حرية الأطراف المتعاقدة في اختيار القانون الذي يحكم العقد الدولي
بلميهوب عبد الناصر أستاذ مساعد بجامعة جيجل
مقدمة
إن الدولة لا تحتكر صناعة القانون (les lois) بالتالي هناك مصادر أخرى من صنع الأفراد، كالعرف. وفي العقود الدولية يجد الأطراف أنفسهم أمام فراغ قانوني (in vacuum juris) لأن عقدهم لا يخضع لقانون أي دولة لزوما، بما أنّ هناك مشكلة تنازع القوانين.
رغم أن العقد يجب أن يخضع في تكوينه وشروطه وآثاره لقانون بمفهوم (droit) فللأطراف إضافة إلى اتفاقهم (زيادة على شروط العقد)، عليهم تحديد القانون الذي يحكم هذه العلاقة التعاقدية. وهذا التحديد يكون باتفاقهم؛ هو مبدأ قانون الإرادة (lex voluntatis)<sup> </sup>).
إنّ هذا المفهوم لقانون الإرادة يعني اختيار الأطراف قانون دولة معينة يحكم علاقتهم التعاقدية، لكن هذا القانون وضع أساسا للعقود الداخلية، وهو لا يتناسب مع العقود الدولية
ولما نقول أن الأطراف لهم الحق في اختيار أي قانون ليحكم العقد الدولي، فيتبادر إلى ذهننا السؤال التالي: هل إرادة الأطراف في هذه الحالة مطلقة؛ فلهم الحق في اختيار قانون أية دولة ليحكم العقد الدولي. أم أنّ إرادتهم مقيدة؛ فيختاروا قانون دولة وفق شروط محددة؟
I - مضمون مبدأ خضوع العقد الدولي لقانون الإرادة
يعرّف قانون الإرادة في القانون الدولي الخاص بأنه ((الحرية المتروكة للمتعاقدين في تعيين القانون الذي يفخضفعون له العقد إذا كان هذا العقد مما يحتمل خضوعه لقوانين بلاد مختلفة)
1 - ظهور قاعد خضوع العقد الدولي للقانون المختار من قبل المتعاقدين
يرجع الكتاب ظهور مبدأ خضوع العقد للقانون المختار إلى الحضارات القديمة، مثل مصر القديمة. فبعد احتلال الإغريق لمصر القديمة، ثار تنازع بين القوانين الفرعونية
والإغريقية، وكان الأطراف إن اختاروا تحرير العقد باللغة الفرعونية يعني تطبيق القانون الفرعوني. أما إن تم تحريره باللغة الإغريقية يعني تطبيق القانون الإغريقي.
لقد كان فقه الأحوال الايطالي في القرنين الثاني والثالث عشر يفخضع التصرف القانون لمكان إبرامه أسوة بقاعد خضوع شكل التصرف القانوني لمكان إبرامه. لكن في القرن الخامس عشر، فسر الفقيه الايطالي curtous قاعد خضوع العقد لمكان إبرامه على أساس أن إرادة الأطراف، قد اتجهت ضمنيا لاختيار هذا القانون.
وفي القرن السادس عشر أشار المحامي الفرنسي dumoulin في مسالة النظام المالي للزوجين، إلى خضوع العقد لقانون الإرادة. حيث فسر أن إقامتهما في باريس وابرمهما لعقد الزواج فيها، إرادة ضمنية على رغبتهم في خضوع نظامهما المالي للنظام القانوني لباريس. وليس لقانونهما الأصلي.
وفي القرن الثامن عشر رحب فقهاء القانون بما قاله dumoulin خاصة الفقيه boullenois بخصوص مسألة خضوع العقد للقانون الذي اختاره المتعاقدين.
وفي القرن التسع عشر، قام الفقيه الألماني «سافيني» بإخضاع العقد لمكان تنفيذه. فعند تحليله للروابط القانونية، قام بتركيز هذه العلاقة. والتركيز يكون في المكان الذي تنتج فيه الرابط العقدية آثارها أو معظم آثارها. وفسر إخضاع العلاقة العقدية لقانون مكان تنفيذها على أساسا فكرة الخضوع الاختياري، فمن يدخل في علاقة عليه أن يقبل الخضوع لقانون تركيزها.
