مذكرة نزع الملكية للمنفعة العامة في الجزائر
المبادئ العامة لنزع الملكية
الأسباب الشرعية لنزع الملكية
سلطات نزع الملكية للمنفعة العامة
الجهات الإدارية التي لها الحق في نزع الملكية للمنفعة العامة
إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
التصريح بالمنفعة العامة
منازعات قرار التصريح بالمنفعة العمومية.
تقدير قيمة الممتلكات والحقوق العقارية المطلوب نزعها
إجراءات نقل الملكية
الآثار المترتبة على قرار نزع الملكية
الإجراءات غير العادية لنزع الملكية
الإجراءات السرية المتعلقة بالدفاع الوطني
المنازعات المتعلقة بالتعويض.
من إعداد الطالـب القاضي
عــباس إسـماعيـل
مقدمة :
إن حق الملكية مقدس ومكرس دستوريا حيث تستند الحياة المدنية على القوانين المتعلقة بالثروة وتبادلها وتحتل الملكية المرتبة الأولى في سلم اهتمام المجتمع، ويمكن القول بأن نظام الملكية كنظام الأسرة من حيث الضرورة والحيوية لذلك تعتبر قواعد الملكية في جميع القوانين ذات أهمية كبرى.
وقد كانت الملكية العقارية عبر العصور أهم مصدر للصراع ومرت من مرحلة الحق المطلق إلى مرحلة الوظيفة الاجتماعية، وهي تتجه نحو أن تكون واجبا على الشخص، أي إن حق الملكية يتجه إلى إلزام المالك بصفته مالكا بأداء خدمات المجتمع ولا يحمي حقه إلا بقدر ما يؤدي من خدمات.
ظهرت فكرة المصلحة العامة أو النفع العام لتكريس المفهوم الجديد كاستثناء يمنح حق التملك للإدارة، ولذلك ظهر ما كان يسمى بحقوق الارتفاق الإدارية، وهي ليست ذات حقوق الإرتفاق المدنية لعدم وجود عقار مرتفق تملكه الإدارة بل هي مجرد تكاليف لأغراض المنفعة العامة.
ثم تطورت حقوق الارتفاق الإدارية بتطور الدولة ووصلت إلى فرض القيود القانونية على الملكية، حيث وصلت هذه القيود إلى الاستيلاء المؤقت على العقارات ونسى ملكيتها، واستقر ذلك في الفقه والقضاء على أنه من امتيازات السلطة العامة.
وأصبحت الدساتير تقر بحق الدولة في نزع الملكية للمنفعة العامة وتنظم نزعها عن طريق القوانين التي تصدرها.
ومع تطور حقوق الإنسان أصبحت المنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية توصي بعدم تعدي الدولة على ملكية الأفراد إلا في إطار قانوني ولغرض المنفعة العامة ومقابل تعويض عادل ومنصف .
فقد نصت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي :
1- لكل فرد الحق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.
2- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا.
وتعتبر الجزائر من الدول التي سايرت هذا التطور، فبعد أن كان القانون المدني الجزائري في المادة 677 ينص على حق المنزوع ملكيته في تعويض منصف وعادل خطى خطوة أخرى إلى الأمام حيث نص في الدستور القديم 1976 والجديد 1996 علة أن يكون التعويض العادل والمنصف قبليا أو مسبقا بنص المادة 20 من دستور 1996 كما نص في المادة 52 منه على أنه ( الملكية الخاصة مضمونة ).
وعليه يعتبر نزع الملكية من المواضيع الهامة في القانون الإداري، وترجع أهميته إلى اعتبارين أساسيين أحدهما قانوني والآخر واقعي .
فالاعتبار القانوني : يكمن في نزع الملكية يصطدم بقاعدة عامة مستقرة رددتها معظم الدساتير، حيث أن الدستور الجزائري منذ الاستقلال إلى غاية الدستور الأخير 1996 الذي ينص ويؤكد أن الملكية الخاصة محمية قانونا وعلى ذلك فإن المساس بها عن طريق نزعها يعد استثناء تمارسه الإدارة وتتقيد في ممارستها له بما تتقيد به عند ممارسة السلطات الاستثنائية من البحث في سلطة الإدارة التقديرية وما قد ينشأ من انحراف لهذه السلطة.
أما الاعتبار الواقعي، يتمثل في أن نزع الملكية يعد سببا جديا في إثارة مخاوف ملاك العقارات في مفاجأتهم بالاستلاء على عقاراتهم رغما عنهم، وقد لا يعنيهم في هذه الحالة أثناء ضياع أملاكهم أن يكون النزع للمصلحة العامة، كذلك إذا ما تم ننزع عقاراتهم فعلا يشككون في عدالة التعويض وهذا هو الشيء الخاص في الاعتبار الواقعي، غير أن هناك شقا هاما لهذا الاعتبار لا يجوز إغفاله أو التقليل من شأنه وهو أن نزع الملكية يمكن أن يكون وسيلة للتقدم والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي فيما لو أحسنت الإدارة استخدامه.
وهكذا يتبين أهمية هذا الموضوع وخطورته وكيف انه يتعلق بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة على السواء.
ان الباحث الذي يتصدى لدراسة هذا الموضوع يجد نفسه أمام تساؤلات كثيرة يتعلق بعضها بالملكية ذاتها والأسباب الشرعية لنزع الملكية وما موضوع نزع الملكية ؟ وإن كان من المسلم به جواز نزع الملكية فما هي الشروط اللازم توافرها لإمكان ذلك ؟ وأية سلطة يناط بها القيام بهذا النزع ؟ وما هي الإجراءات التي يتعين إتباعها لإجراء نزع الملكية ؟
انطلاقا من ذلك فإن دراسة هذا الموضوع تهدف إلى محاولة التعريف بحقوق و التزامات أطراف معادلة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة للإدارة و الأفراد ، وذلك بتسليط الضوء على العلاقة القانونية القائمة في هذا الإطار و السلطات القانونية الممنوحة للإدارة للمساس بحق الملكية الخاصة لهدف تحقيق المنفعة العامة و الضمانات القانونية التي يتمتع بها الملاك و التي تفتضيها الحماية القانونية المعلنة في أكثر من نص للملكية الخاصة.
إن دراستي للموضوع تكون على ضوء القانون رقم 91-11 باعتباره القانون الساري المفعول مع الرجوع إلى القانون الفرنسي قبل الاستقلال و بعده حيث كان يطبق على نزع الملكية بعد الاستقلال ، و نظرا للامتداد التشريعي المنصوص عليه في الامر 62-57 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 و القاضي بامتداد التشريع الفرنسي وسيرانه في الجزائر.
باستثناء ما يمس بالسيادة الوطنية ، فان الأمر المؤرخ في 23 اكتوبر1958 المتضمن نزع الملكية مطبقا في الجزائر، حيث كان إجراء نزع الملكية في ظل هذا الأمر يمر بمرحلتين : مرحلة إدارية و أخرى قضائية ،فالقاضي هو الذي يصدر أمر نزع الملكية.
ثم المرحلة الثانية وهي تطبيق القانون الجزائري ذو الطابع الاشتراكي و الأمر رقم 76-48 المؤرخ في 25 ماي 1976، الذي أعطى للإدارة السلطة المطلقة في النزع و التعويض.
المرحلة الثالثة وهي ما بعد صدور القانون الجديد رقم 91-11 الصادر في 24 أبريل 1991 ، الذي أعاد ربط نزع الملكية بفكرة المنفعة العامة التقليدية وقد نص في المادة الاولى على إن نزع الملكية يتم بعد التعويض القبلي العادل و المنصف وبذالك يكون قد تجاوز المادة 677 من القانون المدني التي لم تكن تشترط أن يكون التعويض قبليا أو مسبقا وقد أكد هذا التوجه الدستور الأخير لسنة 1996 في المادة 20 منه و التي تنص على أن نزع الملكية لا يتم إلا في إطار القانون ويترتب عليه تعويض قبلي عادل ومنصف.
فالمشرع الجزائري في هذه المرحلة قد أعاد ربط نزع الملكية للعمليات ذات المنفعة العمومية وهي التعمير والتهيئة العمرانية وإنشاء التجهيزات الجماعية والمنشآت.
وعليه سأتطرق للموضوع في فصلين فصل أتناول فيه المبادئ العامة لنزع الملكية والفصل الثاني أتناول فيه إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية في إطار قانون 91-11.
خاتمة :
بعد دراستي للجوانب المختلفة المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة في الجزائر في ظل قانون 91-11 المؤرخ في 27/04/1991 وإدراكا مني بأن وجود قانون كامل ومثالي مسألة يصعب استدراكها كما يقول بعض الفقهاء، فإن قانون نزع الملكية لا يمكن أن يكون إلا عملا معقدا كنتيجة حتمية لخضوعه لتطور بطيء، ككل الانجازات البشرية- لأنه خاضع لكثير من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...الخ.
ومع ذلك فإن أي إصلاح لنظام نزع الملكية لابد أن يمر عبر تحسين القانون الذي ينظم هذا الأمر، وإذا كان لابد من استخلاص نتائج من هذا البحث فلا يمكن ذلك إلا بوضع اليد على الفراغ القانوني الذي تركه المشرع الجزائري في قانون 91-11 لأنه جاء أقل دقة وتفصيلا من الأمر 76-48 المؤرخ في 25- 05 -1976 والذي كان طابعه اشتراكيا.
وبالفعل فإن القانون الجديد أهمل تمام محاور أساسية في نزع الملكية أهمها :
1- لم يأت بآلية أحكام تتعلق بنزع الملكية في الحالات الاستعجالية وفي حالات الأشغال التي تتعلق بالدفاع الوطني.
2- لم يأت بآلية أحكام مفصلة لحق المالك في استرجاع ملكيته بعد نزعها، ولا في حقه بطلب نزع الملكية الباقية التي أصبحت قيمتها اقل مما كانت عليه بالعقار المنزوع.
3- لم يعط هذا القانون دورا للقضاء في نزع الملكية حيث قلل من دور القاضي وقلص من فعالية تدخله، لأن التنظيم القانوني لإجراءات نزع الملكية تعوزه الشكلية اللازمة والكفيلة وحدها بصيانة دور القاضي في رقابة المشروعية، طالما أن هذه الرقابة هي رقابة خارجية تنصب على مدى التزام الإدارة بإجراءات وشكليات محددة في القانون من قبل، كما أنه خول للإدارة نقل الملكية لنفسها بنفسها.
وبالتالي فلا يوجد ضمان أنجع لحقوق الأفراد لمنزوعة ملكيتهم أكثر من النص عليها مباشرة في القانون أي ينظم نزع الملكية، لأنه في مثل هذه الحالة يكون للمنزوعة ملكيته سندا قانونيا يعتمد عليه في طلب الحقوق التي سبق وان اقرها القانون مباشرة.
أما الشيء المهم والمحسوس في هذا القانون هو عدم إمكانية نزع الملكية إلا بعد التعويض المسبق، وهذا يهدف إلى الحد من التصرفات الغير شرعية للإدارة.
مع ذلك وتماشيا مع التوجهات الاقتصادية والسياسية فإن الإصلاح المقترح لابد أن يعيد وضع مؤسسة نزع الملكية في محيطها الأصلي (الليبرالي) والكفيل بتخليصها من شوائب الوضع القديم وبصفة نهائية، عن طريق إيجاد التوازن الضروري واللازم بين صلاحيات السلطة العامة للمساس بحق الملكية استنادا إلى احترام المبادئ العامة المقررة في القوانين السارية المفعول وبين الحقوق المشروعة للمنزوعة ملكيتهم وكل الذين يتحملون الآثار السلبية للعملية، وبالتالي فهذا الإصلاح لابد أن يؤدي إلى :
أولا : تجسيد الحقوق الأساسية للمنزوعة ملكيتهم على مستوى أحكام التشريع المنظم لنزع الملكية ويكون ذلك :
بالسهر على تحقيق مبدأ التعويض العادل والمنصف ولكي يكون متماشيا مع تحقيق هذا المبدأ يجب إسناد مهمة تحديده (التعويض) إلى جهة محايدة تتمتع بسلطة سيادة التقرير.
بالسهر على دفع التعويض والذي يكون محددا من طرف القاضي بصفة فعلية للمنزوعة ملكيته، وليس وضعه كما هو ممارس في ظل قانون 91-11 عن طريق الإيداع بشكل آلي، والمحدد من طرف الإدارة وحدها لدى خزينة الولاية، والذي قد لا يساوي القيمة الحقيقية للعقار المنزوع في السوق، ناهيك عن عدم وجود نصوص في القانون الحالي لنزع الملكية تعطي للمنزوعة ملكيته المشاركة في تعيين مبلغ التعويض فهذا يشكل نوعا من الاعتداء على الملكية الفردية، ولا يتوافق مع ما هو موجود في القانون الذي ينص على مبدأ التعويض العادل والمنصف.
ثانيا : التخفيف من دور الإدارة عن طريق الحد من سلطتها التقديرية في نزع الملكية انطلاقا من البحث عن المنفعة العامة التي تبرر كل تدخلاتها، والذي يتنافى مع ما تحضي به الملكية الخاصة من حصانة بنصوص دستورية، فحبذا لو اسند نقل الملكية إلى جهة إدارية محايدة لم تشرف على سير الإجراءات الإدارية لنزع الملكية.
ثالثا : إعطاء فعالية أكثر لدور القاضي الذي هو بعيدا عن كل الإجراءات الإدارية لنزع الملكية التي هي من اختصاص الإدارة، وما على المنزوعة ملكيته إذا وصل إلى قناعة أن الإدارة تعسفت في حقه إلا أن يتجه إلى القضاء للفصل في تقدير التعويض.
انطلاقا من كل هذه الاستنتاجات والملاحظات والاقتراحات اتمنى أن اكون قد وفقت في إعطاء هذا الموضوع بعضا من حقه، ولذا فإن كل ما اصبوا إليه هو إصلاح يوفق بين مبادئ العدالة التي ترتكز عليها عملية نزع الملكية المتمثلة في صيانة الحقوق المشروعة للأفراد وبين ما يهدف إليه التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدولة.