة فتوصل الفقهاء إلى رأيين
الرأي الأول: ذهب إلى عدم إمكانية وقوع الجريمة الايجابية بطريقة الامتناع أو الترك بحجة لا يقوم الركن المادي للجريمة الايجابية إلا بقيام الفعل ايجابي ومثالهم عن ذلك أن الامتناع لا يصلح في تكوين الركن المادي لجريمة القتل ومن الصعب إثبات العلاقة السببية بين الامتناع الجاني والنتيجة الإجرامية المعاقب عليها.
الرأي الثاني : يرى أنه بإمكان وقوع جريمة ايجابية عن طريق الامتناع أو الترك ولكن بتوافر شروط.
- أن يكون على الممتنع واجب أو التزام قانوني أو تعاقدي بأداء عمل يمنع وقوع الجريمة)
مثلا: من يشاهد شخصا يغرق ولا ينقضه فلا يعد قاتلا
- يتعين توافر العلاقة السببية بين الامتناع والنتيجة التي يعاقب عليها القانون
- أن يكون الامتناع ايراديا.
وعليه يجدون أن الرأي الثاني كان راجحا بما أن العناصر المكونة للركن المادي للجريمة قد تكون أفعال ايجابية، أو سلبية بسيطة أو أفعال سلبية ذات نتيجة إجرامية طالما توافرت الشروط ومن ثم تتحقق العلاقة السببية بين امتناع الجاني والنتيجة المترتبة عن هذا الامتناع، ومن ثم يسأل الجاني عن النتيجة.
المبحث الثالث: تقسيمات الجرائم من حيث ركنها المعنوي.
من خلال التقسيم السابق يمكن القول أن الجريمة لا تتحقق لا بتوافر الركنين المادي والمعنوي، إلا أن في بعض الحالات لا يتوقع المشرع المسؤولية الجنائية على المتهم بمجرد توافر الركن المادي بل لابد من تواجد الإرادة الحرة للفاعل للقيام بهذا السلوك أي القصد الجنائي الذي يقوم على الإرادة الجاني وعلمه التام بالنتائج المترتبة عن هذا الفعل وعليه يمثل الركن المعنوي الرابطة النفسية بين الجاني والفعل ولهذا يعاقب المشرع على الجرائم ذات القصد الجنائي، ووصفها بالجرائم العمدية، ويعاقب أيضا على الجرائم ذات الخطأ الجنائي ووصفها بالجرائم الغير عمدية وبالتالي تنقسم الجرائم بحسب ركنها المعنوي إلى جرائم عمدية وجرائم غير عمدية
المطلب الأول : الجرائم العمدية
وهي تلك الجرائم التي يشترط لقيامها توافر القصد الجنائي أو النية الجنائية لارتكاب الفعل والمتمثلة في إرادة ارتكاب الفعل الإجرامي وإرادة تحقق النتيجة الإجرامية المحظورة قانونا، والعلم ( بكافة العناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة) والعلم بصلاحية الفعل لإحداث النتيجة
والعلم بالنتيجة يأخذ صورتين
1- صورة اليقين: بحيث يكون القصد الجنائي مباشرا وواضحا عند القيام بالفعل مع سبق الإصرار والترصد وتكون إرادة الفاعل وعلمه بتحقيق النتيجة أكيدة.
2- صورة الاحتمال: بحيث يكون القصد الجنائي غير مباشر، أو اقل وضوحا بحيث تكون إرادة الفاعل وعلمه بتحقيق النتيجة التي يريدها ممكنة والوقوع وليست أكيدة وفي كلتا الحالتين تعد جرائم عمدية واخطر الجرائم العمدية هي جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد فتعد كافة الجنايات مثلا القتل السرقة الاغتصاب جرائم عمدية وغالبا ما يعبر عنها بقوله ( من ارتكب عمدا أو من ارتكب علما) واغلب الجنح عمدية أما المخالفات قليلا ما تكون عمدية.
المطلب الثاني : الجرائم الغير عمدية:
فهي الجرائم التي تقوم على الخطأ الجنائي فهي توصف بالجرائم الخطيئة والتي تأخذ عدة صور مختلفة كالإهمال وعدم الاحتراز والرعونة وعدم طاعة القوانين ( نص المادة 422) إلا أن هذا الخطأ قد يكون جسيم ويأخذ صورتين
1- الخطأ الواعي مع توافر النتيجة والذي يكون بسبب الرعونة والتهور والطيش.
2- الخطأ مع عدم توقع النتيجة والذي يكون بسبب قلة الحيطة والاحتراز والإهمال، ومع ذلك فن الجرائم الغير عمدية تتميز من ناحية الركن المادي بالعناصر التالية:
- إرادة السلوك دون إرادة تحقيق النتيجة
- العلم بكافة العناصر الجوهرية لقيام الجريمة
- العلم بمكان صلاحية السلوك لإحداث نتيجة
- فكل الجرائم الغير عمدية جنح مثال القتل الخطأ المادة 288 ق ع، جرح الخطأ المادة 289 ق.ع المخالفات مثلا عدم تسجيل احد النزلاء في الفندق في السجل الخاص نتيجة الإهمال
و الأضرار الناجمة عنها اخف من تلك التي تنجم عن الجرائم العمدية ويتضح أن هناك اشتراك بين الجرائم العمدية والجرائم الغير عمدية من ناحية إرادة السلوك والعلم بكافة العناصر الجوهرية لقيام الجريمة ويترتب على كلاهما المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية وذلك بالتعويض الضحية أو أفراد عائلته
المطلب الثالث : الفرق بين الجرائم العمدية والجرائم الغير عمدية
ويتحدد الفرق بين هاتين الجريمتين فيما يلي
في الجرائم العمدية : تواجد إرادة تحقيق النتيجة أما في الجرائم الغير عمدية لا تتواجد إرادة تحقيق النتيجة
أما من الناحية العلم المتطلب في الجريمتين فهي الجرائم العمدية ويكون العلم يقينيا أو احتمالي في صلاحيته لإحداث النتيجة
أما في الجرائم الغير عمدية يتوقف هذا العلم عند حد الامكن أي العلم بمكان حدوث النتيجة كأثر للسلوك
من حيث العقوبات
تخضع الجرائم العمدية لعقوبات مشددة جاءت من خلال نصوص القانون والمتعلقة بالجنايات مثلا القتل العمدي عقوبته الإعدام أو السجن المؤبد وفقا لنص المادة 60-61 ق ع أما الجرائم الغير عمدية كالقتل الخطأ فهو جنحة تكون عقوبتها اخف حدها الحبس والغرامة وفقا لنص المادة 288 ق ع.
من حيث الشروع
يقتصر العقاب على الشروع على الجرائم العمدية أي الجنايات وبعض الجنح بينما لا يمكن تصور الشروع في الجرائم الغير عمدية
من حيث إمكانية العقاب على الاشتراك
يعاقب على المشاركة في الجرائم العمدية أما العقاب في الجرائم الغير عمدية مازال محل خلاف الفقهاء وذلك لانعدام القصد الجنائي من حيث تطبيق ظرف المشدد
يطبق ظرف التشديد على الجرائم العمدية وحدها مثلا كالجريمة القتل مع سق الإصرار والترصد أما الجرائم الغير عمدية لا يطبق عليها ظرف التشديد.
المبحث الرابع : ظروف الجرائم في قانون العقوبات الجزائري
من خلال التقسيمات المشار ليها سابقا عرف انه لا يمكن قيام جريمة دون توافر أركانها الثلاث الشرعي المادي والمعنوي وعرفنا أن هناك بعض الجرائم تخضع لعقوبات مشددة وعليه أخد المشرع بعين الاعتبار الأسباب التي تلحق بالجريمة والتي تؤدي إلى تشديد العقوبة أو تخفيفها والإعفاء منها وتسمى هذه الأسباب ظروف الجريمة
وهذه الظروف لا تدخل في تكوين الجريمة وإنما تؤثر في جسامتها وخطورة الجاني وعليه لا يمكن القول بوجود أو عدم وجود الظروف إلا بعد التأكد من وجود العناصر الأساسية للجريمة ومكتملة الأركان وثبوت إذناب الجاني ولهذا يعتد المشرع الجزائري على الأسباب المحيطة بالجريمة ومنحها ثلاث مظاهر هي إما الإعفاء من العقوبة أو تشديدها
المطلب الأول : ظروف الاعفاء من العقوبة
ويقصد بها جملة من الأسباب المقررة بنص قانوني والتي تؤدي إلى الإعفاء من العقاب بحيث ينزع المشرع المسؤولية القانونية عن الجاني رغم ثبوت دانته في الجريمة ولا يكون هذا الإعفاء بسبب الخطأ وإنما لاعتبارات تدخل ضمن السياسة الجنائية ذات صلة بالمصلحة الاجتماعية ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 92 ق ع « يعفى من العقوبة المقررة كل من يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن جناية أو جنحة ضد امن الدولة قبل البدء في تنفيذها أو الشروع فيها» ولظروف الإعفاء حالات نص عليها المشرع على سبيل الحصر وهي عزر المبلغ نص المادة 92 ق ع وعذر القرابة العائلية وعذر التوبة
الفرع الأول:عذر المبلغ
إذا كان الفاعل منهم أو شريكا في ارتكاب جريمة أو في مشروع إجرامي ثم قام بالتبليغ عن هوية المتورطين فيها وفقا لنص المادة 92 ق.ع أو بلغ عن اتفاق جماعة من الأشرار نص المادة 179 ق ع أو بلغ عن جريمة تزوير وتزييف النقود نص المادة 199 ق ع أو بلغ عن جريمة تقليد خاتم الدولة نص المادة 205 ق2 ق ع بعض مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.
الفرع الثاني: عذر القرابة العائلية
نص على هذا العذر المادة 91 قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20/12/2006 ق ع في فقرتها الأخيرة حيث يجوز إعفاء الأقارب أو الأصهار الجاني لغاية الدرجة الثالثة من العقوبة المقررة في عدم التبليغ عن الجرائم المتعلقة بالخيانة وتجسس أو بتزييف الوثائق العمومية أو غيرها من النشاطات التي تكون من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني وكذلك جرائم الإخفاء أو الإتلاف.
