logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





25-12-2023 09:19 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 30-03-2013
رقم العضوية : 157
المشاركات : 462
الجنس :
الدعوات : 12
قوة السمعة : 310
المستوي : آخر
الوظــيفة : كاتب

التعليق على المادة 19 من قانون العقوبات الجزائري
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 19 قانون العقوبات.
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 19 قانون العقوبات.

أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي. تنص المادة 19 من قانون العقوبات : { تدابير الأمن هي :

1 – الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية،

2 – الوضع القضائي في مؤسسة علاجية }.

FmJk7XC
موقع النص القانوني :
يقع  هذا النص ( المادة 19) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386. الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الكتاب الأول منه عنوانه العقوبات و تدابير الأمن ، في الباب الثاني و عنوانه تدابير الأمن.


البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 19 من قانون العقوبات. حيث جعلها تتألف من ثلاث 3 فقرات .
الفقرة الأولى : تبدأ من :  تدابير...... و تنتهي بـ : .......هي،
الفقرة الثانية : تبدأ من : الحجر القضائي...... و تنتهي بـ : ........العقلية،
الفقرة الثالثة : تبدأ من : الوضع القضائي...... و تنتهي بـ : ......علاجية.

البناء اللغوي والنحوي :
استعمل  المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت. المادة 19 من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع تدابير الأمن و كمثال على ذلك نشير إلى :
" تدابير الأمن " ، " الحجز القضائي " ، " الوضع القضائي " .

البناء المنطقي :
جاء  البناء المنطقي للمادة 19 من قانون العقوبات متسلسلا. ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " تدابير الأمن هي "، وهنا  يحدد المشرع الحالات التي نكون فيها امام تدابير للأمن في الحالة الأولى وضع الرقم 1 أما الحالة الثانية فوضع الرقم 2 .
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا إخباريا .

ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 19 من قانون العقوبات يتضح أن المشرع. إعتبر تدابير الأمن أو كما يطلق عليها اسم التدابير الإحترازية وسيلة حديثة نسبيا، و تعد الصورة الثانية للجزاء الجنائي ، وبهدف حماية المجتمع عن طريق منع المجرم من العودة إلى ارتكاب جرائم جديدة، وذلك إما بالحجز القضائي عليه في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية أو الوضع القضائي في مؤسسة علاجية.


تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 19 ق ع  يمكن طرح عدة تساؤلات. نلخصها في الإشكالية التالية :
ما مفهوم تدابير الأمن ؟ وما هي أنوعها ؟.


التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم تدابير الأمن.
المطلب الأول : مفهوم مبدأ شرعية الجرائم.
المطلب الثاني : تقييم مبدأ شرعية الجرائم.
المبحث الثاني : تدابير الأمن في قانون العقوبات الجزائري.
المطلب الأول : الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية.
المطلب الثاني : الوضع القضائي في مؤسسة علاجية.
المبحث الثالث : تدابيـر الأمن الخاصة بالأحداث.
المطلب الأول : طبيعة تدابير الأمن الخاصة بالحدث.
المطلب الثاني : الإطار القانوني لتدابير الأمن الخاصة بجنوح الحدث.
خـاتـمة.


مقدمة :
تشكل الجريمة تهديدا مباشرا لسلامة الأفراد لما تحمله في طياتها من خطر على كيان الإنسان والمجتمع، لذلك فقد كان هناك تأكيدا مستمرا من قبل رجال القانون والفقهاء. على أن الوقاية من الجريمة أفضل وسيلة لتحقيق استقرار الفرد والمجتمع، ومن ثم لما كان المجرم يؤدي بفعله الضار إلحاق الضرر وزرع  الفتنة والبلبلة داخل المجتمع وهز كيانه، رتبت التشريعات عقوبات رادعة وزاجرة لهذا المجرم، وذلك من أجل حده عن جرائمه، ويتم تحديد هذه العقوبة بقدر جرم هذا النخص، وظلت العقوبة إلى وقت غير بعيد الصورة الوحيدة للجزاء الجنائي، ومع تطور الفكر العقابي ثبت عجز العقوبة عن الحد من ظاهرة الإجرام، ولم يعد الهدف من الجزاء الجنائي هو إيلام المجرمين المحكومين والإنتقام منهم.

هذا  الأمر إستلزم البحث عن جزاء بديل يحل محل العقوبة، ويكون قادر على إصلاح  المجرم وإعادة تأهيله بدلا من مجرد قهره وزجره بالعقوبة، فظهرت تدابير الأمن كصورة أخرى من صور الجزاء الجنائي. وتعتبر  تدابير الأمن أو كما يطلق عليها اسم التدابير الإحترازية وسيلة حديثة نسبيا حيث أنها لم تظهر على حقيقتها وتحتل مكانتها بمفهومها الحالي وطبيعتها المنفصلة عن كونها عقوبات نكميلية أو تبعية إلا بفضل تعاليم المدرسة الوضعية، التي دعت إلى وجوب هجر العقوبة والمبادئ التي تقوم عليها.
ليحل محلها نظام بديل يقوم على تدابير الأمن القادرة على إصلاح المجرم وحماية المجتمع من الإجرام. وقد سارعت التشريعات الوضعية الحديثة على نحو منفاوت فيما بينها للأخذ بنظرية تدابير الأمن أو نظرية التدابير الإحترازية، وبات من غير الممكن لأي تشريع  جناني حديث أن يتجاهلها، ومن بينها التشريع الجزائري الذي أخذ بنظام تدابير الأمن كذلك وقرر تدابير وإجراءات خاصة بالأشخاص الطبيعية، غير أنه ميز بين معاملة المجرمين البالغين وبين المجرمين الأحداث، وأفرد لكل فئة أحكاما  خاصة وجزاءات مناسبة. 


