-
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام :
07-12-2014
رقم العضوية :
1381
المشاركات :
200
الجنس :
الدعوات :
1
قوة السمعة :
50
المستوي :
ليسانس
الوظــيفة :
متربص
-
المطلب الثاني : صغر السن ( الحدث)
من المسلم به أن الطفل يولد معدوم الوعي و الإدراك و بعد مدة من الزمن تبدأ ملكاته الذهنية و النفسية بالنمو شيئا فشيئا حتى ينضج و يكتمل نموه العقلي بعد مضي السنين العديدة .
و تراعي القوانين الوضعية هذه الحقيقة فلا تحاب الأحداث عن خطئهم الجنائي كما تحاسب الكبار البالغين.و تختلف التشريعات في تحديد السن معين يعد المرء بعد بلوغه مسؤولا عن أعماله الإجرامية تبعا للسياسة الجنائية التي تنتهجها في هذا الميدان، فأغلب التشريعات تعتبر أن الطفل الذي لم يبلغ السنة السابعة معدوم التمييز و لا يحاسب على أي فعل يرتكبه فنجد المادة 20 قانون العقوبات العراقي و المادة 237 قانون العقوبات اللبناني و المادة 94 قانون العقوبات الأردني ، و بذلك يتضح أن التشريعات ورجال القانون و إن اتفقوا على مبدأ انعدام الإدراك لدى الصغير إلا أنهم قد اختلفوا في تقدير السن التمييز و الإدراك لديه. (1)
الفرع الأول : نشأة قرينة عدم مسؤولية الأحداث و طبيعتها
إن إطار ارتكاب الجريمة من قبل الطفل يتجاوز إطار القانون الجزائي لكون تصرفه يخضع للطبيب ، أكثر من خضوعه للقاضي فهو فعل خطير بالنسبة للمجتمع لأن الجنوح الأحداث بعد بذرة إجرام الغد و يتطلب ذلك تدخل المجتمع ليس فقط من أجل العقاب بل من أجل العلاج لأن الجريمة تعد رد فعل عن مرض أكثر عمقا و يجب علاجه للوقاية من العود فالجانح يكون مضطربا بسبب صدمات معنوية مؤثرة فهو يتألم .
أو بآلام سابقة عن عوارض جسمية أو ذهنية ، لكون تطور شخصيته و تكوينها سببها نقص في الحنان أو العناية من قبل الأولياء فالطفل عاش في محيط فاسد ،ومن غير العدل نسبة لجريمة إليه بالرغم من ارتكابه لها بإرادته و في حالة وعي أي بصفة مقصودة ، فالمهم هو النظر إلى الضرر عن من صدر و من كيفية القضاء عليه بواسطة العلاج .
أما إذا بحنا في الطبيعة قرينة عدم المسؤولية فهي قرينة مطلقة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة و بسيطة بالنسبة لأحداث من 13 إلى 18 سنة .
و عليه فهي مطلقة بالنسبة لأحداث أقل من 13 سنة و لا يمكن إثبات العكس مدلولها من قبل أي شخص و بالتالي لا يمكن توقيع عقوبة على حدث حتى و إن كان ميلا إلى الر ، فالقانون لا يسمح إلا بتوقيع تدابير الحماية أو ماعدا أو مراقبة ، و هي بسيطة من جهة أخرى في مواجهة الأحداث من 13 إلى 18 سنة إذ يمكن إثبات العكس مدلولها عندما تجعل الظروف و الشخصية الحدث ذلك ضرورة في النظر القضاة.
بعد ذلك تحليل البسيط نطرح الإشكال الأتي فما موقف القوانين الوضعية من قاصر و هل أخذت هذه التشريعات بقرينة عدم المسؤولية؟ و ماهو سن الرشد الجنائي في كل منهم ؟
----------------------
1 د . سمير عالية المرجع السابق ص 417.
الفرع الثاني : موقف بعض التشريعات من حالة صغر السن (الحدث)
تأخذ التشريعات الوضعية عامة سواء العربية و الغربية بما أخذت به الشريعة الإسلامية من حيث اختلاف المسؤولية الجزائية للأحداث باختلاف مراحل أعمارهم، و الرأي الغالب في هذه القوانين هو تقسيم عمر الإنسان إلى أنواع بحسب السن و أن احدث يمر بثلاثة مراحل مميزة و مغايرة عن بعضها تميزا كافيا، ولو أنه يصعب تحديد كل مرحلة تحديدا دقيقا وذلك حسب نظرية كل مشرع وطني على حدى ففي المرحلة الأولى يكون الصبي صغيرا و يفترض فيه عدم قدرته على فهم ماهية العمل الجنائي و عواقبه و هذا الأمر منطقي و واقعي و من ثم فلا مسؤولية عليه إطلاقا.
و قد حدد القانون المصري هذه المرحلة بسبع سنوات (1) و كذلك الحال في الهند وانجلترا و في إيطاليا. و قد حددت المادة الثانية من المادة المذكور أعلاه هذه الحالات:
- إذا وجد متسول و يعد من أعمال التسول عرض السلع أو خدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية أو غير ذلك مما لا يصلح موردا جديا للعيش.
- إذا مارس جمع أعقاب السجائر و غيرها من الفضلات و المهملات.
- إذا قام بأعمال تتصل بالدعارة أو الفسق أو بإفساد الأخلاق أو القمار أو المخدرات أو نحوه بخدمة من يقومون بها.
- إذا لم يكن له محل إقامة مستقر أو كان يبيت عادة في الطرقات أو في أماكن أخرى غير معدة للإقامة.
- إذا خالط المعارضين للانحراف أو المشتبه فيهم أو الذين اشتهر عنهم سوء المسيرة
- إذا اعتدى من الهروب من معاهد التعليم أو التدريب.
و ما يلاحظ على نص المادة الثانية من هذا القانون أن المشرع خرج عن قواعد العامة التي تحدد الطفل بالعمر و اعتبر الظروف الاجتماعية و الاقتصادية التي يعيشها هذا الصغير عامل من العوامل التي ترتب تطبق التدابير الوقائية فهي من جهة تحمي الطفل من التشرد و التسول و غيرها من الصفات القبيحة ومن جهة أخرى تحد من الظواهر الاجتماعية السلبية داخل المجتمع و من الجهة القانونية تهدف إلى إصلاح الطفل و تهذيبه و إبعاده من دائرة الخطر التي في غالب الأحيان تؤدي به إلى انحراف
و ارتكاب أبشع الجرائم من أجل تحقيق أهداف لا تتناسب مع القيمة التي ارتكب من أجلها السلوك الإجرامي كما يتضح من النص بالإضافة إلى ما سبق من المشرع المصري وحد في المعاملة بين الأطفال المجرمين و الأطفال المنحرفين فقرر لهم نفس التدابير أو أخضعها في الحالتين لنفس الأحكام، و قد قسم القانون عمر الطفل إلى ثلاث مراحل :
تبدأ الأولى بالميلاد حتى سن السابعة يتجرد فيه الحدث من الإدراك و التمييز و بالتالي يتجرد فيها من أية مسؤولية جزائية، و إذا كان من المستحيل أن توقيع التدابير عليه.2)
----------------------
1- سمير عالية. المرجع السابق ص417
2- د. جلال ثروت نظم القسم العم في قانون العقوبات.دار الهدى للمطبوعات طبعة ص556
أما المرحلة الثانية تبدأ من السابعة وتنتهي ببلوغ الخامسة عشر تنزل بالطفل تدابير فقط، أما المرحلة الثالثة فتبدأ بتجاوز الخامسة عشر وتنتهي ببلوغ الثامنة عشر فتوقع فيها العقوبة "بعد استبعاد الجسيم منها"، كما يجوز أن تنزل به تدابير إذا قدر القاضي أنها أكثر ملائمة في إصلاح الطفل وتقويمه والسبب في هذا التقييم حسب تقديرنا المتواضع أن الحدث في المرحلة الأولى يكون مجرد من التمييز والإدراك إذ يستطيع إيذاء نفسه بنفسه، أما عن المرحلة الثانية فلم يكتمل نموه بعد مما يعني أن أهليته الجزائية بالتكليف لا زالت ناقصة وهذا يصبح من الملائم الاقتصار على التدابير الوقائية العلاجية دون العقوبة التي قد تلحق الضرر بنفس الجاني، إذا كان الحدث في المرحلة الثالثة قد اكتمل نموه إلا أنه لا يزال ناقصا وجسدا، ومن هذا استبعد المشرع العقوبات بالتدابير الاحترازية.
