شرح القانون العضوي في الجزائر.
المادة 140 من دستور الجزائر لسنة 2020 { إضافة إلى المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور، يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية :
- تنظيم السلطات العمومية، وعملها،
- نظام الانتخابات،
- القانون المتعلق بالأحزاب السياسية،
- القانون المتعلق بالإعلام،
- القانون الأساسي للقضاء، والتنظيم القضائي،
- القانون المتعلق بقوانين المالية.
المصادقة على القانون العضوي بالأغلبية المطلقة للنواب ولأعضاء مجلس الأمة. يخضع القانون العضوي، قبل إصداره، لمراقبة مطابقته للدستور من طرف المحكمة الدستورية }.
مقدمة
تحديد مفهوم القانون العضوي ومجالاته.
مفهوم القانون العضوي
الإجراءات المتبعة في تبني القوانين العضوية
القيمة القانونية للقوانين العضوية
موقف الفقه من مكانة القوانين العضوية.
موقف القضاء الدستوري من سمو القوانين العضوية.
خاتمة.
الاستاذة سعيداني لوناسي ججيقة.
مقدمة :
يتمثل القانون " LaIoi " في مجموعة القواعد التي تسنها السلطة التشريعية في المجالات المحددة لها دستوريا. ويتمثل أيضا في النص الذي تم التصويت عليه من قبل البرلمان، وأصدره رئيس الجمهورية.
لقد عمل دستور 1996، وذلك خلافا لسابقيه، على تحديد آليتين مختلفتين، لسن القواعد التشريعية، أو لتدخل السلطة التشريعية، وهي القانون العضوي والقانون العادي.
إذا كانت القوانين العادية هي الوسيلة الوحيدة التي كان يتدخل بموجبها المشرع الجزائري، فلقد عملت المواد 122 و123 دستور 1996، على التفرقة بين مجالات تدخل المشرع العادي ومجالات تدخل المشرع العضوي.
كما حدد هذا الدستور إجراءات متباينة يجب إتباعها عند سن القوانين العضوية والقوانين العادية. فعمل دستور 1996 على اعتناق وسيلتين إنشائيتين مختلفتين، لذا تظهر ضرورة تحديد مكانة القوانين العضوية في النظام القانوني الجزائري، نظرا لأهمية مبدأ تدرج القوانين في تطبيق مبدأ المشروعية القانونية.
يتم تحديد المكانة القانونية للقوانين العضوية، أولا بتحديد مفهوم ومجالات التي يتدخل فيها المشرع العضوي من جهة، ومن الإجراءات المتبعة لسن هذه القوانين العضوية، كما يجب التعرض أيضا لأسباب ظهورها وموقف الفقه والقضاء الدستوري من مركزها.
أولا : تحديد مفهوم القانون العضوي ومجالاته :
إن تحديد مفهوم القانون العضوي، والغاية أو الهدف من اعتناق دستور 1996، لهذه الوسيلة القانونية، ودراسة المجالات التي يتدخل فيها المشرع العضوي، سيعبران عن مركز وأهمية هذه الوسيلة الإنشائية في الهرم القانوني الجزائري.
أ- مفهوم القانون العضوي :
إن فكرة القوانين العضوية فكرة قانونية موجودة منذ القدم في الأنظمة الدستورية الأخرى. ظهرت في فرنسا مع صدور دستور 1849، وكانت تمثل أداة ضاربة، التي تسمح للبرلمان حتى بخرق الدستور.
فكانت هذه القوانين العضوية قبل دستور 1958، غير مستقلة بمجالات معينة، ولم يحدد لها إجراءات خاصة ومختلفة عن تلك الإجراءات المحددة للقوانين العادية. كما يمكن تعديلها بموجب إجراءات تشريعية عاديه ، على خلاف ذلك، عمل دستور 1958 على تحديد المجالات التي يتدخل فيها المشرع العضوي، كما عمل أيضا على تحديد إجراءات خاصة يجب احترامها عند التصويت عليها.
