logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





look/images/icons/i1.gif مفهوم الهبة
  07-05-2018 11:57 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-12-2014
رقم العضوية : 1558
المشاركات : 317
الجنس :
تاريخ الميلاد : 7-1-1985
الدعوات : 2
قوة السمعة : 140
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : متربص
المطلب الثاني : العوض في الهبة
الفرع الأول: العوض في الهبة في التشريع الجزائري و صوره
العوض في الهبة في قانون الأسرة :
الأصل أن الهبة عقد ملزم لجانب واحد، لكب يجوز أن تصبح عقد ملزم لجانبين وفقا لما تنص عليه المادة202 ف 2 ق.أ بأن يشترط الواهب على الموهوب له القيام بالتزام قد يكون عوض، على أن يكون هذا العوض موجودا، غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة، و أن يكون معينا أو قابلا للتعيين.
ويكون العوض بمال كأن يشترط الواهب على الموهوب له التزامل بالإعطاء و التزام بالعمل أو الامتناع عن عمل، فمثل الالتزام بالإعطاء أن يلتزم الموهوب له بترتيب إبراء الواهب، أو الأجنبي، أو أن يلتزم بوفاء ديون الواهب، أو الديون المترتبة على العين الموهوبة.

و الالتزام بالعمل مثله أن يلتزم الموهوب هل بأن يقوم بخدمات معينة للواهب كأن يزرع له أرضا و نحو ذلك. والالتزام بالامتناع عن عمل مثاله أن يتعد الموهوب له بألا يتصرف في العين الموهوبة(1).

و الهبة بعوض يجب أن تبقى قائمة على نية التبرع، و إذا كانت الهبة بعوض مجردة من نية التبرع فهي عقد آخر كالبيع و المقايضة، والعوض في الهبة يجب أن تكون قيمته المادية أقل من قيمة الشيء الموهوب حتى تستبقي الهبة صفتها باعتبارها تبرعا(2).

الصور المختلفة للمقابل في الهبة :
و المقابل في الهبة يتخذ صور مختلفة و متباينة نذكر منها ما يلي: قد يراعى في الشروط و الالتزامات التي يعرضها الواهب على الموهوب له لمصلحة هذا الأخير(3).
مثال ذلك أن يهب شخص آخر مالا و يشترط عليه أن يشتري به دارا أو أوراق مالية ادخارا للمال عند الحاجة لمصلحة الموهوب له نفسه، و قد تكون الشروط و الالتزامات مفروضة على الموهوب له لمصلحة الواهب، مثل ذلك أن يشترط الواهب على الموهوب له أن يوفي ديونه فيلتزم الموهوب له عندئذ بوفاء ديون الواهب التي كانت موجودة وقت الهبة، و قد يشترط الواهب العوض للمصلحة العامة، كأن يهب شخص مالا لجمعية و يشترط عليها أن تقوم بإنشاء مستشفى أو ملجأ مما يحقق مصلحة عامة (4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 164، 165.
(3) ، (4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 130 ، 131.

الفرع الثاني: العمري و الرقبي في الفقه الإسلامي
العــمـــري : العمري في الاصطلاح هي هبة غلة الأصول من الأشجار و الرياع و العقار طول حياة المعمر أو لمدة اتفقا عليها فإذا مات المعمر أو انقضت المدة رجع الشيء للمعمر إن كان حيا و لورثته إن كان ميتا(1) ، و هذه هي هبة المنافع و هي ما يشترط فيها مدة بقاء حياة الموهوب له(2).
و العمري لابد فيه من الحيازة كالهبة و إلا لم تصح، و للمعمر كراؤها العام أو العامين، و لا ينبغي كراؤها أكثر من ذلك فإن كانت لمدة معلومة فله عقد الكراء فيها إلى تلك المدة، و له أن يبيعها من المعمر لورثته نقدا و إلى أجل، و قيل لا يجوز إلا بالنقد(3). و جاء في البداية: اختلف الفقهاء فيها إلى ثلاثة أقوال:
1. أنها هبة مبتوتة أي أنها هبة للرقبة أي الذات، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4).
2. أنه لليس للمعمر فيها إلا المنفعة فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو ورثته و به قال مالك و أصحابه(5).
3. أنه إذا قال هي عمر لك و لعاقبك كانت الرقبة ملكا للمعمر، فإذا لم يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت المعمر للمعمر أو لورثته(6).

الــــــرقـبــــي : صورة الرقبي هو أن يقول شخص لآخر داري لك رقبي، أو أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على أنك مت قبلي عادت إلي، و إن مت قبلك فهي لك، و لعقبك، فكأنه يقول هو لآخرنا موتا، و لدلك سميت رقبي لأن كل واحد منهما يرقب صاحبه، و هي جائزة في قول أكثر أهل العلم.
(1) ، (2) ، (3) ، (4) ، (5) ، (6) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 168 ، 169.

و رأى بعضهم أنها لا تصح، لأن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال: " لا تعمروا و لا ترقبوا"، قال صاحب المغني و لنا ما روى جابر قال قال رسول الله- صلى الله عليه و سلم : " العمري جائزة لأهلها و الرقبي جائزة لأهلها"(1). و من بين الآراء التي وردت في الرقبي :
1. قول الحنفية و الحنابلة أن الرقبي معلقة على أمر غير محقق فلذا كانت غير صحيحة، و إذا كانت هبة هبة غير صحيحة كانت عارية(2).
2. و قول المالكية أن الرقبي باطلة، فإن وقع ذلك و علم قبل موت أحدهما فسخ العقد و إن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة و لا يعبأ بالعقد(3).
3. أما الشافعية فقالوا: أن الهبة تصح بالرقبي و الشرط لغو لا قيمة له، و لا تملك الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب(4).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 171.
(2) ، (3) ، (4) عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق، ص 293 ، 294 ، 299 ، 300 .

المبحث الثالث: الــســـبـــب
المطلب الأول: السبب في الفقه الإسلامي و التشريع الجزائري
الفرع الأول: السبب في الفقه الإسلامي
لقد اختلف الفقهاء المسلمون فيما يخص السبب فمنهم من لم يعالج السبب كركن من أركان العقد و لكن تكلموا عنه بإسهاب في أصول الفقه، و اتسع ليشمل جميع أعمال الإنسان من تصرفات قولية و فعلية و قد اهتموا من جهة أخرى اهتماما عظيما بقصد الإنسان و نيته عند قيامه بعمل من الأعمال، كما تكلموا عن النية أو القصد في التصرفات القولية تحت عنوان " المقصود في العقود" و ذهبوا إلى أنه إذا كان قصد المتعاقد مشروعا فالعقد صحيح و إلا فالعقد باطلا و نقطة البدء في ذلك- قوله صلى الله عليه و سلم-: " إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى "(1).
و هناك رأي آخر يقول بأن فكرة السبب في الفقه الإسلامي ليست فكرة خالية من الباعث و لو لم يتضمنه التعبير عن الإرادة أي و لو لم يذكر في العقد، و يكون العقد صحيحا أو باطلا تبعا لما إذا كان هذا الباعث مشروع أو غير مشروع، و هذا الرأي تتغلب فيه العوامل الأدبية و الخلقية و الدينية، و برى ابن حنبل أن عزل الباعث عن السبب يكون العقد غير مشروع بالنظر إلى الغاية غير المشروعة التي يقصد إليها أحد المتعاقدين(2).

الفرع الثاني: السبب في التشريع الجزائري
إن القانون الجزائري أسند السبب إلى العقد في المادة 97 ق.م: " إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام و للآداب كان العقد باطلا."، و عاد و أسنده إلى الالتزام في المادة98 ف1ق.م: " كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا، ما لم يقم الدليل على غير ذلك.".
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 184.
(2) نفس المرجع، ص 187.

و بهذا فإن المشرع الجزائري أخذ بازدواجية السبب، لكنه عاد فأسند السبب إلى العقد في ف2 من المادة 98 ق.م بقولها:" و يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه."، و على كل حال فالسبب المطلوب كركن في العقد هو السبب بالمعنى الحديث أي الباعث الدافع الذي دفع المتعاقد إلى إبرام العقد و يشترط فيه شرط واحد و هو أن يكون مشروعا، و يفترض أن السبب مشروع حتى يثبت العكس، و إذا ظهر أن الباعث الدافع لأحد المتعاقدين غير مشروع فيشترط لبطلان العقد أن يكون المتعاقد الآخر على علم بهذا الباعث و لا يشترط أن يكون متفقا مع هذا المتعاقد فيه،
و هذا هو الرأي الراجح، فإذا كان باعث أحد المتعاقدين غير مشروع و لم يكن المتعاقد الآخر على علم به، و لا كان في استطاعته أن يعلم به، فلا يكون العقد باطلا و يؤخذ بالإرادة الظاهرة لا بالإرادة الباطنة(1). و بما أن القانون الجزائري قد اعتنق النظرية الحديثة للسبب و اعتبره هو الدافع
الباعث إلى التعاقد، فإن الغلط في هذا السبب يجب أن يؤدي إلى قابلية العقد للإبطال فقط قياسا على كل أنواع الغلط، و قد كانت النظرية التقليدية تقول أن الغلط في السبب يؤدي إلى بطلان العقد بطلانا مطلقا(2). و في إثبات السبب فإن نص المادة 98 ق.م السالفة الذكر يواجه فرضيتين:

