أولا : تعريف النسب
أجاز المشرّع الجزائري إثبات النّسب بالإقرار وقد نصّ على ذلك في المادة 40 من تقنين الأسرة. لكن المصطلحات التي استعملها في المادة 44 أدّت إلى وجود غموض وخلط بين مفهومي الأبوة والبنوّة، بإضافة مفهوم الأمومة. والذي يؤكد هذا الخلط من حيث المعنى والشروط هو النص الفرنسي الذي جاء مغايرا تماما لما هو وارد في النص العربي.
النسب في اللغة يطلق على معاني عدة أهمها القرابة و الصلة ،فيقال إنتسب إلى فلان أي إدعى أنه نسيبه و قريبه ،و يقال أيضا هذا يناسب هذا بمعنى يقاربه من حيث الشبه.
أما من الناحية الاصطلاحية فلا يوجد تعريف جامع مانع للنسب ،و بالتالي يمكن تعريف النسب على أنه تلك الصلة التي تربط الإنسان بأصوله وفروعه و حواشيه ،ﺃﻤﺎ ﺒﺎلنسبة للمشرع الجزائري ﻓﻘﺩ ﺤﺩﺩ المقصود بقرابة النسب ﻓﻲ القانون ﺍلمدني ﺒﺄﻨﻬﺎ ﺍلصلة القائمة ﺒﻴﻥ ﺍﻷﺸﺨﺎﺹ ﺍلذين ﻴﺠﻤﻌﻬﻡ ﺃﺼل ﻤﺸﺘﺭﻙ ،ﺤﻴﺙ نصت ﺍلمادة 32 من القانون ﺍلمدني الجزائري ﻋﻠﻰ أنه « ﺘﺘﻜﻭﻥ ﺃﺴﺭﺓ لشخص ﻤﻥ ﺫﻭﻱ ﻗﺭﺒﺎﻩ، ﻭﻴﻌﺘﺒﺭ ﻤﻥ ﺫﻭﻱ ﺍلقربى ﻜل ﻤﻥ ﻴﺠﻤﻌﻬﻡ ﺃﺼل ﻭﺍﺤﺩ ».
أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب
تتمثل أهم الطرق العلمية لإثبات النسب في طريقة تحليل فصائل الدم و طريقة الحمض النووي.
1- طريقة تحليل فصائل الدم
يوجد في الدم العديد من الصفات الوراثية الموروثة من عند الأب و الأم ،بحيث يأخذ الطفل نصف الصفات من أبيه الحقيقي و النصف الآخر من أمه ،و ذلك عن طريق الحيوان المنوي للرجل و بويضة المرأة ،و من العلامات الوراثية الموجودة في دم الإنسان نجد فصائل الدم الرئيسية ،و تعتمد طريقة تحليل فصائل الدم على الأنظمة الرئيسية التالية ABO ,RH ,MN ,HLA
و تعد طريقة تحليل فصائل الدم أقدم طريقة علمية لإثبات النسب فقد ظهرت في بداية القرن 20 م،غير أن طريقة تحليل فصائل الدم دليل لا تشكل دليل إثبات قطعي للنسب ،فحسب أغلب الخبراء في هذا المجال نسبة إثبات النسب طبقا لهذه الطريقة لا تتجاوز 40 بالمائة ،و ذلك باعتبار أنه قد يشترك أشخاص كثيرون في فصيلة الدم الواحد مما قد يخلق تشابه و إشكالات عديدة .
2- طريقة البصمة الوراثية DNA
قد تم تعريف البصمة الوراثية على أنها البنية الجينية نسبة إلى الجينات أي الموروثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه ،و تم تعريفها أيضا على أنها العلامة التي تنتقل من الأصول إلى الفروع فهي المادة الحاملة للعوامل الوراثية ،و تم اكتشاف طريقة البصمة الوراثية سنة 1985 من قبل البروفيسور البريطاني أليك جيفري من جامعة ليستر.
ثانيا : موقف قانون الاسرة الجزائر من الطرق العلمية لإثبات النسب.
