شرح التنفيذ بطريق التعويض
الأصل في تنفيذ الإلتزام هو التنفيذ العيني الجبري فإذا تعذر أو إستحال ذلك يلجأ الدائن الى مطالبة المدين بالتعويض بعد إعذاره .
- الأساس القانوني للتنفيذ عن طريق التعويض
- متى يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض ؟
- ما هو الالتزام الذي يجوز تنفيذه عن طريق التعويض.
- صور و شروط التعويض
- ما هي وسائل تنفيذ التعويض ؟
- تقدير التعويض
يكون تنفيذ الالتزام عينا، أي بعين ما تم الاتفاق عليه بين الدائن والمدين، إلا أن هناك بعض الأحوال التي يتم فيها اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض سواء بحكم القضاء أو بالاتفاق بين طرفي
الالتزام، ويتجلى ذلك في الحالات التي يصبح فيها التنفيذ العيني مستحيلاً أو يلحق ضرراً بالمدين لا يتناسب مع الفائدة التي تعود على الدائن إذا تم التنفيذ.
الأثر الجوهري للالتزام بعد نشوئه صحيحا من مصدره، هو وجوب تنفيذه. والأصل أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه مختارا (التنفيذ الاختياري)، أما إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه، يلجأ الدائن إلى إجباره على التنفيذ (التنفيذ الجبري)، وفي الحالتين (التنفيذ الاختياري والتنفيذ الجبري) إما أن ينصب التنفيذ على ذات الالتزام أو عينه، بأن يؤدي المدين عين ما التزم به (ويطلق عليه التنفيذ العيني) وإما أن يتم التنفيذ عن طريق إلزام المدين بأداء تعويض للدائن بدلا عن تنفيذ التزامه عينا، ويطلق عليه التنفيذ بمقابل أو عن طريق التعويض و هذا الأخير هو ما سنتناوله بالدراسة في هذه البطاقة.
أولا : الأساس القانوني للتنفيذ عن طريق التعويض :
تناول المشرع الجزائري تنفيذ الإلتزام عن طريق التعويض في الفصل الثاني من الباب الثاني من الباب الأول في كتاب الإلتزامات و العقود من التقنين المدني و ذلك من المادة 176 إلى المادة 187 ، و قد نصت المادة 176 من ق م" إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب لا يد له فيه ،ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه".
وعليه إذا استحال على الدائن إجبار المدين على التنفيذ العيني (الطريق الأصلي) فليس أمام الدائن إلا اللجوء إلى التنفيذ بمقابل أو عن طريق التعويض (الطريق الاحتياطي) وتتمثل حالات التنفيذ بمقابل
فيما يلي:
حالات التنفيذ بمقابل :
1- إذا استحال على المدين تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا في حالة ما تكون الاستحالة راجعة إلى فعله شخصيا، أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن بسبب أجنبي فهنا ينقضي الالتزام ولا محل للتعويض. .
2- إذا طالب به الدائن ولم يعترض المدين فالتعويض في هذه الحالة يؤسس على الاتفاق الضمني بين الدائن والمدين على أن يحل التنفيذ بمقابل محل التنفيذ العيني للالتزام .
3- إذا كان التنفيذ العيني مرتبطا بتدخل المدين شخصيا ( رسام يرسم لوحة) و رغم الحكم عليه بالغرامة للقيام بالتنفيذ إلا أنه لم يقم بالتنفيذ ، أي إذا لم تنجح وسيلة الغرامة التهديدية في حمل المدين المتعنت
على التنفيذ العيني.
ثانيا : متى يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض ؟
الأصل أن يكون التنفيذ عيناً، ويستطيع الدائن أن يجبر المدين على قيامه بالتنفيذ العيني كلما كان ذلك متاح، ولكن إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً فإنه لا مناص من اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض في هذه الحالة، إلا أنه ينبغي أن نفرق بين نوعين للاستحالة في هذا الصدد :
فإذا كانت الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين فإنه في هذه الحالة يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض.
أما إذا كانت الاستحالة راجعة إلى قوة قاهرة أو سبب أجنبي بعيداً عن خطأ أو فعل المدين ففي هذه الحالة ينفسخ الالتزام وينقضي بقوة القانون، وهذا ما يطلق عليه
( انفساخ التعاقد ).
