شرح تقسيم المال الشائع
وفق القانون الجزائري تعريف القسمة علي الشيوع ومشروعيتها طبيعة القسمة علي الشيوع
أركان القسمة علي الشيوع آثار القسمة علي الشيوع
مقدمة
إذا كان المال عصب الحياة الذي يسعى الناس ويكدون لأجله فإن تملكه قد يكون على وجه الشيوع بين الناس فيكون الشيء الواحد مملوكا لعدة أشخاص ملكية غير مفرزة، ولما كان هذا النظام غير طبيعي في الملكية وطارئ مصيره الزوال فإن القسمة أهم سبب لإنهائه.
وعليه تظهر أهمية الموضوع من خلال التخلص من الملكية الشائعة كأمر غير مرغوب فيه له مضاره الاقتصادية والاجتماعية، فنظم القانون أحكام القسمة مما زاد من أهمية الموضوع.
وفيما يخص دوافع اختيار الموضوع فهي قلة اعتناء الفقه الحديث المدني بالقسمة رغم أنها من المعاملات الشائعة مما يقتضي بيان أحكامها.
وأمام هذه الدوافع سنحاول طرح الموضوع من خلال إشكالية مدى لزوم قسمة المال الشائع بالنسبة للمتقاسمين وهل طرق القسمة المنصوص عليها في القانون المدني الجزائري ناجعة لحصول كل شريك على نصيبه من المال الشائع ؟
وعطفا على ذلك هدفنا من دراسة هذا الموضوع محاولة إيجاد حلول للإشكالات القانونية المطروحة حول قسمة المال الشائع، والإجابة عن التساؤلات التي تدور في ذهن الشركاء على الشيوع مع إظهار شروط تطبيق القسمة وأنواعها وكذا تحديد آثارها القانونية.
من أجل كل ذلك اعتمدت في كتابة هذا المقال منهجا وصفيا تحليليا إلماما بالموضوع حسب ما اقتضته طبيعة كل عنصر لاستخراج ثغرات القانون المدني الجزائري واقتراح الحلول.
وقد تمت عملية إعداد هذا المقال باعتماد خطة مقسمة إلى ثلاثة مباحث تناولت تباعا ماهية القسمة وأنواعها ثم أثارها. المبحث الأول : ماهية القسمة :
لما كانت القسمة هي السبب الرئيسي لانقضاء الشيوع والتخلص من مضاره فقد اختلف الفقه والقانون في تعريفها مما أدى إلى ضرورة التطرق للطبيعة القانونية لها ثم الشروط التي تقوم عليها من خلال ثلاثة مطالب كما يأتي : المطلب الأول: تعريف القسمة في الشيوع ومشروعيتها :
إذا كانت القسمة لغة هي إفراز النصيب وجعل الشيء أجزاء متمايزة سواء لمجرد التفريق أو لمعرفة ما في المقسوم من أمثال المقسوم عليه فإن فقهاء الشريعة الإسلامية اتفقوا على كون القسمة إفراز أو تمييز بعض الأنصباء محلها المال الشائع، رغم أن ظاهر تعريف الحنفية لها لا يشتمل على قسمة المهيأة.
أما فقهاء القانون المدني فلم يبذلوا جهدا في إبراز تعريف جامع مانع لها، فعمد بعضهم إلى إعطاء فكرة عنها بقولهم إن القسمة هي ما يختص بمقتضاها كل شريك بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب حصته الشائعة في هذا المال كقسمة نهائية للأعيان ، تهدف إلى توزيع المال الشائع بين الشركاء، فهي بذلك وسيلة لعدم إجبارهم على البقاء في الشيوع "، والخروج منه إلى الملكية الفردية عن طريق حصة مفرزة يستثمرها الشريك ويستغلها ويتصرف فيها بحرية ، ليتجه جانب فقهي آخر إلى إعطائها تعريفا مختصرا فوصفوها بأنها : "إنهاء الشيوع وإعطاء كل شريك حقه في المال الشائع مفرزا، يستقل به ويتسلط عليه تسلط الملاك.
