مذكرة نزع الملكية بين الشرعية و المشروعية و حقوق الغير
مقدمة
الفصل الأول المشروعية الدّولية والداخلية لحق نزع ملكية الأجانب
المبحث الأول مدى مشروعية حق نزع ملكية الأجانب
المطلب الأول مبررات رفض حق نزع ملكية الأجانب
المطلب الثاني التأييد الدولي لحق نزع ملكية الأجانب
المبحث الثاني : تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب.
المطلب الأول : تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب النصوص الدستورية
المطلب الثاني : تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب نصوص التشريعات العادية.
المطلب الثالث : تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب نصوص القانون
الفصل الثاني : قيود ممارسة حق نزع ملكية الأجانب في القانون الدّولي و التشريع الجزائري.
المبحث الأول : قيد عدم مخالفة إلتزام تعاقدي سابق و عدم التفرقة
المطلب الأول : قيد عدم مخالفة إلتزام تعاقدي سابق.
المطلب الثاني: قيد عدم التفرقة
المبحث الثاني : قيد وجود غرض تحقيق منفعة عامة و الإلتزام بأداء التعويض
المطلب الأول : قيد وجود غرض تحقيق منفعة عامة
المطلب الثاني : قيد الإلتزام بأداء التعويض.
خاتمة.
مقدمة
يحتل حق الملكية الخاصة أولى المراتب في سلم انشغالات أولى المجتمعات، فقد كانت القواعد المنظّمة لحقّ الملكيّة الخاصّة المحور الرّئيسيّ لتشريعات كلّ الدّول. ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى طبيعة الحقّ ذاته.
فهو الحقّ الّذي يستمد وجوده من القانون الطّبيعيّ باعتباره إحدى حقوق الإنسان مثلما عبّرت عن ذلك المادة 17 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بنصّها على: « حق كل شخص في التّملّك بمفرده، أو بالمشاركة مع الآخرين».
مع أنّه لا يجب أن يذهب بنا مثل هذا الموقف إلى الاعتقاد بطلاقة هذا الحق، فالاعتراف بقداسة حقّ الملكيّة لم يحل أبدا دون الاعتراف للدّولة بحقّ الاستيلاء على الملكيّة الخاصّة متى اقتضت ذلك دواعي المصلحة العليا للبلاد مقابل تعويض عادل، ومنصف تدفعه لمالك الأموال المستولي عليها، على اعتبار حقّ الدّولة في هذا المقام صورة من صور ممارسة الدّولة لسيادتها على إقليمها.
ولاسيما بعد التّغير والتّطور الذي أصاب مصدر حقّ الملكيّة الخاصّة ذاته.
فبعدما كان مصدره الحقّ الطّبيعي، إذ بالمشرع المكسيكي في عام 1917 بمناسبة صدور الدّستور المكسيكيّ في 31 جانفي من تلك السّنة يضع مبدأ دستوريّا بموجب المادة 27 منه مفاده أنّ :
« ملكيّة الأرض، والمياه داخل حدود الأراضي الوطنيّة هي أصلا ملك الشّعب الّذي كان ولازال له حق نقلها إلى الأفراد منشئا بذلك الملكيّة الخاصّة ».
إنّ مصدر حقّ الملكيّة الخاصّة على هذا النّحو هو الشّعب الذي له بالتّبعيّة سلطة لا معقب عليها في تقييد، وتنظيم هذا الحقّ على النّحو الذي يتماشى وأهدافه، وتطلّعاته.
وقد كان من نتائج التّطوّر الّذي أصاب مصدر حقّ الملكيّة، ورسوخ فكرة حقّ الدّولة في نزع الملكيّة، أن أقدمت العديد من الدّول بما فيها تلك المعتنقة للأفكار الرّأسماليّة القائمة على تقديس الملكيّة الفرديّة خلال، أو في أعقاب، الحرب العالميّة الأولى على تحويل بعض الملكيّات الخاصّة إلى ملكيّات عامّة على أكثر من صورة الاستيلاء، نزع الملكيّة من أجل المنفعة العامّة، التّأميم، المصادرة ، وفقا للمفهوم الواسع لمصطلح نزع الملكيّة المقصود بالمصطلح نفسه الوارد بعنوان هذا البحث.