كما اشترط تدخل المجلس الدستوري لمراقبتها قبل صدورها بالتالي هناك من يرى بأن دستور 1958 حول القوانين العضوية من مجرد مفهوم قانوني إلى وسيلة من الوسائل الإنشائية للقواعد القانونية.
أما في النظام الجزائري، فلم يعرف نظام القوانين العضوية إلا بصدور دستور 1996، حيث ننص المادة 123 في فقرتها الأولى على أنه : " إضافة إلى المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور، يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات التالية .... "
اختلف الفقه حول إعطاء تعريف دقيق للقوانين العضوية، بل يمكن لنا فقط القول بأنها قوانين تتدخل لتنظيم مؤسسات الدولة، وتنظم مجالات يراها المؤسس هامة أو استراتيجية، فهي امتداد للدستور.
تعتبر القوانين العضوية طبقا لنص المادة 123 من الدستور، مجموعة من القوانين التي لها مجال خاص بها محدد بنص الدستور، كما تتبع في اتخاذها إجراءات خاصة، مختلفة عن إجراءات سن القوانين العادية.
استنادا إلى المعيار العضوي، لا يوجد أي فرق بين القوانين العادية والقوانين العضوية، فالسلطة التي تتخذ القوانين العضوية هي نفسها التي تتخذ القوانين العادية أي البرلمان، كما تتبع نفس القواعد على مستوى الغرف البرلمانية بالنسبة للقانون العادي والقانون العضوي.
فتكمن التفرقة بين هاتين الاليتين في الجانب الموضوعي والجانب الشكلي والإجرائي.
فيما يتعلق بالجانب الموضوعي، فقد حددت المادة 123 من دستور 1996، المواضيع التي يتدخل فيها المشرع العضوي، فجاء إضافة إلى المجالات المخصصة للقوانين في نص هذه المادة : إضافة إلي المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور ، يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية:
- تنظيم السلطات العمومية، وعملها،
- نظام الانتخابات.
- القانون المتعلق بالأحزاب السياسية.
- القانون المتعلق بالإعلام.
- القانون الأساسي للقضاء، والتنظيم القضائي.
- القانون المتعلق بقوانين المالية.
- القانون المتعلق بالأمن الوطني.
لكن قد تتدخل قواعد القانون العضوي لتنظيم نفس المجالات
التي تدخل في اختصاص القانون العادي. ويتعلق الأمر مثلا بما جاء في الفقرة السادسة 6 من المادة 122 من الدستور التي تنص :
" يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، وكذلك في المجالات الآتية:
- القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي..."
وجاء في المادة 123 الفقرة الخامسة 5 من دستور 1996، والمتعلقة بمجال اختصاص القانون العضوي أنه : "يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية :
- لقانون الأساسي للقضاء والتنظيم القضائي "
أي نفس المجال يشرع فيه البرلمان بواسطة آليتين قانونيتين مختلفتين، كيف يمكن التمييز بين مهام المشرع بصفته مشرع عادي بشكل لا يتداخل مع مهامه كمشرع عضوي خلال عملية التشريع في مجال التنظيم القضائي.
ويتبين لنا من دراسة النصوص الخاصة بالتنظيم القضائي، أن كل من مجلس الدولة ومحكمة التنازع نظم بموجب قانون عضوي، أما المحاكم الإدارية فنظمت بموجب قانون عادي.
لكن بعد تدخل المجلس الدستوري بموجب الرأي رقم 2005-01 والمتعلق بالرقابة على دستورية القانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي، ميز بين أحكام المادة 122 من الدستور المتعلقة "بالقواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي" التي تعود إلى اختصاص المشرع العادي، وأحكام المادة 123 الخاصة "بالتنظيم القضائي" التي هي من اختصاص المشرع العضوي. فجاء فى هذا الرأي : اعتبارا أن المؤسس الدستوري أسس للتشريع بقانون عضوي فيما يتعلق بالتنظيم القضائي بموجب المادة 123 فقرة 5 من الدستور، كما أسس للتشريع بقانون عاد يحدد القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي بموجب المادة 122 فقرة 6 من الدستور، واعتبارا أن المشرع مطالب بأن يراعي، عند ممارسة صلاحياته التشريعية، التوزيع الدستوري لمجال كل من القانونين المذكورين أعلاه....
