تحليل نص المادة 69 قانون العقوبات جريمة التعدي علي الامن و الدفاع
الوطني دون نية الخيانة او التجسس ( الجريمة المحتملة ) أولا التحليل الشكلي لنص المادة 69 قانون العقوبات
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 69 قانون العقوبات أولا التحليل الشكلي : طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص 69 من قانون العقوبات : { يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من يقدم معلومات عسكرية لم تجعلها السلطة المختصة علنية وكان من شأن ذيوعها أن يؤدي بجلاء إلى الإضرار بالدفاع الوطني،
إلى علم شخص لا صفة له في الإطلاع عليها أو علم الجمهور دون أن تكون لديه نية الخيانة أو التجسس.}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 69) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الجزء الثاني منه عنوانه التجريم ، الباب الأول الجنايات و الجنح ضد الشئ العمومي، الفصل الأول الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة ، القسم الثاني جرائم التعدي الأخري علي الدفاع الوطني أو الإقتصاد الوطني. البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 69 من قانون العقوبات حيث جعلها تتألف من 2فقرتين.
الفقرة الأولي تبدأ من " يعاقب بالحبس " وينتهي عند " بالدفاع الوطني " ،.
الفقرة الثاني تبدأ من " إلي علم " وينتهي عند " أو التجسس " .
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 69 من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع التعدي علي الامن و الدفاع الوطني دون نية الخيانة او التجسس و كمثال على ذلك نشير إلى : " يعاقب " ، " معلومات عسكرية " ، " الدفاع الوطني " . البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 69 من قانون العقوبات بعبارة " يعاقب " وهنا يقصد أن فعل تقديم معلومات عسكرية سرية للغير هو مجرم قانونا في نفس الفقرة بين ان هاته المعلومات لم تكن متاحة للجمهور ثم وضح في نهاية المادة بأن المسؤولية الجنائية للفاعل تقوم حتي وإن لم تكن له نية التجسس و الخيانة .
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا إخباريا . ثانيا التحليل الموضوعي : تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 69 من قانون العقوبات يتضح أن المشرع الجزائري قد جعل فعل تقديم معلومات عسكرية سرية لأفراد او كيانات سواء كانت داخلية او خارجية من شأنها الاضرار بدفاع الوطني جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس من سنة الي خمس سنوات حتي و ان لم تكن لدي الفاعل نية الخيانة و التجسس ( الجريمة المحتملة ) تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 69 ق ع يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماذا يعتبر فعل تقديم معلومات سرية عن الجيش الوطني من الجانب القانوني ؟ وهل تقوم مسؤولية الفاعل رغم عدم توفر لديه نية الخيانة و التجسس ؟ التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير
المطلب الأول : المقصود بتقديم معلومات عسكرية سرية
المطلب الثاني : أركان جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني
المبحث الثاني : الجريمة المحتملة (قيام المسؤولية الجنائية رغم عدم وجود نية الخيانة أو التجسس )
المطلب الأول : مفهوم الجريمة المحتملة
المطلب الثاني : العقوبة المقررة للجاني بعد قيام المسؤولية الجنائية حسب المادة 69 ق ع ج .
خـاتمة
مقدمة :
إن الدولة الجزائرية كغيرها من الدول تحرص على تحقيق حماية فعالة لأمنها و كيانها الوطني من مخاطر العدوان عليه، حيث تعتبر الجرائم الواقعة على أمن الدولة ومن بينها جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني تعتبر من الجرائم الماسة بأمن الدولة نظرا للضرر الذي يمكن أن يلحق بالدولة حتي باعتبارها من الجرائم المحتملة ولم تكن للجاني نية الخيانة او التجسس.
فيمكن لهذه الجريمة ان تشكل اعتداء مباشرا ومؤثرا على الوجود السياسي للدولة و سلامتها و الانتقاص من سيادتها وتهديد نطاقها الحيوي بإستغلال الأفراد أو كيانات الداخلية أو الخارجية تلك المعلومات العسكرية السرية قصد الَإضرار بالدفاع الوطني.
