تحليل نص المادة 41 من قانون العقوبات
الجزائري المساهمة في الجريمة و الاشتراك الجرمي
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 41 قانون العقوبات
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 41 قانون العقوبات
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص
41 من قانون العقوبات :
{ يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو تهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي. }
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 41) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الباب الثاني منه عنوانه مرتكبو الجريمة، في الفصل الأول و عنوانه المساهمون في الجريمة.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص
المادة 41 من قانون العقوبات حيث جعلها تتألف من
فقرة واحدة .
تبدأ من
" يعتبر فاعلا " وينتهي عند
" التدليس الاجرامي " ،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 41 من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع المساهمة في الجريمة والاشتراك الجرمي و كمثال على ذلك نشير إلى :
"مساهمة مباشرة " ، " تنفيذ الجريمة " ، " التدليس الاجرامي " .
البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 41 من قانون العقوبات بعبارة
" يعتبر فاعلا " وهنا يقصد أنه كل من ساهم او حرض علي ارتكاب جريمة ما يعتبر فاعلا في إرتكابها ثم وضح المشرع صور يعتبر من ارتكبها فاعلا في الجريمة المرتكبة كا لهبة أو الوعد أو تهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 41 من قانون العقوبات يتضح أن المشرع الجزائري قد جعل أسباب الإباحة في حالات الأفعال المبررة, و هي الفعل الذي يأمر به أو يأذن به القانون و الدفاع الشرعي.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 41 ق ع يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي المساهمة الجنائية ؟ وماهي نضرياتها و انواعها ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : المساهمة الجنائية ونظرياتها
المطلب الأول : تعريف المساهمـة الجنائيـة أركانها وأنواعها
المطلب الثاني : نظريات في المساهمة الجزائية
المبحث الثاني : المساهمة الجنائية المباشرة و غير المباشرة
المطلب الأول : الـــمساهمة الجنائية المباشرة (المساهمة الأصلية)
المطلب الــــثاني :المساهمة الجنائية غير المباشرة
خـاتـمة
مقدمة :
مما لا شك فيه أن الإنسان كائن إجتماعي لايخلوا من التأثر والتأثير في أي مجتمع من التغيرات خاصة القانونية منها، وبصفة أخص علاقته من الناحية الجنائية بإعتباره يقوم بأفعال مخالفة للقانون خطأ أو بقصد، وهذه الأفعال ينظر إليها القانون بأنها جرائم تمس بأمن الأفراد وسلامتهم بمختلف شرائحهم ومستوياتهم وبالتالي تمس المجتمع ككيان في أمنه ومصالحه.
إن فالجرائم أفعال يمنعها القانون وقرر لمرتكبيها عقوبة تتلائم ودرجة الجرم المرتكب، وفي بعض الحالات، القانون يقر عقوبة عمن يمتنع عن الإقدام على هذا الفعل في ظروف معينة خاصة إذا تبين بأن هذا الممتنع كان بإمكانه الإقدام على هذا الفعل وعليه فالجريمة فعل أوامتناع يحضره القانون ويقر عقوبة لمرتكبه.
ومن المسلم به أن الجرائم لاتكون مرتكبة دائما من طرف إنسان بمفرده فتقع عليه المسؤولية الجنائية وحده بل قد ترتكب من طرف عدة أشحاص فتقع عليهم المسؤولية كلهم وهذا ما أدى إلى ما سمي بالمساهمة والمشاركة في الجريمة،اي المساهمة الجنائية ،غير أن الإشكال المطروح ينحصر في البحث عن صور المشاركة التي اعتمد عليها المشرع الجزائري واعتبر مرتكبوا الفعل الإجرامي فاعلين أصليين أو شركاء، وهذا مايؤدي إلى طرح الإشكالية تمييزه للمساهمة الجنائية وجعله منها مساهمة أصلية ومساهمة تبعية كما جعل المحرض على الجريمة فاعل أصلي بالرغم من أن بعض التشريعات تعتبر المحرض شريكا لا فاعل أصلي في الجريمة .
كما أن المشرع دعا إلى المساواة في العقوبة بين الشريك في الجريمة والفاعل الأصلي فيها،وتحديد عقوبة كل منهما حسب الظروف، وسنتطرق من خلال مبحثين يشمل الأول المساهمة الجنائية، تعريفها وأنواعها ومختلف النظريات فيها، أما المبحث الثاني يتمحور حول المساهمة الأصلية والتبعية والتميز بينهما وحالات كل منهما والعقاب المقرر لهما.
المبحث الأول : المساهمة الجنائية ونظرياتها
إن المفاهيم والتحريات المتعلقة بالمساهمة الجنئية تعددت واختلفت في التمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية محاولة منها تحديد نطاق كل منهما.
المطلب الأول : تعريف المساهمـة الجنائيـة، أركانها وأنواعها
إن المساهمة الجزائية تمثلت في صورتين المساهمة التبعية والمتمثلة في الشريك والمساهمة الأصلية المتمثلة في الفاعل الأصلي ونحاول التعرض لبعض النظريات التي قيلت في هذا الموضوع .
إن المساهمة الجزائية من حيث تعريفها وأركانها، اختلفت التشريعات في تنظيم أحكامها غير أن هذه التشريعات اتفقت فيما يخص أنواع المساهمة الجزائية وقسمتها إلى المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية .
أولا: تعريف المساهمة الجنائية :
يقصد بالمساهمة الجنائية تعدد الفاعلين في الجريمة الواحدة أي في نفس الجريمة وهي بهذا أن الجريمة المرتكبة لم ترتكب فقط من طرف فرد واحد، وإنما ارتكبت من طرف عدة أشخاص لكل منهم دور قام به، وهذا الدور يتفاوت من فاعل للآخر، وهذا مايثير مشاكل قانونية في تحديد أثر هذا التفاوت، فقد يكون دور المساهم رئيسي في الجريمة فتكون مساهمة أصلية فيسمى الفاعل وقد يكون المساهم دوره ثانوي فتكون مساهمته متصفة بالتبعية ويسمى هذا الفاعل بالشريك.
وقد يكون دور المساهم متمثل في مجرد فكرة دون أن يساهم في ارتكابها، فيكون المساهم هنا محرض، والقانون الجزائري يعتبر المحرض فاعل أو مساهم أصلي.
ولإعتبار الجريمة مرتكبة من عدة أشخاص لابد أن يكون هناك رباط معنوي يجمع بينهم في جريمة واحدة وإلا تعددت الجرائم بتعددهم وألحقت بكل واحد منهم جريمة متميزة، وليست لزاما في هذا الرباط المعنوي أن يتخذ صورة التفاهم المسبق بين عدة أشخاص على ارتكاب الجريمة وقد يكون تعدد الجناة ضروري إذ لا يتصور وجود جريمة قانونا إلا إذا تعدد الفاعلون فتكون المساهمة في هذه الحالة ضرورية مثل جريمة الرشوة، إذ لا بد من وجود الراشي والمرتشي وكذلك جريمة الزنا، وقد يكون تعدد الفاعلون عرضيا أي أنه من الممكن وقوع جريمة دون حاجة إلى تعدد الجناة .
والجريمة يمكن أن تكون تامة، وقد توقف أي لا تصل إلى النتيجة وهو ما سمي قانونا بالشروع أو المحاولة، فهي نتيجة جهد منفرد أو جماعي ولكل دور، والإختلاف في الأدوار هو الذي يطرح مشكلة التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك والمشرع يعاقب على الجريمة عندما تكتمل أركانها بغض النظر عمن يرتكبها، ولكي تكون مساهمة جزائية يجب أن تكون مساهمة جزائية يجب أن تكون جريمة واحدة مقترفة من عدة أشخاص.
ثانيا: أركان المساهمة الجزائية :
تقوم المساهمة الجزائية بتعدد المساهمين وبوحدة الجريمة.