أو اختلاس الأشياء والأدوات والوثائق التي استخدمت أو ستستخدم في ارتكاب هذه الجرائم.
ويتضمن عذر القرابة ما جاء في نص المادة 180 ف2 ق ع
عن إخفاء عمدا شخص مرتكب جناية وفار من العدالة أو ساعد في هروبه أو على الإعفاء فيعفى من العقوبة المقررة لهذه الجرائم الأقارب والأصهار الجاني لغاية الدرجة الرابعة.
بالاستثناء الجنايات التي ترتكب ضد القصر الذين لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة
الفرع الثالث: عذر التوبة :
ويقصد به استيقاض ضمير الجاني بعد الجريمة في هذه الحالة يبلغ الجاني السلطات قبل تنفيذ العقوبة مثلا إعفاء من العقوبة الشخص الذي كان يعلم بالدليل براءة شخص محبوس واستيقاظ ضميره وتقدم إلى السلطات للإفادة بشهادة من تلقاء نفسه وفقا لنص المادة 182 ق3 ق ع «فلا يقضى بالعقوبة على من تقدم من تلقاء نفسه بشهادته وإن تأخر في الإدلاء بها» وأيضا ما جاء في نص المادة 217 ف 2 ق ع
والتي من خلالها يعفى الشاهد من العقوبة والذي يعدل من الشهادة الكاذبة وكل هذه الأعذار ولا تثبت لا بنص صريح ومحدد في القانون حسب المادة 52 ق ع
الفرع الرابع : الأثار المترتبة على الإعفاء من العقوبة
الأعذار المعفية من العقوبة فهي ملزمة وليس للقاضي حرية التقدير وبالتالي يتوجب عليه الأخذ بها والإعفاء من العقوبة ليس معناه براءة الجاني لكونه غير مسؤول أو زوال الجريمة وإنما الأعذار تؤثر على الجزاء المترتب على الجاني.
وقد يكون العذر المعفي من العقوبة أمر جائزا من خلال نص المادة 91 القوة القاهرة ق.ع.
وقد يجوز ترتيب عقوبات تكميلية على المعفي عنه :
- كالحرمان من الحقوق المدنية ومنع من الإقامة نص المادة 92 ق ع ويحرم الجاني من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق الوطنية لمدة لا تزيد عن 5 سنوات
- وقد يترتب على المعفي عنه المنع من الإقامة
- العزل أو الإقصاء من جميع الوظائف والمناصب العمومية التي لها علاقة بالجريمة،
- الحرمان من حق الانتخاب أو الترشح ومن حمل أي وسام،
- عدم الأهلية لأن يكون مساعدا محلفا، أو خبيرا، أو شاهدا على أي عقد، أو شاهدا أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال،
- الحرمان من الحق في حمل الأسلحة، وفي التدريس، وفي إدارة مدرسة أو الخدمة في مؤسسة للتعليم بوصفه أستاذا أو مدرسا أو مراقبا،
- عدم الأهلية لأن يكون وصيا أو قيما،
- سقوط حقوق الولاية كلها أو بعضها.
في حالة الحكم بعقوبة جنائية، يجب على القاضي أن يأمر بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها أعلاه لمدة أقصاها عشر ( 10 ) سنوات، تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه.
المطلب الثاني: ظروف التخفيف من العقوبة
الفرع الأول: الأعذار القانونية المخففة
إن إقرار القاضي الجنائي للظروف المخففة، إنما يرتكز على جملة من الضوابط، منها ضوابط مادية تتعلق بالجريمة، ومنها ضوابط شخصية تتصل بالجاني والمجني عليه.
أولا : الضوابط المادية :
تتعلق الضوابط المادية بكيإن الجريمة المادي والمعنوي :
أ - فيما يخص الضوابط المتعلقة بالجانب المادي للجريمة :
فأنها تتمثل في الضوابط التي من شأنها الكشف عن ضآلة الضرر أو تفاهته مثلا فتفاهة الضرر يعتبر ظرفا مخففا للعقاب
وهذا ما نجد تطبيقا له في العديد من القوانين العقابية، مثل قانون العقوبات المصري الذي اعتبر سرقة المال العام التي لا تجاوز قيمتها خمسمائة جنيه ظرفا مخففا ،و كذلك في قانون العقوبات العراقى، حيث بمقتضى المادة 446 منه فأنه يجوز تبديل العقوبة المقررة فى هذه المادة بالغرامة التي لا تزيد عن عشرين إذا كانت قيمة المال لمسروق لا تزيد عن دينارين
وكذلك قانون العقوبات الجزائري، حيث بمقتضى المادة 350 منه الخاصة بجنحة السرقة المعاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000دج إلى 500.000 دج، فبإمكان القاضي إفادة الجاني بالظروف المخففة إلى الحد الذي يسمح به القانون ن ويجوز له أن ينزل بالعقوبة إلى يوم واحد حبس وبغرامة قدرها 1000 دج (03) .
ب) - فيما يخص بالضوابط المتعلقة بالجانب المعنوي للجريمة :
فأنها تتمثل في البواعث والتي تعتبر أهم عنصر يكشف عن خطورة الجاني ومدى استحقاقه للعقاب، فمثل اعتبرت العديد من الأحكام القضائية في العديد من البلاد العربية أن القتل غسلا للعار يعتبر ظرفا قضائيا مخففا، وليس قتل الزوج لزوجته الزانية، فذلك عذرا مخففا، لكن الذي يعتبر ظرفا قضائيا مخففا هو القتل الذي ينفذه الأقارب (04) ففي العراق، قضت محكمة التمييز بحكم مؤرخ في ;1971/12/20 تحت رقم : 2845 ( إن قتل المتهم للمجني عليها غسلا للعار لظهورها حاملا سفاحا، يعتبر ظرفا قضائيا مخففا ) وقضت أيضا : ( إذا قتل الابن والدته لسوء سلوكها، اعتبر ذلك ظرفا قضائيا مخففا )
ثانيا : الضوابط الشخصية :
هي الضوابط التي تتعلق بشخص الجاني، ومفادها أن الجريمة لم تكن لتحصل إلا نتيجة لعوامل وأسباب خاصة دفعت الجاني إلى اقترافها وأضعفت سيطرته على نفسه وعلى قدراته ومن العدل أن تكون مبررا لتخفيف العقاب بحقه نظرا ضالة خطورته، كما أن سلوكه اللاحق للجريمة مثل إظهاره توبة صادقه أو حاول إصلاح الضرر، قد يكشف عن ضآلة خطورته .
من ذلك يتضح أن الضوابط المتعلقة بشخص الجاني، نوعان: نوع يتعلق بحالته ونوع يتعلق بسلوكه
أ- الضابط المتعلق بحالة الجاني :
يتعلق هذا الضابط بكل ما يتصل بشخص الجاني من حيث سته وجنسه وحالته الاجتماعية والاقتصادية والعقلية والنفسية، فالسن قد يكون له تأثير في السلوك الإجرامي وفي نوعية الجرائم وطبيعتها، فالطاعنين في السن مثلا يتعين تخفيف العقوبة في حقهم، لأنهم تضعف لديهم قابلية السيطرة والتحكم في تصرفهم، وهذا ما أخذ به القضاء العراقي في بعض قراراته حيث قضت محكمة التمييز: ( كون المجرم طاعنا في السن من أسباب الرأفة بحقه ) كذلك حالة الجاني العقلية، حيث اعتبرت العديد من القوانين أن الحالة العقلية للجاني تعد ضابطا في تقدير العقوبة، وتركت للقاضي سلطة تقديرية واسعة لمواجهتها، وملاحظتها وأخذها بعين الاعتبار عند تقدير العقوبة
أما الحالة الاقتصادية للجاني، فأنه قد يرتكب هذا الأخير الجريمة بدافع الفقر، مما يكون له أثر في الاستفادة من الظروف المخففة .
وبالإضافة إلى الحالات السابقة، فأن صفات الحرمان وقلة التهذيب والتعليم، وأخلاق الجاني وسوابقه تكشف عن خطورة الجاني، فمتى انتفت هذه الصفات فأنه يمكن للقاضي تخفيف العقوبة بحقه.
ب-الضابط المتعلق بسلوك الجاني اللاحق للجريمة :
يكشف تصرف الجاني اللاحق للجريمة خطورته الإجرامية، مما يستوجب تخييف العقاب عليه، كما في حالة الإخبار والاعتراف الذي يساعد السلطة العامة في التعرف على بقية المساهمين في الجريمة، ويسهل مهمتها في القبض عليهم، قد أولت القوانين العقابية الإخبار والاعتراف قدرا من الأهمية، حيث نصت عليهما كضابطين للتخفيف من العقوبة، وبالتالي اعتبارهما عذرين مخففين للعقاب، غير أنهما عند عدم توافر شروطهما المنصوص عليها قانونا، يمكن للقاضي اعتمادهما في تخييف العقوبة.
الفرع الثاني: الأعذار القضائية المخففة
أولا تعريف الأعذار القانونية المخففة
لم يقدم التشريع الجنائي تعريف لمفهوم الأعذار القانونية المخففة، لذلك سنتعرض إلى تعريفها اللغوي والاصطلاحي
التعريف اللغوي :
العذر، هو الحجة التي يعتذر بها، وجمعه أعذار وهو مأخوذ من مادة عذر يقال عذر الرجل، أي كثرت عيوبه، وعذره في فعله يعذره عذرا.
قال الله عز وجل: ( ولو ألقى معاذيره) ، أي ولو جادل عن نفسه، وفي الحديث : )لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم) أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم
التعريف الاصطلاحي :
تناول الفقه بصورة مكثفة تعريف الأعذار القانونية المخففة للعقوبة، فقد عرفها البعض بأنها : ( حالات نص عليها القانون توجب على القاضي النزول بالعقوبة إلى ما دون حدها الأدنى المقرر للجريمة وفق قواعد وحدود بينها القانون(
والأعذار القانونية المخفية، لا تلغي العقوبة وإنما تخفف منها فقط، كما يفهم من تسميتها ويكون التخييف بالقدر الني نص عليه القانون والني بجدد نماذجها ومدى تثيرها في الجرائم وعقوباتها، فتخضع لقواعد عامة تحكمها
ثانيا خصائص الأعذار القانونية المخففة :
أ- الشرعية :
بمعنى أنها ليست إلا مسألة واقعية انفرد المشرع بالنص عليها صراحة، وحضر على القاضي القول بها من عنده فهي تخضع إلى مبدأ التحديد التشريعي فلا يوجد عذر إلا بنص، فالمشرع وحده دون غيره من يحدد الأعذار.
