عقوبة و اركان جريمة النصب
هي الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي، أو التصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكا له، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.
و عليه فإن النصب هو الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير باستخدام إحدى وسائل التدليس المنصوص عليها في القانون بنية تملكه أو الاستيلاء على شيء مملوك للغير، بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة نيته تملكه، أو الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير، بناء على الاحتيال بنية تملكه، ويسمى الشخص الذى يمارس ذلك، النصاب أو المحتال.
المادة 372 قانون العقوبات { كل من توصل إلى استلام أو تلقى أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع أي شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20.000 دينار.
وإذا وقعت الجنحة من شخص لجأ إلى الجمهور بقصد إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص أو أية سندات مالية سواء لشركات أو مشروعات تجارية أو صناعية فيجوز أن تصل مدة الحبس إلى عشر سنوات والغرامة إلى 200.000 دينار.
وفي جميع الحالات يجوز أن يحكم علاوة على ذلك على الجاني بالحرمان من جميع الحقوق الواردة في المادة 14 أو من بعضها وبالمنع من الإقامة وذلك لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر }.
أركان جريمة النصب :
استعمال الحيل، شيء محل الاستلام، الاستلام ،الضرر، القصد الجنائي.
الركن الاول : استعمال الحيل :
تقوم هذه الجريمة بالدرجة الاولى على الكذب و يبقى فقط تحديد موضوع هذا الكذب ولكنه لا يكفي لتشكيل جريمة النصب بل يشترط فيه ان يتجسد في استعمال اسماء او صفات كاذبة او اية مناورات اخرى كاذبة.
الاسماء و الصفات الكاذبة :
لا يشترط في هذه الاسماء و هذه الصفات ان تكون حقيقية لكي يطولها التجريم بل قد تكون خيالية كما لا يشترط ان يتم الانتحال فيها شفويا او كتابة غير انه اذا تم الانتحال بالكتابة فان الوثيقة المكتوبة قد تشكل في نفس الوقت ركنا لجريمة النصب و ركنا لجريمة التزوير فنكون امام تعدد مادي للجرائم
وعليه فجريمة النصب لكي تقوم لابد من ان يستعمل الجاني اسما او صفة مزورة وان يؤدي هذا الاستعمال الى استعمال الشيء في علاقة سببية واضحة.
الاسم المزور :
هو ان يقدم الجاني نفسه باسم غير اسمه فاذا ادعى الجاني ان الاسم المستعمل صحيح و له الحق في استعماله فيكون من اختصاص المحكمة الجزائية الفصل في هذا الدفع.
الصفة المزورة :
فتوجد في الوظيفة او المهنة او الجنسية الكاذبة او في ادعاء الشخص كذبا انه تاجر او وكيل او مستخدم لشخص اخر.
لكن اذا كان الكذب الذي يلجأ اليه الشخص لا يرقى الى حالة استعمال صفة مزورة فقد يشكل حسب الظروف الذي صحبته مناورات احتيالية و التي هي وسيلة اخرى من الوسائل المجرمة التي ذكرتها المادة 372 من قانون العقوبات.
المناورات الاحتيالية :
يشترط فيها ان تسبق الاستلام و ان تكون سببا مؤثرا في وقوعه.
ولتسهيل مهمة القاضي حدد المشرع بوضوح الاهداف المستهدفة من المناورات الاحتيالية فهي تهدف الى اقناع المجني عليه بوجود مشروعات كاذبة او سلطة خيالية او اعتماد مالي خيالي او بإحداث الامل بالفوز باي شيء او في وقوع حادث او اية واقعة اخرى مهمة.
السلطة الخيالية و الاعتماد المالي الخيالي : هذه العبارة واضحة.
المشروعات الكاذبة : تنسحب على كل المشروعات التجارية او الصناعية الخيالية و تنسحب ايضا على كل الحالات التي يزعم صاحبها كذبا انها حقيقية.
الواقعة الوهمية : تنسحب العبارة على كل الوقائع الكاذبة التي قد يثيرها الجاني في ذهن المجني عليه باستعماله وسائل احتيالية و لا فرق في ذلك بين الواقعة السعيدة او المحزنة
الركن التاني : شيء محل الاستلام :
محل الاستلام هو اموال او منقولات او سندات او تصرفات او اوراق مالية او وعود مخالصات او ابراء من الالتزامات .
فلا يقع نصب على عقار رغم ان الاستلام فيه ممكن لان قائمة المادة 372 وردت على سبيل الحصر و لم يرد فيها ذكر العقار.
اما عبارات -الالتزامات و الوعود......-الواردة في النص فهي عبارات لها مدلول واسع فهي تنطبق على كل العلاقات القانونية التي يتحصل عليها الشخص عن طريق الاحتيال و التي تلحق ضررا بالغير كالبيع و الوعد بالبيع او الامضاء على بياض او الايجار.
و من جهة اخرى يلاحظ ان نص المادة 372 يستعمل عبارة من توصل الى الاستلام هذا يعني ان الاستلام المادي للشيء محل النصب ضروري.