المبحث الأول : جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير المطلب الأول : المقصود بتقديم معلومات عسكرية سرية :
هو البوح والإفضاء عن معلومات عسكرية سرية التي يقصد بها معطيات و بيانات و مؤشرات ذات أهمية بالغة تتعلق بالمصالح العليا للبلد يكون الوصول اليها مقتصراً على اشخاص محددين بمقتضى القانون نظرا للطابع الحساس الذي تحتوي عليه، ويمكن أن تضر بالأمن و الدفاع الوطني وكذلك الإقتصاد الوطني ويقوم الجاني بإطلاع الغير عليها سواء بالقول أو الكتابة أو أي وسيلة يمكن بها نقل تلك المعلومات السرية ،
مثال : قيام موظف في مؤسسة عسكرية أو مؤسسة استراتيجية بكتابة مقال و تصوير المخابر التي يعمل بها (صناعة الأسلحة-الكمية.. تقنيات الصناعة ) ويقوم بإرسالها لأحد القنوات التلفزيونية لبلد أجنبي معاد قصد الإضرار بمؤسسة الجيش الوطني الشعبي.
المطلب الثاني : أركان جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني : الفرع الأول : الركن المادي لجريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني :
الركن المادي للجريمة هو العمل الخارجي الذي تظهر به الجريمة إلى العالم الخارجي هو تقديم معلومات عسكرية لم تجعلها السلطة المختصة علنية لفائدة فرد او كيان في الداخل او خارج الوطن من شأن القيام بهذا الفعل إضرار الدفاع الوطني.
ويتمثل هذا العمل في السلوك الذي يصدر عن الجاني والنتيجة المترتبة عن هذا السلوك سواء بنية الإضرار او بغير ذلك، وعلاقة السببية بينهما، وهذا الركن هو أول الركنين اللذين ترتكز عليهما نظرية الجريمة . النتيجة الإجرامية للركن المادي :
انقسم الفقه في شأن تعريف النتيجة الإجرامية إلى اتجاهين : الأول قانوني، والآخر مادي؛ فأنصار الاتجاه القانوني للنتيجة يعرفونها بأنها العدوان الذي يصيب حقا أو مصلحة يحميها القانون سواء تمثل في ضرر فعلي يصيب الحق أم المصلحة محل الحماية أم في مجرد تعريض هذا المحل للخطر، وينتهي هذا الاتجاه الفقهي إلى القول بأن النتيجة شرط أو عنصر في كل جريمة،
- أما الاتجاه الآخر وهو الاتجاه المادي فيصور النتيجة على أنها تغيير يطرأ في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي، أي يعد النتيجة حقيقة مادية لها كيانها في العالم الخارجي، والنتيجة وفقا لهذا المعنى لا تكون عنصرا في جميع الجرائم.
فالنتيجة عنصر في الركن المادي لكل جريمة، وهي بمدلولها القانوني أي تحقق الاعتداء الذي يحميه القانون شرط ضروري لتوافر الركن المادي في كل جريمة، ولكن إذا نظرنا إلى النتيجة في مدلولها المادي فهو التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي.
وفي جريمة التخابر لا تدخل النتيجة الإجرامية ضمن مقوماتها، لهذا لا يشترط أن تكون المعاونة قد تمت بالفعل، لهذا فإن من يتخابر مع دولة معادية للحصول على أسرار الدفاع لتسليمها إليها بقصد معاونتها في عملياتها الحربية تقع منه هذه الجريمة بصورة تامة، بصرف النظر عن عدم تمكنه من تحقيق هذه المعاونة بسبب افتضاح أمره.
وأيضا يكتفي فعل السعي والتخابر مع الدولة المعادية أو ممن يعملون لمصلحتها للقول بوقوع جريمة التخابر بصفة تامة، فلا يشترط القيام بأعمال عدائية ضد البلاد. علاقة السببية بين الركن المادي و النتيجة :
علاقة السببية تعني العلاقة التي تربط بين الفعل والنتيجة الإجرامية وتثبت أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة، فقرر بذلك توافر شرط أساس لمسئولية مرتكب الفعل عن النتيجة.
ومن هنا تبدو الأهمية القانونية لها، فهي من عناصر الركن المادي في الجرائم المادية، وتحققها شرط أساس من شروط المسئولية الجزائية عنها.
فإذا أمكن إسناد النتيجة إلى السلوك، اكتمل الركن المادي للجريمة وتحققت بالتالي المسئولية الجزائية إذا اكتملت الأركان الأخرى للجريمة، أما إذا انتفت علاقة السببية بين السلوك والنتيجة بأن كان تحققها لا يرجع إلى سلوك الجاني؛ فلا يمكن أن تقوم مسئوليته عن الجريمة التامة.