الملاحظ أن هؤلاء الفقهاء، عندما استعملوا مبدأ خضوع العقد لقانون الإرادة. ليس كقاعد إسناد سابقة، بل كان مجرد تبرير لاحق لقاعد إسناد سابقة.
في نهاية القرن التاسع عشر ذكر الفقيه البلجيكي «لوران» انه يجوز للمتعاقدين أن يختارا القانون الواجب التطبيق على العقد، ولو لم يكن هذا القانون المختار لا قانون دولة مكان إبرامه أو تنفيذه. بمعنى أن للمتعاقدين مطلق الحرية في اختيار قانون أية دولة ليحكم العقد الذي ابرماه.
في الوقت الحالي، وبالرغم من النقد الموجه لمبدأ خضوع العقد لقانون الإرادة من قبل الفقهاء، أصبح هذا المبدأ معمول به في غالبية التشريعات المقارنة، مثل المشرع الجزائري الذي نص عليه في المادة 18 من التقنين المدني الجزائري.
رغم أن هذه التشريعات تختلف من ناحية إطلاق العنان لحرية الأفراد في اختيار أي قانون، أو في تقييد هذه الحرية.
2 – أساس اختيار القانون الذي يحكم العقد الدولي
الحقيقة أن هناك نظريتين قيلت في طريقة اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي. كذلك التشريعات نجدها متأثرة بهاتين النظريين. فمن القوانين التي تأثرت بالنظرية الشخصية، بالتالي تطلق العنان لإرادة الأطراف؛ فلا تضع قيود لاختيار المتعاقدين للقانون الواجب التطبيق على العقد. على العكس نجد قوانين أخرى تأثرت بالنظرية الموضوعية؛ فتقيد حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد. أ - النظرية الشخصية
يتزعم هذه النظرية أنصار المذهب الفردي والقانون الطبيعي، فنادوا بضرورة إطلاق العنان لمبدأ سلطان الإرادة. بموجبه يتمتع الأفراد بحق تضمين عقودهم بما شاءوا من شروط. بالنسبة للعقود الدولية طبعا يحق للأطراف حتى اختيار القانون الذي يحكم هذا العقد، ويصبح هذا القانون المختار مجرد شروط تعاقدية. بالتالي يسموا اتفاق الأطراف على القانون فهذا القانون المختار يستمد قوته من الاتفاق. وقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه في حكم لها صادر بتاريخ 05/12/1910، حيث قضت: ((القانون الواجب التطبيق على العقود... هو القانون الذي تبنته إرادة المتعاقدين)). فأصبح القانون الذي اختاره المتعاقدين جزء من العقد، فأحكام هذا القانون اندمجت مع شروط العقد.
أهم ما ينتج عن الأخذ بالنظرية الشخصية (أو اندماج القانون المختار في العقد) انه يجوز للأطراف استبعاد نصوص القانون المختار التي تجعل العقد باطلا. كذلك لا تطبق التعديلات التي تسنها دولة القانون المختار على العقد. ب - النظرية الموضوعية
أنصار هذه النظرية يرون أن عدم خضوع العقد الدولي لنظام قانوني معين، ليس معناه أنه خارج عن أي قانون، بل فقط هناك أكثر من نظام يخضع له. رغم استحالة تطبيق هذه القوانين كلها نظرا لاختلافها.
لكن العقد الدولي يرتبط بمحيط اجتماعي بالضرورة، فإذن أثاره أو معظم آثاره تتحقق في وسط اجتماعي معين، بالتالي فيجب تركيز هذا العقد في هذا الوسط، بأن يفطبق عليه قانون هذا الوسط.
ويؤكدون أن دور الإرادة ليست طليقة عند اختيار قانون ليحكم عقدهم الدولي. فيجب أن تتقيد هذه الإرادة بضرورة اختيار القانون الذي يتصل بهذا العقد. فيجب أن تكون هناك صلة بين القانون المختار والعقد. بالتالي لا يستند إلى مطلق إرادة الأطراف، بل يستند إلى نصوص القانون التي سمحت للأطراف باختيار هذا القانون.
عكس النظرية الشخصية التي ترجع أساس القانون المختار إلى اتفاق الأطراف، النظرية الموضوعية تسند القانون المختار، إلى القانون الذي سمح للأطراف اختيار قانون ليحكم علاقتهم
II – شروط اختيار قانون ليحكم العقد الدولي
تنص المادة 18 من التقنين المدني الجزائري على: ((يسري على الالتزامات التعاقدية القانون المختار من المتعاقدين إذا كانت له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد...))