الفرض الأول : أن يكون العقد خاليا من ذكر السبب، فيفترض في هذا الفرض أن للعقد سببا مشروعا، و لكن هذه القرينة بسيطة يجوز لمدين أن يثبت عكسها بجميع طرق الإثبات و لو بالبينة و القرائن إذ لا كتابة هنا(3).
(1) ، (2) ، (3) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 75.
الفرض الثاني : أن يذكر السبب في العقد، فيفترض أن هذا السبب حقيقي و ليس صوريا، و للمدين أن يثبت أن السبب المذكور في العقد صوري و ليس هو السبب الحقيقي، و لكن على المدين في هذه الحالة أن يثبت العكس بالكتابة لأن الكتابة لا يجوز إثبات عكسها إلا بالكتابة، و لو لم تزد قيمة العقد عن 100000 د.ج، فإذا أثبت المدين صورية العقد كان عبئ إثبات العكس على الدائن، و إذا أثبت الدائن أن السبب الذكور في العقد هو السبب الحقيقي، فللمدين أن يثبت أنه غير مشروع، و لكنه في هذه الحالة أن يثبت المشروعية بكل طرق الإثبات لأن عدم المشروعية غش ة الغش يجوز إثباته بكل الطرق و لو كان بشهادة الشهود(1).

المطلب الثاني: السبب في القضاء الجزائري
إن القضاء الجزائري قضاء حديث النشأة لا يزال يقتضي آثار القضاء الفرنسي و المصري خاصة في مجال الهبة و ما دام الأمر كذلك ينبغي أن نطبق على عقد الهبة النظرية الحديثة للسبب(2)، و يجب أن يفهم هنا السبب بمعناه الحديث: الباعث الدافع للواهب على الهبة. أما نية التبرع و هي التي تقول النظرية التقليدية أنها السبب في الهبة، فهي تختلط;اختلاطا تاما بالرضا، فالواهب عندما رضي بالهبة كان رضاؤه هذا متضمنا لنية التبرع.
و أكثر ما يظهر عقم النظرية التقليدية في السبب عندما تخلط هذه النظرية نية التبرع بالسبب في الهبات فإن نية التبرع موجودة حتما في كل هبة، ووصف هذه النية بأنها السبب لا يقدم شيئا. و هذا ما دفع الأستاذ كابيتان، و هو من أكبر المدافعين عن نظرية السبب التقليدية، إلى
ألا يقف عند نية التبرع، بل يجاوزها إلى الباعث الدافع، فيجعله هو السبب في الهبة إذا اقترنت بشرط يكون هو الذي دفع المتبرع إلى تبرعه(2)، فيجب إذن الأخذ بالنظرية الحديثة في السبب و بخاصة في عقد الهبة، فيكون السبب كما قدمنا هو الباعث الدافع للواهب على التبرع(4).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 76.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 183.
(3) ، (4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 132 ، 133.

و يجب أن يكون هذا الباعث مشروعا، فإذا كان غير مشروع كانت الهبة باطلة بطلانا مطلقا، و لكن يجب، حتى تكون الهبة باطلة لعدم مشروعية الباعث الذي دفع الواهب إلى التبرع أن يكون الموهوب له يعلم أو يستطيع أن يعلم بهذا الباعث، و قد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا حاجة في الهبة حتى تبطل إلى أن يكون عدم مشروعية الباعث معلوما من الموهوب له، فإن الإرادة التي تقف عندها هي إرادة المتبرع وحده فهي الإرادة التي تسيطر على التصرف، فيعتد إذن بالباعث الذي دفع الواهب إلى تبرعه سواء كان معلوما من الموهوب له أو كان مجهولا منه، و لكن الرأي الذي ساد هو الرأي الأول، فيجب حتى في الهبة لتكون باطلة، أن يكون عدم مشروعية الباعث الذي دفع الواهب إلى التبرع معلوما من الموهوب له(1).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 133.

المبحث الرابع: الشـــــــكــلـيـــــــــــة
المطلب الأول: الشكلية في هبة العقار و المنقول
الفرع الأول: الشكلية في هبة العقار
يستفاد من نص المادة206 ق.أ، أن الهبة في العقار تنعقد بالإيجاب و القبول، و مراعاة أحكام التوثيق و تتم بالحيازة، و من أحكام التوثيق ما نصت عليه المواد324 مكرر1 و 324 مكرر2 و324 مكرر4 من القانون رقم 88/14 المؤرخ في 3 مايو 1988 و كذا المادة 324 مكرر3 من القانون رقم05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المعدلان و المتممان للأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 و المتضمن القانون المدني.

و هذه المواد سيتم ذكرها على التوالي :
1. المادة 342 مكرر1: " زيادة على العقود التي بأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي يجب، تحت طائلة البطلان، تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية أو محلات تجارية أو صناعية أو كل عنصر من عناصرها، أو التنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها، أو عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي، و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد.

كما يجب، تحت طائلة البطلان، إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد رسمي. و تودع الأموال الناتجة عن هذه العمليات لدى الضابط العمومي المحرر للعقد."

2. المادة 324 مكرر 2:" تقع العقود الرسمية من قبل الأطراف و الشهود عند الاقتضاء و يؤشر الضابط العمومي على ذلك في آخر العقد. و إذا كان بين الأطراف أو الشهود من لا يعرف أو لا يستطيع التوقيع يبين الضابط العمومي في آخر العقد تصريحاتهم في هذا الشأن و يضعون بصماتهم ما لم يكن هناك مانع قاهر.
و فضلا عن ذلك، إذا كان الضابط العمومي يجهل الاسم و الحالة و السكن و الأهلية المدنية للأطراف، يشهد على ذلك شاهدان بالغان تحت مسؤوليتهما."

3. المادة324 مكرر3:" يتلقى الضابط العمومي، تحت طائلة البطلان، العقود الاحتفائية، بحضور شاهدين."
4. المادة 324 مكرر4:" يبين الضابط العمومي في العقود الناقلة أو المعلنة عن ملكية عقارية، طبيعة و حالات و مضمون، و حدود العقارات و أسماء المالكين السابقين، و عند الإمكان صفة و تاريخ التحويلات المتتالية."، أن هبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية و ذلك عن طريق مكاتب التوثيق الموجود في دائرة اختصاصها العقار الموهوب محل عقد الهبة بعد دفع الرسم المستحق و يجب على الموثق التثبت من أهلية المتعاقدين و رضائهما و ذلك عن طريق تقديم مستندات كشهادة الميلاد أو شهادة طبية أو مستند آخر، و لا يجوز التوثيق إلا بحضور شاهدين يوقعان عقد الهبة طبقا لنص المادة 324 مكرر3 السالفة الذكر، و على الموثق قبل توقيع المتعاقدين على الهبة أن يتلو سيرة العقد مع بيان الأثر القانوني المترتب عليه، و يكون من حقه رفض التوثيق إذا اتضح له عدم توافر الأهلية أو الرضا لدى المتعاقدين، أو أن الهبة ظاهرة البطلان(1).

و يجب فضلا عن ذلك أن يتضمن العقد الرسمي جميع عناصر الهبة و شروطها و جميع ما عسى أن يفرض من التزامات على الموهوب له و أصل ملكية العقار، و طبيعة وحالات و مضمون و حدود العقارات، و أسماء المالكين الأصليين السابقين، و عند الإمكان وصف التحولات المتتالية للملكية و كذلك وفق ما توجبه المادة 324 مكرر4 ق.م(2).

و إذا تمت الهبة بواسطة وكيل فعلى الموثق أن يتأكد من مضمون الهبة حتى لا يتجاوز مضمون الوكالة في الهبة، إذا كانت فهي وكالة خاصة يجب أن يتوفر فيها الشكل، الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك، و يكون ذلك وفق ما تنص عليه المادة 572ق.م(3) ." يجب أن يتوفر في الوكالة الشكل الواجب توفره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك."
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 44.
(2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 206.

و بإتمام تلك الإجراءات و استيفائها جميعا من دون نقص، يصبح عقد الهبة عقدا رسميا و صحيحا نافذا في كافة التراب الوطني حتى يثبت تزويره وفق ما تقضي به المادة 324 مكرر5 ق.م:" يعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره. و يعتبر نافذا في كل التراب الوطني." و المادتين 324 مكرر6 324 مكرر7(1) الآتي ذكرهما على التوالي: " يعتبر العقد الرسمي حجة لمحتوى الاتفاق المبرم بين الأطراف المتعاقدةو ورثتهم و ذوي الشأن.

غير أنه في حالة شكوى بسبب تزوير في الأصل، يوقف تنفيذ العقد محل الاحتجاج بتوجيه الاتهام، و عند رفع دعوى فرعية بالتزوير، يمكن للمحاكم، حسب الظروف، إيقاف تنفيذ العقد مؤقتا."