المبحث الأول : ماهية تدابير الأمن وخصائصها.
من المتعارف عليه في التشريعات العقابية أن العقوبة تمثل الآلية. والوسيلة التي يمكن من خلالها ردع المجرم وحماية المجتمع، لكن مع التطور الحاصل في هذا الأخير لوحظ ازدياد نسبة الإجرام، وهو ما أدى إلى ظهور أفكار تنكر على العقوبة فعاليتها في مواجهة المجرم والجريمة على حد سواء، لذا أصبح من الجدير بالتشريعات والفقه الجنائي البحث عن صورة ثانية للجزاء الجنائي.


المطلب الأول : تعريف تدابير الأمن :
تعد تدابير الأمن الصورة الثانية للجزاء الجنائي ويرجع الفضل في ظهورها. إلى المدرسة الوضعية في منتصف القرن التاسع عشر، نجد علماء العقاب يعرفونها  بأنها " مجموعة الإجراءات التي يصدرها القاضي لمواجهة الخطورة الإجرامية  الكامنة في شخص مرتكب الجريمة بغرض تخليصه منها ".
وفي تعريف للأستاذ عبد الله أوهايبية بأنها : " عبارة عن إجراءات وقائية تتخذ مستقلة لحماية المجتمع ممن. يخشى منهم عليه من ارتكاب الجرائم، فهي تدابير  غبر عقابية ".
كما عرفها الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي بأنها : "مجموعة الإجراءات القانونية، تواجه خطورة إجرامية كامنة. في شخصية مرتكب الجريمة تهدف إلى حماية المجتمع، عن طريق منع المجرم من العودة إلى ارتكاب جرائم جديدة ".


المطلب الثاني : خصائص تدابير الأمن :
باعتبار  أن للعقوبة غرض ردعي فإن هدف تدبير الأمن على عكسها وقائي، وهذا طبقا لما نصت عليه المادة، 4 من قانون العقوبات الجزائري في الفقرة الأخيرة منها على أن" لتدابير الأمن هدف وقائي ".
فتتم المعاينة المسبقة لتدبير الأمن لتقدير حالة الخطورة، وبهذا المعنى فإن تدبير الأمن لا يطبق إلا على من ارتكب فعلا جريمة، وهذا تماشيا مع مبدأ الشرعية، ووجب تحقق الركن المادي فقط باعتبار أن الركن المعنوي ليس شرطا لتوقيع تدبير الأمن الموقع على ناقصي الأهلية وعديميها لمواجهة خطورتهم ومنعهم من ارتكاب جرائم مستقبلا، ومن الهدف الوقائي لتدبير الأمن نخلص إلى ثلاث خصائص :

الفرع الأول : غياب الصفة الأخلاقية :
يترتب على هذه الخاصية اعتبار تدبير الأمن وسيلة يستعملها المجتمع لمكافحة الإجرام، فرغم أن العديد من صور هذه التدابير تتمثل في تدابير علاجية أو تهذيبية، إلا أن توقيعها لا يتوقف على رضاء الشخص المحكوم عليه بها فهي تطبيق في مواجهته بصرف النظر عن قبوله أو رضاه، وبهذا المعنى فإن تطبيق تدابير الأمن على شخص ما لا يقتضي البحث عما إذا كانت حالة الخطورة الكامنة فيه مردها إلى خطئه أم لا.
ومن هذا المنطلق لا ينطوي تدبيرالأمن على إيلام الفرد مقارنة بالعقوبة، وتنظم تدابير الأمن بكيفية لا يشعر فيها الفرد بأنه يعاقب من أجل خطأ، كما يبتعد كل البعد عن أي لوم اجتماعي، ومن هنا نخلص لعدة نتائج هامة :
فغرض هذا الأخير ضمان حماية المجتمع. ويتم ذلك أساسا بتأهيل الفرد وبتجديده عند الضرورة وتكون الأفضلية في تدابير الأمن للوسائل التربوية. (إعادة تربية الأحداث) والعلاجية (معالجة الإدمان على الكحول وتعاطي المخدرات والجنون).


أولا : اتجاه التدبير نحو المستقبل :
إن اتجاه التدبير نحو المستقبل يعني أن يواجه خطورة ننذر بالمستقبل. وهذا الأخير توقع والتوقع بنصرف إلى المستقبل. فلا  يعير التدبير الماضي الكثير من اهتمامه. إلا فيما يخص تحديد نوع وصفة وأسباب الخطورة، فالجريمة وقعت ولا مجال لتفاديها، والخطر على المجتمع يتمثل في شخصية الجاني الخطرة فهي الباقية والمستمرة بعد الجريمة.
ولذلك فإن التدبير يتوجه ليستهدف أسباب الخطورة عنده باستئصالها عنه، معتمدا على وسائل بطبيعتها يرجى منها أن تعطي نتائج إيجابية مستقبلية، فإعادة التأهيل والعلاج والتهذيب وتحييد الحالة الخطرة، كلها وسائل يأمل أن تعطي ثمارها مستقبلا.
فتتحقق الوقاية الخاصة عند المجرم يعني وقاية المجتمع أيضا.


