وكما أختلفوا على تسمية هذا القانون، إختلفوا كذلك على تعريفه. وقد تعددت وتنوعت التعاريف، فمنها ما ركز على الاشخاص المعنيين به، ومنها ما ركز على الغاية أو الهدف الذي يسعى له أو الوظيفة التي يتولاها، ومنها ما ركز على المواضيع التي يتناولها، ومنها ما أبرز القوة الالزامية فيه.
فالقانون الدولي عرف بانه "مجموعة القواعد العرفية والاتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في علاقاتها المتبادلة."
وعرف :
بأنه "مجموعة القواعد التي تحكم الدول في علاقاتها."
وبأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الدول وغيرها من الأشخاص في علاقاتها المتبادلة."
وبأنه "مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الدول في علاقاتها المتبادلة."
وبأنه "قواعد سلوك تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في علاقاتها مع بعضها البعض."
وبأنه "القواعد التي تحدد سلوك جماعة الدول المتمدنة في تصرفاتها المتبادلة."
وبأنه "قواعد ومبادىء ذو تطبيق عام تتناول سلوك الدول والمنظمات الدولية في علاقاتها المتبادلة كما وفي علاقاتها مع أشخاص طبيعيين أو قانونيين."
وبأنه "مجموعة الحقوق التي تدعيها دولة ما لنفسها ولرعاياها من الدول الأخرى، وبالتالي الواجبات التي عليها أن تتقيد بها تجاههم."
وبأنه "مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها."
وبأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول والتزاماتها فيما بينها وفي مواجهة المنظمات الدولية كما تبين لنا قواعد التنظيم الدولي وكيفية حفظ الامن الدولي ومدى الحماية التي يعطيها القانون الدولي لحقوق الانسان."
وبأنه "مجموعة القواعد التي تهيمن على الدول من حيث وضعها الدولي ومن حيث علاقاتها مع دولة أخرى أو جماعة دولية في سبيل تحقيق الخير المشترك."
وبأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول وغيرها من الهيئات الدولية، وتعين واجباتها، وتنظم علاقاتها المتبادلة، في أثناء الحرب والسلم والحياد."
المذهب التقليدي :
لقد كان الفقه التقليدي يعتبر إن القانون الدولي العام مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول و هذا يعني بان هذا القانون يختص بتنظيم حقوق و واجبات الدول فقط , برروا ذالك بان المجتمع الدولي انذاك قد برز بوجود الدول القومية في اوربا مع بداية القرن 19 م , وقتها الدورة وحدها كانت تعتبر الشخص القانوني
نقد :
يمكن القول إن ماجاءت به النظرية التقليدية واكب فترة ماضية من الزمن , حيث كان التعريب مقبولا قبل 3 قرون , إلا إن التطور الذي حديث في المجتمع الدولي المعاصر غير مجال العلاقات الدولية بين أشخاص القانون الدولي العام , فبينما اعتبرت الدولة الشخص القانوني الوحيد آنذاك إلا إن المجتمع الدولي قد تطور و أصبح يضم عددا من الأشخاص القانونية الأخرى مثل المنظمات الدولية
المذهب الموضوعي :
بعكس المذهب التقليدي تماما فقد اعتبر المذهب الموضوعي إن الفرد هو الشخص القانوني الدولي الوحيد. و لقد طرح هذا المفهوم في البداية الفقيه الفرنسي المعروف " Duguit " حيث
رفض كون الدولة من أشخاص القانون الدولي العام, و ذالك لأنها لا تمليك الشخصية المعنوية, و اعتبر إن الفرد هو المقصود عندما تخاطب الدول بعضها البعض. و لم يذهب زميله " George sel " بعيدا حيث أنكر الشخصية المعنوية للدولة و اعتبرها مجرد افتراض لا وجود لها , و قال " الفرد هو الشخص الطبيعي الذي يمتلك الإرادة و حسب "
لذالك فان مخاطبة الدول بعضها البعض إنما تعني مخاطبة الإفراد بعضهم البعض و ما الدول إلى مفوضة فقط لتمثلهم.