" يعتبر العقد الرسمي حجة بين الأطراف حتى و لو لم يعبر فيه إلا ببيانات على سبيل الإشارة، شريطة أن يكون لذلك علاقة مباشرة مع الإجراء.
و لا يمكن استعمال البيانات التي ليست لها صلة بالإجراء سوى كبداية للثبوت."
و يلاحظ وجوب توفر الرسمية و الحيازة و لا يغني أحدهما عن الآخر فالرسمية لا تغني عن الحيازة و الحيازة لا تغني عن الرسمية، و يؤكد هذا الرأي ما ورد في المادة 208 ق.أ: " إذا كان الواهب ولي الموهوب له، أو زوجه أو كان الموهوب مشاعا فإن التوثيق و الإيجارات الإدارية تغني عن الحيازة."، إلا أن هذا الرأي يبدو أن المشرع الجزائري انفرد به دون غيره من المشرعين العرب و الأجانب و كان عليه أن يجعل الرسمية تغني عن
العينية(2).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 207.

و هبة العقار لابد أن تسجل بناء على نص المادة 206 ق.أ، أو بناء على القواعد العامة في القانون المدني، لأن نقل ملكية العقار تستلزم التسجيل هبة كانت أو بيعا و يلزم الإشهار و التسجيل في المحافظة العقارية و كذلك في إدارة الدومين وفقا لم توجبه المادتان 792 ، 793 ق.م(1).

و في الغالب يكون قبول الموهوب له للهبة متصلا بإيجاب الواهب، فتحرر الورقة متضمنة كل من الإيجاب و القبول في وقت واحد و لكن قد ينفصل القبول عن الإيجاب و في هذه الحالة يجب أن يكون الإيجاب في ورقة رسمية، و أما القبول لم يشترط القانون المدني وفقا لنص المادة68 منه أن يكون مكتوبا في ورقة رسمية فيمكن أن يتم بورقة عرفية أو باللفظ أو حتى بمجرد السكوت(2).

أما قبول الهبة في قانون الأسرة فيمكن القول أن نص المادة 206 يحتما أنه إذا كان القبول منفصلا عن الإيجاب أن يكون في شكل رسمي وفق ما تقتضيه دلالة نص المادة المذكورة، لأن الأصل في عقد الهبة أنه لا ينعقد إلا بتوفر كل من الإيجاب و القبول مجتمعين و أنهما يشكلان رسمية الهبة في حالة حضور الطرفين، أما إذا كانا غائبين فلابد من شكلية القبول و لذلك لابد من إفراغ كل من القبول و الإيجاب في شكل رسمي، و هذا ما يحقق قصد المشرع الجزائري من اشتراط الشكلية في عقد الهبة، لأن الهبة عقد شكلي و عيني، فإن لم تتحقق العينية في الحال فلا أقل من أن تتحقق الشكلية في القبول(3).

و لم يتناول القانون الجزائري الهبة بالنص عليها بين العقود الناقلة للملكية كما فعل القانون المدني المصري، و الليبي، و على ذلك فتبقى الهبة في القانون الجزائري داخلة في نطاق الأحوال الشخصية(4).
(1) ، (2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 207.
(4) د. علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 2000، ص 83.

و إذا وقعت الهبة خارج الجزائر و في بلد أجنبي فما هو القانون الذي يطبق على شكل الهبة؟ و هل يخضع هذا الشكل لجنسية الواهب، أو لقانون البلد الذي تمت فيه الهبة؟
فاعتبار أن هذا الشكل مكمل للأهلية فإنه يخضع لقانون جنسية الواهب و يدخل في نطاق الأحوال الشخصية، و يجب أن يسجل العقد أمام القنصل الجزائري مادام قد وقع في الخارج(1).

الفرع الثاني: الشكلية في هبة المنقول
تتطلب الشكلية في المنقول إجراءات خاصة و المقصود بذلك هو استفاء الإجراءات القانونية الخاصة بنقل الملكية في بعض المنقولات التي يستلزم القانون فيها هذه الإجراءات كما هي الحالة في هبة الأسهم و السيارات و غيرها من المنقولات التي يتطلب القانون استيفاء إجراءات لنقل ملكيتها و لم يفصل المشرع لجزائري ما يقصد المشرع الفرنسي في المادة 932 باشتراطه في الإجراءات الخاصة في المنقولات في صدد هبة المنقول، و إنما فصل الإجراءات الخاصة في هبة بعض المنقولات كما في الأسهم الاسمية كأن تقيد أو توثق مع تسليم سندها(2).

و من المنقولات التي يستلزم القانون فيها الإجراءات الخاصة بالأسهم، التي تنص المادة 700 ق.ت عليها، و هناك مثال آخر للإجراءات الخاصة بالمنقولات، فقد ورد في القانون البحري في المادة49 أن العقود المنشئة أو الناقلة أو المسقطة لحق الملكية أو العقود العينية الأخرى المترتبة على السفن أو حصصها يجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند رسمي صادر من الموثق يتضمن نوع السفينة و سعاتها و مداخلها و مخارجها وأسماء مالكيها السابقين و بقدر الإمكان طابع و تاريخ عمليات نقل الملكية المتعاقبة و يكون قيدها إلزاميا في سجل السفينة و إذا كان المنقول معينا بنوعه فقط، فلا تنتقل ملكيته إلا بفرزه وتسليمه للموهوب له حتى تتم الهبة بالحيازة(3).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 208.
(2) د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 78.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 211.

المطلب الثاني: جزاء الإخلال بالشكلية و الاستثناءات من وجوبها
الفرع الأول: جزاء الإخلال بالشكلية
يستفاد من نص المادة 206 ف2 ق.أ و المادة 324 مكرر1 ق.م أنه إذا تخلفت الشكلية في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول تصبح الهبة باطلة فجزاء اختلال الشكل في هبة العقار هو البطلان المطلق، و لا تنتج أثرا، فيبقى المال الموهوب ملكا للواهب يستطيع إيهابه كما يريد و لا ينتقل الملك إلى الموهوب له و لا يستطيع أن يتصرف فيه(1) و يجوز للواهب أن يرفع دعوى بطلان، و أن يتمسك بالبطلان دفاعا في دعوى يرفعها عليه الموهوب له، كما يجوز لأي ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان فيتمسك به ورثة الواهب و الخلف الخاص كمشتر من الواهب، و إذا كان الواهب قد سلم الشيء الموهوب إلى الموهوب له و انقضت دعوى البطلان بالتقادم، جاز للواهب أن يرفع دعوى استحقاق يسترد بها العقار
و لا يستطيع الموهوب له أن يدفع هذه الدعوى بالتقادم، فإن الدفوع لا تتقادم(2). و لما كان بطلان الهبة لعيب في الشكل هو بطلان مطلق، فإن الهبة الباطلة على هذا النحو لا تصححها الإجازة، و كل ما يستطيع المتعاقدان عمله هو أن يعيدا إبرام العقد من جديد، فيستوفي الشكل المطلوب و عند ذلك تتم الهبة، و لكنها هبة جديدة غير الهبة الأولى الباطلة، تاريخها من وقت استيفاء الشكل، لا من وقت الهبة القديمة و يشترط توافر الأهلية في المتعاقدين عند عمل الهبة الجديدة و لا يكفي توافرها وقت إبرام الهبة القديمة(3).

و إذا كان الموهوب منقولا مما يستوجب الإجراءات الخاصة، فلا تراع هذه الإجراءات، أو روعيت و لكن بشكل يخالف هذه الإجراءات بصفة جوهرية تِثر على صحتها، فإن هذه الهبة تعتبر باطلة و لا تلحقها الإجازة(4).
(1) ، (2) ، (3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 69 ، 70.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 214.

و يستطيع الواهب في هذه الحالة أن يسترد الموهوب الذي وهبه، و لا يجوز للموهوب له أن يدفع بعدم جواز الاسترداد أو بدعوى أن الواهب سلمه المنقول ذلك لأن الهبة إذا كانت تتم بالقبض وفقا لنص المادة206 فإنها تستوجب لإتمام الهبة مراعاة الإجراءات الخاصة، و لا ينبغي القبض على الإجراءات الخاصة، بل لابد من توفر القبض بجانب الإجراء الخاص و لا يغني أحدهما عن الأخر(1).

و لا يسوغ للحائز أن يحتج بنص المادة 835 ق.م فيما يتعلق بالهبة ما دام نص المادة 206 ق.أ صريحا، فلا يجوز التحول عنه إلى أحكام المادة 835 و الاعتداد بالقبض(2).

الفرع الثاني: الاستثناءات من وجوب الشكلية و العينية في الهبة
الهبة غير المباشرة: الهبة غير المباشرة هي التي تنشأ من أي عقد غير عقد الهبة، من غير أن يكون التبرع الذي تضمنه غير مخفيا، و الذي يميزها عن الهبات المستترة هو وجود الصورية في الهبات المستترة أما في الهبات غير المباشرة فتظهر نية الواهب في التبرع و رغبته في الهبة(3).
فالهبة المباشرة هي تصرف الواهب في ماله للموهوب له على سبيل التبرع، فالذي يميز الهبة المباشرة أنها تصرف مباشر في المال، إما بنقل حق عيني أو بإنشاء التزام شخصي أما الهبة غير المباشرة يكسب الموهوب له حقا عينيا أو حقا شخصيا دون مقابل على سبيل التبرع عن طريق الواهب، و لكن دون أن ينتقل إليه هذا الحق مباشرة من الواهب فتلك هي الهبة غير المباشرة(4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 215.
(3) د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 112.
(4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 79 ، 80.