ثانيا : استبعاد قصد الإيلام ( إحداث الألم ) :
لا تحمل التدابير معنى اللوم الأدبي أو الاجتماعي، وإنما تطبق على الأفراد الخطرين اجتماعيا يقصد إعادة تأهيلهم، والتأهيل يكون بالعلاج والرعاية وليس بالشدة والعقاب، فاستبعاد الإيلام شيء طبيعي، ينتج عليه عدة عوامل ترجع  إلى طبيعة التدبير وتجرده من الفحوى الأخلاقي ومنها :
1- ما يتعلق بهدف التدبير، إذ يهدف لإعادة تأهيل المجرم والعودة به للمجتمع، ولا يتحقق الجاني.
2- فيما يتعلق بطبيعة الوسائل المتبعة، وتكون في التدبير وسائل علاجية أو تهذيبية بعيدة عن الإيلام، وننفذ في أماكن نتماشى مع الحياة العادية.
3- أن التدبير لا يحمل معنى الإيلام الاجتماعي، فلا مبرر إذن لإيلام المجرم مع نفي اللوم الاجتماعي.
لكن مع كل ما سبق لا يمكن أن يتجرد التدبير تجردا كاملا من كل معاني الإيلام. لأن إجراءات تتفيذه تحمل إيلاما معينا يتمثل في تعريض حرية الشخص وحقوقه للانتقاص دون قصد.


ثالثا : لا تحمل معنى التحقير :
إن  المجتمع لا ينظر لمن يخضع للتدبير بنفس نظرة الاحتقار التي ينظر بها للجاني الذي يخضع للعقوبة، فالناس ترى أن من خضع للتدبير فقد مقدارا من سلطان إرادته فهو لا يستحق الازدراء والتحقير، لأنه أشبه بمريض بستحق أن يعذر لا أن يلام.


الفرع الثاني : عدم تحديد مدة تدابير الأمن :
إن عدم تحديد مدة تدابير الأمن يتفق مع طبيعتها والغرض الذي تهدف إلى تحقيقه.
إذ أن أساس النطق به توافر الخطورة الإجرامية التي لا يستطيع القاضي أن يحدد مقدما متى تنتهي، مما يترتب عليه عدم استطاعته تحديد المدة اللازمة لعلاج المحكوم عليه وإصلاحه، لأن التدبير يواجه حالة مستقبلية ومن ثم يصعب على القاضي أن يتنبا بالوقت الذي تنقضي فيه حالة الخطورة، وهاته الخاصية أثارت جدلا بين الفقهاء حول إمكانية التنسيق والتوفيق بينها وبين مبدأ الشرعية الذي يستلزم تحديد مدة الجزاء.
إضافة إلى ما سبق ذكره فإن من تعاليم المدرسة الوضعية أن لا تكون تدابير الأمن على ضوء نتائج التأهيل، ومن ثم يكون تاريخ انتهاء التدبير مرهونا بزوال  الخطورة من نفسية الجاني، غير أن التشريعات التي أخذت بهذا النظام، بما فيها الجزائر، لم نلتزم كليا بتحديد هذه التدابير حيث عمدت إلى تحديد حد أقصى مع إمكانية اللجوء ثانية إلى التدبير إذا تبين أن حالة الخطورة لم تزل عند انتهاء الأجل.
وهكذا نصت المادة 12 من الأمر رقم 72-03 المؤرخ في 10-02-1972 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة على أن تدابير الحماية والمساعدة التربوية التي جاء بها النص تكون مقررة لمدة محددة لا تتجاوز بلوغ القاصر سن الرشد، وهو نفس الحكم الذي جاء في الفقرة الأخيرة من المادة ،44 ق إ ج بالنسبة لتدابير الحماية وإعادة التربية المقررة للأحداث الجانحين ‎.


الفرع الثالث : المراجعة المستمرة للتدابير :
وتعد  هذه الخاصية من أهم الخصائص ندابير الأمن، وهي نتيجة طبيعية لارتباطه بالخطورة الإجرامية ومن ثم يكون قابلا لإعادة النظر فيه بقصد ملائمته لتطور حالة الخطورة لدى المحكوم عليه، وذلك لأن التدابير الأمن تطبق من أجل  حماية وعلاج الحالة الخطرة التي تم تشخيصها.
ولهذا فإنه من الصعب على المشرع أو القاضي أن يحدد سلفا نوع التدبير. وأن يقطعا بأنه قادر على القضاء على حالة الخطورة لدى الفرد، فقد لا تثبت الخطورة على حال وذلك كأن تزداد أو تنقص أو تتغير طبيعتها مما لابد من تغيير، وعلبه  فإن التدبير المتخذ ابتداء ليس تدبيرا نهائيا فقد يظهر بعد تطبيقه بوقت ما. عدم فاعليته في مواجهة الخطورة الإجرامية مما يقتضي تعدد مضمونه أو إبداله بتدبير آخر.
أما إذا أثبت التدبير المطبق على الجاني بدء فعاليته وقدرته على مواجهة الخطورة الإجرامية التي أنيط به أمر مواجهتها فقد تثبت صلاحبته واستمر تطبيقه دون السعي لإبداله أو تعديله.


ومما سبق فإن الجهة القضائية التي قررت التدابير الأمنية لا تنتهي مهمتها بإصدار حكمها، فتظل مختصة بمراقبة تنفيذ التدابير ولها تغييره أو التخفيف منه أو على العكس من ذلك بتشديده، هذا ما نصت عليه وأكدته المادة ،22 المعدلة من قانون العقوبات بأنه : تجوز مراجعة الوضع القضائي في مؤسسة علاجية، بالنظر إلى تطور الخطورة الإجرامية للمعني وفقا للإجراءات والكيفيات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما.
وهو  الأمر نفسه الذي أكدته المادة ،482 من قانون الإجراءات الجزائية بنصها. أيا ما تكون الجهة القضائية التي أمرت باتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة، 444 فإن هذه التدابير يجوز لقاضي الأحداث تعديلها أو مراجعتها في كل وقت. إما بناء على طلب النيابة العامة على تقرير المندوب المعين في الإفراج تحت المراقبة إما من تلقاء نفسه.
إضافة إلى الخصائص السابق ذكرها. فإن لتدابير الأمن خصائص أخرى تشترك فيها مع العقوبة وهي :


وجوب صدورها من محكمة قضائية :
فرغم  أن مضمون التدابير الأمنية علاجي أو تهذييي فإنها لا تصدر وتوقع. إلا من جهة قضائية لاستئثار هذا الأخير بإنزالها متى توفرت شروطها، وتعد هذه الخصيصة ضمانة هامة للحريات الفردية.