وإذا كانت مسألة نزع ملكيّة الوطنيّين بالمفهوم الواسع للمصطلح لم تثرِ أيّ إشكال على المستوى الدّولي لارتباطها ارتباطا وثيقا بالقانون الدّاخلي لكلّ دولة، تطبيقا لمبدأ حريّة الدّولة في معاملة رعاياها، مما قلّل من أهميّة دراستها، فإنّ مسألة نزع ملكيّة الأجانب لم تكن أبدا بهذه البساطة. فهي المسألة التي غذّت النّقاش لوقت طويل لاصطدامها بمبدأ الحدّ الأدنى من الحماية المعترف به دوليّا للمال الأجنبيّ، وهو ما يبرّر أهميّة التّعرّض لها بالدّراسة، خاصّة وأنّنا نعيش عصر العولمة، حيث أصبحت الاستثمارات الأجنبيّة المحرّك الأساسي لعجلة التّنمية في العديد من الدّول، ولاسيما السّائرة في طريق النّمو منها، والتي من بينها الجزائر.
بناءً على كلّ ما سبق، ثار تساؤل حول مدى تحقّق مبدأ مشروعيّة حقّ الدّولة في الاستيلاء على حقوق الغير في كلّ من القانون الدّولي، والتّشريع الجزائري.
وعلى افتراض تحقّق المبدأ المذكور، ما هي الضّمانات المقرّرة بالمقابل في كلّ من القانون الدّوليّ، والتّشريع الجزائريّ للأجنبيّ المستولى على ملكيّته ؟
ولذلك فإنّ دراستنا للموضوع ستتركّز على البحث في مدى مشروعيّة وشرعية حقّ الدّولة في الاستيلاء على أملاك الأجانب من منظور القانون الدّوليّ، والتّشريع الجزائريّ على النّحو الذي يستطيع من خلاله القارئ الكشف عن الجهود المبذولة للتّوفيق بين كلّ من حقّ الدّولة في ممارسة إحدى مظاهر سيادتها على إقليمها من جهة، وحقوق الأجانب المقصودين بعبارة الغير التي تضمّنها عنوان بحثنا من جهة أخرى.
خاتمة
يحتلّ موضوع نزع ملكيّة المال الأجنبي مكانًا متميّزًا بين المواضيع الّتي اهتمّ القانون الدولي بتنظيمها، فهو الموضوع الذي حضي بالاهتمام على نطاق واسع مثلما أثبتت ذلك مختلف مصادر القانون الدّولي على أكثر من صورة، وفي أكثر من مناسبة.
و لختم هذا البحث لابدّ من ذكر النّتائج المتوصّل إليها بعد تحليل اشكاليّته من منظوري القانون الدّوليّ و التّشريع الجزائري.
ففيما يخصّ النّتائج المتوصّل إليها بعد تحليل إشكالية البحث من منظور القانون الدّوليّ، نسجّل مايلي :
إذا كان النّقاش الحادّ الّذي ثار حول مشروعيّة حقّ الدّولة في نزع الملكيّة عامّة، ونزع ملكيّة الأجانب خاصّة، قد انتهى بالاعتراف للدّولة بممارسة هذا الحقّ، فإنّ ذلك لا يكون إلاّ دليلا على اقتناع، و إيمان الرّأي العامّ الدّولي بكون ممارسة هذا الحقّ صورة من صور ممارسة الدّولة لسيادتها، وإن كان ذلك في صورة توفيقيّة بين حقّ الدّولة في نزع الملكيّة من جهة، وحقوق الغير من جهة أخرى.
إذا كانت ممارسة الحقّ المذكور من طرف البلدان الحديثة الاستقلال قد اعترضته العديد من العقبات، فإنّ تفسير المسألة لا يجد له مبرّرًا سوى في طبيعة قواعد و مبادئ القانون الدّولي المنظّمة لممارسة هذا الحقّ في تلك الفترة. فما لاشكّ فيه، أنّ تلك القواعد الأوروبيّة في أصلها انفردت بصياغتها البلدان المتقدّمة في فترة تاريخيّة سابقة لاستقلال البلدان النّامية ، وهي واضعة نصب أعينها هدفين هما، الحفاظ الدّائم على مصالحها من جهة، والحيلولة دون تمكّن البلدان النّامية من تغيير الأوضاع القائمة عن طريق الممارسة الفعليّة للحقّ في نزع الملكيّة المعترف به دوليّا، من جهة أخرى، وهو ما جعل بالتّالي حقوق الغير محاطة بسياج الحماية في أقصى درجاتها.