و تقع الهبات غير المباشرة غالبا في صورة التنازل أو الترك، كما إذا تنازل شخص عن حق شخصي أي الإبراء، أو حق انتفاع أو حق ارتفاق مقرر لمنفعة عقاره على عقار الموهوب، و من صورها أيضا التعهد بالدفع، و حوالة الحق و الوفاء عن الغير و الوفاء به، و الاشتراط لمصلحة الغير، و الشراء باسم مستعار(1).

و الهبة غير المباشرة تستثنى من وجوب الشكلية و العينية إذ القانون لم يشترط الشكلية أو العينية إل في الهبات المباشرة المكشوفة، و من ثم تتم الهبة غير المباشرة دون حاجة إلى ورقة رسمية، و دون حاجة إلى القبض في المنقول، غير أن الأحكام الموضوعية تسري عليها، كجواز الرجوع في الهبة و الطعن بالدعوى البولصية و أهلية التبرع والتصرف في مرض الموت و غير ذلك من الأحكام(2).

و تثبت الهبة غير المباشرة وفقا للقواعد العامة المقررة في الإثبات، فتجب الكتابة أو ما يقوم مقامها فيما بين المتعاقدين فيما يجاوز 100000 د.ج طبقا لنص المادة 333 من القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 و المعدل و المتمم الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 و المتضمن القانون المدني، كما إذا أراد الواهب الرجوع في الهبة، أما الغير فله أن يثبت الهبة غير المباشرة بجميع الطرق و منها البينة و القرائن، كما إذا أراد الواهب أن يطعن في الهبة غير المباشرة بالدعوى البولصية(3).

الهبة المستترة : تعتبر الهبة المستترة في الواقع هبة مباشرة إذ خلالها ينقل الواهب للموهوب له حقا عينيا، أو يلتزم أو يلتزم له بحق شخصي و لكنها تختلف من حيث أن ظاهرها يختلف عن حقيقتها فهي في حقيقتها هبة لكنها تظهر تحت اسم آخر ساتر لها.
(1) د. حسن محمد بودى، الرجع السابق، ص 47.
(2) ، (3) د؟ السنهوري، المرجع السابق، ص 84 ، 85.

و العقد الساتر للهبة سواء كان بيعا أو قرضا أو إقرارا بدين، أو حوالة الحق أو عقد محاباة. أو عقد إيراد بمرتب مدى الحياة، فإذا كان العقد الساتر للهبة عقد بيع مثلا وجب أن يذكر ثمنا صوريا و إلا كانت الهبة مكشوفة و تستوجب الرسمية، و جعل الهبة تحت ستار عقد آخر لا يعفيها من سائر شروط الهبة كأهلية التبرع في الواهب و ملكيته للموهوب(1). و الهبة المستترة هي الأخرى معفاة من الشكلية و العينية، على أنها إذا كانت لا
تخضع لأحكام الهبة الشكلية فإنها تخضع لأحكامها الموضوعية، و يترتب على ذلك أن الهبة المستترة تعتبر هبة، و تستلزم أهلية التبرع في الواهب، يجب أن يكون الواهب مالكا لما تبرع به و يتحقق فيها ضمان الاستحقاق و ضمان العيب، و تعتبر تبرعا بالنسبة إلى الدعوى
البولصية، و يجوز فيها الرجوع، إلا إذا وجد المانع و إذا صدرت في مرض الموت كان لها حكم الوصية و من يدعي أن العقد الظاهر ليس هبة مستترة ليجري عليه أحكام الهبة الموضوعية هو الذي يحمل عبء الإثبات، و قاضي الموضوع هو الذي يبت فيها إذا كان التصرف المطعون فيه هو هبة مستترة، يعمد في ذلك إلى ظروف التصرف و ملابساته و لا معقب على تقديره من المحكمة العليا(2).

التمييز بين الهبة المستترة و الهبة غير المباشرة : الهبة المستترة هبة مباشرة، إذ فيها ينقل الواهب للموهوب له حقا عينيا أو يلتزم له بحق شخصي، و هذا أول فرق بين الهبتين، و الفرق الثاني أن الهبة المستترة ظاهرها غير حقيقتها، فهي في حقيقتها هبة لكنها تظهر تحت اسم عقد آخر، أما الهبة غير المباشرة فظاهرها كحقيقتها فهي هبة في الحقيقة وفي الظاهر. و الهبة غير المباشرة أعفيت من الشكل بحكم النظام الخاص الذي يسري عليها كما سبق القول، أما الهبة المستترة فهي هبة مباشرة و القانون يعفي الهبة المستترة التي تتم تحت ستار من الشكلية سواء كانت هبة عقار أو هبة منقول(3).
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221.
(3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 86.

المبحث الخامس: قبض الهبة و الوعد بها
المطلب الأول: قبض الهبة
الفرع الأول: القبض في الفقه الإسلامي
1. في الفقه الحنفي و الشافعي : القبض شرط للزوم الهبة حتى أنه لا يثبت الملك للموهوب له قبل القبض، بدليل ما روت عائشة - رضي الله عنها- أن أباها نحلها جداد عشرين وسقا من ماله، فلما حضرته الوفاة قال: يا بنية: إن أحب الناس عندي بعدي لأنت، وإن أعز الناس علي فقرا بعدي لأنت و إن كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي، و لو كنت جددتيه و أحرزتيه لكان لك، و إنما هو اليوم مال الوارث، و إنما هما اليوم أخواكوأختاك فاقتسموه على كتاب الله، قالت: هذان أخواي، فمن أختاي، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، فإني أظنها جارية.

فهذا نص في اشتراط القبض في الهبة، و إن الهبة تملك بالقبض لقوله:" لو كنت جددتيه و أحرزتيه لكان لك" و قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: " ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: مالي بيدي، لم أعطه أحدا و إن مات هو قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياه فمن نحله نحلة فلم يحرزها الذي نحلها- و أبقاها- حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة"(1) و هذا هو قول عثمان و علي أيضا، و في الجملة فإن الخلفاء الراشدين و غيرهم اتفقوا على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة محوزة.

و يترتب على ذلك أنه لو وهب إنسان ثوبا، أو عينا من الأعيان، مفرزا مقسوما، و لم يؤذن له بقبضه، فقبضه الموهوب له، فإن كان بحضرة الواهب، يجوز استحسانا و القياس أن لا يجوز قبضه بعد الافتراق من المجلس و هو قول زفر، لأن القبض عنده ركن بمنزلة القبول في حق إثبات الحكم، فلا يجوز القبض بعد الافتراق عن المجلس، كما لا يجوز القبول بعد الافتراق، و وجه الاستحسان أن الإذن بالقبض وجد من طريق الدلالة لأن الإيجاب فيه
دلالة الإذن بالقبض(2).
(1) ، (2) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 19 ، 20 ، 21.
2. في الفقه المالكي:لا يشترط القبض في صحة الهبة، و لا للزوم الهبة، و إنما هو






شرط لتمامها، أي لكمال فائدتها، بمعنى أن الموهوب يملك بمجرد العقد أي القول، على المشهور عندهم. و القبض أو الحيازة تتم الهبة، و يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من

الموهوب، و دليلهم تشبيه الهبة بالبيع و غيرهم من سائر التمليكات، و لقول الأصحاب: الهبة

جائزة إذا كانت معلومة، قبضت أو لم تقبض، و يصح القبض و لو بلا إذن من الواهب، و

يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من القبض حيث طلبه، لأن الهبة تملك بالقول أي

بالإيجاب، على المشهور عندهم(1).

3. في الفقه الحنبلي: القبض شرط لصحة الهبة في المكيل أو الموزون لإجماع

الصحابة على ذلك و يظهر أن المراد بكون القبض شرط صحة أنه شرط لزوم بدليل قول

ابن قدامى إن المكيل و الموزون لا تلتزم فيه الصدقة و الهبة إلا بالقبض، و هو قول أكثر

الفقهاء. أما غير المكيل و الموزون فتلزم فيه بمجرد العقد و يثبت الملك في الموهوب قبل

قبضه لما روي عن علي و ابن مسعود- رضي الله عنهما- أنهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت

معلومة قبضت أو لم تقبض(2).

الفرع الثاني: قبض الهبة في التشريع الجزائري

1. القبض في العقار: فالقبض في العقار يكون تسليمه و ذلك بوضعه تحت تصرف

الموهوب له لأن يتخلى الواهب عنه إلى الموهوب له فإن كان دارا يسكنها الواهب و جب

عليه أن يخليها و أن يخرج منها أثاثه و كل الأمتعة التي فيها و أن يسلم مفاتيحها إلى

الموهوب له. و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يخرج منها و أن يتركها و يأخذ كل

ماله منها، سواء من حيوانات أو آلات أو عتاد فلاحي، ثم يمكن الواهب الموهوب له من

الاستيلاء على العقار المذكور حتى يتمكن من الدخول فيه و استغلاله من دون أي تعرض






(1) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 22.
(2) ابن قدامى، المرجع السابق، ص 277.

كان، و بهذا يتم القبض في العقار و تصبح الهبة تامة وفق ما تقضي به المادة 206 ق.أ

و التوثيق و التسجيل لا يكفيان في القبض، بل لابد من إتمام القبض و الحيازة مجتمعين و لا

يغني القبض عن الرسمية كما لا تغني الرسمية عن القبض، فهما شيئان متلازمان يشكلان

مجتمعين تمام الهبة وإلا فلا تعتبر الهبة تامة إذا تخلف أحدهما(1).

2. القبض في المنقول: إذا كان المنقول من المنقولات التي تتطلب إجراءات خاصة فإن

القبض فيها هو الآخر يتطلب القيام بهذه الإجراءات بجانب تسليمها و حيازتها من قبل

الموهوب له و ذلك كالسفن و الزوارق و السيارات و الجرارات و ما في حكمها كالدراجات

النارية و بعض الآلات، و كذلك الأسهم الاسمية فلا تتم الهبة إلا بالحيازة باعتبار أنها شرط

تمام، أما المنقولات التي ليس من طبيعتها الخضوع إلى الإجراءات الخاصة، فإنها تتم

بالحيازة و ذلك بالتسليم الفعلي للشيء الموهوب من قبل الواهب إلى الموهوب له، و هو ما

يسمى بالهبة اليدوية، و هي الهبة التي تقع على أشياء قابلة للنقل دون قيد أو عقد أو توثيق،

كالكتب و الحلي و المجوهرات و الساعات و الأشياء المادية ذات القيمة المالية أو الرمزية أو

المعنوية و الآلات الإلكترونية و مختلف الحيوانات(2).

و يستفاد من هذا أن القبض يتم بحيازة المنقول و استعماله و الانتفاع به و ذلك

بتخصيص لموهوب له لينتفع به، و القبض في المنقول نوعان:

 القبض الفعلي: يتم عادة بالمناولة و دلك بأن يتناول الموهوب له الموهوب- المنقول-

يدا بيد، فتنتقل بذلك حيازة الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، كذلك يتم القبض الفعلي

بوضع الواهب المنقول تحت تصرف الموهوب له بحيث يتمكن من حيازته، و الانتفاع به

من دون عائق(3)، و لو أن الموهوب له لم يستولي على المنقول، استيلاء ماديا ما دام قد أعلم

بوضع المنقول تحت تصرفه أن إمكانه الاستيلاء عليه من دون عائق، فإن هذا يكفي لإتمام






(1) ، (2) د.محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221،225.
(3) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 223.

الحيازة أو القبض في الهبة، و كل ما يشترط في هذا النوع من المنقولات لإتمام الهبة القبض

و الحيازة، فإذا حاز الموهوب له المال الموهوب تمت الهبة و إلا فتكون الهبة كأن لم تكن(1).

 القبض الحكمي: نصت عليه المادة 207 بقولها:" إذا كان الشيء الموهوب بيد

الموهوب له قبل الهبة يعتبر حيازة و إذا كان بيد الغير وجب إخباره بها ليعتبر حائزا."

فالحيازة حسب هذه المادة تكون قد تمت فعلا و حكما، و إذا كان الشيء الموهوب بيد

الموهوب له، إما على سبيل الإعارة أو الوديعة مثلا، أو أن الشيء الموهوب يكون تحت يد

شخص ثالث و هو الغير، فيجب على الواهب إخبار الموهوب له و بمجرد الإخبار بأن

الشيء المذكور وهب له فيصبح جائزا حكما، و قد يغني التوثيق و الإجراءات الإدارية عن

الحيازة إذا كان الواهب ولي الموهوب له أو زوجه أو كان الموهوب مشاعا مثلما نصت

المادة 208 ق.أ(2).

المطلب الثاني: الوعد بالهبة

الفرع الأول: في الفقه الإسلامي

لقد اختلف الفقهاء المسلمون في لزوم الوعد للواعد بصفة عامة و بالنسبة إلى سائر

العقود إلى أربعة أقوال:

القول الأول: و هو المشهور منها، يرى أن الموعود له إذا دخل بسبب الوعد في فعل

الشيء اقتضاه اتفاقا قضي على الواعد بها، مثال ذلك أن يقول شخص لآخر إني أريد أن

أهدم داري أو أن أبنيها أو أن أسافر و ليس عندي ما يمكنني من ذلك و يقول له صاحبه أفعل

و أنا أقرضك أو أعطيك كذا، فإنه يلزمه الوفاء بما وعد إذا دخل في الفعل بناء على ذلك و

هذا القول قول الإمام مالك و ابن القاسم و اختاره الإمام سحنون(3).

القول الثاني: قال أصبغ يقضي الوعد إذا كان على سبب و إن لم يدخل فيه فعلا و إلا

فلا، و هو رأي عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- قضى به(4).






(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 225، 226.
(3) ، (4) نفس المرجع، ص 238.
القول الثالث: يرى أنه لا يفي بالوعد مطلقا على أية حال لأنه تفضل و إحسان و إن

أمر بالوفاء به ديانة، و هذا هو مذهب الحنفية و الشافعية و الحنابلة و جمهور الفقهاء من

الصحابة و التابعين(1).

القول الرابع: و هو لبعض الفقهاء و هم يرون القضاء به مطلقا، و إلى هذا ذهب عبد

الله بن شبرمة فقال: الوعد كله لازم و يقضي به على الواعد و يجبر عليه، و استدل بقوله

تعالى:{ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} و مما روي عن ابن عباس عن رسول

الله- صلى الله عليه و سلم- أنه قال:" أربع منكن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه

خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، ثم ذكر منها، و إذا وعد أخلف".

و هكذا يتضح من أقوال الفقهاء المسلمين أنه يمكن القول أن الوعد من جانب واحد ملزم

للواعد على بعض القيود البسيطة، كما يلاحظ من أقوالهم، و يجب القضاء به عن البعض

الآخر أن الوفاء به من مكارم الأخلاق، و أن مجرد الوعد لا يلزم الوفاء به(2).

الفرع الثاني: في لتشريع الجزائري

i. الوعد في القانون المدني الجزائري: يستفاد من نص المادة 71 ق.م" الاتفاق الذي يعد

له كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون له أثر إلا إذا عينت جميع

المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، و المدة التي يجب إبرامه فيها.

و إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق أيضا على

الاتفاق المتضمن الوعد بالتعاقد." أن الوعد بالتعاقد مرحلة تسبق إبرام العقد نهائيا و يكون

الوعد إما من جانب واحد و إما من جانبين. و يشترط في الوعد من جانب واحد أن يكون

الواعد أهلا للتعاقد على العقد الموعود مثل عقد الهبة، و يكون وعده حينئذ صحيحا و لو فقد

الأهلية عند إبرام العقد النهائي بشرط أن لا تزيد التزاماته عما كانت عند الوعد.





(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 238 ، 239.


كما يشترط أن تخلو إرادة الواعد من عيوب الرضا عند صدور الوعد منه أما الطرف

الموعود له في الوعد من جانب واحد، فلا تشترط فيه الأهلية إلا عند إعلان رغبته في إبرام

العقد الموعود به، و يكفي أن يكون مميزا عند صدور الوعد له، و لكن يشترط خلو رضائه

من العيوب عند صدور الوعد له، و عند إظهار رغبته في إبرام العقد الموعود به(1).

أما إذا كان الوعد من الجانبين، فيلزم أن تتوافر في كل منهما أهلية التعاقد على العقد

الموعود عند صدور الوعد، و أن يخلو رضاؤهما من العيوب في هذا الوقت، لأن الوعد

يعتبر في هذه الحالة عقدا ابتدائيا. و في كلا النوعين من الوعد لا يكون الوعد صحيحا إلا إذا

توافرت فيه جميع عناصر العقد الموعود بإبرامه(2)، فإذا كان مثلا عقد هبة وجب أن يشتمل

على جميع المسائل الجوهرية تحديدا كافيا، و يبين ما إذا كان منقولا أو عقارا كما يحدد نوع

الهبة محل الوعد، هل هي هبة بعوض أو بغير عوض مع ذكر العوض و قدره، و يجب

تحديد المدة التي يتعين فيها إبرام عقد الهبة النهائي في الوعد بالهبة سواء كان تحديد هذه

المدة صراحة أو ضمنا، لأن تحديدها واجب حتمي(3).

و يستفاد من نص المادة 71 ف2 ق.م أنه يجب مراعاة الرسمية في الاتفاق الذي

يتضمن الوعد بإبرام الهبة، إذا كان عقارا أو منقولا يتطلب إجراءات خاصة(4).

و يلاحظ من خلال الممارسة التطبيقية امتناع بعض الأساتذة الموثقين عن تحرير عقد

الوعد بالهبة، بحجة أن الهبة تتم بصورة منجزة و فورية، فضلا عن انعدام التخويل القانوني

الذي يسمح بإبرام الوعد بالهبة، و هذا الموقف غير سليم، إذ يجوز للمتعاقدين اللجوء إلى

الموثق لإبرام عقد وعد بالهبة لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك، و دليل ذلك الحجج التالية:

أ أن رفض تحرير الوعد بالهبة بحجة أنها تتم بصورة فورية يعد موقفا غير سديد

كون هذه الخاصية ذكرها الشراح للتدليل بأن الهبة يراد بها إضافة التمليك الفوري و هذا من

أجل تمييزها عن الوصية التي يراد بها إضافة التمليك إلى ما بعد الموت.





(1) ، (2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 46.
(3) ، (4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 231 ، 232.


ب أن انعدام نص في قانون الأسرة يشير إلى الوعد بالهبة لا يمنع من تحريرها، إذ

في مثل هذه الوضعيات يجب الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في القانون المدني باعتباره

الشريعة الأم و بالضبط إلى أحكام المادتين 71 ، 72 منه اللتان تنصان على مبدأ الوعد

بالتعاقد(1). المادة 72 ق. م : " إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل و قاضاه المتعاقد الآخر

طالبا تنفيذ الوعد، و كانت الشروط اللازمة لتمام العقد و خاصة ما يتعلق منها بالشكل

متوافرة، قام الحكم مقام العقد."

ii. آثار الوعد بالهبة في القانون الجزائري: لا تختلف آثار الوعد إذا كان من جانب واحد

عن آثاره إذا كان من جانبين. فإذا كان الوعد من جانب واحد التزم الواعد بالبقاء على وعده

حتى يظهر الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال المدة المحددة في الوعد، و متى أظهر

الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال هذه المدة تم العقد دون حاجة إلى أي إجراء جديد،

لأن الوعد كان مشتملا على جميع العناصر الجوهرية للعقد و خصوصا على الشكل إذا كان

العقد شكليا، و لا ينعقد العقد إلا من وقت إعلان الرغبة دون أثر رجعي.

أما إذا مضت المدة و لم يعلن الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد فإن الوعد

يسقط(2).

أما في الوعد الملزم للجانبين فبحلول الأجل المحدد لإبرام العقد النهائي يلتزم الطرفان

بإبرامه و يترتب على ذلك أنه، في الوعد الملزم لجانب واحد و قبل إعلان رغبة الموعود

له، و في الوعد الملزم للجانبين و قبل حلول الأجل المحدد، يكون الواعد ملزما بالتزام

شخصي فقط نحو الموعود له، و لا يكون لهذا الأخير إلا أن يطالبه بتعويض ما أصابه من

ضرر، و إذا هلك الشيء في هذه الفترة كانت تبعة الهلاك على الواعد.






(1) حمدي باشا عمر، نقل الملكية العقارية في ضوء آخر التعديلات و أحدث الأحكام، دار هومة للطباعة و النشر و التوزبع، الجزائر، طبعة ثانية، 2000، ص 24,
(2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47.

أما عند إظهار رغبة الموعود له في الوعد الملزم للجانبين فيجب على الطرفين إبرام

العقد النهائي، و إذا تقاعس أحدهما عن إبرام العقد، فللجانب الآخر إجباره على ذلك برفع

دعوى تسمى دعوى صحة التعاقد، و متى صدر الحكم بصحة التعاقد، قام مقام العقد النهائي

بشرط أن يكون الشكل قد توافر في الوعد بالعقد الشكلي و إذا كان محل العقد عقارا جرى

تسجيل لحكم و انتقلت ملكية العقار و هذا ما نصت عليه المادة72 ق.م(1).











































(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
المبحث السادس: موازنة أركان الهبة ما بين الشريعة و القانون

مما سبق يتبين أن أغلب الرأي لدى فقهاء المذاهب الإسلامية الأربعة يقررون للهبة

ركنين هما الإيجاب و القبول، و إن الهبة إن نشأت بالإيجاب لا تتم إلا بالقبول و القبض و هم

بذلك يلتقون مع أحكام المادتين 202 ، 206 ق.أ و الرأي المخالف لهؤلاء و هو رأي أغلب

الأحناف ما عدا الإمام زفر الذين يعتبرون أن الهبة تنشأ بإرادة منفردة، و تعتمد على ركن

واحد، و هو الإيجاب من الموجب، دون توقف على القبول، ما دام الواهب التزم من تلقاء

نفسه و بإرادته المنفردة الوحيدة(1).

و القبول في عقد الهبة عند الإمام مالك يجوز على التراضي خلافا لجمهور الفقهاء

وخلافا لرأيه في سائر العقود الأخرى، و هذا ناتج عن أن عقد الهبة عنده لازم بالقبول، و أن

الهبة في الأصل لا رجوع فيها إلا للوالد على ولده و هو عقد مقيد بعدة شروط غير مطلقة.

و الأخذ برجوع الواهب قبل قبول الموهوب له يعتبر تطبيقا لنص المادة 61 ق.م

و يتفق مع ما أخذ به جمهور فقهاء المسلمين(2).

اتفق المشرع الجزائري وفقا لقانون الأسرة مع فقهاء المذاهب الأربعة فيما يخص

الشروط الواجب توافرها في كل من الواهب و الموهوب له، غير أنهم اختلفوا في الهبة

للجنين، حيث أجاز الإمام مالك و أصحابه الهبة للجنين و المعدوم و خالفه في ذلك الحنفية

والشافعية و الحنابلة الذين اعتبروا أن الهبة لا تصح للجنين و هي له باطلة، باعتبار أن الهبة

تمليك محض و الجنين لا يمكنه أن يقبض و لا يملك لنفسه، و لا ولاية لأحد عليه فيقبض و

يقبل عليه لأن الولاية تبدأ من الولادة.

أما المشرع الجزائري و وفقا لما نصت عليه المادة 209 ق.أ فقد انسجم مع رأي

الإمام مالك و أجاز الهبة للجنين.







(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 70 ، 76.
(2) نفس المرجع، ص 304.
و بالنسبة لمرض الموت فالمسرع الجزائري لم يعرفه و أحال ذلك على فقهاء

الشريعة الإسلامية حيث لم يختلفوا في تعريفه، و قد اتفقوا أنه يجب أن يتوفر فيه أمران و قد

سبق ذكرهما، غير أنهم اختلفوا فيما يدور حول الأمارات و الأوصاف الظاهرة التي يتبين

منها أن المرض هو مرض موت،

و الملاحظ أن المشرع الجزائري جرى مجرى فقهاء الشريعة الأربعة فيما يخص

الشروط الواجب توافرها في المحل، غير أن المذهب المالكي لم يذكر شرط وجود المحل

عكس كل من الحنفية و الشافعية و الحنابلة و المشرع الجزائري الذين أوجبوا أن يكون

المحل موجودا.

أما السبب فقد اختلف الفقهاء فيه فمنهم من يرى أن السبب يكمن في نية المتعاقد فإذا

كانت نيته مشروعة كان العقد صحيحا و إلا كان العقد باطلا، و منهم من برى أن السبب هو

الدافع الباعث على التعاقد فكلما كان الدافع مشروعا كان العقد صحيحا، أما إذا كان غير

مشروع فالعد باطلا، و المشرع الجزائري أيضا اعتبر السبب هو الدافع الباعث على التعاقد.

ولم يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية الشكلية في عقد الهبة سواء كانت هبة عقار

أو هبة منقول بل عرفوا القبض فقط، نظرا لطبيعة المعاملات السائدة آنذاك، و لعدم معرفتهم

بنظام التوثيق و الشهر العقاري.

أما المشرع الجزائري فقد أوجب الشكلية أي الرسمية في هبة العقار و الإجراءات

الخاصة في هبة المنقول، تحت طائلة البطلان. كما أنه يفهم من نص المادة 206 ق.أ أن

الرسمية لا تغني عن العينية أي الحيازة، و يؤكد هذا الرأي ما ورد في المادة 208 من نفس

القانون، الذي يجعل الرسمية الإجراءات الإدارية تغني عن الحيازة في ثلاث حالات محددة

على سبيل الحصر في المادة 208 ق.أ، و المشرع الجزائري هنا على خلاف أغلب

التشريعات، و كان الأجدر به أن يجعل الرسمية تغني عن الحيازة(1).







(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 204 ، 205.
لقد اعتبر كل من الحنفية و الشافعية قبض الشيء الموهوب شرط لزوم بحيث لا يثبت

الملك للموهوب له إلا بالقبض على عكس المالكية و الحنابلة الذين اعتبروا القبض شرط

لصحة الهبة.

أما فيما يخص المشرع الجزائري فقد أوجب تسليم العقار و وضعه تحت تصرف

الموهوب له و بذلك تصبح الهبة تامة و هذا في هبة العقار، بينما في هبة المنقول الذي

يتطلب إجراءات خاصة فقد أوجب المشرع الجزائري إجراءات خاصة في القبض بالإضافة

إلى تسليمها و حيازتها من قبل الموهوب له.

و فيما يخص الوعد بالهبة، فقد اختلف جمهور الفقهاء حول مدى إلزامية الوعد، فمنهم

من قال أن الوعد يجب الوفاء و القضاء به، أما البعض الآخر فاعتبروا أن مجرد الوعد لا

يلزم الوفاء لأنه من مكارم الأخلاق إذ يراد به التفضل و الإحسان. و بالرجوع إلى نصوص

قانون الأسرة نجده لم ينص على الوعد بالهبة، و لكن بالرجوع إلى القواعد العامة في القانون

المدني باعتباره الشريعة الأم، و خاصة في المادتين 71 ، 72 منه، يمكن الأخذ بالوعد بالهبة

بالشروط المطلوبة قانونا و هي وجوب تعيين المسائل الجوهرية لعقد الهبة الموعود به،

ووجوب تعيين المدة التي يجب إبرامه فيها، و وجوب الشكلية في هبة العقار أو المنقول الذي

يتطلب إجراءات خاصة، أما الوعد بالهبة في المنقول العادي فتكفي فيه الكتابة العرفية، كما

يمكن أن يسجل في صفة رسمية(1). و بالتالي فالمشرع الجزائري هنا أخذ بالقول الأول

لفقهاء الشريعة الإسلامية ، و الذي يقضي بوجوب الالتزام بالوعد و الوفاء به.


