السلام عليـــــكم
سير المرافعة أمام محكمة الجناياتإن محكمة الجنايات تعرف عند المحامين والقضاة بأنها محكمة إجراءات ، بإعتبار أن إدارة الجلسة ومراعاة تطبيق القواعد القانونية ذات الصلة تتطلب من رئيس محكمة الجنايات ومن القضاة المشاركين معه ، وحتى من النيابة العامة ، أن يكونوا على إطلاع بأوراق القضية وكافة وقائعها ، وأن يكونوا ملمين إلماما كبيرا بالقواعد الإجرائية التي يستوجب إعمالها من أجل إحترام حقوق الدفاع ، ومراعاة تطبيق القانون التطبيق السليم لإصدار حكم عادل .
أولا : سير الجلسة:
يتم سير الجلسة وفق التشريع الجزائري بمرافعات شفوية وإجراءات علنية، وتجري في حضور الخصوم ، غير أن القاضي في ظل هذا التشريع لا يقتصر على الموازنة بين حجج الخصوم و أوجه دفاعهم ، وإنما يتولى إدارة المرافعات وإنتظام سيرها ، كما يشارك في جمع الأدلة لكشف الحقيقة.
1: إفتتاح الجلسة :
بحلول اليوم المحدد لكل قضية ، يتخذ القضاة والنيابة وكتاب الجلسة أماكنهم ، ويستحضر المتهم للجلسة غير مقيد ومصحوبا بحارس فقط ، و إذا لم يحضر المتهم الجلسة رغم إعلامه بتاريخ إنعقادها ، يقوم الرئيس بإنذاره بواسطة القوة العمومية ، و إذا رفض الحضور يخبر على الحضور بواسطة القوة العمومية ، ويتم بعد ذلك إستئناف المرافعات ، وتعتبر الأحكام الصادرة في غيبته حضورية ، ومن ثم يبلغ بجميع الأحكام الصادرة في المسائل العارضة مع الحكم الصادر في الموضوع والفاصل فيه بشكل نهائي ، على أن تكون الجلسة علنية شفهية في مرافعاتها مستمرة في إنعقادها ضمن جلساتها المبرمجة سلفا.
أ- علانية وإستمرارية إنعقاد الجلسة : المادة 285: ( المرافعات علنية ما لم يكن في علانيتها خطر على النظام العام أو الآداب وفي هذه الحالة تصدر المحكمة حكمها القاضي بعقد الجلسة سرية في جلسة علنية غير أن للرئيس أن يحظر على القصر دخول الجلسة وإذا تقررت سرية الجلسة تعين صدور الحكم في الموضوع في جلسة علنية. ولا تجوز مقاطعة المرافعات ويجب مواصلتها إلى أن تنتهي القضية بحكم المحكمة. ولكن يجوز مع ذلك إيقافها أثناء الوقت اللازم لراحة القضاة أو المتهم. )
- في إطار الجلسة وإستمراريتها نصت المادة 285 من قانون الإجراءات الجزائية ، بأن تكون المرافعات علنية ما لم ينشأ عن علنيتها إخلال بالنظام العام والآداب العامة ، لكن يمكن أن تكون المرافعات في جلسة مغلقة أو سرية لا يحضرها من الجمهور إلا من كان حضوره ضروريا ، أو من تأذن لهم المحكمة بالحضور.
مع هذا فالحكم لا يصدر إلا في جلسة علنية ، ويجوز للمحكمة أن تحدد عدد الأشخاص الذين يجوز لهم الحضور بما يتفق وسعة القاعة ، وليس في ذلك إخلال بمبدأ العلانية .
لكن المادة 285-2 من قاتنون الإجراءات الجزائية تخرج عن هذا الأصل ، وتسمح بقطع المرافعات وتوقيف الجلسة لمدة من الزمن تكون كافية لراحة القضاة والمتهم وللمحامين أيضا .