وعليه فكل التعاريف السابقة وان اختلفت لفظا تتفق من حيث المعنى والمضمون في اعتبارها إنهاء للشيوع، وإعطاء كل شريك حقه في المال الشائع مفرزا يستقل به ويتسلط عليه تسلط الملاك، وقد نظم القانون المدني الجزائري أحكامها في المواد 722 إلى 732 منه فشرعت بموجبه، إذ جاء في نص المادة 722 منه أنه ( لكل شريك أن يطالب بقسمة المال الشائع (… المطلب الثاني : طبيعة القسمة في الشيوع :
رجوعا لنص المادة رقم 730 مدني جزائري التي جاء فيها: (يعتبر المتقاسم مالكا للحصة التي آلت إليه منذ أن أصبح مالكا في الشيوع...))، فالقسمة إفراز حق إذ اعتمد المشرع فكرة الأثر الرجعي كضمان لحصول كل شريك على حصته، خالية من تصرف الشركاء قبل إجراء القسمة.
وعليه تعد القسمة كاشفة للحق ومقررة له وليست ناقلة له، ولذلك فإن تصرفات الشريك في جزء مفرز يوقف أثرها حتى تعرف نتيجة القسمة.
وقد ثار التساؤل حول مدى لزوم القسمة أو جوازها، ومعرفة ما إن كان يجوز لأحد من المتقاسمين فسخها بانتهاء القسمة، أم يمكن فسخها من أي شريك على الشيوع، وبعبارة أخرى ما مدى اعتبار القسمة عقدا لازما لا يجوز لأي طرف فيها فسخه أو الرجوع فيه بإرادته المنفردة، أو أنها عقد غير لازم يسوغ لأطرافه الرجوع فيه وفسخه متى شاء أحدهم.
إذا كان القانون المدني الجزائري لم ينص في مواده المتعلقة بالقسمة على لزومها من عدمه فإن قانون المعاملات المدنية الإماراتي نص على ذلك وجعل عقد القسمة لازما لا يجوز الرجوع فيه إلا إذا اتفق جميع الشركاء على ذلك.
إلا أنه رجوعا للقواعد العامة، وبالضبط نص المادة رقم 106 قانون مدني جزائري ، وباعتبار القسمة الاتفاقية عقدا فإنها لازمة لا يجوز لأحد أطرافها الرجوع فيها بإرادته المنفردة، إذ باتفاق الجميع عليها تكون ملزمة لهم. المطلب الثالث : أركان القسمة في الشيوع :
إذا كانت القسمة نتحقق بتمييز الأنصبة واعطائها لمستحقيها فإنه لابد لها من أسس ودعائم تقوم عليها تتمثل في: القاسم والمقسوم و المقسوم له. الفرع الأول: القاسم: هو من يتولى قسمة المال الشائع بين المتقاسمين . أولا: تعيين القاسم :
طبقا لنص المادة رقم 723 مدني جزائري ، الذي جاء فيه: (يستطيع الشركاء إذ انعقد إجماعهم أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية، وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون)، فإنه يجوز أن يكون الشركاء أنفسهم هم القاسمين طالما تمت القسمة بإجماعهم ولم يكن بينهم ناقص أهلية.
القسمة بشرط رضائهم جميعا، فضلا على إمكانية كما يجوز لهم اختيار قاسم من ذوي الخبرة في شؤون لجوئهم للقضاء فيقسم القاضي بينهم.
وبناء عليه إذا كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية أو غائب، ينوب عن القاصر وليه بعد الحصول على إذن المحكمة، لكن إذا لم يتفق الشركاء على القسمة واختيار القاسم فلا يبقى أمامهم سوى اللجوء للقضاء. ثانيا: شروط القاسم :
لم يرد في القانون المدني الجزائري شروطا خاصة بالقاسم مما حتم الرجوع إلى الفقه الإسلامي الذي اشترط في القاسم المعين من قبل القاضي الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والعدالة والذكورة وعلم المساحة والحساب والسمع والبصر والنطق والضبط.
يبقى أن المشرع الجزائري أجاز للأطراف المتفقة على القسمة الالتجاء لموثق من أجل إفراغ انفاق القسمة المبرم بينهم في شكل رسمي فيتلقى الموثق الوثائق اللازمة والتي من ضمنها إعداد مخطط موقع الأمكنة ومشروع القسمة يعدها خبير عقاري مختص بمهنة مهندس خبير عقاري ومعتمد لدى القضاء طبقا لنص المادة رقم 02 من الأمر رقم 95-08.