ب - الإلزام
بمعنى أن الأعذار القانونية ملزمة وتوجب على القاضي الجنائي تطبيقها عند توافر شروطها، فالقاضي ملزم بالنزول بالعقوبة المقررة للجريمة وفقا لقواعد محددة في القانون سلفا في حال توافر العذر وتوافر شروطه، وهي نتيجة منطقية للتحديد التشريعي الذي يحكم الأعذار القانونية فالقاضي ملزم بالتخييف عندما يشير القانون صراحة على ذلك ويستتبع ذلك إلزام القاضي بتسبيب الحكم الذي يحول على العذر القانوني
ج - انها لا تمس بوجود الجريمة :
بمعنى أن الجريمة تبقى قائمة ولا تتأثر بوجود الأعذار القانونية . فلا يطرأ أي تغير على الجريمة وتبقى موجودة بكامل أركانها فلا يترتب على توافر العذر زوال الجريمة أو التغيير من طبيعتها .
د - التأثير على العقوبة :
بمعنى أن العذر القانوني يؤثر على العقوبة، إذ يترتب عليه النزول بالعقوبة إلى ما دون حدها الأدنى المقرر قانونا .
ثالثا : ضوابط الأعذار القانونية :
تكفل المشرع بالنص صراحة على الضوابط التي تحدد لمحكمة الموضوع جدارة الجاني بالتخييف ومداه، وهي على نوعين، يتعلق أولهما بذات الجريمة ( ضوابط مادية ) ويرجع ثانيهما إلى شخص الفاعل (ضوابط شخصية)
1 الضابط المادي :
يشمل هذا الضابط الجانب المادي المتعلق بالجريمة ونتيجتها، وكذلك الضابط المتعلق بالجانب المعنوي للجريمة
أ-( الضابط المتعلق بالجانب المادي للجريمة ) السلوك الإجرامي :
ويقصد به السلوك الإجرامي في حد ذاته، حيث يعتبر مثلا الإفراج طواعية عن الضحية المخطوف أو المحبوس أو المحجوز تعسفيا عذرا مخففا للعقاب كما جاء في قانون العقوبات الجزائري أو في حالة الخاطف الذي يترك المخطوف في مكان آهل بالسكان كما ينص قانون عقوبات عراقي، فهذا السلوك يتعلق بماديات الجريمة
ب- الضابط المتعلق بالنتيجة الجرمية :
و يقصد به ضآلة الضرر او تفاهته فتفاهة الضرب الذي لا يحدث أي عجز أو جروح يعتبر عذرا مخففا للعقاب
ج- الضابط المتعلق بالجانب المعنوي :
تعطي أغلب التشريعات التي تبنت نظام الأعذار المخففة أهمية لنفسية الفاعل من خلال التركيز على الباعث إلى ارتكاب الجريمة وعلى ثورة العاطفة لديه بمعنى الاستفزاز الذي تعرض له، ومن ذلك فأن الاستفزاز يعتبر عذرا مخففا للعقاب،
2 الضابط الشخصي :
ترتكب الجريمة في بعض الأحيان نتيجة لعوامل وأسباب تتعلق بالجاني تدفعه إلى ارتكاب الجريمة، ويكون من شأن هذه العوامل إفقاد الجاني السيطرة على قدراته فيكون ذلك مبررا للتخفيف العقاب عليه لقلة خطورته، كما أن سلوكه اللاحق على ارتكاب الجريمة كتوبته الصادقة أو إصلاحه للضرر الناشئ عن الجريمة كفيل بتخفيف العقاب عليه ووفقا لذلك فأن الضوابط المتعلقة بالجاني ،ترتسم في حالتين ;
الحالة الأولى : العوامل المتعلقة بحالة الجاني :
هي التي تخص كل ما يتعلق بشخص الجاني من حيث سنه، حالته النفسية، فقد أولى التشريع الجنائي أهمية بالغة للسن وتضمه بأحكام خاصة، توجب على القاضي الجنائي أخذه بعين الاعتبار عند توقيع العقوبة، أما بالنسبة للحالة النفسية، فقد اعتبر التشريع الجنائي أن نقص الإدراك الناجم عن ثورة الغضب الحاد بفعل الاستفزاز العنيف والمعاصر للارتكاب الجريمة عذرا مخففا للعقاب
الحالة الثانية : العوامل المتعلقة بسلوك الجاني اللاحق على ارتكاب الجريمة :
وهي عوامل تتعلق عادة بما يبديه الجاني من سلوك بعد ارتكاب الجريمة تكشف عن ضآلة خطورته بشرط أن يكون هذا السلوك سابقا على الحكم وأن يكون إراديا وغير مشروط مثل إخبار السلطات عن الجريمة والمساهمين فيها، والاعتراف الكامل المؤدي إلى إظهار الحقيقة وقد أعتبر التشريع الجنائي أن السلوك اللاحق على ارتكاب الجريمة يكشف عن ضآلة خطورة الجاني مما يستدعي اعتباره عذرا مخففا للعقاب .
رابعا أنواع الأعذار القانونية المخففة للعقوبة :
عندما يرتكب الجاني فعلا مجرما دفعه إليه سلوك المجني عليه، فقد يرتكب ذلك الجرم تحت ثورة الغضب التي تلم به لحظة انطلاق سلوك المجني عليه، والتي لا يمكن له أن يتفادى أو يتجنب ردة فعله، باعتبار أن الغضب الحاد يفقد الشخص القدرة على التحكم في تصرفه نتيجة تأثر إرادته بفعل الإكراه المعنوي الذي تعرض له، ذلك أن المكره معنويا تتوافر لديه الإرادة ولكن ينفي أو ينتقص بقدر كبير حريتها واختيارها مما يعني أن أحد شروط المسؤولية الجنائية، وهي حرية الإرادة أو حرية الاختيار خدشت بهذا الفعل
وما ينطبق على هذا الظرف المؤدي إلى تكبيل حرية الاختيار للشخص، ويدفعه إلى ارتكاب الجرم، ينطبق أيضا على الشخص الغير مدرك أو الفاقد للتمييز ونقصد بذلك صغير السن، فصغر السن يتأرجح بين الصبي الغير مميز وبين سن التميز إلى غاية سن المسؤولية الجنائية أو الرشد الجنائي المحددة د 18 سنة، فالقاصر الذي لم يكمل 18 سنة من عمره يفتقد إلى شرط الإدراك . بل أن الإدراك يختلف بين القاصر دون سن 13 سنة والذي يفوق هذه السن إلى غاية 18 سنة كاملة.
ذلك ما أدى بالتشريع الجنائي إلى التدخل حماية للحقوق وتقويما لمضمون العدالة التي هي أساس وجوده وحفاظا على استقرار المجتمع، من خلال تحديده للأعذار التي من شانها أن ترتبط بسلوك الجاني وبماديات الجريمة في نفس الوقت وهي أعذارا محددة استقاها المشرع من سلوكيات الأفراد داخل المجتمع وقدر أنها أعذار تقلل من مسؤولية الجاني فكانت إذن أعذارا قانونية مخففة واجبة التطبيق يستفيد منها الجاني متى توافرت لديه، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين، أعذار عامة وآخري خاصة وعلى غرار أغلب التشريعات فقد تضمن قانون العقوبات الجزائري، فئتين من الأعذار القانونية، فئة الأعذار القانونية العامة وفئة الأعذار القانونية الخاصة أو فئة حالات الاستفزاز كما يسميها البعض
ولو أننا سجلنا اختلاف لدى بعض الفقه حول التمييز بين الأعذار العامة و الأعذار الخاصة، فبعض الفقه اعتبر عذر الاستفزاز مثلا من الأعذار الخاصة، في حين أعتبر جانب من الفقه أن الاستفزاز يعتبر عذر عام، على غرار قانون العقوبات العراقي واللبناني. فقانون العقوبات العراقي لم يقصر عذر الاستفزاز على جرائم القتل والضرب كما فعل المشرع الفرنسي والجزائري، بل اقتصر ذلك على جرائم الجنايات المقترنة بعذر الاستفزاز ووصفه بالخطير بينما بقية حالات الاستفزاز مثل الضرب والجرح وغيرها من الجنح اعتبرها ظروفا قضائية مخففة
ويتجلى الاختلاف حول مدى اعتبار الاستفزاز عذر خاص ، من خلال مفهومه، بمعنى هل يتحقق عذر الاستفزاز بواقعة محددة حصرا، وبالتالي لا يتحقق بواقعة سواها، أو أن العبرة في تحققه بحالة الهيجان والإثارة اللتين يكون عليهما الجاني وقت ارتكاب الجرم، أيا كانت تلك الواقعة، بمعنى (عذر عام)
وفي هذا الإطار يقول الدكتور به يار سعيد عزيز بزه : ( نرى أن عذر الاستفزاز هو فعل بغير حق يدفع الجاني لارتكاب الجريمة يكون تحت ضغط النقص في سيطرته على إرادته بسبب التأثير الشديد عليه، وبذلك يكون الجاني تحت تأثير الضغط الشديد ( حالة الاستفزاز) حر الإرادة بشكل مطلق لارتكاب أو عدم ارتكاب الفعل الخاطئ، فتصبح مسؤولية الجاني المثار أخف وأضعف، وبالتالي عقوبته أنقص من العقوبة التي قد تستحقها جريمته أصلا دون إثارة.