نقد :
لم يسلم المذهب الموضوعي من سهام النقد هو الآخر بسبب إنكاره الصريح لموقع الدولة كشخص القانون الدولي العام , إضافة إلى الفرد ليس واضح المعالم كشخص من أشخاص القانون الدولي في وقتنا الحاضر
المذهب الحديث :
اتفق فقهاء وقتنا الحاضر على إن الدولة هي الشخص الرئيسي للقانون الدولي العام, إلى جانب أشخاص قانونية أخرى دون توضيح معالمها من بين هؤلاء الفقهاء " strup " الذي عرف القانون الدول العام " انه مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن حقوق وواجبات الدول و غيرها من أشخاص القانون الدولي ", و عرف " luis del. Pierre" بقوله " هو مجموعة القواعد القانونية التي تلزم الدول المستقلة بها و مختلف المنظمات الدولية أيضا خلال مبادلاتها "
وإن إختلفت وتعددت التعاريف بالقانون الدولي، إلا أنها جميعها إتفقت على العناصر الأساسية التي تدخل في تعريفه، ألا وهي : مجموعة قواعد قانونية، تحكم أو تنظم، أشخاص القانون الدولي في علاقاتها المتبادلة.
أولاً :
القانون الدولي هو مجموعة قواعد قانونية، أي قواعد ملزمة يعتبر إنتهاكها عملاً غير مشروع يترتب عليه نتائج قانونية متمثلة بالمسؤولية القانونية الدولية، وهذا ما يميزها عن المجاملات الدولية والاخلاق الدولية.
فالمجاملات الدولية هي تصرفات أو ممارسات مسلكية تقوم بها الدول في علاقاتها الخارجية لغاية تحسين هذه العلاقات أو توطيدها أو الحفاظ عليها دون أن تكون ملزمة بها. وأن إلاخلال بهذه المجاملات أو إهمالها لا يترتب عليه أي نتائج قانونية أو أخلاقية، بل يعتبر عملاً غير ودي يسمح للدولة المتضرة أن تتعامل بالمثل مع الدولة المخلة. ومن الامثلة على المجاملات الدولية: عدم التعرض لسفن الصيد أثناء الحرب، الحصانات والامتيازات الدبلوماسية والقنصلية ( قبل أن تقنن في إتفاقيتا فينا للعام 1961 و1963)، تمتع رؤساء الدول السابقين بنفس الامتيازات التي كانت مقررة لهم أثناء توليهم المسؤولية.
والمجاملات الدولية شأنها شأن الاعراف الدولية في تكوينها، تثبت بتواتر الدول على مراعاتها. ومن الممكن ان تتحول مجاملة ما في أمر ما الى قاعدة قانونية ملزمة إذا ما استقرت الدول على مراعاتها وإرتضت بالالتزام بها. وهذا ما حصل بالفعل للحصانات والامتيازات الدبلوماسية والقنصلية التي بدأت مجاملات وإنتهت قواعد قانونية دولية. ومن الممكن كذلك أن تتحول قاعدة قانونية بسبب إعتبارها غير ملزمة من قبل الدول الى مجرد مجاملة. وهذا ما حصل للتحية البحرية التي كانت من قواعد القانون الدولي الملزمة فأصبحت من المجاملات الدولية.
أما الاخلاق الدولية فهي مجموعة القواعد والمبادئ التي يمليها الضمير وتفرضها الاخلاق على الدول في تصرفاتها دون أن تكون ملزمة بها قانوناً. ومن هذه القواعد والمبادىء الاخلاقية: الرأفة في الحرب والامتناع عن أذية الأبرياء، نجدة الدول في حالة الكوارث، إحترام الدول لوعودها، مراعاة الدول في تصرفاتها روح العدالة والشرف والمروءة.
وتحتل الاخلاق الدولية مركزاً وسطاً بين المجاملات الدولية وقواعد القانون الدولي، فهي تشترك مع الاولى بعدم الزاميتها، فعدم تقيد الدول بالقواعد أوالمبادئ الاخلاقية لا يترتب عليه أية مسؤولية قانونية، وتقترب من الثانية لجهة أن عدم مراعاتها يعرض الدولة المخلة لسخط الرأي العام العالمي وإحتقاره لها، وكذلك إمكانية تعريض مصالحها للخطر. لهذا السبب فإن الدول كثيراً ما تتقيد بالقواعد والمبادىء الاخلاقية حرصاً على سمعتها ومكانتها ومصالحها. غير أن الاخلاق الدولية تختلف عن المجاملات الدولية إذ أن عدم مراعاتها من قبل دولة ما لا يبرر خروج الدولة الاخرى عن قواعد الاخلاق أو التعامل معها وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.