1-عدد المساهمون :
معناه إن كان الفاعل بمفرده فلا حالة تعدد المساهمون في الجريمة وإذا تعدد تبعا لها الجناة بحيث ألصقت كل جريمة بفاعل تكون في حالة جرائم متعددة بتعدد مرتكبوها، وينعكس هذا على المسؤولية والعقاب، ولو افترضنا أن هذه الجرائم ارتكبت في زمان واحد أومكان واحد ولباعث واحد يلزم أن تكون الجريمة الواحدة قد ساهم في إحداثها عدد من الفاعلين وبالتالي يمكن القول بأن المجرمون الذين ارتكبوا الجريمة قد تعددوا والمقصود بالتعدد في أركان المساهمة هو التعدد الممكن للفاعلين، وغير التعدد الضروري لقيام الجريمة، كالتعدد الضروري واللازم في جريمة الرشوة وجريمة الزنا وهذا التعدد لا يعد مساهمة جزائية بل يعد ركنا من أركان المساهمة الجزائية، إذ لا يمكن تصور جريمة الزنا دون وجود طرف ثاني ولا جريمة رشوة بدون وجود الراشي وإنما التعدد المقصود هوالتعدد الممكن أو الإجتماعي أي غير اللازم لقيام الجريمة واللذي بتخلفه لا يرتب عدم قيام الجريمة، وإنما قياما بفاعل واحد يكفي كجريمة القتل، فهذه الجريمة مثلا لا تتطلب عدة أشخاص لإرتكابها لأنها تقبل الوقوع من جاني واحد كما تقبل الوقوع من عدة جناة.
فإذا وقعت بالطريقة الأخيرة كنا بصدد مساهمة جزائية وإذا تمت بالطريقة الأولى (فاعل وحيد) كنا بصدد جريمة ذات فاعل واحد .
2-وحدة الجريمة :
والمعني بها أو المقصود منها وحدة الركن المادي للجريمة بعناصره المتمثلة في السلوك والنتيجة السلبية وتتطلب هذه الوحدة النتيجة التي تحققت إلى كل فعل صدر عن المساهمين في نفس الجريمة ، أي أن يكون الفاعلون قد تعددوا في ارتكابهم لجريمة واحدة.
لا تتحقق وحدة الجريمة إلا إذا جمعت بين عناصرها وحدة مادية ووحدة معنوية.
أ- الوحدة المادية للجريمة :
قد تختلف وتتعدد أفعال المساهمين ولكنها تلتقي لتحقيق واقعة إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعلمنها دوره في إحداث النتيجة ولا تقوم وحدة الجريمة من الناحية المادية إلا إذا تحققت وحدة النتيجة الإجرامية وارتباط كل فعل من أفعال المساهمين بتلك النتيجة برابطة السببية، وهذه الرابطة لا تنتهي بفعل المساهم والنتيجة الجرمية إلا إذا تلت أي أن النتيجة كانت ستقع بالشكل الذي وقعت به وفي المكان والزمان الذي تحققت فيه لو لم يقم المساهم بأي نشاط من جانبه.
ب- الوحدة المعنوية للجريمة :
إن المساهمة الجنائية تتطلب إضافة على الوحدة المادية للجريمة توافر الرابطة المعنوية أي أن تتحقق لدى الفاعلون رابطة معنوية ذهنية واحدة ، ولا تتوافر هذه الرابطة إلا إذا كان بين المساهمين اتفاق أو تفاهم مسبق على تنفيذ الجريمة غير أن هذا الرأي لقي انتقادا على أساس أنه ينفي توافر المساهمة الجرمية في الحالات التي يثبت فيها تعاون المساهمين في تنفيذ الجرم دون أن يكون هذا التعاون مسبوقا بإتفاق، مثال ذلك يعلم بأن هناك أشخاص أرادوا سرقة المواشي فيترك لهم حارس الإسطبل الباب مفتوحا دون أن يكون بينه وبينهم اتفاق سابق.
ومنه يمكن القول بتوافر الرابطة الذهنية إذا زال علم المساهم إلى الأفعال التي تصدر إلى المساهمين معه وأن هذه الأفعال بالإضافة إلى تلك الصادرة منه من شأنها أن تحدث نفس النتيجة التي وقعت.
وبالرغم من أن المساهمة الأصلية في الجريمة لا تثير جدلا نظرا لوضوح أحكامها إلا أن الخلاف متعلقا بالمساهمة التبعية وهذا انعكس على المساهمة الأصلية نظرا للعلاقة القوية بينهما وهذا الخلاف انحصر في مذهبين هما :
-مذهب يرى تعدد الجرائم بتعدد المساهمين.
- مذهب يقرر وحدة الجريمة رغم تعدد المجرمين.
-مذهب تعدد الجرائم بتعدد المساهمين :
يرى أتباع هذا المذهب أن الجرائم تتعدد بتعدد المجرمين، أي أن كل مساهم يعتبر مجرم ارتكب جريمة مستقلة عن تلك التي ارتكبها غيره فيسأل عنها بإعتباره فاعلا لها ويترتب على هذا إلغاء الفرق بين المساهم الأصلي والشريك لأن لكل مساهم إجرامه، مادام فعله يكون جريمة مستقلة، ويعتمد أنصار هذا المذهب على الصور التي شاعت على مذهب وحدة الجريمة والمتمثلة في التناقض للحقيقة نظرا لتعدد الأفعال ووتعدد النوايا الإجرامية لدى كل مساهم بإعتبار أن وحدة العقيدة لا وجود لها في حالة المساهمة الجزائية إذ لكل مساهم تصرف وفق إرادته الخاصة وبالتالي تتعدد النوايا بتعدد المساهمين وحتى وإن تشابهت فلا تصل إلى درجة الوحدة.
وبالرغم من هذا فإنه من غير المعقول ان لا يقع الشريك أو المساهم خارج إطار العقاب بل يعاقب جزائيا مادام أنه استنفذ كل نشاطه وفي إطار هذا المذهب فإن الشريك يتأثر بظروف الفاعل الأصلي ومنه فإن الشريك يعتبر ارتكب جريمة مستقلة ويسلط عقوبة بقدر خطورة فعله طبقا للمدرسة الإيطالية الوضعية التي قررت أن القاعدة هي أن لكل بحسب فعله وخطورته وليس لكل بحسب العمل ، وأول مننادى بهذا المذهب الترويجي جتز (GETZ) الذي وضع فيما بعد قانون العقوبات النرويجي.
مزايا هذا المذهب :
- معاقبة الشريك حتى ولم يرتكب الفاعل الجريمة ويتبع ذلك أن يعاقب على الشروع في الاشتراك.
-لا يسأل الشريك إلا في حدود نيته.
- ذا عدل أحد المساهمين بمحض إرادته لا يعاقب دون أن يتأثر بذلك باقي المساهمين.
- عدم استفادة الشريك دائما من الإباحة التي تتوافر للفاعل الاصلي.
- لا يدع مجالا للبحث في مشكلة الفاعل المعنوي إذ امتناع مسؤولية الفاعل لا يؤثر في مسؤولية الشريك.
- عدم تطلب وحدة الجريمة يؤدي إلى جواز مساءلة الشريك عن قصد جنائي والفاعل عن إهمال كما لو حمل شخص صيدليا على إعطائه سما دون أمر الطبيب ليقتل به شخصا، يسأل عن قتل عمدي كما يسأل الصيدلي عن القتل.