1- الأعذار القانونية العامة :
الأعذار القانونية المخففة العامة هي أعذار يتسع نطاقها إلى جميع أنواع الجرائم، جنايات جنح ومخالفات متى توافرت شروط العذر ومن تطبيقاتها في القوانين العقابية المختلفة، عذر صغر السن، وكذلك حالة تجاوز الدفاع الشرعي، وسنتعرض لهذه الاعذار القانونية بالتفصيل مع مقارنتها بقانون العقوبات الجزائري
أ : في القانون :
العذر القانوني الذي يمنح لصفير السن ينطوي على افتراض من جانب المشرع أن الحدث وبسبب صغر سنه يكون مستوى نضجه العقلي أقل من مستوى النضج العقلي لدى البالغ لسن الرشد، مما يستدعي تخييف العقوبة في حقه بما تتلاءم في نوعها أو مقدارها مع مستوى نموه فإطار ارتكاب الجريمة من طرف الطفل يتجاوز إطار القانون الجزائي لكون تصرفه يخضع للطبيب أكثر من خضوعه للقاضي , فهو فعل خطير بالنسبة للطفل وكذلك بالنسبة للمجتمع، لان جنوح الأحداث يعد بذرة إجرام الغد .
ويتطلب ذلك تدخل المجتمع ليس من أجل العقاب بل من أجل العلاج، لان الجريمة تعد رد فعل عن مرض، يجب علاجه للوقاية من العود .
ففي قانون العقوبات المصري، نجد تطبيقا لعذر صغر السن حيث يعفي القانون، الطفل الذي لم يبلغ الثانية عشر من عمره من العقوبات ويجعله أهلا لتدابير تربوية وإصلاحية.
في حين يسمح بتوقيع العقوبة على من بلغ الثانية عشر من عمره مع تخفيفها، وتشمل العقوبة المرحلة العمرية الممتدة من سن الثانية عشر إلى سن الخامسة عشر من عموه ( المادة 65 من ق ع م ) ومتى بلغ الخامسة عشر كان أهلا للعقوبات العادية دون تخييف ما عدا الإعدام و الأشغال الشاقة فهي محضورة عليه طالما كان دون السابعة عشر من عمره وفي قانون الطفل المصري رقم 12 لستة 1996 ، لجأ المشرع إلى تقسيم جديد لسن الحدث حيث قسمه إلى ثلاثة مراحل :
-أولا :
الطفل الذي لا يتجاوز سن خمسة عشر ستة (15) ، تطبق عليه أو يخضع لتدابير تربوية إصلاحية الواردة في المادة 101 من القانون الجديد، وهي التوبيخ، التسليم، الإلحاق بالتدريب المهني، الإلزام بواجبات معينة، الاختبار القضائي، الإيداع في احد المؤسسات المختصة بالرعاية الاجتماعية أو الإيداع في إحدى المؤسسات الاستشفائية المتخصصة
- ثانيا :
عدم جواز الحكم بالعقوبات العادية على الحدث الذي يبلغ سنه الخامسة عشر سنة ولم يتجاوز سادسة عشر سنة، في إطار معاملة عقابية خاصة وفق القانون الجديد وفي المادة 111 منه التي أسست وضعا خاصا للطفل الذي يبلغ من العمر خمسة عشر سنة ولم يتجاوز السادسة عشر سنة، يتمثل هذا الوضع في ددرج النزول بالعقوبة درجة أو درجتين أو ثلاث في بعض الأحيان على نحو محدد في المادة المذكورة
- ثالثا :
الحالة التي يبلغ فيها الحدث مرتكب الجريمة ما بين السنة السادسة عشر ولم يبلغ الثامنة عشر كاملة، ومن خلال قانون الطفل الجديد حيث ميز الحدث البالغ لهذه المرحلة السنية بتنظيم خاص مفاده الارتفاع بالحد الأدنى للعقوبة ،ويرجع ذلك إلى سن الحدث إذ جرى نص المادة 112 من قانون الطفل على انه (( لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة آو المؤقتة على الحدث الذي زاد سنة عن الستة عشر سنة ولم يبلغ الثمانية عشر سنة كاملة وقت ارتكاب الجريمة، في هذه الحالة إذا ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن الذي تقل مدته عن عشر سنوات إذا كانت العقوبة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات وإذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم عليه بالحبس، ولا تخل الأحكام السابقة سلطة المحكمة في تطبيق أحكام المادة 17 من قانون العقوبات في الحدود المسموح تطبيقها قانونا على الجريمة التي وقعت على المتهم
أما قانون العقوبات الفرنسي فقد قرر أن الأحداث الجانحين الذين يبلغون من العمر بين سن الثالثة عشر والثامنة عشر كاملة يحكم عليهم بالتدابير التربوية والإصلاحية ويجوز الحكم عليهم بالعقوبة فى حدود معينة متى كان ذلك ملائما للظروف وشخصية الحدث، وقد أكد هذا المبدأ مشروع قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 35 منه .
- المشرع الجزائري
فقد نضم عذر صغر السن من خلال نص الفقرة الثانية من المادة 49 من قانون العقوبات الجزائري ;
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 إما لتدابير حماية أو لعقوبات مخففة فمتى تتحقق أو توفر لدى القاصر المرتكب لجريمة شرط بلوغه السن من 13 إلى 18، فليس للقاضي الجنائي إلا أن يقضى بالعقوبة المخففة أو بتدبير الحماية .
وقد حدد المشرع الجزائري في المادتين ه5 و 51 من قانون العقوبات، العقوبات التي يخضع لها القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 كما يلى :
-بالنسبة للجنايات والجنح وفق نص المادة 50 من ق ع ج
أ) إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فأنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 01 سنوات إلى 02 سنة
ب) إذا كانت العقوبة هي السجن المؤقت أو الحبس يحكم على القاصر بالحبس بمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها متى كان بالغا
- بالنسبة للمخالفات :
ج) يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من 13سنة كاملة إلى 18 سنة كاملة إما بالتوبيخ أو بعقوبة الغرامة .
وقد حددت المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية تدابير الحماية أو التهذيب كما يلى :
-تسليمه لوالديه أو لوصيه أو الشخص الذي يتولى حضانته أو شخص جدير بالثقة .
-تطبيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة
-وضعه في مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتهذيب أو التكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض
-وضعه بمؤسسة طبية أو طبية تربوية مؤهلة لذلك
-وضعه في مصلحة الخدمة العامة المكلفة بالمساعدة
-وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث المجرمين في سن الدراسة
خامسا عذر تجاوز الدفاع الشرعي :
أولا: في القانون :
من المتفق عليه أن نشؤ الدفاع الشرعي شرط أساسي للكلام عن تجاوز حدوده بمعنى أن تجاوز حدود الدفاع الشرعي لا يكون موجودا إلا إذا وجد الدفاع الشرعي ذاته ويعرف الدفاع الشرعي بأنه: (دفع اعتداء إجرامي على وشك الوقوع لدرء خطر عن نفس المدافع أو عن ماله أو عن نفس غيره أو ماله(
وبالتالي يتحقق تجاوز الدفاع الشرعي عند انتفاء التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطر الذي يهدد المعتدى عليه، بمعنى أن التجاوز يتحقق إلا عند انتفاء شرط التناسب، فيترتب عن ذلك مسؤولية المتجاوز الجنائية لا أنها مسؤولية تختلف عن مسؤولية من لم تتوافر بالنسبة إليه شروط الدفاع الشرعي، وعليه يجب التفرقة بين أوضاع ثلاثة، هي إذا كان التجاوز متعمدا عن إدراك وتمييز أو كان ثمرة خطأ في تقدير جسامة فعل الدفاع وتجاوزه حدود الدفاع ، أو ننجرد فعل المدافع من العمد والخطأ في آن واحد فكان وليد الاضطراب وعدم السيطرة على الإرادة فيتجاوز حدوده بحسن نية، وقد قلنا بالمسؤولية الجزائية العمدية في الحالة الأولى ، وغير العمدية في الحالة الثانية، أما في الحالة الثالثة فهي التي تكون موضوعا للعذر المخفف للعقاب .
وهذا ما قررته أغلبية القوانين العقابية، ففي قانون العقوبات العراقي نجد أن المشرع العراقي نظم حالة تجاوز الدفاع الشرعي من خلال نص المادة 45 التي تنص : ( إذا تجاوز المدافع عمدا أو إهمالا حدود هذا الحق أو اعتقد خطأ انه في حالة دفاع شرعي فأنه يكون مسئولا عن الجريمة التي ارتكبها وإنما يجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تحكم بعقوبة الجنحة بدلا من عقوبة الجناية، وان تحكم بعقوبة المخالفة بدلا من عقوبة الجنحة (
كما تضمن قانون العقوبات الكويتي تجاوز الدفاع الشرعي من خلال نص المادة 32 التي تنص: ( إذا جاوز الشخص بحسن نية حدود الدفاع الشرعي بأن استعمل لدفع الاعتداء قوة تزيد على القدر الذي كان يستعمله الشخص المعتاد إذا وجد في ظروفه دون أن يكون قاصدا إحداث أذى أشد مما يستلزمه الدفاع جاز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذورا وأن يحكم طيه بعقوبة الجنحة (
أما قانون العقوبات المصري، فقد عالج حالة تجاوز الدفاع الشرعي وأعتبرها عذرا مخففا من خلال نص المادة 251 منه التي جاء فيها: ( لا يعفى من العقاب بالكلية من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصدا إحداث ضور أشد مما يستلزمه هذا الدفاع، ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذورا إذا رأى لذلك محلا وأن يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون)
- المشرع الجزائري
فقد عالج حالة تجاوز الدفاع الشرعي من خلال المادة 278 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص : ( يستفيد مرتكب جرائم القتل والضرب من الأعذار إذ ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار، وإذ حدث ذلك أثناء الليل، تطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40) ففي هذه الحالات جميعا، ومتى ثبت العذر القانوني المخفف مقترنا بها يجب على القاضي تخييف العقاب على النحو المحدد في المادة 283 من ق ع ج
سادسا الاضطرابات العقلية والنفسية :
اتجهت بعض القوانين العقابية على اعتبار أن الشخص المضطرب عقليا أو نفسيا أو ما يعرف بالقصور أو النقص العقلي المؤدي إلى انتقاص الوعي أو الإرادة، تكون مسؤوليته الجنائية مخففة، لذلك قررت العديد من القوانين اعتبار هذا النقص العقلي عذرا مخففا عاما بشرط أن ينقص هذا الاضطراب العقلي من وعي أو إرادة الجاني، وقد أخذت غالبية التشريعات الجنائية الأوروبية بالعذر المخفف للمجرم المصاب باضطراب عقلي أدى إلى إضعاف تمييزه على غرار القانون للفرنسي في المادة 1 و122 الفقرة الثانية منه و القانون البلجيكي في مادته 71 أو إضعاف قدرته على التمييز ( القانون الألماني المادة 21 ) و المادة 21 من قانون العقوبات الإسباني أو المادة 89 من قانون العقوبات الايطالي.
