الصلح و الوساطة القضائية طبقا لقانون 08-09
الصلح طريق بديل لحل النزاعات
الصلح في التشريع الجزائري
الأحكام العامة للوساطة القضائية
المحل و السبب في عقد الصلح
الصلح في المواد المدنية
الصلح في قضايا شؤون الأسرة
الصلح في القضايا العمالية
الصلح في القضايا التجارية
الصلح في المنازعات الإدارية
إجراءات الصلح و أثاره
الأحكام العامة للوساطة القضائية
إحالة النزاع للوساطة و التحكيم
أنواع الوساطة و خصائصها
شروط الوساطة و نطاقها
شروط إختيار الوسيط
سير الوساطة ونتائجها
رقابة القاضي للوساطة
آثار الوساطة
إعداد : عروي عبد الكريم
لتحميــــل الملف إضغط هنـــا
مقدمة :
إن المشرع الجزائري ورغبة منه في تفعيل الإجراءات القانونية التي تضبط مسار الدعوى تماشيا و التطورات السريعة التي يشهدها المجتمع الجزائري في شتى ميادين الحياة السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، ضمن تطبيق المخطط الوطني للتنمية الشاملة لإصلاح العدالة، كان لزاما عليه أن يلجا إلى استحداث آليات بديلة في حل النزاعات، لما في ذلك من أهمية في تفعيل النصوص القانونية و التشريعية لمواكبة التحول داخل سير الدعوى المدنية يجب أن يقوم على أصول فقهية المجتمع، باعتبار أن نمط و قانونية وفقا لما توصلت إليه النظريات وتطبيقاتها الحديثة في كافة المجالات في فض الخصومات.
هذه الآليات التي استحدثها المشرع الجزائري هدفها إضافة أنظمة إجرائية تخضع لنظام سير الخصومة القضائية بصفة عامة و كل ما من شأنه تفعيل الجزاءات التي تفرضها حالة المساس بالحقوق الموضوعية للأشخاص أو المؤسسات لما في ذلك من ضمانات لاستقرار المعاملات و التصرفات داخل هياكل المجتمع وكذا رعاية الحقوق المدنية للأفراد و الجماعات.
وبناء على هذه الاعتبارات وغيرها، كان لابد من إعادة النظر في المنظومة الإجرائية من خلال تحيين وتطوير قانون الإجراءات المدنية - القديم برمته وبمنهجية ضبط مسار الدعوى، بدءا من قيدها بشباك تسجيل الدعاوى على مستوى جديدة من حيث جهات التقاضي على الدرجة الأولى، ثم سيرها على مستوى جلسات المرافعة نهاية بممارستها أمام جهات التنفيذ الرسمية المحضرين القضائيين - بعد انتهاء الأمر، الحكم أو القرار النهائي فيها و تنفيذه من منطلق ضمان التطابق و الانسجام و القواعد والمبادئ الدستورية المنصوص عليها وكذا المتعارف عليها فقها وقضاء ، كل ذلك مع مراعاة المستجدات و التحولات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع التي أدت إلى ننوع المنازعات و القضايا.
و تجدر الإشارة إلى أن هذه التحولات و الآليات التي استحدثها المشرع الجزائري ما هي في النهاية سوى تكريسا لمبادئ الاجتهاد القضائي الوطني المتواتر طيلة حياة المنظومة التشريعية الوطنية.
إن المشرع وباستحداثه لهذه الآليات فإنه يهدف من خلال تطوير المنظومة التشريعية إلى مواكبة تطور القوانين المقارنة، وكذا التوافق التام و التناسق مع الاتفاقيات الدولية و المعاهدات التي انضمت إليها الجزائر و كذا تجسيدا لتوصيات اللجنة الوطنية المستحدثة لإصلاح العدالة والتي ساهم في إعدادها نخبة من رجال القانون و الأساتذة الجامعيين و المهنيين من ذوي الخبرة والكفاءة و القضاة وفي مدة دامت خمسة سنوات من التحضير و الدراسة والمقارنة مع أحدث القوانين.
ومن هذا المنطلق، فإن مقومات هذا القانون في مجال الطرق البديلة لحل النزاعات القضائية فإنها جاءت مجسدة لمبدا المساواة أمام القضاء والقانون، وتيسير اللجوء إلى مرفق العدالة ، وتوفير شروط ضمان المحاكمة العادلة من خلال مبدأ العلنية في المرافعات، الوجاهية فى العمل القضائي، و تكريس حقوق الدفاع للجميع بما في ذلك تسهيل الاستفادة من المساعدة القضائية مع كافة شركاء ومساعدي العدالة، و من خلال حق استعمال طرق الطعن وعلنية الجلسات و الفصل في القضايا في الآجال المعقولة لتفادي البطيء في وتيرة الفصل فى القضايا، وكذا حياد القاضي حين الفصل في الدعوى و الدور الإيجابي المنوط به من حيث تيسير إجراءات التقاضي :
وعلى هذا الأساس فإن أهم ما يميز هذه المقومات في مجال الطرق البديلة، أنها هي ذات المبادئ و المعايير العالمية المكرسة فى المواثيق و الاتفاقيات و العهود الدولية وهو ما يعكس رغبة المشرع الجزائري في مسايرة التوجه العالمي الحديث و أيضا ملامح التطوير في استخدام الوسائل البديلة لحل النزاعات و التي أضحت من بين أبرز اهتمامات الجهات الرسمية ذات العلاقة بقطاع العدالة من خلال تعزيز كفاءة المحاكم.
