مـــقدمة :
يقول الله عز وجل: " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم " سورة النور, الآية رقم: 32.
تعرض المشرع الجزائري إلى الأنكحة الفاسدة والباطلة في الفصل الثالث من المادة رقم: 32 إلى المادة رقم: 35 التي مسها التعديل.
مع ملاحظة أن القانون رقم: 11/84 في مواده رقم: 32, 33, 34 تعرض للفساد والبطلان, دون أن يحدد لها معنى خاص في مسمى العقود وكان أولى أن يحدد حالات البطلان التي يفسخ فيها العقد سواء تم الدخول أو لم يتم, كردة الزوجين والزواج بالمحارم والرضاع, فهذا مما يفسخ العقد مطلقا, أما المادة رقم: 35 من القانون رقم: 84/11 فقد إعتبر الشرط الذي يتنافى ومقتضيات العقد باطلا, والعقد صحيح وبالتالي فمن النكاح الفاسد حسب النصوص.
المطلب الأول : كثرة الفتن تؤدي إلى التحايل على الشرع.
إن الله عز وجل خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها, وجعل بيننا وبينهن مودة ورحمة, جُعل هذا النكاح وهذا العقد عقدا مقدسا في الشريعة له شروطه, وله واجباته وأركانه, ومع كثرة الشهوات في هذا الزمن وكثرة المغريات والفتن, وعمّ الشر ولم يغض الكثير من الرجال أبصارهم, فعمت المغريات التي فيها إثارة الفتن, فوقع الكثير منهم في المحرمات والكبائر والزنا, وإنتهاك حرمات الله وحدوده, فويل لهم من عذاب يوم أليم, ومن الناس من ركب الصعب والذوال لأجل الحصول على عقد بأي طريقة كانت, ليتوصل به إلى وطء المرأة, فدخل بعضهم في بعض الأنكحة المحرمة, وركب بعضهم طريق بني إسرائيل في التحايل على شريعة الله تعالى, وبعضهم يذهب إلى أماكن معينة فيها بنات وكاتب أنكحة وشهود, يتزوج ثم يطلق, وبعضهم يقول: وهبت نفسها لي فتزوجتها بموافقتها بلا ولي ولا شهود ولا مهر.
ثم أطلوا علينا بزواج سموه بزواج المسيار, قالوا فيه: إن الرجل يتزوج المرأة فيقيم عندها أو عند أهلها, ويشترط عليها ألا مبيت ولا نفقة , أو أنه يأتيها بالنهار دون الليل ونحو ذلك, فما هو حكم هذا النكاح؟ وما حكم الزواج بنيّة الطلاق, الذي يفعله بعضهم إذ ذهب إلى بلاد الغربة, أو إذا سافر سفرا؟ وما حكم إخفاء النكاح, لأنه لا يريد مشكلة مع الزوجة الأولى, فهو يُسرُّ به؟ (3).
------------------------
(1)- الكاساني, المرجع السابق, ص03/220.
(2)- لأبي محمد عبد الله بن أحمد بم قدامة المتوفى سنة 620هـ, المغني, مطابع سجل العرب, المطبعة الأولى 1389هـ, بتحقيق عبد الوهاب فايد وعبد القادر أحمد عطاء, 07/115.
(3)- http// www.islam-christianity
المطلب الثاني : قضية الشرط في الزواج
لا بد قبل التعرف إلى حكم زواج المسيار أن نطلع على قضية الشرط في الزواج ما هو؟ وما أنواعه؟ ما هو الملزم منه من غير الملزم؟ ما هو الذي يفسد العقد والذي لا يفسد العقد؟ وما هو الشرط المباح الصحيح؟ وما هو شرط المحرم؟ وما حكم هذه الشروط؟.
الفرع الأول : تعريف الشرط لغة وأنواعه.
الشرط لغة هو: الإلزام والإلتزام, وينقسم الشرط إلى قسمين :
شرط شرعي : وهي تلك الشروط التي إشترطها الشارع في العقود والتصرفات, والعبادات وإقامة الحدود كإشتراط الولي في النكاح.