سابعا الأعذار القانونية الخاصة في التشريع الجزائري :
تضمن قانون العقوبات الجزائري، بعض الأعذار القانونية المخففة الخاصة، على سبيل الحصر، وأهمها على الإطلاق عذر الاستفزاز، وقبل التطرق إلى حالات الاستفزاز في قانون العقوبات، ينبغي أولا التعريف بهذا العذر يعرف الاستفزاز كعذر مخفف عموما على أنه :
)ارتكاب الجريمة في حالة توتر ينشأ عن رؤية حادثة أو سماع كلام يؤدي إلى دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة، فالجاني في هذه الحالة ليس له الوقت الكافي للتفكير والتدبير في عواقب الفعل الذي يقوم به )
وأعتبر الاستفزاز من العوامل المؤثرة على حرية الإدراك، فهو لا يؤثو على الإدراك تأثيرا يعتد به في المجال العقلي ولا النفسي، ولا من أمراضه وإنما يؤثر على حرية الإرادة باعتباره عاملا من العوامل التي لا يملك الجاني حيالها السيطرة على نفسه، وإنما هي التي تسيطر على عقله وتقيد حرية اختياره، فهو يشكل ضغطا على الإرادة تحرم الشخص من فرصة التروي والتفكير ولذلك فأن عذر الاستفزاز إنما يقوم على معيارين :
أ) : معيار اعتبار الاستفزاز عذر مخفف :
يشكل عامل الاستفزاز أكثر الأسباب التي تناولها المشرع واعتبره عذرا للتخفيف وهو بذلك أعطى لهذا العذر مكانه خاصة ضمن منظومته القانونية، فوجب البحث عن الأساس الذي يقوم عليه الاستفزاز كعنصر مخفف من العقاب، بمعنى ما هو معيار اعتبار الاستفزاز عذرا مخففا من مسؤولية الجاني ؟
وفي هذا الإطار ظهرت نظريتان تحكمان عامل الاستفزاز:
-النظرية الأولى :
النظرية الموضوعية التي تقوم على أساس تكافؤ الأخطاء بين المثير للاستفزاز والمنار به، فالشخص المستفز هو المذنب الأول، ومن العدل والإنصاف أن يطرح خطأ فاعل الجريمة من خطأ المعتدى عليه عملا بقاعدة المقاصة، فتصبح مسؤولية الجاني أخف . فاعتبار لحظة استفزازه تدفعه إلى ارتكاب الجريمة، وعلى أساس مبدأ منطقي هو تحميل المجني عليه جزء من المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبها الجاني لأنه المذنب الأول غير أن حالات الاستفزاز عديدة ومختلفة ولا يمكن حصرها ،ويختلف الاستفزاز حسب الدافع وحسب الشخص في حد ذاته، فقد يستفز تصوف معين شخصا في حين أن نفس التصرف قد لا يثير أي عاطفة لدى شخص آخر، مما يعني أنه لا يمكن حصر جميع حالات الاستفزاز وإعطائها نفس درجة الإنارة التي تحدثها في نفسية المنار بها
-النظرية الثانية :
النظرية الشخصية التي تعتبر أن الاستفزاز يثير في نفس الشخص الذي تعورض له ثورة من الغضب الشديد والجامح
ويختل ميزان الإدراك لديه وتخف قوة تفكيره فتندفع إرادته بصورة هوجاء فيقلل ذلك من أهلية تحمله للمسؤولية الجنائية عن الجريمة التي يرتكبها .
ب ( : معيار قياس مدى خطورة الاستفزاز :
عمل التشريع الجنائي على تحديد وتفصيل حالات الاستفزاز، محددا الحالات التي رأى أنها تشكل أكثر من غيرها أعذارا تستوجب التخفيف من العقاب على سبيل الحصر ونص عليها نصوص قانونية واجبة التطبيق من طرف القاضي الجنائي راسما له الحدود التي تلزمه بأن ينزل من خلالها بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر للجريمة، فليس للقاضي الجنائي أي سلطة في تطبيق هذه الأعذار إلا في المجال والنطاق الذي حدده المشرع، وذلك لقطع الطريق عن فرضية استغلال هذا العذر على طلاقته ، فقد يصبح مدعاة لتبرير الجرائم ليكون بذلك عاملا مهددا لاستقرار المجتمع لأمنه .وذلك من خلال ارتكازه في قياس مدى خطورة الاستفزاز ومدى تأثيره على الجاني على معيارين أساسيين وهما :
-أولا : المعيار الشخصي :
لمعرفة وجود الاستفزاز من عدمه، يجب أن يكون تقدير الاستفزاز ذاتيا شخصيا، بمعنى انه يجب النظر إلى الشخص المستفز لمعرفة إن كان هناك استفزاز أو لا، وذلك من خلال الاستناد إلى تكوينه وسنه ومركزه الاجتماعي وظروفه الخاصة كما أنه بالإضافة إلى ذلك لا يجب التركيز على نتيجة الاعتداء فقط وإنما يجب أن ينظر إلى ت٩ئير هذا الاعتداء على المعتدى عليه وما كان له من صدى في نفسه (2ه). حيث يعتمد هذا المعيار على أثر خطورة الاعتداء في نفسية من وقع عليه بحيث يصبح المعتدي عليه في حالة لا يستطيع السيطرة على نفسه ويندفع لرد الاعتداء بارتكاب الجريمة
-ثانيا : المعيار الموضوعي :
يعتمد هذا المعيار على نوع الاعتداء ودرجة خطورته على الشخص العادي من ناحية الحالة المادية والصحية والنفسية والمقصود بالشخص العادي أن يكون طبيعيا في جسمه وعقله ويفقد السيطرة عند ما يتعرض إلى موقف مثير ومستفز ومباشر.
وميلا يفقد الشخص العادي السيطرة على نفسه إذا أكتشف بنفسه زوجته في حالة زنى، غير انه لا يكون كذلك إذا سمع بذلك، بمعنى آخر أن الشخص العادي يستطيع الاحتفاظ بالسيطرة على نفسه ويظهر درجة من كبح الجماح في الظروف الواقعية.
لذلك فأن قوام هذا المعيار هو الشخص العادي الذي أحيط بظروف جعلته يتصرف على النحو الذي تصرف به، ومن هنا يجب افتراض الشخص العادي محاطا بنفس الظروف التي أحاطت بالجاني وأثرت فيه، ومتى كان ذلك، فأنه يعتبر عذرا يجب الأخذ به، أما اذا كان العكس فأنه يستبعد ولا يأخذ به
وساد الفقه، الاختلاف حول الاعتماد على احد المعيارين أو على الاعتماد على كليهما والرأي الراجح هو الاعتماد على كلا المعيارين بصورة مجتمعه بمعنى الأخذ بمعيار الشخص العادي مضاف إليه المعيار الشخصي، (الشخص العادي محاطا بظروف الخاصة التي أدت إلى استفزاز الجاني )
ثامنا أعذار الاستفزاز في التشريع الجزائري :
تجد أعذار الاستفزاز تطبيقا لها في التشريع الجزائري من خلال ما نص طيه قانون العقوبات في مواده: 277- 278 - 279 - 280 - 294، وهي أعذار أدرجها المشرع مقترنة بجريمة أو جرائم محددة كلما رأى ضرورة لذلك وهي:
أ-أعذار متعلقة بجرائم القتل والضرب والجرح :
تضمنت المادة 277 من ق ع ج :
-عذر وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص على شخص آخر، فيدفعه إلى ارتكاب جريمة القتل أو الضرب أو الجرح على المعتدى طيه.
من شروط الأخذ بهذا العذر :
-أن يكون الاعتداء بالضرب ومن ثمة فأن السب والتهديد والاهانة لا يصلحون عذرا.
-أن يكون الضرب شديد، وهنا ترى محكمة النقض الفرنسية ليست العبرة بما ترتب عن الضرب من نتناتج مادية وإنما بما أنتجه من أثر في نفسية المعتدى طيه
-أن يقع الضرب على الأشخاص ومن ثمة فأن تخريب ملك الغير لا يصلح عذرا.
-أن يكون القتل أو الضرب من فعل المعتدى طيه نفسه ومن ثمة لا يجوز التذرع بالاستفزاز إذا وقع الضرب على الغير، أما إذا وقعت جريمة القتل أو الضرب أو الجرح في الليل فتطبق عليها الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون العقوبات.
(لأنها حالة من حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع )
ملاحظة:
لا عذر في جناية قتل الأصول وفقا للمادة 278 وبالتالي لا يجوز التعذر بالاستفزاز في هذه الجناية
تضمنت المادة 228 من ق ع ج :
ب - عذر التسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها
أثناء النهار متى دفعت الفاعل لارتكاب جريمة القتل أو الضرب أو الجرح ومن شروط الأخذ بهذا العذر :
- أن تكون الجناية أو الجنحة المرتكبة من فعل صاحب الأماكن المعتدى عليها، فلا تقبل عذر الجرائم التي يرتكبها الغير كالجار والقريب والصديق حتى وان فاجئوا بأنفسهم الجاني وهو يتسلق أو يحطم الأسوار أو الحيطان .
- أن ترتكب جرام القتل وأعمال العنف الأخرى في اللحظة ذاتها التي يتم فيها مفاجئة المعتدي وهو يتسلق أو يحطم الأسوار أو الحيطان، ومن ثمة يسقط العذر إذا مضى وقت من الزمن بين مفاجئة المعتدي ورد فعل المعتدى عليه.
- أن تكون الأماكن المستهدفة بالاعتداء معدة للسكن أو مسكونة أو من ملحقاتها
- أن يكون الاعتداء أثناء النهار، فإذا حدث ذلك أثناء الليل يكون من ارتكب جرائم القتل وأعمال العنف الأخرى في حالة دفاع شرعي المنصوص عليها في المادة 40 من ق ع ج
ج- عذر التلبس بالزنا :
تضمنت المادة 279 من ق ع ج: عذر صفة الزوجية في جريمة القتل أو الضرب أو الجرح، بالنسبة للزوج الذي يفاجئ زوجه الآخر وشريكه متلبسين بجريمة الزنا فيرتكب جريمة القتل أو الضرب أو الجرح. ومن شروط الأخذ بهذا العذر :
-أن تكون الجرام المرتكبة من فعل الزوج المضرور ذاته، فلا تقبل عذرا الجرائم التي يرتكبها
والد الزوج المضرور أو أخوه أو احد أقاربه حتى وان فاجئوا بأنفسهم الزوج الأخر متلبسا بالزنا.