الفرع الثالث : الإجراءات المتخذة ضد الأحداث
كما يلاحظ أن العبرة من تحديد السن، هي بوقت ارتكاب الفعل الإجرامي تطبيقا للقاعدة العامة من وقت قيام الجريمة وتحديد المسؤولية عنها إنما هو وقت ارتكاب الفعل الإجرامي.
كما أن التقويم الذي يتبع في تقدير سن الحدث هو التقويم الميلادي وقد نصت المادة 95 من قانون الطفل على أنه: "لا يعتد في تقدير سن الحدث بغير وثيقة رسمية، فإذا ثبت عدم وجودها يقدر سنه بواسطة خبير"، أهم التدابير المقررة للطفل الذي لم يتجاوز خمس عشر سنة هي التوبيخ وعرفته المادة 102 من القانون الطفل بأنه: "توجيه المحكمة اللوم والتأنيب على الطفل عما صدر منه وتحذيره بألا يعود إلى مثل هذا السلوك مرة أخرى". ومعنى هذا أن التوبيخ لكي يكون مؤثرا يجب أن يكون صادرا من القاضي أثناء جلسة المحاكمة.
أولا- التسليم :
وقد عرفته المادة 103 من قانون الطفل بأنه: "تسليم الحدث يكون إلى أحد أبويه أو إلى من له الولاية أو الوصاية عليه، فإذا فلم يتوفر في أيهما الصلاحية للقيام بتربيته سلم إلى من يكون أهلا لذلك من أفراد أسرته...".
ثانيا- الالتحاق بالتدريب المهني :
حددت المادة 104 من قانون الطفل معنى هذا التدبير فقالت: "إن المحكمة تتعهد بالحدث إلى أحد المراكز المخصصة لذلك، أو إلى أحد المصانع أو المتاجر أو المزارع التي تقبل تدريبه ولا تحدد المحكمة مدة لهذا التدريب على ألا يريد بقاء الطفل في جهة يلقنه سلوكا والتزاما. بالعمل إلى جانب القائمين على التدريب مما ينقل إليه الإحساس بالواجب والمسؤولية وهو من جانب آخر يعلمه حرفة أو مهنة تؤهله لاحتراف عمل شريف".
ثالثا - الالتزامات بواجبات معينة :
ينطوي هذا التدريب على مجموعة من الواجبات يختار منها القاضي الواجب المناسب وقد بينتها المادة 105 من قانون الطفل فقالت: "الالتزامات بواجبات معينة يكون بخطر ارتياد أنواع من المحال أو بفرض الحضور في أوقات محددة أمام أشخـــاص أو هيئات معينة، أو بالمواظبة على بعض الاجتماعات التوجيهية ويكون
الحكم بهذا التدبير لمدة لا تقل على ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات"، وقد أضاف المشرع المصري بالإضافة إلى التدابير السالفة الذكر تدابير أخرى كإيداع في أحد مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث، الاختيار القاضي، الإيداع في المستشفيات المختصة، وقد أعطى القانون القاضي سلطة إطالة مدة التدبير أو إنهائه أو تعديله أو إبداله وذلك طبقا لما إذا كانت حالة الخطورة لا زالت قائمة و أنها انتهت أو أن مواجهتها تقتضي إبدال تدبير بتدبير.
رابعا- الإشراف القضائي على التنفيذ :
يخضع تنفيذ التدابير لإشراف قاضي الأحداث واليه ترفع التقارير المتعلقة بتنفيذ التدبير فله أن يزور بنفسه أو بواسطة ندب أحد خبيري المحكمة، المؤسسات التي تنفذ فيها التدابير مرة كل ثلاث أشهر على الأقل المادة 134 من قانون الطفل، كما خول القانون المراقب الاجتماعي الإشراف المباشر على تنفيذ تدابير التسليم والإلحاق بالتدريب المهني وألزمه برافع إلى المحكمة تقارير دورية عن الحدث الذي يتولى أمره والإشراف عليه حتى يكون الإشراف على تنفيذ التدابير –في النهاية- ، لقاضي الأحداث "المادة 135 من قانون الطفل" وهذا الإشراف القضائي ضمانه قوي لحسن تنفيذ التدابير وفيه برعاية للحدث وتقدير لهذا تقدمه في برنامج الإصلاح، ولا سيما إذا كان مودعا في مؤسسة اجتماعية وعلاجية ومن ثم فهو الوسيلة الفعالة للبث في استمرارية التدبير أو النهاية.
خامسا تعدد الجرائم :
نعلم أن قاعدة عاملة في شأن تعدد الجرائم، مفادها أن تعدد العقوبات بتعدد الجرائم أما بخصوص التدابير فإنها لا تتعدد بتعدد الجرائم وإنما يتخير القاضي تدبيرا كي يطبقه في هذه الحالة على الحدث، أخذ في اعتباره العوامل التي أفضت إلى إجرامه والأسلوب الأمثل في إصلاحه وتأهيله وعلى هذا نصت المادة 119 بقولها: " إذا ارتكبت الحدث الذي لا يزيد منه خمس عشر سنة جريمتين أو أكثر وجب الحكم عليه بتدبير واحد مناسب...".
سادسا إيقاف التنفيذ :
نصت المادة 158 من قانون الأحداث على أنه: « لا يجوز الأمر بوقف تنفيذ التدابير المنصوص عليها". وحكم هذا النص بديهي والقواعد العامة تعني أنم إنما التدبير وضع كي يوجه الخطورة الإجرامية أو الانحرافية لدى الحدث فإن تقرر فلا بد أن ينفذ.
الفرع الرابع: موقف المشرع الجزائري من حالة صغر السن (الأحداث) :
نصت المادة 49 من ق ع ج ما يلي : لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إلا تدابير الحماة أو التربية.
ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 إما لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مختلفة.
أول ما يلاحظ من النص أن المشرع الجزائري بموجب ق ع ميز بين مراحل المسؤولية بحسب عمر الجاني القاصر، وعليه سندرس كل مرحلة على حدى :
أولا- صبي دون الثالثة عشر :
يتضح من نص المادة 49 المشار إليها أعلاه أن الصبي دون الثالثة عشر لا يعد مسؤولا بحكم القانون فلا يجوز إقامة الدليل على أنه أهل للمسؤولية ولو كان من أعقل الناس، عدم بلوغ السن هي قرينة غير قابلة لإثبات العكس وعليه فلا تطبق العقوبة على هذا الصغير فهو غير مسؤول حتى ولو رأى القاضي أن الفاعل رغم حداثة سنه يتميز بإدراك الاختيار.
إن قرينة عدم المسؤولية القاصر هي قرينة مطلقة ولا يمكن إثبات عكس مدلولها ولا يمكن تسليط عقوبة جنائية عليه لكون المشرع يفترض فيه عدم التمييز.
