مفهوم الخطأ الجسيم كسبب للتسريح التأديبي الطريقة القانونية لتحديد الخطأ الجسيم المرتكب من قبل العامل الطريقة التنظيمية لتحديد الخطأ الجسيم المرتكب من قبل العامل السبب الحقيقي و الجدي لإعتبار الخطأ المرتكب من قبل العامل جسيما
مقدمة لم يورد المشرع تعريف الخطاء الجسيم، و إنما حدد صوره في فقرات تعد أكثر شيوعا من الناحية العملية، و لذا سنتعرض إلى بعض التعريفات التي أوردها بعض الفقهاء و الأساتذة، فعرفه الدكتور أحمية سليمان بأنه
" ذلك التصرف الذي يقوم به العامل فيلحق أضرار بمصالح أو ممتلكات صاحب العمل، أو يخالف به إحدى التزاماته المهنية، أو يلحق به خسائر و أضرار إما لصاحب العمل أو العمال الآخرين، مما يجعل استمرار العامل في العمل أمر غير مقبول إما لخطورته و إما بسبب المحافظة على النظام و الاستقرار في مكان العمل"
- كما عرف الخطاء الجسيم بأنه " ذلك الانحراف الشديد للعامل في سلوك الرجل العادي و الحريص، متعمدا، مخلفا أضرار جسيمة بالمؤسسة و وسائلها"
أما محكمة النقض الفرنسية فعرفته بأنه :
" خرق العامل الأجير لإلتزاماته الواردة في عقد العمل، أو في النصوص القانونية أو التنظيمية أو المهنية، و التي تجعل استمرارية العلاقة بين العامل و الهيئة المستخدمة مستحيلة"
و لقد ذهب المشرع الفرنسي إلى القول بأن التسريح التأديبي الناتج عن الخطأ الجسيم لا بد من أن يكون مقيدا بشرطين أساسين هما: وجود السبب الحقيقي، و السبب الجدي، و التسريح الخالي من هذين السببين يعد تسريحا تعسفيا.
أولا : الطريقة القانونية لتحديد الخطأ الجسيم المرتكب من قبل العامل:
نظرا لما لهذه الطريقة من حماية كبيرة للطرف الضعيف في علاقة العمل، فإن المشرع الجزائري قد تراجع عن الطريقة التنظيمية التي سبق التعرض لها مكرسا الطريقة القانونية في تحديد الخطاء الجسيمة، ويظهر هذا جليا في بعد تعديل المادة 73 من قانون رقم 11/90 المتضمن علاقات العمل، أي أن المشرع هو من تكفل بتحديد صور الأخطاء الجسيمة والإجراءات الواجب اتباعها قبل اللجوء إلى فصل العمال، وكذا الضمانات المقررة له أثناء وبعد الفصل فنصت المادة 73 المعدلة بقانون رقم 92/91 على أنه : "يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة.
وعلاوة على الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل تعتبر على الخصوص أخطاء جسيمة يحتمل أن ينجر عنها التسريح بدون مهلة العطلة وبدون علاوات، الأفعال الآتية :
-1 إذا رفض العامل بدون عذرمقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية، والتي تلحق أضرارا بالمؤسسة والصادرة عن السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية لسلطاته.
-2 إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات التكنولوجية وطرق الصنع والتنظيم، أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة، إلا إذا أذنت له السلطة السلمية بها أو أجازها القانون.
-3 إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال.
-4 إذا قام بأعمال عنف.
-5 إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل.
-6 إذا رفض أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به.
-7 إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل".
الملاحظ على هذه المادة موضوع التحليل أن المشرع لم يقم فيها بتعريف الخطأ الجسيم، وإنما أعطى أمثلة عنه بواسطة فقرات تعد أكثر شيوعا من الناحية العملية، كما يلاحظ أيضا في الفقرة (1) من المادة المشار إليها أعلاه أن مصطلح الخطأ الجسيم ورد بصيغة الجمع "يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة"، مما يقيد انه لا يتم تسريح العامل تأديبيا إلا إذا ارتكب خطأين جسيمين على الأقل، غير أن المشرع تدارك هذا الخلل ونص في المادة 73/01 على الخطأ الجسيم المفرد "يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم..." والمادة 73/5 التي نصت على "يخول التسريح للعامل الذي لم يرتكب خطأ جسيما..."