الركن الثالث : الاستلام :
فاذا كان الاستلام ينفي مبدئيا وقوع جريمة السرقة فانه في جريمة النصب يشكل ركنا مهما ان النصب جريمة معقدة كونها تتطلب احيانا عدة عمليات و كونها ايضا تبدأ عادة في مكان و تنتهي في مكان اخر الا ان القضاء و الفقه يصنفانها الفرية لانها تتم بمجرد الاستلام الذي قد يتمثل في توقيع عقد و قد يتمثل في استلام شيء.
الركن الرابع : الضرر :
الضرر نوعان نوع لا يؤدي وقوعه الى قيام جريمة النصب و ذلك اذا كان الجاني يقوم بالناورات الاحتيالية لاسترجاع حقه الشرعي ولا يعد نصابا و نوع يؤدي وقوعه الى قيام جريمة النصب و ذلك اذا حصل الاستلام نتيجة لمناورات احتيالية ما كان ليقع لولاها.
الركن الخامس : القصد الجنائي :
النصب جريمة عمدية و عليه فلا تتم بالتقصير و الاهمال في غياب النية الاجرامية يشترط في المجرم ان يكون شاعرا بالضرر النترتب على الاستلام و عالما بالوسائل الاحتيالية المؤدية اليه فاذا كان الجاني يعتقد ان له الحق في الاسم او الصفة الكاذبة او يؤمن بالمشروع الوهمي الذي يعد به او كان لا يهدف الى الاستلاء الكلي او الجزئي على مال الغير فلا تقوم جريمة النصب.
عقوبة النصب :
- جريمة النصب هي في جميع الاحوال جنحة الا انها عندما تقع في ظروف خاصة تشدد عقوبتها لتجاوز الحد الاقصى المعد للجنح عادة في الحالة العادية او الحالة البسيطة يعاقب الجاني في جريمة النصب بالحبس من سنة الى خمس سنوات و بالغرامة من 500 الى 20.000 دج.
- وقد يضاف الى ذلك الحرمان من الحقوق الواردة في المادة 14 و المنع من الاقامة لمدة خمس سنوات على الاكثر.
- في الحالة المشددة ترتفع عقوبة الحبس الى عشر سنوات على الاكثر و عقوبة الغرامة الى 200.000 دج و قد يضاف اليها الحرمان من الحقوق الواردة في المادة 14 و المنع من الاقامة لمدة خمس سنوات
- تتقادم الدعوى العمومية في جريمة النصب بمضي 3 سنوات بصفتها جنحة ابتداء من تاريخ التسليم او ابتداء من آخر مناورة احتيالية اذا تعلق الامر بالمحاولة .
- جريمة النصب تمس بالنظام العام و عليه فان وكيل الجمهورية له الحق في متابعة الجاني و لو لم يتلقى شكاية من الضحية و حتى في صورة استرداد الشيء المسلم.
- المحكمة المختصة محليا فهي كل محكمة ارتكاب في دائرة اختصاصها ركن من اركان الجريمة و عليه لتكون المحاكم الجزائية مختصة يكفي ان تقع المناورات الاحتيالية في الجزائر و لا يهم بعد ذلك ان يتم تسليم الشيء في بلد اجنبي او العكس اي ان تقع المناورات في بلد اجنبي و يتم التسليم في الجزائر.
- للضحية حق المطالبة بإسترداد المبلغ المسلم و لو كانت العملية التي تم التسليم فيها غير مشروعة.
- تثبت جريمة النصب بجميع الوسائل.
عقوبة الشروع في جريمة النصب :
يفترض الشروع في جريمة النصب بصفة عامة…، إتيان الجاني (المؤمن له) عملا يعد بدءا في تنفيذ الجريمة، ثم تتخلف النتيجة الإجرامية لسبب خارج عن إرادته، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي الجزائري عندما نص على أنه :
من المقرر قانونا أنه لثبوت الشروع في الجريمة يجب توافر الشروط التالية :
- البدء في الفعل.
- أن يوقف التنفيذ أو يخيب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
- أن يقصد به ارتكاب جناية أو جنحة.
فالشروع يتحقق بكل فعل يؤدي حالا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة، وقد عبر المشرع الجزائري عن الشروع في النصب في المادة 372 من قانون العقوبات على ما يلي :
” كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات… أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه…”
ويعاقب المشرع الجزائري على الشروع في جريمة النصب بصفة عامة… بنفس عقوبة الجريمة التامة، وذلك بنص المادة 372 من قانون العقوبات والتي تنص:” كل من توصل إلى استلام… أو شرع في ذلك…“، وقد أشارت نفس المادة بعقوبة الحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر، وبغرامة مالية من 20.000 إلى 1000.000 دج.
كما يجوز لقاضي الموضوع أن يحكم على الجاني (المؤمن له) علاوة على ذلك بالحرمان من الحقوق الواردة في المادة 14 من قانون العقوبات أو بعضها وبالمنع من الإقامة تتراوح بين سنة (1) على الأقل وخمس سنوات (5) على الأكثر، وهو موقف يساير الاتجاه العام في قانون العقوبات الذي يساوي بين عقوبة الجريمة التامة والشروع فيها.