وكذلك يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض إذا كان التنفيذ ممكنا، ولكن لا يمكن إتمامه إلا بتدخل من المدين، فإذا امتنع الأخير عن تنفيذ التزامه فلا مناص في هذه الحالة من اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض، لان في إجبار المدين على تنفيذ الالتزام اعتداء على حريته الشخصية وهو ما يخالف أحكام القانون.
ومن الممكن أن يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض على الرغم من إمكانية التنفيذ العيني وإمكانية إتمامه دون تدخل من المدين إلا أن الدائن لم يطلبه، ففي هذه الحالة يتم اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض.
وكذلك يكون اللجوء إلى التنفيذ العيني في الحالات التي يكون فيها التنفيذ مرهقا بالمدين شريطة ألا يكون عدم التنفيذ من شأنه أن يلحق الدائن بضرر جسيم، فإذا كانت الفائدة التي تعود على الدائن من التنفيذ العيني لا تتناسب البتة مع حجم الضرر الذي سيلحق بالمدين إذا قام بالتنفيذ العيني ففي هذه الحالة يكون للقاضي أن يحكم بتنفيذ الالتزام عن طريق التعويض.
ثالثا : ما هو الالتزام الذي يجوز تنفيذه عن طريق التعويض ؟
لا يوجد إلتزام قانوني لا يمكن تنفيذه عن طريق التعويض، فكافة الالتزامات القانونية أياً كان نوعها – سواء بعمل أو امتناع عن عمل أو بإعطاء – يمكن تنفيذها عن طريق التعويض، وسواء أكان الالتزام مصدره العقد، أم مصدره القانون ،أم أياً كان مصدره فيمكن أن يتم تنفيذه عن طريق التعويض.
فالالتزام بعمل يمكن تنفيذه عن طريق التعويض إذا أخل المدين بالعمل الذي كان من المتحتم عليه أن يقوم به، ففي هذه الحالة يُحكم عليه بالتعويض.
وكذلك في حالة الالتزام بالامتناع عن عمل وتعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه – كما لو كان هناك التزام بالمحافظة على أسرار عمل معينة وتم إفشائها – ففي هذه الحالة يتم الحكم على المخل بالتزامه بالتعويض.
وكذلك في الالتزام بإعطاء – أي الالتزام بنقل ملكية – إذا تعذر إتمام الالتزام لخطأ راجع إلى المدين فإن القاضي يحكم على الأخير بالتعويض كأحد صور تنفيذ الالتزام.
وفيما يتعلق بالالتزامات التي يرجع مصدرها إلى العقد فكما رأينا يمكن أن تنفذ جميعاً عن طريق التعويض، أما باقي مصادر الالتزام الأخرى فإنها عادة ما يتم تنفيذها عن طريق التعويض، كما في حالة الإثراء بلا سبب أو العمل الغير مشروع.
رابعا : صور و شروط التعويض :
أ- صور التعويض :
حددت المادة 176 مدني جزائري صورتي التعويض كما يلي :
1- التعويض عن عدم التنفيذ : وهي الحالة التي لا ينفذ فيها المدين التزامه، فيلجأ الدائن إلى المطالبة بالتعويض عن عدم التنفيذ أي أن التعويض يحل محل التنفيذ للالتزام.
2- التعويض عن التأخر في التنفيذ: وفي هذه الحالة ينفذ المدين التزامه متأخرا بعد المدة المحددة، فهنا يوجد التنفيذ العيني متأخر ويوجد تعويض عن التأخير عن التنفيذ عيني.
ب - شروط التعويض :
تنص المادة 182/01 ق م "إذا لم يكن التعويض ... بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، أو للتأخر في الوفاء به. ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية، إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول"، والمادة 179 من "لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين، ما لم ينص مخالف لذلك".
مما سبق يستخلص أن للتنفيذ عن طريق التعويض شروطا هي:
1- عدم قيام المدين بالتنفيذ العيني (الخطأ).
2- إصابة الدائن بضرر.
3- العلاقة السببية بين الضرر وعدم قيام المدين بالتنفيذ العيني (أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن نتيجة عدم قيام المدين بالتنفيذ العيني).