أما الشرط الجعلي : فهو شرط لم يرد في الشريعة, ولكن يشترطه المكلف بإرادته, كما يشترط الواقف شروطا معينة للوقف, أن يكون الوقف مثلا على طلبة العلم الفقراء, وهي مقيّدة بقيود شرعية معينة, فليس للشخص أن يشترط أي شرط يريده, بل لا بد أن يكون الشرط غير مناف للشريعة لقوله تعالى: " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " سورة البقرة الآية رقم: 177, وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أحق الشروط أن توفوا بها ما إستحللتم به الفروج ", رواه البخاري.
وبالتالي فموضوع النكاح له ما يتعلق به من الشروط, ومعلوم أنها إذا كانت شروطا شرعية أو جعلية, لا تتعارض مع الشريعة , فإن الشريعة تقرها, عن عقبة بن عامر رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وأحق الشروط أن توفوا به ما إستحللتم به الفروج ", رواه البخاري, لأن هذه الشروط وقعت في مقابل إستحلال فرج كان محرما, فإستحل ذلك الفرج بهذا الشرط, فإذا كان الشرط شرعيا لا يخرج عن نطاق الشريعة, فهو من أحق الشروط بالوفاء, وقد يرد الشرط صريحا في العقد منصوصا عليه, فيجب إعتباره والعمل به, كأن تشترط المرأة في عقد النكاح مثلا: ألا يخرجها من بلدها.
الفرع الثاني : الشروط العرفية.
لا يكون الشرط مذكورا في العقد, لكنه مما تضمّنه العقد أو دلّ عليه العرف, والأعراف تختلف من منطقة إلى أخرى.
والأعراف التي يُعمل بها والتي ينطبق عليها قول العلماء: " المعروف عرفا كالمشروط شرطا ", هي الأعراف الموافقة للشريعة, أما إذا خالف العرف الشرع, فلا يلتفت إليه, ولا يعمل به, وكانوا في الجاهلية متعارفين على نكاح الشغار, والمتعة والإستبضاع....أمور سارية ومنتشرة متعارف عليها بينهم, لكنها تخالف الشريعة(1).
المطلب الثالث : أقسام الشروط في النكاح.
الشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: صحيح وفاسد.
الفرع الأول: الشرط الصحيح في النكاح.
الصحيح نوعان :
النوع الأول : شرط يقتضيه العقد, كتسليم المرأة إلى الزوج وتمكينه من الإستمتاع بها.
والنوع الثاني : شرط نفع معين في العقد, لا يلزم إلا إشتراطه, كأن تشترط المرأة ألا يتزوج عليها, أو أن تكمل دراستها ونحو ذلك, فهذه الشروط لا تشترط مع الشريعة الإسلامية, فهي شروط مباحة لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " (2).
--------------------
(1)- http// www.islam-christianity
(2)- سورة المائدة, الآية رقم: 01.
فلا بد على الزوج أن يوفي بوعده حسب ما جاء في العقد.
الفرع الثاني : الشرط الفاسد في النكاح.
في هذه القضية سنتحدث عن مسألة توصلنا إلى حكم زواج المسيار, وغير المسيار وهذا من خلال فقه قضية الشروط.
الفاسد نوعان :
النوع الأول : ما يفسد بنفسه مع بقاء العقد على صحته, فالعقد صحيح, وهو باق والشرط فاسد لاغ مثل أن يشترط عليها ألا مهر لها أو أن يرجع عليها بالمهر بعد ذلك, فيأخذه منها, أو يشترط عليها أنه لا نفقة لها, أو أن نفقته عليها أو ألا يطأها, فهذه الشروط ذكر عدد من أهل العلم, أنها شروط فاسدة, لكنها لا تفسد العقد, فالعقد صحيح, ولكن الشرط فاسد للزوجة أن تطالب بحقها.
النوع الثاني : من الشروط الفاسدة ما يفسد النكاح من أصله, مع فساده في ذاته, فهو فاسد مفسدا لا يصح معه النكاح, مثل نكاح المتعة, فإذا قال: زوجتك بنتي شهرا أو أسبوعا أو ساعة, فهذا الشرط فاسد مفسد للعقد, والعقد باطل من أساسه, والمعاشرة زنا حرام, أو نكاح الشغار, أو نكاح التحليل, هذه شروط فاسدة مثل أن يقول: أزوجكها على أن تطلقها لتحل لزوجها الأول, ونحو ذلك, هذه الشروط فاسدة مفسدة للعقد.