خضوعها لمبدأ الشرعية :
بحيث لا يجوز للقاضي اللجوء إلى التدبير الذي لا ينص عليه صراحة في القانون، وبالتالي يتعين على المشرع أن ينص على نوع التدبير وعلى الإجراء التي والاعتراف بمبدأ شرعية تدابير الأمن. يعد ثمرة لمجهودات فقهية حرصت على أن لا يكون الدفاع على المجتمع باسم تدابير الأمن على حساب حريات الأفراد. ومثال ذلك ما يعرف بحركة الدفاع الاجتماعي الحديث التي قادها الفرنسي" مارك أنسل".

وقد وضع ذلك الاتجاه حدا لبعض الدعاوى التي كانت تطالب بتوقيع التدابير الأمنية. ولو في مواجهة أشخاص لم يسبق لهم ارتكاب جريمة متى توافرت خطورتهم الإجرامية.
وبما أن تطبيق ندابير الأمن يقضي سلب أو نقييد حرية المحكوم عليه. فإنه يجب عدم فرض أي تدبير أمني ما لم يكن منصوصا على الحالات التي يجوز أو يجب فيها فرضه، وذلك عملا بمبدأ الشرعية.



المبحث الثاني : تدابير الأمن في قانون العقوبات الجزائري :
لقد عرف قانون العقوبات الجزائري التدابير أسوة مع غيره من القوانين الوضعية الحديثة. التي عرفت بدورها هذه التدابير فقد نص عليها في مادته الأولى ليكسبها الشرعية. و قد بين أهدافها في مادته الرابعة بنصه : { إن لتدابير الأمن هدف وقائي وهي إما شخصية أو أمنية } ثم فصل القانون أنواعها في المادة 19 القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20-12-2006 تدابير الأمن هي : 1/ الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية.
2/ الوضع القضائي في مؤسسة علاجية .


و بالإضافة إلى هذه التدابير التي تطبق على الكبار البالغين. هناك التدابير الموجودة و المنصوص عليها في المادة 444 القانون رقم 82-03 المؤرخ في 13-02-1982 { لا يجوز في مواد الجنايات و الجنح أن تتخذ في ضد الحدث. الذي لم يبلغ الثامن عشر إلا تدابير أو أكثر من تدابير الحماية و التهذيب الأتي  بيانها :
- تسليمه لوليه أو لوصيه أو لشخص جدير بالثقة.
- تطبيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت الرقابة.
- وضعه في منظمة أو مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتهذيب. أو للتكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض.
- كذلك وضعه في مؤسسة طبية أو طبية تربوية مؤهلة لذلك.
- وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث المجرمين في سن الدراسة.


غير  انه يجوز أيضا أن يتخذ في شأن الحدث الذي يتجاوز عمره 13 سنة. تدبير يرمي إلى وضعه في مؤسسة عامة للتهذيب تحت المراقبة أو للتربية الإصلاحية }.
و يتعين في جميع الأحوال أن يكون الحكم بالتدبير المذكورة أنفا. لمدة معينة لا تجوز أن تتجاوز التاريخ الذي يبلغ فيه القاصر سن الرشد المدني. و كذلك منصوص المواد 445و المادة 446 ق ا ج.


المطلب الأول : الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية :
بينت  المادة 21 قانون العقوبات مفهوم الحجز القضائي بنصها { الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية هو وضع الشخص بنــاء على أمر أو حكم أو قرار قضائي. في مؤسسة مهيأة لهذا الغـرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت  ارتكابه للجريمة أو اعتــراه بعـد ارتكابها }.


يمكن أن يصدر الأمر بالحجز القضائي بموجب أي أمر أو حكم أو قرار بإدانة المتهم والعفو عنه أو ببراءته. أو بانتفاء وجه الدعوة غير انه في الحالتين الأخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة. يجب إثبات الخلل العقلـي في الحكم الصادر بالحجز القضائي بعد الفحص الطبي. يخضع الشخص الموضوع في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية لنظام الاستشفـاء الإجباري المنصوص عليها في التشريع الجاري العمل به. غير أن النائب العام يبقى مختصا في ما يتعلق بمآل الدعوى العمومية التزاما بالقواعد العامة في المؤسسة الجنائية. التي تقيد المسؤولية على وجود إرادة صحيحة.

يمكن أن يعتمد منها قانونا فان من أصابه خلل في قواعده العقلية. لا يمكن محاكمته على الجريمة التي اقترفها إذا كان الخلل وضع عند ارتكابها. ذلك أن الخلل في هذه الحالة يعد مانعا للمسؤولية تطبيقا للمبادئ التي توجب أن تكون. الإرادة صحيحة لإرادة مجنون أو غير عاقل لا يدرك سير المحاكمات ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه ، و قد يصيب المرء خللا في قواه العقلية بعد ارتكابه للجريمة و أثناء سير الأعمـال الإجرائية. و في هذه الحالة يتوجب وقف الإجراءات سواء ما تعلق  الأمر منها برفع الدعـوى أو بالمحاكمة أسوة بما سبق و اشرنا إليـه .من وجوب وقف محاكمة من اقترف الجريمة إذا كان مختلا وقت ارتكابها.
و  أخيرا فانه لا يجوز الاستمرار في تنفيذ العقوبة المحكوم بها على الجاني. الذي أصابه الخلل العقلي و ذلك لأنه لا يصبح عاجزا عن فهم و إدراك مضمون  العقاب.