لم يكن يعترف قانون الأسرة الجزائري عند صدوره لأول مرة سنة 1984 بالطرق العلمية لإثبات النسب ،باعتبار أن الطرق العلمية في ذلك الوقت لم تكن متطورة جدا فقد رأينا أن طريقة تحليل فصائل الدم نتائجها غير مضمونة في مجال إثبات النسب ، أما طريقة البصمة الوراثية فقد ظهرت سنة 1985 أي بعد صدور قانون الأسرة الجزائري ،إضافة إلى ذلك كان هناك جدل فقهي بين علماء الدين حول شرعية استعمال الطرق العلمية في مجال إثبات النسب.
فالطرق العلمية لم تكن مقبولة من الناحية الشرعية لإثبات النسب ،غير أنه مع مرور الوقت أصبحت فكرة استعمال الطرق العلمية تحظى بقبول من طرف علماء الدين ، و بالأخص بعدما أكدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سنة 2001 أنه لا يوجد أي مانع شرعي لاستعمال البصمة الوراثية لإثبات النسب بحيث توصل ما يقارب 26 خبير تابع لهذه المنظمة إلى أن البصمة الوراثية تعد طريقة علمية عالية الدقة .
و المشرع الجزائري بدوره قرر مسايرة هذه التطورات العلمية و الفقهية في مجال إثبات النسب ،و في هذا المجال صدر سنة 2005 القانون 05 – 02 المؤرخ في 27 / 02 / 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة ،فقد أصبحت المادة 40 من قانون الأسرة تنص في فقرتها الثانية على ما يلي « ….يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب ».
فمنذ سنة 2005 أصبح بإمكان القاضي الجزائري استعمال الطرق العلمية من أجل إثبات النسب ،بحيث يمكن اللجوء إلى هذه الطرق في حالة مثلا تنازع اثنين في مجهول النسب ،أو عدول الأب عن استلحاق مجهول النسب أو إنكار أبنائه ،أو في حالة حدوث خلاف بين الإخوة حول نسب أحد منهم.
أو في حالة ادعاء امرأة بأمومتها لشخص ما دون تقديم دليل على ولادتها له ،غير أنه يتعين علينا أن نشير أن اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب لابد أن يكون في إطار وجود عقد زواج شرعي ،لأن الكثير من الناس في الجزائر يعتقدون أن استعمال الطرق العلمية لإثبات النسب لا يحتاج إلى وجود علاقة زوجية مثلما هو الحال في الدول الغربية ،في حين أن ذلك غير صحيح ،فقانون الأسرة الجزائري مستمد من أحكام التشريعية الإسلامية.
و وفقا لأحكام التشريعية تخضع مسألة إثبات النسب بصرف النظر عن الطريقة أي حتى لو كانت بموجب الطرق العلمية لضوابط شرعية أهمها وجود علاقة زوجية شرعية عملا بالقاعدة الشرعية التي تقول » الولد للفراش و للعاهر الحجر ».
بحيث أن الطفل الذي يولد نتيجة علاقة غير شرعية أي علاقة زنا لا يمكن المطالبة بإثبات نسبه للأب و إنما ينسب لأمه، هذا ما نصت عليه المادة 41 من قانون الأسرة التي نصت على أنه « ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة ».
و قد كرست المحكمة العليا هذا المبدأ الشرعي في قرارها الصادر بتاريخ 12 / 07 / 2012 جاء فيه « لكن حيث أنه قد ثبت من الحكم المستأنف و من القرار المطعون فيه ،و من اعتراف الطاعنة الوارد بالحكم و القرار المذكورين ،أن العلاقة التي كانت تربطها بالمطعون ضده هي مجرد علاقة عاطفية ……. و من ثم فإن قضاة المجلس بقضائهم بالمصادقة على الحكم المستأنف القاضي برفض دعواها استنادا إلى عدم وجود أية علاقة زوجية بينهم …. ( ملف رقم 996 – 12 ).