فيمارس هذه المهنة شخص طبيعي يضع المخططات الطبوغرافية والوثائق التقنية التي تلحق بعقود التعلق بنقل الملكية العقارية وقد نصت المادة رقم 03 من القانون ذاته عن شروط ممارسة هذا الخبير لمهنته فجاء النص كما يلي: (تخضع ممارسة مهنة المهندس الخبير العقاري لتوفر الشروط الاتية:
- الجنسية الجزائرية.
- حيازة شهادة مهندس دولة مساح أو مهندس دولة في الطبوغرافيا أو مهندس تطبيقي تسلمتها مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي أو تعادلها في هذا الاختصاص.
- الممارسة المسبقة للمهنة كمهندس متدرب حسب مفهوم المادة رقم 30 من هذا الأمر لمدة 3 سنوات والنجاح في امتحان نهاية التدرب. ثالثا : أجرة القاسم :
إذا كان القاضي أو الخبير هو القاسم، فأجره على نفقة الدولة في شكل راتب يتقاضاه القاضي أو الخبير ويلزم الشركاء بدفع مصاريف الدعوى أو أتعاب الخبرة للخزانة العامة للدولة.
وإذا اتفق الشركاء على اختيار خبير يقسم بينهم وتقر المحكمة ذلك، فإنها هي التي تقدر أجرته حتى لا تتأثر حياديته.
أما إذا كان القاسم محكما اختاره الشركاء فإنه يستحق أجرة نتمثل في مصاريفه وأتعابه.
إلا أنه يثار التساؤل هنا حول كيفية توزيع أجرة القاسم بين المتقاسمين فاختلفت الآراء الفقهية في ذلك ورجح منها إذ ليس من الرأي الآخذ بتوزيع الأجرة على قدر الأنصبة على جميع المتقاسمين الطالب لها والممتنع العدالة تحمل طالب القسمة أجرة القسمة جميعها. الفرع الثاني: المقسوم :
يقصد بالمقسوم محل القسمة أو العين الشائعة التي يشترك المتقاسمون في ملكيتها ويطالبون بقسمتها لذلك يشترط فيه ما يلي:
- أن يكون المقسوم موجودا أو ممكن الوجود؛ وذلك وقت القسمة فإذا كان محل القسمة مستحيل الوجود تقع القسمة باطلة.
- أن يكون المقسوم معينا أو قابلا للتعيين: بذاته أو بنوعه أو بمقداره.
- أن يكون محل القسمة مشروعا وقابلا للتعامل فيه: أي غير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة ومما يصح التعامل فيه، لذلك لا تصح قسمة المال الشائع شيوعا جبريا كالطريق المشترك للملاك المتجاورين.
- كما لا يجوز قسمة التركة المستقبلة، وألا يكون مملوكا للشركاء المتقاسمين وقت القسمة: والا كانت القسمة باطلة. الفرع الثالث: المقسوم له :
المقسوم لهم هم الشركاء أو من ينوب عنهم من الأولياء والأوصياء والوكلاء، إذ لهم الحق في قسمته تراضيا أو طلب القسمة إن أبى أحدهم وحتى تكون القسمة صحيحة تشترط فيهم الشروط الآتية:
- رضاء المقسوم لهم: وذلك طبقا لنص المادة رقم 723 قانون مدني جزائري، وباعتبار القسمة عقدا وإن تخلف الرضا يبقى العقد ملزما لكل من رضى، ولا تصح القسمة لمن لم يرض والذي بإمكانه إقراره متى شاء.
- حضور المقسوم لهم أو من يقوم مقامهم: سواء كانت القسمة رضائية أو جبرية.
- ألا يلحق المقسوم لهم أو أحدهم ضرر من القسمة : وهذا حسب نص المادة رقم 728 مدني جزائري، فاذا طلب الشريك القسمة في وقت غير مناسب تضر فيه القسمة مصالح الشركاء، أو أنه لم يقصد بطلبه سوى الإضرار بغيره من الشركاء، فللقاضي رفض طلبه .
- أن يطلب الشركاء جميعا أو بعضهم القسمة : وهذا الشرط خاص بالقسمة القضائية.