-أن يكون الزوج قد فاجأ بنفسه الزوج الأخر وهو متلبس بالزنا، فلا يقبل عذرا ما يصدر عنه من أعمال عنف إذ علم بالزنا بواسطة الغير حتى وان فاجأ هذا الأخير الزوج الآخر وهو متلبس
-أن ترتكب جرائم القتل وأعمال العنف الأخرى في اللحظة ذاتها التي يتم فيها مفاجأة الزوج الأخر وهو متلبس بالزنا، ومن ثمة يسقط العذر إذا ما مضى وقت من الزمن بين مفاجأة الزوج في حالة زنا وبين رد فعل الزوج المضرور.
د- عذر متعلق بجريمة الخصاء :
تضمنت المادة 280 من ق ع ج
- عذر ارتكاب جناية الخصاء، متى دفعت الفاعل إلى ارتكابها فور وقوع هتك عرض الأخذ بهذا العذر:
-أن تكون جناية الخصاء من فعل المعتدي عليه بنفسه، فلا يقبل عذرا ما يرتكبه الغير
-أن ترتكب جناية الخصاء لحظة وقوع الاعتداء، فلا يقوم العذر إذا مضى وقت من الزمن بين الاعتداء وارتكاب جناية الخصاء.
-أن يكون الدافع إلى ارتكاب جناية الخصاء وقوع إخلال بالحياء بالعنف، ومن ثمة لا يقوم العذر إذا انعدم العنف.
ي) -عذر متعلق بجريمة الاخلال بالحياء على قاصر:
تضمنت المادة 281 من ق ع ج :
عذر ارتكاب جريمة الضرب والجرح إذا كان الفاعل قد دفعه إليها، مفاجأة بالغ في حالة تلبس بالإخلال بالحياء على قاصر لم يتجاوز عمره 16 سنة .
تاسعا أعذار خاصة أخرى في قانون العقوبات الجزائري :
-عذر المبلغ عن الجنايات والجنح ضد امن الدولة، وكذا من مكن من إلقاء القبض على الجناة بشرط أن يكون ذلك قبل البدء في المتابعات
-عذر التوبة لمرتكب جناية الخطف أو الحبس أو الحجز التعسفي الذي يفرج طواعية عن الضحية إذا وقع الإفراج قبل عشرة أيام من ارتكاب الجريمة وقبل بدأ المتابعة الجزائية.
عاشرا الأعذار المخففة الخاصة في القانون المقارن :
أولا: في القانون :
تناولت أغلبية النظم القانونية الأعذار المخففة الخاصة، واقتصرت في غالبيتها على أعذار محددة كما هو الشأن في عذر الاستفزاز، والباعث الشريف. ففيما يتعلق بعذر الاستفزاز، فنجد أعلب التشريعات قد أدرجته ضمن الأعذار القانونية المخففة غير أنها اختلفت حول علة التخييف بالنسبة لهذا العذر ففي قانون العقوبات المصري يقول الدكتور محمود نجيب حسني :
أن المشرع المصري قصر نطاق عذر الزوج في حال مفاجئته لزوجته حال تلبسها بالزنا في القتل العمد والضرب المفضي إلى الموت ولكنه يتسع قياسا من باب أولى للجرح أو الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة وهذا العذر صورة خاصة من صور الاستفزاز، أي أن المشرع اعتبر الاستفزاز في هذه الحالة عذرا ) ، ومعنى ذلك أن المشرع المصري قد قصر عذر الاستفزاز إلا في حالة واحدة هي حالة مفاجئة الزوجة وهي متلبسة بجريمة الزنا وعكس ذلك، فأن بعض القوانين العقابية لم تقصر عذر الاستفزاز في حالة الزنا فحسب بل جعلت من استثارة المجني عليه للجاني عذرا مخففا عاما على جرائم القتل ومثال ذلك المادة 321 عقوبات فرنسي التي تعتبر وقوع القتل من الجاني نتيجة للضرب أو الإيذاء الشديد من المجنى عليه عذرا مخففا عاما
كما يعتبر القانون الانجليزي إثارة المجنى عليه للجاني بالقول أو بالفعل سببا يغير من درجة الإثم، إذ يتحول بناء على ذلك وصف الجريمة من قتل عمد إلى قتل غير عمد، وذلك ما جاء في المادة الثالثة من قانون القتل الانجليزي وهو ما ذهب في اتجاهه قانون العقوبات السوداني، حيث نصت المادة 228 منه :لا يعد القتل عمدا إذا سبب الجاني - وقد فقد السيطرة على نفسه لاستفزاز شديد مفاجئ - موت الشخصي الذي استفزه ، أو موت شخصي آخر خطأ أو مصادفة) أما القانون الايطالي فقد اعتبر الأحوال التي تثير الانفعال أو تهيج العواطف لا تعدم المسؤولية ولا تنقصها، ولكن هذه الأحوال تعتبر من الظروف المخففة للعقوبة ومن خلال ما نص عليه القانونين السابقين، يلاحظ أن كلا من المشرع الايطالي والسوداني قد جاء بنصوص عامة وشاملة خالية من التقييد بوقائع معينة يلزم نشؤ الاستفزاز عنها، بل اعتبرت أن إقدام الجاني على ارتكاب فعله الإجرامي في غير ترو ولا تدبر للعواقب تحت تأثير حالة الهيجان والغضب والإثارة التي كان علبها وقت ارتكاب الفعل بغض النظر عن السبب المنشئ لتلك الحالة أو الواقعة المكونة لها أما فيما يتعلق بعذر الباعث الشريف أو الدافع، والذي يعرف فقهيا على أنه;) العامل النفسي الذي يحمل الشخص على توجيه إرادته الإجرامية إلى تحقيق نتيجة، فهو يمثل القوة الدافعة لها حتى تتحقق النتيجة
ثانيا في القضاء :
تلك البواعث النبيلة السامية التي تكون تطبيقا للأفكار والمفاهيم السائدة في ضمير المجتمع، واتجه بناءا على ذلك إلى تخفيف العقوبة إذا ارتكبت الجريمة حفاظا على الشرف فقد عرفه المشرع الأردني والذي أطلق عليه مصطلح الدافع من خلال نص المادة 67 الفقرة الأولى من قانون العقوبات ; " الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها "
ونجد تطبيقا لهذا العذر، من خلال محكمة تمييز إقليم كردستان التي قررت " أن الباعث الذي دفع المدان إلى قتل شقيقتها المجني عليها هو غسل العار الذي لحق به وبعائلته من جراء قيام المجني عليها الذكورة الالتحاق بشخص أجنبي والهروب معه .." وقد حددت النظم القانونية المختلفة، وقائع أخرى غير الاستفزاز، جاعلة منها أعذارا مخففة خاصة، على غرار قانون العقوبات العراقي الذي اعتبر الخاطف الذي لم يحدث أذى بمخطوفه عذرا مخففا وهذا ما تنص عليه المادة 426 الفقرة الأولى منه : ) إذا لم يحدث الخاطف أذى بالمخطوف وتركه قبل انقضاء ثمانية وأربعين ساعة من وقت الخطف في مكان آمين يسهل عليه الرجوع منه إلى أهله تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة)
ونجد عذر جناية الترويج للعملة المزيفة في قانون العقوبات المصري، حيث تنص المادة 203 منه : ( كل من قبل بحسن نية عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة ثم تعامل بها بعد علمه بعيبها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه )
الفرع الثالث: الآثار المترتبة على ظروف التخفيف
ترتكب الجريمة مقترنة بظرف أو اكثر من شأنه أن يؤثر في تقدير العقوبة، حيث دور القاضي فيها بين وضعين، وضع يحدد من خلاله القانون العقوبة فلا يترك له سلطة تقديرية، ووضع يترك له من خلاله أمر اختيار العقوبة المناسبة .
وقد تصاحب الجريمة ظروف مخففة، تؤدي إلى تخييف العقاب على المجرم واستبدال العقوبة الأصلية للجريمة بعقوبة أقل منها، كاستبدال عقوبة الحبس بالغرامة، وذلك وفق أسباب يقدر القاضي الجنائي أنها جديرة، فتحمله على تخفيف العقوبة، إما بالنزول بها إلى أقل من الحد الأدنى المقرر للجريمة، وإما باستبدالها بعقوبة اخف، وهي سلطة تقديرية للقاضي الجنائي يستعملها بحسب ما يراه وفقا لقاعدة الاقتناع الشخصي .
وتختلف درجة التخييف بالنسبة للظروف القضائية حسب العقوبات، من العقوبة الأصلية إلى العقوبة التكميلية والتبعية باختلاف القوانين العقابية
المطلب الثالث: ظروف التشديد من العقوبة
تنقسم الظروف المشددة إلى ظروف موضوعية مادية إدا ارتبطت باركن المادي للجريمة، مثلها ما تعلق بالرمان و المكان أو الوسائل أو جسامة الضرر، كالليل والمحل المسكون و الكسر و التسلق في جريمة السرقة ،و جرائم الإيذاء التي تتسبب في عجز الجني عليه واعاقته، أو إلى ظروف شخصية مرتبطة باركن المعنوي للجريمة، حيث تتعلق بالجانب المعنوي للجريمة، مثل سبق الإصرار في القتل و الضرب العمد، و ظرف العود و التكرار.
وتقسم الظروف المشددة للعقوبة من حيث نطاق شمولها إلى ظروف عامة و ظروف خاصة، الأولى تطبق في كل جريمة كجريمة العود، و الثانية تطبق في الجريمة بعينها أو بجرائم معينة، كظرف الليل والكسر التسلق في جريمة السرفة.