وتحسب مدة 13 سنة للقول بعدم مسؤولية الصغير عقابية على أساس وقت ارتكاب الجريمة وليس وقت إقامة الدعوى ضده أو محاكمته طبقا لنص المادة 443 من ق إ ج إذا كان المشرع قد جنب القاصر في هذه المرحلة مغبة توقيع العقوبة عليه حتى أنه لم يجز وضعه في المؤسسة عقابية ولو مؤقتا (المادة 456 ق إ ج) فإن ذلك لم يمنع من إمكانية خضوعه لتدابير الحماية أو التربية التي نصت عليها المادة 444 ق إ ج وهي:
- التسليم للوالدين أو الوصي أو لشخص جدير بالثقة.
- تطبيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة.
- وضعه في منظمة أو مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتهذيب أو التكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض.
- وضعه في مؤسسة طبية أو شبه طبية مؤهلة لذلك.
- وضعه في مصلحة عمومية مكلفة بالمساعدة.
ونرى أن توقيع مثل هذه التدابير مرهون بوجود خطر محدق بالصغير نفسه يخشى أن يؤدي تركه دون أية مساعدة إلى خطر أن يعود الطفل إلى الإجرام أو أن ينشأ معتاد على الإجرام.
ثانيا القاصر مابين 13 و 15 سنة من عمره :
أما ما يعبر عنه بالحدث الذي بلغ 13 سنة ولم يتجاوز 18 سنة فعند بلوغه لهذا السن يصبح مسؤولا عن أعماله والمسؤولية محققة باعتبار أن المشرع يحدد سن الثامنة عشر لاكتمال نضجه العقلي بموجب المادة 422 إ ج فإذا ارتكب القاصر بعد بلوغه الثالث عشر وقبل بلوغه سن الرشد الجنائي جريمة فإن القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية أو التربية أو العقوبات، ولهذا راعى المشرع الإدراك والتمييز بأنه لا يكتملان لدى الشخص مرة واحدة وإنما يأتي ذلك على مراحل أي بالنمو التدرجي للقوى الذهنية الأمر الذي حذا بالشارع إلى التدرج في المسؤولية الجنائية للحدث بملكات نفسية وذهنية محدودة خلال هذه المرحلة من العمر، ويعتبر شراح القانون الجنائي أن قرينة عدم مسؤولية الحدث في هذه المرحلة تكون قرينة بسيطة إذا يمكن إثبات عكس مدلولها (1) ، فإذا ارتكب الحدث جريمة كان للقاضي سلطة تقديرية إما أن يخضع الحدث لتدابير الحماية أو زينة وإما أن يوقع عليه عقوبة مخففة ( المادة 49 ع ج) أو أن يستكمل عقوبات القانون العام بتدابير الحماية أو التهذيب ( المادة 442) والقاضي يختار بين العقوبة المخففة أو التدابير الحماية والتربية حسب ظروف كل قضية، وذلك بحسب جسامة الفعل الذي ارتكبه الحدث.
فالمحكمة تطبق الحدث البالغ من 13 إلى 18 سنة قرينة عدم المسؤولية بأن تجعله محلا لتدابير الحماية أو التربية ، طبقا لما جاء في قرار يوم 16-07-1995من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 466 و هذا نصه * إن الحدث الذي يبلغ من العمر 13 إلى 18 سنة يخضع إما لتدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 444 ق إ ج و إما لعقوبات مخففة طبقا للمادة 49 الفقرة الأخيرة من قانون العقوبات.
غير أن المادة 445 من قانون الإجراءات الجزائية تجيز لجهة الحكم بصفة إستثنائية في مواد الجنح الجنايات أن تستدل أو تستكمل تدابير الحماية أو التهذيب بعقوبة الغرامة أو الحبس إذا رأته أنذاك ضروري نظرا لظروف الدعوى أو الشخص المجرم، أما الجمع بين تدابير الحماية أو التهذيب و عقوبتي الغرامة و الحبس فالظاهر من نص المادة أنه غير جائز لذلك تقرر نقض قرار غرفة الأحداث القاضي على القاصر بالحبس لمدة أشهر و بغرامة قدرها خمسمائة دينار و بوضعه تحت المراقبة بمصلحة الملاحظة و التربية لمدة 06 أشهر.
إذا كانت العقوبة المفروضة قانونا للجريمة هي الإعدام و السجن المؤبد فإنه يحكم على الحدث بعقوبة الحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة.
و إن كانت العقوبة المفروضة قانونا للجريمة هي السجن المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة، التي يتعين الحكم على الحدث إما التوبيخ أو بعقوبة الغرامة.
إذن يفهم من ذلك أنه لا يمكن توقيع عقوبة السجن الجنائية أو الإعدام على الحدث المرتكب للجناية أو الجنحة بل تطبق عليه فقط عقوبة الحبس، فكل الجرائم التي يرتكبها الحدث تعتبر جنحا و ليست جنايات و بتعبير آخر لا يجوز توقيع الجناية على الحدث مهما كانت الجريمة التي إرتكبها ، و بالتالي كنتيجة حتمية لا يجوز توقيع العقوبات التبعية المنصوص عليها في المادتين 51،50 ع ج و هي الحجز و الحرمان من الحقوق المدنية لأنها لا تتعلق إلا بعقوبة الجناية، أما بالنسبة للعقوبات التكميلية فإن معظمها
------------------
1 د . عادل قورة المرجع السابق ص 149
تتنافى مع ظرف صغر السن بحيث يمكن القول بأن معظم تلك العقوبات لا تتناسب و لا تطبق على الحدث فبدلا من عقوبة الإعتقال أو تحديد الإقامة أو المنع من الإقامة يجوز للقاضي بموجب سلطته التقديرية أن يخضع الحدث لتدابير التربية كالإيداع في مؤسسة للتربية كما أنه لا يمكن معاقبته بالإكراه البدني طبقا للقرار الصادر يوم 30/12/1986 من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 726-45 هذا النص " يكون مخالفا للمادة 600 فقرة 3 من قانون إ ج و يتعرض للنقض من قرار غرفة الأحداث القاضي بالإكراه البدني على قاصر لم يبلغ 18 سنة يوم ارتكاب الجريمة المسندة إليه.
و نخلص إلى القول بأن نصي المادتين 444 و 445 من ق إ ج هما الأصل في تطبيق تدابير الحماية أو التهذيب.
و نرى بأن المشرع الجزائري بموجب المواد السالفة الذكر راعي نفسية و ذهنية الحدث مع عدم احتمال ملكاته و قدراته العقلية ، كما أن جنوح الأحداث بعد بذرة إجرام الغد يتطلب تدخل المجتمع ليس من أجل العقاب و ردع الحدث بل من أجل العلاج في مؤسسات طبية مختصة تعيده إلى الحياة الاجتماعية و خاصة الظروف النفسية و الاقتصادية لها دور إيجابي و فعال كما لها دور سلبيي في جنون الأحداث و تمردهم على الواقع ، كما أن المشرع الجزائري قد خصص للجانحين المجرمين محكمة خاصة تسمى محكمة الأحداث برئاسة قاضي الأحداث قسم الأحداث لتتم محاكمة الحدث بخلاف البالغ الذي يحاكم في محكمة الجنايات.
مرحلة البلوغ :
لقد وضع المشرع الجزائري سن الرشد الجنائي وحدد ب 18 سنة كاملة أي هو سن بلوغ الشخص واكتماله العقلية و إدراكه و تمييزه الجيد بين الخير و الشر لذلك فأي ارتكاب لفعل قانونا يعاقب عليه و يصبح مسؤولا مسؤولية جنائية كاملة.