- ثبوت ملكية المقسوم للمقسوم لهم. المبحث الثاني : أنواع القسمة وإجراءاتها :
بالقراءة المتأنية لنصوص القانون المدني الجزائري وأراء الفقهاء، تبين أن القسمة انقسمت إلى عدة تقسيمات لاعتبارات مختلفة.
إذ تنقسم باعتبار طبيعة محل القسمة إلى قسمة مال (أعيان) وقسمة منافع وإلى قسمة اتفاقية وقسمة قضائية بالنظر لمن يتولى إجراء القسمة.
كما تنقسم حسب دوامها إلى قسمة نهائية وقسمة غير باتة، وفيما إن كانت تتناول كل أو بعض المال الشائع إلى قسمة كلية، وقسمة جزئية، وباعتبار طريقة إجراء القسمة إلى قسمة عينية وقسمة تصفية.
ولما كانت كل هذه التقسيمات متداخلة غير مستقلة فإن كل من القسمة الاتفاقية والقضائية قد ضمتها جميعا، لذلك سنتطرق إلى كل من القسمة الاتفاقية النهائية والقضائية، وقسمة المنافع، وذلك كما يأتي: المطلب الأول: القسمة الاتفاقية :
وسندرسه من خلال فرعين كما يأتي: الفرع الأول: تعريف القسمة الاتفاقية :
طبقا لنص المادة رقم 723 مدني جزائري، فالقسمة الاتفاقية أو الرضائية هي التي تتم باتفاق الشركاء على اقتسام المال الشائع بينهم إلى حصص فتجري بين المتقاسمين في الملك الشائع بالتراضي، ويعد إجماع الشركاء الشرط الضروري في قيام القسمة الاتفاقية، كما أجيزت حالة وجود قاصر أو فاقد الأهلية من الشركاء، بشرط اتباع إجراءات قانونية معينة كالحصول على إذن مسبق من الجهات القضائية، ليبقى شرط الإجماع غير كاف بل لابد من تسجيل هذا العقد. ومن الإجراءات التي يفرضها القانون للقسمة الاتفاقية:
- إعداد مخطط موقع الأمكنة وخمس نسخ من مشروع القسمة يعدها خبير عقاري مختص ومعتمد لدى جهات القضاء بالشروط المذكورة سابقا.
- ترفق التقارير بطلب تجزئة العقار من طرف الشركاء في الشيوع أو الموثق، خاصة إذا كان عقارا أين يخضع للشكلية المطلوبة في المادة 323 مكرر مدني جزائري.
-تودع الوثائق بالمصلحة التقنية للتهيئة والتعمير على مستوى البلدية.
-تراجع التقارير وتعاين الأمكنة ليقترح على رئيس المجلس الشعبي البلدي منح قرار التجزئة.
- تؤخذ قرارات التجزئة والتقارير المعدة من قبل الخبير إلى الموثق الذي يحرر عقد القسمة لسجله ويشهره بالمحافظة العقارية، لأن عدم احترام ذلك يجعل القسمة الودية مستبعدة، الأمر الذي أكدته المحكمة العليا في قرار صادر عن غرفتها العقارية بتاريخ 18 جوان 2002. الفرع الثاني: نقض القسمة الاتفاقية :
حسب نص المادة 732 مدني جزائري، فإن الغبن سببا جوهريا لنقض القسمة الاتفاقية، إذ جاء فيها " يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتخاصمين أنه لحقه منها غبن يزيد على الخمس على أن تكون العبرة في التقدير بقسمة الشيء وقت القسمة " .
والغبن عدم التعادل بين ما يأخذه العاقد وما يعطيه، فهو خسارة تلحق أحد المتعاقدين ، ونقض القسمة للغبن مقصور فقط على القسمة الاتفاقية الذي إن زاد على الخمس يجعل هذا العقد قابلا للإبطال عن طريق رفع دعوى نقض القسمة من طرف الشريك المغبون، وبصدور الحكم بإبطالها تعد كأن لم تكن. المطلب الثاني : القسمة القضائية :
إذ اختلف الشركاء على قسمة المال الشائع لعدم الاتفاق أو لوجود قاصر أو غائب، ورفضت المحكمة الإذن بإجراء القسمة أو التصديق عليها، تعين اللجوء للقضاء متى أراد أحد الشركاء الخروج من الشيوع ، لذا سندرس القسمة القضائية كما يأتي: مفهومها وأنواعها. الفرع الأول: مفهوم القسمة القضائية :
القسمة القضائية هي التي تتولى المحكمة إجراءها بناء على دعوى ترفع من أحد الشركاء المشتاعين ويصدر فيها حكم رغم معارضة الشركاء في إجرائها، وعليه فإن القسمة القضائية تتم في حالات معينة بمقتضى نص المادة رقم 724 فقرة 1 مدني جزائري.