-مذهب وحدة الجريمة رغم تعدد المساهمين :
يرى أتباع هذا المذهب أن الجريمة تبقى بوحدتها رغم تعدد مرتكبيها وهذا معناه خضوع جميع المساهمين لعقوبة واحدة وهذا يتعارض مع تقرير العقاب التي تتطلب تناسب العقوبة مع الدور الذي قام به كل فاعل، وهذا يؤدي بنا إلى القول بوجود التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك في الجريمة وهذا ناتج عن وحدة الجريمة ويرتبط نشاط الشريك الإجرامي من نشاط الفاعل إذ بينهما صلة ويستند أيضا هذا المذهب إلى أن وحدة الجريمة رغم تعدد المجرمين لواقعة حقيقية لا يسمح للقانون إنكارها، وهذه الوحدة قائمة من الناحية المادية والمعنوية فهي قائمة من الناحية المادية لأن النتيجة فيها هي الإعتداء على الحق الذي يصونه القانون واحدة وهي مرتبطة بكل فعل من أفعال المساهمين في الجريمة بعلاقة السببية، وهي أيضا قائمة من الناحية المعنوية لأن الركن المعنوي الذي يتوافر لدى كل مساهم ينصب على باقي أفعال المساهمين معه في الجريمة والفرق جلي بين أشخاص يجمع بينهم هدف إجرامي واحد يتجه إليه نشاطهم وتوزع الأدوار بين المجرمين، وبين أشخاص يعمل كل منهم على تحقيق غاية مستقلة على آخر والحجة التي يستند إليها مذهب وحدة الجريمة هي الحرص على تقرير العقاب.
يظهر أن مذهب تعدد الجرائم بتعدد المساهمين يؤدي إلى نتائج ومزايا كثيرة، لكن الحقيقة على خلاف ذلك لأن هذا المذهب يناقض طبيعة الأشياء والدليل على عدم ملائمته أن التشريعات التي أخذت به أدخلت عليه استثناءات، لأن القاعدة التي اعتمد عليها هذا المذهب هو مساواة أفعال المساهمين في الجريمة مما يؤدي إلى المساواة القانونية بينهما وهذا غير معقول إذ أنه إذا أخذنا به معناه استنتاج التعادل السلبي وهذا مخالف للمنطق القانوني لأن المسؤولية الجنائية لا تعتمد على علاقة السببية فقط وإنما هناك عناصر أخرى متداخلة أي أنه إذا تعادلت الأفعال من حيث قيمتها السببية فإنها قد تختلف من حيث قيمتها بالنسبة لعناصر أخرى وبذلك تختلف من حيث قيمتها القانونية ومنه فإن التعادل السببي لا يكفي سندا للقول بالتعادل القانوني وهذا المذهب بالتالي مناقض لطبيعة الأشياء فمثلا إذا كانت النتيجة الإجرامية واحدة وتحققت الرابطة الفكرية بين المجرمين فإن وحدة الجريمة تصبح واقعة لا يمكن تجاهلها، والفرق يصبح جليا بين مجموعة الجرائم المقترفة التي يرتكبها عدة أشخاص بعد أن يوضع لها تخطيط وتوزع فيها الأدوار وبالتالي عدم إمكانية نكران التأثر المتبادل الذي ينشأ بين المساهمين وبالتالي لا يمكن تحديد تصرف كل مساهم تحديدا دقيقا.
كما أن هذا المذهب يؤدي إلى التحكم القضائي، حيث إذا قرر القانون المساواة بين المساهمين من حيث العقوبة فإن القاضي لا يمكن أن يتجاهل دور كل واحد في الفعل الإجرامي أي لا يستطيع أن يتجاهل دور كل واحد في الفعل الإجرامي، أي لا يستطيع أن يتجاهل الإختلاف بينهم في أهمية الأدوار الإجرامية، وبالتالي فيميز بينهم في حدود سلطته وتقديره، وبالتالي فإن هذا المذهب من المسلم به غير صالح للتطبيق فمثلا القانون الإيطالي الذي أخذ به لم يستطع أن يسايره حتى النهاية حيث أدخل عليه عدة استثناءات حيث يقرر تشدديد العقوبة لمن استغل سلطته في تحريض الخاضع له على ارتكاب الجريمة المادة 111 قانون عقوبات ايطالي .
وإذا كان هذا المذهب غير ملائم فإن مذهب وحدة الجريمة بعيد عن الحقيقة ومتفق مع مبدأ تفريد العقاب وهذا نظرا لإستعادة نشاط المساهم التبعي الصفة الإجرامية من نشاط المساهم الأصلي نسبيا وبالتالي تبعيته له تبعية محدودة تفاديا للنتائج التي يؤدي إليها القول بتبعيته المطلقة وهي نتائج غير مقبولة .
ثالثا- أنواع المساهمة الجنائية :
إن المساهمة الجنائية تنقسم إلى نوعين :
1-المساهمة الأصلية :
تعد المساهمة الأصلية في الجريمة بتعدد الجناة الذين ارتكبوا جريمة واحدة أي أن الفاعلين قاموا بأدوار أساسية في ارتكاب ذات الجريمة فالمساهمة الأصلية قد تقوم وحدها فتحقق بالنسبة لجريمة معينة دون أي مساهمة تبعية، فيرتكب الجريمة أكثر من فاعل . إذن فهي الجريمة التي يتعدد فيها المجرمون في مرحلة التنفيذ المادي للجريمة وبالتالي منهم من يقومون بدور رئيسي في تنفيذ ركنها المادي ومن كان دوره رئيسي في الجريمة تسمى مساهمته أصلية . والمساهمة الأصلية نوعان.
أ- المساهمة الأصلية المادية :
وتتفرع إلى الركن المادي لها، فهو يقتصر على الفعل الذي يرتكبه المساهم الأصلي دون النتيجة الإجرامية التي تترتب على أفعال المساهمين الأصليين وعلاقة السببية بين نشاط كل واحد منهم، وهذه النتيجة إذ أن الركن المادي والركن المعنوي للمساهمة الأصلية المادية يخضعان للقواعد العامة، أما الفعل المقترف من طرف المساهم الأصلي فهو الذي يتميز في المساهمة الأصلية بقواعد خاصة اختلفت التشريعات في الفقه والقضاء في شأنها في نطاق كل تشريع، والركن المعنوي للمساهمة الأصلية في الجريمة يتخذ صورة القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي.
ب- المساهمة الأصلية المعنوية :
إن هذه المساهمة في الجريمة لا تقل من حيث خطورتها عن المساهمة الأصلية المادية إذا كان الفاعل في المساهمة الأصلية المادية يظهر على مسرح الجريمة متحملا مسؤوليته في الجرم المقترف، فإن الفاعل في المساهمة الأصلية المعنوية يحقق إجرامه عن طريق شخص آخر مستقلا بنيته أو عدم تميزه.
2-المساهمة التبعية :
وهي المساهمة التي يتعدد فيها المجرمون في مرحلة قبل التنفيذ المادي للجريمة، أي هي مرحلة التفكير والإصرار على ارتكاب الفعل المجرم وهم على هذا لا يقومون بدور رئيسي، وإنما بدور ثانوي أوتتبعي ويسمون على هذا الأساس الشركاء في الجريمة إذا تأملت جيدا المساهمة الأصلية ( الفاعل الأصلي) والمساهمة التبعية ( الشريك) نجد بينهما اتفاق واختلاف.
فأما الإتفاق فيظهر في تدخل كل منهما على نحو ما في الجريمة، ويربط سلوكا بها ارتباط السبب بالنتيجة، لكن تختلفان من حيث السلوك اللازم في كل منهما، فسلوك المساهم الأصلي ( الفاعل الأصلي) معاقب عليه بذاته وبالتالي الفاعل معاقب في كل حال سواء ارتكب الجريمة بمفرده أو ساهم فيها مع غيره، أما سلوك المساهم التبعي ( الشريك) فلا عقاب عليه في ذاته وإنما يعاقب عليه إذا وقعت الجريمة نتيجة له، ولو لم ينص المشرع صراحة على عقاب الشريك لاقتصر العقاب على الفاعل وحده لأن سلوك الشريك يدخل ضمن الأفعال المعاقب عليها بوصفها شروعا أي أن سلوك الشريك لا يعد من الأعمال المكونة للجريمة .
