و جريمة الاختلاس لها خصائصها إذ أنها تتوفر على أركان مميزة لها، كالركن المفترض وهو أن تتوفر صفة محددة على سبيل الحصر في قانون العقوبات، أما بالنسبة للركن المادي فهو مميز في عنصرية سواء محل الاختلاس أو فعل الاختلاس، و هي جريمة عمومية.
و لإثبات جريمة الاختلاس يجب أن نعتمد على عدة قوانين كالقانون الإداري والقانون التجاري و بعض القوانين الخاصة و لهذا فعلى القاضي أن يكون مطلع على كل هذه القوانين ليستطيع تحديد توافر جريمة الاختلاس أو عدم توافرها. و هي من الجرائم التي يمكن تكيفها إما جنحة أو جناية، و هذا بعد تحديد المبلغ المختلس.
أركان جريمة الاختلاس
1- الركن الشرعي :
لقد نص المشرع الجزائري على تجريم جريمة الاختلاس في نص المادة 119 من قانون العقوبات و هذا تطبيقا لمبدأ الشرعية إذ تنص المادة 01 من قانون العقوبات لا جريمة و لا عقوبة و لا تدابير أمن بغير قانون .
إذ أن الركن الشرعي يعني أن مصادر القانون الجزائري تقتصر على القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية أو التنظيم الذي تصدره السلطة التنفيذية و القوانين الجزائية الخاصة.
ومنه جريمة الاختلاس تستند لنص قانوني و تجدر الإشارة إلى أن هذا المبدأ محمي من طرف الدستور لسنة 1996 في نص مادته 46 "لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم" (3). و لقد جرم المشرع جريمة الاختلاس الأموال العمومية أو ما يقوم مقامها بسبب أن المال المختلس مال مؤتمن عليه بمقتضى الوظيفة أو بسببها، و هي جريمة تمس بالثقة التي تمنحها الدولة والأفراد في الجاني. و كذلك للمحافظة على مصالح الدولة المالية و ضمان عدم الإخلال بواجبات الوظيفة الخاصة بالأمانة و الثقة العامة .
2- الركن المفترض
إن هذه الجريمة تقتضي أن تتوافر صفة معنية في الجاني، و هذا حسب نص المادة 119 من قانون العقوبات: "يتعرض القاضي أو الموظف أو الضابط العمومي..... ويتعرض كذلك .... كل شخص، تحت أية تسمية و في نطاق أي إجراء يتولى و لو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام...."
- القاضي :
حسب المادة 02 من القانون الأساسي للقضاء " يشمل سلك القضاء قضاة الحكم و النيابة للمحكمة العليا و المجالس و المحاكم و كذلك القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل". وحسب المادة 03 من القانون الأساسي للقضاء: "يتم التعيين الأول بصفة قاض بموجب مرسوم رئاسي بناء على اقتراح وزير العدل و بعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء..."، و هنا قد يأخذ القانون الجزائي بالمفهوم الواسع للقاضي إذ أنه قد شمل هذه الفئة حتى قضاة مجلس المحاسبة و مجلس المنافسة.
- الموظف العام :
المشرع الجزائري لم يورد نصا يتضمن تعريفا شاملا للموظف العام، و إنما اقتصر في نص المادة 01 من قانون الوظيف العمومي 66/133 على تحديد العناصر الأساسية التي يجب توافرها في الموظف العام حيث نصت: على أنه يعتبر موظفين الأشخاص المعنيين في وظيفة دائمة الذين رسموا في درجة التسلسل في الإدارات المركزية التابعة للدولة و المصالح الخارجية التابعة لهذه الإدارات و الجماعات المحلية وكذلك المؤسسات و الهيئات العمومية حسب كيفيات تحدد بمرسوم.
من خلال هذا التعريف نستخلص عدة معايير اعتمد عليها المشرع الجزائري
1-أن يكون الموظف معين في وظيفة دائمة و هذا ضمانا لاستمرارية المرفق العام. أي لا يكون عارضا و لا محددا بمدة، إذ أنه حتى بعد إنتهاء العمل في الوظيفة يعاقب الموظف على الجريمة إذا تم ارتكابها أثناء تأدية الوظيفة.