المبحث الثاني : موانع المسؤولية الجنائية بسبب إنعدام الإرادة
المطلب الأول: الإكراه
من موانع المسؤولية الجزائية مانع الإكراه ، فقد نصت المادة 48 ق ع على مايلي :
" العقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها".
خلافا للجنون الذي يفقد التمييز و يفقد الوعي، فإن الإكراه بسبب نفسي ينفي حرية الاختيار و يسلب الإرادة حريتها كاملة و لكن كلاهما يحدث نفس النتائج فكلاهما لا يعدم الجريمة في جد ذاتها و إنما بعد المسؤولية الشخصية للجاني (1) ." و يراد بالإكراه قوى إنسانية تتجه إلى نفسية الإنسان دون ان تقبض علة جسمه فتحمل هذه النفسية كرها على إرادة الجريمة (2)"
و الإكراه على نوعين إكراه مادي و إكراه معنوي.
الفرع الأول : الإكراه المادي :
وهو أن تقع قوة مادية على الإنسان لا يقدر على مقاومتها فيأتي بفعل يمنعه القانون، كأن يتعرض المرء لقوى مادية و خارجية تعدم إرادته و تحمله على القيام بالواقعة الإجرامية (3) ، و لذا فإننا لا يمكن أن ننسب الجريمة إليه و صور ذلك أن يمسك شخص بيد آخر و تحريكها لكتابة بيانات مزورة في محرر رسمي أو لتزوير إمضائه بوضع بصمة إبهامه على وثيقة ما ، في مثل هاتين الحالتين هناك قوة مادية أعدمت إرادة الشخص المكره و حولت جسده إلى مجرد آلة يستعملهما من أكره كما يريد فالمكره ينفذ الجريمة بجسمه و ليس بعقله.
و بذلك فالإكراه المادي هو وع من الضغط المادي يسلب إرادة المكره بصفة لإكراهه على القيام بعمل ايجابي أو سلبي.
كما يرى البعض (4) أن الإكراه المادي " هو شل إرادة الجاني بقوة مادية لا قبل له بمقاومتها " فالإكراه المادي يمحو إرادة الفاعل التي هي أساس المسؤولية الجزائية يحوله إلى مجرد أداة تنفذ حركات عضوية متجردة من الصفة الإرادية.
أولا : صور الإكراه المادي :
الإكراه المادي مارس على جسم الفاعل و يتمثل في قوة لا يستطيع مقاومتها، أتفقده السيطرة على أعضاء جسمه و تسخرها على معين في ارتكاب ماديات إجرامية . و كل قوة الشخص السيطرة على أعضاء جسمه و تعطل إرادة الفعل لديه تحقق الإكراه المادي سواء كان مصدرها خارجي أم مادي.
-------------------
1. د أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ص 172
2. د. رمسيس بهنام ، المرجع السابق ص 967
3. د. عبد الله سليمان المرجع السابق ص 319
4. د. فتوح عبد الله الشاذلي ص 155
01. الإكراه المادي ذو المصدر الخارجي :
قد يكون مصدر الإكراه قوة طبيعية مثل الفيضان أو السيل الذي يقطع سيل المواصلات فيمنع الشاهد من الذهاب الى المحكمة لأداء شهادة دعي إليها قانونا، أو العاصفة الي تقذف بإنسان على آخر فيقتله أو يصيبه بجروح (1).
كما قد تكون قوة عنيفة مصدرها الطبيعة كمن تضطره العاصفة الرسو في ميناء بدون رخصة أو لهبوط على مطار بدون رخصة.
كما قد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل حيوان كأن يلجأ راعي بقطيعه إلى غاية مجاورة محمية هربا من الذئاب ، أو الفرس الذي يجمع يراكبه بحيث لا يقوى على كبح جماحه فيصيب إنسانا بجراح أثناء جريه.
و قد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل إنسان كمن يسلك بيد آخر ليوقع به على عقد مزور أو من يهدد بسلاح ناري أمين صندوق البنك و يرغمه على تسليم المال المودع به (2)، أو ذلك الذي يحبس الشاهد لمنعه من الذهاب إلى المحكمة لإدء الشهادة و من يمسك بيد الغير و يحركها لتوقيع محرر مزر أو لإثبات بيانات مزورة في المحرر ، أو من يمسك بيد شخص و يضرب بها ثالث أو من يلقي بإنسان على آخر فيقتله أو يصيبه بجراح .
وقد يكون مصدر الإكراه من فعل السلطات العامة (3) "وذلك حكم في فرنسا ببراءة المتهم من جريمة عدم الذهاب إلى الخدمة العسكرية بناء على طلب السلطات المختصة لأنه كاه محبوسا على ذمة قضية أخرى".
وعندما يكون مصدر الإكراه قوة إنسانية و يكون المكره مجردا أداة في يده ، يجب البحث في مسؤولية من استعمل المكره كأداة حيث تنفي مسؤولية هذا الأخير لعدم إمكان نفسية ماديات الجريمة إلى إرادته و هذا وفقا لنص المادة 48 ق ع ج.
02. الإكراه المادي ذو المصدر الداخلي :
ينتج الإكراه أثر و لو كانت القوة التي أثرت على إرادة الفاعل مصدرها داخلي متصل به متى كان من المستحيل مقاومتها، و يتعلق الأمر هنا بقوة تنشأ عن سبب ذاتي ملازم لشخص الجاني نفسه "وقد أخذ القضاء الفرنسي بالإكراه المادي ذي المصدر الداخلي في قضية راكب قطار غلبه النعاس في سفر طويل من كثرة التعب فجاوز المسافة التي دفع أجرها ". (4)
-----------------------
1. د فتوح عبد الله الشاذلي ، المرجع السابق ص 157
2. د أحسن بوسقيعة، المرجع السابق ص 173
3. د فتوح عبد اله الشاذلي المرجع السابق ص 157
4. د أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ص 173
غير أنه رفض في مناسبات أخرى الأخذ بهذا الإكراه كما حدث في قضية السيدة التي كتبت رسائل تتضمن الشتم إلى الوزير ووكيل الجمهورية و قاضي التحقيق ، و هي تحت تأثير انفعال تسبب فيه تعريض زوجها إلى الإحالة على التقاعد.
وهناك أمثلة أخرى كأن يصاب قائد السيارة بإغماء مفاجئ غير متوقع لا توجد أسباب ظاهرة تدل عليه فيصدم إنسانا و يقتله أو يصيبه بجراح.
" وقد استقر القضاء الفرنسي (1) على أن المرض يعد من قبيل القوة القاهرة التي تمحوا إرادة الفاعل و تمنع مسؤوليته الجزائية إذا بلغ من الجسامة حدا يمنع المريض من الوفاء بالإلتزامات التي يفرضها عليه القانون، و تطبيقا لذلك قضي ببراءة المتهم في جريمة هجر العائلة بسبب إصابته بمرض في القلب منعه من ممارسة عمله و الحصول على الدخل الذي ينفق منه على أسرته.
ثانيا : شروط الإكراه المادي :
و سواء كان الإكراه المادي داخليا أم خراجيا يشترط فيه – الإكراه المادي- شروط حتى يمنع المسؤولية الجزائية و هي أن يكون غير ممكن توقعه و غير ممكن دفعه.
1- شرط عدم استطاعة التوقع :
يشترط في القوة التي أكرهت المتهم على الفعل غير متوقعة و ليس باستطاعته توقعها فإذا كان باستطاعته توقعها فلا يجوز له أن يدفع بالإكراه المادي لنفي مسؤولية عن الجريمة، إذا كان من الواجب عليه أن يتفادى الخضوع للقوة التي أكرهته على الفعل (2).