امتناع المسؤولية في مثل هذه الحالات تعود إلى نص المادة 47 ق ع { لا  عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة و ذلك دون الإخلال  بأحكام الفقــرة 02 من المادة 21 }.

و ربط المادة 21 عقوبات بالمادة 47 عقوبات تعني أننا توسعنا. في معنى الجنون وطبقناه بمعنى كل خلل عقلي ، فأصبح ذلك الخلل العقلي مانع للمسؤولية.
و قد جرى العمل في إطلاق سراح المتهم المصاب بمرض عقلي لامتناع مسؤوليته. الأمر الذي كان يحمل بعض النتائج السيئة على المتهم نفسه أو على المجتمع في بعض الحالات. و قد حاولت بعض التشريعات الحديثة و منها التشريع الجزائري أن تتجنب مثل هذه النتائج. و ذلك بإعطاء السلطات القضائية الحق بحجز المجرمين المصابيـن بخلل عقلي و إخضاعهم لتدابير الأمن. تنفذ في أماكن معدة  لذلك في محاولة لعلاج المتهــم و حفاظا على امن المجتمع و سلامته.


الفرع الأول : مضمون هذا التدبير و شروط تطبيقه :
1-مضمون التدبير :
الوضع  في مؤسسة عقابية هو تدبير علاجي ينفذ في مؤسسات مختصة بالعـلاج و يعني ذلك أن فكرة السجن مستبعدة تماما لأن الهـدف هو علاج الجاني، و نشير إلى أن التدبير غير محدد المدة وقد أحسن المشرع بنصـه على ذلك لأننا لا  نستطيع أن نحدد سلفا متى تنتهي خطورة الجاني ، فإطلاق سراح الجــاني مرتبط بشفائه من المرض الذي كان سببا في إنزال التدابيـر ومن الطبيعي أن يستمر التدبير مطبقا حتى يشفى المحكوم عليه.

2- شروط تطبيق هذا التدبير :
لا ينزل هذا التدبير بكل مجرم مجنون تلقائيا بعد العفو عنه أو براءته أو لأي سبب آخر بل لا بد من توافر شروط :
الجريمة السابقة :
يشترط أن يكون للمحكوم قد قام بجريمة قبل إنـزال التدابير بـه و يستدل هذا الشرط من نص المادة 21 قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20-12-2006 الذي اشترط أن يكون الخلل قائما وقت ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابها و أضافت نص المادة { يمكن أن يصدر الأمر بالحجز القضائي بموجب أي أمر حكم أو قرار أو بإدانة المتهم أو العفو عنه أو براءته أو بانتفاء وجه الدعوى غيـر انه في الحالتين الأخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة }.
و  أضافت نص المادة في الفقرة الأخيرة { يخضع الشخص الموضوع في مؤسســـة استشفائية للأمراض العقلية لنظام الاستشفاء الإجباري المنصوص عليــه في  التشريع الجاري المعمول به غير أن النائب العام يبقى مختصا فيما يتعلق بمآل الدعوى العمومية}.
و لم يشترط القانون جسامة معينة في الجريمة لتطبيق التدابير نعني ذلك أن أي جريمة جناية أو جنحة أو مخالفة تكون صالحة لتطبيق التدابير.


الخطورة الإجرامية :
يشتـرط  القانون ضمنيا أن يكون الجاني ذا خطورة إجرامية لكي تطبق عليه تدابير الأمن ، إذ لا يطبق التدبير على جميع من برأ أو اعفي عنهم فالمادة 311 إجراءات جزائية تنص على { إذا اعفي المتهم من العقاب أو برئ أفرج عنه في  الحال ما لم يكن محبوسا لسبب آخر دون الإخلال بتطبيق أي تدبير امن مناسب تقرره المحكمة ، و لا يجوز أن يعاد أخذ شخص قد برئ قانونا أو اتهامه بسبب الوقائع نفسها حتى ولو صيغت بتكليف مختلف }.
فالأصل أن يفرج عن من اعفي عنه أو برئ و يطبق التدبير بناء على أي أمر مــن المحكمة بالرغم من الإعفاء و البراءة ، لسبب آخر و هو الخطورة الإجرامية التي يمثلها المتهم.


الفرع الثاني : ضمانات عدم التعسف في تطبيق هذا التدبير :
1-وجوب الفحص الطبي :
بما  أن الخلل العقلي أمر طبي لا يستطيع القاضي أن يدركه أو يتأكد منه. إلا بعد الاستشارة الطبية و قد تنبه المشرع إلى هذه الحقيقة فأوجب إثبـات الخلل في الحكم الصادر بالحجز. بعد الفحص الطبي من المادة 21 { يجب إثبــات الخلل  العقلي في الحكم الصادر بالحجز القضائي بعد الفحص الطبي }.

2- التدخل القضائي :
و هذا بناء على قرار قضائي و تعد هذه الضمانات من أهــم الضمانات. باعتبار أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات الفردية.