2-أن يكون مرسم ضمن السلم الإداري في مرفق تديره الدولة.
3-أن يكون التعيين في خدمة مرفق عام بأداة قانونية إما مرسوم أو قرار.
- الضابط العمومي :
هو شخص من أعوان الدولة و تمنح له هذه الصفة من الدولة بموجب قانون خاص بسبب مهنة أو وظيفة معينة كالموثق و المحضر القضائي... و محافظ البيع...
- المكلفون بخدمة عمومية :
وهم الأشخاص الذين يمارسون النشاط الإداري للدولة وباسمها ولحسابها بغض النظر إذا كانت تربطهم بها علاقة تنظيمية من عدمه. و يشترط أن يكون قرار صحيح صادر من الجهة الإدارية بإلزامه بالعمل و يستوي أن يكون هناك مقابل للعمل أو بدونه وهذا يدخل ضمن الموظف طبقا للمعيار الموضوعي .
- حكم الموظف الفعلي :
القاعدة أن مباشرة الوظيفة العمومية بتطبيق القوانين و اللوائح التي تحكمها تضفي على الشخص صفة الموظف العمومي. ولكن قد يحدث أن يباشر شخص ما نشاطا إداريا باسم الجهة الإدارية دون أن يكون هناك إجراء قانوني سليم من جانب الإدارة يضفي عليه صفة الموظف العام . و هذا ما نص عليه المشرع في الفقرة 02 من المادة 119 من قانون العقوبات ".... تحت أية تسمية و في نطاق أي إجراء..." و منه المفهوم الواسع لهذه العبارات نجد أنه يمكن للشخص أن يمارس خدمة الدولة... إما ضمن إجراءات قانونية أو بطريقة غير شرعية مثل الموظف الفعلي.
إذ أن الموظف الفعلي يشترط وجود إجراء إداري مشوب بالبطلان أو عدم الانتظام بمباشرة النشاط الوظيفي. وهذا ما يؤدي بضرورة الاعتداد بالواقع الظاهري .
3- الركن المادي
إن الركن المادي هو ذلك العنصر الذي بواسطته تنتقل الجريمة من حالة المشروع إلى حالة الوجود اليقيني، و يتمثل في القيام بالفعل المحظور من قبل القانون الجزائي إذ يعد العنصر المادي ضمانة لتحقيق العدل .
و بمطابقة مفهوم الركن المادي على جريمة الاختلاس نجد أنه عبارة عن سلوك إجرامي يأخذ شكل اختلاس لأموال أو أوراق أو سندات تكون قد وجدت بحوزة الجاني أو بمقتضى وظيفته .و يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس بإضافة الجاني المال الذي بحوزته بسبب أو بمقتضى الوظيفة إلى ملكه الخاص و التصرف فيه تصرف المالك .
أ- فعل الاختلاس:
و بالرجوع لنص المادة 119 من قانون العقوبات الجزائري نجد أن المشرع عدد الأفعال في الفقرة الأولى: " الذي يختلس أو يبدد أو يحتجز عمدا أو بدون وجه حق أو يسرق...". ومنه يتمثل فعل الاختلاس للركن المادي في هذه الصور. و لهذا سنتطرق لكل صورة في الآتي :
- تعني مجموعة الأعمال المادة أو التصرفات التي تلازم نية الجاني و يعبر عنها في محاولته الاستيلاء التام على المال الذي بحوزته و هذا بتحويل الحيازة من حيازته ناقصة أو موقوفة إلى حيازة تامة و دائمة، و هذا يقتضي أن يقوم الجاني بحركة مادية يتم بها نقل الشيء إلى حيازته و هذا بنزعه من حيازة المجني عليه .
فالاختلاس إذن ليس فعلا ماديا محضا و ليس نية داخلية بحتة و إنما هو عمل مركب من فعل مادي هو الظهور على الشيء بمظهر المالك. و من نية داخلية هي نية التملك، و على هذا يكفي لتحقق الاختلاس و تمام الجريمة إثبات انصراف نية الفاعل إلى التصرف فيما يحوزه بصفة قانونية على اعتبار أنه مملوك له .