وإنطلاقا من هذه الفكرة يمكن أن نتعرض إلى حكم المسيار ودليله(1).
المطلب الرابع : حكم نكاح المسيار.
من خلال عرضنا إلى جملة من أمثلة عن نكاح المسيار, مع دليله من الكتاب والسنة, سيتبيّن لنا حكمه.
الفرع الأول : من الكـتاب.
قال تعالى: " أوتوا النساء صدُقاتهن نحلة " سورة النساء, الآية رقم: 04.
فإذا إشترط الرجل على إمرأته ألا مهر لها, فإن العقد صحيح والشرط باطل, لأن المهر من حقوق المرأة التي يستحقها, فلا يسقط بنفيه لهذا المهر, أما إذا طالبته بعد ذلك بمهرها, وجب عليه أن يعطيها المهر, وإذا سكتت, أو تنازلت له عنه, فإن العقد صحيح, وهي على ما أرادت وعلى ما تنازلت, إضافة إلى ذلك إشتراط الزوج عند العقد على إمرأته ألا ينفق عليها, فكل هذا داخل في زواج المسيار.
وكذلك فإن من الشروط الفاسدة, نفي التوارث بينهما, كأن يقول لها: أشترط عليك ألا ترثي شيئا بعد وفاتي, فهذا الشرط فاسد باطل, لا يجوز العمل به, قال تعالى: " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد " سورة النساء, الآية رقم: 12.
فالإرث أثر من آثار النكاح ولا بد من إعطائه لصاحبه, والتنازل عنه قبل العقد تنازل عن لا شيء, لأنها لم تستحق الإرث ولا هو إستحقته حتى يتنازل, فإن إنعقد العقد فالعقد صحيح والشرط باطل, وترث منه رغما عن كل أوليائه, ويرث منها رغما عن كل ورثتها(2).
الفرع الثاني: من السنة.
قال قتادة: " فريضة من الله واجبة "
وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة, أن تأخذ من مال زوجها من غير علمه, بما يكفيها بالمعروف, ثم إن المرأة قبل العقد لم تستحق النفقة, فكيف تتنازل عنها؟
(1)- http// www.islam-christianity.
(2)- http// www.islam-christianity.
تستحق النفقة بعد العقد, فإذا إنعقد العقد وسلمت نفسها, إستحقت النفقة, فلها المطالبة بها, ولا يعتبر إلغاؤها من قبلها قبل العقد مسقطا للنفقة عن الزوج, فإذا يحق لها أن تطالب بالنفقة بعد ذلك, فالعقد صحيح والشرط فاسد وبالتالي فهذا زواج مسيار.
وقد ورد أن جمهور العلماء يقولون بوجوب العدل بين النساء في كل ما يملكه الزوج, ويقدر عليه, وإلا يقع في زواج المسيار, أن يشترط عليها ألا يبيت عندها أو يأتيها في النهار إذا أراد, وحيث قلنا إن العدل بين النساء واجب وليس من حق الزوج إشتراط عدم العدل عند العقد, حيث أنها بعد العقد صار حقا لها أن تتنازل عنه, أو تلزمه به فتقول له: أنا أسامحك في ألا تأتيني إلا نهارا بعد العقد, أو تسكت عن المطالبة بحقها في الليل والعقد صحيح باق أركانه, تتنازل الزوجة عن ليلتها لزوجة أخرى بعد الزواج, وقد جاء في السنة, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق سودة بنت زمعة قالت: يا رسول الله, أمسكني وأهب يومي لعائشة, وأرادت أن تحوز على الفضل على بقائها زوجته في الدنيا والآخرة, فوافقت على أن تهب يومها لعائشة, فصار النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة.
وبالتالي, فيتبين لنا أن حكم زواج المسيار حتى ولو كان العقد صحيح, فالشرط فاسد وباطل.
الفرع الثالث: من القــــانون.
إن الشرط الفاسد الذي يشترط في العقد - والمذكور في نص المادة رقم: 19 من القانون رقم: 84/11, - من طرف أحد الزوجين, فإن كان الشرط محرما فسخ العقد قبل الدخول, فإن تم الدخول فينصرف الفساد إلى الشرط, فنقول شرط فاسخ وعقد صحيح, فيصح العقد ويبطل الشرط مثل ما هو موجود في زواج المسيار.