كما أن عدم إمكان التوقع عند بعض الفقه (3) هي أن تكون القوى الواقعة على الجان فجائية و مثال ذلك أمين صندوق البنك الذي يفاجئه الجناة و هو في مكتبه، و يهددونه بسلاح ناري لإرغامه على تسليم المال المودع بها.
أما إذا كان الإكراه متوقعا لا تنتفي مسؤولية الجاني (4) و يرجع للقضاء تقدير ما إذا كانت القوة التي وقعت على الجاني يمكن توقعها ودفعها و دفعا أم لا و عموما يتشدد القضاء في تقدير هذا الشرط و الأخذ به " .(5)
2- استحالة الدفع :
يشترط أن تكون القوة التي أكرهت المتهم على الفعل مستحيلة الدفع أي أن تؤدي إلى إرادته كلية ، بحيث يكون من المستحيل عليه بصفة أن يتجنب الجريمة.
---------------
1. د فتوح عبد الله الشاذلي ، المرجع السابق ص 158
2. د فتوح عبد الله الشاذلي ، المرجع السابق ص 159
3. د أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ص 173
4. د. سليمان عبد المنعم، المرجع السابق ص 679
5. د. أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ث 173
و قد عبرت محكمة النقض الفرنسية عن هذا الشرط بتطلبها ان يكون المتهم في "حالة استحالة مطلقة تمنعه من احترام القانون (1).
و يعني ذلك أن المتهم يسأل عن الجريمة لانتقاء الإكراه المادي، إذا كان من شأن القوة القاهرة أن تجعل تجنب مخالفة القانون أمرا فيه مشقة عليه دون أن يكون مستحيلا
هذا و بالإضافة إلى شرط عدم إمكانية توقع القوة و عدم إمكانية دفعها يشترط القضاء الفرنسي (2) أن لا يكون الجاني قد ارتكب خطأ بعد الإكراه ، أو بمعنى آخر أن لا يكون مسبوقا بخطأ الجاني.
" و هكذا قضت محكمة النقض الفرنسية بقيام جنحة الهروب من الجيش في حق بحار منع من الإلتحاق بباخرته قبل انطلاقها بسبب توقيفه من قبل الشرطة من أجل السكر العمومي و العلني ، و يترتب على ذلك تسليط العقاب من أجل جريمة عمدية على من هو مذنب بمجرد عدم احتياطه أو مذنب في أسوأ حال بقصد محتمل " (3).
و متى توافرت شروط الإكراه المادي على النحو السابق بيانه امتنعت مساءلة المكره جنائيا عن الفعل المرتكب.
و يفيد نص المادة 165 ق م م على أن المكره ماديا لا يسأل مدنيا عن فعله لاقتناء إرادة الفعل و الضرر الذي نشأ عنه و هذا بقولها : " إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو من الغير كان غير ملزم تعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك".
والواقع أن الإكراه المادي لا ينفي الركن المعنوي في الجريمة فحسب ، وإنما ينفي أيضا السلوك الإجرامي اللازم لقيام الركن المادي في الجريمة ، و ذلك أن السلوك الإجرامي لا يقوم إلا إذا ثبت عن الجهاز الإداري للإنسان.
و في الإكراه المادي لا يمكن أن ينسب الفعل إلى الجهاز العصبي الإداري للشخص الخاضع للإكراه فالفاعل هو من يسك بيد آخر بقوة و يحركها لبيان كتابات مزورة أو لإصابة شخص ثالث و ليس من خضع للإكراه مجرد آلة استعمالها في ارتكاب الجريمة (4).
الفرع الثاني : الإكراه المعنوي :
و يراد بالإكراه المعنوي عند أحد الفقهاء " قوة إنسانية تتجه إلى نفسية الإنسان دون أن تقبض على جسمه ، فتحمل هذه النفسية كرها على إرادة الجريمة " (5).
--------------------
1. د عبد الفتاح الشاذلي ، المرجع السابق ص 161
2. د أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ص 174
3. د أحسن بوسقيعة ، المرجع السابق ص 174
4. د فتوح عبد الله الشاذلي ، المرجع السابق ص 164
5. د عادل قورة ، المرجع السابق ص 149
في حين برى البعض الآخر أن الإكراه المعنوي هو " الضغط على إرادة شخص لحمله على ارتكاب الجريمة و يتمثل الضغط في الإنذار بشر إن لم يرتكب المكره الجريمة المطلوبة (1).
كما يرى بعض الفقهاء (2) أن " الإكراه المعنوي ينتج عن ضغط يمارسه على إرادة الفاعل بسبب خارجي (فعل شخص) أو سبب ذاتي (كالعاطفة و الهوى)".
فالإكراه المعنوي يتفق مع الإكراه المادي في أن مصدر كل منهما قوة إنسانية أي فعل إنسان و إنما يختلفان من ناحيتين :
من ناحية أن الإكراه المادي ينصب على جسم المكره بينما الإكراه بينما الإكراه المعنوي يتجه إلى نفسيته.
و من ناحية أخرى أن الإكراه المادي لا يسمح بنشوء أية إرادة لدى المكره بينما يحمل الإكراه المعنوي الشخص الخاضع له على أن يريد الجريمة ، فتنشأ لدى ذلك الشخص هذه الإرادة و إنما بدون أن تكون ثمرة لحرية الإختيار .
فالمكره معنويا أراد الجريمة مقهورا و لكنه على كل حال أرادها، و أما المكره ماديا فلم يترك له أصلا فرصة استخدام ملكة الإرادة و سخر جسمه مثلما تسخره أية أداة من الجماد (3)
و يتمثل الإكراه المعنوي عملا في التهديد بإنزال ضرر جسم بنفس المهدد أو بماله إذا لم يرتكب الجريمة فيرتكبها المهدد إذا يرى أن ضررها عليه أهون على كل حال وقوع الضرر المهدد به .
فمن قبيل هذا الإكراه أن يهاجم قطاع الطرق عربة نقل محملة بالبضائع و يهددون سائقها بالقتل إن لم يسلم محتوياتها فيقدمها لمهم تفاديا للموت.
و مثاله أيضا أن يهدد شخص إنسانا آخر بإطلاق النار عليه إن لم يلق هو النار على الثالث يقف بجواره، أو أن يهدد بإيذاء شديد أو فضيحة جسمية إن لم يرتكب الجريمة أو أن يستعمل العنف بشكل لا يبلغ حد السيطرة على أعضاء المكره و تحريها لارتكابها الجريمة ، كأن يحبسه و يعذبه و يهدد باستمرار ذلك (4) .
و يعني في الإكراه المعنوي الذي يعدم الأهلية الجنائية أن يكون في شأنه نفي الإرادة كليا لدى الشخص الخاضع للإكراه بحيث لا يكون لديه حرية في الاختيار بين ارتكاب السلوك الإجرامي أو تحمل الضرر المهدد به.
---------------------
1. د فتوح عبد الله الشاذلي ، المرجع السابق ص 165
2. د رمسيس بهنام ، المرجع السابق ص 968
3. د رمسيس بهنام ، المرجع السابق ص 967
4. د عادل قورة ، المرجع السابق ص 149
أولا : صور الإكراه المعنوي :
الإكراه المعنوي شأنه شأن الإكراه المادي نظرا لأنه ينصب على الشخص بتهديده لارتكاب فعل هو محضور في نظر القانون و الإكراه المعنوي على صورتين :
- الإكراه المعنوي الخارجي
- الإكراه المعنوي الداخلي
1- الإكراه المعنوي الخارجي :
و يتمثل أساسا في التهديد و الاستفزاز الصادر عن الغير.