3- ضرورة ثبوت ارتكاب الجريمة :
و عملا على احترام مبدأ الشرعية فقد اوجب القانون أن يكون المتهم مرتكبا  للجريمة. و اوجب أن تكون مشاركته أكيـدة في الوقائع المادية عند الحكم بالبراءة أو بعد عدم وجود وجه لإقامة الدعوى.

4-المراجعة المستمرة للتدبير :
يجوز النظر في التدبير على أساس تطور حالة الخطورة لصاحب الشأن. و هذا ما أشارت إليه المادة 22 من القانون رقم 06-23 المؤرخة في 20-12-2006 في فقرتها  الثالثة : { يجوز مراجعة الوضع القضائي في مؤسسة علاجية بالنظر إلى تطور الخطورة الإجرامية للمعني وفقا للاجراءت و الكيفيات المنصوص عليها في التشريع و التنظيم المعمول به.
و خلاصة القول أن الحجز القضائي هو تدبير يراد به مواجهة الخطورة. الإجرامية للمجرمين المختلين عقليا تأمر به السلطات القضائية بناء على نتائج الفحوص الطبية.


المطلب الثاني : الوضع القضائي في مؤسسة علاجية :


لقد أثار الكثير من علماء الأجرام إلى وجود علاقة قويـة بين الإدمان على الكحول و المخدرات. و بين ارتكاب الجريمة و هو ما فسروه إلى تحول شخصية الفرد إلى شخصية عدوانية بسبب. الأمراض العصبية النفسية الإضطراب النفسي و الفســاد الأخلاقي و هذا نتيجة الإدمان.
و أثار العلماء الإجرام إلى أن العقوبة لا تجدي نفعا في مواجهة المدمنين لأن العقوبة. لا تستأصل المرض بل يجب أن يواجه بتدبير علاجي يكون قادرا على  إبطال مفعول الإدمان و نص قانون العقوبات الجزائري. في مادته 22 المعدلة  لمواجهة المدمنين و التي جاءت كما يلي : { الوضع القضائي في مؤسسة علاجية هو وضع شخص مصاب بالإدمان الاعتيادي. ناتج عن تعاطي مواد كحولية أو مخدرات أو مؤثرات عقلية تحت الملاحظة في مؤسسة مهيأة. لهذا الغرض و ذلك بناء على أمر أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها. الشخص إذا بدا أن السلوك الإجرامي مرتبط بهذا الإدمان }.
يمكن أن يصدر الأمر بالوضع القضائي طبقا للشروط المحددة في المادة 21 الفقرة 02.

الفرع الأول : شروط إنزال هذا التدبير العلاجي :
أ-أن يكون الجاني مدمنا :
الإدمان حالة تبدأ كعادة لتقوى هذه العادة و يشتد تأثيرها على الشخص. على نحو حاد إلى درجة يصعب الرجوع عنها أو التخلص من تأثيرها.
و لم يعرف القانون الإدمان بل ولم يقرنه بمدلول طبي معين و أشارة المادة 22 إلى الإدمان. فوصفته بأنه { إدمان اعتيادي ناتج عن تعاطي المواد الكحوليـة أو مخدرات أو مؤشرات عقلية }.

ب-ارتكاب الجريمة :
هو شرط يستفاد من نص المادة 22 التي توجب بأن يكون التدبير ناتج على حكم  قضائي. صادر من الجهة المحال إليها الجاني و تبرير هذا الشرط يعود إلى وجوب التمسك بمبدأ الشرعية من جهة. و اعتباره دليلا على خطورة الفاعل و تفاقم  مرضه الذي أخذ يعبر عنه بالجريمة من جهة أخرى.

ج-الخطورة الإجرامية :
لا ينزل التدبير إلا لمواجهة خطورة إجرامية يمثلها الجاني فإذا ثبت أن الجريمة المرتكبة. أو الجريمة التي يخشى من ارتكابها مستقبلا لا علاقة لها  بهذا الإدمان فلا موجب للتدبير.


الفرع الثاني : طبيعة هذا التدبير :
التدبير المتخذ في مواجهة المدمنين هو تدبير علاجي و ينفذ في أماكن معدة خاصة لذلك أي في مؤسسات خاصة للعلاج و يقتضي في هذه الحالة أن يتعاون المحكوم عليه مع المشرفين على المؤسسة العلاجية وهو ما يستدعي أن يكون نظام المعيشة في المؤسسة قائمة على أسس سليمة تجعل المحكوم عليه يتجاوب مع العلاج الطبي و تتقوى عزيمته على تجاوز محنته و الابتعاد على تناول المخدرات أو شرب الخمر أو الأقراص المهلوسة من جديد.
و لم يحدد القانون مدة التدابير على نحو مطلق و حسن الفعل، فهو يواجه مرض لا يستطيع أن يحدد سلفا المدة الواجبة انقضاؤها للقول بشفاء المدمن ، و  يعني ذلك أن التدبير ينتهي عند شفاء المدمن من مرضه حيث يعود للسلطة  القضائية المشرفة على تنفيذ التدبير أمر تقديره بناء على التقارير الطبية بهذا الشأن.


المبحث الثالث : تدابيـر الأمن الخاصة بالأحداث :
لقد  فرقت التشريعات الحديثة بين معاملة المجرمين البالغين و بين معاملة  الأحداث بحيث تفرد المجرمين الأحداث أحكاما خاصة و جزاآت مناسبة تقوم أساسا  على وجوب تطبق التدابير الملائمة لشخصية الحدث الجانح املآ في مساعدته و  تهذيبه فقد اتضح أن العقوبـة و حتى المخفف منها إنما هي وباء على الحدث غير فعالة ومضارها عليه أكثر من نفعها له و عليه فقد اتجهت القوانين الحديثة إلى السعي لإنزال التدابير الملائمة بالحدث الجانح.

