شرح عقوبة وشاية كاذبة في القانون
هي الحبس من ستة (6) أشهر
إلى خمس (5) سنوات وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار
المادة 300 قانون العقوبات { كل من أبلغ بأية طريقة كانت رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية بوشاية كاذبة ضد فرد أو أكثر أو أبلغها إلى سلطات مخول لها أن تتابعها أو أن تقدمها إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء الموشى به أو إلى مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي أو إلى مستخدميه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار ويجوز للقضاء علاوة على ذلك أن يأمر بنشر الحكم أو ملخص منه في جريدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
إذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة عن جريمة الوشاية الكاذبة سواء بعد صدور الحكم بالبراءة أو بالإفراج أو بعد الأمر أو القرار بأن لا وجه للمتابعة أو بعد حفظ البلاغ من القاضي أو الموظف أو السلطة الأعلى أو المخدوم المختص بالتصرف في الإجراءات التي كان يتحمل أن تتخذ بشأن هذا البلاغ.
ويجب على جهة القضاء المختصة بموجب هذه المادة أن توقف الفصل في الدعوى إذا كانت المتابعة الجزائية بالواقعة موضوع البلاغ مازالت منظورة }.
تعريف الوشاية الكاذبة :
هي الإدلاء بمعلومات خاطئة أو غير حقيقية قد تتسبب في عقاب الموشى به.
قد تكون موجهة إلى أحد المسؤولين كرؤساء الشخص الموشى به، أو إلى الشرطة القضائية أو الإدارية.
أما التصريحات الكاذبة في قانون العقوبات الجزائري يتضمن قيام أي شخص بإبلاغ الشرطة عن واقعة بأي طريقة من الطرق.
قد تكون الوشاية أو البلاغ الكاذب ضد فرد أو مجموعة أفراد.
لقيام جريمة الوشاية الكاذبة لابد من توفر أركان ثلاثة :
1-بلاغ كاذب أو وشاية كاذبة عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله.
2-أن تكون هذه الوشاية قد رفعت إلى رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية.
3-أن تكون هذه الوشاية قد رفعت بسوء قصد (القصد الجاني).
4- رفع البلاغ إلى السلطة الإدارية والقضائية أو الشرطة.
5- القصد الجنائي.
وسوف نتناول شرح هذه الأركان على التفصيل الآتي :
1)- الوشاية الكاذبة عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله :
لقد إستعمل المشرع الجزائري لفظ "أبلغ" ولم يشترط تقديم البلاغ أو الوشاية من شخص معي، كما لا يستلزم شكلا معينا في الوشاية فيصبح تقديم الوشاية في صورة شكوى من المجني عليه أو من موظف عام بمناسبة تأدية وظيفته، ولا يشترط القانون في جريمة التبليغ شفاهة كتابة أو بأية وسيلة من وسائل الإتصال، السلكية واللاسلكية كالتليفون مثلا، ولكن يشترط في جريمة البلاغ، الكاذب أن يقدم البلاغ بمحض إرادة المبلغ، أي أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ وهو غير مطالب به وإلا فلا تقوم الجريمة فمثلا الشخص الذي يتهم بجريمة فيسندها أثناء التحقيق إلى شخص آخر غيره ليدافع عن نفسه وينفي عنه التهمة لا يعد مرتكبا لجريمة البلاغ الكاذب.
وكذلك من يدعى للشهادة أمام المحكمة أو أمام سلطة التحقيق المختصة أو أثناء التحقيق معه يتطرق في كلامه إلى إتهام شخص يعلم أنه لم يتقدم إلى التبليغ من تلقاء نفسه فلا عقاب على هذا الشاهد.
ولكن يجب أن يكون البلاغ الكاذب مقدما ضد شخص أو أفراد معينين وإن كان لم يذكر في البلاغ إسم المبلغ ضده، بل يكفي أن يكون معينا تعينا يستدل منه على الشخص المقصود من البلاغ، فمثلا إذا كانت الواقعة أن المبلغ قد أبلغ مركز الشرطة عن وقوع جريمة قتل أدى حصولها وأتهم فيها شخصا وصفه وصفا لا يصح إلا هذا الشخص ولكنه لم يذكر إسمه بالكامل لغاية في نفسه وكان ذلك يقصد الإيقاع به، فإن جميع العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب تكون متوافرة في حقه، ويكفي لتكوين الجريمة أن يرشد المبلغ عن إسم المبلغ ضده أثناء الجنس.