و في كلتا الحالتين لا يؤخذ بالإكراه المعنوي إلا إذا بلغ تأثيره الحد الذي يرغم الشخص المتوسط على السلوك سبيل الجريمة، أي أنه بعدم القدر اللازم من حرية الاختيار (1).
و يستلزم بالنسبة للتهديدات الصادرة عن الغير أن تكون غير مشروعة ، و هكذا قضي في فرنسا بأن هيبة الابن من الأب وهيبة الزوجة من الزوج وهيبة الخادم من المستخدم لا تبعد و لا تنفي المسؤولية
أما بالنسبة للإستفزاز الصادر عن الغير فلا يقبل إكراها معنويا إلا إذا استعمل المفز مناورات يفقد معها المستفز إرادته كاملة، هذا ما قضي به في فرنسا في عدة مناسبات تتعلق بجرائم يرتكبها أصحابها إثر استفزاز مصالح الشرطة المكلفة بمعاينتها.
2- الإكراه المعنوي الداخلي :
يتعلق الأمر هنا بتأثير العواطف و الهوى (2) نادر أما يؤخذ بهذا النوع من الإكراه كسبب لانتقاء المسؤولية فكثيرا ما يتشدد القضاء عندما يتعلق الأمر بالإكراه المنوي الذاتي ، فلا يأخذ به إلا إذا قضي نهائيا لي إرادة الفاعل .
و في هذه حالة لا يعدوا الأمر مجرد إكراه معنوي بل نكون بصدد الإكراه المادي.
و في الممارسة القضائية كثيرا ما يستفيد الجناة الذين يقدمون عللا الجريمة تحت تأثير عاطفة قوية، من عقوبة خفيفة دون أن يصل الأمر إلى الكم بانتقاء مسؤوليتهم.
ثانيا : شروط الإكراه المعنوي
شروط الإكراه المعنوي تتمثل فيما يلي :
الشرط الأول :
وجود الخطر: و هو أن يتمثل الإكراه في خطر حال باعتداء جسيم على النفس الصادر من شخص لحمل آخر على ارتكاب جريمة.
-------------------
1 د. احسن بوسقيعة المرجع السابق ص 174
2 د. احسن بوسقيعة المرجع السابق ص 175
ويشترط في الخطر الذي يهدد المكره و يدفعه إلى إرتكاب الجريمة الشروط التالية :
أ)- أن يكون الخطر مهددا للنفس : و يعني ذلك استبعاد الخطر الذي يهدد المال فإذا كان الخطر مهددا للمال فقط، فلا تمتنع المسؤولية الجزائية عن الجريمة المرتكبة لدفع الخطر. لذلك لا يعفى من المسؤولية من يضحي بحياة الغير أو بأمواله في سبيل حماية ماله أو مال غيره من الهلاك.
ب)- أن يكون الخطر جسيما : فقد أقر بعض الفقهاء (1) بتطلب جسامة الخطر لإمكان امتناع المسؤولية عن الجريمة المرتكبة لدفعه، فالخطر الجسيم هو الذي يؤثر في الإدارة و ينقص من حرية الاختيار على النحو اللازم لتحقيق معنى الإكراه المعنوي.
وهنا تكمن التفرقة بين حالة الإكراه المعنوي و في حالة الدفاع الشرعي في أن حالة الإكراه المعنوي يقع على إنسان بريء لا ذنب له في حلول الخطر بمرتكب الجريمة، أما حالة الدفاع الشرعي فيوجه فعل الدفاع معتد كان سلوكه سببا في حلول الخطر بالمدافع.
ج)- أن يكون الخطر حالا : هذا الشرط متطلب في الخطر الذي يبيح الدفاع الشرعي كما أنه شرط بديهي، لأنه يحقق معنى الإكراه المعنوي الذي يجيز إلى ارتكاب جريمة لدفع خطر يوشيك أن يتحول إلى ضرر فعلي.
أما إذا كان الضرر المراد الوقاية منه غير حال فلا يتصور حالة إكراه معنوي تفرض ارتكاب جريمة للوقاية منه، حتى تكون هناك امتناع للمسؤولية الجزائية للمكره فلا بد أن يكون في خطر حال.
الشرط الثاني :
وهو ألا يكون أمام المكره إلا ارتكاب الجريمة التي حددها له شخص الذي يمارس الإكراه في أن يتخلص من الخطر الذي أعدم حرية الاختيار لديه، و لما كانت الجريمة تحت تأثير الإكراه المعنوي يتوافر لها ركنها المادي و المعنوي معا و لو أن ركنها المعنوي قد شابه انتقاص جسيم في حرية الاختيار ، فإنها لهذا السبب تحتفظ بوصف الجريمة رغم كونها ثمرة الإكراه و لا يرفع عنها سوى العقاب لما قدره القانون من أن الإكراه عذر ببعض من عقوبتها، و يجوز دورها بالقوة قبل أن تقع.
---------------------
1 د فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 183
المطلب الثاني : حالة الضرورة ورضي المجني عليه كمانع لقيام المسؤولية الجنائية :
حالة الضرورة هي ذلك الخطر الذي يتهدد شخص أو يتهدد غيره ، فيضطر من أجل الخلاص من هذا الخطر إلى ارتكاب جريمة تصيب شخصا آخر .و الغالب في حالة الضرورة أن يكون الخطر ليس ثمرة عمل إنسان و إنما وليد قوى طبيعية ، كما أن إرادة الشخص هنا لا تمحى بل تتجرد من حرية الاختيار. كأن يتعلق شخصان أثناء غرق سفينة بقطعة خشب طافية ثم تبين أنها لا تقوى على حملهما معا ، فيبعد أحدهما الآخر فينجو لنفسه و يهلك زميله.
الفرع الاول : حالة الضرورة :
هي حالة لا يكون فيها مرتكب الجريمة مكرها على ارتكابها وإنما يكون أمام خيارين :
-إما أن يتحمل أذى معتبرا أصابه في شخصه أو في ماله أو أصاب غيره في شخصه.
-إما يرتكب الجريمة.
مثال : الشخص الذي يختلس خبزا حتى لا يموت جوعا.
بالنسبة للمشرع الجزائري لم يأخذ بحالة الضرورة كسبب عام للإباحة أو انتفاء المسؤولية ومع ذلك فقد نصت المادة 308 من قانون العقوبات على إباحة إجهاض المرأة الحامل إذا كان ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر.
أ- شروط حالة الضرورة :
1- الشروط المتعلقة بالخطر مثلما هو الحال في الدفاع المشروع أي أن يجد الشخص نفسه أمام خطر حال أو على وشك الوقوع يهدد شخص غيره وجسامة الخطر تقدرها محكمة الموضوع.
2- الشروط المتعلقة بالعمل المرتكب يجب أن يكون العمل المرتكب في مواجهة الخطر الحال ضروريا للحفاظ على سلامة الشخص أو المال
-3أن يكون الخطر جسيما بأن يكون غير قابل للإصلاح .
-4 أن يكون الخطر حالا ، أي أن تكون هناك ضرورة فعلية لوجود خطر حال فالخطر المستقبل لا يعتد به .
-5أن لا يكون لإرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر إذ يقترض القانون للاحتجاج بحالة الضرورة أن يكون المتهم قد فوجئ بحلول الخطر، لأن عنصر المفاجئة هو الذي يجعل المضطر
يقوم بفعله دون تدبر و تروي .
-6لا بد أن يكون رد فعل المضطر هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر .
ب- آثار حالة الضرورة :
تتفق الأنظمة القانونية التي أخذت بحالة الضرورة على :
- عدم العقاب على العمل المرتكب.
- عدم مساءلة مرتكبه مدنيا.