واضح من خلال نص المادة أن المشرع الجزائري يشترط مجموعة من الشروط، لكي يفسمح للمتعاقدين باختيار قانون يحكم علاقتهم التعاقدية. 1 - أن يكون العقد دوليا
يكون العقد دوليا إن تضمن عنصرا أجنبيا؛ أن يكون أحد الطرفين أو موضوع العقد أو سببه أجنبيا. مع الملاحظ أن بعض التشريعات تشترط أن يكون العنصر الأجنبي مؤثرا لكي نقول أن العقد دوليا.
2 - الشكل الذي يرد فيه الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على العقد
إن الأصل في القانون المدني الجزائري أن التعبير عن الإرادة يكون بالشكل الرضائي. لكن قد يشترط القانون أن يكون التعبير عن الإرادة بالشكل الكتابي.
بما أن المشرع لم ينص في المادة 18 على شكل خاص للاتفاق المنصب على اختيار قانون ليحكم العقد الدولي، معنى ذلك أنّ التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون رضائي أو مكتوب.
لكن يطرح مشكل آخر، هل يعتد بالتعبير الصريح للإرادة أو يعتد أيضا بالتعبير الضمني للإرادة؟ بالرجوع إلى القواعد العامة في التقنين المدني الجزائري، فالمشرع يعتبر التعبير عن الإرادة يكون صراحة أو ضمنيا. وبالرجوع إلى المادة 18 قبل التعديل المأخوذة من المادة 19/1 من القانون المدني المصري. نجد أن المشرع الجزائري تعمد في إسقاط الجملة التالية ((أو يتبين من الظروف أن قانون آخر هو الذي يراد تطبيقه)) فالبعض فسر ذلك على أن المشرع الجزائري لا يعتد بالإرادة الضمنية. لكن بالرغم من ذلك يمكن الرّد بأن المشرع الجزائري أراد أن تطبق القواعد العامة، التي تقضي أن التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون صراحة أو ضمنيا. فلو أراد أن لا يعمل بالإرادة الضمنية لنص صراحة في المادة 18 على ذلك.
لكن بعد تعديل نص المادة 18 في سنة 2005، هل يمكن أن نقول أن التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون ضمنيا؟
بالرجوع إلى المادة 60/2 من التقنين المدني الجزائري التي تنص على: ((ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا)). بالتالي المشرع في المادة 18 لم يشترط التعبير أن يكون صريحا، بالتالي يؤخذ بالإرادة الضمنية في التعبير عن الإرادة، طبقا للقواعد العامة.
كذلك نجد القانون الاتفاقي الدولي أخذ بالتعبير الضمني. فتنص المادة 3/1 من اتفاقية روما المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية. على أن التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون صراحة أو ناتج بصفة أكيدة من الظروف أو سبب التعاقد. كذلك نجد اتفاقية القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي للبضائع، تنص على أن التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون صراحة أو ضمنيا.
3 - أن تكون هناك صلة حقيقية بين القانون المختار والمتعاقدين أو العقد
ذفكر هذا الشرط المادة في 18/1 من التقنين المدني الجزائري. والحقيقة أن هذا الشرط يشكل تقييد لحرية المتعاقدين في اختيار أي قانون ليحكم علاقتهم التعاقدية.
إن المشرع الجزائري تأثر بالنظرية الموضوعية في تأسيس حق الأطراف في اختيار القانون الذي يحكم علاقتهم التعاقدية. فالمشرع على عكس ما كان عليه قبل تعديل نص المادة 18 أين كانت تمنح للأطراف إرادة مطلقة في اختيار أي قانون. لكن بعد تعديل المادة 18 المشرع الجزائري ألزم الأطراف أن يختارا قانونا له صلة بهم (الأطراف) أو بالعقد المبرم. أكثر من ذلك اشترط أن تكون هذه الصلة حقيقة.
معنى الصلة الحقيقية: لإمكان تطبيق قانون الإرادة يشترط المشرع الجزائري أن يمثل صلة بالمتعاقدين؛ أن يكون قانون موطنهما أو قانون جنسيتهما. أو أن يمثل صلة بالعقد؛ أن يكون قانون مكان إبرام العقد أو قانون مكان تنفيذ العقد.
