جناية زراعة النباتات المخدرة
المادة 20 قانون 04-18 { يعاقب بالسجن المؤبد كل من زرع بطريقة غير مشروعة خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب }.
وقد حظرت المادة 20 من قانون 04-18 زراعة خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب والمقصود بالزراعة ليس مجرد وضع بذور الحشيش في الأرض بل أن المقصود بها أيضا كل ما يتخذ نحو البذور من أعمال الرعاية المختلفة اللازمة للزرع إلى حين نضجه وقلعه لأن وضع البذور هو بداية العمل ولا تتأتى ثماره إلا بدوام رعايته إلى غاية أن ينبت، ما يجعل فعل الزراعة لهذه النباتات من الجرائم التي يستمر ركنها المادي لفترة وجود الزرع في الأرض إلى غاية النضج، وعليه فقيام الشخص بزراعة إحدى النباتات المحظورة يشكل خرقا للتجريم الوارد بالمادة المذكورة أعلاه ويقصد بشجرة الكوكا حسب نفس المادة كل نوع من انواع الشجيرات من جنس إريتروكسيلون .
أركان جريمة زراعة النباتات المخدرة :
الركن المادي لجريمة زراعة النباتات المخدرة :
تتمثل جريمة زراعة المواد المخدرة في كل فعل من شأنه أن يؤدي إلى إنبات المواد المخدرة والذي يبدأ بأعمال البذر – أي وضع البذور في جوف الأرض – حتى تمام الثمار، مروراً بمراحل الزراعة والتي قد تتمثل في الغرس أو النقل أو النشر.
ويكون مجرماً كل فعل يتم على تلك المزروعات من الأفعال التي سبق الإشارة إليها سواء أكانت تلك المزروعات قد نضجت أم ما زالت في طور النمو.
وتتحقق الجريمة في صورتها التامة بمجرد البدء في عمليات زراعة المواد المخدرة سواء تمخض عن ذلك ثمار أو جفت الشجيرات قبل عملية الإثمار، بل وتتحقق الجريمة حتى ولو قام الجاني بنفسه بإتلاف النباتات المخدرة المزروعة.
- إن الأعمال الناجمة عن المخدرات تعتبر كلها جرائم في نظر القانون المقارن ومن بين هذه القوانين نجد القانون الجزائري .
سنتطرق الى الركن المادي والذي يتمثل في ارتكاب السلوك المجرم قانونا فجريمة المخدرات كغيرها من الجرائم الأخرى، لابد أن تقوم على الركن المادي للاعتداد بها كجريمة قائمة بذاتها ويقوم هذا الركن المادي بتوافر العناصر التالية :
1- موضوع الجريمة
2- الأفعال المادية والمتمثلة في الجلب والتصدير والإنتاج والزراعة والاتجار والاستهلاك.. الخ
موضوع الجريمة :
من المعلوم أن عنصر المخدر هو كل مادة طبيعية الأصل أو تركيبية (كيميائية او اصطناعية)، تؤثر في جسم الشخص بتغيير حساسيته وانفعالاته وهو يعتبر موضوع الجريمة بحيث أن انعدامه يؤدي إلى عدم قيام الجريمة أصلا.
ولقد تليا ذكره في القانون الجزائري بكلمة جميع النباتات والمواد المصنفة كمخدرات أو مؤثرات عقلية أو سلائف، وفى القانون المصري بكلمة الجواهر المخدرة فكلما وجد المخدر فى ماهية فعل معين فإما أن يكون هذا الفعل مصرح بالقيام به إذا كان استخدامه لأغراض طبية أو صيدلانية
وإما أن يكون هذا الفعل المحظور القيام به إذا كان استخدامه في سبل غير مشروعة وسنبين فيما يأتي ما تم توضيحه في القانون الجزائري .
المواد المخدرة في الحالات المرخص بها قانونا والتي تهدف إلى العلاج كما في الحالات التالية: التخدير ، العمليات الجراحية ، ألام الأسنان و الأعصاب.... الخ.