ب - ضبط الجلسة : المادة 286: (الأمر رقم 95-10 المؤرخ في فبراير 1995) ( ضبط الجلسة وإدارة المرافعات منوطان بالرئيس. له سلطة كاملة في ضبط حسن سير الجلسة وفرض الاحترام الكامل لهيأة المحكمة واتخاذ أي إجراء يراه مناسبا لإظهار الحقيقة وله بصفة خاصة أن يأمر بحضور الشهود، وإذا اقتضى الأمر باستعمال القوة العمومية لهذا الغرض، ولا يحلف اليمين الشهود الذين يستدعون بموجب السلطة التقديرية لرئيس الجلسة، وهم يستمعون على سبيل الاستدلال. )
المادة 295: (إذا حدث بالجلسة أن أخل أحد الحاضرين بالنظام بأية طريقة كانت فللرئيس أن يأمر بإبعاده من قاعة الجلسة. وإذا حدث في خلال تنفيذ هذا الأمر إن لم يمتثل له أو أحدث شغبا صدر في الحال أمر بإيداعه السجن وحوكم وعوقب بالسجن من شهرين إلى سنتين دون إخلال بالعقوبات الواردة ضد مرتكبي جرائم الإهانة والتعدي على رجال القضاء. ويساق عندئذ بأمر من الرئيس إلى مؤسسة إعادة التربية بواسطة القوة العمومية. )
إن ضبط الجلسة يدخل ضمن صلاحيات وسلطان رئيس المحكمة حسب ما نصت عليه المادة 286 من قانون الإجراءات الجزائية .
فيمكن لرئيس المحكمة إتخاذ أي إجراء يراه مناسبا وضروريا للحفاظ على الأمن أثناء الجلسة و المرافعات ، وبكلف في هذا الخصوص كل من رجال الشرطة والدرك الوطني الذين يمتثلون لتعليماته وينفذون أوامره ، وله أن يأمر كذلك بإبعاد كل من يخل بالنظام بأي طريقة كانت من قاعة الجلسة ، وإذا لم يمتثل يتم إصدار أمر بإيقافه وحبسه في الحال ، وهذا حسب المادة 295 من قانون الإجراءات الجزائية .
أما إذا كان المخل بالنظام المتهم نفسه ، يقوم الرئيس بإنذاره بأنه إذا تمادى في تصرفاته سيطرد من الجلسة ، ويحكم عليه في غيبته ، وإذا لم يكف المتهم عن الفوضى يطبق عليه الرئيس أحكام المادة 295 من قانون الإجراءات الجزائية ، فيبعده من قاعة الجلسات ويوضع تحت حراسة القوة العمومية ، وتحت تصرف المحكمة حتى نهاية المرافعات ، لكن مع ذلك تعتبر الأحكام الصادرة في غيابه حضورية ، ويحاط بها علما وفقا لإجراءات التبليغ العادية
2 : إقامة الأدلة من المرافعات : أ - إستجواب المتهم :
يحقق مع المتهم من طرف رئيس المحكمة إبتداء بهويته وصولا إلى ظروف وقوع الجريمة ووسائل إرتكابها ، ودوافعه في إرتكاب الجريمة والأدلة والحجج التي تستند التهمة إليها ، ولا يمكن للقضاة أو المحلفين أو النيابة العامة أو هيئة الدفاع مقاطعة الرئيس خلال إستجوابه المتهم بل يمكنهم ذلك بعد إنتهائه من إستجواب المتهم حيث لا تطرح الأسئلة مباشرة على المتهم من القضاة أو المحلفين أو النيابة العامة ، بل تطرح هذه الأسئلة على لسان رئيس المحكمة .
ب - سماع الشهود تقاريرالخبراء :
ينادى على الشهود منفردين للإدلاء بشهاداتهم بعد آداء اليمين ، وللنيابة العامة توجيه الأسئلة إليهم مباشرة ، ويجوز للمتهم أو محاميه توجيه أسئلة إليهم بواسطة الرئيس، وتقضي القواعد العامة بالبدء بسماع شهود الإثبات ، ثم سماع شهود النفي ، ولمحكمة الجنايات أن تكتفي بإعتراف المتهم [b]وتحكم عليه بغير سماع الشهود ، فإذا كان المتهم قد إعترف في الجلسة بإقتراف الجريمة المسندة إليه ، فإن إثارة الدفع بالمساس بحقوق الدفاع في هذا الشأن لا يكون ذا معنى ، ورغم هذا يعتبر إعتراف المتهم في مرتبة الأدلة الإخرى .
إن قراءة تقارير الخبراء في بعض المسائل و القضايا التي تحتاج إلى خبرة أجازها المشرع للقاضي في مرحلة المحاكمة ، كما أجازها لقاضي التحقيق في مرحلة التحقيق الإبتدائي ، حيث بالإمكان تعيين خبير لفحص مسألة معينة تستدعي إبداء الرأي فيها بمعلومات فنية ، وذلك من الجدول المعد من طرف المجالس القضائية كما أجاز تعيين الخبراء بطلب من النيابة العامة أو الخصوم .