الفرع الاول : الظروف العامة . لتشديد العقوبة
يقصد بالظروف العامة بأنها الظروف التي إذا ما اقترنت بأي جريمة عدت سببا من أسباب التشديد وأيضا هي الظرف التي ينص عليها القانون ويسري التشديد فيها على جميع الجرائم، أي يتسع نطاقها ليشمل جميع الجرائم أو أغلبها والظروف العامة هي ظروف يشمل حكم التشديد فيها جميع الجرائم المقرر في قانون العقوبات، أو على الاقل شموليتها لغالبية الجرائم، فلا يقتصر حكمها على جريمة بعينها، ولا يوجد في القانون العقوبات الجزائري ظرف مشدد عام غير ظرف العود وهو ظرفا شخصي مشدد للعقاب يشمل كقاعدة عامة جميع الجرائم جنايات وجنح وجنايات، نظمه المشرع الجزائري في النظرية العامة للجريمة في أحكامها العامة في المادة 54 مكرر وما يليها منه.
ظرف العود من الظروف الشخصية العامة المشددة للعقاب، هو حالة الشخص الذي يرتكب جريمة جديدة أو أكثر، بعد سبق صدور حكم بات عليه بالعقاب من أجل جريمة سابقة .
أولا: تعريف العود
العود هو ارتكاب جريمة جديدة بعد صدور حكم نهائي عن جريمة سابقة. ويعرف كذلك بأنه حالة الشخص الدني يرتكب جريمة أو أكثر بعد الحكم عليه نهائيا من أجل جريمة أخري. وينبني عليه تشديد العقوبة الجريمة الأخيرة على أساس أن عودة الجاني إلى الإجرام دليل قاطع على أن العقوبة الأولى لم تكن كافية لردع
هو حالة التي يرتكب فيها الفاعل أو المجرم جريمة تكون جديدة وذلك بالرغم من الحكم عليه سابقا بعقوبة عن الجريمة أو الجرائم السابقة، واعتبار ظرفا مشددا للعقوبة لكونه أنه بكشف الخطورة الإجرامية الكامنة في نفسية الجاني و ذلك بالرغم من الحكم عليه عن الجريمة السابقة إلا أن هذا الشخص لم يردع و أصر على ارتكاب جريمة أو جرائم أخري، هو ما يقتضي أن تكون العقوبة مشددة وذلك للحد أو القضاء على الخطوة الإجرامية التي تكون في نفسية الجاني .
ثانيا: شروط العود
يقتضي لقيام ظرف العود. شرطان يكونا سببا من أسباب التي تؤدي إلى تشديد العقوبة على الجاني، و يتمثل الشرط الأول في صدور حكم سابق في موجهة الجاني، أما الشرط الثاني فيتمثل في إقدام الجاني أو الفاعل على ارتكاب جريمة أخدري، جديدة .
أ- الحكم السابق
ويشترط أن بكون الفاعل قد ارتكب هذه الجريمة الجديدة بعد الحكم عليه سابقا، وان هذه الجريمة الجديدة لا يكفي أن تكون قد ارتكبت بعد جريمة ماضية إذ أن هذا الشرط هو الذي يميز بين ظرف العود وتعدد الجرائم، فحدوث عدة جرائم متتالية من طرفا شخصن واحد فإنه لا يمكن اعتباره كدليل على أن الفاعل لا يمكن ردعه أو إصلاحه عن طريق العقوبات ولتي قررت لتلك الجريمة فالحكم السابق على الجاني العائد يعتبر بمثابة انذارا شخصيا مباشر له، ويشترط على الحكم السابق خمسة شروط وهم:
- أن يكون الحكم الصادر نهائيا أي حائز على قو الشيء المقضي فيه وذلك قبل حدوث الجريمة التالية
-أن يكون هدنا الحكم قد نص على توقيع عقوبة جنائية
-صدوره من محكمة واًن ينظر إليه في ذاته ويكون مستقلا عن الواقعة التي صدر من أجلها ، وذلك لتحقيق الردع للجاني فهو لم يقف بين الجاني وبين إصراره في طريق الإجرام.
ب-ارتكاب الجاني لجريمة جديدة
ويقصد بهذا الشرط هو أن يرتكب الشخص أي الجاني الذي قد سبق الحكم عليه بحكم قضائي لجريمة أخري، ولكن ينبغي أن تكون لها صفة الاستقلالية عن تلك الجريمة أو عن جرائمه الماضية، وبالتالي لا يمكن تطبيق ظرف العود أو إذا كانت هذه الجريمة الجديدة لها صفة الارتباط بالجرائم السابقة أو الماضية، ومثال ذلك كالهروب من السجن أو من مراقبة الشرطة فالهدف منها هو التخلص من دلائل الجريمة الأولى .
ثانيا تعدد الجرائم
يقصد بتعدد الجرائم، بتلك الحالة التي يرتكب فيها الشخص لعدد من الجرائم، دون أن يفصل بينهما حكم بات، وقد٠ نص المشرع الجزائري على حالة تعدد الجرائم في المواد من 32 إلى 38 من ق٠ع، والذي اعتبر حالة تعدد الجرائم أقل خطر من المجرم العائد للجريمة، وذلك لأنه يفترض أن هذا الشخص لم يخضع كالعائد لإنذار قضائي، أي حكم سابق، هذا ما يفهم من نص المادة 33 من ق٠ع و التي نصت على ما يلي: (يعتبر تعددا في الجرائم أن ترتكب في وقت وحد أو في أوقات متعددة عدة جرائم لا يفصل بينهما حكم نهائي).
1- تعريف تعدد الجرائم
يقصد بالتعدد أن ينسب إلى شخص أكثر من جريمة وحدة سوء كان ذلك بسبب فعل وحد أو أفعال متعددة، أي تعدد الأعمال الخارجية، كإطلاق شخص رصاصة في مكان عمومي تهور، فأصابت شخصين وودت بحياتهما٠ فهنا الفاعل لم يقم سوي بعمل مادي وحد وطلاق رصاصة وحدة - هما القتل العمد ولشرع في القتلى .
هدنا وفد عرفه البعض الآخر على أنه: ) ذلك الحالات التي لا يتوقف فيها ١لمجرآ على ارتكاب جريمة وحدة، بل يعمد ارتكاب عدة جرائم (
أما عن الشريعة الإسلامية فقاموا بدورهم بإعطاء تعريف لجريمة التعدد ومن أهمها نجد حالة تعدد الجرائم في نظرهم أنها الحالة التي يرتكب فيها شخصن لجريمة من الجرائم ذلك قبل أن يطبق عليه الحد.
بدوره المشرع الجزائي سلك نهج التشريعات الوضعية إذ لم يختلف حاله عنها، فهو لم يضع تعريف واضح و دقيق لتعدد الجرائم، وعلى وجه الخصوص في ق ع، وذلك بصور صريحة، ونما يقتصر دوره على ذكر شروطه والإشارة إلى صوره ولو بصور غير مباشر .
2- حكم التشديد في حالة التعدد
لقد اختلفت التشريعات الجنائية بشأن حكم التشديد في حالة تعدد الجرائم، أي ما هي العقوبة التي يمكن تطبيقها في هذه الحالة. هل يمكن تطبيق عقوبة واحدة شاملة لتلك الجرائم أو تطبيق عدة عقوبات يساوي عدد الجرائم المرتكبة، وعليه فمن التشريعات التي تعتمد أسلوب الجمع بين العقوبات المتعددة تطبيقها جميعها على نفس الشخص الني ارتكبها، غير أنه وبالرغم من نلك إلا أن البعض يري في هذا الاسلوب المعتمد أن لا فائدة منه وذلك نظرا للعيوب التي تشوبه، ومنها على سبيل المثال: أنه لا يتحقق مبدأ الجمع بين العقوبات في حالة ما إنا كانت إحدى الجرائم قد صدر بموجبها حكم يقضي بالإعدام بحيث تصبح بمثابة عقوبة واحدة شاملة لكل العقوبات فهذا أمر غير مجدي . أما المشرع الجزائري فقد سعى إلى اعتماد مبدأين، و هذا طبقا لنص المادتين 34 و 35 من ق ع بحيث يطبق تارة عقوبة واحدة أشد، وتارة أخري يلجأ إلى نظام الضم وهي حالة نادر ومحددة.
الفرع الثاني : الظروف الخاصة لتشديد العقوبة
الظروف الخاصة هي ظروف يقتصر حكمها في جريمة ما أو جرائم محددة ومعينة بذاتها، حددها قانون العقوبات في مواضيع مختلفة من أحكامه الخاصة، وتعدد الظروف الخاصة المشددة وتتنوع، فمنها ما يرجع إلى درجة جسامة القصد الجنائي كسبق الإصرار والترصد في جرائم الفتل والضرب و الجرح المنصوص عليهما في المواد 256،257،265 من ق ع ومنها ما يعود إلى كيفية و طريقة أو أسلوب تنفيذ الجريمة كالقتل بالسم في المادة 261،أو الكسر أو السلاح واستعمال المفاتيح المقلدة والمساهمة في الجريمة السرقة في المادة 351 وما يليها، ومنها ما يعود لصفة معينة في المجرم كصفة الخادم أو العامل تحت التدريب في جريمة السرقة في المادة353 الفقرتان 6 و 7 ،وصفة الطبيب أو القابلة أو الجراح أو الصيادلة و غيرهم ممن ذكرتهم المادة 306 في جريمة الإجهاض المنصوص عليها في المادة 337 من نفس القانون.
فالظروف الخاصة هي التي يقتصر حكمها في الجريمة معينة أو جرائم محدودة، حددها قانون العقوبات في مواضيع مختلفة من أحكامه الخاصة، وهي ظروف خاصة مشددة ومتنوعة فمنها ظروف خارجية تلتصق بالركن المادي للجريمة، واخري تلتصق بالركن المعنوي لها، ومنها أيضا ظروف شخصية تتعلق بالصفة الشخصية للفاعل أو الشريك أو بشخصية المجني عليه.
الفرع الأول: الظروف المتعلقة بالركن المادي للجريمة.
يقوم الركن المادي للجريمة في الجرائم المادية على السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية والعلاقة السببية بينهما، ولذا فمن المنطقي أن نجد بعض الظروف التي تلتصق بالسلوك الإجرامي واخري بالنتيجة الإجرامية.