لكن المشرع يشترط أيضا أن تكون هذه الصلة حقيقية، بمعنى يجب أن يكون قانون الإرادة يمثل مركز الثقل الفعلي في العلاقة، أي يجب أن يكون الأوثق إلى المتعاقدين أو الأوثق إلى العقد، بمعنى يؤخذ بالقانون الذي له أكبر صلة. وفي هذه الحالة لا يوجد إلاّ قانون واحد يتصف بهذا الوصف (أن يكون على صلة حقيقية بالمتعاقدين أو يالعقد).
III - حدود قانون الإرادة المنصوص عليه في المادة 18 من التقنين المدني الجزائري
الحقيقة، أن المادة 18 من التقنين المدني الجزائري، اعترفت بحق الأطراف في اختيار قانون ينظم علاقتهم التعاقدية. لكن هذه الحرية مقتضبة إلى أبعد الحدود، لأن الأطراف لما يختارون القانون الواجب التطبيق على العقد المبرم بينهم بكل حرية، يجب عليهم أن يبحثوا عن القانون الذي يمثل صلةً حقيقيةً بالمتعاقدين أو العقد المبرم، وإلاّ القاضي سيستبعد هذا القانون المختار.
أ - سلطات القاضي في تطبيق قانون الإرادة
إن المشرع الجزائري منح سلطات واسعة للقاضي في الأخذ بقانون إرادة الأطراف أو استبعاده. فالمشرع يعترف للقاضي بدور أساسي في تحديد القانون الواجب التطبيق، على الالتزامات التعاقدية. ذلك بالبحث في مسألة تركيز العقد الذي أبرمه الأطراف، فإن توصل إلى أن تركيز الأطراف للعقد وفق القانون المختار صحيحا يطبقه، أما إن رأى أن القانون الذي اختاره الأطراف لا يشكل صلة حقيقة بالمتعاقدين أو بالعقد فيستبعده. فالقاضي لا يطبق القانون المختار من قبل الأطراف إلاّ إذا تأكد أنه يعبر عن مركز الثقل الفعلي في العلاقة العقدية.
بالتالي إرادة الأطراف لا يعمل بها إلاّ في حالة تحقق القاضي أن القانون المختار هو القانون الذي تم تركيز العقد فيه. فإن تأكدّ القاضي من ذلك هل نقول أن الأطراف قد اختارا القانون الواجب التطبيق بأنفسهم؟ في هذه الحالة أرى أن الأطراف ساعدوا القاضي في تحديد القانون الذي تم فيه تركيز العقد الذي أبرماه.
من خلال ذلك يفهم أن المشرع نص في المادة 18/1 على قاعد إسناد أصلية، ليست بتطبيق قانون الإرادة، بل هي تطبيق القانون الأوثق (الذي له صلة حقيقية) بالمتعاقدين أو بالعقد. بما أنه على القاضي البحث والتأكد من أن القانون المختار من قبل المتعاقدين يمثل صلة حقيقية. وهو ما يتنافى مع مبدأ خضوع العقد الدولي لقانون الإرادة.
فالأجدر من المشرع أن ينص على تطبيق القانون الذي اختاره المتعاقدين على الالتزامات التعاقدية. وفي حالة عدم إمكان ذلك يطبق القانون الذي له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد.
ب – القانون الواجب التطبيق في حالة غياب الصلة الحقيقية
ذكرنا أن القاضي له سلطة التحقق من أن القانون الذي اختاره الأطراف ليحكم علاقاتهم التعاقدية له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد. وإن غابت هذه الصلة الحقيقة، فإنه يستبعد قانون الإرادة. بالتالي ما هو القانون الذي سيطبقه في هذه الحالة؟
تجيب الفقرة الثانية والثالثة من المادة 18 من التقنين المدني الجزائري على هذا الأمر بنصها على: ((وفي حالة عدم إمكان ذلك، يطبق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة. وفي حالة عدم إمكان ذلك، يطبق قانون محل إبرام العقد)
يتضح من خلال هذا النص أنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على القانون الواجب التطبيق (غياب قانون الإرادة)، أو أنّ القاضي استبعد قانون الإرادة بسبب غياب الصلة الحقيقية بين القانون المختار والمتعاقدين أو مع العقد، يطبق القاضي قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة، أو قانون مكان إبرام العقد.