ملاحضة :
إن حالة الضرورة كإحدى حالات امتناع المسئولية الجنائية ، والتي تأخذ بها غالبية التشريعات الجنائية ، وتجد لها صدى قضائي في العديد من الأحكام القضائية ، إنما تشكل أمرا واقعيا ، يتعرض لها الإنسان بصورة طبيعية ، حينما يجد نفسه تحت إكراه معنوي يجبره على الخروج عما يفرضه القانون سواء بصورة القيام بفعل غير مشروع قانونيًا ، أو بصورة الامتناع عما يفرضه القانون ، وانطلاقًا من هذه الأهمية نعتقد أن الأساس القانوني لهذه الحالة إنما يوجد في إنتفاء حرية الأختيار التي تشكل أساس المسئولية الجنائية ، وصيرورة ارتكاب الجريمة في هذه الحالة أمرًا حتميًا تمليه ظروف واقعية لا قدر للطبيعة البشرية لمرتكب جريمة الضرورة درئها أو التخلص منها .
الفرع الثاني : رضا المجني عليه :
الأصل أن رضا المجني عليه لا أثر له على المسؤولية الجزائية، كون أن القانون الجزائي من النظام العام ومن ثم فلا يجوز للمجني عليه أن يعطل تطبيقه بإرادته.
مثال : لا أثر لرضا المجني عليه على تجريم فعل الطبيب الذي ينهي ألم مريض ميؤوس شفاؤه.
وفي هذا السياق جرم المشرع الجزائري مساعدة الغير على الانتحار المادة 273 ق ع ج.
وبعض التشريعات أخذت برضا المجني عليه كسب من أسباب الإباحة، خاصة في حالة مساعدة مريض ميؤوس شفاؤه، على الموت إذا طلب منه ذلك مثال : هو لهذا في مسألة القتل بدافع الرحمة .
.(EUTHANASIE القتل الرحيم)
ملاحظات هامة :
أولا : موقف التشريعات من السكر :
لم يرد في التشريع الجزائري نص قانوني يعتد بالسكر كمانع من موانع المسؤولية الجزائية لكن القواعد العامة في المسؤولية الجنائية تؤدي إلى الاعتداد بالسكر الإجباري، لأنه يذهب إدراك الشخص اللازم لقيام الأهلية الجنائية مثله في ذلك كالجنون و صغر السن و يتحقق السكر الإجباري غير الاختياري، إذا تناول الشخص كمية من الكحول بسبب ظروف اضطرارية استعجاليه كعلاج لمرض بأمر الأطباء باستعمال حقن و أدوية مخدرة، أو أن يكون غير عالم بحقيقة المسكر كما لو قدم إليه على سبيل مشروب بسبب الضيافة على أنه مادة غير مسكرة بطريق الحيلة أو الخداع.
و حسب رجال القانون في شرحهم لقانون العقوبات الجزائري منهم الدكتور عادل قورة و الدكتور عبد الله سليمان و الدكتور إبراهيم الشباسي، يشترطون لانتقاء المسؤولية الجنائية في حالة السكر غير الاختياري مالي :
- أن يكون الفاعل في حالة سكر كامل أي أن يكون فاقد الشعور و الإدراك بصفة كاملة أما إذا كان مدركا لعواقب أفعاله و لو بشكل جزئي فإن المسؤولية الجزائية لا تنتفــي و إنما للقاضي السلطة التقديرية في ذلك من حيث تخفيف العقوبة.
- أن يرتكب الجاني السلوك الإجرامي أثناء حالة فقدان الوعي ناتج عن تناول المادة المسكرة.
- أن لا يكون الجاني قد تناول المادة المسكرة عن عمد و إرادة و هذا أهم شرط فإن تعمد شرب الخمر تبقى مسؤولية الجزائية قائمة.
- أما في حالة السكر الاختياري فعمل المشرح الجزائري ضمن نطاق قانون العقوبات بتشديد العقوبة و تحميل السكران المسؤولية الجزائية لأنه يعلم بان الخمر أو المخدر يؤدي به إلى عدم التبصر و الإدراك الكامل لأفعاله و تطبيقا لما سبق، أقر المشرع الجزائري بمسؤولية السكران في المادة 288 و المادة 290 من ق ع حيث نصت المادة 290 على مالي :
" تضاعف العقوبات المنصوص عليها في المادتين 288 و 289 إذا كان مرتكب الجنحة في حالة سكر أو حول التهرب من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي يمكن أن تقع عليه و ذلك بالفرار أو بتغيير حالة الأماكن أو بأية طريقة أخرى"
وفي النهاية نقول بأننا نتفق مع أراء شراح القانون من أن السكران لا يعاقب في أي حال على ما يرتكبه من جرائم إذا تناول المسكر مكرها أمضطرا أو بغير علم بأنه مسكر ثم ارتكب الجريمة أثناء سكره، فإن تناول المسكر مختارا بإرادة و وعي منه فإنه يعاقب على أية جريمة يرتكبها أثناء "العمدي أو المختار" و تشدد القوانين الوضعية من عقوبته و خير مثال على ذلك قانون العقوبات الجزائري في مواده السالفة الذكر. لكن يا حبذا لو أن المشرع الجزائري تطرق أو اتبع نظيرة المشرع العربي حينما تناول حالة الغيبوبة الناشئة عن تعاطي المواد الكحولية دون إرادة أو دون علم بنصوص قانونية تجعل من حالة الغيبوبة مانعا من موانع المسؤولية الجزائية.
ثانيا : مسألة الغلط في القانون :
يثور التساؤل حول ما إذا كان باستطاعة الجاني التذرع بالغلط في القانون لتعطيل مساءلته جزائيا عن الجريمة التي ارتكبها، أو بمعنى آخر هل يجوز الأخذ بمثل هذا الغلط كسب لامتناع المسؤولية الجزائية ؟
يكون الجواب مبدأيا بالنفي لاعتبارين اثنين ، أولهما، عدم نص المشرع على الغلط كسبب من أسباب انعدام المسؤولية، و ثانيهما، عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانـــون ( المادة 60 من الدستور الجزائري).
و مع ذلك فقد بدأ القانون الجزائي يتجه شيئا فشيئا نحو الأخذ بالغلط في القانون كسبب لامتناع المسؤولية الجزائية أو على الأقل التخفيف منها على أساس أن مبـــدأ " لا عذر بجهل القانون " لا يتمشى و الواقع الاجتماعي الذي يعرف تضخما في النصوص مما يحول أحيانا دون إحاطة المرء بكل القوانين و اللوائح التي تنظم مجالات كثيرة و متنوعة من الحياة اليومية، فضلا عما تثيره هذه النصوص من مشكلات التفسير الذي تقدمه (1) جهات إدارية مختلفة في شكل مناشير مما يؤدي أحيانا إلى ارتكاب جريمة بناء على تعليمات خاطئة تصدر عن الإدارة.
و هذا صحيح خاصة في مجال الجرائم الاقتصادية بوجه عام و في الجرائم الضريبــة و الجمركية بوجه خاص بسبب كثرة النصوص و تشعبها و سرعة تغييرها بما لا يتيسر للعامة العلم بها و التصرف على مقتضاها.
و هذه المبررات للأخذ بالخطأ في القانون كسبب لانعدام أو تخفيف من المسؤولية تتضاعف عندما يتعلق الأمر بالمجتمعات التي مازالت الأمية متفشية فيها، مثلما هو الحال في بلدنا.
وهناك بلدان عديدة أخذت بالغلط في القانون نذكر منها على سبيل المثال : سويســرا و ألمانيا و لبنان، و مؤخرا إيطاليا و فرنسا منذ صدور قانون العقوبات الجديد في سنة 1992.