2-أن تكون هذه الوشاية قد رفعت إلى رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية : الأمر المبلغ عنه :
يجب أن يكون الإخبار بأمر مستوجب لعقوبة فاعله، وهذا مستنتج من نص المادة 300 من (ق.ع) إذا قدم البلاغ إلى الحكام الإداريين أو القضائيين أو الشرطة كأن يسند المبلغ عنه أنه قد إرتكب جناية إغتصاب أو هتك عرض ثم يتضح إلا جريمة في الأمر ويكفي أن تكون الجريمة المبلغ عنها كذبا مستوحية العقاب ولو كان رفع الدعوى معلقا على شكوى أو إذن أو طلب كالتبليغ كذبا عن جريمة زنا أو سرقة بين الأصول والفروع والزواج ولكن لا تقوم جريمة البلاغ الكاذب لفقدان هذا العنصر إذا كان الظاهر من صيغة البلاغ إلا جريمة في الأمر المبلغ عنه أو أن هناك جريمة ولكنها لا تستحق العقاب ومثال ذلك أن يبلغ شخص عن آخر كذبا أنه يعاشر خادمته البالغ، أو أنه إرتكب سرقة إنقضت الدعوى الجنائية عنها بالتقادم ولكن الإسناد يصح أن يكون جريمة قذف إذا حصل في علانية.
3-أن تكون هذه الوشاية قد رفعت بسوء قصد (القصد الجاني) : كذب الوشاية :
يجب أن تكون الوقائع التي تضمنتها الوشاية الكاذبة لا أساس لها من الصدق وذلك لأن التبليغ عن الجرائم حق للناس وواجب مفروض عليهم، فلا يعقل على هذا التبليغ الذين يخدمون به السلطات الإدارية ورجال الأمن إلا كانوا كاذبين أو تعمدوا الكذب فيه. ولا يشترط للعقاب أن تكون الوقائع المبلغ عنها مكدوبة كلها، بل إن جريمة البلاغ الكاذب تتم ولو كانت بعض الوقائع كاذبة متى توافرت الأركان الأخرى للجريمة.
ويعتبر هذا العنصر من أهم العناصر القانونية المكونة للركن المادي بجريمة الوشاية الكاذبة ذلك أن الواقعة المبلغ عنها إذا كانت صحيحة فلا عقاب ويكون الإبلاغ مباحا بل قد يكون واجبا كما رأينا أن الإبلاغ عن الجرائم واجب على الأفراد، أما إذا كانت الواقعة كاذبة ومختلفة فيخرج الفعل من دائرة المباح إلى دائرة التجريم وقد ذهب الفقه الفرنسي على أنه إذا كان الأمر المبلغ عنه صحيحا فلا عقاب حتى ولو كان المبلغ لم يقصد تبلاغه سوى النكاية والإنتقام.
وإذا كانت الواقعة صحيحة فلا يقوم بالإبلاغ عنها جريمة ولو قدم المبلغ لتدعيمها دليلا غير صحيح ولا يغير من هذا الحكم أن يكون فحوى هذا الدليل واقعة فعدم الصحة يتطلبه القانون في الواقعة المستوجبة للعقاب التي أسندت إلى المجني عليه لا في الدليل عليها.
4)- رفع البلاغ إلى السلطة الإدارية والقضائية أو الشرطة :
يشترط أن يرفع البلاغ إلى أحد موظفي السلطتين القضائية والإدارية فهاتان السلطتان هما اللتان لهما حق التأديب والعقاب ويدخل في هاتين السلطتين أعضاء الضبطية القضائية ذوي الإختصاص العام والخاص في الأعمال المكلفين بها وأعضاء النيابة العامة والنائب العام ووكيل الجمهورية وأعضاء النيابة الإدارية والقضاة والولاة وعلى العموم جميع الموظفين الإداريين أو القضائيين المختصين بإجراء التحريات والتحقيقات الجنائية والإدارية عن الوقائع المبلغ عنها أو تقرير العقوبات عند ثبوت صحة البلاغ ويضاف على ذلك رجال الشرطة والدرك الوطني بكامل أفراده.
ولكن لا عقاب على من يقدم البلاغ أو الوشاية الكاذبة إلى أحد الأفراد العاديين أو إلى إحدى الجهات الخاصة فمثلا الرجل الذي يبلغ سيدا عن جريمة إرتكبتها خادمة، أو والد عن جريمة إرتكبها ولده أو مدير شركة عن جريمة إرتكبها موظف بالشركة لا يكون مرتكبا لجريمة البلاغ الكاذب أو الوشاية الكاذبة.
الحكام القضائيون :
يدخل في الحكام القضائيين قضاة الحكم وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة وسائر رجال الضبطية القضائية المنصوص عليهم في المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية لأنهم يختصون بحكم وظائفهم بتلقي البلاغات الخاصة بالوقائع الجنائية.
الحكام الإداريون :
يدخل في الحكم الإداريين كافة الرؤساء والحكام الذين لهم حق الرقابة على مرؤوسيهم ويمكنهم أن يوقعوا عليهم مباشرة جزاءات إدارية أو يتخذوا نحوهم إجراءات تأديبية كالوزارة ورؤساء المصالح والمحافظين والمديرين وغيرهم ممن لهم سلطة الإدارة.
5)- القصد الجنائي :
يقوم القصد الجنائي العام في جريمة البلاغ الكاذب على علم الجاني بأن الواقعة التي يسندها المجني عليه غير صحيحة وأنها تستوجب عقابه جنائيا أو تأديبيا وأن تتجه إرادة الجاني إلى البلاغ لجهة من الجهات التي نص عليها القانون في المادة (300 قانون عقوبات).
والعلم بعدم صحة الواقعة يجب أن يكون علما يقينا ثابتا لا مفترضا أو ظنيا بحيث يكون الجاني مدركا أنه يقلب الحقيقة أو يختلف أو يعمد إلى الإفتراء ويتحقق قلب الحقيقة بأي قدر إذ لا يشترط أن تكون الواقعة المنسوبة خيالية بل يكفي كما قالت محكمة النقض في العديد من أحكامها أن تسمح الوقائع مسخا يؤدي إلى الإيقاع بالمجني عليه والعلم بعدم صحة الواقعة يفترض أو الواقعة ذاتها غير صحيحة ولكن مجرد عدم صحتها غير كاف لتوافر القاصد الجنائي وإنما ينبغي أن يعلم المتهم بذلك ومن ثم يكون مصيبا حكم الإدانة الذي يكتفي في إثبات القاصد بتقرير عدم صحة الواقعة وإذا المتهم عدم صحة الواقعة في حين كانت ذاتها صحيحة لا تقوم الجريمة فقد إنتهى أحد عناصر ركنها المادي وإستحالت إلى جريمة ظنية ويتعين أن يتعلم الجاني أيضا بأن الواقعة التي أسندها على المجني عليه تستوجب العقوبة ولا يعنى ذلك إشتراط عمله بتكيفها القانوني أو مقدار العقوبة المحددة لها بل يكفي أن يعلم بأنها مخالفة للنظام القانوني على نحو مستوجب به جزاء ما على أي قدر من الأهمية سواء كان جزاء جنائيا أو جزاء إداريا.
ويتعين أن يعلم المتهم بإتجاه بلاغة إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين ولا يعني ذلك إشتراط علمه على نحو دقيق بإختصاص هذا الحاكم وإنما يكفي أن يعلم أن من شأن إتجاه بلاغة إليه يعطيه سيره القانوني فعن جهل ذلك فقد إنتفى القاصد لديه.
طبقا للقواعد العامة للقصد الجنائي يستلزم لتمام هذا القصد أن يكون الجاني قد قام بالتبليغ عن إرادة حرة وعلم وإدراك بأنه يكذب وينسب الوقائع الكاذبة للمجني عليه وهو برئ مما نسب إليه، على أن القانون لم يكتف بهذا القصد العام بل إشترط بجانبه سوء النية أو القصد الخاص (La mauvaise Foi Et Avec Malveillance) وهذا معناه أن المبلغ يجب أن يكون قد تعمد الأضرار بالمبلغ ضده من سوء النية وهذا ما يستوجب من القاضي بالإدانة هنا أن يبين القصد العام والخاص معا، فيكون حكمه معيبا إذا إقتصر فقط على ذكر القصد العام دون الخاص، أو القصد الخاص دون العام. ورغم أن العلم بكذب البلاغ يشتمل على الضرر للغير، فالقصد الخاص إذن ليس إلا تحصيل وذكر لمفهوم.
ومتى تم القصد الجنائي فلا إعتبار بعد ذلك للدوافع والبواعث والأغراض التي يقصدها الجاني من وراء الجريمة.