المطلب الثاني : نظريات في المساهمة الجزائية
الفقه الجنائي يحتوي على مجموعة نظريات تؤسس عليها فكرة المساهمة الجزائية وهي :
أولا- نظرية الإستعارة :
تستند هذه النظربة على أن الإنسان يستمد الصفة الإجرامية من فعل الفاعل الأصلي فلا توجد مساهمة جزائية يعاقب عليها القانون، وتظهر العلاقة بين الشريك والفاعل الأصلي من حيث أن الشريك يقوم بعمل تحضيري غير معاقب عليه لذاته، لكن ارتباطه بما يقوم به الفاعل هو الذي أصبغ عليه الصفة الإجرامية مما يستعيد بالضرورة التسوية الحاملة بين الفاعل الأصلي والشريك في المسؤولية والعقوبة. فكل ما يتوافر لدى الفاعل الأصلي من ظروف مخففة أو مشددة يوفر في كل من ساهم معه في الجريمة .
وتقوم هذه النظرية على التفرقة بين عمل الفاعل وعمل الشريك على أساس مقدارمساهمة كل منهما في الجريمة فيعتبر عمل الفاعل مساهمة أصلية في الجريمة بينما عمل الشريك مساهمة ثانوية.
وعمل الشريك لا يعد جريمة في ذاته طبقا لهذا المذهب، إذ لا يعاقب على مجرد المساعدة على السرقة إذا لم يرتكب الفاعل الأصلي السرقة بناءا على هذه المساعدة، وإنما يصبح فعل الشريك معاقب عليه إذا ارتكب الفاعل الجريمة وكان الشريك قد ساعده على ارتكابها، فهذا الشريك يستعيد الصفة الإجرامية لفعله من جريمة الفاعل الأصلي ونتيجة لذلك لا يعاقب الشريك إذا لم يكن الفاعل معاقب لسبب ما كالجنون أو عدم التمييز أو لسبب من أسباب الإباحة. ونظرية الإستعارة تنقسم إلى :
1-نظرية الإستعارة النسبية :
مفاد هذه النظرية ضرورة التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك من حيث المسؤولية والعقاب، فالشريك بإرتكابه أقل أعمالا أقل خطورة من أعمال الفاعل الأصلي.
2-نظرية الإستعارة المطلقة :
تنص هذه النظرية أن الشريك يستعيد تجريمه كاملا من الفاعل الأصلي وعليه فهو متساوي في المسؤولية والعقاب مع الفاعل الأصلي، ويؤدي الأخذ بنظرية الإستعارة المطلقة إلى نتائج غريبة حيث الشريك لا يعاقب في جريمة السرقة إذا كان الفاعل الأصلي ابن سارق أبيه، كما لا يعاقب الشريك إذا كان الفاعل الأصلي في جريمة قتل شخص مجنون ومن هذا تظهر هذه النظرية غير منطقية.
ثانيا- نظرية التبعية :
تستند هذه النظرية على فكرة تبعية فكرة الشريك للفاعل الأصلي، فتقوم على تحريم فعل الإشتراك لذاته شرط أن تقع الجريمة المساهم فيها من الفاعل الأصلي بإعتبار ذلك شرط لمعاقبة الشريك على مساهمته فيها لأنه لايمكن تصور مساهمة في جريمة لم تقع فعلا، وإذا امتنع الفاعل على جرمه أثناء العمل التحضيري ولمؤاخذة الشريك عند اشتراكه في الجريمة يجب أن يكون فعل الفاعل الأصلي من الأفعال الخاضعة لقانون العقوبات ]. ويرى أتباع هذه النظرية الإحتفاظ بوحدة الجريمة لأن تجريم فعل الشريك يكون لذاته لأنه نشاط إجرامي، لأن إجرام الشريك نابع من فعله هو لا من فعل الجريمة لأن وقوع الجريمة مجرد شرط عقاب بالنسبة للشريك ومنه تقوم تبعية الشريك للفاعل، والظاهر في هذا المذهب فإن كل مساهم في الجريمة (فاعل أصلي أو شريك ) يسألا عن فعله وظروفه سواء بالتشديد أو التخفيف أو المنع من العقاب وهو ما مال إليه المشرع الجزائري. وحسب هذه النظرية يقصد بالفعل المجرم الواقعة المادية أي الركن المادي للجريمة فقط بغض النظر عن الركن المعنوي لها فيعاقب الشريك متى قام الفاعل بسلوكه غير المشروع ولو توافرت للفاعل ظروف تنفي مسؤوليته الجزائية. واستقلال المساهمين كل حسب فعله وظروفه أدى إلى نتائج .
1- تقدير المسؤولية :
تقدر مسؤولية الشريك على نحو تراعي فيه خطورته الخاصة بغض النظر عن خطورة الفاعل. وهذا يؤدي إلى أن عقوبة الشريك قد تكون أشد وأخف من عقوبة الفاعل حسب الأحوال.
2- إبعاد مسؤولية الشريك عن الجرائم المحتملة :
تحدد مسؤولية الشريك في قصده الجنائي، فلا يسأل عن جريمة ارتكبها الفاعل ولو كانت جريمة محتملة إذا لم تكن في ذهنه عند الإشتراك.
3- إستقلال الفاعل بموانع المسؤولية أو موانع العقاب:
إن الشريك لا يتأثر بموانع المسؤولية أو موانع العقاب التي تلحق الفاعل الأصلي فلا تسقط مسؤولية الشريك عندما تنقضي الدعوى العمومية عن الفاعل الأصلي كأن يتنازل الضحية بالتقادم.
4- الأخذ بالمسؤولية المدنية :
إن مسؤولية الشريك فيما يخص المسؤولية المدنية تتم على نحو مستقل عن مسؤولية الفاعل الأصلي .
ثالثا- نظرية الإستقلالية :
تستند هذه النظرية على استقلال كل من ساهم في الجريمة عن بقية المساهمين فيها معه، وطبقا لهذه النظرية فالمساهمة تعتبر جريمة عن طريق تجريم الإشتراك كجريمة قائمة بذاتها ومنه استقلالية مسؤولية الشريك عن مسؤولية الفاعل الأصلي، ويلاحظ أن هذه النظرية أغلقت الروايط التي تربط بين المساهمين في جريمة واحدة وهي رابطة ذهنية تجمعهم نحو مشروع إجرامي معين، وهي بالتالي نظرية لا تتفق في مضمونها مع خاصية المساهمة الجزائية فلا يمكن تصور قيام مجموعة من الجرائم بعدد المساهمين في الجريمة الواحدة .
رابعا- موقف المشرع الجزائري من هذه النظريات :
يمكن تصنيف شراح القانون حول اتباعه لإحدى النظريات السابقة في تكييف الإشتراك إلى اتجاهات ثلاثة :
1-تكييف أحكام الإشتراك بفكرة الإستعارة :
يكيف بعض الفقهاء الإشتراك في القانون الجزائري بفكرة الإستعارة إلا أنه عندما يتعرض لأحكام سريان الظروف فنراه ينسب القانون الجزائري النتائج التي ترتب على فكرة الإستعارة.
ومنهم الفقيه كوكيلات والذي رأى أن المشرع الجزائري قد أقر مذهب الإشتراك التبعي أو استعارة الإجرام، وقد بين رأيه بقوله أن فعل الإشتراك غير معاقب عليه بهذا الوصف إلا بسبب استعارته الإجرام من الفاعل الأصلي.