وتبدو أهمية علاقة السببية أيضا في أنها الركيزة التي يقوم عليها مبدأ هام من مبادئ حقوق الإنسان وهو أن لا يسأل شخص إلا عن فعله الشخصي، فإذا انتفت علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة، فلا يسأل الشخص إلا عن سلوكه فقط (إذا كون في ذلك جريمة) دون النتيجة التي لم يتسبب سلوكه فيها.
وعليه، فإن توافر أو انتفاء علاقة السببية يكون في الجرائم التي يتطلب المشرع في أنموذجها تحقق نتيجة إجرامية مادية، يستوي بعد ذلك أن يكون تحقق النتيجة بسبب فعل من الجاني، أم بسبب ترك ترتب عليه النتيجة الإجرامية، أما إذا كانت الجريمة معنوية التي يكفي المشرع لقيامها ركنها المادي ارتكاب السلوك ذاته، فلا يكون هناك مجال للبحث في علاقة السببية.
ففي جريمة التخابر لا مجال لبحث العلاقة السببية كونها من الجرائم الشكلية، حيث إن علاقة السببية تفترض وجود عنصرين هما السلوك الإجرامي والنتيجة المادية، ولا وجود في جرائم التخابر إلى فعل السعي أو التخابر أو أي فعل آخر تقوم به الجريمة.
الفرع الثاني : الركن المعنوي تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني : ( القصد الإجرامي ) :
كإستثناء من القاعدة فإنه في جريمة تقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني تقوم مسؤولية مرتكب الفعل حتي و إن لم تكن له نية الخيانة و التجسس لكن نية تقديم المعلومات السرية كانت متوفرة لديه.
- ليست الجريمة ظاهرة مادية خالصة قوامها الفعل وآثاره الركن المادي، ولكنها كذلك كيان نفسي، فماديات الجريمة لا تنشئ مسئولية ولا تستوجب عقابا، ما لم يتوافر العنصران اللازمان لقيام المسئولية الجنائية، وهما حرية الاختيار والإدراك، وهذه عناصر نفسية يتطلبها كيان الجريمة، وتجتمع هذه العناصر في الركن المعنوي للجريمة.
وإذا كان الركن المادي يتكون من السلوك المحظور والنتيجة الجرمية والعلاقة السببية بينهما، فإن الركن المعنوي يتمثل في الأصول الإرادية لماديات الجريمة والسيطرة عليها، وهو وجهها الباطني والنفساني؛ فلا محل لمساءلة شخص عن جريمة ما لم تقم صلة أو علاقة بين مادياتها وإرادته.
ويأخذ الركن المعنوي للجريمة إحدى الصورتين، الأولى صورة القصد الجنائي، والأخرى صورة الخطأ غير المقصود، فهل يتصور في جريمة التخابر الخطأ غير المقصود؟، وسنتناولهما على النحو التالي: الفرع الأول: ماهية القصد الإجرامي :
يمكن تعريف القصد الإجرامي بأنه : “ إرادة الفعل المكون للجريمة، وإرادة نتيجته التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، وإرادة كل واقعة تحدد دلالة الفعل الإجرامية وتعد جزءا من ماديات الجريمة ”.
ويعرفه بعض الفقهاء بأنه: “ القوة النفسية التي تقف وراء النشاط المجرم الذي استهدف به الفاعل إراديا الاعتداء على المصلحة المحمية من طرف الجاني ”.