ويتعين على الخبير أن يقوم بالعمل الموكل إليه ، وأن يقدمه للجهة التي وكلته به في المدة المحددة له ، وفي تقرير مكتوب يتضمن الأعمال التي قام بها ، والرأي الذي إنتهى إليه ، وللخصوم الحق في الإطلاع على هذا التقرير ومناقشته
ج - سماع مرافعات النيابة العامة :
تعطي المحكمة النيابة العامة الكلمة بعد إستجواب المتهم ، وبعد سماع أقوال الشهود ، ولذلك يجب على النيابة العامة أن تكون ملمة بملف الدعوى ، ولكن مايلاحظ في السنوات الإخيرة هو عدم الإطلاع الشامل للملف من قبل النيابة العامة ، وهو مالا يخدم العدالة وإحقاق الحق ، والسبب في ذلك هو تعقيد الملفات الجنائية ، إضافة إلى كثرة الملفات وتكدسها على مستوى الجنح ،وكذلك إضافة أنشطة إضافية للنيابة العامة على المستوى المدني مما يحد من قدراتها في تمثيل الحق العام وكذا حمايتها لحقوق الأفراد خاصة حقهم في الدفاع أمام محكمة الجنايات.
د - سماع دفاع المتهم : المادة 304:[b] (القانون رقم 90-24 المؤرخ في 18 غشت 1990)(متى انتهى التحقيق بالجلسة سمعت أقوال المدعي المدني أو محاميه. وتبدي النيابة طلباتها. ويعرض المحامي والمتهم أوجه الدفاع ويسمح للمدعي المدني والنيابة العامة بالرد ولكن الكلمة الأخيرة للمتهم ومحاميه دائما. )
- إن وجود المحمي هو أمر وجوبي ، إلى جانب المتهم في محكمة الجنايات ، فبعد سماع ممثل النيابة في مرافعته ، تحيل المحكمة الكلمة إلى المحامي الذي تم توكيله للدفاع عن المتهم ، وهذا من أجل رد إتهام النيابة العامة ومناقشتها فيما قدمته من ادلة وحجج ، أو لمناقشة الوصف الجرمي الذي إعتمدتهغرفة الإتهام ، وإستندت له النيابة العامة كأساس للإدانة ، فحسب المادة 304 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإن مرافعات وتعليقات النيابة العامة تأتي بعد الإنتهاء من التحقيق ليأتي أخيرا دور محامي المتهم فيقدم مرافعته ودفوعه . إذن فسماع كلمة المتهم ومحاميه تكون دائما الأخيرة.
ثانيا : إقفال باب المرافعات :
وهي الإجراءات التي تقوم بها المحكمة تمهيدا للفصل في الدعوى ، وهي :
1: إجراءات تحضير الفصل في الدعوى: وتتعلق بثلاث نقاط هي : أ - تلاوة الأسئلة الواردة في ورقة الأسئلة : المادة 305: (القانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982) (يقرر الرئيس إقفال باب المرافعات ويتلو الأسئلة الموضوعة، ويضع سؤالا عن كل واقعة معينة في منطوق قرار الإحالة ويكون هذا السؤال في الصيغة الآتية : (هل المتهم مذنب بارتكاب هذه الواقعة) ؟ وكل ظرف مشدد، وعند الاقتضاء كل عذر وقع التمسك به يكون محل سؤال مستقل متميز. ويجب أن توجه في الجلسة جميع الأسئلة التي تجيب عنها المحكمة ما عدا السؤال الخاص بالظروف المخففة. وتفصل المحكمة بدون اشتراك المحلفين في جميع المسائل العارضة التي تثار في تطبيق نص هذه المادة. )
- تحرر من طرف رئيس المحكمة ، ويجيب عليها أعضاء المحكمة بعد أن يتلوها رئيسها علنا فور إقفال باب المرافعات، وهذا حسب المادة 305-1 من قانون الإجراءات الجزائية.
وتتضمن هذه الأسئلة الوقائع موضوع الإتهام ، والواردة في منطوق قرار الإحالة ، كما يتم وضع سؤال عن كل ظرف ظهر في المرافعة ، وايضا يتم وضع سؤال عن ظروف التخفيف ، ولا ينبغي طرحه أو تلاوته بالجلسة ، وإنما يجب تلاوته ومناقشته في غرفة المداولات بعد التصويت الإيجابي على الإدانة ، وعند مناقشة العقوبة.