هذا الحل نعتبر منطقي في حالة غياب قانون الإرادة، إذ نص المشرع على ضوابط احتياطية لتحديد القانون الواجب التطبيق، عند غياب قانون الإرادة
لكنه غير منطقي في حالة استبعاد القاضي القانون المختار من قبل المتعاقدين لغياب الصلة الحقيقية بين القانون المختار والمتعاقدين أو مع العقد. إذ كيف تمنح سلطة للقاضي لاستبعاد قانون الإرادة ومنعه من تطبيقه، حين يتوصل أن الصلة الحقيقية مع قانون آخر غير القانون المختار من قبل الأطراف. لكن يلزمه المشرع على تطبيق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة أو قانون مكان إبرام العقد، فهو ملزم بتطبيق قانون غير القانون الذي افستفبعدَ به قانون الإرادة.
مثلا، لو أبرم عقد بين جزائري وانجليزي مقيم بفرنسا في تونس. وكانا فيها في عطلة. واتفقا على تطبيق القانون الايطالي. حدث نزاع بينها فرفع الأمر إلى القاضي الجزائري، بعد البحث في مسالة الاختصاص والتكييف، تأتي مرحلة تحديد القانون الواجب التطبيق. توصل القاضي إلى أن القانون الايطالي الذي اختاره الأطراف ليحكم علاقتهم التعاقدية لا يمثل صلة حقيقية لا مع المتعاقدين ولا مع العقد المبرم، فاستبعده. بعد أن توصل إلى أن الصلة الحقيقية موجودة مع القانون الفرنسي مثلا، لأنه المكان الذي سينفذ فيه العقد. إن المنطق يقتضي أن يطبق القانون الفرنسي إذن.
لكن المشرع الجزائري يلزم القاضي على تطبيق القانون التونسي طبقا للفقرة الثالثة من المادة 18 من التقنين المدني الجزائري، بما أنه مكان إبرام العقد بالرغم من أنه كان عرضيا. بعد استبعاده القانون المختار من قبل المتعاقدين لغياب الصلة الحقيقية بين القانون الايطالي والمتعاقدين أو العقد.
الخاتمة
فالمشرع الجزائري رغم أنه نص على تطبيق قانون الإرادة على العقود الدولية، إلاّ أن القيود الواردة على هذا المبدأ جعلته منعدما. فعوض أن يمنح المشرع الأطراف تطبيق القانون الذي يختارونه، ألزمهم باختيار القانون الذي له صلة حقيقية بالمتعادين أو بالعقد، وتوصلنا إلى أنه يوجد قانون واحد فقط يمكن أن تكون له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد. فكأن المشرع نص على تطبيق القانون الذي له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد، ولم ينص على تطبيق قانون الإرادة أي القانون المختار من قبل المتعاقدين.
أخيرا نرى أنه يجب على المشرع التدخل لتعديل المادة 18 من التقنين المدني الجزائري. ونرى لذلك حلين: أولا: إما أن يمنح للأطراف مطلق الحرية في اختيار أي قانون ليحكم علاقتهم التعاقدية، وعند غياب ذلك يطبق القاضي القانون الذي تكون له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد. ثانيا: أو أن يتم حذف كلمة حقيقية في المادة 18 فقرة أولى، حتى يمنح الأطراف فرصة اختيار قانون يحكم علاقتهم التعاقدية. مع تقييد هذه الحرية بأن تكون صلة بين القانون المختار والمتعاقدين أو العقد ونفضل الحل الأول لأنه الأنسب لقواعد التجارة الدولية.
المراجع
- أحمد عبد الكريم سلامة، قانون العقد الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000/2001، ص 156 و157.
- إبراهيم نجار، أحمد زكي بدوي، يوسف ثلالا، القاموس القانوني، طبعة ثامنة، مكتبة لبنان، بيروت، 2002، ص 34.
- أورمضيني محمد، محاضرات غير مطبوعة في القانون الدولي الخاص، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2000.
- حفيظة السيد الحداد، الموجز في القانون الدولي الخاص، الجزء الأول، المبادئ العامة لتنازع القوانين، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2003، ص 409.
- هشام على صادق، دروس في تنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص 331. - أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص، الجزء الأول، تنازع القوانين، دار هومة، الجزائر، 2003، ص 304.
حرية الأطراف المتعاقدة لإختيار القانون الذي يحكم العقد الدولي