ومن الملاحظ أن هذا الفقيه مع تأكيده في مواضيع مختلفة من دراسة لأحكام الإشتراك أن القانون الجزائري قد أخذ بفكرة الإستعارة قد انتهى حيث عالج مشكلة سريان الظروف الشخصية إلى نتائج مغايرة لهذه الفكرة، فبعد أن مثل لها بالعود وهو ظرف شخصي بحت ثم صفة الأبوة والبنوة وسبق الإصرار وهي ظروف يكيفها القضاء الفرنسي بالمختلطة ويقرر لها حكم العينية وأوضح أن هذه الظروف لا تسري من مساهم لآخر كما أنها لاتسري على الشريك إذا لم تتوافر لديه هذه النتائج لاتتفق مع المبدأ الذي رأى المشرع الجزائري قد أخذ به، ولذا انتقد ما تضمنته المادة 44 فقرة 2 من قانون العقوبات الجزائري من إقرارها استغلال المساهمين لهذه الظروف الشخصية معللا ذلك بأن هذه الظروف تنعكس على الجريمة فتشدد من إثمها ولذا وجب سريانها من مساهم لآخر، إن الفقيه كوكيلات قد انطلق من منطلق خاطئ في تكييفه لأحكام الإشتراك فقد افترض أن المشرع الجزائري قد أخذ بفكرة الإستعارة، ثم لما رأى أن الأحكام القانونية لا تتلاءم مع هذا المبدأ انتقدها، ولو انطلق من النصوص وحاول استخلاص المبدأ منها لانتهى إلى نتيجة مغايرة، لكن عند التعرض لأهم نتائج الإستعارة نجده ينسبها إلى القانون الجزائري كما أن شراح القانون الجزائري من ذكر صراحة أن هذا القانون قد رفض صراحة فكرة الإستعارة المطلقة للإجرام، إلا أنه قد صنف الظروف المختلطة مع العينية، وهذا ما فعله القضاء الفرنسي، أن الفعل الأصلي لا يستمد وصفه في هذه الحالة إلا من الفاعل الأصلي وهو جوهر فكرة وحدة الجريمة، بينما فكرة الإشتراك جريمة مستقلة أو تعدد الجرائم يؤدي إلى أن الفعل الأصلي يستمد وصفه من الشريك كما يستمده من الفاعل، وأن القانون الجزائري يشترط العلم بالظروف العينية لسريانها وهوما يؤدي بالقول إلى وحدة الجريمة إذا توافر العلم لدى الشريك .
2- الإشتراك جريمة مستقلة :
إن المشرع الجزائري جرم فعل الشريك تحريما مستقلا أي أنه أنشأ جريمة خاصة أطلق عليها جريمة الإشتراك، وحيث وصف القانون الجزائري ضمن التشريعات التي تأخذ بمذهب الإشتراك جريمة مستقلة وترتب على اعتبار فعل الشريك في القانون الجزائري جريمة مستقلة بعض النتائج منها:
- امكانية عقاب الشريك دون وقوع جريمة من الفاعل الأصلي.
-امكانية العقاب على الشروع في الإشتراك.
-امكانية الإشتراك غي الإشتراك.
3- الإجرام الخاص بالشريك :
إن تطبيقات الإجرام الخاص بالشريك في قانون العقوبات الجزائر يتنص على عدم سريان الظروف الشخصية على الشريك إلا إذا كانت متصلة به واشتراط العلم بالظروف العينية لسريانها، أن الشريك يسأل عن الجريمة الأصلية مع أنها تستمد وصفها من قصد الفاعل وهو ما تؤدي إليه فكرة الإستعارة أو وحدة الجريمة . ومنه فالمشرع الجزائري أخذ مذهبا وسطا بين النظرية التبعية ونظرية الإستقلالية ويظهر هذا في :
أ- مظاهر تأثره بالنظرية التبعية :
-النص على معاقبة الشريك بنفس العقوبة المقررة لجريمة المساهم فيها جناية أو جنحة .
-النص على تأثر المساهم في الجريمة بالظروف العينية (الموضوعية أو المادية) اللصيقة بالجريمة المشدد منها والمخفف متى كان يعلم بها .
ب- مظاهر تأثره بالنظرية الإستقلالية :
- النص على معاقبة المحرض على الجريمة بالعقوبة المقررة للجريمة المحرض عليها .
- النص على مسؤولية الفاعل المعنوي عن الجريمة التي دفع إليها شخصا غير مسؤول جزائيا
- النص على استقلال كل مساهم قي الجريمة بظروفه الشخصية .
المبحث الثاني : المساهمة الجنائية المباشرة و غير المباشرة
المطلب الأول : الـــمساهمة الجنائية المباشرة (المساهمة الأصلية)
الفاعل الأصلي ثلاث صور إما أن يكون فاعلا مباشرا أو محرضا أو فاعلا معنويا .
الفرع الاول: الفاعل المــباشر l`auteur direct
المقصود بالفاعل المباشر كل من يرتكب الجريمة فتحقق لديه عناصرها المادية والمعنوية على السواء أي كل شخص يقوم بارتكاب الأفعال التي تدخل في تكوين الجريمة.
الركن الـــــمادي :
حددت المادة 41 من ق.ع.ج الركن المادي للجريمة بقولها يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة....) ويعني هذا أن الركن المادي للفاعل المباشر يتمثل في قيامه بدور رئيسي ومباشر وفعال في تنفيذ الجريمة أي إتيان الفعل (السلوك الإجرامي) وتحقيق النتيجة
ومــثال ذلك : أن يلجأ شخصان لقتل أحد الناس فيطعناه بطعنات تؤدي بحياته ، هنا يعد كل منهما مشاركا في تنفيذ الركن المادي للجريمة وبالتالي كل واحد منهما يعد فاعلا مباشرا لجريمة القتل ،ونفس الأمر كذلك فيما قام لصان سرقة منزل ما إذ قام الأول بكسر الباب ليدخل الثاني ويسرق المنزل هنا يعد كل واحد منهما فاعلا مباشرا لجريمة السرقة ،فكسر باب المنزل بقصد السرقة لا يعد عملا تحضيريا وإنما هو عمل يدخل في الأعمال التنفيذية للجريمة وهذا بحسب الأخذ بمعيار البدء في تنفيذ الجريمة أو عل الأقل الشروع فيها .
ولــكن قد يكون معيار الشروع أو البدء في التنفيذ غير كاف في بعض الحالات للتمييز بين نوعي المساهمة المباشرة وغير المباشرة (أي التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك) ولذلك أضاف الفقه معيارا آخر ويتمثل في ضرورة ظهور أو تواجد الجاني على مسرح الجريمة وقت ارتكابها ولتوضيح الفكرة أكثر نعود إلى مثالنا السابق حيث يعد عمل اللص الذي كسر الباب لتمكين زميله من السرقة مساهمة مباشرة إذا تم دخول السارق الآخر بعد الكسر مباشرة ، ويعني هذا أن فعله لصيق الصلة بالتنفيذ ومعاصرا له ،أما إذا تم دخول المنزل في اليوم التالي فإن الفترة الزمنية الفاصلة بين الفعلين تجعل فعل الكسر عملا من الأعمال التحضيرية وبالتالي يصبح هنا مجرد شريك في ارتكاب الجريمة لغياب الجاني على مسرح الجريمة.
ومن الأمثلة كذلك : أن يمسك أحدهم بالمجني عليه لتمكين خصمه من قتله أو كمن يراقب الطريق لتمكين زملائه من السرقة ،أو كخادم يترك باب منزل سيده مفتوحا لتمكين اللصوص من سرقته....إلخ فكل هذه الأمثلة السابقة الذكر بالرغم من أفعالها لاتكون الركن المادي للجريمة إلا أنها ذات أههمية في التنفيذ وتلتصق بالجريمة وتحقق مساهمة مباشرة وتجعل من مرتكبيها فاعلا لا مجرد شريك.
الركن المعنوي :
إذا تعدد الجناة وساهموا مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة يجب توافر الركن المعنوي بإعتبار أن المساهمة المباشرة سلوك عمدي والمقصود بالركن المعنوي للجريمة القصد الجنائي أو وحدة الرابطة الذهنية التي يجب توافرها لدى كل جان أي العلم بماهية الفعل الذي يرتكبه وتوقع النتيجة المباشرة واتجاه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة.
وتكون الصورة واضحة في حالة أن ينفرد شخص في ارتكاب الجريمة فهو على علم بعناصر الجريمة ويتوقع النتيجة ولذلك فإنه يسيطر على سلوكه .
ولكن في حالة تعدد الجناة إذ يجب على الفاعل أن يكون ضمن الرابطة الذهنية الواحدة أي على علم بكافة الأفعال التي تتضافر لتحقيق الركن المادي للجريمة ،سواء ما كان نتيجة لفعله أو لفعل غيره .