و لعل سويسرا هي الدولة الرائدة في هذا المجال حيث أخذ المشرع بالجهل بالقانون كسبب مخفف للعقوبة بنصه في المادة 20 من قانون العقوبات على أن " للقاضي أن يخفف العقوبة بالنسبة لمن يرتكب جناية أو جنحة إذا كانت لديه أسباب كافية تبرر اعتقاده بأنه لا يخالف القانون ".
بل ذهب القضاء السويسري أبعد من ذلك حيث قضت المحكمة العليا هناك بانتفاء المسؤولية الجزائية إذا ثبت أن المتهم قد بذل ما في وسعه للعلم بالأحكام التي يجري محاكمته على مقتضاها و انه تصرف بناء على توجيهات موظف مختص كان يجهل هو أيضا أحكام القانون التي خالفها المتهم.
------------------
1 د أحسن بوسعيقة القانون الجنائي العم الطبعة الثالثة 2006
كما أخذ قانون العقوبات الاقتصادي الألماني لسنة 1954 بمبدأ الجهل بالقانون كسبب لانتفاء العقوبة.
و أخذ به أيضا قانون العقوبات اللبناني في المادة 223 و أحاطه بشروط مقيدة حيث لا يجوز التذرع بالغلط القانوني إلا إذا حصل في أحد هذه المجالات :
1- وقوع الجهل أو الغلط على قانون مدني أو إدراي يتوقف عليه فرض العقوبة ( وقوع الغلط في قانون آخر غير قانون العقوبات).
2- الجهل بقانون جديد خلال مدة 3 أيام التي تلي نشره (1).
3- جهل الأجنبي بالقانون المحلي خلال الثلاثة أيام التي تلي قدومه إلى البلد فيما إذا كانت قوانين بلاده أو البلد التي كان مقيما فيها لا تعاقب على الفعل المرتكب في لبنان.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن التشريع اللبناني قد استفاد مما توصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا الشأن فكان سباقا إلى تكريس هذا الاجتهاد في شكل نص قانوني.
و ما لبثت فرنسا أن لحقت بالركب فأخذت هي الأخرى بالغلط القانوني كسبب لانتفاء المسؤولية الجزائية في قانون العقوبات الجديد لسنة 1992 حيث نصت المادة 122-3 منه على ما يأتي : " لا عقاب على من يبرر اعتقاده بأن في استطاعته قانونا أن يقوم العمل ، و ذلك بسبب غلط في القانون لم يكن في وسعه تداركه."
و قبله كان التشريع الإيطالي قد أخذ أيضا بهذا المبدأ حيث أقر الاعتذار بجهل القانون حين يكون هذا الجهل غير قابل تفاديه ( المادة 15 قانون عقوبات).
و السمة المميزة لكل التشريعات التي أقرت مبدأ الاعتذار بجهل القانون هو حرصها الشديد على التضييق من مجال تطبيقه، ذلك أن التسليم بإعفاء الجاني من المسؤولية بناء على الغلط في القانون بدون قيود قد يؤدي إلى نتائج جد خطيرة نظرا لسهولة التذرع بعدم العلم بالقانون.
أما الغلط في الوقائع فلا أثر له على المسؤولية الجزائية للفاعل الذي يسأل عن فعله متى توافرت لديه نية الإجرام بصرف النظر عن هذا الغلط سواء تعلق الأمر بغلط على شخص المجني عليه او على ظرف من ظروف الجريمة.
و تجدر الإشارة إلى أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 أخذ بدوره بالغلط في القانون و كذا الغلط في الوقائع كسب مانع للمسؤولية الجزائية " إذا نجم عنه انتفاء الركن المعنوي المطلوب لارتكاب الجريمة" (المادة 32) (1)
----------------
1 د أحسن بوسعيقة المرجع السابق ص 203
من الواجب و من البديهي أن من تسند له الوقعة المجرمة أن يكون أهلا جنائيـا و حرا في اختياره لأن الأهلية الجنائية تقوم على قدرة الشخص على إدراك و تمييز مغزى أفعاله و حريته في اختيار سلوكه، و هذا يعني أنه إذا اعترض الأهلية عارض من شأنه أن يؤثر في القدرة على الإدراك و التمييز و في حرية الاختيار فإن هذا يجعل تصرفـه أو سلوكه ليس محلا للمسؤولية و العقاب ، و هي القواعد التي اعتمدها المشرع الجزائري في المواد 47 ، 48 ، 49 من قانون العقوبات ، فتنص المـادة 47 «لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة و ذلك دون الإخلال بإحكام الفقرة 2 من المادة 21 » و تنص المادة 48 « لا عقوبة على من اضطرته الارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها » و تنص المادة 49 « لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية و مع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ ، و يخضع القاصر الذي يبلغ سنة من 13 إلى 18 أما التدابير الحمايـة أو التربيـــــة أو العقوبات مخففة ».
هذه الأسباب التي يحددها الإختيار أو واحدهما لأنه من شأن عدم توافر واحد منها أن يؤثر في الإرادة فيجردها من قيمتها القانونية ، و ينتفي تبعا لذلك الركن المعنوي و هي حالات لا تنتفي بها صفة عدم المشروعية.
إذن و نظرا لهذا تؤثر أسباب امتناع المسؤولية الجنائية على الركن المعنوي للجريمة و ذلك بتخلف أحد عناصر الإرادة و المتمثل إما في الإدراك و التمييز و إما في حرية الإختيار و بذلك تتمثل موانع المسؤولية الجنائية في عنصرين هما : انعدام الأهليـــة و يشمل الجنون و صغر السن و كذا انعدام الإرادة و يشمل الإكراه و حالة الضــرورة و السكر.
المراجع :
أ- القران الكريم
ب - القـــوانين
- قانون العقوبات–الديوان الوطني للأشغال التربوية–الطبعة الخامسة2007
- قانون إيرادات الجزائية-الديوان الوطني للاشغال التربوية-الطبعة الخامسة 2007 .
- قانون الأسرة.
ج- المؤلفات :
1- أحمد أبو الرواس-القصد الجنائي و المساهمة الجنائية و الشروع و الدفاع الشرعي و علاقة السببية-دار المكتب الجامعي الحديث – طبعة 2001.
2- لحسن بوسقيعة-القانون الجنائي العام-الطبعة الثالثة 2006.
3- د.جلال ثروت-نظام القسم العام في قانون العقوبات-دار الهدى للمطبوعات-طبعة1999.
4- سمير عالية-شرح قانون العقوبات- القسم العام-دار المؤسسات الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع – طبعة 1998.
5-عادل قوراة-محاضرات في قانون العقوبات-قسم العام الجريمة ديوان المطبوعات الجامعية- طبعة 1994.
6-عبد الله سليمان-شرح قانون العقوبات،القسم العام،الجزء الأول-ديوان المطبوعات الجامعية-طبعة 1998.
7-عبدالحميد الشواربي و عزالدين الديناصوري-المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات و الاجراءات الجنائية-طبعة 1989.
8-عبدالحكيم فودة-الموسوعة الجنائية الحديثة، التعليق على قانون العقوبات المجلد الأول-دار الفكر و القانون بالمنصورة-طبعة 202.
9-عوض محمد عوض-قانون العقوبات،القسم العام-دار الجامعة الجديدة للنشر طبعة 2000.
10-لحسن بوسقيعة-الوجيز في القانون الجزائي العام-الديوان الوطني للأشغال التربوية-طبعة 2002.
11-د.فتوح عبد الله الشاذلي-شرح قانون العقوبات،القسم العام، الكتاب الثاني، المسؤولية في الجزاء-دار الهدى مطبوعات الجامعة-طبعة 1997.