ويعتبر عملا غير مشروع في غير هذه الأحوال ويترتب عليه ضرر كبير، دعما إلى تحريرهما فإنه يتعين للقيام بالأعمال المنصوص عليها في القانون في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها أن يكون موضوعها مادة مخدرة أو مؤثرات عقلية وهي في حقيقة الأمر أنواع عديدة.
المشرع الجزائري نلاحظ أنه لم يحدد ماهية المخدرات والمؤثرات العقلية المحظورة التي تعتبر ركنا في الجريمة لا في الامر 75-09 ولا في قانون الصحة 85-05 لسنة 1985.
في حين نلاحظ أن المشرع حدد ماهية المخدرات والمؤثرات العقلية في المادة 02 من القانون 04-18 نلاحظ أن المادة 03 من القانون 04-18 إلا أنه لم يضع قائمة خاصة بجداول المخدرات حيث أحالت المادة 3 إلى التنظيم وتحديدا لقرار من الوزير المكلف بالصحة، بشأن تصنيف المخدرات والمؤثرات العقلية وخاصة أن الجزائر انضمت إلى المنظمة العالمية لمكافحة المخدرات المرفق بها قوائم المخدرات والمستحضرات التي تطبق عليها أحكامها وذلك في أربعة جداول.
- الجدول الأول: يتضمن الحشيش والأفيون والكوكايين.
- الجدول الثاني : أدرجت فيه المواد الأقل خطورة.
- الجدول الثالث : أدرجت فيه المستحضرات الأقل قابلية للإدمان من سابقيه.
- الجدول الرابع: أدرجت فيه المواد المخدرة التي تكون قابلية الإدمان عليها أكثر خطورة من مزايا العلاج.
الركن المعنوي لجريمة زراعة النباتات المخدرة :
تُعد تلك الجريمة من جرائم القصد الخاص والتي يتطلب بجانب توافر عنصري العلم والإرادة أن يكون لدى الجاني قصد خاص متمثلاً في قصد الإتجار، حيث إن مجرد توافر أحد صور الركن المادي التي تم الإشارة إليها لا يقيم أي من تلك الجرائم مالم يكن لدى الجاني قصد الإتجار، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية معاقبة الجاني عن فعل أخر إذا توافرت شروطه وأركانه.
يعتبر القصد الجنائي هو العنصر الثاني لجريمة المخدرات والمؤثرات العقلية وقد قسمه الفقه إلى نوعين .
القصد العام :
فيكفى القصد العام المطلوب فى كل الجرائم العمدية، وقد عرفته محكمة النقض الفرنسية بأنه في جرائم إحراز المخدرات يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونا، والقصد الجنائي العام يتكون من شقين.
الشق الاول: العلم بالركن المادي للجريمة :
يجب أن يكون وقوع الجريمة في غير غفلة من الجاني، فإن كانت المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية قد دست عليه فهولا يدري من أمرها شيئا، فبتالي ينتفي بالنسبة له القصد الجنائي، فلا تقوم عليه الحيازة ولا إحراز وكذلك إن حصل التصدير أو الجلب أو النقل أو تسهيل التعاطي باسم الشخص دون علم منه أو تمت الزراعة أو الإنتاج في حدود ملكه ولكن في غفلة منه وعلى من يدعي عكس الظاهر ان يقدم الدليل على ذلك.
ويشترط بناء على ما تقدم أن يكون الفعل المادي قد تم عن إرادة حرة من الجاني معنى ألا يكون مكرها عليها، فمن يضع في يد الأخر قطعة من المخدرات ويظل قابضا لها حتى يحضر رجال الضبطية لا تقوم في حق هذا الأخير جريمة إحراز المخدرات أو المؤثرات العقلية وإن كانت قائمة لمن دسها عليه إكراها.
ويجب ألا يكون المتهم متمتعا بسبب من أسباب انعدام المسؤولية، ومن قبيل هذا من كان يعمل في ظروف تجعله يعتقد أنه وهو يقوم بخدمة المالك السابق في الوظيفة المخصصة له إنما كان يباشر عملا له صيغته الرسمية وارتكب فعلا ينهى عنه القانون معتقدا أنه أمر صادر إليه من رئيسه الذي يجب طاعته فإنه لا يكون مسؤولا على أي حال من الأحوال .