وقد أشارت إليه المادة رقم: 35 من القانون رقم: 84/11 أيضا, بالنسبة للشرط الفاسد.
ومنه فساد المهر, كما لو تزوجت المرأة بمهر مجهول أو حرام كما هو في زواج المسيار, وحسب نص المادة رقم: 14و المادة رقم: 15 من القانون رقم: 84/11 فإن العقد يصح بعد الدخول بمهر المثل أو المهر المسمى بشرط أن يضبط كله, أما قبل الدخول فيفسخ العقد, وبالتالي إذا توفر سبب من أسباب البطلان أو الفسخ, وذلك قبل الدخول.
وفي المادة رقم: 32 من القانون رقم: 84/11 بيّن لنا المشرع أسباب الفساد, بإعتبار أن كل عقد إختل منه ركن أو إشتمل على مانع أو شرط منافي, ويتبين أمره قبل الدخول, ومن ثم تكون أسباب الفسخ (1).
المبحث السادس : نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي
المطلب الأول: حكمة تعدد الزوجات.
لقد إختلف نظام التعدد في الشرائع وتباين, فمنها ما أحل التعدد مطلقا ولم يقيده بعدد معين, ومنها من لم يشرع التعدد, ورأى منعه مطلقا.
وجاء نظام شرعنا الحنيف بين ذلك قواما, فراعت شريعتنا مصلحة النوعين, لهذا فإن من حكم التعدد الملموسة نذكر ما يلي:
الفرع الأول: الإعــفاف.
فقد يكون من الرجال من هو شديد الغلمة, أي ميال للنكاح, تواق إلى الممارسة الجنسية, وهو مع ذلك قوي الجسم, فلا تندفع حاجته بمن تحته, وهو قادر على الإنفاق, ويأنس من نفسه العدل بين زوجاته, وليس أمامه إلا طريقتان:
(1)- القانون رقم: 84/11, المتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر رقم: 05/02.
إما أن يسقط في بؤرة الزنا, فيتخذ له عشيقات لإرواء شهوته, وإما أن يتزوج بأخرى, ويتحرى العدل بين الزوجتين, وهذا هو الطريق الأفضل ليسلكه الرجال (1).
الفرع الثاني: خصوبة النسل البشري.
فقد تذهب الحرب بالرجال القادرين على الإنجاب, وتبقى النساء الكثرة الكاثرة, فيكون التعدد في هذه الحالة مطلوبا لتنمو الأمة, وتعوض ما فقدته من رجالها, وقد يكون التعدد في الزوجات أمرا لا بد منه في الحالات التي تكون فيها الزوجة, غير صالحة للممارسة الجنسية لإبتلائها بمرض خطير أو عقم محقق مثلا, فالرجل هنا عليه الزواج بأخرى, مع قيامه بشؤون الزوجة الأولى ورعايتها, والعدل بينهما وهذا هو عين الوفاء.
الفرع الثالث : إستعداد الرجل أكثر.
إذ هو مُهيأ بطبيعة تكوينه للعملية الجنسية, منذ البلوغ إلى سن متأخرة, قد تصل إلى ما فوق الستين سنة, ولا مانع يحول بينه وبين ما يريد, بينما المرأة تعترضها شهريا الدورة الدموية, تصل بها أحيانا إلى 15 يوما, وتعترضها ظروف الحمل وصعوبة الإرضاع, وفترة النفاس التي قد تمتد إلى أربعين يوما, وفي مثل هذه الظروف تعجز الزوجة عن آداء وظيفتها الجنسية, فمن الأفضل أن يضم الزوج إليه زوجة أخرى تعف نفسه, وتحفظ فرجه, حتى لا يقع في شراك الزنا.
المطلب الثاني: تقييد التعدد.
إن الشريعة الإسلامية لم تأمر أمر إيجاب بالتزويج بأكثر من واحدة, بل لم تندب إليه, ولكنها أجازت ذلك لمن قدر عليه بشروط عند مقتضيات الأحوال, وفي إطار المصلحة والضرورة.
الفرع الأول: العدل بين الزوجات.
والعدل بينهن يكون فيما هو مادي, من مطعم ومأكل وملبس ومسكن, ومن لم يعدل بينهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل كما ورد في الحديث, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له إمرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".
أما العدل القلبي الذي هو الميل والحب, فهذا ليس في مقدور المرء, لقوله تعالى: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " (2).
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " (3).
فإذا غلب على ظن الإنسان أنه سيجور إن تزوج بأخرى, حرم عليه التعدد ووجب عليه الإقتصار على واحدة, فذلك أقرب للتقوى, وأدعى إلى البعد عن الظلم والجور.
الفرع الثاني: القيد الثاني:القدرة على الإنفاق.
عليهن مع قيامه بواجباته الأخرى, كالإنفاق على من تجب عليه نفقته من ذوي رحمه, وهذا الشرط مفهوم من قوله تعالى: " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا....."
-----------
(1)- الدكتور محمد أبو زهرة, المرجع السابق, ص103.
(2)- سورة النساء الآية رقم: 03.
(3)- أخرجه أبو داود والنسائي وإبن ماجة.
وخلاصة هذا القيد أنه من كان لا يستطيع الإنفاق على أكثر من زوجة واحدة, حُرم عليه أن يتزوج بإمرأة أخرى.
المطلب الثالث: حكم نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي.
العدد الشرعي: لقد أجمع أهل العلم على أن الحر ليس له أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات (1).
الفرع الأول: دليل الإجماع من الكتاب.
وذلك في قوله عز وجل: " فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " سورة النساء الآية رقم: 03
فالآية تفيد التخيير بين إثنتين أو ثلاث أو أربع زوجات, وليس أكثر.
الفرع الثاني: من السنـة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لغيلان بن أمية الثقفي, وقد أسلم وتحته عشر نسوة: " إختره منهن أربها وفارق سائرهن " سنن الترمذي.
وعن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة, فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إختر منهن أربعا " سنن أبي داود.
وفي مسند الشافعي: قال نوفل بن معاوية: أسلمت وتحتي خمسٌ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " فارق واحدة وأمسك أربعا " مسند الشافعي.
فلو كانت الزيادة على الأربع حلالا لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمفارقة البواقي من النساء, فدلّ على أن منتهى العدد الشرعي هو أربع زوجات.
قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله, أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربعة نسوة (2).
والله تعالى أباح ذلك لنبيّه الكريم, وجعله من خصوصياته, لأن خوف الجور منه صلى الله عليه وسلم, غير موهوم أو متوقع لكونه مؤيد بالقيام بحقوقهن بتأييد الله عز وجل.
المبحث السابع : نكاح المعتدة من الغير.
المطلب الأول : الحكمة من تحريم نكاح المعتدة.
شرع الله العدة على النساء لمعرفة براءة أرحامهن, لئلا يؤدي عدم الإعتداء إلى إختلاط المياه في الأرحكام وإمتزاج الأنساب, ولما كانت العدة أثرا من آثار الزواج السابق, وفترة بفكر فيها المطلق ليراجع نفسه إن كان الطلاق يقبل الإرتجاع, أي في حق من لم يكمل الثلاث, فإن الشارع الحكيم منع التزوج من معتدة الغير, بل نهى عن التصريح بخطبتها, حرصا على نشر المحبة بين الناس, ونبذ أسباب الشحناء والبغضاء, لأنه لو أبيح تزويج المعتدة من الغير لأدى ذلك إلى إستشراء العداوة بين مطلقها الأول ومتزوجها الثاني, وتحل المشاحنة والكراهية محل الحب والإئتلاف, وذلك ما لا يّحبذه ديننا الحنيف, بل يحذر منه ويكرهه.
وقد تكون العدة للتعبد فقط, كالمتوفى عنها زوجها قبل الدخول, فإنها تعتد عدة الوفاة مع أن رحمها متحقق براءته.
-----------
(1)- الدكتور علي بن أحمد بن سعيد بن حزم, مراتب الإجماع, مكتبة المطبوعات الإسلامية, ص63.
(2)- البيهقي,السنن الكبرى, ص149.
المطلب الثاني : الآراء الفقهية في نكاح المعتدة من الغير.
الأصل في تحريم نكاح المعتدة من الغير قول الله عز وجل : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " (1).
والتربص: هو الإنتظار بدون تزوج من غير مطلقها الأول, وهذا خبر, لكن معناه هو الأمر.
وقوله عز وجل: " ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله " (2).
أي ما كتب عليها من التربص, فبلوغ الكتاب أجله كناية عن إنقضاء العدة.
فحرم الله تعالى عقدة النكاح في فترة العدة حتى تنقضي, والآية وإن كانت واردة في عدة الوفاء, لكن دلالتها على تحريم نكاح المعتدة من طلاق بالطريق الأول, لأن بالوفاة إنقطعت الصلة الزوجية فيها إنقطاعا لا يمكن عودتهما معه بخلاف الطلاق.
وعلى هذا فإنه لا يحل لأحد أن يتزوج المعتدة من الغير سواء أكانت العدة عدة وفاة أو طلاق, أو شبه نكاح أو دخول في نكاح فاسد (3).
فتحرم المعتدة من ذلك, فلا يجوز ولا ينعقد النكاح إن تزوجها في أثناء العدة, وهو ما لا خلاف فيه بين فقهاء المسلمين, لأن الإعتداد مانع من موانع صحة العقد.
ولأنها وجبت لحفظ النسب, فلو جوّزنا فيها النكاح إختلط النسب وبطل المقصود.
وهذا الحكم في حق الغير, أما بالنسبة لصاحب العدة وهو الزوج المفارق, فإن له أن يتزوجها وهي في العدة, إذا لم يكن طلاقه مكملا للثلاث, ولم يكن هناك مانع آخر غير العدة, إذ العدة حقه ومضافة إليه, لقوله تعالى: " فمالكم عليهن من عدة تعتدونها " (4).
وهذه الآية نزلت في الزوجة التي طلقت قبل الدخول.
فإضافة العدة إلى الأزواج دليل على أنها حق الزوج , وحق الإنسان لا يجوز أن يمنعه من التصرف, وإنما يظهر أثره في حق الغير (5).
المطلب الثالث : آثار زواج المعتدة من الغير.
إذا تزوجت المرأة أثناء العدة وكلاهما عالمان أن العدة لم تنته بعد, وعالمان بتحريم هذا النكاح وبطلانه, فإنهما زانيان, لأن عقدة النكاح لم تنعقد لوجود المانع الشرعي, وهو عدم إنتهاء العدة, وحيث إعتُبرا زانيان, فإن عليهما الحد, ولا يلحق النسب فيه, لأن ماء الزاني لا يُثبّت نسبا إذ لا حُرمة له.
ويرى إبن حزم كالحنابلة أن الجهل مسقط للحد, وإن كان الزوج هو الجاهل فالولد به لاحق ونص كلامه: مسألة: ولا يحل لأحد أن يخطب إمرأة معتدة من طلاق أو وفاة, فإن تزوجها قبل تمام العدة فسخ أبدا, سواء دخل بها أو لم يدخل, طالت مدته معها أو لم تطل, ولا توارث بينهما ولا نفقة لها عليه, ولا صداق ولا مهر, فإن كان أحدهما عالما فعليه حد الزنى من الرجم, والجلد وكذلك إن علم كليهما, ولا يلحق الولد بأبيه إن كان عالما, وإن كانا جاهلين, فلا شيء عليهما, فإن كان أحدهما جاهلا فلا حد على الجاهل, فإن كان الرجل هو الجاهل فيلحق به ولده, فإذا فسخ النكاح وتمت عدتها, فله أن يتزوجها إن أرادت ذلك كسائر الناس.
------------
(1)- سورة البقرة الآية رقم: 228.
(2)-سورة البقرة الآية رقم: 235.
(3)- الكاساني, المرجع السابق, ص410.
(4)- سورة الأحزاب الآية رقم: 49.
(5)- الكاساني, المرجع نفسه, ص1411.
والخلاصة بالنسبة لآثار التزويج من المعتدة من الغير, أن الزوجين لا يخلو أمرهما من إحدى الحالات التالية:
الأولى : إذا تزوج الرجل بمعتدة وهما عالمان بأن العدة لم تنته بعد وعالمان بتحريم النكاح فيها ووطئها, فهما زانيان ويطبق عليهما حد الزنا, ولا مهر لها ولا يلحقه النسب.