ويشترط في قيام القصد الجرمي أن يوجه الجاني إرادته إلى ارتكاب الجريمة على النحو الذي به يحددها القانون، فتنصرف الإرادة إلى تحقيق جميع أركانها وعناصرها وشرائطها وظروفها، وقد يستفاد من ظاهر نص المادة أن إرادة الجريمة على النحو المشار إليه يكفي لقيام القصد الجرمي، إلا أن الحقيقة هي غير ذلك، إذ التحليل الدقيق يظهر أن الإرادة لا تتوافر عقلا، ولا يتاح لها أن تلعب دورها في بنيان القصد ما لم تكن مستندة إلى فكرة العلم، ومن ثم ساغ القول بأن القصد الجرمي يتطلب بأن يحيط علم الجاني أيضا بجميع أركانها وعناصرها وشراوطها وظروفها. الفرع الثاني : عناصر القصد الإجرامي :
إن جوهر القصد الإجرامي وعنصره الأساس هو الإرادة المتجهة إلى تحقيق الواقعة أو الفعل الإجرامي، ولما كانت هذه الإرادة لا يقتصر توافرها لدى الفاعل إلا على ما يحيط به علمه من عناصر الفعل المكون للجريمة فإن العلم بهذه العناصر يعد على نحو ما عنصرا جديدا يضاف إلى الإرادة في بناء القصد الإجرامي، ويكون قوام هذا القصد في النهاية عنصرين هما: العلم بعناصر الفعل الإجرامي، واتجاه الإرادة إلى تحقيق هذا الفعل بعناصره، وسوف نتعرض لهذين العنصرين على النحو التالي: - أولا : العلم :
العلم هو حالة ذهنية يكون عليها الجاني ساعة ارتكابه الجريمة، وتتمثل هذه الحالة في امتلاك الجاني القدر اللازم من المعلومات عن العناصر التي تكون الجريمة على الوجه الذي يحدده القانون.
ولا يعني العلم هنا إلمام الجاني إلماما تاما بكافة القواعد والأحكام والمبادئ القانونية الجزائية التي يجب أن يطلع عليها، ويضطلع بها أصحاب الخبرة والاختصاص؛ وإنما هي فقط إحاطة الفاعل علما بكيان النشاط الجرمي ومقوماته عندما يعتزم الإقدام عليه أو الإتيان به، أو أثناء ذلك على الأقل.
والقاعدة أنه لكي يتوافر العلم الذي يقوم به القصد الإجرامي إلى جانب الإرادة؛ يتعين أن يحيط الجاني علما بجميع العناصر القانونية للجريمة، فإذا انتفى العلم بأحدها بسبب الجهل أو الغلط انتفى القصد بدوره.
وبالتالي يتعين أن تتجه الإرادة والعلم إلى العناصر المتطلبة بالجريمة كما يحددها القانون، فما تتجه إليه الإرادة يتعين أن يحيط به العلم أولا، مما يستلزم أن ينصرف العلم إلى جميع العناصر القانونية في الجريمة. - ثانيا : الإرادة :
لا يكفي لتوافر القصد الإجرامي إحاطة علم الجاني بعناصر الفعل الإجرامي على التفصيل المتقدم، وإنما يلزم بالإضافة إلى ذلك أن تتجه إرادته إلى تحقيق هذا الفعل بعناصره، وإرادته أيضا في تحقيق النتيجة وذلك في الحالات التي يتطلب فيها القانون نتيجة معينة.
الإرادة هي العنصر الثاني للقصد الإجرامي، وهي المحرك نحو اتخاذ السلوك الإجرامي سلبيا كان هذا السلوك أم إيجابيا بالنسبة للجرائم ذات السلوك المجرد أو المحض، وهي المحرك نحو تحقيق النتيجة.
بالإضافة إلى السلوك الإجرامي بالنسبة للجرائم ذات النتيجة، فالإرادة كونها أحد عناصر القصد الإجرامي يجب أن تنصرف إلى كل من السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية.
المبحث الثاني : الجريمة المحتملة (قيام المسؤولية الجنائية رغم عدم وجود نية الخيانة أو التجسس ) المطلب الأول : مفهوم الجريمة المحتملة :
في ظل الحضارة الإنسانية، صارت الجريمة أكثر خطورة وتعقيدا، وتنوعت أشكالها وصورها، ولم تعد تقتصر على أنماط متكررة، ووجهت في السابق بتشريعات تناسبها، لكن في ظل هذا التغير اللافت في طبيعة الجريمة لم تعد المسؤولية الجنائية مادية بحتة، كما درج في التشريعات القضائية القديمة، لكنها أصبحت تستند في الوقت الحاضر إلى أساس المسؤولية الأخلاقية والأدبية أيضاً.
لذا نجد أن المشرع انطلق أبعد من القاعدة العامة التي تنص على أن «الجاني لا يُسأل عن جريمة ليست نتيجة لنشاطه الإجرامي أو اشترك فيها بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون»، ونص على مسؤولية الجاني عن « الجريمة المحتملة »، وفرض عليه أن يتحمل نتائج جريمة يمكن أن تقع في إطار التسلسل الطبيعي للأحداث، ويكفي أن تكون هذه النتائج متوقعة في ذاتها بصرف النظر عما إذا كان الجاني توقعها، أو لم يتوقعها، ويمكن أن نوضح ذلك ببعض الأمثلة والحالات.