ومــثال ذلك : إذا اتفق شخصان على قتل غريمهما وأطلقا عليه الرصاص فإن كل واحد منهما يعد فاعلا للجريمة ولو ثبت أن رصاصة أحدهما كانت الرصاصة القاتلة، فصاحب الرصاصة القاتلة يعد فاعلا وهو أمر واضح ، وكذلك يعد فاعلا الذي أطلق الرصاصة الخائبة أيضا، فقد كان على إتفاق مع زميله على القتل (الركن المعنوي)
الفرع الثاني : الـــــــــــمحرّض
أصبح المحرض بموجب القانون 82-04 المؤرخ في 13فيفري1982م بعد أن كان يعد فيما سبق شريكا وليس فاعلا، وبهذا الخصوص فقد نصت المادة 41 ما يلي : (يعتبر فاعلا كل..... أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أوإساءة إستعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي)، وإتجاه المشرع الجزائري هذا هو إتجاه جديد يخرج عن الإتجاه التقليدي الذي تأخذ به معظم التشريعات والذي يعتبر المحرض مجرد شريك لا فاعل لأنه لا يجوز القول بأن نشاط المحرض هو نشاط تبعي لأنه في حقيقته هو الذي يخلق التصميم الإجرامي في ذهن الفاعل.
والـــتحريض هو أن يقوم شخص بخلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر بالوسائل أو الأعمال التي أقرها القانون .
الركن المادي :
بالرجوع إلى نص المادة41 يتبين لنا أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الأعمال التي يقوم عليها التحريض وهي: الهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي .
ويــمكن أن يكون التحريض بأي وسيلة كانت غير التي ذكرها المشرع ولكن لا يعتد بها ومثال ذلك: لا يعتد المشرع بتحريض الشخص على ارتكاب الجريمة بمجرد إثارة شعور البغض والكراهية بالقول أو النصيحة أو إبداء الرأي.
وسنعمد فيما يلي إلى توضيح الوسائل التي إعتد بها القانون وهـــــي :
الهبـــــة : وهي إعطاء المحرض مقابلا بغرض قيام الجاني بالجريمة والهبة قد تكون مبلغا من المال أو سلعة أو عقارا أو ما يمكن تقييمه بمال .
وحــتى تكون الهبة وسيلة للتحريض يجب أن تقدم قبل تنفيذ الجريمة.
الوعــــــــد : فقد لا يقدم المحرض للفاعل هبة أو مالا ولكن قد يعده بهبة أو بتقديم خدمة إن هو إرتكب الجريمة التي يريدها المحرض، ويشترط أن يكون الوعد قبل تنفيذ الجريمة حتى يمكن الإعتداد به كوسيلة من وسائل إغراء الجاني .
التهديـــــد : معناه التأثير والضغط على إرادة الجاني لحمله على إرتكاب الجريمة كإفشاء سّر أو وقوع مكروه لأحد أفراد عائلته في حالة الرفض .
إساءة إستعمال السلطة أو الولاية: وهي إستغلال السلطة التي يمارسها المحرض على الغير والسلطة قد تكون قانونية كسلطة الرئيس على المرؤوس أو سلطة فعلية كسلطة المخدوم على الخادم ،أما إساءة إستعمال الولاية كأن يحرض الأب إبنه على إرتكاب الجريمة.
التحايل والتدليــــس الإجرامي : وهي إستعمال الطرق الإستحيالية والكذب لإقناع الجاني على إرتكاب الجريمة وزرع فكرة الجريمة في ذهنه.
ويشترط في التحريض إلى جانب الوسائل التي حددها القانون أن يكون صريحا ومباشرا وفوريا أي موجها إلى شخص محدد بالذات أو إلى عدة جناة محددين بأفرادهم سواء كان سريا أو علنيا وسواء كان مكتوبا أو شفهيا ويجدر في هذا المقام أن نميمز بين التحريض الفردي المباشر الذي نحن بصدده وبين جرائم التحريض العام التي نجدها في بعض نصوص القانون الجزائي حيث يتوجه المحرض إلى جمهور من الناس دون تحديد وبأية وسيلة كانت كالخطابة أو الكتابة وغير ذلك لتحريضهم على إرتكاب الجرائم.
وصورة ذلك مانصت عليه المادة 100 من قانون العقوبات كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع يعاقب عليه بالحبس....) ومثل هذا التحريض العام لا يخضع لأحكام التحريض الفردي المباشر الذي جاءت به المادة 42 من ق.م .
الركـــن المعنوي :
لا يكفي أن يتوافر للتحريض جانبه المادي بل يتطلب الأمر زيادة على ذلك أن يتوافر له الجانب المعنوي أيضا .
وحيث أن جريمة التحريض هي جريمة عمدية فإن صور الركن المعنوي تظهر في توافر القصد الجنائي لدى المحرض، والقصد الجنائي بدوره يتوافر بتوافر عنصري الإرادة والعلم فإذا كانت إرادة المحرض سليمة أي مدركة ومميزة ثم أحاط علما بكل عناصر الجريمة التي سيقدم عليها المنفذ بتحريضه بالوسائل المنصوص عليها في القانون فإنه يعد مرتكبا لجريمة التحريض إذا ما أراد النتيجة التي يتوقع أن تحدث ،أما إذا ما حدثت نتيجة لم يكن الفاعل يتوقعها أو يريدها فإنه لا يعد مسؤولا عنها، كما لو إنصب التحريض على السرقة فقام المنفذ بالسرقة والقتل فهنا تبقى مسؤولية المحرض محصورة في جريمة السرقة فحسب.
أنــــــــواع التحريض :
الإشتراك في التحريض :
إن طبيعة جريمة التحريض تسمح بقيام الإشتراك بإعتبارها جريمة مستقلة بذاتها، وصورة ذلك: أن يقدم أحدهم الهبة إلى المحرض الذي يقوم بإكمال حلقات الجريمة، هنا لا يعد مقدم الهبة فاعلا أصليا إذ اقتصر دوره على مساهمة تبعية تبرر اعتباره شريكا إذا تحققت لديه نية الإشتراك .
التحريض التام :
وصورة ذلك أن يتوجه المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة، فإذا نجح في ذلك تكون جريمة التحريض تامة ويعني ذلك ان جريمة التحريض تبدأ بأعمال التحريض التي حددها القانون وتنتهي بنجاح المحرض في خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ وتصميمه على ارتكابها، أما تنفيذ الجريمة أو عدم تنفيذها فهو أمر خارج عن نطاق المحرض، فجريمة المحرض تتم ولو لم يقم المنفذ بتنفيذها وتأكيدا لذلك ورد نص المادة 46 من ق.ع .
الشروع في التحريض :
وصورة ذلك أن يتقدم المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة فلم يستجب له، كأن يرفض المنفذ الفكرة مباشرة فهنا نكون بصدد الشروع في جريمة التحريض، فقيام المحرض بسلوكه تاما وتخلف النتيجة- وهي خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ – يبرر القول بأن الشروع قد تم فعلا اعتمادا على ضابط الشروع الذي يفيد بأن الشروع في الجريمة يبدأ لحظة البدء بإتيان أعمال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، ويخضع الشروع في التحريض إلى الأحكام العامة التي تحكم الشروع بوجه عام.
الفرع الثــــالث : الــــفاعل المعنوي
التعريف بالفاعل المعنوي :
يلتقي الفاعل المعنوي مع المحرض من حيث أن كليهما ينفذ الجريمة بواسطة غيره وأن كلا منهما يعد السيد الحقيقي للجريمة، ولكنهما مع ذلك مختلفان فالمحرض يلجأ إلى شخص عادي يعتد بإرادته لإقناعه بارتكاب الجريمة أما الفاعل المعنوي فإنه يلجأ إلى شخص غير مسؤول جزائياوصفه القانون بأنه لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية- وهذا يعني أن من يقوم بالتنفيذ في جريمة يديرها الفاعل المعنوي هو شخص غير مسؤول جزائيا كأن يكون صغيرا غير مميز أو مجنونا أو مكرها وقع تحت تأثير من حمله على ارتكاب الجريمة.