ب) - الإجراءات المتبعة في تبني القوانين العضوية :
اعتمدت الأنظمة الدستورية التي تبنت القانون العضوي والقانون العادي، إجراءات خاصة يجب احترامها عند صياغة القوانين العضوية.
فلقد نصت المادة 46 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 مثلا، على عدة إجراءات يجب إتباعها لصياغة القوانين العضوية، فيجري التصويت على القوانين التي يضفي عليها الدستور صفة القوانين العضوية، وتعديلها وفقا للأوضاع التالية :
لا يعرض المشروع أو الاقتراح للمناقشة والتصويت في المجلس الذي قدم إليه أو لا، إلا بعد مضي 15 يوما من تاريخ ايداعه، وتطبق في هذه الحالة الإجراءات المنصوص عليها في المادة 45 ، ومع ذلك، ففي حالة عدم الاتفاق بين المجلسين، فإن النص لايتم إقراره من الجمعية الوطنية في المداولة الأخيرة إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائها.
كما أن القوانين الأساسية التي تتعلق بمجلس الشيوخ، يجب أن يتم إقرارها بنفس النص في المجلسين. ولا يجوز إصدار القوانين الأساسية إلا بعد أن يصرح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور.
ويعتبر هذا الإجراء الأخير، إجراء جوهريا يميز بين القوانين الأساسية عن التشريعات العادية.
أما عن الإجراءات المتبعة لسن القوانين العضوية في الدستور الجزائري لسنة 1996، تتمثل في إخضاع القانون العضوي لمراقبة مطابقة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري وإخضاعها لإجراءات مصادقة مختلفة وجاء في نص المادة 123 الفقرة الأخيرة من الدستور، كما أشارت المادة 165 فقرة ثانية إلى نفس المحتوى : "يبدي المجلس الدستوري بعد أن يخطر رئيس الجمهورية، رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية، بعد أن يصادق عليه البرلمان ". وتطبيقا لنص المادة 123 و 165 من الدستور، عمل المجلس الدستوري على تعديل النظام المحدد لإجراءات عمله، وخاصة ما يمس مراقبة القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان للدستور.
فتنص المادة الأولى من النظام المحدد لإجراءات عمل المجلس الدستوري المعدل بتاريخ 29 ديسمبر 1996 على أنه : " يفصل المجلس الدستوري في مطابقة القوانين العضوية للدستور قبل صدورها طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 123 من الدستور".
ويعتبر خضوع القوانين العضوية لرقابة وجوبية من طرف المجلس الدستوري فبل صدورها، إلى جانب الأغلبية اللازمة للمصادقة عليها الإجراءين اللذين يميزان القوانين العضوية عن القوانين العادية، بحيث لم يشر القانون العضوي رقم 99-02 الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، إلى أي فرق بين الإجراءات المتبعة لدراسة القوانين العضوية والقوانين العادية، بل اكتفي فقط بلفظ " مشاريع القوانين أو اقتراحات القوانين ". ولم يتعرض هذا القانون إلى تعبير أو لفظ القانون العضوي في جميع مواده، كأنه تناسى أن دستور 1996، قد اعتنق الوسيلة الإنشائية الهامة للقواعد القانونية. والأكثر من ذلك، أن القوانين العضوية التي تتخذ بموجب أوامر رئاسية لا تتبع فيها الإجراءات القانونية، حيث لا يمكن مناقشتها من طرف البرلمان، ولا
يمكن تقديم أي تعديل فيما يخصها، بل يعرض النص بكامله للتصويت والمصادقة عليه بدون أي مناقشة.