4- قيام الدائن بإعذار المدين بالوفاء بالتزامه ، أو كان هناك اتفاق بين الدائن والمدين على أن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر (180 ق م) ،ولكن فيما يتعلق بهذا الشرط توجد حالات معينة محددة في نص المادة (181 ق م) لا ضرورة لإعذار المدين فيها و هي كالآتي :
- في الحالات التي يكون فيها الالتزام غير ممكن بفعل المدين
- أو كان مترتبا عن عمل غير مشروع
- أو إذا كان محل الإلتزام شيئا يعلم المدين أنه مسروق
- أو إذا صرح كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه
مثال : حصل زيد على هاتف محمول دون وجه حق أي حصل عليه بسرقته أو كان قد تسلمه من شخص يعلم انه سارق فهنا يجب على زيد أن يسلم الهاتف إلى صاحبه دون الحاجة إلى إعذار.
خامسا : ما هي وسائل تنفيذ التعويض ؟
يمكن تنفيذ الالتزام بالتعويض اختيارا أو إجبارا – مثله مثل التنفيذ العيني – حيث إنه لو حُكم على المدين بدفع مبلغ معين “كتعويض” للدائن فإنه يتعين عليه أن يُنفذ هذا الالتزام طواعية، ولكن في حال تقاعسه عن تنفيذ التزامه فإن الدائن يستطيع أن يجبره على تنفيذ التزامه وذلك من خلال الحجز على أمواله وبيعها في المزاد العلني واقتضاء حقه.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أنه وإن كان التنفيذ العيني قد يُصبح مستحيلاً سواء لخطأ المدين أو للقوة القاهرة، فإن التنفيذ بطريق التعويض من المستحيل أن يُصبح مستحيلا، حتى ولو كان المدين معسرا، فالتنفيذ بطريق التعويض جائز دائما.
وفي حالة إعسار المدين فيمكن للدائن الانتظار لحين أن يتملك المدين بعض الأموال للتنفيذ عليها إذا كان القانون لا يجيز حبس المدين كما في القانون المصري، ويمكنه أن يطالب القضاء بحبس المدين إذا كان القانون يجيز ذلك .
ولكن يبقى السؤال – والذي سنجيب عليه من خلال العناصر التالية – حول كيفية تقدير هذا التعويض ؟
الواقع من الأمر أنه قد يكون التعويض قضائي وفي هذه الحالة فإن القاضي هو الذي يتولى تقدير التعويض، ولكن قد يكون التعويض إتفاقي حيث يتولى أطراف رابطة الالتزام تقدير التعويض، وفي هذا الصدد تثور إشكالية على درجة عالية من الأهمية وهي هل يكون للقضاء الحق في مراقبة التعويض الذي تم الاتفاق عليه بين الأطراف أم لا ؟ .
سادسا : تقدير التعويض :
حددت المادة 182 من القانون المدني الجزائري كيفية تقدير التعويض كما يلي إذ تنص " إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فإن القاضي هو الذي يقدره ... "
إذا للتعويض ثلاثة صور ((التعويض القضائي)) يقدر فيه القاضي مقدار التعويض، وقد يكون بالاتفاق بين الدائن والمدين في حال عدم التنفيذ أو التأخير فيه ((التعويض الاتفاقي)) كما قد يكونا قانونيا يحدده القانون وهذا هو ((التعويض القانوني)) إذن تقدير التعويض يكون بالصورالتالية :
الصورة 1 : التعويض القضائي :
إذا لم ينفذ المدين التزامه أو تأخر فيه كان للدائن أن يطالبه بتعويض أمام المحكمة، وتتمثل عناصر التعويض التي يحكم بها القاضي فيما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة ويقع على الدائن عبء إثبات ما لحقه من ضرر.ومثال ذلك: تعاقد صاحب مصنع على توريد بضاعة إلى أحد التجار ولم يَف صاحب المصنع بالتزامه مما دفع التاجر إلى شراء البضاعة من مصنع آخر بثمن مرتفع، فهنا يحق للتاجر (الدائن) أن يطالب صاحب المصنع (المدين) بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء ذلك ،ويشمل التعويض:
1- ما لحق بالتاجر (الدائن) من خسارة متمثلة في الفرق بين ثمن البضاعة المتفق عليه وثمن شرائها من مصنع آخر.