يدلّ التّطور الذي لحق قواعد القانون الدولي التّقليديّ، المنظّمة لحقّ الدّولة في نزع ملكيّة الأجانب والذي يسير نحو تكريس حق الدولة في نزع الملكية وبالمقابل نحو هجر حقوق الأجانب مثلما عبّرت عن ذلك قرارات الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة على نجاح البلدان النّامية في تحقيق الغرض المقصود من حركة المطالبة التي قادتها في سبيل إعطاء حقّ السّيادة الدّائمة على الثّروات الطّبيعيّة أبعاده القصوى، بعدما أقنعت البلدان المتقدّمة بحقّها في التّنمية.
و هو ما يفيد بالتالي، ميلاد قواعد قانونيّة دوليّة جديدة منظمة لحقّ الدّولة في نزع ملكيّة الأجانب.
يدلّ تكريس قواعد القانون الدّولي التّقليدي المنظّمة لحقّ الدّولة في نزع ملكيّة الأجانب، بموجب مختلف الاتّفاقيّات الدولية المبرمة بين البلدان المتقدّمة، والبلدان السّائرة في طريق النّمو في مجال حماية و تشجيع الاستثمار في إطار ما يعرف برفع الحدّ الأدنى من الحماية المعترف به للأجانب على وجود مصالح مشتركة بين الدّول المذكورة.
ففي حين نجد البلدان المتقدّمة صاحبة رؤوس أموال معتبرة، بحاجة إلى أسواق تستثمر فيها، وهو ما يوفّره المناخ الاستثماريّ في البلدان السّائرة في طريق النّمو، نجد هذه الأخيرة بحاجة لتلك الرّساميل لاعتبارها مصدر تنميتها الاقتصاديّة.
أمّا فيما يخصّ النّتائج المتوصّل إليها بعد تحليل إشكاليّة الموضوع من منظور التّشريع الجزائريّ فنسجّل مايلي :
إذا كانت مواقف الحكومة الجزائرية ومختلف نصوص قوانينها الداخلية المنظّمة لإجراءات نزع الملكيّة على مختلف صورها، والصادرة في الفترة التي أعقبت مباشرة تاريخ استرجاع الحكومة الجزائرية لسيادتها، قد اتجهت نحو تأكيد حق الدّولة في نزع الملكيّة و بالمقابل هجر حقوق الغير، فإنّ تفسير هذا الموقف، لا يجد له مبررًا حسب اعتقادنا سوى في انتهاج الحكومة الجزائرية في تلك الفترة للنهج الاشتراكي كسبيل لتحقيق تنميتها الاقتصادية، إلى جانب اقتناعها بكون إجراءات نزع الملكيّة الوسيلة المثلى لممارسة حق السيادة الدائمة على الثروات الطبيعية المعلن عنه من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي طالما ناضلت من أجله، إلى جانب مثيلاتها من الدّول الحديثة الاستقلال.
إذا كانت نصوص المنظومة القانونية الجزائرية المنظّمة لإجراءات نزع الملكيّة وعلى وجه الخصوص الاتفاقيّة منها، الصّادرة منذ أواخر الثمانينات إلى يومنا هذا، قد اتّجهت نحو تكريس حقوق الغير وبالمقابل هجر التّكريس الفضّ لحق الدولة في نزع الملكية، على نحو ظهرت فيه النصوص المقصودة أعلاه، بمظهر الحامي الخصوصي للاستثمارات الأجنبية، فإنّ ذلك لا يكون إلا دليلا على اقتناع الحكومة الجزائرية بفشل سياسة نزع الملكية الأجنبية في تحقيق تنميتها الاقتصادية من جهة، ورغبتها في توفير الجوّ الملائم لاستقطاب الرّساميل الأجنبية من جهة أخرى، إضافة إلى ظاهرة العولمة و زوال القطبيّة الّتي كانت الحاجز المانع سابقا من المساس بسيادة الدّول الاقتصاديّة.
وبهذه الصّورة، نكون قد استعرضنا مراحل التّطور الذي مرّ به مبدأ حق الدّولة في نزع الملكيّة ومبدأ حقوق الغير في كل من القانون الدّولي والتّشريع الجزائري.