الشق الثاني : علم الفاعل أن المادة المخدرة أو المؤثرات العقلية موضوع الركن المادي :
في جريمة المخدرات العبرة بالمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية المنصوص عليها في القانون فإذا كان الجاني يجهل طبيعتها لا يتوفر في حقه القصد الجنائي وتبعا لذلك لا تقع عليه أية مسؤولية ومثال ذلك كما لو أنه أعطى شخص لشخص أخر قطعة من المخدرات على أنها دواء ولم يكن هذا الأخير يعلم بحقيقة المادة المسلمة إليه وتوافر العلم من عدمه هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع ويستمدها من مختلف الظروف التي تعرض عليه.
ومن البديهي أن القصد الجنائي لا ينتفي إذا كان ثابتا من وقائع القضية أن ما قام به المتهم من حيازة واستهلاك ومتاجرة هو من المواد المخدرة والمحظورة قانونا، على أنه لا حرج على القاضي استنتاج هذا العلم من أحوال المتهم وظروف الدعوى وملابساتها في حكم الإدانة.
ولابد أن يثبت القاضي توافر القصد الجنائي المطلوب في حق الجاني توافرا فعليا فلا يصح افتراضه افتراضا والحقيقة يستنبطها القاضي من واقع القضية المعروضة عليه، هذا إذا لم يدفع أحد الأطراف بانتفاء القصد الجنائي المطلوب لدى الجاني.
أما إذا دفع المتهم أو محاميه بانتفاء القصد الجنائي فإنه يعد دفعا جوهريا كونه منصبا على نفي توافر ركن في الجريمة لا تتحقق بدونه لذا يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ به أو أن ترد على الدفع بأسباب صحيحة وجدية مستمدة من ملف القضية ووقائعها الثابتة ويكفي في بيان توافر القصد الجنائي في جريمة حيازة المواد المخدرة أن تستدل المحكمة عليه بجسامة الكمية المضبوطة .
القصد الخاص :
لقد ذكرنا فيما سبق أن القصد الجنائي العام لازم في جميع الجرائم السابقة فإن لم يتوافر انتفى قيام الجرم على أن المشرع أورد في بعض نصوصه عبارتي (بقصد البيع أو التخزين أو استخراج أو تحضير أو يحوز من أجل الاستهلاك الشخصي، والاستعمال الشخصي) ولا يعنى بضرورة قيام قصد خاص وانما يعتبر هذا من بين الصور التي يعتد فيها ومتى ثبت قيام القصد الجنائي تحققت المسؤولية ووجب العقاب بصرف النظر عن الباعث إلى ارتكاب الجريمة إذ لا أثر في توفر أركانها ولقد قضي أنه لا عبرة مطلقا إلى الباعث على الإحراز.
فإذا تقدم شخص بنفسه إلى الشرطة ومعه مادة مخدرة قاصدا دخول السجن لخلاف او شجار بينه وبين والديه مثلا كانت الجريمة مستوفية لجميع أركانها وحق عليه العقاب، بالرغم أنه لم يتوفر لديه أي قصد إجرامي إلا أن القانون إنما أراد بأحكامه العقاب على الحيازة مهما كانت وسيلتها أو سببها أو مصدرها أو الغاية منها وهو نفس المنطق الذي انتهجه المشرع المصري في المادتين35 و36 من قانون المخدرات المصري الصادر سنة 1960 الذي نص على العقاب على الإحراز مهما كانت وسيلته أو سببه أو مصدره أو الغاية منه.
حيث أنه اعتبرت "محكمة النقض المصرية أن مناط المسؤولية في جريمة إحراز وحيازة المواد المخدرة ثبوت اتصال الجاني بالمخدر بالذات أو بالواسطة بأية صورة عن علم وإرادة وتعود بعض الصور الخاصة لبحث توافر القصد الجنائي في علم المتهم وسنعرض منها صورتين فيما يلي:
- الصورة الأولي : تثور عندما يحتفظ الزوج في منزله بمخدرات مع علم زوجته بذلك فهل تقوم الجريمة بالنسبة لها تأسيسا على أن المنزل في حيازة الزوجين معا.