و قد عرف أيضا الاختلاس على أنه السلوك الذي يغير به الجاني وجهة المال المرصود لغاية معنية إلى غاية أخرى متعارضة مع الغاية الأصلية، و من هنا يحتوي على عنصرين و يجب تحققهما و إلا لا يوجد اختلاس و هما: عنصر سلبي احتباس الشيء و منعه من الهدف الأساسي الذي رصد له أصلا.
ب- تبديد الأموال:
يعني التصرف بالمال على نحو كلي أو جزئي بإنفاقه أو إفنائه، و التبديد بالضرورة يتضمن اختلاس الشيء، إذ هو تصرف لا حق على الاختلاس، أما مجرد استعمال الشيء فلا يفيد معنى تبديده إذ قد يرد على مجرد المنفعة.
ج- احتجاز الأموال دون وجه حق :
قد يلجأ الجاني لاحتجاز الأموال دون وجه حق، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل المصلحة التي أعد المال لخدمتها، و ليس احتجاز المال اختلاسا له إذ أن مجرد احتجاز الشيء يفيد أن نية الجاني مازالت غير راغبة في التصرف فيه و الظهور بمظهر المالك الحقيقي (4). ومنه حالة احتجاز الأموال دون وجه حق لا يمكن اعتبارها اختلاسا لأن الاختلاس يجب أن تحول الأموال إلى ملكية الجاني، و هنا الاحتجاز لا يمكن إثباته لأنه يعبر عن نية داخلية يصعب إثباتها من خلال الوقائع و الملابسات و منه كان على المشرع إخراج هذا الفعل المادي من جريمة الاختلاس لأن العنصر المادي غير متوفر في الاحتجاز.
4- الركن المعنوي
إن جريمة الاختلاس من الجرائم العمدية التي تقوم على القصد الجنائي. و هذا بالاستلاء على المال عن علم واردة أي انصراف ادارة الجاني إلى تملك المال و حرمان صاحب منه، و أن يكون عالما أن هذا المال مملوك للدولة و القصد الواجب توافره هو القصد العام و القصد الخاص.
القصد الجنائي العام :
اتجاه ارادة الجاني إلى الاستيلاء على المال مع علمه بأنه مملوك للغير و عليه لا يتوافر القصد الجنائي العام إذا فقد الموظف الشيء الذي يحوزه بسبب اهماله أو تصرف فيه جهلا منه بأنه سلم له بمقتضى وظيفة أو سببها .
القصد الجنائي الخاص :
يتمثل في انصراف نية الجاني إلى إضافة الشيء إلى ملكيته، أي التصرف فيه تصرف المالك، فإذا انصرفت إرادته إلى تملكه. فإذا تخلف القصد الخاص فلا يعد مرتكبا لجريمة الاختلاس.
فالعبرة بنية التملك يستظهرها القاضي من خلال ظروف القضية وقد يكون الاستعمال ذات دليلا على نية التملك إذا توافرت أدلة أخرى قوية، كما إذا لم يرد الشيء بعد المطالبة .
و منه أن سلوك لا يكشف في صورة قاطعة عن نية المتهم المتجهة إلى تغيير الحيازة الناقصة أي الحيازة الكاملة لا يكفي لتقويم الجريمة، ولا يغير في الأمر شيء استعداد المتهم لرد الأشياء أو الأموال إذ لا عبرة لما يعرض من وقائع لاحقة ، إذ قد يعتبر ظرفا من ظروف التخفيف و متى توفر القصد الجنائي تحققت الجريمة بصرف النظر عن الباعث إلى الاختلاس مثلا لمواجهة ظرف قهري طارئ، ولا تلزم لصحة الحكم بالإدانة، أن يتحدث استقلالا عن نية الاختلاس مادامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم قد قصد بفعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه .
و لا يستطيع أن يدفع مسؤوليته بأن يطيع أمر رئيس له. ذلك لأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه .