-
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام :
23-01-2013
رقم العضوية :
104
المشاركات :
36
الجنس :
قوة السمعة :
30
المستوي :
بكالوريا
الوظــيفة :
طالب
-
المبحث الرابع : تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز حتى مؤتمر القمة السابع
كان انتهاء الحرب العالمية الثانية والتطورات التي تلتها من ضعف القوى الاستعمارية، وظهور الاشتراكية كنظام عالمي، وريادة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الإمبريالية في العالم، وسعيها في احتواء المد الاشتراكي ودحر الثورات التحررية، وارتكازها في ذلك على إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية، ولكي تتمكن من تحقيق أهدافها عملت على تكوين أحلاف عسكرية، فبدأت بتشكيل حلف شمال الأطلسي عام 1949م، وتبع ذلك حلف شرق آسيا وحلف بغداد والذي أفطلق عليه فيما بعد الحلف المركزي، كما تَشَكَّل حلف يضم كل من أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وواجهت دول أوروبا الشرقية الاشتراكية الموقف بتكوين حلف وارسو الذي كان بمثابة رد فعل لإقامة حلف شمال الأطلسي.
ووجدت الدول حديثة الاستقلال في أفريقيا وآسيا نفسها في موقف صعب، حيث رفضت الارتباط بأي من الكتل والأحلاف العسكرية، ولذلك زادت الضغوط الخارجية لربطها في الأحلاف العسكرية التي أفنشئت، إلا أن الدول حديثة الاستقلال كان رفضها للانضمام لهذه الأحلاف هو السمة الرئيسية لتوجهاتها، وزادت خلال هذه المرحلة حركات التحرر الوطني حيث استقلت الهند وباكستان وبورما وسيلان ودول الهند الصينية، وانتصرت القوى المعادية للفاشية في كوريا، ونجحت الثورة الصينية عام 1949م، كما شهدت أفريقيا في نفس الحقبة اندلاع حركات التحرر الوطني فكان نجاح ثورة مصر عام 1952م، وحصول غانا على استقلالها بقيادة نكروما دعماً لحركات التحرر الأفريقية، وفي إطار هذا المناخ عفقد مؤتمر العلاقات الآسيوية في نيودلهي عام 1947م، وتلاه عقد المؤتمر الثاني في منتصف العام، وكان الهدف من المؤتمران هو تأييد حركات التحرر الوطني، ومناهضة الإمبريالية والاستعمار بكافة صورة.
وبدأ تشكيل المجموعة الآسيوية الأفريقية عندما انعقد مؤتمر نيودلهي عام 1949م، بدعوة من نهرو وحضره تسع عشرة دولة، ولقد أكد المؤتمر على ضرورة تنسيق نشاط الدول الآسيوية والأفريقية لمواجهة الاستعمار، وإنشاء هيئة اتصال دائمة بين الدول، وبدأت الدول الآسيوية ـ الأفريقية تظهر على الساحة الدولية، خاصة بعد عقدها لمؤتمرها عام 1950م في الأمم المتحدة، وكانت المجموعة الآسيوية ـ الأفريقية تتشكل في ذاك الوقت من مصر والمملكة العربية السعودية والعراق ولبنان وسورية وباكستان وإيران وتركيا وتايلاند وأفغانستان وبورما والفليبين والهند، ثم انضمت إليها إثيوبيا وليبريا، وفي أبريل عام 1954م، عفقد مؤتمر كولومبو الذي دعت إليه سيلان، وفي ديسمبر عام 1954م، عفقد مؤتمر بوجور في بورما، وخلال هذا المؤتمر وفجهت الدعوة لعقد مؤتمر باندونج بإندونيسيا. (أفنظر جدول مؤتمرات قمة دول عدم الانحياز منذ باندونج 1955 حتى نهاية القرن العشرين).
أولاً: مؤتمر باندونج 18 ـ 24 أبريل 1955م:
كانت الخطوة الأساسية والرئيسية في ظهور الفلسفة السياسية للعالم الثالث هي انعقاد مؤتمر باندونج خلال الفترة من 18 ـ 24 أبريل 1955م، والذي دعت إليه الدول الآسيوية الخمس التي نادت بالحياد الإيجابي، وهي الهند وإندونيسيا وباكستان وسيلان وبورما، ويعتبر هذا المؤتمر في الأساس مؤتمر آسيوي ـ أفريقي وليس مؤتمراً لدول عدم الانحياز، حيث إن الأغلبية من الدول التسع والعشرون التي حضرت هذا المؤتمر دولاً منحازة ومرتبطة أساساً بالمعسكر الغربي، ولم يكن من هذه الدول إلا ست فقط كانت ملتزمة بسياسة عدم الانحياز وهي الهند وإندونيسيا وبورما وأفغانستان ومصر وسورية، ولقد أنهى المؤتمر مباحثاته بإعلان مقررات باندونج، هي تعتبر نقطة تحول تاريخية في بلورة فكرة الحياد الإيجابي والتحول بتجمع الدول الآسيوية ـ الأفريقية من تعبير جغرافي إلى تعبير سياسي له قوته وثقله الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقد تمثلت مقررات باندونج في الآتي:
1. احترام حقوق الإنسان الأساسية ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة.
2. احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها.
3. الاعتراف بالمساواة بين جميع الأجناس وبين جميع الأمم كبيرها وصغيرها.
4. الامتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر.
5. احترام حق كل أمة في الدفاع عن نفسها انفرادياً أو جماعياً وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
6. الامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى، وامتناع أي دولة عن الضغط على غيرها من الدول.
7. تجنب الأعمال أو التهديدات العدوانية أو استخدام العنف ضد السلامة الإقليمية والسيادة السياسية لأي دولة من الدول.
8. تسوية جميع المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، كالتفاوض أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية أو أية وسيلة سلمية أخرى تختارها الأطراف المعنية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
9. تنمية المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
10.احترام العدالة والالتزامات الدولية.
ثانياً: مؤتمر بريوني 1956م:
تأييداً لسياسة عدم الانحياز عفقد مؤتمر ثلاثي في بريوني في يوغسلافيا في يوليه عام 1956م، بحضور كل من جوزيف بروز تيتو وجواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر، وتستند أهمية هذا المؤتمر إلى عدة عوامل تمثلت في الآتي:
1. إن عدم الانحياز لم يعد يشمل فقط المعيار الجغرافي المقتصر على العالم الأفرو ـ آسيوي، بل أصبح يشمل دولاً أوروبية وهي يوغسلافيا.
2. إن سياسة عدم الانحياز لم تعد تضم الدول حديثة الاستقلال عن الاستعمار الغربي، ولكن أصبحت تضم الدول التي استطاعت الابتعاد عن دائرة السيطرة السوفيتية.
3. كان اشتراك يوغسلافيا في المؤتمر تأكيداً على أن سياسة عدم الانحياز يمكن أن تأخذ بها أي دولة مهما كان نظامها السياسي والاقتصادي والإيديولوجي.
وقد أكدت قرارات بريوني على مبادئ مؤتمر باندونج، كما طالبت بحظر السلاح وحظر التجارب النووية ومنح المزيد من المعونات الاقتصادية للدول النامية، وقبول الصين في الأمم المتحدة وتوحيد شطري ألمانيا، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة الشعب الفلسطيني، كما استنكرت قرارات المؤتمر الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
ثالثاً: مؤتمر القمة الأول التأسيسي لحركة عدم الانحياز في بلجراد:
عقد مؤتمر تحضيري في القاهرة خلال الفترة من 5 - 12 يونيه 1961م تمهيداً لمؤتمر بلجراد، لتحديد مفهوم عدم الانحياز وبلورة مبادئه، ووفجهت الدعوة لمؤتمر بلجراد بوساطة الجمهورية العربية المتحدة ويوغسلافيا وإندونيسيا، على أن يعقد في بلجراد خلال الفترة من 1 - 6 سبتمبر 1961م، وحضره خمس وعشرون دولة، وتركزت مقررات المؤتمر التأسيسي في الآتي:
1. إن الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها بنفسها.
2. حق كل دولة في الاستقلال وحرية التصرف بمواردها.
3. إدانة أعمال القمع العسكرية التي تتعرض لها الشعوب التي ما تزال تطالب بحريتها واستقلالها. واستنكار الأعمال العدوانية الإسرائيلية، كما طالب المؤتمر استكمال الاستقلال الجزائري.
4. استنكر المؤتمر التمييز العنصري بكل أشكاله.
5. أكد المؤتمر على ضرورة التحرك الإيجابي، والعمل على نزع السلاح ومنع التجارب النووية، وكلف المؤتمر كل من الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو ورئيس جمهورية مالي موديبو كيتا Modibo Keita بالاتصال بالرئيس الأمريكي جون كيندي John Fitzgerald Kennedy ومناشدته الاجتماع برئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، إلا أن نيكيتا خروتشوف Nikita Khrushchev أرسل خطاب إلى المؤتمر يؤكد فيه على استمرار الاتحاد السوفيتي في إجراء التجارب النووية.
لقد كان توقيت انعقاد مؤتمر بلجراد مناسباً جداً، حيث كان العالم يقف على حافة الهاوية، نظراً لأن خطر الحرب كان حقيقة واقعة، كما أن الدول الكبرى لم تتمكن خلال هذه الفترة من مجابهة المحن الكبرى، ولذلك يعتبر مؤتمر بلجراد انتصاراً تاريخياً كبيراً لسياسة عدم الانحياز، ودليلاً صادقاً على قوة هذه الدعوة على الساحة الدولية ومدى انتشارها وجدوى مبادئها السلمية الهادفة.
رابعاً: مؤتمر القمة الثاني لحركة عدم الانحياز في القاهرة:
عقد المؤتمر في 5 أكتوبر 1964م بحضور سبعة وأربعون دولة، وتضمن الإعلان النهائي للمؤتمر الذي أطلق عليه برنامج السلام والتعاون الدولي، واتفق أعضاء حركة عدم الانحياز على الآتي:
1. العمل المشترك لتحرير الدول غير المستقلة والقضاء على الاستعمار، واستنكار عدم تنفيذ إعلان الأمم المتحدة الخاص بمنح البلدان والشعوب المستعمرة استقلالها.
2. تأييد كفاح شعب فلسطين للتحرر من الاستعمار والعنصرية، وشجب سياسة الإمبريالية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، ويقرر وفقاً لميثاق الأمم المتحدة تأييد استعادة حقوق الشعب العربي في فلسطين كاملة غير منقوصة، وحقه الطبيعي في تقرير مصيره، ونضاله من أجل التحرر من الاستعمار.ض
3. اعتبار التمييز العنصري انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومبدأ المساواة بين الشعوب، وندد في هذا الإطار بحكومة جنوب أفريقيا العنصرية.
4. إن حق الاستقلال التام هو حق طبيعي يجب الاعتراف به فوراً ودون شروط، وتطبيق مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، والامتناع عن أي تهديد باستعمال القوة، ويشير إلى وجوب حل جميع المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وبالتزام الدول للتعاون من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الدول النامية والعالم أجمع.
5. إن مشكلة الأمم المقسمة سبب أساسي للتوتر الدولي، ولذلك يعلن المؤتمر تعاطفه مع هذه الشعوب إشارة إلى مشكلة تقسيم ألمانيا، كما يعلن المؤتمر قلقه بشأن المسألة القبرصية، كما طالب المؤتمر رفع الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على كوبا.
6. طالب المؤتمر بحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة دون التهديد باستعمال القوة أو باستخدامها، وقد أشار المؤتمر إلى احترام السلام والاستقرار في شبه جزيرة الهند الصينية.
7. حتمية نزع السلاح، واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وتحريم جميع التجارب النووية، ومنع انتشار الأسلحة النووية وإلغائها، وإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، وطلب المؤتمر من الدول الكبرى أن تتخذ خطوات عاجلة نحو تحقيق نزع السلاح تحت رقابة دولية فعالة ودقيقة، ويناشد المؤتمر جميع الدول أن تنضم إلى معاهدة موسكو للحظر الجزئي لتجارب الأسلحة النووية.
8. أكد المؤتمر على أن وجود الأحلاف العسكرية قد زادت من حدة التوتر الدولي وتصاعد الحرب الباردة، كما اعتبر أن استمرار وجود القواعد العسكرية الأجنبية في أراضي بعض الدول يمثل انتهاكاً لسيادة الدول وتهديداً للحرية والسلام العالمي، وأوصى المؤتمر بإزالة القواعد الأجنبية من قبرص، وندد بعزم الدول الاستعمارية على إنشاء قواعد في المحيط الهندي بهدف الضغط على الدول الناشئة في أفريقيا وآسيا.
9. رأى المؤتمر أن تقوم الأمم المتحدة بوظائفها بشكل فعال، وأن تراعي في أعمالها المبادئ الأساسية للتعايش السلمي وطالب بانضمام الصين الشعبية إليها.
10. أهمية وضع برنامج للعمل من شأنه أن يعالج مشاكل الدول النامية، ويتحقق في إطاره تعاون أفضل بين الدول الصناعية والدول النامية، ويطالب بالتعجيل بإنشاء وكالة متخصصة للتنمية الصناعية.
11. طالب المؤتمر بتعزيز مجالات التعاون الثقافي والعلمي والتربوي بين دوله والدول المتقدمة، ويدعو الدول الصناعية الكبرى لتزويد الدول النامية بمزايا التقدم العلمي والتكنولوجي لتحقيق التنمية الاقتصادية.
خامساً: مؤتمر القمة الثالث لحركة عدم الانحياز في لوساكا:
عقد مؤتمر القمة الثالث لدول عدم الانحياز في الفترة من 8 - 10 سبتمبر 1970م، بعد انقطاع استمر حوالي ستة سنوات، وحضره أربعة وخمسون دولة، وقد تركزت أعمال المؤتمر حول عدة قضايا منها:
1. تدعيم التضامن بين الدول الأعضاء.
2. اتخاذ موقف موحد في معالجة القضايا الدولية وخاصة داخل الأمم المتحدة.
3. التأكيد على الدور الذي يجب أن تقوم به دول عدم الانحياز مستقبلاً، حتى تظل بعيدة عن تأثير الكتلتين الشرقية والغربية.
4. معالجة قضايا الاستعمار والتمييز العنصري والشرق الأوسط.
5. تدعيم إمكانيات الاكتفاء الاقتصادي والتنمية في المجتمع.
وتمثلت قرارات المؤتمر في الآتي:
1. طالب المؤتمر بضرورة إسراع الأطراف المعنية في الشرق الأوسط بتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967م.
2. إدانة الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية.
3. دعوة الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من أراضي فيتنام، وكذلك الحل السلمي لمشكلات لاوس وكمبوديا بما يضمن للدولتين الاستقلال والوحدة الوطنية.
4. أهمية تصفية الاستعمار، ومناشدة الدول الكبرى أن تمتنع عن مساعدة النظم الاستعمارية والقهر العنصري في العالم.
5. إعلان المساندة الكاملة والتضامن بكافة الوسائل مع الشعوب المضطهدة في جنوب أفريقيا.
6. يدعو المؤتمر الدول الكبرى إلى عدم مساعدة البرتغال في استمرارها لقمع الشعوب الأفريقية التي تستعمرها وتسيطر عليها.
7. المطالبة بإنهاء نظام الانتداب غير المشروع الذي تمارسه حكومة جنوب أفريقيا على إقليم ناميبيا.
8. المساندة المعنوية والمادية لحركات التحرر الوطني في زيمبابوي من الحكم الأبيض العنصري.
سادساً: مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز بالجزائر:
عقد المؤتمر في الفترة من 5 - 9 سبتمبر 1973، وحضره ممثلو ست وسبعون دولة وأربع عشرة حركة تحررية وثلاث دول أوروبية، وصدر في نهاية المؤتمر بيانان أحدهما سياسي والآخر اقتصادي وتضمن البيان السياسي الآتي:
1. ضرورة قيام دول حركة عدم الانحياز بعمل أكثر حزماً في سياسته التوفيقية.
2. أدان المؤتمر سياسة إسرائيل التوسعية العدوانية وضم الأراضي التي تحتلها بالقوة، وممارسة القمع ضد سكان المناطق المحتلة.
3. طالب المؤتمر بانسحاب إسرائيل الفوري غير المشروط من جميع الأراضي المحتلة، وتعهد بمساعدة مصر وسورية والأردن على تحرير أراضيهم بكل الوسائل.
4. طالب المؤتمر من جميع الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف دعمها السياسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل، الذي يمكنها من مواصلة سياستها العدوانية والتوسعية.
5. اعتبر المؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين، ومفنحت صفة عضو مراقب في حركة عدم الانحياز.
6. التأكيد على إقامة مناطق سلام وتعاون دولي في مختلف أنحاء العالم، وعلى أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
7. شجع المؤتمر الجهود التي تبذلها الشعوب العربية في الخليج العربي، الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز استقلالها، ومواجهة التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية.
وتضمن البيان الاقتصادي عدة توصيات كان أهمها مراقبة نشاطات الشركات متعددة الجنسيات، والعمل على تشكيل منظمات تهدف إلى الدفاع عن مصالح الدول المنتجة للمواد الأولية، والتصرف بكامل سيادتها على مواردها الطبيعية.
سابعاً: مؤتمر القمة الخامس لحركة عدم الانحياز في كولومبو:
عقد المؤتمر في الفترة من 16 - 19 أغسطس 1976م، باشتراك وفود سبعة وثمانون دولة، وخمسة عشر دولة بصفة مراقب، إضافة إلى ست دول لها صفة الضيوف وتضمنت قرارات المؤتمر الآتي:
1. إنشاء مصرف للعالم الثالث.
2. الدعوة إلى تجديد فعالية ونشاط حركة عدم الانحياز، ليكون قادراً على مواجهة الإمبريالية والاستعمار بأشكاله المختلفة الجديد والقديم.
3. دعوة المؤتمر إلى توقيع عقوبات رادعة على إسرائيل إذا لم تلتزم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، مع احتمال طردها من الأمم المتحدة إذا دعت الحاجة.
4. تجديد الدعوة على اعتبار المحيط الهندي منطقة سلام، لاستبعاد التنافس الدولي من الكتلة الشرقية والغربية عليه، مع أهمية إعلان حرية الملاحة غير العسكرية فيه.
5. مساعدة الدول على إعادة البناء والتعمير.
وخلال هذا المؤتمر جرى دراسة وتقييم الوضع الاقتصادي الدولي ومشاكل التنمية، وموضوع إقامة نظام اقتصادي دولي جديد، كما حفددت الوسائل الكفيلة بدعم التضامن والتعاون والتنسيق بين دول حركة عدم الانحياز في كافة الميادين سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو علمية، وكذلك دفرس دور وآليات حركة عدم الانحياز في مجال العلاقات الدولية، ودعم منظمة الأمم المتحدة في تنفيذ مهامها، كما جرى تنظيم وتأسيس مكتب التنسيق الخاص بحركة عدم الانحياز وتحديد دوره ومهامه ومسؤولياته.
ثامناً: مؤتمر القمة السادس لحركة عدم الانحياز في هافانا:
عقد المؤتمر في الفترة من 3 - 9 سبتمبر 1979م، وبحضور مائة دولة كاملة العضوية في المنظمة، وخلال هذا المؤتمر بدأ يتضح العديد من المشاكل ومنها مشكلة جنوب أفريقيا، وجزر فوكلاند والصحراء الغربية، وقد عكست نتائج المؤتمر طبيعة الموقف السائد في ذاك الوقت، حيث اقتربت الحركة من مشاكل أمريكا اللاتينية، ونددت بالسياسة الأمريكية، كما صدر إعلان هافانا عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها، كما رفضت الحركة محاولات كوبا لتأكيد العلاقة بين حركة عدم الانحياز وبين الكتلة الشرقية، كذلك كان هناك نقد واضح وصريح لاتفاقية كامب ديفيد، والدعوة لتعليق عضوية مصر باعتبارها قد خرجت عن مقررات حركة عدم الانحياز، إلا أنه لم يمكن التوصل إلى قرار بهذا الشأن ولم يكن هناك توافق في الآراء، ومن ثم اعتبرت المشكلة الخاصة بالطعن في عضوية مصر مرفوضة مع استمرار دول عدم الانحياز على رفضها لاتفاقية كامب ديفيد.
كما أكد المؤتمر في نهايته على وحدة الأراضي اللبنانية، وأدان بشدة العدوان والغزو الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان، كما أدان المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى تكريس احتلال إسرائيل لبعض المناطق اللبنانية بوساطة عملائها، وطالب كافة الدول مساعدة ومساندة الشعب اللبناني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، كما شدد المؤتمر على أن البحث عن السلام العالمي مرتبط ارتباطاً كاملاً بالنضال ضد الإمبريالية والاستعمار والتمييز العنصري بما في ذلك الصهيونية، كما ناقش المؤتمر قضية كمبوديا، وأفخذت الموافقة على إبقاء مقعدها شاغراً حتى عام 1982م، كما لم يتخذ قرار بشأن قضية الصحراء الغربية.
تاسعاً: مؤتمر القمة السابع لحركة عدم الانحياز في نيودلهي:
كان انعقاد القمة السابعة في ظل متغيرات دولية متلاحقة خلال الفترة ما بين عام 1982م ومارس 1983م، والتي خلالها أثقلت العالم بمزيد من القضايا والمشاكل، ووسط عودة توترات الحرب الباردة بين القوتين العظميين، حيث تشابكت أزمة الشرق الأوسط مع تعقيدات القضية اللبنانية والانعكاسات الدولية التي أفرزها الغزو السوفيتي لأفغانستان، والتي تداخلت كذلك مع الحرب العراقية الإيرانية، كذلك استمرار الصراع في إطار المحيط الهندي والقرن الأفريقي، كما كان تجدد حدة الصراع في السلفادور والقرار الأمريكي بالتصدي لسياسية الاتحاد السوفيتي في امتداده إلى أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية، والتي تداخلت في قضية نشر الولايات المتحدة الأمريكية لصواريخها النووية المتوسطة في دول حلف شمال الأطلسي رداً على نشر الاتحاد السوفيتي لصواريخه تجاه دول أوروبا الغربية، والتي كانت من عوامل نقل الصواريخ إلى دائرة المحيط الهادي خاصة بعد التهديد السوفيتي النووي لليابان في 20 يناير عام 1983 إذا قبلت تواجد أمريكي عسكري بها، أو إذا اتخذت إجراءات دفاعية أكثر مما هي عليه[1]، كما كان للحرب الإعلامية بين القطبين دورها في الإعلان عن عودة سباق التسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، كذلك بدأت معالم الأزمات الاقتصادية العالمية في الظهور، بسبب تصاعد أزمة الديون الدولية وزيادة التضخم والركود في العديد من الدول الصناعية الكبرى، في إطار هذا التوتر تقرر نقل مكان انعقاد القمة السابعة لدول عدم الانحياز من بغداد عام 1982 ليكون في نيودلهي عام 1983م.
عفقد مؤتمر القمة السابعة في ظل المتغيرات الدولية المتشابكة، وحضرها حوالي سبعون ملكاً ورئيس دولة ورئيس حكومة يوم 7 مارس 1983، وبذلك يكون قد وصل عدد أعضاء الحركة إلى مائة وواحد عضو، منهم سبعة وأربعون دولة أفريقية، وثلاثة عشر دولة من أمريكا اللاتينية، وسبعة وعشرون دولة آسيوية، كذلك ثلاثة دول أوروبية، وكان مقرراً أن تختتم القمة السابعة أعمالها يوم 11 مارس، إلا أن تعذر الوصول إلى توافق الرأي حول مكان انعقاد القمة الثامنة، وكذلك الخلاف حول الحرب العراقية ـ الإيرانية، قد أدى إلى تأخير أعمال المؤتمر حتى يوم 12 مارس، حيث أفعلن البيان الختامي للمؤتمر والذي شمل على الآتي:
1. إن السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يقوم إلا على أساس انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في العودة إلى أراضيه وفي تقرير المصير دون تدخل أجنبي، وكذلك حقه في إقامة دولته المستقلة. كما أكد المؤتمر على أن القدس هي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولابد من انسحاب إسرائيل الكامل منها وإعادتها إلى السيادة العربية، كما أكد على أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بأنها غير شرعية، وتشكل عقبة أمام تحقيق السلام، ولذا يجب إزالتها فوراً ومنع إقامة مستوطنات جديدة.
2. أدان المؤتمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، والجرائم التي ترتكبها إسرائيل من قتل وتدمير إحدى دول عدم الانحياز، كما ندد برفض إسرائيل الامتثال لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مرتفعات الجولان السورية المحتلة، كما أدان المؤتمر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تساعد إسرائيل على استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، كما تساعد إسرائيل داخل الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن باستعمالها لحق الفيتو.
3. أكد المؤتمر على التزام دول عدم الانحياز بزيادة المساعدات لدول المواجهة العربية ولمنظمة التحرير الفلسطينية، وطالبوا الدول الأوروبية بالدعم السياسي والدبلوماسي للشعب الفلسطيني والدول العربية في جهودها لاستعادة جميع الأراضي والحقوق العربية والفلسطينية.
4. أدان المؤتمر العدوان الإسرائيلي على المنشآت النووية العراقية باعتبار أن ذلك عملاً من أعمال الإرهاب الدولي، وأعرب عن التضامن مع العراق وجميع الدول النامية في ممارسة حقوقها المشروعة، وحيازة وتطوير التكنولوجيا النووية اللازمة للأغراض السلمية والبرامج الإنمائية.
5. أعرب المؤتمر عن قلقة من التصعيد المتواصل للوجود العسكري للدول الكبرى في منطقة المحيط الهندي، وطالب باستئناف المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي لتخفيض وجودهما العسكري وجعل المحيط الهندي منطقة سلام.
6. أعرب المؤتمر عن تأييده للجهود التي بذلتها منظمة الوحدة الأفريقية من أجل حل نزاع الصحراء الغربية وفقاً لقرار مؤتمر القمة الأفريقي الثامن عشر الذي عقد في نيروبي الفترة من 24 - 27 يونيه 1981م.
7. أكد المؤتمر على حق شعب ناميبيا في الاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، كذلك أعلن تأييده لكفاح شعب جنوب أفريقيا من أجل تقرير المصير، وكفاحه ضد القهر والاستغلال والسيطرة العنصرية.
8. أكد المؤتمر على حق شعب كمبوديا في تقرير مصيره، وأعرب عن أمله في التوصل من خلال المفاوضات إلى تهيئة مناسبة لحق تقرير المصير، كما أيد الجهود المخلصة التي يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التسوية السياسية في أفغانستان، أما بالنسبة لكوريا فقد أعرب المؤتمر عن أمله في أن يعزز انسحاب جميع القوات الأجنبية من المنطقة تحقيق رغبة الشعب الكوري في إعادة وحدته بالطرق السلمية.
9. طالب المؤتمر إشراك حركة عدم الانحياز في مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، وأثار وجود ارتباط وثيق بين المسائل الأمنية في أوروبا ومنطقة البحر المتوسط، كما أعرب عن قلقه من تصاعد التوتر في أوروبا ودعا إلى مفاوضات فورية تهدف إلى الخفض الملموس في التسليح.
10. أكد المؤتمر على دعمه المستمر لنضال دول أمريكا اللاتينية من أجل استقلالها، كذلك أعلن دعمه ضد الإمبريالية والاستعمار في جميع صوره الهادفة إلى السيطرة والهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما طالب بوقف جميع أشكال العدوان والتهديد ضد كوريا وانتهاك مجالها الجوي ومياهها الإقليمية، وأعلن دعمه لمطالب كوبا الخاصة باستعادة قاعدة جوانتانامو البحرية من الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك أكد البيان على دعمه لشعب بورتريكو في تقرير المصير والاستقلال، كما أكد على تأييده لسيادة الأرجنتين على جزر فوكلاند.
11. في المجال الاقتصادي أكد المؤتمر على أهمية إعادة جدولة الديون الأجنبية للعالم الثالث، والتي بلغت في ذاك الوقت حوالي 540 مليار دولار، وطالب بإعادة إصلاح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على ألا يسيطر عليهما الغرب. كما طالب المؤتمر بإنهاء القيود التجارية، وإلى المعاملة التفضيلية لصادرات دول العالم الثالث، واقترح المؤتمر إنشاء عدة مؤسسات تهدف إلى دعم التعاون الاقتصادي بين الدول النامية.
[1] جاء التهديد السوفيتي لليابان بعد تصريح رئيس الوزراء الياباني ناكاسوني لدى زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في يناير 1983، حيث أكد على أهمية توفير دفاع قوي ضد القاذفات السوفيتية.
المبحث الخامس : تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز منذ مؤتمر القمة الثامن
أولاً: مؤتمر القمة الثامن لحركة عدم الانحياز في هراري
عفقد المؤتمر الثامن في مدينة هراري عاصمة زيمبابوي في الأول من سبتمبر 1986م، بهدف الإعراب عن حرص الحركة على متابعة نضالها من أجل تحقيق التصفية الكاملة للاستعمار، وكذلك تأكيدها على مواصلة الدعم للقضاء على الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، واستمر المؤتمر لمدة ستة أيام، جرى خلالها الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حركة عدم الانحياز، وكذلك إصدار إعلان خاص بجنوب أفريقيا، وتوجيه نداء لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي للحد من سباق التسلح، وتخلل جلسات المؤتمر هجوم الرئيس الإيراني على العراق خلال الكلمة التي ألقاها، وتحديده لشروط إنهاء الحرب وطالب بالتعويضات، كذلك كان موقف الزعيم الليبي معمر القذافي الذي هاجم حركة عدم الانحياز ووصفها بالعجز والشلل، كذلك لم تفطرح مشكلة عضوية الصحراء الغربية على المؤتمر، لتجنب حدة النقاش وإضافة المزيد من مظاهر الانقسام بين صفوف الحركة.
تضمنت وثيقة المؤتمر الاقتصادية على استعراض حالة الاختلال وعدم التوازن في الوضع الاقتصادي الدولي، وتأكيد ضرورة إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي ليقوم على أساس المساواة في السيادة والعدالة والتكافؤ والمصلحة المشتركة والنفع المتبادل، وأكد المؤتمر على العلاقة بين السلام ونزع السلاح والتنمية، وأهمية الدخول في المفاوضات العالمية لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، كما أعرب المؤتمر عن قلقه من الانخفاض الحاد في أسعار السلع الأساسية وظهور الاتجاهات الحمائية، وانخفاض معدل المساعدة الإنمائية الرسمية وتفاقم مشكلة الديون الخارجية، وضرورة إجراء الحوار بين الشمال والجنوب، كما أعرب المؤتمر عن قلقه للتباطؤ في تنفيذ ما تضمنه ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية والقصور في تحقيق أهدافه الإستراتيجية الإنمائية، كما وافق المؤتمر على إنشاء لجنة وزارية دائمة للتعاون الاقتصادي.
كما أكد المؤتمر على أهمية التنسيق بين مجموعة السبعة والسبعون وبين مجموعة الأربعة والعشرون ومجموعة العشرة المتعلقة بالنظام النقدي الدولي، (أفنظر جدول مجموعات اقتصادية مطلوب أن تنسق حركة عدم الانحياز معها)، وزيادة نسبة أصوات الدول النامية ومستوى مشاركتها في عملية صنع القرار الخاص بالمؤسسات النقدية والمالية، وربط حصص حقوق السحب الخاصة باحتياجات التنمية، وضرورة إدخال تعديلات كبيرة في معاييره المشروطة الخاصة بصندوق النقد الدولي، كما ناشد المؤتمر الدول المانحة لزيادة المساعدة الإنمائية الرسمية وتعزيز دور البنك الدولي، كذلك أوضح المؤتمر المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها تجارة الدول النامية وتدهور أسعار السلع، وأكد ضرورة دعم الاتفاقات السلعية القائمة، عن طريق التعاون بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، كما تعرض المؤتمر لقضايا الأغذية والزراعة والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والتصنيع والاتصالات السلكية واللاسلكية، والسيادة على الموارد الطبيعية وقانون البحار والشركات غير الوطنية والبيئة، ودور المرأة في التنمية الدولية لإيواء المشردين والتصحر وتقديم المعونة لضحايا الجفاف، وحالة اللاجئين والمشردين في أفريقيا، والأحوال المعيشية المتدنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك قضايا التعاون بين الدول النامية.
ثانياً: مؤتمر القمة التاسع لدول عدم الانحياز في بلجراد
عفقدت القمة التاسعة لدول عدم الانحياز في العاصمة اليوغسلافية بلجراد خلال الفترة من 4 - 7 سبتمبر 1989، ودفرست خلالها مشروعات قرارات سياسية تناولت بؤر الأزمات في العالم، ومن بينها الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ومشكلات لبنان وقبرص وأمريكا اللاتينية، وكذلك الأزمات التي تواجه أفريقيا ودول العالم الثالث وخاصة مشكلات جنوب أفريقيا والوضع الاقتصادي المتأزم في القارة، ومشكلة الأغذية والزراعة ومشكلة البلدان الأقل تطوراً، والتعاون بين الدول النامية، كما جرى مناقشة تأثير النفقات العسكرية الضخم وأعباء الديون للدول النامية وانعكاسها على مجالات التنمية للدول الفقيرة، وأهمية الدعوة إلى نزع السلاح الكامل خاصة من جانب الدول الكبرى، ووقف التجارب النووية لتدعيم الأمن الدولي، وتعزيز دور البنك الدولي والبنوك الإنمائية الإقليمية في تمويل المشروعات الإنمائية لدول حركة عدم الانحياز، ومساعدة الدول المدينة في التخلص من أعباء ديونها الخارجية، باعتبارها أكبر معوق لحركة تنميتها اقتصادياً واجتماعياً، ومنح دول عدم الانحياز الفرصة للمشاركة في مشروع وقف اختلال التوازن البيئي، وفي إطار أعمال اللجنة السياسية المنبثقة عن قمة عدم الانحياز، جرى مناقشة تأسيس تجمع لخبراء ومؤرخي التاريخ والثقافة في دول عدم الانحياز، يكون هدفه ومهمته دراسة التطورات السياسية في العالم على ضوء الانفراج بين القوتين العظميين.
وبعد مناقشات استمرت أربعة أيام أنهى قادة دول عدم الانحياز مؤتمرهم بإصدار عدد من الأوراق السياسية والاقتصادية، إضافة إلى البيان الختامي حول القضايا التي تناولتها جلسات المؤتمر، وطالب خلالها القادة ورؤساء الوفود بضرورة تدعيم دور حركة عدم الانحياز في تعزيز الأمن والسلام الدولي، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، والمطالبة بتحقيق سلام شامل وعادل ودائم، وتأييد موقف منظمة التحرير الفلسطينية والدعوة إلى استمرار الحوار بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك طالبت الرئاسة الأمريكية بالتأثير على إسرائيل لقبول مبادرات السلام الفلسطينية، كذلك أكد المؤتمر على ضرورة ضمان حرية الأراضي المقدسة، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة جميع الأطراف، ووضع الأراضي العربية المحتلة تحت إشراف دولي كجزء من عملية السلام الشامل بمنطقة الشرق الأوسط، كما أعرب المؤتمر عن قلقه إزاء تدهور الوضع في الشرق الأوسط نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان السوري والأراضي العربية الأخرى، وأكد المجتمعون على اقتناعهم بأن القضية الفلسطينية هي لفب الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وطالبوا بالسلام العادل الشامل القائم على أساس انسحاب إسرائيل الكامل من كافة الأراضي الفلسطينية، وأدانوا إنشاء المستوطنات الإسرائيلية. وطالب المؤتمر في بيانه إلى أهمية قيام إسرائيل بتغيير موقفها وقبول مبادرات السلام الفلسطينية، مع الحفاظ على أمن جميع الدول في المنطقة بما فيها دولة فلسطين، وكذلك حل مشكلة اللاجئين على أساس قرار الجمعية العامة الرقم 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948م.
وأكد المؤتمر في بيانه على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار بصورة دائمة وفورية في لبنان من أجل توفير المناخ المناسب لعمل مؤسسات الدولة اللبنانية، وطالبوا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية. كما أعرب البيان عن تضامن دول عدم الانحياز مع الشعب اللبناني، وأيد تحقيق الوحدة والسيادة الكاملة للدولة اللبنانية، وفيما يتعلق بالنزاع بين العراق وإيران طالب المؤتمر كلا من الدولتين بإجراء التفاوض لإنهاء أسباب النزاع والتوتر بين البلدين، كذلك طالبت دول عدم الانحياز من المجتمع الدولي تقديم الدعم السياسي والمالي لحركات التحرير المكافحة ضد نظام التمييز العنصري، وأيدوا كل من أنجولا وموزمبيق في مواقفهم من أجل تحقيق السلام في أفريقيا الجنوبية، كما أعربوا عن ارتياحهم لبدء تطبيق مخطط الأمم المتحدة من أجل استقلال ناميبيا، وأعرب قادة حركة عدم الانحياز عن أهمية القضاء على التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، كما أيدوا الحوار بين الأطراف المتنازعة في قبرص، وطالبوا بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال والمستوطنين وعودة اللاجئين إلى ديارهم، كذلك أعرب بيان القمة التاسعة لدول عدم الانحياز عن أهمية استكمال انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، ودعوا كل الأطراف المعنية بالمشكلة إلى مواصلة وتكثيف جهودهم لتحقيق تسوية عادلة تقوم على تنفيذ اتفاقيات جنيف.
أما القرارات الاقتصادية لمؤتمر قمة دول عدم الانحياز، أكد البيان على أهمية دعم التعاون الاقتصادي بين الدول النامية، وخاصة دول عدم الانحياز، على أساس برنامج العمل للتعاون الاقتصادي، وكذلك برنامج عمل يتركز على مجموعة السبعة والسبعون، كما أكد البيان على أهمية مشاركة المرأة في مشروعات التنمية، أما عن الوضع الاقتصادي المتأزم في جنوب أفريقيا فقد ناشد القادة المجتمع الدولي التعديل الفعلي لبرنامج عمل الأمم المتحدة من أجل الإنعاش الاقتصادي والتنمية في أفريقيا، أما في مجال العلوم والتكنولوجيا، أكد المؤتمر في بياناته حتمية الدعم الدولي للجهود التي تبذلها الدول النامية من أجل تحقيق مزيد من التنمية التكنولوجية، كذلك طالب المؤتمر ببذل المزيد من الجهود لمصلحة المنتجين والمستهلكين معاً في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والتوصل إلى اتفاقات تحقق استقرار السوق والأسعار ودعم التسهيلات التجارية القائمة، كما أيد المؤتمر الدعوة إلى عقد دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل 1990م للتخطيط للتعاون الاقتصادي، وأن تعمل على تحقيق اتفاق حول المشاكل التي تواجه الدول النامية وأسلوب مواجهتها.
ثالثاً: مؤتمر القمة العاشر لحركة عدم الانحياز في جاكرتا
عفقد مؤتمر القمة العاشر خلال الفترة من 1 - 6 سبتمبر 1992م، في إطار مناخ دولي جديد، حيث انهار نظام القطبية الثنائية، كذلك أصبحت دول العالم الثالث مهددة بالتهميش والاستبعاد أكثر مما كانت عليه، خاصة بعد التقدم التكنولوجي والصناعي مما أدى إلى تناقص الطلب على ما تنتجه هذه الدول من المواد الأولية، فضلاً عن أن التجارة والاستثمار أصبح لا يوفر القدر اللازم من الأمان المطلوب، كذلك لا يحقق الربح الذي تسعى إليه الدول المستثمرة، ومع الانقسام الذي أخذت تشهده دول العالم الثالث والاختلافات المتباينة فيما بينها، ورغم أن بعض الدول استطاعت الخروج من حالة التخلف، إلا أن الغالبية العظمى أصبحت أكثر تخلفاً مما أدى إلى مزيد من تهميشها وإهمالها سياسياً واقتصادياً، كذلك بدأت حالة من الصراعات الداخلية والحركات الانفصالية تهدد العديد من مناطق العالم الثالث، في إطار هذه الظروف عقدت القمة العاشرة وصدر عنها رسالة جاكرتا، ولقد بلورت هذه الوثيقة توجه الحركة في الظروف العالمية الجديدة، مما يمكن أن يجعلها أساساً صالحاً لوضع إطار جديد للحركة.
رأت وثيقة جاكرتا أن الوقت الحالي الذي يشهد تغيرات غير محدودة وإن كان يبشر بآمال كبيرة، إلا أنه في ذات الوقت يذخر بالعديد من التحديات والتهديدات، فلم يتحقق حتى الآن السلم والعدل والأمن، فالصراعات المحلية والإقليمية والدولية مازالت مستمرة، والاحتلال والسيطرة والهيمنة أصبحت من سمات هذه المرحلة، كذلك تأكدت سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول، كما تعددت أشكال وحالات النزاع العرقي والتعصب الديني، والنزعة القومية ضيقة الأفق، ولقد انعكست كل هذه العوامل كعقبات اعترضت سبيل تعايش الدول والشعوب في ظل الوئام الذي كان منشوداً، وأصبحت السياسة التي كانت تنتهجها حركة عدم الانحياز ورفضها للاستقطاب الدولي وحققت لدول عدم الانحياز الابتعاد عن الصراع بين المعسكرين، ولكن الاستقطاب الثنائي بعد أن بدأت تخف حدته تدريجياً مع سياسات الوفاق، ثم اختفي نهائياً مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي، ومن ثم لم يعد هناك معسكرين تقف بينهما حركة عدم الانحياز، مما بدا معه أن الحركة فقدت مبررات وجودها.
وفي مواجهة هذه المشكلات حددت رسالة جاكرتا أهمية ارتكاز النظام العالمي على أساس ثابت من حكم القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك على المسؤولية المشتركة وبصورة منصفة والالتزام بالتعاون والتضامن العالميين، كما أكدت على ضرورة أن تكون بنية النظام الدولي في مرحلته القادمة تهدف إلى تحقيق السلم والعدل والأمن والتنمية والديمقراطية داخل الدول وكذلك فيما بينها، كما تعزز الحقوق والحريات الأساسية للفرد والأمم على السواء، مع كفالة احترام سيادة الأمم والتمسك الشديد بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
حددت قمة جاكرتا موقفها حيال القضايا الدولية مثل المشكلة الفلسطينية، والفصل العنصري، والحد من التسلح النووي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث أكدت تأييدها ودعمها الثابت للكفاح المشروع للشعب الفلسطيني من أجل تقرير المصير والاستقلال وتحرير الأراضي المحتلة، كما طالبت بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، كما أيدت مساعي السلام والوصول إلى تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، استناداً إلى مبادئ وقرارات الأمم المتحدة، كما شددت قمة جاكرتا على أهمية النمو الاقتصادي والاجتماعي وعلى حقيقة أن كلا من النفقات العسكرية العالمية والهياكل الدولية الجائرة والعلاقات غير المتكافئة أسفرت عن تفاوتات عميقة ومظالم غير مقبولة ستظل توسع من الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، ولذلك طالبت بمواجهة البيئة الاقتصادية الخارجية غير المواتية، التي تتسم بانعدام التكافؤ في العلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب، كما طالبت قمة جاكرتا كذلك بالاهتمام بتعزيز التعاون متعدد الأطراف من أجل التنمية، وأهمية التعاون بين دول الجنوب، وإقامة أشكال محددة وعملية من التعاون في المجالات المختلفة، مع تحديد الوسائل الكفيلة بوضعها موضع التنفيذ، كما أيدت تنسيق جهود حركة عدم الانحياز مع مجموعة السبعة والسبعون من خلال إقامة لجنة تنسيق مشتركة لهذا الغرض.
ركزت وثيقة رسالة جاكرتا على القضايا العالمية ذات الأهمية الخاصة، والتي تمثلت في دعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاتجاه المتنامي نحو الديموقراطية، وحماية البيئة وتدعيم التنمية الاجتماعية، كذلك أكد المؤتمر على الدور المحوري والأساسي الذي تقوم به الأمم المتحدة، باعتبارها التجسيد العالمي للتعددية والمكان الذي تعبر فيه حركة عدم الانحياز عن آرائها، ومن ثم أكدت الحركة على أهمية دعم الأمم المتحدة وتأييد دورها المتنامي في حفظ السلام والأمن الدوليين واحترام القانون الدولي.
رابعا: مؤتمر القمة الحادية عشرة لحركة عدم الانحياز في قرطاجنة
عفقدت القمة الحادية عشرة لدول عدم الانحياز قى قرطاجنة بكولومبيا خلال الفترة من 18 - 20 أكتوبر 1995، وتركزت أعمالها حول إعادة تجديد دور الحركة وتطوير أساليب مكافحة الفقر والعنف والإرهاب، كذلك عرض أسلوب التفاعل بين حركة عدم الانحياز والمتغيرات الدولية مع المحافظة على مبادئها، ولقد طالب زعماء الحركة خلال مؤتمرهم إلى ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي من أجل منح الدول النامية صلاحية اتخاذ القرار في الشؤون الدولية، وتغيير أسلوب احتكار السلطة في مجلس الأمن من جانب الدول الكبرى، كما أكد المؤتمر على ضرورة مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، كما طالب إسرائيل بالتخلي عن أسلحتها النووية والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كما أعلنت القمة في بيانها إلى أن دول عدم الانحياز لن تقبل محاولات إقصائها من عملية توسيع عضوية مجلس الأمن. إلا أنه من الملاحظ خلال هذه القمة فشل جمهورية البوسنة والهرسك في الانضمام لحركة عدم الانحياز، بسبب معارضة بعض الدول الأفريقية رغم وجود تأييد عربي قوي لانضمامها، إلا أن الدول الأفريقية بقيادة زيمبابوي نجحت في تأجيل قرار الانضمام، ولقد وصل عدد أعضاء حركة عدم الانحياز خلال انعقاد القمة الحادية عشر إلى مائة وثلاث عشر عضواً بينما شارك خمسة وثلاثون دولة بصفة مراقب.
بذلك تكون القمة الحادية عشر لدول عدم الانحياز خلال بيانها قد بدأت تتجه نحو المسار الصحيح لعملها في المناخ الدولي المتغير، غير أن قدراتها محدودة على تحقيق مبادئها وأهدافها إلى سياسات وإجراءات محددة، وهو ما سوف يحدد مستقبلها في مراحل تطورها التالية، ومن ثم فإن عملية تحويل الخطط العامة إلى إطار جديد للحركة تعمل من خلاله الانتقال بفكرة اللا انحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى فكرة تقوم على الحوار المتكافئ بين الشمال والجنوب، ويكون ذلك بتنسيق متكامل مع مجموعة السبعة والسبعون حتى يمكن بناء تجمع فعال ومتماسك يحقق الحماية لمصالح دول الجنوب، كذلك وضح أهمية التركيز على الدور الاقتصادي للحركة، مع الاستفادة من خبرات دول العالم الثالث لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك أهمية التعاون بين أعضاء حركة عدم الانحياز لتحقيق مزيد من التقدم العلمي والتكنولوجي ومواكبة التطورات العالمية، ويهدف هذا التعاون تضييق الفجوة المتزايدة بين الشمال والجنوب.
خامساً: القمة الثانية عشرة لحركة عدم الانحياز في ديربان
عفقدت القمة الثانية عشر لدول عدم الانحياز يومي 2 - 3 سبتمبر 1998م، حيث مثلت منعطف واضح في مسيرتها، فبعد أن وضحت ثوابت المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان لزاماً على أعضاء الحركة إعادة تقييم لمسيرة الحركة التاريخية، حيث أصبح المنعطف الدولي مغايراً تماماً لما كان عليه في مراحل نشأة الحركة ونموها، ولقد تناولت القمة خلال مباحثاتها العديد من القضايا والمشاكل كان في مقدمتها الضربات الأمريكية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية لكل من السودان وأفغانستان، وإعادة هيكلة وتنظيم الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، كذلك نفوقشت الأوضاع الداخلية في الكونغو الديموقراطية ومنطقة البحيرات العظمى، وكذلك عملية السلام في الشرق الأوسط، والعقوبات الاقتصادية والحظر المفروض على كل من العراق وليبيا، كما جرى بحث موضوع التوتر بين الهند وباكستان، والتحولات الاقتصادية ومشاكلها في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية.
وصدر عن القمة الثانية عشر إعلان ديربان بتبنيها 514 قراراً ترسم نهجاً جديداً لهوية ودور الحركة في المرحلة الحالية، كما يحدد سياستها للقرن الحادي والعشرين ويعكس فهماً بحجم المتغيرات الدولية الجديدة، فقد طالبت بالعمل على احتلال موقع الصدارة في ثورة عالمية جديدة، كما طالبت بعقد مؤتمر دولي للإرهاب تشرف عليه الأمم المتحدة، لتحرير أسلوب منسق لمواجهة كافة أشكال الإرهاب، كما أعرب المؤتمر عن القلق الذي تستشعره دول الحركة حيال تطور الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، خاصة بعد التجارب النووية التي جرت في آسيا خلال شهري مايو ويونيه 1998م، كما أكد إعلان ديربان على خطورة وشمولية البيئة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى تهميشاً متزايداً للعديد من الدول النامية، وطالبت بقيام شراكة وإجراء حوار هادف وبناء بين الشمال والجنوب، كما تبنت حركة عدم الانحياز خلال المؤتمر سياسة تحديد العقوبات الدولية لفترة محدودة وعلىأسس شرعية، كما اعترف رؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز بوجود انقسامات داخل الحركة حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن في الأمم المتحدة، إلا أنهم أكدوا على أن الإصلاح لابد أن يأخذ في الاعتبار الحاجة الماسة إلى الشفافية والديموقراطية في أساليب عمله، كما أعربت عن أسفها لما تعرض له السودان من اعتداء أمريكي، كما أصدرت القمة بياناً يؤيد الموقف الليبي في قضية لوكيربي، ويطالب بتوفير ضمانات عادلة للمتهمين في القضية، كما طالب المؤتمر بأهمية امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن مع المطالبة برفع العقوبات عنه، ولقد تعهد الرئيس الجديد لحركة عدم الانحياز نيلسون مانديلا بأن تترجم هذه القرارات إلى إجراءات فعلية.
سادساً: القمة الثالثة عشرة لحركة عدم الانحياز، في كوالالامبور
عفقدت القمة الثالثة عشرة لدول عدم الانحياز، يومَي 25 و26 فبراير 2003، في كوالالامبور، عاصمة ماليزيا. وحضرها زعماء 114 دولة. وقد واجهت العديد من المشاكل والتحديات، التي أثرت في العديد من الدول الأعضاء في الحركة. كما اتضح اختلاف مواقف دول حركة عدم الانحياز وتبايتها، تجاه العديد من المشكلات الدولية. فعلى الرغم من معارضة القمة للحرب، التي كانت تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لشنها على العراق إلا أن المؤتمرين طالبوا، في بيانهم الختامي، بضرورة التزام العراق قرارات الأمم المتحدة، الخاصة بنزع أسلحته. وعلى خلاف ما كان متوقعاً، في شأن الوصول إلى صيغة توافقية حول العراق، فقد تخلت بغداد عن مطالبها الأساسية، الداعية إلى إدانة الدول، التي تقدم مساعداتها أو تسهيلاتها للقوات الأنجلو ـ أمريكية، التي تستعد للعدوان؛ وهي الصيغة التي كانت تعترض عليها كلّ من الكويت وقطر. وقبل العراق، في المقابل، صيغة أكثر اعتدالاً، نصت على ترحيب الحركة بالقرار، الذي اتخذه العراق، تسهيل العودة غير المشروطة لمفتشي منظمة الطاقة الذرية، والتعاون معهم، في إطار القرار الدولي الرقم 1441، والذي يؤكد على نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.
كذلك اتّفففق على دعم القضية الفلسطينية؛ وإدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ والمطالبة بمحاكمة الإسرائيليين، المتهمين بارتكاب جرائم حرب، في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف أعمال العنف، التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وحفسبانها جزءاً من جرائم الحرب، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. كما طالب البيان الختامي إسرائيل بالانسحاب من المدن الفلسطينية، إلى المواقع التي كانت فيها، في 28 سبتمبر 2000؛ تمهيداً لاستئناف المسيرة السلمية، والوصول إلى سلام عادل، وشامل، على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي: الفلسطينية والعربية، المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية.
كذلك انتقل اهتمام القمة إلى المسألة الكورية الشمالية، التي كانت نقطة خلاف رئيسية، وبدت كأنها مشكلة مستعصية على الحل، وخاصة بعد رفض وفد بيونج يانج كلّ الصيغ التوفيقية، التي طفرحت للمناقشة، إذ أكدت رفضها العودة لإخضاع منشآتها النووية لتفتيش منظمة الطاقة الذرية، وطالبت بعقد معاهدة عدم اعتداء مع الولايات المتحدة الأمريكية، تكون صيغة للخروج من الأزمة. وفي الوقت نفسه، كان هناك تصميم من الدول الآسيوية، الأعضاء في حركة عدم الانحياز، على ضرورة تراجع كوريا الشمالية عن قرارها، الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛ ولذلك، طالبها البيان الختامي للقمة الثالثة عشرة بإعادة النظر في قرارها ذاك. وفي المقابل، استمعت الدول الأعضاء لشكاوى كوريا الشمالية، في شأن السياسة الأمريكية تجاهها.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، وكوريا الجنوبية، قد شاركتا في جهود لدعم مواقف الدول، التي طالبت بتراجع كوريا الشمالية عن مواقفها المتعنتة، إذ أوفدت واشنطن وفداً خاصاً، للمشاركة في القمة (بصفة مراقب). كذلك أوفدت سيول وفداً مماثلاً، برئاسة مبعوث خاص، بدرجة سفير.
سابعاً: القمة الرابعة عشرة لحركة عدم الانحياز، في هافانا
أكدت القمة الرابعة عشرة لحركة عدم الانحياز، التي عفقدت يومَي 15 و16 سبتمبر 2006، في العاصمة الكوبية، هافانا، وحضرها 118 عضواً، في إعلان، أصدرته في ختام أعمالها، حق الشعوب كافة في تقرير مصيرها، وحقها في تنسيق أعمال وإستراتيجيات، تمكّن دولها من المواجهة المشتركة لكلّ ما يهدد السلم والأمن الدوليَّين بما في ذلك أعمال التهديد والعدوان والاحتلال الأجنبي، أو أيّ انتهاك آخر للسلم تقترفه دولة واحدة، أو جماعة من الدول.
كما أكد الإعلان، الذي صدر تحت عنوان: "أهداف ومبادئ حركة عدم الانحياز ودورها في الوضع الدولي الراهن"، ضرورة مواصلة الجهود، لتحقيق نزع شامل للسلاح النووي، وإقامة مناطق منزوعة السلاح في ظل مراقبة دولية صارمة، وفعالة. كما طالب الإعلان جميع الدول بالامتناع عن ممارسة الضغوط على دول أخرى، أو فرض إجراءات أحدية الجانب؛ لكون هذه الإجراءات، تتعارض مع مبادئ القانون الدولي.
وأعرب الإعلان عن رفض الإرهاب، بكافة أشكاله وصوره؛ مؤكداً وجوب عدم حسبان كفاح الشعوب، الخاضعة للاحتلال الأجنبي أو الاستعمار، من أجل تقرير المصير مرادفاً للإرهاب. كما أكد البيان رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة محاولات بعض الدول تغيير أنظمة الحكم في دول أخرى، أو رفض الاعتراف بالحكومات المنتخبة انتخاباً ديموقراطياً.
ولمواجهة مشكلة الصحراء الغربية، طالب البيان الختامي للحركة بضرورة التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الشخصي، من أجل التوصل إلى حل سياسي، يوافق عليه جميع أطراف المشكلة. وكانت حركة عدم الانحياز، قد عهدت بمشكلة الصحراء الغربية إلى الإطار الدبلوماسي، إذ كانت مدرجة، منذ سنوات عديدة، في أعمال الأمم المتحدة، بصفتها المنتدى الأكثر أهلية لمناقشة قضايا السلام والأمن في العالم؛ وذلك لتفادي الازدواجية في معالجة المشاكل: الدولية والإقليمية. ولم يشر البيان الختامي، خلافاً لرغبة الجزائر، إلى وثيقة دوربان (2004)، ولا إلى مخطط التسوية، ولا إلى مخطط السلام بيكر الثاني؛ ومن ثَم، فبإقرار هذه الوثيقة، تكون حركة عدم الانحياز، قد تخلت، للمرة الأولى منذ عام 1991، عن الإحالة على مخطط التسوية الدولي، بصفته حلاً لقضية الصحراء.
كما صدر عن القمة وثيقة ختامية، أكدت تصميم دول حركة عدم الانحياز على عدم تبني، أو تنفيذ إجراءات أحدية الجانب، وخاصة العقوبات الاقتصادية، أو القيود، التي تستهدف ممارسة ضغوط على دول حركة عدم الانحياز؛ إضافة إلى احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وطالبت الدول المستعمرة بدفع تعويضات كاملة عن الأضرار: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الناجمة عن الاحتلال.
طالبت الوثيقة كذلك إسرائيل بالانضمام الفوري إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ووضع منشآتها النووية كافة تحت نظام الضمانات الشاملة، للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووفقاً لقرار مجلس الأمن، الرقم 487، لعام 1981. وفي هذا الإطار، عبَّر قادة دول حركة عدم الانحياز عن قلقهم من حيازة إسرائيل للقدرات النووية. كما رحبوا بالمبادرات، الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأسلحة النووية؛ منوهين بمشروع القرار، الذي كان مقدماً من سورية، باسم الجماعة العربية، إلى مجلس الأمن، في 29 ديسمبر 2003؛ لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية.
كما عبَّر قادة حركة عدم الانحياز عن قلقهم العميق من فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات أحدية الجانب على سورية. ورأوا أن ما سفمي بقانون محاسبتها مخالف لمبادئ القانون الدولي، وانتهاك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه. وطالبوا الإدارة الأمريكية بإعلان إلغاء ذلك القانون وبطلانه؛ بل طلبوا منها بدء حوار مع دمشق، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
كما دان قادة حركة عدم الانحياز العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأعلنوا تأييدهم ودعمهم لهذا البلد. وأشادوا بمقاومته البطولية. وأكدوا قناعتهم التامة بوجوب عدم التسامح مع الخروقات الإسرائيلية للقانون الدولي، وحقوق الإنسان. وطالبوا إسرائيل بتعويض الحكومة اللبنانية، والشعب اللبناني. كما أكد قادة دول الحركة ضرورة حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة. وأعلنوا تأييدهم لأيّ مبادرة استثنائية، تؤدي إلى سلام عادل، وشامل، في الشرق الأوسط، يوافق مبادرة السلام العربية على مضمونها. كذلك طالب البيان الختامي إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان السوري المحتل، إلى حدود الرابع من يونيه 1967.
وأكد رؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز حق الدول النامية، غير القابل للتصرف، في السعي إلى إجراء أبحاث الطاقة النووية وإنتاجها للأغراض السلمية، من دون تمييز، وفقاً لما أكدته معاهدة الانتشار النووي.
كذلك أعادت وثيقة البيان الختامي تأكيد عدم جواز إلصاق الإرهاب بأيّ دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية. وأكدت عدم جواز مساواة الإرهاب بالنضال المشروع للشعوب، الرازحة تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي، من أجل تقرير مصيرها، وتحررها الوطني.
ولقد أتاحت القمة الفرصة لإجراء حوار سلمي، بين الجانبَين: الهندي والباكستاني، اللذَين أعلنا بدء المفاوضات في مشكلة كشمير. كما أكد المشاركون، بالإجماع، أن مبادئ الحركة وأهدافها، ظلت تتمتع بحيدة كبيرة. ورأوا أنه يجب تفعيل إمكانيات الدول، أعضاء الحركة، وإذكاء حيويتها، من خلال الوحدة والتعاون والإصلاح، في ظل الأوضاع العالمية الجديدة. وكانت القمة قد انتخبت الجمهورية العربية السورية نائباً لرئيس الحركة. كما تقرر عقد القمة الخامسة عشرة المقبلة، عام 2009، في جمهورية مصر العربية.
واللافت، في القمة الرابعة عشرة، سعي كوبا إلى تحويل حركة عدم الانحياز إلى كتلة دولية، تواجه الهيمنة الأمريكية، إذ رأت هافانا أنه يجب ألا تقف الحركة مكتوفة اليدَين، عندما يتعرض أحد أعضائها لتهديد القوى الغربية، وخاصة القوة العظمى الأمريكية، أو استخدامها القوة ضده. كما أفعلن انضمام عضوَين جديدَين إلى حركة عدم الانحياز: هايتي، وتقع في نصف الكرة الأرضية الغربي؛ وسات كيتس ونيفيس، وهي دولة تتكون من جزيرتَين في البحر الكاريبي؛ وبذلك أصبح عدد الدول، أعضاء الحركة، 118 دولة.
ثامناً: تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز
احتدم الجدل حول جدوى حركة عدم الانحياز كعقيدة ونهجاً سياسياً بعدما أخذت تتضح معالم الوفاق الدولي مع نهاية مرحلة الحرب الباردة، وتبدلت ملامح القطبية الثنائية والاتجاه نحو نظام عالمي جديد، كما زادت حدة الخلافات بين دول حركة عدم الانحياز ذاتها ودخول بعض دول الحركة في صراع مسلح، ومن خلال تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز نجد أن ظهورها كحركة منذ منتصف الخمسينيات والستينيات كانت متزامنة مع زيادة حركات التحرر الوطني وتمسك الدول حديثة الاستقلال بسيادتها وحريتها وعدم انحيازها لأي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، وكان هناك ارتباط واضح بين حركة عدم الانحياز ودول العالم الثالث، وافتقرت مجموعة عدم الانحياز إلى ميثاق يحدد معايير عضويتها وإلى قيادة عليا تكون مسؤولة عن توجيهها، وكذلك عدم وجود سكرتارية دائمة يعهد إليها بمهام إدارية إجرائية، ولقد اعتمدت المجموعة عند إصدار قراراتها على أسلوب الاتفاق والتراضي بدلاً من التصويت، وهذا الأسلوب رغم أنه أكسب المجموعة مظهراً موحداً حيال اتخاذ القرارات إلا أنه غير ملزم لأعضائها، وتنعقد مؤتمرات القمة لحركة عدم الانحياز كل ثلاث سنوات حيث ينتخب رئيس المؤتمر في الجلسة الافتتاحية الذي جرى العرف على أن يكون رئيس الدولة المضيفة للمؤتمر، وفيما بين انعقاد مؤتمرات القمة يلتقي وزراء خارجية دول عدم الانحياز سنوياً في نيويورك عقب انتهاء أعمال الدورة العادية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أو في أي مكان آخر حسب اتفاق مسبق، وحرصاً على إكساب مجموعة عدم الانحياز طابعاً تنظيمياً ثابت الشكل أفنشئ مكتب تنسيق لحركة عدم الانحياز عام 1973م، وبدأت عضويته من سبعة عشر دولة حتى أصبح يضم حالياً أربعة وسبعين دولة يجتمعون بصفة دورية في نيويورك بهدف تحديد أسلوب تنفيذ قرارات القمة السابقة والإعداد للقمة التالية.
تاسعاً: المراحل الأساسية التي مرت بها حركة عدم الانحياز
1. المرحلة الأولى 1961م ـ 1970م، مرحلة الاستمرار والبقاء ومواجهة التحديات
خلال هذه المرحلة لم تقم الحركة على أسس وقواعد تنظيمية محددة بل كان يجمعها المشاكل والأزمات ومحاولات درء الأخطار الخارجية التي تهدد كيانهم كدول مستقلة ذات سيادة، ولذلك لم يكن هناك اهتمام واضح بالجوانب الإجرائية والشكلية، ولم يكن هناك برنامجاً محدداً للقاءات والاجتماعات، مكتفية في هذا الإطار على المبادرات الفردية التي كانت تتأثر بالظروف والمتغيرات العالمية المحيطة. وكان للعلاقات الشخصية الحميمة التي ربطت بين أقطاب حركة عدم الانحياز من أهم أسباب نجاح الحركة خلال نشأتها، إلا أنها تأثرت مع وفاة نهرو وإقصاء سوكارنو وأحمد بن بيلا عن الحكم، كذلك تأثرت زعامة عبدالناصر بعد هزيمة 1967م، إضافة إلى العديد من المتغيرات، كان منها تعقد مشكلة الكونغو وتصاعد حدة الحرب الفيتنامية، مما أدى إلى إحباط دول حركة عدم الانحياز، وخلال هذه المرحلة وضح أهمية دور جوزيف بروز تيتو الذي سارع بتشكيل لجنة استشارية في بلجراد عام 1969م، وأخرى في دار السلام عام 1970، تمهيداً لانعقاد القمة الثالثة لحركة عدم الانحياز في لوساكا عام 1970م، والتي من خلالها أفرسيت القواعد الثابتة والدائمة لحركة عدم الانحياز، إلا أن هذه القمة شهدت غياب جمال عبدالناصر لانشغاله بأحداث الصراع المسلح في الأردن بين الفلسطينيين والقوات الأردنية، كذلك غاب عن هذه القمة كل من نهرو ونكروما وسوكارنو، ومن ثم تراجعت خلالها فاعلية حركة عدم الانحياز.
2. المرحلة الثانية 1970م ـ 1979م، المرحلة الراديكالية
اتسمت هذه المرحلة بالراديكالية، وكان أبرز قادتها الرئيس الجزائري هواري بومدين، وساعد على إذكاء التيار الراديكالي داخل حركة عدم الانحياز ما عانت منه دول الحركة آنذاك من تدهور اقتصادي ملموس، وتعثر مساعي استقلال أنجولا وروديسيا وناميبيا، مع استمرار سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كذلك تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط ونشوب حرب أكتوبر 1973، ولقد برز الشكل السياسي الجزائري خلال هذه المرحلة حيث قدمت نموذجاً يحتذي به لأعضاء حركة عدم الانحياز من الاشتراكيين والراديكاليين، وخلال هذه المرحلة نجح بومدين من خلال نشاط دبلوماسي متميز في أن يجتمع في القمة الرابعة لدول عدم الانحياز حوالي ستة وسبعين دولة، وطالب خلالها بالتركيز على المناهضة العسكرية للاستعمار والإمبريالية، مؤكداً على أن مصدر التوتر الدولي يتجسد في الصراع بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وليس بين الشرق والغرب، أما الزعامات المعتدلة في الحركة والتي كان في مقدمتها تيتو لم يعارضوا هذا الاتجاه. وفي مارس 1974م اجتمع مكتب تنسيق عدم الانحياز لصياغة إستراتيجية موحدة للحركة قبيل انعقاد الدورة غير العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي صدر خلالها قرار ينص على وضع برنامج عمل لتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، استند مباشرة على ما تضمنه البيان الختامي لقمة الجزائر من توصيات منتقداً لما عرف باسم ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول باعتباره يرتب الحقوق للدول الكبرى على حين يحمل الدول النامية بالواجبات والتبعات.
أصبحت إستراتيجية التنسيق هي الطابع الغالب على نشاط حركة عدم الانحياز مما أكسبها شكلاً تفاوضياً على الساحة الدولية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدأت تتضح معالم التنسيق الاقتصادي خلال مؤتمر باريس للتعاون الاقتصادي عام 1976م، حيث توحدت توجهات مجموعة عدم الانحياز ومجموعة السبع والسبعين، ومن ثم اعتبرت قمة الجزائر بداية لاتخاذ مجموعة عدم الانحياز بأسلوب التكتل الاقتراعي داخل الأمم المتحدة، وكذلك في زيادة شعور مناهض للدول الغربية والإمبريالية داخل المنظمة الدولية، وخلال هذه المرحلة كانت القمة الخامسة لدول عدم الانحياز والتي عقدت في كولومبو عام 1976م، وحضرها سبعة وثمانون دولة، إلا أنه وضح خلالها التناقض بين التوجهات الراديكالية والمعتدلة من حيث المطالبة بالإدانة الصريحة والعلنية للسياسة الأمريكية، ويرجع ذلك التناقض إلى خشية تأثير هذه الإدانة على قدرة المجموعة في مفاوضاتها المستقبلية.
3. المرحلة الثالثة 1979م ـ 1983م، مرحلة التعارض بين التوجهات المعتدلة والتوجهات الراديكالية
شهدت هذه المرحلة تعارض بين توجهات المعتدلين بقيادة يوغسلافيا والراديكاليين بقيادة كوبا، حيث سعى كاسترو إلى صبغ حركة عدم الانحياز بالطابع الثوري ذات الاتجاه اليساري، إلا أن تيتو عمل على الاحتفاظ بالطابع التقليدي المتوازن لحركة عدم الانحياز، والتمسك بقيمها الأصلية ومبادئها التي أقرها مؤتمر باندونج وبلجراد، وخلال هذه المرحلة عفقدت القمة السادسة في هافانا عام1979م، حضره مائة دولة كاملة العضوية في الحركة إضافة إلى خمس عشرة دولة حضرت كمراقب، ووضح اتفاق أعضاء الحركة حول قضيتين أساسيتين هما استمرار عضوية مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، واستجابة للضغوط الراديكالية العربية اتفخذ قرار بتعليق عضوية مصر وإخضاعها لفترة اختبار مدتها ثمانية عشر شهراً، مع إدانة صريحة لاتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل. أما القضية الثانية فكانت شرعية الوفد الممثل لكمبوديا حيث تمكنت كوبا من استصدار قرار بإسقاط الشرعية عن الوفد، وبقاء مقعدها شاغراً، وفي هذه المرحلة غزت القوات السوفيتية أفغانستان في ديسمبر 1979م وأيده كاسترو، مما أدى إلى فقد كوبا فرصة تمثيل دول أمريكا اللاتينية في مجلس الأمن، كما ناهض هذا المسلك الغالبية العظمى من دول عدم الانحياز المقترعة بالموافقة على إدانة التدخل السوفيتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بدأت عملية تحجيم الدور الكوبي وتصويب مسار حركة عدم الانحياز خلال اجتماع وزراء الخارجية لدول عدم الانحياز في نيودلهي عام 1981م، والذي اتخذ قرار بدعوة مصر لاتخاذ مقعدها في مؤتمرات الحركة المستقبلية، مع المطالبة الصريحة بانسحاب القوات الأجنبية من كمبوديا وأفغانستان، ورغم المحاولات الصادقة لرأب الصدع في مسيرة حركة عدم الانحياز، إلا أن تفجر الصراع المسلح بين العراق وإيران وهما عضوين من أعضاء حركة عدم الانحياز والفشل في احتواء هذا الصراع قد عمق حدة الأزمة التي تمر بها الحركة، ومن ثم تأجيل انعقاد القمة السابعة لدول عدم الانحياز والذي كان تحدد له موعداً في سبتمبر 1982م، نظراً لانتفاء دواعي الأمن في العاصمة العراقية أثر الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي في يونيه 1981، كذلك إسقاط طائرة وزير خارجية الجزائر محمد بن يحيى في مايو 1982م، أثناء قيامه بمحاولة احتواء الصراع المسلح بين العراق وإيران، والذي تطور بعد ذلك إلى قصف المدن لكلا الطرفين ومن ثم أصبحت بغداد مقراً غير آمن لقمة عدم الانحياز واعتذرت العراق عن استضافتها.
4. المرحلة الرابعة 1983 ـ 1989م، مرحلة الانقسامات الداخلية
بانتقال القمة السابعة وانعقادها في نيودلهي حضرها مائة وواحد دولة هم عدد أعضاء الحركة في ذلك التوقيت، كان هناك العديد من المشاكل التي واجهت دول عدم الانحياز والتي أثارتها قمة هافانا، ورغم أن المسؤولية التي تحملتها الهند في رئاسة الحركة خلال هذه المرحلة والتي استحكمت فيها الخلافات بين أعضاء الحركة، سواء كانت بسبب زيادة حدة الصراع المسلح بين إيران والعراق أو ظهور قضية الصحراء الغربية، أو شرعية نظام الحكم القائم في تشاد، كذلك الانقسام الواضح بين المجموعة العربية حول عضوية مصر في المجموعة وحضورها للمؤتمر، كذلك قضية كمبوديا التي وضعت مجموعة دول جنوب شرقي آسيا في مواجهة حادة مع كل من فيتنام والهند وكوبا، ومؤداها أحقية وفد كمبوديا في احتلال مقعدها ضمن الوفود المشاركة، ولم تفحل المشكلة، كذلك طرحت قضية الغزو السوفيتي لأفغانستان ولم يكن هناك قرار حاسم حيال هذا الغزو العسكري، كذلك لم يكن هناك قرار واضح حيال الصراع المسلح بين العراق وإيران، وبنفس أسلوب الحلول الوسط الذي كان يحقق توافق الرأي للغالبية العظمى بصرف النظر عن فعاليتها، كانت كذلك القرارات الاقتصادية، حيث أصدرت القمة إعلاناً اقتصادياً لتحديد أسباب المشاكل الاقتصادية دون أن تفحدد آليات حل هذه المشاكل.
5. المرحلة الخامسة 1989م ـ 1998م، مرحلة ظهور أزمة الهوية وأزمة الدور
خلال هذه المرحلة عقدت أربعة مؤتمرات قمة لحركة عدم الانحياز وضح خلالها حقيقة الأزمة التي تواجهها حركة عدم الانحياز، والتي تتمثل في أزمة الهوية وأزمة الدور الذي تقوم به، فأزمة الهوية مبعثها أساساً أن الحركة قد نشأت في ظروف استقطاب عالمي بين القوتين العظميين ترفض الانحياز المسبق إلى أي منهما، ولكن الظروف والنظام العالمي قد تغير حالياً فدول حركة عدم الانحياز لم تعد تواجه تكتلات أو أحلاف أو أيديولوجيات متعارضة أو خيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن ثم وضح توجه القمة الأخيرة في ديربان جنوب أفريقيا في أن الهوية الصحيحة التي تضمن استمرار الحركة واستمرار فعاليتها، هي أن تصبح حركة عدم الانحياز حركة العالم الثالث كله، التي تبحث عن حلول واقعية للمشاكل التي تواجهها، فالحركة لم تنشأ فقط للتعامل مع المتغيرات الدولية خلال فترة الحرب الباردة، إلا أنها كانت تعبيراً عن فكر وفلسفة يؤكد على التحرر والتنمية ويطالب بالتقدم، أما في إطار أزمة الدور فإن التوجه السائد داخل حركة عدم الانحياز يتجه للربط بينها وبين مشاكل العالم الثالث، والمشاركة الفعالة من أجل احتواء المشاكل وإنهاء الصراع والأزمات في العالم.
6. المرحلة السادسة (1998-2006) مرحلة الثقة بالنفس، واسترجاع القوة، وتأكيد مبادئ الحركة
من الواضح، أن حركة عدم الانحياز، احتاجت، خلال هذه المرحلة، إلى إعادة تنظيم وتفعيل دورها؛ لمواكبة التحديات الجديدة، التي أصبحت تواجهها، في المستوى الدولي، ومنها: انحسار دور الأمم المتحدة؛ والحاجة المفلفحَّة إلى إيجاد حلول عملية لمشكلات الإرهاب والأمراض والأوبئة والبطالة والجهل والفقر والحرمان؛ إضافة إلى الآليات: الاقتصادية والسياسية، التي تحكم العالم، لمصلحة الدول الغنية المتقدمة (العالم الأول)، على حساب الدول الفقيرة (النامية).
فالعالم، خلال هذه المرحلة، أصبح أحدي القطبية، تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية، وتهيمن عليه، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وبعد إعلان الحرب على الإرهاب، أمست الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، والنظام الدولي، مهدَّدة بعد التجاوزات، التي اعترت العديد من دول الجنوب. وفي هذا الإطار، ومناخ التناقضات وثقافة الحقد وتصفية الحسابات، كثرت الانتهاكات والتدخلات في الشؤون الداخلية للعديد من الدول والشعوب؛ ما أدى إلى التعدي على سيادة الدول، والمساس بكرامتها، وبحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
وإذا كان هناك اعتقاد، أن انهيار الكتلة الشرقية، والثنائية القطبية، قد أدى إلى افتقاد حركة عدم الانحياز لتوجهاتها؛ إلا أن الحركة، شهدت فترة استدراك واسترجاع لقواها، من أجل تأكيد الذات، ومواصلة التعاون على مواجهة الأوضاع العالمية، التي أصبحت أكثر تعقيداً وخطراً، إذ تحتم المتغيرات العالمية الحالية، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يكون لها دور فاعل في العلاقات الدولية الجديدة؛ وتعتمد وسائل ومناهج جديدة، تلائم النظام الدولي الجديد.
ومن ثَم، فإن المرحلة الحالية لحركة عدم الانحياز، هي مرحلة الثقة بالنفس، واسترجاع القوة، وتدعيم وتأكيد المبادئ والثوابت، التي أنشئت عليها الحركة، وما زالت تمثل نقاط القوة فيها. ففي هذه المرحلة، هناك جهود واضحة لحركة عدم الانحياز في التأقلم والتكيف مع المعطيات الجديدة، وتأليف قوة لمواجهة الدول الكبرى، التي أصبحت تسيطر على النظام: السياسي والاقتصادي، في العالم.