ب - تلاوة نص المادة المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية : (يتلو الرئيس قبل مغادرة المحكمة قاعة الجلسة التعليمات الآتية التي تعلق فضلا عن ذلك بحروف كبيرة في أظهر مكان من غرفة المداولة: « إن القانون لا يطلب من القضاة أن يقدموا حسابا عن الوسائل التي بها قد وصلوا إلى تكوين اقتناعهم، ولا يرسم لهم قواعد بها يتعين عليهم أن يخضعوا لها على الأخص تقدير تمام أو كفاية دليل ما، ولكنه يأمرهم أن يسألوا أنفسهم في صمت وتدبر، وأن يبحثوا بإخلاص ضمائرهم في أي تأثير قد أحدثته في إدراكهم الأدلة المسندة إلى المتهم وأوجه الدفاع عنها ولم يضع لهم القانون سوى هذا السؤال الذي يتضمن كل نطاق واجباتهم: هل لديكم اقتناع شخصي ؟ ». )
و هو أهم ثاني عمل يقوم به رئيس محكمة الجنايات موجه إلى كل قضاة المحكمة التي يترأسها ، سواء القضاة المحترفون ، أو المساعدون الشعبيين ، ويتم تعليقها على جدار القاعة ، بإعتبارها تشكل سند ودستور للقضاة عند إصدارهم للحكم .
ج - إخراج المتهم و الإنتقال إلى غرفة المداولات :
حيث يأمر رئيس المحكمة الحراس المكلفين بالأمن ، بإخراج المتهم من قاعة الجلسة إلى المكان المخصص للمتهمين قرب قاعة الجلسات .
ثم ينتقل الأعضاء ، القضاة والمحلفين ، مصحوبين بملف الدعوى إلى غرفة المداولات .
2 : الــــــــــــمداولات :
وتتم المداولات من خلال الإجابة عن الأسئلة التي تمت تلاوتها في الجلسة بشأن الإدانة ثم العقوبة.
أ- المداولات بشأن الإدانة :
يتم تبادل الرأي بين الفضاة و المحلفين حول الإتهام ، و تتخذ الأصوات في أوراق سرية بكلمة نعم أو لا ، والإقتراع يكون على كل سؤال على حدة. وجل القرارات تصدر بالأغلبية ، وتكون في صالح المتهم الأوراق البيضاء أو التي تقرر الأغلبية بطلانها.
ثم بعد ذلك تعرض العقوبة المقررة على أعضاء المحكمة ليناقشوا مدى ملائمتها مع الوقائع الجرمية ، ومع النص الواجب التطبيق ، ثم يجري التصويت بشأنها بطريقة سرية وبالأغلبية أيضا .
ب - المداولات بشأن العقوبة :
إذا لم تستند الجريمة إلى نص يعاقب عليها أو قرر القضاة والمحلفون عدم إدانة المتهم لعدم ثبوت إرتكابه الجريمة، فيعود أعضاء المحكمة إلى الجلسة ، التي بها يعلن حكم البراءة.
وفي حالة الإجابة بنعم على سؤال الإدانة ، يتداول أعضاء المحكمة تحت إشراف الرئيس حول العقوبة الملائمة ، وإذا لم تتوفر الأغلبية بشأن العقوبة ، أعيد التصويت على عقوبة أقل حتى تنال الأغلبية وتقضي المحكمة بالأوضاع نفسها في العقوبات التبعية أو التكميلية ، وفي تدابير الأمن.
3 : النطـــــق بالقرار :
عند الإنتهاء من المداولات ترجع هيئة المحكمة إلى قاعة الجلسة ، ويستدعى المتهم من طرف رئيس المحكمة الذي يتلوا الإجابات والمواد القانونية التي طبقت ، وينطق بعد ذلك بالحكم بالإدانة أو الإعفاء ، وفي كلتا الحالتين يلتزم المتهم بالمصاريف لصالح الدولة .
وللمتهم الحق في الطعن بالنقض في الحكم الصادر خلال ثمانية أيام من يوم إصدار الحكم ، إذا برئ المتهم من العقاب ، أفرج عنه في الحال ، ما لم يكن محبوسا لسبب آخر.
تم تحرير الموضوع بواسطة :Harrir Abdelghani
بتاريخ:30-05-2018 01:32 صباحاً