ونصت المادة رقم 88 فقرة 2 من القانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة على أن : (على الولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص، وعليه أن يستأذن القاضي في التصرفات الاتية: بيع العقار وقسمته، ورهنه واجراء المصالحة )
كما نصت المادة رقم 89 من ذات القانون على أنه: (على القاضي أن يراعي في الإذن حالة الضرورة والمصلحة، وأن يتم بيع العقار بالمزاد العلني، واذا تعارضت مصالح الولي ومصالح القاصر، يعين القاضي متصرفا خاصا تلقائيا، أو بناء على طلب من له مصلحة)، وعليه فالشريك في المال الشائع يلجأ إلى القسمة القضائية في حالتين :
- حالة عدم اتفاق الشركاء على إجراء القسمة الاتفاقية سواء كان الاختلاف لمبدأ القسمة في ذاته أو في تحديد الأنصبة .
- حالة انفاق جميع الشركاء في المال الشائع على إجراء القسمة الاتفاقية لكن بينهم ناقص أهلية أو غائب، ولم تأذن المحكمة للوصي أو القيم أو وكيل الغائب بإجراء القسمة.
إذ في هاتين الحالتين إذا أراد أحد الشركاء الخروج من الشيوع فإنه يتعين عليه رفع دعوى القسمة فيكلف باقي الشركاء بالحضور أمام المحكمة المختصة ويشترط إعلام جميع الشركاء بصحيفة هذه الدعوى. الفرع الثاني: أنواع القسمة القضائية وإجراءاتها :
القسمة القضائية نتخذ أحد الشكلين إما قسمة عينية أو قسمة تصفية: القسمة العينية :
وترد على العقارات القابلة للقسمة، فيقسم فيها المال الشائع إلى أجزاء مفرزة تتناسب وحصص حسب نص المادة 724 فقرة 2 مدني جزائري الذي يحدد الموقع الشركاء بالاستعانة بخبير مختص تعينه المحكمة والحدود والمساحة مع تقويم المال الشائع.
ونص المادة 727 مدني جزائري يلزم بإجراء القسمة بطريق الاقتراع عند عدم اتفاق الشركاء على الحصص فيثبت ما استقر عليه الاقتراع في محضر يحرره القاضي بحضورهم جميعا، لتسند بناء عليه لكل شريك حصته المغرزة. قسمة التصفية :
وتعني بيع المال الشائع بالمزاد العلني وقسمة الثمن على الشركاء كل بحسب حصته فيه وذلك بتعذر القسمة العينية ، فإذا تبين أن القسمة العينية غير ممكنة كما لو كان منزلا معدا لسكنى أسرة واحدة أو سيارة أو أن القسمة ستحدث نقصا كبيرا في قيمة المال، تأمر المحكمة ببيع المال الشائع بالمزاد العلني حسب ما ورد في قانون الإجراءات المدنية خاصة المادة 386 وما بعدها. المطلب الثالث: قسمة المنافع :
وهي عبارة عن اختصاص كل شريك بمشترك فيه عن شريكه زمنا معينا من متحد أو متعدد مع بقاء الشركة في الذات كأن يختص أحد الشريكين بركوب الدابة شهرا ويختص الآخر بركوبها شهرا آخر مثلا وتسمى كذلك قسمة مهايأة.
إذ أن المحل قد يكون مالا غير قابل للقسمة كبيت صغير أو سيارة مثلا فيختار الشركاء استبدال القسمة العينية بقسمة المنافع وينتفع أحدهما بالسيارة شهرا أو ينتفع الآخر بها شهرا آخر مقابل الشهر الذي اختص به أضف إلى ذلك فقد يكون المال الشائع مما يقبل القسمة، والشركاء لا يريدون فض الشركة بينهم في العين بل الإبقاء عليها مع اقتسام منافعها.
وترتيبا على ما سبق فقسمة المهايأة هي تنظيم الانتفاع بالمال الشائع دون إنهاء لحالة الشيوع، تهدف لتمكين الشريك في الملك من قدر من منافعه يتناسب مع حصته مما يساعد على التخلص من مشاكل إدارة المال الشائع .
وهذه القسمة إما أن تكون مهايأة مكانية يتفق فيه الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته في المال الشائع متنازلا لشركائه مقابل ذلك عن الانتفاع بباقي الأجزاء، أو مهايأة زمانية يستقل فيها كل شريك بمنفعة كل المال الشائع لفترة زمنية محدودة يحصل من خلالها على نصيب باقي الشركاء في الانتفاع مقابل حصول الشركاء كل في نوبته على نصيبه في هذا الانتفاع، وهذا ما يعتبر إيجارا.
وترتيبا على ذلك تخضع قسمة المهايأة لأحكام عقد الإيجار فيما يناسب طبيعتها فضلا عن اعتبارها اتفاقا على البقاء في الشيوع طبقا لنص المادة 722 مدني جزائري. المبحث الثالث : آثار القسمة علي الشيوع :
إذا تمت القسمة صحيحة ترتب عليها آثار أهمها لزوم القسمة للمتقاسمين إذ لا يجوز الرجوع فيها الإفراز الذي تتحول بموجبه الملكية الشائعة إلى ملكيات مفرزة، الأمر الذي يرتبط بضمان المتقاسمين على سبيل التبادل لما قد يقع من تعرض واستحقاق لسبب سابق على القسمة لذلك سندرس هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب كما يأتي: المطلب الأول: لزوم القسمة :
لزوم القسمة بمعنى عدم رجوع المتقاسمين عنها إذا تمت صحيحة ذلك أن قسمة الإجبار لازمة لجميع المتقاسمين دون جواز الرجوع فيها، أما القسمة الرضائية فقد اختلف الفقهاء في القول بلزومها وهذا لا يعنينا فإذا تمت ولم يوجد سبب للخيار فلا يقبل الرجوع فيها بالإدارة المنفردة، طالما أنها قد تمت صحيحة ولم يقع فيها ما يسوغ نقضها، وإن كانت لم تتم بعد فإنه يجوز لأي من الشركاء الرجوع فيها.
وتتم القسمة بتعيين القاسم لكل واحد نصيبه ليلازمه بما أفرز له سواء كان ذلك بالقرعة أو دونها.
ويكفي لذلك إجراء القرعة على جميع الأجزاء ما عدا الجزء الأخير الذي يتعين تلقائيا لمن بقي من الشركاء، أما إذا كانت القرعة لم تنته بعد إلى الجزء الأخير فإنه يجوز لأي من الشركاء الرجوع في القسمة أثناء القرعة.
فإذا لم يستخدم الشركاء القرعة واكتفوا بالتراضي فإن القسمة لا تتم بتوقف تمامها على قبض كل واحد نصيبه. المطلب الثاني: الإفراز نتيجة للقسمة علي الشيوع :
يعد الإفراز أثرا جوهريا مترتبا عن عملية القسمة تتحول بموجبه ملكية الشريك المتقاسم من حصة رمزية مجردة في المال الشائع إلى حصة مادية مفرزة سواء كانت القسمة اتفاقية أو قضائية .
ويثور التساؤل حول وقت انتقال ملكية الحصة للشريك المتقاسم إن كانت تؤول من تاريخ القسمة لتعد القسمة ناقلة للحق كالبيع أم منذ تملكه في الشيوع وهذا ما يسمى بالأثر الكاشف لها.
لهذا اعتبر أثر القسمة كاشفا للملكية باعتبارها لا تنقل للمتقاسم حقا جديدا لم يكن له بل تكشف عن حق ملكيته القائم أصلا من الشيوع والممتد بعد القسمة، فيتحقق بالإفراز تطابق بين المحل المادي والحصة المعنوية ويسري الأثر الكاشف على جميع الورثة وعلى من انتقلت لهم حصة الوارث في الشيوع قبل القسمة. المطلب الثالث: الضمان في القسمة :
حسب نص المادة رقم 731 مدني جزائري فإن كل متقاسم يضمن للمتقاسمين الآخرين ما يقع لهم من تعرض أو استحقاق في المال المفرز الذي وقع في نصيبهم نتيجة القسمة.
ويعد ضمان التعرض والاستحقاق صورة واحدة من الضمان إذ يلتزم الضامن بضمان التعرض فيتخذ كل وسيلة لدفع ذلك، فإن لم ينجح واستحق المال المضمون التزم بتعويض المضمون له عن هذا الاستحقاق وهذا واجب سواء كان المال الشائع منقولا أو عقارا، وسواء كانت القسمة اتفاقية أو قضائية . خاتمة :
نصل ختاما إلى أن القسمة باعتبارها فرزا للحصص الشائعة قد ساهمت في تجنب المشاكل والخلافات العالقة بين الملاك على الشيوع، وهذا ما أوضحته نصوص القانون المدني، وعليه توصلنا لجملة نتائج كما يأتي :
- القسمة لازمة، لا يجوز لأحد المتقاسمين الرجوع فيها بعد تمامها إذا لم يحدث في عملية القسمة ما يستوجب نقضها وهذا بموجب القواعد العامة.
- للقسمة أنواع متعددة لاعتبارات مختلفة، فساد تقسيمها إلى اتفاقية وقضائية وقسمة منافع.
القاسم قد يعين من قبل القاضي أو الشركاء أو يكون من الشركاء أنفسهم ويشترط فيه البلوغ والعقل والعدل والعفة والعلم بالمساحة والحساب، وأن يكون ذكرا.
- إذا كان القاسم هو القاضي فأجره هو راتبه الشهري، ويلزم الأجر المتقاسمين جميعا بتوزيعه على قدر الحصص على من طلب القسمة ومن لم يطلبها، مع اشتراط القانون رضاء المقسوم لهم أو من يقوم مقامهم وحضورهم عند القسمة.
- يشترط في القسمة القضائية عدم ترتيب ضرر بالشركاء أو أحدهم ويكون المدعي فيها أحد الشركاء أو من ينوب عنه والمدعي عليه بقية الشركاء أو من ينوب عنهم، وهي إما قسمة عينية ترد على العقارات القابلة للقسمة بموجب نص المادة 724 فقرة 2 مدني جزائري أو قسمة تصفية ببيع المال الشائع بالمزاد واقتسام الثمن بتعذر القسمة العينية حسب المادة 728 مدني جزائري.
- تعد قسمة المهايأة قسمة منافع لا أعيان وتتمثل أساسا في قسمة المهايأة الزمانية وقسمة المهايأة المكانية.
- وقد اشترط القانون اتفاق الشركاء على قسمة المهايأة باستثناء حالة واحدة منصوص عليها بالمادة رقم 736 فقرة 1 مدني جزائري، التي حددت قسمة المهايأة الواقعة أثناء القسمة النهائية إن طالت إجراءاتها.
- يعد لزوم القسمة بعد تمامها أهم أثار قسمة الأعيان إذ لا يجوز لأي من المتقاسمين الرجوع فيها بالإرادة المنفردة، فهي ذات أثر كاشف، ليس ناقلا للملكية طبقا للمادة رقم 730 مدني جزائري، وتنقض القسمة بالاستحقاق. وترتيبا على ما تقدم نقترح ما يأتي :
- نهيب بالمشرع المدني في الجزائر التنصيص صراحة على لزوم القسمة دون إمكانية الرجوع فيها بعد تمامها.
- إزاء النتائج الضارة المترتبة على اعتبار القسمة ذات أثر رجعي، نوصي المشرع المدني في الجزائر بتعديل نص المادة رقم 730 منه، فيجعل القسمة ذات أثر ناقل وكاشف.
- نوصي المشرع الجزائري بضرورة تحديد الجهة القضائية المختصة بقسمة المال الشائع، إذ في الغالب يقع تداخل بين محكمة مقر المجلس والمحاكم التي ترفع أمامها دعوى القسمة.
- ننبه السادة القضاة وأثناء تعيينهم خبيرا في القسمة حصر وتحديد مهامه إذ كثرة النزاعات المطروحة علـى المحاكم جعل معظمها تتخلى عن صلاحياتها له، فأصبح هو القاضي في نظر المتخاصمين.
- ضرورة إخضاع القسمة الاتفاقية لرقابة القضاء بموجب نص قانوني.