أما النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، فاكتفى بالنص في المادة 69 على : يخضع كل مشروع قانون أو اقتراح قانون، تضمن حكما أو أحكاما من اختصاص القانون العضوي للإجراءات المخصصة لدراسة القوانين العضوية والمصادقة عليها دون تحليله لهذه الإجراءات التي يشير إليها نص هذه المادة.
بمجرد مصادقة البرلمان على القانون العضوي، وقبل إصداره، يجب أن يعرض من طرف رئيس الجمهورية على المجلس الدستوري، وذلك لتأكد من استفاء القانون العضوي الشروط الشكلية والموضوعية فسلطة إخطار المجس الدستوري المحددة بموجب الدستور ، للممارسة الرقابة الوجوبية على القوانين العضوية هي سلطة مخولة فقط لرئيس الجمهورية وحده، مع أن المادة 166 من دستور 1996، قد حددت السلطات التي لها حق الإخطار وهي: رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة.
وإذا كان تحديد سلطة الإخطار على رئيس الجمهورية في الأوامر العضوية، التى يتخذها هذا الأخير في غياب البرلمان أمر منطقي، فإن تدخل كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة لإخطار المجلس الدستوري، أمر ضروري بالنسبة لمشاريع واقتراحات القوانين العضوية.
وتنصب رقابة المجلس الدستوري في التأكد من استيفاء القانون العضوي للشروط الشكلية والموضوعية، فتتمثل الشروط الشكلية في الشرط المدرج في نص المادة 123 الفقرة الثانية، والمتعلقة بالمصادقة، أي حصول القانون العضوي على الأغلبية المطلقة لنواب المجلس الشعبي الوطني، وأغلبية ثلاثة أرباع نواب مجلس الأمة.
أما الشروط الموضوعية، فتتمثل في عدم معارضة نص القانون العضوي مع الدستور، من حيث تجاهله قواعده ومبادئه.
لكن، هل يجوز، دستوريا، لرئيس الجمهورية التدخل للتشريع عن طريق الأوامر في المجالات المخصصة للقوانين العضوية ؟
على خلاف القوانين العادية، عمل المؤسس الدستوري على التأكيد على ضرورة توفر الشروط الشكلية والموضوعية عند اتخاذ القوانين العضوية. ويتدخل المجلس الدستوري، بعد إخطاره، لممارسة الرقابة الوجوبية وللتأكد من توفر هذه الشروط الشكلية والموضوعية، لذا كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يعرض تلك الأوامر على المجلس الدستوري بما أن الشروط الشكلية المتمثلة في الأغلبية التي يجب توفرها عند المصادقة على القوانين العضوية (الأغلبية المطلقة لنواب المجلس الشعبي الوطني) غير متوفرة، بما أن تلك الأوامر اتخذها رئيس الجمهورية وحده. نستخلص مما سبق أن سلطة التشريع في مجال القوانين العضوية هي سلطة خاصة بالبرلمان فقط دون سواه ،وهذا ما ذهب إليه المجلس الدستوري الفرنسي الذي رفض التفويض التشريعي في مجال القوانين العضوية . إلا أن هناك بعض الكتاب الذين يرون عكس ذلك، حيث يمكن للأوامر أن تتدخل في مجال القوانين العضوية، لكن بشرط احترام الإجراءات المتبعة في صياغة هذه القوانين، لاسيما تدخل المجلس الدستوري لمراقبة مدى مطابقة هذه القوانين للدستور.
" لكن تطبيقا للمادة 165 من الدستور التي تبين على سبيل الحصر النصوص القانونية التي هي موضوع رقابة المجلس الدستوري، إن الأوامر التي يتخذها رئيس الجمهورية لا تعرض لرقابة المجلس الدستوري ما دام أنها لا تصبح نصوصا تشريعية إلا بعد موافقة البرلمان عليها.