الثانية : إذا كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم, ثبت النسب وإنتفى الحد ووجب للمرأة المهر.
الثالثة : إن علم بالتحريم دونها, فعليه الحد والمهر, ولا يلحقه نسب الولد.
الرابعة : إن علمت هي دونه, فعليها الحد, ولا مهر لها والنسب لا حق به, قال إبن قدامة: وإنما كان كذلك لأن هذا النكاح متفق على بطلانه, فأشبه نكاح ذوات المحارم (1).
-------------------
(1)- إبن قدامة, المغني, ص127.
الخاتمــــة :
خير ما نختم به هذا العمل المتواضع, قوله تعالى:" قل إعملوا فسير الله أعمالكم "
في هذه الخاتمة تبرز زبدة هذا العمل, وكل الإستنتاجات المستخرجة من هذه الدراسة, في بادئ الأمر نذكر كل من يطلع على هذه المذكرة بقوله تعالى: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".
إننا عد الدراسة للموضوع من جانبيه القانوني والفقهي الإسلامي, وبعد التحليل والتحول إلى بعض تفاصيله, والمتعلقة بهذه الجوانب, يتبين ودون شك أن الأنكحة الصحيحة والأنكحة الفاسدة, موضوع واسع, الأمر الذي ترك المجال مفتوح على مصراعيه, ليكون لهذا الموضوع حظا من إهتمام دارسي الفقه والقانون, ولعل هذا هو الأمر الذي جعلنا نقصد هذا الموضوع.
فبما أن عقد الزواج من أهم العقود التي يبرمها الإنسان في حياته, فلا بد أن يحظى هذا العقد بحماية من طرف الشريعة, وكذا القانون, وذلك بالنص على أهميته وحكمه, والحكمة من تشريعه كنكاح صحيح, وطريق وحيد لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على وجه مشروع.
وتبيان أركانه وشروطه التي في حالة تخلفها, تؤدي بهذا العقد إلى الفساد أو البطلان, وذلك من خلال ما جاء به القانون رقم: 84/11, وكذا الأمر رقم: 05/02 المتمم والمعدل.
وكيف أن الشريعة الإسلامية وكذا القانون الوضعي, قد وضعا أحكاما تنهى وتحرم مختلف صور الأنكحة الفاسدة, وذلك لما تشتمل عليه من أهداف, لا تتماشى مع طبيعة النكاح الصحيح, والغايات التي جاءت الشريعة الإسلامية, لتحقيقها بتشريع هذا النكاح من إعفاف للإنسان نفسه من الوقوع في الحرام, وحفظ الأنساب وبقاء النسل...
- تم بحمد الله -
المراجـــــــع :
I – القرآن الكريم.
П – السنة النبوية الشريفة.
Ш- القوانين .
- القانون رقم: 84/11, المؤرخ في: 09 رمضان عام 1404, الموافق لـ 09 يونيو سنة 1984, والمتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم.
- الأمر رقم: 05/02, المؤرخ في: 18 محرم, عام 1926, الموافق لـ 27 فبراير 2005 (جريدة رسمية رقم: 15 مؤرخة ربيع الأول, عام 1426, الموافق لـ 04 مايو 2005 , جريدة رسمية رقم: 43, المؤرخة في: 22 يونيو 2005).
VI – المراجع (المؤلفات ):
1- الإمام أبو زهرة, الأحوال الشخصية, دار الفكر العربي, الطبعة الثالثة, 1957.
2- الإمام أبو حامد الغزالي, إحياء علوم الدين, الجزء الرابع.
3- أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفري, صحيح البخاري, المطبعة السلفية بتصحيح محب الدين الخطيب مع النووي.
4- أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسبوري, صحيح مسلم, المطبعة الكردية ومكتبتها مع النووي.
5- أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترميذي, سنن الترميذي, مطبعة البابي الحلبي الثانية, 1388 هـ, بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
6- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, سنن أبو داوود, مطبعة دار الحديث, الطبعة الأولى 1389 هـ, بتعليق عزت عبيد الدعاس, وذيله معالم السنن الخطابي.
7- أبو عبد الرحمان أحمد بن شعيب بن علي النسائي, سنن النسائي, المطبعة المصرية بالأزهر, الطبعة الأولى, 1338 هـ, بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي.