إذا فالمشرع الجزائري ساوى بين عقوبة الجريمة التامة وعقوبة الشروع، في جريمة النصب وبالتالي من شرع في الجريمة كمن قام بجريمة تامة.
إستنتاج :
إن النصب والاحتيال من الأمور الشائعة في كافة المجتمعات، وكذلك في كافة الأزمنة فكانت تحدث بشكل مستمر مع اختلاف طرقها من مجتمع إلى مجتمع ومن زمن إلى زمن، فمن أشكالها احتيال الباعة منذ القدم مثل السرقة في الميزان، وغش اللبن، وحديثاً مثل تقليد الماركات، وتوظيف الأموال، كما دخلت في الأدوية والعقاقير الطبية، حتى أصبحنا نجد أدوية مغشوشة، وطعاما فاسدا وغيرها من القضايا الكثيرة.
يلجأ النصابون إلى حيل ومقالب ذكية وماكرة، تجعلهم يكتسبون ثقة وطمأنينة ضحاياهم، ويتوصلون إلى ما يسعون إليه من مكاسب أو غايات مادية أو معنوية، ولا يدرك هؤلاء الضحايا ما يواجهون إلا بعد فوات الأوان، فيكتشفون متأخرين أنهم وقعوا ضحايا لعمليات نصب واحتيال.
النصب والاحتيال في اللغة تطلق على الكذب والخداع والدهاء والحذق والمراوغة، وقلب الحقائق والأمور والقدرة على التصرف.
أما عند أهل القانون، فهو الاستيلاء على شيء مملوك، بطريقة احتيالية، بقصد تملكه، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة.
بينما ينظر البعض إلى النصاب على أنه شخص شديد الذكاء والمكر والدهاء والخيانة وانعدام والضمير، يرى الدارسون لهذه الظاهرة أن لكل نصّاب تركيبته ودوافعه وظروفه التي تدفعه لممارسة جرمه. فإذا كان النصاب في نظر الشرع مُذنبا وآثما، وفي نظر القانون مجرما تجب معاقبته، فإنه من الناحية الاجتماعية يعد منحرفا اجتماعيا.
الصورة النمطية لضحية النصب –كما هي في الخيال الشعبي– هي دائما القروي الساذج، أو الشخص الطامع، أو كبار السن، أو منخفضو الذكاء أو النساء عموماً. وبحسب مصادر أمنية إن النصابين اليوم لم يعودوا يتصيدون ضحاياهم من الأميين والبسطاء فقط، بل أصبحوا يستهدفون جميع الفئات مهما علا مستواها الثقافي أو الاجتماعي حيث الإنسان عندما ينشد الوصول إلى مبتغى ما ولا يستطيع بلوغه، "فإنه يسهل أن يسقط فريسة في شراك النصابين والمحتالين الذين يركبون على أوهامه".
وتسبب جرائم النصب والاحتيال آثارا اجتماعية ونفسية على الضحايا وعلى المجتمع "تكون وخيمة جدا، ولا حصر لها"، حيث لا يمكن تصور درجة الإحباط والآلام النفسية التي تلحقها عمليات النصب والاحتيال على الأشخاص والأسر الذين وقعوا ضحية لمثل هذه الجرائم؟ فكم من شخص فقد عقله أو فقد حياته منتحرا جراء وقوعهم ضحايا النصب والاحتيال. كذلك فإن هذه الظاهرة تتسبب في فقد الثقة بين المتعاملين من الناس، كما تساعد على تفشي الرشوة بينهم، وتساهم في إفساد أساليب التعامل بين الناس، وتضيع الكثير من الحقوق.
ومع ظهور التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الالكترونية أصبحت ظاهرة الاستغلال الإلكتروني كغيرها من الظواهر التي اتخذت منحى أكثر تقدما في مجتمعنا وتتماشى مع العصر والعولمة، فاستخدام الوسائل التقنية الحديثة المتنوعة وعلى رأسها الانترنت وجد فيها عديمو الضمير مرتعا خصبا لممارسة مهنة النصب والاحتيال. فقد ارتفعت نسبته بهدف استغلال طيبة الضحية بشكل مهول، لذا وجبت الحيطة والحذر من كل شخص يستخدم الانترنت ويسعى إلى التعرف على أصدقاء جدد فالشبكة العنكبوتية لا تخلو هي الأخرى من الإجرام. الإمكانيات الهائلة التي يوفرها ويبيحها الدخول إلى عالم الانترنت أسهمت في جعل كل شيء في متناول اليد، والحصول على المعلومات مهما كانت أصبحت هي الأخرى سهلة وسريعة الوصول إليها، فهناك العشرات بل المئات يعملون بشكل فردي أو على شكل عصابات موزعين عبر كافة القارات تقريبا. حفظنا الله وحفظ مجتمعاتنا من هذه الظاهرة وهدى الله كل من دخل من هذا الباب إلى التوبة والصلاح .