إن تدخل رئيس الجمهورية للتشريع عن طريق الأوامر في مجالات القوانين العضوية، يطرح إشكالا حول مدى تطابق القيمة القانونية بين القوانين العضوية التي يصوت عليها البرلمان، والأوامر العضوية التي يتخذها رئيس الجمهورية، التي ستبقى أعمالا إدارية إلى أن تعرض على السلطة التشريعية للموافقة عليها، كما يطرح إشكالا في مجال المنازعات التي يكون موضوعها هذه القوانين، فإن مجلس الدولة هو المختص في النظر في الدعاوى التي ترفع ضد الأوامر التي لم يوافق البرلمان عليها بعد، لكنه لا يمكن له النظر في مدى مشروعية هذه القوانين العضوية.
إلى جانب إلزامية عرض القوانين العضوية على المجلس الدستوري، يختلف القانون العضوي عن القانون العادي في النصاب الذي يجب تحققه عند المصادقة على هاتين الآليتين.
ثانيا : القيمة القانونية للقوانين العضوية :
منطقيا، توجد القوانين العضوية في مركز وسط بين القواعد الدستورية والقوانين العادية، لكن لا توجد أية قاعدة دستورية تخول القانون العضوي أهمية خاصة. فلا يوجد أي نص دستوري يصرح أو يؤكد أن القانون العضوي أسمى من القانون العادي، بل كل من القانون العضوي والقانون العادي ينشآن نصوصا نشريعية متباينة المجال. ففي جميع المجالات التي يتدخل فيها القانون العضوي، يعتبر اختصاص المشرع العضوي اختصاصا حصريا.
لا يطرح موضوع قيمة القوانين العضوية بالنظر إلى الدستور أي إشكالا، حيث عمل دستور 1996 في ديباجته الفقرة العاشرة 10 على حسم الموضوع، بنصه " إن الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ومحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة في السلطات.... "
وهذا ما أكده أيضا المجلس الدستوري الجزائري في رأيه الخاص بمراقبة الأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات حيث جاء في إحدى حيثياته : " اعتبارا أن كل قانون لاسيما العضوي منه، يجب ألا تتخطى أحكامه الحدود الدستورية، حيث لا تتعارض مع روح الدستور ذاته ".
يبقى القانون العضوي خاضعا للدستور من حيث الإنشاء داخل سلم النظام القانوني للدولة، كما يجب أن يتقيد أيضا بنصوص الدستور. ، فيظهر الإشكال في تحديد القيمة القانونية للقواعد القانونية العضوية، أي هل تسمو هذه القوانين على القوانين العادية أم لا ؟
أ) - موقف الفقه من مكانة القوانين العضوية :
ذهب الفقه في تحديد مكانة القوانين العضوية في أسباب وأهداف وجودها حيث يتساءل العديد من الكتاب والباحثين في القانون الدستوري عن سبب ظهور القوانين العضوية. ، أو عن ضرورة وجودها في النظام الدستوري الجزائري لسنة 1996. إن البحث عن أسباب ظهور القوانين العضوية أمر صعب، لغياب نقاش صريح، يبين الأسباب التي أدت بالمؤسس إلى تغيير المبادئ الدستورية، وإحداث مؤسسات جديدة، كالقانون العضوي ومجلس الأمة. سنحاول فقط الكشف عن نية المؤسس من إيجاد هذه المؤسسات، وأثرها على توازن السلطات، مستعينين بالتجارب الدستورية الأخرى.
يرى بعض الكتاب أن الهدف من اعتناق القوانين العضوية، يكمن في تجنب التعديلات المتكررة لبعض القوانين " مما ينبئ دائما بتهديد الاستقرار القانوني، وتسبيب العمل التشريعي، وما يترتب من نتائج طبقا لذلك، فإن للقوانين العضوية وظيفتين:
الأولى فنية :
تتمثل في تحديد وتطبيق التدابير الدستورية، فالقانون العضوي يوجد في مرتبة أسمى من القانون العادي، رغم أنهما يصدران من نفس السلطة، وسبب هذا السمو يرجع إلى طبيعة المواضيع المخصصة له وخاصة إلى الإجراءات التي تحيط بإعداده.