ومن أمثلـــة ذلك : أن يلجأ الجاني إلى مجنون يستغله في نقل مواد متفجرة ووضعها في مكان عمومي، أو كمن يلجأ إلى طفل غير مميز لحمله على وضع النار في منزل مجاور لإحراقه.
وهكذا فإن الفاعل المعنوي هو من يسيطر على المنفذ سيطرة تامة تجعله كأداة في يده يسخره في تنفيذ مآربه في إرتكاب الجريمة .
الركـــن المادي :
المشرع لم يحدد الوسائل التي يستعملها الفاعل المعنوي لدفع الشخص الغير مسؤول جزائيا لإرتكاب الجريمة كما فعله بالنسبة للمحرض حيث حصر هذه الوسائل في المادة 41 من ق.ع فهذا يعني أن المشرع يعتد بكل الوسائل بدون تمييز كونها تؤدي إلى حمل الشخص الغير مسؤول جزائيا على إرتكاب الجريمة .
وعليه يقوم الركن المادي للفاعل المعنوي متى سيطر على المنفذ وحمله على تنفيذ الجريمة بغض النظر عن الوسيلة التي استعملها حتى ولو استعمل وسائل التحريض المنصوص عليها في المادة 41 من ق.ع أو غيرها كالإغراء أو الترهيب أو التهديد والرغيب.
الركــن المعنوي :
في حقيقة الأمر إذا تكلمنا عن الفاعل المعنوي فلا نكون بصدد مساهمة جنائية لأن الشخص المنفذ للجريمة لا يمكن اعتباره شريكا ولا فاعلا فهو غير مسؤول جزائيا أصلا وإنما مجرد أداة في يد الفاعل المعنوي يستعملها لتحقيق أغراضه الإجرامية .
ولتوافر الركن المعنوي يجب أن يحيط علم الفاعل بكل وقائع وعناصر الجريمة المزمع القيام بها مع رغبته في تحقيقها ولا تقتصر مسؤولية الفاعل المعنوي على النتائج المتوقعة بل تتعداها إلى النتائج المحتملة طالما أن المنفذ ليس سوى أداة في يده، فيسأل من حمل صبيا غير مميز على وضع النار في بيت جاره عن النتائج التي أدى إليها الحريق كموت طفل في الحريق ولو أنه لم يتوقع حدوث ذلك أصلا.
المطلب الــــثاني :المساهمة الجنائية غير المباشرة
الفرع الأول : مفهوم الإشتراك
مما سبق ذكره يتبين لنا أن المساهمة الجنائية تقتضي في حالات عديدة التمييز بين المساهمة الأصلية التي يقوم بها الفاعلون الأصليون (فاعل مباشر-محرض –فاعل معنوي) وبين المساهمة التبعية التي يقوم بها الشركاء ،ومن هنا يتضح لنا أن الشريك مساهم تبعي في إرتكاب الجريمة وهذا النشاط الذي يقوم به الشريك هو نشاط غير مجرم لذاته فهو لا يزيد عن كونه عملا تحضيريا وإنما اكتسب صفته الإجرامية لصلته بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل ولما كانت الأعمال التحضيرية تسبق الأفعال المادية لتحقيق الجريمة فإن عمل الشريك يسبق عادة عمل الفاعل أو يعاصره في بعض الحالات .
تعريف الشريك : الإشتراك شكل من أشكال المساهمة الجزائية أن الإشتراك يقتضي عمل مساهمة في ارتكاب الجريمة وقد حصر المشرع هذا العمل في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفدة لها، وصورة ذلك مثلا: من يدل السارق على مكان وجود الشيء المراد سرقته.
الفرع الثـــاني : أركـــــــان الإشتراك
لقيام جريمة الإشتراك لابد من توافر ثلاث أركان وهي الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي.
الركن الشرعي : أفعال الشريك هي أعمال تحضيرية لا عقاب عليها لذاتها وإنما تنجذب إلى دائرة التجريم بوصفها حلقة من حلقات المساهمة التبعية في ارتكاب الجريمة، ويعني ذلك ان أفعال الشريك لا تدخل دائرة التجريم ولا يعاقب عليها إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة أو شرع فيها، فلا يشترط لمعاقبة الشريك أن ترتكب الجريمة تامة، إذ يكفي أن يشرع الفاعل في ارتكابها متى كانت من الجرائم التي يعاقب القانون عل الشروع فيها وهي الجنايات وبعض الجنح التي يحددها القانون وعليه فلا تقوم جريمة الإشتراك عندما يقوم الفاعل بشروع في الجنح التي لا عقاب على الشروع فيها إذ يجب لقيام الإشتراك في مثل هذه الحالة أن تقع الجريمة تامة، فالمبدأ أن جريمة الإشتراك لا تتحقق إلا إذا ساهم المتدخل في مساعدة الفاعل الذي يقوم بإقتراف عمل يعاقب عليه القانون بإستثناء الإشتراك في المخالفات إذ لا عقاب عليها.
وأخيرا يكفي أن يكون الفعل معاقبا عليه لذاته للقول بمسؤولية الشريك ولو كان فاعله لا يعاقب لظرف خاص به، عملا بمبدأ استقلال المساهمين فمن ساعد شخصا على سرقة مال أبيه يعد مسؤولا بالإشتراك ولو تسامح الأب ولم يرفع الدعوى ضد ابنه.
الركن الـــمادي : الأفعال التي يعتد بها في المساهمة التبعية والتي ينحصر فيها الركن المادي للشريك وهــــــي:
أعمال المساعدة أو المعاونة : وهي طريقة الإشتراك التي اتفقت عليها كافة التشريعات العقابية بما فيها التشريع الجزائري لم يحدد المشرع الطرق التي تتم بها مساعدة الفاعل الأصلي ونفهم من ذلك أن كل الطرق صالحة لأن تكون مساعدة وهذه المساعدة قد تكون مادية كتقديم السلاح للفاعل الأصلي لإستعماله في ارتكاب الجريمة، وقد تكن معنوية كتقديم المعلومات لتسهيل ارتكاب جريمة السرقة.
ولـــكن السؤال المطروح ماهي مراحل الجريمة التي تقوم فيها جريمة الإشتراك؟
جريمة الإشتراك تقوم دائما في مرحلة التحضير لأن الشريك يقوم بأعمال تحضيرية أو مسهلة أو منفذة للجريمة، فالمساعدة التي يقدمها الشريك قد تكون سابقة على تنفيذ الجريمة أو معاصرة له، وتكون المساعدة السابقة إذا كان هناك تباعد زمني بين تقديمها وبين تنفيذ الجريمة كأن يقدم الشريك للفاعل الأصلي الأسلحة أو بعض الآلات لإستعمالها في الجريمة، أما بالنسبة للمساعدة المعاصرة فيشترط القانون ألا يكون الشريك متواجد في مسرح الجريمة بعد تقديم هذه المساعدة كأن يقوم الشريك بتعطيل المجني عليه للوصول إلى منزله حتى تتم السرقة.
أمـــا بالنسبة للمساعدة اللاحقة على تنفيذ الجريمة فهل تعتبر صورا من صور الإشتراك أم لا؟
لا تعتبر المساعدة اللاحقة صورة من صور الإشتراك وإنما هي جريمة مستقلة قائمة بذاتها كجريمة إخفاء الأشياء المستحصلة من جناية أو جنحة المنصوص وإخفاء الأشياء أو الأدوات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجناية أو الجنحة .
ولــــكن لا يكفي أن يقدم أحدهم مساعدة للفاعل الأصلي للقول بأنه شريك ما لم يثبت أن هذه المساعدة كانت من العوامل التي ساعدت في ارتكاب الجريمة،
ومثال ذلك: أن يقدم زيد بندقية إلى عمر ليقتل بها خصمه ولكن عمر عمّد إلى قتل خصمه بالسم ولم يستعمل البندقية ففي هذه الحالة زيد لا يعتبر شريكا لعمر في القتل.