فمن الوارد على سبيل المثال، حين يقدم شخص على ارتكاب جريمة مثل السرقة ويحمل سلاحاً معه، أن يستخدم هذا السلاح حين يكشف أمره أثناء تنفيذ الجريمة ضد من يحاول ضبطه، أو كمن يساعد شخصاً في سرقة منزل، واعترضهما صاحب المنزل فأخرج الفاعل الأصلي مسدساً وأطلق النار على مالك البيت فأرداه قتيلاً في الحال، فهنا يًساءل كلاهما المنفذ والمساعد عن جريمة القتل.
وإذا قام أحدهم بدس السم في طعام شخص بغرض قتله، وهو يعلم أن شخصاً آخر قد يتناول الطعام معه، ومع ذلك واصل تنفيذ جريمته، ففي هذه الحالة يكون القصد مباشراً في حالة الشخص الذي خطط لقتله، واحتمالي في حالة قتل شخص آخر شاركه الطعام.
ونفس الشئ ينطبق علي من يقوم بتقديم معلومات عسكرية سرية للغير من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني فإن المسؤولية الجنائية تقوم ضده حتي ولم تكن له نية الخيانة او التجسس.
- بالنسبة للقضاء المصري فأن محكمة النقض لها قرارات عديدة قضت فيها بمسؤولية الشريك عن الجريمة المغايرة التي وقعت فعلا لكنها كانت من النتائج المحتملة لمساهمته في الجريمة الاصلية، وقد تواتر القضاء المصري على تطبيق المبدأ المذكور على الفاعل والشريك على حد سواء. ففي قرار لمحكمة النقض المصرية أوردت فيه (لما كان الاصل ان المتهم لايسأل إلا عن الفعل الذي ارتكبه أو اشترك في ارتكابه متى وقع ذلك الفعل، إلا ان الشارع قد توقع حصول نتائج غير مقصودة لذاتها، فخرج عن ذلك الاصل وجعل المتهم مسؤولا عن النتائج المحتملة لعمله، متى كان في مقدوره أو كان من واجبه ان يتوقع حصولها، على أساس إن إرادة الفاعل لابد أن تكون قد اتجهت نحو الفعل ونتائجه الطبيعية ولذا بات من المقرران المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الاجرامي، ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة.
وإذ كان التقرير الطبي قد جاء قاطعا في إن الانفعال النفساني المصاحب للحادث قد أدى الى تنبيه القلب عن طريق الجهاز العصبي السبمثاوي وهو مما ألقى عبئا أضافيا على طاقة القلب والدورة الدموية اللتين كانتا متأثرتين أصلا بالحالة المرضية المزمنة المتقدمة بالقلب والأوعية الدموية وهذا مما مهد وعمل بظهور نوبة هبوط حاد بالقلب أنتهت بالوفاة، فأن ذلك يقطع بتوافره رابطة السببية بين الفعل المسند الى المطعون ضده ووفاة المجني عليه ويحقق بالتالي مسؤوليته عن نتيجة فعله التي كان من واجبه ان يتوقع حدوثها خلافا لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه……………..) المطلب الثاني : العقوبة المقررة للجاني بعد قيام المسؤولية الجنائية حسب المادة 69 ق ع ج :
تعرف العقوبة بأنها جزاء مقرر بنص في القانون ينزله القاضي على من يثبت ارتكابه جريمة ويتناسب مع درجة الجرم ، تتميز الجريمة بمعناها المتقدم عن الجريمة التأديبية و الجريمة المدنية. فالجريمة الجنائية أمر يعتبره القانون مخلا بنظام المجتمع و أمنه فيحدده و يقرر له عقوبة كذلك يمكن ان تكون الجريمة الجنائية تعدي علي الامن و الدفاع الوطني دون نية الخيانة او التجسس.