أما الوظيفة الثانية فهي سياسية :
هدفها الحد من صلاحيات فالمؤسس الدستوري عمل عمدا على تقييد عمل البرلمان البرلمان ، حيث أقام حوله سياجا يصعب تجاوزه، فبعد ضبطه لمدة وعدد الدورات البرلمانية، وبعد حصره لمجالات تدخل المجلس الشعبي الوطني ووضع مجلس دستوري يراقب أعماله، وضع حاجزا أخرا من خلال تبنيه أسلوب وآلية القانون العضوي "
فبمجرد صدور دستور 1996، وقبل تشكيل الهيئات الدستورية، أي قبل تنظيم الانتخابات التشريعية ، لانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، سارعت الحكومة في إعداد قوانين عضوية في غاية الأهمية، وهي قانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية. وهذه القوانين ليست بقوانين مؤقتة أو انتقالية، بل هي قوانين دائمة المفعول، إلى أن تستبدل أو تعدل وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.
ربما أن أهم القوانين التي تدخل في المجالات المنظمة بموجب المادة 123 من الدستور، كمجال خاص للقوانين العضوية، قد صدرت في غياب المجالس التشريعية المعتمدة بموجب دستور 1996، يترتب عليه أن الاختصاص البرلماني فيما يتعلق بالقوانين العضوية انقلب اختصاص إعدادي وإنشائي إلى اختصاص تعديلي فقط.
بالنظر إلى الأسباب والأهداف التي أدت بالأنظمة السياسية إلى اعتناق القوانين العضوية، اختلف الفقه في تحديد مكانة هذه القوانين في هرم تدرج القوانين بين مؤيدي فكرة سمو القوانين العضوية على القوانين العادية، ومعارضي هذه الفكرة.
ويرخص فريق من الفقهاء الاعتراف للقوانين العضوية بمركز متميز في سلم القواعد القانونية، بل يجب اعتبارها قواعد تشريعية كباقي القواعد التشريعية الأخرى.
فلا يجب استعمال عبارة سمو القوانين العضوية على القوانين العادية، وإن إحاطة نصوص القانون العضوي بخصوصية مادية شكلية وإجرائية متميزة، راجع حتما إلى طبيعتها الخاصة، واتصالها بتنظيم السلطات العامة.
فحسب الأستاذ Janot ، قبل الإصدار، يمكن التصريح بعدم دستورية قانون يخالف قانون عضوي، لكن ذلك لا يجعل من القانون العضوي قانونا منشئا لصنف قانوني جديد في السلم الهرمي للقواعد القانونية. فيمكن لقانون عادي أن يخالف قانون عضوي دون التصريح بعدم دستوريته.
كما يرفض هذا الفريق الرأي القائل بسمو القوانين العضوية على القوانين العادية بالنظر إلى أهمية المواضيع التي تنظمها القوانين العضوية لأن المجالات التي ينظمها القانون العادي هي أيضا هامة جدا، حيث يتدخل في الجزائر مثلا لتحديد شروط استقرار الأشخاص مكانة القوانين العضوية والتشريع الأساسي المتعلق بالجنسية ، وضع القواعد العامة المتعلقة بالدفاع الوطني واستعمال السلطات المدنية للقوات المسلحة ... الخ.
أما الفريق الثاني فهو يدافع عن سمو القوانين العضوية على القوانين العادية، حيث أن الأولى تفرض نفسها على الثانية.
بالتالي يجب أن تكون القوانين العادية مطابقة للقوانين والأوامر العضوية. كما يرى الأستاذ BURDEAU أن القوانين العضوية لها مركز حاص بين القواعد الدستورية والقوانين العادية. فهي تسمو على القوانين العادية يسبب خصوصياتها الشكلية.
وهذا ما يدعمه أيضا الأستاذ LUCHAIRE ، حيث يري أن القانون العضوي يسمو على القانون العادي ، بالتالي يلغى كل قانون عادي مخالف لقانون عضوي.
وما يزيد من تدعيم هذا الموقف أن القانون العضوي في حيثياته يستند فقط للد ستور، بينما يستند القانون العادي يستند في حيثياته إلى الدستور والقوانين العضوي.
ب) - موقف القضاء الدستوري من سمو القوانين العضوية :
إن سكوت الدستور الجزائري عن معالجة وتحديد القيمة القانونية للقوانين العضوية ومكانتها في النظام القانوني الداخلي، أدى إلى كثرة التساو لات حول هذا الموضوع . فيمكن القول بسمو القوانين العضوية على القوانين العادية، آخذين بعين الاعتبار الميادين والمجالات التي تتدخل فيها القوانين العضوية وبالنظر خاصة إلى الإجراءات المتبعة في اتخاذ هذه القوانين . وهذا ما اتجه إليه المجلس الدستوري الجزائري في رأيه رقم 10 لسنة 2000 و الخاص بمراقبة مدى مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور بحيث جاء في إحدى حيثياته : "واعتبارا أن التوزيع الدستوري لاختصاصات بين ما يدخل في مجال القانون العضوي و ما يدخل في مجال القانون العادي و أخضعها لإجراءات مصادقة مختلفة تستمد من مبدأ تدرج النصوص في نظام القانون الداخلي الذي يقضي بأن القانون العضوي، بحكم مركزو في هذا النظام، والقانون العادي لا يمكن بأن يتدخل أي منهما إلا في المجال ووفق الإجراءات التي حددها وأقرها لهما الدستور، مما يستنتج أن المجلس الشعبي الوطني لا يمكنه أن يخضع حكما أو أحكاما من مجال القانون العادي لنفس إجراءات المصادقة التي يخضع لها القانون العضوي "
نفهم مما سبق أن المجلس الدستوري الجزائري يأخذ بسمو القوانين العضوية على القوانين العادية.
كما يمكن أيضا الحكم بسمو القوانين العضوية عن القوانين العادية، استنادا على الأغلبية التي يطلبها القانون العضوي للمصادقة عليه. فتتم المصادقة على القوانين العضوية بالأغلبية المطلقة لنواب المجلس الشعبي الوطني، وأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمة.
وهذا ما جاء به نص المادة 123 الفقرة الثالثة من دستور 1996.
فتتم المصادقة إذن على القوانين العضوية بالأغلبية المطلقة لنواب المجلس الشعبي الوطني، و تتم المصادقة على القوانين العادية بأغلبية النواب الحاضرين في الجلسة وهذا ما ارتأى به المجلس الدستوري الجزائري في رأيه المتعلق بمراقبة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور
" اعتبارا أن كلا من مجال تدخل القانون العادي ومجال تدخل القانون العضوي محددان على التوالي : في المادة 122 والمادة 123 والأحكام الأخرى من الدستور، وأن المؤسس أقر لكليهما إجراءات مصادقة مختلفة كون القانون العضوي، على عكس القانون العادي تتم المصادقة عليه وفق أحكام الفقرتين 2 و3 من المادة 123 من الدستور بالأغلبية المطلقة للنواب.... "
و" اعتبارا أن التوزيع الدستوري للاختصاصات بين ما يدخل في مجال القانون العضوي ، وما يدخل في مجال القانون العادي وأخضعها لإجراءات مصادقة مختلفة... مما نستنتج إن المجلس الشعبي الوطني لا يمكنه أن يخضع حكما أو أحكاما من مجال القانون العادي لنفس إجراءات المصادقة التي يخضع لها القانون العضوي "
إضافة إلى ذلك، تصبح القوانين العضوية، خلافا للقوانين العادية بمجرد تصريح المجلس الدستوري بدستوريتها، متمتعة بحصانة، حيث لا يمكن أن تكون موضوع رقابة لاحقة من طرف المجلس الدستوري، إلا إذا تعرضت تلك القوانين للتعديل.
و بالتالي يعرض ذلك التعديل وجوبا على المجلس الدستوري .
فلا تنطبق أحكام المادة 165 من الدستور على القوانين العضوية والتي تنص: " يفصل المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية "، فان هذا الإجراء الأخير ينطبق فقط على القوانين العادية دون العضوية .
فأهمية تحديد مكانة القوانين العضوية في النظام القانوني الجزائري يظهر من خلال المجالات الهامة التي ينظمها، ومن الأهداف التي أدت بالمؤسس الجزائري إلى اعتناقها وهو تحقيق التوازن المؤسسات داخل الدولة، وكوسيلة تشريعية تدعم مركز وسمو المؤسسة الرئاسية في التشريع ، كما يظهر أيضا من الإجراءات التي حددها الدستور لاتخاذ هذه القوانين حيث تخضع لرقابة وجوبية قبل صدورها وأخيرا تمتع هذه القوانين بحصانة، حيث لا يمكن إعادة النظر فيها إلا بإلغائها أو تعديلها.
خاتمة :
لقد عمل المجلس الدستوري الجزائري عند ممارسته للرقابة الوجوبية على القوانين العضوية على تحديد مكانة هذه القوانين في النظام القانوني الداخلي ، حيث اعترف بسمو القوانين العضوية على القوانين العادية مستندا إلى أهمية المواضيع التي خصصها لها الدستور وإلى إخضاعها لإجراءات صارمة عند صياغتها وعند المصادقة عليها.
ويعتبر موقف المجلس الدستوري من مكانة القوانين العضوية منطقي، لحرس المؤسس الجزائري عند تنظيمه لهذه الوسيلة إلى توفر شروط شكلية وموضوعية هامة، وهذا ما يدل عن نية المؤسس في إعطاء هذه القواعد القانونية مكانة هامة في سلم تدرج القوانين.
ويعتبر موضوع تحديد مكانة القوانين العضوية في النظام القانوني دو أهمية بالغة في حالة تعرض القوانين العضوية لتدابير تدخل في مجال القانون العادي أو العكس، تعرض القانون العادي لمجالات حددها الدستور للقانون العضوي.
فلقد أقر القضاء الدستوري الفرنسي بإلغاء تدخل المشرع العادي في اتخاذ تدابير تدخل في مجال القانون العضوي. وعلى خلاف ذلك أجاز تعرض القوانين العضوية لتدابير عادية، واعتبار تلك التدابير مجرد تدابير تشريعية عادية.
أما المجلس الدستوري الجزائري، فيأخذ بالتمييز الدقيق بين مجال القانون العضوي ومجال القانون العادي. ففي العديد من أرائه صرح بعدم دستورية أحكام القانون العضوي التي تتناول قواعد قانونية من اختصاص المشرع العادي، فجاء مثلا في الرأي المتعلق بالقانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات : اعتبارا أن المؤسس الدستوري ميز القوانين العضوية عن القوانين العادية، من حيث الاصطلاح الدستوري والإجراءات الواجب احترامها عند الإعداد والمصادقة، وكذا المجال المخصص لكل منهما...
كما جاء في الرأي رقم 01- 2005 : واعتبارا أن المشرع مطالب بأن يراعي عند ممارسة صلاحياته التشريعية، التوزيع الدستوري لمجال كل من القانونين العضوي والعادي....
فنجد أن المجلس الدستوري الجزائري أخذ معيار الفصل الدقيق بين مجال اختصاص المشرع العادي ومجال اختصاص المشرع العضوي، كما انه يرفض مخالفة التشريع العضوي للتشريع العادي، فقضى في رأيه رقم 01-2005 بعدم دستورية كل مواد القانون العضوي التي تدخلت في مجال المادة 122 من الدستور.