ومن منطلق أن العمل القضائي وعلى اختلاف مناهجه فإنه وإلى وقت قريب كانت سمته البطء لكونه كان يعاني من مشكلة طول النزاع بدءا من الدرجة الأولى للتقاضي )المحاكم) منه إلى الدرجة الثانية (المجالس القضائية) ومنه إلى المحكمة العليا وكذا جهات التقاضي الإدارية من حيث طول مدة الفصل في القضايا وذلك بسبب إما التعقيدات الإجرائية، أو كثرة طرق الطعن و التي غالبا ما يستاء منها المتقاضين مما يترتب عنه تراكم القضايا على مستوى المحاكم، ولتعزيز إيمان جمهور المتقاضين بنظام العدالة من حيث فض النزاعات بين الأطراف بوسائل جديدة تضع حدا لاستنزاف الوقت، الجهد و النفقات و المال و الحفاظ على العلاقات و الروابط الاجتماعية من خلال التقليص من حجم القضايا المطروحة على المحاكم وما ينتج عنها من اكتظاظ.
ومن خلال ذلك ضبط المشرع الجزائري بدائل الخصومة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية و التي تسهم بلا شك في ترقية ثقافة التصالح بين المتخاصمين من خلال تسهيل الإجراءات و تجاوز التعقيدات الإجرائية، لذلك فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية تضمن من بين أقسامه الموزعة على 1065 مادة، قسما كاملا للطرق البديلة في حل النزاعات وذلك عن طريق الصلح، الوساطة و التحكيم، بدءا من المادة: 990 إلى 1005، كما صدر المرسوم التنفيذي رقم : 09—100 المؤرخ في : 10-03-2009 الذي يحدد كيفيات تعيين الوسطاء القضائيين .
ومسايرة للقوانين الحديثة وما للمجتمع الجزائري من قيم وأخلاق وتراث والتي تجعل المواطن عندنا يجنح إلى الصلح الذي هو سلوك متجذر في المجتمع الجزائري والذي هو أيضا محببا للنفس البشرية التي ترفض الإملاء و أساليب القوة من السلطة العامة بما فيها القضاء، وكذا قبول الوسيط الذي يرى فيه المتقاضي الإجراءات البسيطة التي تضمن له السرية والحياد من خلال وسيط قضائي نزيه ومحايد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء من الخصوم وصولا إلى حل ينال رضائهم التام، مما يبرر سعي كل منهما إلى تنفيذ الحكم الذي ساهما هما معا في إعداده، و كذا التحكيم في المجالات المخصصة له.
وكملاحظة أولى حول الموضوع والتي يمكن إبرازها هو العنوان الذي استعمله المشرع الجزائري الطرق البديلة لحل النزاع فيفهم من خلال ذلك أن المشرع الجزائري يقصد من وراء ذلك وجود طريق أصلي وطريق بديل فإذا كان الطريق الأصلي يتمثل في القضاء فان الطريق البديل يتمثل في الصلح والوساطة والتحكيم غير أننا نلاحظ أن كل من الصلح والوساطة يجريان تحت رقابة القاضي. والطرق البديلة ليست وليدة التشريع الجزائري وإنما أخذت بها معظم تشريعات العالم وظهرت هذه الوسائل بأسماء مختلفة ومتنوعة لا تخلو من الغرابة وغير واضحة المعالم أحيانا ولا يمكن تعريفها بشكل دقيق، وقد أطلق عليها الفقه تسميات متعددة بحيث أصبحت تفوق ثمانين إسما فاعتبرها البعض بأنها قضاء غير رسمي "INFORMELLE JUSTICE"و أطلق عليها البعض مصطلح قضاء اتفاقيCONVENUE JUSTICE وهناك من اسماها قضاء ودي "AMIABLE JUSTICE وفي اللغة الفرنسية تعرف بـ:C R A M" DE ALTERNATIFS MODES CONFLITS DES REGLEMENT".وتعرف أيضا ب "SORREL" المصطلح المستعمل في كندا وهي اختصار LITIGES"J DU REGLEMENT AU RECHARGE DE SOLUTIONS".فجميع هذه التسميات تدور حول فكرة واحدة هو البديل أو الخيار "ALTERNATIVE عن النظام القضائي الكلاسيكي واللجوء إلى الطرق الودية التي يختارها المتنازعون لأجل نزاعاتهم بعيدا عن القضاء الكلاسيكي، و ذلك كسبا للوقت والمال وسعيا لديمومة روابطهم التجارية وغير التجارية وحل نزاعاتهم بشكل غير معلن. ويعود سبب إختياري لهذا الموضوع، كونه جديد في المنظومة القانونية الجزائرية،
و أهميته في إيجاد الحلول للمخاصمات بطرق ودية تنبع من صميم إرادة الأطراف. وعليه نتناول الدراسة التالية من خلال الإجابة على الإشكالية المطروحة وهي:
ما هي الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية المستحدثة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية وما هي آلياتها ؟
تم اعتماد المنهج الوصفي و التحليلي و النقدي، و ذلك من خلال دراسة النصوص القانونية الواردة في هذا المجال، و مقاربتها بالواقع العملي.
و قد تم تقسيم الموضوع إلى فصلين، تناولت في الأول الصلح، مجالاته و إجراءاته، أما الثاني تعرضت إلى الوساطة، شروطها، مجالاتها و نتائجها.
............باقي المحتوي حمل الملف أعلي الموضوع.