إن المشرع الجزائري كيف فعل تقديم معلومات عسكرية لم تجعلها السلطة المختصة علنية و من شأن ذلك الإضرار بالدفاع الوطني علي أنها جنحة و أقر لها عقوبة تتراوح بين من سنة إلى خمس سنوات. أغراض العقوبة : أ- غرض الردع :
ساد هذا الغرض للعقوبة في ظل الفلسفة الجنائية التقليدية القديمة، التي اتخذت من الجريمة لا شخص المجرم محورا لها ، وأقامت مسئولية المتهم على أساس أخلاقي قوامه مبدأ حرية الإرادة والاختيار لدى المتهم في جنوحه وإجرامه، ومن ثم فهو آثم مذنب. وكان طبيعيا أن يأتي رد الفعل المقرر جزاء للجرم (العقوبة) هادفا إلى زجر وردع هذه الإرادة الآثمة المذنبة للمجرم (الردع الخاص) حتى لا يعود ثانية إلى الجريمة، وهادفا كذلك إلى ردع وزجر إرادة الغير ممن لم يجرموا فعلا لئلا يحذوا حذو المجرم ويحاكوه (الردع العام). ب-غرض العدالة :
نتيجة إدخالهم بعد الاضافات والتعديلات البسيطة على مبادئ وأفكار المدرسة التقليدية القديمة، فقد حاول أنصار الفكر التقليدي الحديث الجمع في مجال غرض العقوبة بين وظيفتها الأساسية في الردع والزجر ووظيفتها المستحدثة في تحقيق اعتبارات العدالة ، وذلك من خلال محاولتهم التوفيقية بين مبدأي " نفعية " العقوبة و "عدالتها ". ج- غرض الإصلاح والتقويم :
جاءت السياسة الجنائية الوضعية منكرة عن العقوبة أي وظيفة نفعية لها خاصة في صورة " الردع العام ".
وقد كان ذلك نتيجة طبيعة وحتمية لفلسفة هذه المدرسة القائمة على هدم مبدأ " الإرادة الحرة " في اختيار طريق الإجرام وإحلالها مبدأ " الجبرية والانسياق " محله. فما دامت الارادة الحرة لا وجود لها أصلا في فكر هذه المدرسة ، فلا يكون متصورا والحال كذلك أن تقوم العقوبة بوظيفة ما في الردع والزجر، حيث لا وجود للإرادة التي تكون محلا لهذا الردع أو ذاك الزجر . وفي ظل هذه الفلسفة الوضعية القائمة على " الجبرية والانسياق " إلى طريق الإجرام – والتي أوجدت التدابير الاحترازية كبديل للعقوبة بمفهومها التقليدي – فقد قامت مسئولية المجرم على أساس من ضرورات " الدفاع الاجتماعي " ضد " خطورته الاجرامية " ، وأن هذا الدفاع ضد تلك الخطورة لا يتأتى بالزجر والردع وإنما بالإصلاح والتقويم والتهذيب ، الذي كان هو غرض التدابير التي استحدثتها هذه المدرسة .
خاتمة :
وفي الأخير يجب على كل مواطن جزائري أن يتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن و استقرار دولته و أن يحذر مخططات الأعداء مهما كان المقابل، يبقى هذا النوع من الجرائم في حاجة إلى يقظة و تظافر جهود الجميع لمواجهتها و التصدي لها قبل حدوثها كضرورة التبليغ بسرعة عن كل شخص مشتبه فيه لتتدخل الجهات الأمنية في الوقت المناسب .
ضرورة ضمان الحقوق و الحريات الفردية و العمل على تحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية، ليساهم ذلك ن رفع روح المسؤولية لدي المواطن الجزائري و ضرورة العمل على رفع الروح الوطنية لديه بشتي الأساليب ليكون لديه الولاء لوطنه، ولا نتصور ابدا بعد ذلك أن يقدم أي مواطن على خيانة وطنه و التواطؤ بأي شكل من الأشكال مع أي شخص يحاول المساس بأمن الجزائر، بل علي العكس سوف يكون ذلك المواطن دائما مساهما في إفشال هذه المخططات من أعداء الو طن.
المراجع : القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في08 يونيو 1966،ج.ر 49 مؤرخة في 10 أوت 1966 معدل و متمم. المؤلفات :
- د.عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009 ،
- د. عبدالفتاح مصطفى الصيفي، قانون العقوبات جرائم الاعتداء على أمن الدولة و على الأموال، دار النهضة العربية، بيروت ، لبنان،1972.
- د.لحسن بوسقيعة, الوجيز في شرح القانون الجزائي العام, ديوان الأشغال التربوية سنة 2002
- د. عبد الإله محمد النوايسة ، الجرائم الواقعة علي أمن الدولة في التشريع الأردني ، الطبعة الأولي ، دار وائل ، الأردن 2005.
- عمر خوري، شرح قانون العقوبات –القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.
- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،بدون سنة.