8- أبو بكر أحمد بن الحسين علي البهيقي, السنن الكبرى, مطبعة دار صادر وبيروت وبذيله الجوهر النقي, لعلي إبن عثمان المارديني.
9- أبو ن أحمد القرطبي, الجامع لأحكام القرآن الكريم, دار الكتاب العربي, الطبعة الثالثة.
10- أبو حجر العسقلاني فتح الباري, شرح صحيح البخاري, المطبعة السلفية بتصحيح محب الدين الخطيب.
11- إبن زكريا يحي بن شرف النووي, شرح صحيح مسلم, المطبعة الكدية ومكتبتها.
12- أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قامة, المغني, مطابع سجل العرب, المطبعة الأولى, 1389 هـ, بتحقيق عبد الوهاب فايد وعبد القادر أحمد عطاء.
13- أبو عبد الله الحاكم النيسابوري, المستدرك, مطبعة ومكتبة المطبوعات الإسلامية, مع تلخيص الذهبي.
14- الدكتور بدران أبو العينين, الفقه المقارن, الأحوال الشخصية بين المذاهب الأربعة السنية, والمذهب الجعفري والقانون (الزواج والطلاق), دار النهضة العربية للطباعة والنشر, الجزء الأول, دون سنة طبع.
15- الدكتور بلحاج العربي, الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري, الجزء الأول (الزواج والطلاق), الطبعة الأولى, 1990.
16- جابر أبو بكر الجزائري, أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير, مكتبة لينا دمنهور.
17- الأستاذ الدكتور محمد الجروشي, نظرية العقد والخيارات في الفقه الإسلامي المقارن, منشورات جامعة قان يونس.
18- عبد العزيز سعد, الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري, دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت, الطبعة الثانية.
19- عبد الغفار سليمان البنداري, النكاح والطلاق, دار الكتب العلمية, بيروت, لبنان, الجزء التاسع.
20- عمر سليمان الأشقر, أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة, دار النفائس, الطبعة الثانية للنشر والتوزيع, بيروت.
21- الأستاذ عمر بن سعيد, الإجتهاد القضائي وفقا لأحكام قانون الأسرة, دار الهدى, عين مليلة, الجزائر.
22- علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي, بدائع الصنائع, مطبعة العاصمة, القاهرة.
23- الإمام محمد الرازي, التفسير الكبير, مطبع دار الكتب العلمية, طهران.
24- محمد بن علي الشوكاني, فتح القدير, مطبعة مصطفى البابي الحلبي, الطبعة الثالثة, 1383.
25- محمد رشيد رضا, تفسير المنار, الطبعة 12, دار المعرفة , بيروت.
26- محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي, أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, مطبعة المدني.
27- الإمام مالك, الموطأ, المطبعة: دار إحياء الكتب العربية, عيسى البابي الحلبي, بتعليق وتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي.
28- الأستاذ محمد مصطفى شلبي, أحكام الأسرة في الإسلام, دار النهضة العربية, بيروت.
29- محمد سعيد جعفور, نظريات في صحة العقد وبطلانه في القانون المدني والفقه الإسلامي, دار هومة للطباعة والنشر.
30- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي, القاموس المحيط, مطبعة المؤسسة العربية.
31- الدكتورة نشوة العلواني, عقد الزواج والشروط الإتفاقية في ثوب عصري جديد, دار إبن حزم, الطبعة الأولى, 2003.
32- الدكتور نصر سليمان والدكتورة سعاد سطحي, أحكام الخطبة والزواج في الشريعة الإسلامية.
33- الدكتور وهبة الزحيلي, الفقه الإسلامي وأدلته, الجزء التاسع, الأحوال الشخصية, دار الفقه المعاصر.
V – الملاحق.
- الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية, العدد رقم: 15.
IV- المجلات القضائية:
- المجلة القضائية: تصدر عن قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا, العدد الرابع, 1989.
- المجلة القضائية, العدد الثاني, 2002, المحكمة العليا, قسم الوثائق, 2004, طبع دار القصبة للنشر.
- المجلة القضائية, العدد رقم: 02, 2003, قسم الوثائق للطبع, الديوان الوطني للأشغال التربوية, 2005, الحراش.