(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 306.

الفصل الثالث أحكام الهبة



المبحث الأول: الآثار التي تترتب على الهبة

الأصل أن عقد الهبة عقد ملزم لجانب واحد و هو الواهب الذي تسري على التزاماته

القواعد العامة التي تسري على البائع.

أما الموهوب له فالأصل أنه لا يلتزم بشيء إذ أن عقد الهبة عقد تبرع محض، غير

أنه في الكثير من الأحيان يتحمل نفقات عقد الهبة و نفقات التسلم كما قد يلتزم الموهوب له

بأداء العوض أو المقابل في حالة الهبة بعوض أي عندما تكون الهبة عقد ملزم لجانبين، و

بهذا تكون التزامات الموهوب له على نحو ما يلزم به المشتري في عقد البيع.

المطلب الأول: التزامات الواهب

الفرع الأول: الالتزام بنقل ملكية الشيء الموهوب

يستفاد من نص المادة202 و 206 ق.أ و المادة324 مكرر1 ق.م أن عقد الهبة ينشئ

التزام في ذمة الواهب بنقل ملكية الموهوب إلى الموهوب له، و هذا الالتزام ينفذ فورا بحكم

القانون، و يلزم الواهب بأن يقوم بالأعمال التمهيدية الضرورية لنقل الملكية، كتقديم

الشهادات اللازمة للتسجيل و الكف عن أي عمل يعوق نقل الملكية فلا يجوز للواهب أن

يتصرف بعد الهبة في الشيء الموهوب إلا إذا جاز الرجوع في الهبة ، كما يلتزم الواهب

بالمحافظة على الشيء الموهوب و الالتزام بتسليمه إلى الموهوب له، و يترتب على نقل

الملكية إلى الموهوب له أن يكون لهذا الأخير حق التصرف في الموهوب حتى قبل قبضه،

ويستوي في ذلك العقار و المنقول، و إذا أفلس الواهب بعد الهبة جاز للموهوب له أن يأخذ

عين الموهوب فلا يزاحمه دائنو الواهب، و تنتقل الملكية لا في حق المتعاقدين وحدهما بل

أيضا في حق الورثة و الدائنين. إلا أن الهبة إذا كانت قد صدرت من الواهب المعسر

إضرارا بدائنيه، فإن هؤلاء لهم الحق في الطعن في الهبة بالدعوى البولصية و لو يكن

الموهوب له عل لما بإعسار الواهب، فتصبح الهبة غير نافذة في حقهم، و يستطيعون أن

ينفذوا على الشيء الموهوب بحقوقهم وفقا للقواعد المقررة في الدعوى البولصية(1).




(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 141، 142.
1. المـــنــقــــــــول: تنقل الملكية في المنقول بالقبض و الحيازة الحقيقية أي الحيازة

التامة فالشيء الموهوب إذا كلن منقولا و معينا بالذات تنتقل ملكيته إلى الموهوب له

بالحيازة، لأن الهبة في المنقول تنعقد بالإيجاب و القبول و بالحيازة وفقا لما تقضي به المادة

206 ق.أ، إذ أن هذا النص يعني أن الهبة عقد عيني تتم فيه الحيازة يدا بيد أي بالقبض، أما

إذا كان المنقول غير معين بالذات أي معينا بالنوع، فلا تنتقل الملكية إلا بعد عملية الإفراز،

وفقا لما تنص عليه المادة 166 ق.م" إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا

بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء.

فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على

نفقة المدين بعد استئذان القاضي كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غير إخلال بحقه

في التعويض." باعتبارها قاعدة عامة يسوغ الأخذ بها في الهبة ما دام قانون الأسرة لم ينص

على هذا الحكم(1). و يقصد بالإفراز تعيين قدر من الأشياء المثلية بذاتها، و ذلك عن طريق

فصله عن سائر الأشياء التي تكون معه نوعا واحدا، و الإفراز ليس له أثر رجعي يعود إلى

وقت الاتفاق، و بالتالي فإن وقت انتقال ملكية الشيء المعين بنوعه هو وقت إفرازه(2).

أما المنقول الذي يتطلب إجراءات خاصة لنقل الملكية لا تتم هبته إلا بمراعاة هذه

الإجراءات، مثل الأسهم و السندات، ففي حالة الأسهم تكلمت المادة 700 ق.ت عن حوالة

الأسهم بدون مقابل عن بطريقة الهبة، و ثمة مثال آخر للإجراءات الخاصة في المنقول فقد

ورد في المادة 49 ق.ب أن العقود المنشئة أو الناقلة أو المسقطة لحق الملكية أو الحقوق

العينية الأخرى المترتبة على السفن أو حصصها يجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند

رسمي صادر عن الموثق يتضمن نوع السفينة و سعتها و مداخلها و مخارجها و أسماء

مالكيها السابقين و بقدر الإمكان طابع و تاريخ عمليات نقل الملكية المتعاقبة و يكون قيدها

إلزاميا في سجل السفينة.




(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 243.
(2) د. خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، عقد البيع، ج4، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة ثالثة ، 2003 ،
ص 112.
و إذا تمت هبة المنقول حسب الإجراءات المبينة أعلاه ترتب على ذلك نقل الملكية

إلى الموهوب له و أصبح له حق التصرف الكامل فيه إذا تمت حيازته و تسلمه بجانب

التسجيل المذكور، و يقال مثل هذا في السيارات و الحافلات و كل المنقولات التي يتطلب

القانون فيها إجراءات خاصة(1).

2. الـــــعــقــــــــار: إن الهبة الواردة على عقار لا تنعقد انعقادا صحيحا إلا إذا استوفت

ركن الشكلية كركن رابع، بالإضافة إلى الأركان الأخرى المعروفة من رضا و محل و

سبب، لذلك فهي ليست عقدا رضائيا كما هي في هبة المنقول، بل هي عقد شكلي، أي عقد

رسمي، حسب ما تنص عليه المادتين 206 ق.أ و 324 مكرر1 ق. م و هذه الشكلية تتمثل

في التوثيق إذ يجب تحرير هبة العقار في وثيقة رسمية من طرف محرر العقود أي الموثق و

إذا استوفت هذه الأركان انعقدت صحيحة و إلا كانت باطلة بطلانا مطلقا، و حتى لو انعقدت

انعقادا صحيحا فإن نقل الملكية لا يتم إلا بإجراءات التسجيل لدى مصلحة التسجيل و الطابع،

و أخيرا شهره في مجموعة البطاقات العقارية لكي ترتب أثرها العيني و هو نقل الملكية(2)

وهذا ما نصت عليه المادتين 15، 16 من قانون التسجيل العقاري التي أحالت إليهما

المادة165 ق.م .

و بجانب ذلك فلابد من الحيازة لأن الهبة في القانون الجزائري عقد رسمي و عيني

في العقار و المنقول الذي يتطلب إجراءات خاصة(3).

الفرع الثاني: الالتزام بتسليم الشيء الموهوب

أن التزام الواهب بتسليم الشيء الموهوب من مقتضيات عقد الهبة، بل هو من أهم

التزامات الواهب التي تترتب بمجرد العقد و لو لم ينص عليه فيه و لا يكفي أن تنتقل ملكية

الشيء الموهوب إلى الموهوب له، بل لابد من وضعه تحت تصرف الموهوب له بحيث






(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 243، 244.
(2) أ. زهية سي يوسف، المرجع السابق، ص 86، 87.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 244.
يتمكن من حيازته و الانتفاع به من دون مانع، و من أمثلة الموانع التي تعيق حيازة الموهوب

له و الانتفاع به وجوده في حيازة الغير الذي يدعي حقا عليه أو يمانع من تسليمه و كذلك عدم

إخلاء الواهب من العين الموهوبة و الاستمرار في سكنها أو زراعتها(1)، فإن كان دارا

يسكنها الواهب وجب عليه أن يخليها و أن يخرج ما له من أثاث و أمتعة فيها و تسليم

مفاتيحها، و إن كان أرضا زراعية وجب عليه أن يتركها و أن يأخذ ما له من حيوانات

وآلات (2) ، و بجانب ذلك يلتزم الواهب بتسليم الموهوب بالملحقات التي تتبعه فتلحق

بالموهوب الأوراق و المستندات المتعلقة به كمستندات الملكية و عقود الإيجار التي يكون من

شأنها أن تسري على الموهوب له و صورة المستندات التي يستبقيها الواهب لتضمنها حقوق

أخرى غير حقوق الموهوب له و يلحق بالموهوب حقوق الارتفاق التي تكون له و إذا كان

الموهوب منزلا لحقت به الأشياء المثبة فيهو لا تدخل في الملحقات المنقولات التي يمكن

فصلها دون تلف(3)، هذا فيما بتعلق بتسليم الشيء الموهوب إذا كان عقارا، أما إذا كان

منقولا يتطلب إجراءات خاصة فإن الهبة فيه لا تنعقد و تتم هي الأخرى إلا باستيفاء

الإجراءات الخاصة سواء كانت هذه الإجراءات تتم أمام الموثق أو أمام الإدارة المختصة فإن

الهبة يجب لكي تصح و تتم من ضرورة استيفاء هذه الإجراءات مع تسليم الشيء المنقول إلى

الموهوب له و حيازته له حيازة تامة وفقا لما توجبه المادة206 ق.أ.

أما المنقول الذي لا يتطلب إجراءات خاصة فإن هبته تتم بالحيازة و القبض أي

بالتسليم الفعلي للشيء الموهوب، و وضعه تحت يد الواهب و تمكينه منه من دون أي

تعرض(4).









(1) د. خليل أحمد حسن قدادة، المرجع السابق، ص 121، 122.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 246.
(3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 150.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 247.

و إذا هلك لموهوب قبل التسليم بسبب أجنبي، فإنه يهلك على الموهوب له لا على

الواهب، ذلك أن الهبة تكون عادة عقدا ملزما لجانب واحد هو الواهب، فإذا انفسخت

لاستحالة التنفيذ لم يكن هناك التزام على الموهوب له يتحلل منه، فيكون هو الذي تحمل تعبة

الهلاك كما هو الأمر في سائر العقود الملزمة لجانب واحد، و لكن إذا كانت الهبة بعوض أو

فرض على الموهوب التزام أو شرط فإنه يتحلل منه بانفساخ الهبة لاستحالة تنفيذها وفقا

للقواعد العامة، على أنه إذا هلك الموهوب قبل التسليم و كان ذلك بخطأ الواهب، فإن كان

الخطأ يسيرا بقية تبعة الهلاك على الموهوب له، و لم يكن الواهب مسؤولا عن التقصير

اليسير، أما إذا تسبب الواهب في هلاك الموهوب بفعله العمد أو بخطئه الجسيم، فإنه يصبح

مسؤولا عن الموهوب له عن تعويض عادل(1).

الفرع الثالث: الالتزام بضمان التعرض و الاستحقاق

يرتب عقد الهبة في ذمة الواهب التزاما بضمان العي الموهوبة للموهوب له و

حيازتها حيازة هادئة وهذا يعني على الواهب أن يمتنع من القيام عن أي عمل من شأنه أن

يعرقل أو يعيق حيازة الموهوب له سواء كان هذا العمل من الواهب شخصيا أو من الغير،

وأن يضمن الواهب لموهوب له بقاء ملكيته للعين الموهوبة، إذا استحق الغير استحقاقا كليا

أو جزئيا عن طريق تعويضه(2). و المشرع الجزائري لم يعالج هذا النوع من الالتزام في

قانون الأسرة و سكت عنه فلم يبقى إلا الرجوع إلى نص المادة222ق.أ التي تحيل على

أحكام الشريعة الإسلامية، و بالرجوع إلى أحكام هذه الشريعة الغراء نجدها تقضي دائما بأن

لا ضمان على الواهب إلا في حالة الاستحقاق إلا إذا كان تحت شرط خاص، أو اتفاق، أو

كان الاستحقاق راجعا إلى فعل الواهب، مثلها في هذا مثل البيع ابتداء تسري عليها من أحكام

الضمان ما يسري على البيع(3) و هذا ما يخص الهبة بدون عوض أما إذا كانت الهبة






(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 154.
(2) د. خليل أحمد حسن قدادة، المرجع السابق، ص 144.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 248.

بعوض، أو كان الواهب قد فرض على الموهوب له التزاما أو شرطا في مقابل الهبة، و في

هذه الحالة يضمن الواهب الاستحقاق و لو كان يجهل سببه، و لكنه لا يكون مسؤولا إلا بقدر

ما أداه الموهوب له من عوض، و إذا كانت الهبة قد فرضت التزامات و شروط على

الموهوب له تحلل هذا منها و برئت ذمته، و تقف عند ذلك مسؤولية الواهب(1). و هذا إذا كان

الواهب يجهل سبب الاستحقاق أو يعلمه و لم يتعمد إخفاءه، أما إذا كان يعلم سبب الاستحقاق

و تعمد إخفاءه، فإننا نعود إلى الحالة الأولى، و لا يقتصر التعويض على استرداد العوض أو

التحلل من الالتزامات و الشروط، بل يجب أيضا أن يعوض الموهوب له تعويضا عادلا على

الوجه الذي بيناه فيما تقدم، و لو جاوز ذلك مقدار العوض أو التحلل من الالتزامات و

الشروط(2) و في الحالتين السابقتين و في حالة ما لو كانت الهبة بغير عوض و كلن الواهب

يتعمد إخفاء الاستحقاق، يحل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق و دعاوى، و يمكن

أن يضمن الواهب في الحالة الثالثة إذا وجد اتفاق صريح بذلك، و قد حكم بأن الوعد

بالضمان قد لا يوجد دلالة، و يستنتج من مجموعة سند الهبة كما إذا سلم الواهب عقارا

مرهونا رهنا رسميا إلى الموهوب له، و قام الموهوب له بالوفاء للدائنين المرتهنين ليحتفظ

بعقاره، فإنه يحل محلهم في حقوقهم، و يمكنه أن يرجع عند الاقتضاء على الواهب نفسه

الذي يكون ملزما شخصيا بهذه الديون، و يجوز للموهوب له المرفوع عليه الدعوى أن يدخل

الواهب في الدعوى ليطلب الحكم عليه بتخليص العقار(3).

الفرع الرابع: الالتزام بضمان العيوب الخفية

إن المشرع الجزائري سكت في قانون الأسرة عن الالتزام بضمان العيوب الخفية

وأحال ذلك إلى أحكام الشريعة الإسلامية بموجب المادة222 ق.أ، و بالرجوع إلى الفقه

الإسلامي نجد في الأصل أن الواهب لا يضمن العيوب الخفية، إلا أنه يضمن هذه العيوب في

حالات ثلاث هي:




(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 249.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 160.
(3) د. محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 145، 146.

1. إذا تعمد الواهب إخفاء العيب، فلا يكفي إذن أن يكون الواهب عالما بالعيب بل يجب

أيضا أن يتعمد إخفاءه، فإذا كان عالما بالعيب و لكنه لم يتعمد إخفاءه، لم يجب عليه الضمان.

2. إذا كانت الهبة بعوض أو في مقابل التزام و شروط فرضت على الموهوب له، ففي

هذه الحالة على الواهب ضمان العيوب الخفية حتى و لو لم يكن يعلم بها، على أن لا يجاوز

التعويض قدر العوض أو المقابل.

3. إذا ضمن الواهب باتفاق خاص خلو العين الموهوبة من العيوب ثم ظهر عيب، ففي

هذه الحالة يجب على الواهب ضمان العيب، حتى و لو لم يكن يعلم به و حتى و لو كانت

الهبة بغير عوض أو أي مقابل آخر و المقصود بالعيب الخفي أنه يجب أن يكون مؤثرا قديما

خفيا غير معلوم للموهوب له و تطبق عليه أحكام العيوب الموجبة للضمان في عقد البيع(1).

فمثلا في حالة ما إذا كانت الهبة بعوض أو بمقابل و ظهر بالعين عيب خفي يضمنه

الواهب، فإنه يعوض الموهوب له عن الأضرار التي لحقت به بسبب العيب، و كذلك عن

نقص قيمة العين الموهوبة، على ألا يجاوز التعويض في كل ذلك مقدار العوض أو المقابل

المشترط على الموهوب له.

فإذا كان الواهب قد تعمد إخفاء العيب في الهبة بعوض أو بمقابل، أو ضمن خلو العين

من العيوب، وجب عليه تعويض الموهوب له عن كل الخسارة التي تسبب فيها العيب و لو

جاوزت هذه الخسارة مقدار العوض أو المقابل.

كما يجوز باتفاق خاص بين المتعاقدين تعديل أحكام ضمان العيب، إذ أن الواهب

يجب عليه ضمان العيب إذ هو ضمن خلو العين الموهوبة من العيوب، فهذا اتفاق خاص من

شأنه إيجاد ضمان لم يكن واجبا عليه، و يجوز كذلك الاتفاق على تشديد هذا الضمان، بأن

يتفق المتعاقدين مثلا على أن يضمن الواهب ليس فحسب الخسارة التي سببها العيب، بل

أيضا نقص قيمة العين الموهوبة بسبب العيب.





(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص164، 165.

و يجوز الاتفاق على إنقاص الضمان، كأن يتفق المتعاقدان على ألا يضمن الواهب

عيبا معينا بالذات في الهبة بعوض، فإذا ظهر هذا العيب لم يكن الواهب ملزما بتعويض

الموهوب له عنه حتى في حدود العوض,

و يجوز الاتفاق أخيرا على إسقاط الضمان، كأن يتفق المتعاقدان على ألا يضمن

الواهب أي عيب يظهر في العين الموهوبة في الهبة بعوض حتى في حدود هذا العوض،

ولكن لا يجوز الاتفاق على إسقاط الضمان و لا على إنقاصه في حالة تعمد الواهب إخفاء

العيب(1).



الساعة الآن 11:12 AM