2- ما فات الدائن من كسب ويتمثل فيما كان سيحققه الدائن (التاجر) من ربح من صفقات ضاعت عليه في سعيه لشراء البضاعة من مكان آخر.
حدود التعويض :
1- يشمل التعويض عن الضرر المباشر وليس غير المباشر.
2- التعويض في المسؤولية العقدية يكون عن الضرر المباشر متوقع الحصول وليس غير المتوقع الحصول أما في المسؤولية التقصيرية فالتعويض عن الضرر المباشر يكون عن المتوقع الحصول وغير المتوقع الحصول وفي حالة سوء نية المدين فإنه يسأل عن جميع الأضرار المتوقعة وغير المتوقعة.
3- ويتشرط لاستحقاق التعويض أن يكون الضرر حالا أو محقق الوقوع ولو كان مستقبلا (كحالة الشخص الذي يتعرض لحادث مرور وتتراخى الأضرار إلى المستقبل) إما إذا كان احتماليا فلا يسحق عنه التعويض إلا بحدوثه.
4- الضرر يكون إما ماديا أو معنويا (مثل حالة الضرر الناجم عن موت أحد الأقرباء وكل مساس بالحرية أو الشرف أو السمعة (182 مكرر ق م).
الصورة 2 : التعويض الإتفاقي أو الشرط الجزائي :
تنص المادة 183 من ق م "يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض، بالنص عليه في العقد، أو في اتفاق لاحق، وتطبق في هذه الحالة أحكام المواد 176 إلى 181".
أ-الشرط الجزائي :
عبارة عن بند في عقد يتضمنه تحديدا للجزاء المترتب على الإخلال بالالتزام وذلك بتحديد التعويض المستحق للدائن لدى المدين عن هذا الإخلال فهو تقدير اتفاقي للتعويض يتم مقدما.
ب-خصائص الشرط الجزائي :
1- التزام تابع فهو يتبع العقد الأصلي في البطلان والفسخ.
3- التزام احتياطي إذ لا يستحق التعويض المنصوص عليه في الشرط الجزائي متى كان التنفيذ العيني ممكنا.
3- يلزم لاستحقاق توافر العناصر العامة للتعويض من خطأ ضرر وعلاقة سببية.
ج- سلطات القاضي اتجاه الشرط الجزائي :
تنص المادة 184 من ق م " لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر. ويجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو
أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين"، والمادة 185 "إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المحدد في الاتفاق، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من
هذه القيمة، إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً"، إذا للقاضي سلطة في تحديد قيمة التعويض عن الشرط الجزائي بتخفيضه أو رفعه في الحلات التالية:
1- للقاضي خفض قيمة الشرط الجزائي إذا أثبت أن تقدير القيمة مبالغ فيه إلى حد كبير.
2- للقاضي خفض الشرط الجزائي إذا أثبت أن الالتزام نفذ في جزء منه.
3- للقاضي زيادة الشرط الجزائي إذا كان إخلال المدين ناتجا عن غش أو خطأ جسيم.
الصورة 3 : التعويض القانوني :
و قد نصت المادة 186 ق م على أنه " إذا كان محل الالتزام بين أفراد مبلغا من النقود عُين مقداره وقت رفع الدعوى وتأخر المدين في الوفاء به ،فيجب عليه أن يعوض الضرر اللاحق من هذا التأخير"
وهذا النوع من التعويض يسمى بالفوائد التأخيرية والشروط في دفع هذا النوع من التعويض هو أن يكون محل الالتزام مبلغا من النقود، وأن يكون المبلغ المتفق عليه معلوم المقدار وأن يتأخر المدين في
الدفع و أن يطالب الدائن بالتعويض القانوني .
كما أن المقصود من التعويض الإتفاقي هي تلك الحالة التي يتدخل فيها القانون مباشرة لتحديد قيمة التعويض المستحق للدائن كما في حالة قانون 88-31 المتعلق بإلزامية التامين على السيارات و
بنظام التعويض عن الأضرار حيث نظم المشرع طريقة تعويض الضحايا الناتجة عن حوادث المرور.