وحسب الرأي الفقهي الراجح لا يكفي مجرد العلم لقيام الجريمة، وإنما يتعين أن يكون دخول المخدرات أو المؤثرات العقلية في حيازة الزوجة قد تم بإرادتها ورضائها وإنما ليس بما يجري به العرف أن تعترض الزوجة على تصرفات زوجها، ولا يمكن القول أن من واجبها الإبلاغ عن الجريمة لأن الواجب يعد عقاب والقعود عن أدائه يحملها المسؤولية عن جريمة إحراز المخدرات أو المؤثرات العقلية.
وحسب محكمة النقض المصرية فإن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدرات لا يقوم إلا إذا كان الجاني على علم بأن ما يحرزه من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانونا.
ـ أما الصورة الثانية : إذا قام رجال الضبطية القضائية بتفتيش منزل لفرد ما بحثا عن المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية فأرادت زوجته مساعدته على الإفلات من المسؤولية فأخذت المادة المخدرة إلى أن ينتهي رجال الضبطية القضائية من التفتيش هل تسأل الزوجة في قضية الحال عن جريمة حيازة المخدرات ؟
- لا شك أن الزوجة تعلم بأن المادة مخدرة فضلا عن أنها في حوزتها ولكن فى هذه الحالة هل يعد إحرازها قد تم تحت تأثير الإكراه الأدبي وهو الرغبة الشديدة في إنقاذ زوجها من المسؤولية الجنائية مما أعدمها الاختيار وكذلك بالنسبة لجريمة تعاطي أو الاستعمال الشخصي للمخدرات أو المؤثرات العقلية.
وكونها عنصر في القصد الجنائي ويعني أنها داخلة في التكوين القانوني للجريمة إذا انتفى القصد الجنائي لا تقوم جريمة تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، وتستقي المحكمة الدليل على توافر هذه الغاية من وقائع وملف القضية أو تستنبطه من عناصر وظروف قيام الجريمة.
وقد تستنبط المحكمة الدليل على توافر هذه الغاية لدى المتهم من خلال اعترافه، كما قد تستدل المحكمة على توافر القصد الجنائي من خلال كمية المخدرات المضبوطة لديه ومن خلال وجود الات تقطيع المخدرات لديه وضالة كمية المخدرات أو كبرها من الأمور النسبية التي تخضع في تقديرها إلى المحكمة
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية: "من المقرر أن مناط المسؤولية في حالتي إحراز الجواهر المخدرة أو حيازتها هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالا مباشرا أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صوره عن علم و إرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية وأن عقوبة جريمة الحيازة هي ذات العقوبة التي نص عليها القانون لجريمة الإحراز
خاتمة :
تعد المخدرات من اهم المعوقات التي ينكب بها المجتمع على يد قله من ابنائه ثم تسري في المجتمع كسريان النار في الحطب بسبب تأثيرها على الجهاز العضوي والنفسي للفرد والتي تكون من العوامل البيولوجية الهامة المهيئة للسلوك الاجرامي، حيث لا تقتصر خطورة النباتات المخدرة التي يزرعها الجاني على الجيل الحالي بل تمتد الى الجيل اللاحق اذ من شأنه ان يجعل المواد المخدرة قريبة من تناول ايدي الاشخاص حيث انتشر وراج زراعتها في اماكن متعدد في كثير من البلدان على الرغم من منع وتجريم زراعتها لما لها من اثار سلبية على المجتمع في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية.
وقد جرم المشرع الجزائري في قانون 04-18 زراعة الخشخاش الافيون وجنبة الكوكا ونبات القنب على وجه الحصر مما ضيق من نطاق تجريم زراعة النباتات المخدرة في حالة اكتشاف العلم الحديث نبات له صفات مخدرة، وانه ميز في العقوبة على اساس القصد من زراعتها اذ جعلها بالسجن المؤبد ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة اذا كان ذلك بقصد الاتجار بها.