- على المشرع المدني النص على طريقة معينة للقرعة يحتاط فيها من تفرق النصيب الواحد مسترشدا بما جاءت به أحكام الفقه الإسلامي.
- ضرورة تدخل المشرع مبرزا الأثر الكاشف للقسمة باعتباره أكثر اتفاقا مع طبيعة الأشياء.
الهوامش :
1- أحمد خالدي، القسمة بين الشريعة والقانون المدني الجزائري، دار هومة للطباعة والنشر ، الجزائر ، 2008، ص13.
2- انظر: أبو البركات أحمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك، الجزء الخامس، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، ص 152. د. محمد عبد الرحمن الضويني، أحكام القسمة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2001، ص21.
3- د. عبد المنعم فرج الصدة، حق الملكية، دار النهضة العربية، بيروت، 1982، 227o.a.
4- د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثامن، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص 800.
5- د. محمد وحيد الدين سوار، حق الملكية في ذاته، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997، ص135.
6- د. عبد الناصر توفيق العطار، شرح أحكام حق الملكية، دار الفكر العربي، بيروت 1991،ص 132.
7- هذا النص يقابله نص المادة رقم 843 مدني مصري.
8- جاء في نص المادة رقم 1170 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي ما يأتي: (لا يسوغ الرجوع عن القسمة بعد تمامها إلا أنه يجوز لجميع الشركاء فسخ القسمة واقالتها برضائهم وإعادة المقسوم مشتركا بينهم كما كان(
-9هذا النص يقابله نص المادة رقم 1/147 مدني مصري.
-10يقابله نص المادة رقم 835 مدني مصري.
-11المادة رقم 724 مدني جزائري.
-12المادة رقم 03 من القانون رقم 02-06، المؤرخ في 20 فيفري 2006، المتضمن تنظيم مهنة الموثق.
-13الأمر رقم 95-08، المؤرخ في 15 فيفري 1995، المتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري.
-14عبد الوهاب العشماوي، إجراءات الإثبات، الطبعة الأولى، مصر، دار الجيل للطباعة، 1985 ص 221.
15- د. محمد عبد الرحمن الضويني، المرجع السابق، ص 162.
16- د محمد المنجي، دعوى القسمة، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، 1996 الإسكندرية، ص 139.
17- د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 250.
18- هذا النص يقابله نص المادة رقم 841 مدني مصري.
19- د. حسن كيرة، أصول القانون المدني، الطبعة الثالثة، الجزء الأول، منشأة المعارف الإسكندرية، 1965، ص 361.
20- محمد سامح الشيخ سالم الدويك، قسمة المال الشائع، رسالة لنيل درجة الماجستير في القانون، الجامعة الأردنية، 1994، ص 35.
21- السيد عبد الوهاب عرفة، القسمة واستعمال وادارة المال الشائع، دار الفكر والقانون الإسكندرية، 2002، ص 39.
22- د. عبد الحميد الشواربي، أحكام الشفعة والقسمة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1995، ص 226.
قرار الغرفة العقارية رقم 231832 مؤرخ في 18 جوان 2002، المجلة القضائية، الجزء الأول، عدد خاص، 2004، ص 265
23- د. محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني، الجزء الأول، دار الهدى، عين مليلة 2004، ص 182.
24- محمد بلبل، منازعات الملكية الشائعة، مذكرة لنيل درجة الماجستير، جامعة سوق أهراس، 2008، ص 103.
25- حياة كحيل، القسمة القضائية للعقار الشائع، مذكرة ماجستير، جامعة البليدة، 2005، ص11.
26- عبد المجيد رحابي، أحكام قسمة الملكية الشائعة في الجزائر ، مذكرة ماجستير، جامعة باتنة، 2010، ص56.
27- انظر نص المادة 728 مدني جزائري.
28- محمد عزمي البكري، قسمة المال الشائع، الطبعة الثالثة، دار محمود للنشر والتوزيع، طنطا، 1994، ص 234.
29- د. محمد عبد الرحمان الضويني، المرجع السابق، ص 492.
30- أحمد الخالدي، المرجع السابق، ص 145. -
31- د. محمد عبد الرحمان الضويني، المرجع السابق، ص 509.
32- د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 972. دكتورة مريم تومي