ولما كانت القواعد والمبادئ الاخلاقية ذات أهمية في العلاقات الدولية باعتبارها مثل وقيم عليا في مراعاتها صيانة لمصالح المجتمع الدولي والدول جميعها، تولد الشعورعند الدول بضرورة رقيها الى مستوى القواعد القانونية الملزمة. لذا فإن الكثير من هذه القواعد الاخلاقية قد أدمجت ضمن قواعد القانون الدولي العام وأصبحت جزءاً منه. ومن الامثلة على القواعد الاخلاقية التي أصبحت قواعد قانونية ملزمة تلك المتعلقة بمواساة جرحى ومرضى الحرب، وبالمعاملة الخاصة لأسرى الحرب، بإستعمال الرأفة في الحرب، وحماية المدنيين في وقت الحرب (نص عليها في إتفاقية جنيف لسنة 1864 المعدلة في 1906 و1929 وإتفاقات لآهاي لسنة 1899 و1907 وإتفاقات جنيف الاربعة لسنة 1949).
ثانيــــــاً :
القانون الدولي هو مجموعة قواعد قانونية تحكم أوتنظم، أي أن هذه القواعد هي قواعد آمرة منظمة للمجتمع الدولي، تحدد قواعد التنظيم الدولي، وتحكم المعنيين بالقانون الدولي وتحدد حقوقهم وواجباتهم وتفرض عليهم احترام التزاما تهم وترتب عليهم المسؤولية في حال إنتهاكها، وهم ملزمون بها قانوناً سواء بارادتهم أو قسراً.
ثالثــــــاً :
القانون الدولي هو مجموعة قواعد قانونية تحكم أو تنظم العلاقات المتبادلة بين أشخاص القانون العام. إن هدف قواعد القانون الدولي العام هو تنظيم العلاقات المتبادلة بين الاشخاص الدوليين الذين يشكلون المجتمع الدولي. في الأصل كانت هذه القواعد تطبق على الدول في علاقاتها المتبادلة لأنها كانت وحدها أشخاص هذا القانون، غير أن تطبيقها توسع ليشمل أشخاصاً غير الدول نتيجة التطور الذي حصل على هيكلية المجتمع الدولي والذي بدء مع إنشاء عصبة الأمم في العام 1919 واستمر لما بعد إنشاء منظمة الامم المتحدة في العام 1945. فبرزت أشخاص دولية جديدة متمثلة بالمنظمات الدولية كعصبة الأمم وخليفتها منظمة الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، والمنظمات الاقليمية المختلفة. وإتسع نطاق تطبيق القانون الدولي ليشمل أيضاً الافراد ومجموعات الاقليات والشعوب والمنظمات الدولية غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات، فهذه الاشخاص قد إكتسبت الشخصية الدولية فيما يتعلق ببعض الحقوق التي أقرها لها القانون الدولي وببعض الواجبات التي فرضها عليها. وبذلك أصبحت قواعد القانون الدولي تحكم وتنظم العلاقات المتبادلة بين الدول والمنظمات الدولية وغيرها من الاشخاص الدوليين. وهذه العلاقات لا تنحصر بالعلاقات الدبلوماسية بل تشمل كل المجالات التي تهم المجتمع الدولي: السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والعلمية والتجارية والمالية والتكنلوجية والبيئية والتنموية والاتصال والمواصلات وكذلك حقوق الانسان. فموضوعات القانون الدولي حالياً تشمل بالاضافة الى الموضوعات التقليدية، المتعلقة بمفهوم الدولة وحقوقها وواجباتها ومسؤولياتها وعلاقاتها في السلم والحرب، المواضيع الجديدة المتعلقة بالمنظمات الدولية والاشخاص الدوليين الآخرين وبالشؤون التي تهم المجتمع الدولي في المجالات التي عددناها أعلاه.
خلاصـــــة
لقد رأينا من خلال التعاريف أن فكرة القانون الدولي العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بالمجتمع الدولي قد تطورت في وقتنا الحاضر. فلم يعد بالإمكان قبول المذهب التقليدي الذي اعتبر الدولة هي الشخص الوحيد للقانون الدولي أو قبول المذهب الموضوعي الذي قال بان الإفراد وحدهم أشخاص القانون الدولي, بل إن مجال القانون الدولي المعاصر قد اتسع حتى يشمل الدولة و المنظمات الدولية و الإقليمية و في بعض الحالات الأفراد و بذالك يمكن أن نعرف القانون الدولي العام بأنه " مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات فيما بين أشخاص القانون الدولي العام سواء كانت دولة أو منظمات أو أفراد " .
وبكلمة أخيرة، يمكن أن نعرف القانون الدولي بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم العلاقات المتبادلة بين أشخاص القانون العام.