الإعتياد على إيواء الأشرار ومساعدتهم : هناك صورة ثانية للشريك وهو ما يسمى بالشريك الحكمي بحيث يأخذ حكم الشريك كل شخص اعتاد على إيواء وإخفاء الأشرار.
ولقد اشترط القانون ركن الإعتياد لقيام جريمة الإشتراك ومعناه تكرار الفعل أكثر من مرة ولم يشترط القانون هنا وجود اتفاق سابق عل ارتكاب الجرائم من طرف هؤلاء الأشرار، أما إذا قام الشخص بفعله أول مرة لا يعد مرتكبا لجريمة الإشتراك التي نحن بصددها .
وقد تنبه المشرع الجزائري إلى أن المساعدة اللاحقة لا تقتصر على مجرد تقديم مأوى ولذا فقد جرم بعض الأفعال اللاحقة على ارتكاب الجريمة وهي: تزويد مرتكبي الجنايات والجنح بالمؤن أو المعيشة أو تهيئة مساكن أو أماكن لإختفائهم أو تجمعهم أو حمل مراسلاتهم أو تسهيل وصولهم إلى موضوع الجناية أو الجنحة أو إخفائهم أو نقلهم أو توصيلهم بأي طريقة كانت.
مــــما سبق ذكره يتبين لنا أن المساعدة في كل صورها تتطلب عملا إيجابيا يقوم به المساهم لمعاونة الفاعل على إرتكاب الجريمة وقد حدد القانون أعمال المساعدة على سبيل الحصر، ولكن هل يمكن القول بأن الإمتناع يصلح كسبب من أسباب المشاركة ؟
إن الرأي الراجح في الفقه يذهب إلى القول بأن الإمتناع لا يصلح سببا للإشتراك حتى ولو كان الممتنع ملزما بالعمل الذي امتنع عنه وعليه فلا يعد شريكا من علم بوجود جريمة ضد أمن الدولة ولم يقم بالتبليغ عنها، وإذا كان القانون يعاقب من يقف موقفا سلبيا فلا يمنع جريمة توشك أن تقع ففي هذه الحالة يعاقب على أساس جريمة خاصة ، كما أن القانون يعاقب كل شخص علم بوجود خطط أو أفعال لإرتكاب جرائم الخيانة أو التجسس أو غيرها من النشاطات التي تضر بالدفاع الوطني ولم يبلغ عنها السلطات المختصة .
الفرع الثالث: الإشتراك في الإشتراك
تتحقق هذه الصورة عندما يقدم شريك مساعدة إلى شريك آخر بحيث يقوم هذا الأخير بتقديمها إلى الفاعل الأصلي لتنفيذ الجريمة، ومثال ذلك: كمن يقدم لزوج مادة طبية لتستعملها زوجته في إجهاض نفسها مع علمه بذلك، هنا نكون أمام شريكين الأول شريك للفاعل الأصلي والثاني شريك للشريك ، ولــــكن هل يسأل شريك الشريك عن جريمة الفاعل الأصلي؟
- ذهب رأي إلى ضرورة قيام علاقة مباشرة بين الفاعل وشريك الشريك لمعاقبة هذا الأخير وعليه فلا عقاب على شريك الشريك لإنعدام العلاقة المباشرة بينه وبين الفاعل.
- وذهب الرأي السائد فقها إلى القول أنه ليس من الضروري قيام علاقة مباشرة بين الفاعل وشريك الشريك بل يكفي أن تكون بينهما علاقة سببية مباشرة كانت أو غير مباشرة وعليه أيا كانت العلاقة التي تجمعهما يجب معاقبة شريك الشريك.
الشروع في الإشتراك :
تقوم هذه الصورة عندما يأتي الشريك بنشاطه الإجرامي أي يقدم المساعدة إلى الفاعل الأصلي غير أن هذا الأخير لا ينفذ الجريمة كأن يعدل الفاعل عن إرتكاب الجريمة أو ينفذها بوسيلة أخرى غير تلك التي قدمها الشريك، فهل تقوم مسؤولية الشريك؟
لمــــعاقبة الشريك يشترط القانون أن ينفذ الفاعل الأصلي الجريمة أو على الأقل أن يشرع في تنفيذها وأن يستعمل المساعدة التي قدمها الشريك وعليه فلا يمكن تصور الشروع في جريمة الإشتراك لأن الأعمال التي يقوم بها الشريك تعد أعمالا تحضيرية لاعقاب عليها .
عـــدول الشريك :
بعد تقديم المساعدة للفاعل الأصلي قد يعدل الشريك عن إتمام الجريمة نتيجة للندم أو خوفا من العقاب، يكون لهذا العدول أثر على قيام المسؤولية الجزائية إذا تمكن الشريك من إزالة أثر إشتراكه بإسترداد المساعدة التي قدمها للفاعل الأصلي قبل تنفيذ الجريمة أو الشروع فيها.
الــركن الـمعنوي :
بالإضافة إلى الركن المادي يشترط القانون أيضا توافر الركن المعنوي في جريمة الإشتراك والمتمثل في القصد الجنائي، يقوم القصد الجنائي على عنصري العلم والإرادة أي يجب أن يعلم الشريك بأن المساعدة التي يقدمها للفاعل الأصلي ستستعمل في إرتكاب الجريمة، فمثلا يجب على الشريك الذي قدم سلاحا للفاعل أن يعلم مسبقا بأن هذا السلاح هو الذي ستنفذ به جريمة القتل.
كـــما يشترط أيضا أن تتجه إرادة الشريك إلى المساهمة في إرتكاب هذه الجريمة وإلى تحقيق النتيجة المتوقعة كأثر حتمي للجريمة.
خاتمة :
من خلال تحليل المادة 41 من قانون العقوبات نلاحظ أن المساهمة الجنائية تتحقق عند ارتكاب مجموعة من الجناة لجريمة واحدة، وحتى نوزع المسؤولية بينهم ميزنا بين من يعتبر الفاعل الأصلي ومن يعتبر شريكا و هذا بالاعتماد على نظرية الشروع القائمة على مبدأ بدأ التنفيذ، هكذا يعد شريكا كل من قام بأعمال تحضيرية لا ترقى الى البدأ في التنفيذ أو قام بالأعمال المنفذة أو المسهلة للجريمة لكن شرط ألا يكون في مسرح الجريمة ولا يوجد تلازم زمني بين فعل الفاعل الأصلي الشريك.
كما تطرقنا ايضا الى ان المساهمة الجنائية الثانوية تتطلب ضرورة توافر اركان أو عناصر و هي الركن الشرعي والركن المادي و المعنوي، فإذا تخلف ركن من هذه الاركان تنتفي مسؤولية الشريك و بهذا الخصوص قضت المحكمة العليا بالنقد في العديد من القرارات و الاحكام لعدم توافر عنصر القصد.
وبالعودة الى المشرع الجنائي نجد انه نص على عقاب الشريك بنفس العقوبة المقررة للفاعل الاصلي، غير انه و مراعاة لمبدأ تفريد العقاب فقد نص على ظروف معينة سواء كانت شخصية متصلة بالجاني التي لا تأثر إلا فيمن توفرت فيه سوء كانت مخففة او مشددة للعقاب، او ظروف موضوعية و التي تتصل بماديات الجريمة و هي تتأثر بكل المساهمين إذا توافر عنصر العلم بها أو ظروف مختلطة التي تتصل بالشخص الجاني وتأثر بالجريمة غير ان المشرع أغفل التطرق اليها.
المراجع
القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في08 يونيو 1966،ج.ر 49 مؤرخة في 10 أوت1966 معدل و متمم.
المؤلفات :
- عمر خوري، شرح قانون العقوبات –القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.
- حسن بوسقيعة : الوجيز في القانون الجزائري العام , سنة 2002
- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،بدون سنة،
- عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009 ،
- فتوح عبد الله الشادلي وعبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، النظرية العامة للجريمة بدون ط، دار الهدى للمطبوعات،الجزائر، سنة 1998.