المطلب الأول : طبيعة تدابير الأمن الخاصة بالحدث :


إن  الحداثة مرحلة حرجة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، إذ أن المجتمع الإنساني قد أدرك أهمية رعاية الحدث وتوفير الظروف الملائمة لتنشئته تنشئة صحيحة، وحمايته من كل ما يتهدده من أخطار محدقة، ويأتي في هذا السياق ما يتعرض له  الحدث الجانح بعد انحرافه أو تعرضه للانحراف خلال فترة ملاحقته إلى أن يتم  إيداعه للجهة القضائية المختصة بمحاكمته.
وقد  استعمل المشرع الجزائري تسمية الحدث أو القاصر بدل لفظ الطفل وهو الشخص الذي لم يكمل سن الرشد الجزائي، وقرر بأنه يكون بلوغ سن الرشد الجزائي هو  بتمام الثامنة عشر سنة.

كما وضع رعاية خاصة للحدث نتناسب مع المراحل السنية بحبث تكون لكل مرحلة ظروفها وفقا لقدرته على الإدراك والاختيار، وعليه فقد تم تقسيم المراحل السنية للحدث لمرحلتين تدرج بها العقوبات والتدابير الأمنية.
إذ إن المسؤولية الجنائية غبر متساوية في كل مرحلة نتغير وفقا لسن الطفل.
إن التدابير المخصصة للأحداث ذات طابع تهذيبي إذ ينظر إلى العوامـل الاجتماعية و البيئة على أنها الدافع الأساسي في انحراف الحدث وقد يعود  انحراف الحدث إلى مرض عضوي أو نفسي مما يجعلنا نبحث عن التدبيـر العلاجي  المناسب و يعني ذلك وجوب حصر التدابير النازلة بالأحداث في التدابير العلاجيـة و التهذيبية و تهدف هذه التدابير إلى مساعدة الحدث و تقويمه و تهيئته للحياة العادية.


وعليه ونظرا لخصوصية الأحداث وصغر سنهم ومحاولة لإصلاحهم ودمجهم في المجتمع وأملا في تحقيق مستقبل ناجح لهم، كان لابد من إيجاد نظام قانوني خاص بهم يسعى إلى تحقيق العدالة لا يختلف في نطاقه ومداه عن ما هو مقرر للبالغين.

المطلب الثاني : الإطار القانوني لتدابير الأمن الخاصة بجنوح الحدث :


و قد اخذ المشرع الجزائري بهذه النظرة الحديثة لمعاملة الأحداث فحدد في المادة 49 المفهوم العام للمسؤولية الجنائية للأحداث على النحو التالي: { لا توقع على القصر الذي لم يكمل 13 سنة إلا تدابير الحماية أو التربية و مع ذلك فانه في مواد المخالفات لا يكون محل إلا للتوبيخ ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه 13 إلى 18 سنة إما تدابير الحماية أو التربية أو العقوبات المخففة }.

و  تطبقا لهذه المفاهيم الخاصة بمسؤولية الأحداث بينت المواد 442-494 من قانون الاجراآت الجزائية الأحكام الخاصة بالأحداث الجانحين و ذلك بعد أن فصل المشرع القضاء الخاص بالأحداث عن قضاء البالغين ، و قد جاءت في الأحكام  التمهيدية لهذه الأحكام نوع التدابير التي يمكن اتخاذها قبل الحدث الذي لم يكمل سن 13 من عمره في المادة 444 من قانون الاجراآت الجزائية كالآتي : { لا يجوز في مواد الجنايات أو الجنح إن يتخذ ضد الحدث الذي لم يبلغ 18 سنة إلا تدابير أو أكثر من تدابير الحماية و التهذيب الأتي بيانها :
أ- تسليمه لوالديه أو لوصيه أو لشخص جدير بالثقة.
ب- تطيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة .
ج- وضعه في منطقة أو مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتهذيب أو للتكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض.
د- وضعه في مؤسسة طبية أو طبية تربوية مؤهلة لذلك و- وضعه في مصلحة عمومية مكلفة بالمساعدة.
ت-  وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث المجرمين في سن الدراسة غير  انه يجوز أن يتخذ كذلك في شأن الحدث الذي تجاوز عمره 13 سنة تدبير يرمي  لوضعه في مؤسسة عامة للتهذيب تحت المراقبة أو للتربية الإسلامية }.


وأجاز  المشرع لجهة الحكم في المادة 445 "ا ج " بصفة استثنائية أن تستبدل أو تستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة 444 بعقوبة الغرامة أو الحبس المنصوص عليها في المادة 50 من قانون العقوبات { إذا قضي بان يخضع القاصر  الذي يبلغ سنه من 13 سنة إلى 18 سنة لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه  تكون كالأتي :
أ- إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد. فانه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة.
ب-  إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فانه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا }.
و هكذا يكون المشرع قد استجاب للنظريات العلمية التي تقول بوجوب إبعاد المجرم الحدث عن العقاب التقليدي. إذ جعل التدبر هي أصل معالجة الأحداث و قد التزم المشرع بالأحكام العامـة لنظريـة التدابير في تطبيق تدابيـر الأمن. هذه على الأحداث فهي غيـر محددة المدة و يمكن تعديلها ، أو إبدالها أو إلغاؤها و لا يكون للطعن فيهـا أو الاستئناف أو المعارضـة اثر على تنفيذها.