أولا: الظروف المتعلقة بالسلوك الإجرامي :
تتعدد الظروف المتعلقة بالسلوك الإجرامي، فمنها ما يعود إلى الوسيلة التي ترتكب بها الجريمة، مثل ظرف السرقة باستعمال المفاتيح المصطنعة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 354 من ق ع، ومنها ما يرجع إلى طريقة واسلوب تنفيذها حيث عددها من بينها على مكان ارتكاب الجريمة ،مثل القتل باستعمال التعذيب والأعمال الوحشية المنصوص عليها في المادة 262 من ق ع و من غيرها من الجرائم. و منها ايضا ما تعود إلى زمان ومكان ارتكاب الجريمة حيث أن المشرع قد يعتد بزمان معين ويعتبر بمثابة ظرف مشدد، وذلك لما يحمله هذا الزمان من خطورة ، كارتكاب جريمة السرقة في إحدى ظروف المنصوص عليها في المادة 353 من ق ع، أو إحدى الظروف المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 351 مكرر من ق ع، كارتكاب السرقة أثناء الحريق أو بعد انفجار أو زلزال أو فيضان أو أي اضطراب آخر.
ثانيا: الظروف المتعلقة بالنتيجة
عندما يحدد المشرع وقعة إجرامية فإنه يتصورها بنتيجة معينة، ولذلك فإنه يترب لها عقابا يتناسب مع النتيجة التي يتصورها، ولكن قد يحدث بعد قيام الواقعة الإجرامية أن تتحقق نتيجة أخري، أشد من النتيجة التي حددها النص الأصلي، ومن أمثلة ذلك جرمة الخصاء المعاقب عليها في المادة 274 من ق ع، بعقوبة المؤبد، أما إذا أدت الجريمة إلى وفاة المجني عليه فإن عقوبة السجن المؤبد ستشدد إلى عقوبة الإعدام.
الفرع الثالث : الظروف المشددة المتعلقة بالركن المعنوي للجريمة :
يظهر الركن المعنوي للجريمة في صورتين القصد الجنائي خطأ الغير عمدي، ومن صور الظروف المشددة التي تلحق بهذا الاخير، نذكر جريمة القتل في حالة السكر والمنصوص عليها في المادة 290 من ق ع، أما صور الظروف المشددة التي تلتحق بالقصد الجنائي ولتي تزيد من جسامته، اقترانه بسبق الإصرار والترصد في جرائم القتل والضرب والجرح المنصوص عليها في المواد 256، 257، 265، من ق ع أو يكون القصد وليد خطة مدبرة.
أولا: سبق الإصرار والترصد
هو نوع من التصميم والعزم على ارتكاب الجريمة وقد اعتد به المشرع في جريمة القتل فنص عليه في المادة 256 من ق ع، على النحو التالي:
) سبق الإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرفا أو شرط كان(
ثانيا: الخطة المدبرة
وفد يكون سبق الإصرار على نحو خطة مدبرة يترك فيها أكثر من شخص، ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة 103 من ق ع، حيث نصت على
اذا وقعت الجريمة نتيجة لخطة مدبرة للتنفيذ إما في أراضي الجمهورية وما في ولاية أخري أو أكثر أو دائر أو أكثر أو بلدية أو أكثر فتكون العقوبة هي السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوت (
ثالثا : مكان وزمان ارتكاب جريمة السرقة نموذجا
قد يحدد المشرع زمان ومكان يكون من توفره أو تواجده في جريمة ما ظرفا مشددا، فعلى سبيل المثال ما نصت عليه المادة 353 من ق ع ج المتعلق بجريمة السرقة كظرف ارتكابها في الليل .
كما قد حدد المشرع أيضا مكانا إذا ارتكبت فيه السرقة مثلا يعتبر ظرف مشددا للعقوبة وهذا طبقا لنصر المادة 352 و355 من ق ع ج، وعلى هذا الأساس سوف نترق لدراسة مكان و زمان ارتكابها.
1- مكان ارتكاب الجريمة
تعتبر من الظروف التي تؤدي إلى تشديد عقوبة السرقة عند ارتكابها، السرقة التي تتم في مكان مسكون، أو معد للسكن، أو في أحد ملحقاته، أو ارتكابها في الأماكن المعدة للعبادة و كذا ارتكاب جريمة السرقة في وسائل النقل سواء كانت برية أو مائية أو بحرية .
ومن الأمثلة على ذلك الأماكن المعدة للسكن ولإقامة فيه ذلك ليلا ونهاز سواء لمدة زمنية كانت طويلة أو قصير، ومثال على ذلك المنازل، والفنادق، و المستشفيات، كما يدخل ضمن المكان المسكون مثل المحلات التجارية، وكذا المسارح والمدارس، هذا ما نصت عليه المادة 355 من ق٠ع٠ج .
ملحقات المكان المسكون أو المعد للعسكن
يقتصر على ملحقات ولواحق وتوابع المكان المعد. للسكن بحسب طبيعة ذلك المكان فلا تشمل ملحقات وتوابع المكان الذي يكون غير معد للسكن، ومثال ذلك المقاهي والملاهي ومحطات المسافرين، ويقتضي لتطبيق الظرف المشدد أن تكون ملحقات المكان المد. لسكن متصلة بالمكان أو السكن وان يجمعهما جدار واحد، ومثال ذلك المطبخ المتواجد بالمنزل، أو حديقة المنزل، هذا طبقا لنص المادة 353 من ق ع ج، وإن لم تكن تلك الملحقات والتوابع متصلة بالمنزل أو السكن وتشكل وحدة انتفى بذلك ظرف التشديد.
إلا أن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على كلمة مساجد أو العبادة في نصن المادة 353 من ق٠ع٠ج، وذلك لاستخدامه عبار "دور" فلا شك أن لهذه الأماكن قدستها وحرمتها، فارتكاب فعل السرقة في هذه الأماكن هو بحد ذاته اعتداء على حرمتها ضف إلى ذلك أيضا أنه تعدي على مال الغير، ومن جهة أخري يرجع لسهولة ارتكاب السرقة في هذه الأماكن فتشدد العقوبة في حالة ارتكاب جريمة السرقة في الأماكن المعدة خصيصا للعبادة بغض النظر سواء كان هذا المال محل السرقة ملكا لأحد الأشخاص أي المصليين، أو كان ملكا لمحل العبادة بحد ذاته أو ملكا لأحد الأشخاص القائمين أو الذين يتولون شؤونه، كما تشدد أيضا العقوبة في حالة ارتكاب فعل السرقة من أحد الأشخاص الذين يتولون خدمة هذا المكان المعد للعبادة، أو كان من طرف أحد المصليين، كما يمكن أن يتم ارتكاب فعل السرقة خلال ممارسة الشعائر الدينية أو تكون في غير الأوقات المحددة لممارسة الشعائر الدينية.
2- زمان ارتكاب الجريمة
يرجع سبب العقاب على مرتكب جريمة السرفة في هذا الظرف باعتبار أن هذا الظرف يتميز على أنه ظرف يكون فيه الناس في حالة هدوء وراحة ونوم الذي بدور يقلل من قدراتهم على حماية ومراقبة أموالهم، ضف إلى ذلك الصعوبة التي يجدها المجني عليه و ذلك بالاستعانة بالأشخاص الآخرين في مثل هذا الظرف، كما يعتبر هذا الظرف من جهة أخري ظرف يجعل من فرص الفاعل من ارتكاب السرقة كبير دون القبض عليه والفرار بالأشياء التي سرقت وذلك دون متابعة ، فالمشرع الجزائي قد شدد على جرائم السرفة التي تركب في ظرف الليل إذ نص على أنه: "يعاقب بالسجن المؤقت من خمس سنوت إلى عشر سنوت على من ارتكب السرفة مع توافر ظرف الليل" فالسبب في التشديد هذه العقوبة راجع أساس إلى أن هذا الظرف يتميز على أنه "ظرف الراحة وللنوم، كما أنه يقلل من قدرات الدفاع عن ماله، ومن جهة أخري على أنه ظرف يسهل إفلات الفاعل وصعوبة التعرف عليه فارتكاب الفاعل لجريمته في هدا الظرف هو تبيان لمدى خطورته الإجرامية وبالرغم من ذلك، إلا أن المشرع الجزائري لم يحدد وقت بداية ظرف الليل أو نهايته فتحديده له أهمية في تقرير تواجد هذا الظرف أو عدم تواجده، فقد حددها القضاء في محكمة النقض الفرنسية بأنه الفترة الزمنية التي تكون بين غروب الشمس و شروقها.
خاتمة
في نهاية هذا البحث نخلص الي ان الجرائم هي جميع الأفعال الخارجة عن الأخلاق والقوانين، وهي التصرّفات المنحرفة التي تستوجب العقاب والحساب؛ لأنّ فيها تعدٍّ على الأشخاص والممتلكات، والمجتمع بأكمله. تتنوّع الجرائم في صورها وأشكالها، بين جرائم القتل والسرقات والاغتصاب والنهب والسلب وقطع الطريق والرشوة، وقد قسّم القانون لكلّ جريمة عقوبة تُناسب الفعل الذي قام به المجرم؛ فقُسّمت الجرائم إلى أنواع بناءً على الكثير من الاعتبارات، التي تتعلّق بمرتكب الفعل، وطبيعة الجريمة، وظروف المجرم، والدواعي التي دعته للقيام بجريمته.
المراجع
1- القوانين
- الامر 66-156 المتضمن قانون العقوبات الجزائري المعدل و المتمم
- الامر 66-155 المتضمن قانون الاجراءات الجزائية
2- الكتب
- الدكتور عبد الله اوهايبية شرح قانون العقوبات الجزائري -القسم العام الجزائر : دار موفم للنشر طبعة 2011
- الدكتور منصور رحماني الوجيز في القانون الجنائي العام - فقه وقضايا الجزائر : دار العلوم للنشر طبعة 2006
- الدكتور احسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي العام الجزائر : دار هومة طبعة 2011
- الدكتور خالد سليمان المسؤولية الجنائية للمضطرب نفسيا و عقليا - دراسة مقارنة لبنان : دار زينون الحقوقي طبعة 2007 - الاستاذ جمال سايس الاجتهاد الجزائري في القضاء الجنائي الجزء الثاني الجزائر : منشورات كليك طبعة 2013 .