و هذا ما أشارت إليـه المواد 474-488 من "ق ا ج". المادة  474 { يعقد قسم الأحداث في المجلس القضائي وفقا للأشكال المقررة في المواد  468 من هذا القانون ، تطبق على الاستئناف أوامر قاضي الأحداث و أحكام قسم  الأحداث القواعد المقررة في مواد الاستئناف في هذا القانون ، و لا يكون للطعن فيها بالنقد اثر موقف لتنفيذها إلا بالنسبة لأحكام الإدانة الجزائية  التي يقضي بها تطبيقا للمادة 50 ق ع }.
المادة  488 { الأحكام الصادرة في شان المسائل العارضة أو الدعاوي التغير في التدبير أو بخصوص الإفراج تحت المراقبة أو الإيداع أو الحضانة يجوز شمولها بالنفاذ المعجل رغم المعارضة و الاستئناف و يرفع الاستئناف إلى غرفة  الأحداث بالمجلس القضائي }. 


خاتمة :
إن الجزاء الجنائي بنوعيه العقوبة وتدابير الأمن يشكل حاجزا لردع الجرائم بشتى انواعها. وهذه الأخبرة تتطور بحسب تغير المجتمع فهناك حالات اجرامية تستدعي منا تطبيق العقوبة وحالات أخرى نقتضي منا تطبيق تدابير الأمن فقد. امتاز المشرع الجزائري بكونه قنن تدابير الأمن ودونها في قانون العقوبات. كما تجدر الإشارة إلى أن جل التشريعات العربية عملت بنظام تدابير الأمن تحت مسمى التدابير الاحترازية.
إلا أنها لم تتطرق إلى تعريف محدد لها حالها حال المشرع الجزائري الذي اكتف بذكر أنواعها وشروط تطبيقها. والفصل بين تدابير الأمن التي تطبق على الأحداث والبالغين كل على حدى ومن هنا نتوصل إلى مجموعة من النتائج التي سنتطرق إليها وبعدها نطرح مجموعة من التوصيات وذلك كما يلي النتائج المتوصل إليها :

- الملاحظ أن العقوبة أشد من تدابير الأمن إلا أن هذا لا يعني أن هذا. الأخير أسلوب غير فعال في معالج الإجرام .
- تدابير الأمن مهمة في مواجهة الخطورة الإجرامية.
- تدابير الأمن لها دور مهم وأنها الحل المثالي والوحيد. في بعض الحالات الإجرامية التي لايمكن أن نطبق عليها العقوبة. - تدابير الأمن جاءت ناقصة ولم تتطرق إلى مسائل تدابير أخرى. مثل تعليق رخصة السياقة أو سحب جواز السفر مثلا.
- الأحكام القاضية بتدابير الأمن في التشريع الجزائري جاءت قاصرة. على فئة معينة ولم تشمل حالات أخرى تعادلها في الخطورة الإجرامية.

التوصيات :
- على المشرع الجزائري أن يقوم بمعالجة تدابير الأمن من مختلف جوانبها باعتبارها وسيلة. مستحدثة من وسائل الجزاء الجنائي من خلال نصوص قانون العقوبات مع ضرورة قيامه بتفصيل معمق. لبعض النصوص المتعلقة بسحب جواز الصفر وتعليق رخصة السياقة مثلا لسد الفراغ القانوني. وإضفاء الحجية القانونية لهذه الوسيلة الحديثة ضمن شروط معينة.
- نظرا لخطورة الجرائم التي يقوم بها كل من البالغ والحدث وتأثيرها السلبي. على المجتمع فإنه يجب على المشرع تفعيل دور تدابير الأمن بما يناسب الفعل الاجرامي وحالة المجرم.
- ومن أجل نجاعة هذه التدابير يجب على المجتمع نقبل. الفرد المجرم بعد خضوعه لها وهو تأكيدا لاختلافها عن العقوبة كجزاء جنائي.


المراجع :
القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في08 يونيو 1966،ج.ر 49 مؤرخة في 10 أوت1966 معدل و متمم.
الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 يوليو 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم.

المؤلفات :
- عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009.
- عمر خوري، شرح قانون العقوبات –القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.
- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،بدون سنة.
- فتوح عبد الله الشادلي وعبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات الجزائري،  القسم العام، النظرية العامة للجريمة بدون ط، دار الهدى  للمطبوعات،الجزائر، سنة 1998.
- أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام. ط7 الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2008.
- إسحاق إبراهيم منصور، الموجز في علم الإجرام العقاب. الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1979.
- أكرم نشأت إبراهيم، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن. العراق، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بدون سنة نشر.
- أمين مصطفى محمد، علم الجزاء الجنائي، الجزاء الجنائي بين النظرية والتطبيق. الإسكندرية، مصر، دار الجامعة الحديثة للنشر، 1995.
- حسين بن الشيخ، مبادئ القانون الجزائي العام. الجزائر، دار هومة للنشر والتوزيع، 2005.
- سليمان عبد المنعم، أصول علم الإجرام والجزاء. بيروت، لبنان ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1996.
- شهيرة  بولحية، حقوق الطفل بين المواثيق الدولية وقانون العقوبات الجزائري، جمهورية مصر العربية - الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2011.

look/images/icons/i1.gif التعليق على المادة 19 من قانون العقوبات الجزائري
  26-12-2023 09:16 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 17-12-2012
رقم العضوية : 88
المشاركات : 68
الجنس :
الدعوات : 10
قوة السمعة : 10
المستوي : بكالوريا
الوظــيفة : طالب
التعليق على المادة 19 من قانون العقوبات الجزائري ، تدابير الأمن شكرا لك علي الموضوع المميز.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التعليق ، المادة ، قانون ، العقوبات ، الجزائري ،









الساعة الآن 09:02 PM