-هذا وقد أثارت المادة 73 جدلا فقهيا ونقاشا كبيرا حول ما إذا كان التعداد للأخطاء الجسيمة الوارد فيها على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، وما زاد النقاش حدة هو تناقض قرارات المحكمة العليا التي اعتبرت تارة أن التعداد وارد على سبيل الحصر ولا يجوز الخروج عنه، وتارة أخرى اعتبرته على سبيل المثال. فظهر بذلك رأيين أو موقفين كل له حججه وأسانيده في ذلك.
الرأي 1: التعداد الوارد في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 وارد على سبيل المثال: ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأخطاء الجسيمة التي تم تعدادها في المادة 73 ليست على سبيل الحصر، وإنما هي أمثلة أتى بها المشرع على وجه الخصوص، وجعل كل عامل يرتكب إحداها معرض للتسريح التأديبي، ودليل ذلك أن تعديل المادة 73 من قانون 90/11 لم يصاحبه تعديل المادة 77 من نفس القانون، والتي تجعل ضمن المجال التأديبي المخول لصاحب العمل، طبيعة الخطأ المهني ودرجات العقوبات المطابقة وإجراءات التنفيذ محددة في النظام الداخلي الذي يضعه المستخدم بصفة انفرادية، ا ويضيف آخرون أن الدليل على أن التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل المثال، هو انه جاء في صلب المادة 73 مصطلح "على الخصوص"، فإضافة هذا المصطلح يوحي بأنه هناك أخطاء جسيمة أخرى لم يوردها المشرع في نص هذه المادة.
-هذا وراح جانب آخر من الفقه إلى اعتبار هذا التعديل يخص المؤسسات التي تشغل أقل من 20 عاملا وقامت بإعداد أنظمة داخلية لحسن سير أنشطتها، فتدخل المشرع ليضع حدا معقولا من الخطاء الجسيمة ينبغي وجوبا على المستخدم إدراجها في النظام الداخلي، واحترام الإجراءات التي تؤدي إلى التسريح، مع التأكيد أنه بالنسبة للمؤسسات التي تشغل أكثر من 20عاملا فإن الأمر مفصول فيه بموجب المادة 75 التي تفرض ضرورة وجود نظام داخلي بجميع المقاييس التي ذكرناها سابقا.
الرأي 2: التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل الحصر: وهو ما قال به الكثير من القانونيين، إذ ما هو الهدف من تعديل المدة 73 إن لم يكن لتقييد جزء من صلاحيات المستخدم في تحديد وصف الخطأ الجسيم، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها كانت تخول صاحب العمل بموجب النظام الداخلي صلاحيات واسعة في وصف الأخطاء وتحديد العقوبات الموافقة لها، ومنه لا يمكن التصور أن التعديل جاء ليكرس مبدأ معروفا، هذا وبالإضافة إلى إعطاء صاحب العمل سلطة وضع وتحديد الأخطاء الجسيمة قد يظهر نوعا من التعسف في استخدام واستعمال الأسباب التي تؤدي إلى التسريح من طرف المستخدم لا بنية الإضرار بقدر ما يكون ناتجا عن عدم قدرة المستخدم على وضع نظام داخلي يتضمن الأسباب الحقيقية والجادة التي تدعو إلى عملية التسريح.
فجاء المشرع بتعديله للمادة 73 متجنبا الانتقادات التي كانت موجهة للمادة 73 قبل تعديلها، فحدد على سبيل الحصر الأخطاء الجسيمة التي توجب تسريح العامل إذا ما ارتكب واحدا منها، بالإضافة إلى الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي ومختلف القوانين الأخرى، ومثال ذلك نص المشرع على أن عرقلة حرية العمل يعتبر خطأ جسيما ، كما أن رفض القيام بالحد الأدنى من الخدمة في حالة الإضراب المشروع يشكل خطأ جسيما . وفي اعتقادنا أن هذا الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب، وبالرغم من ذلك نجد في بعض الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية تضيف حالات غير تلك المنصوص عليها في المادة 73، وصنفتها ضمن الأخطاء من الدرجة الثالثة التي تستوجب التسريح، وكمثال عن هذا المادة 114 من النظام الداخلي الخاص بديوان الترقية والتسيير العقاري بولاية مستغانم المصادق عليه من قبل مفتشية العمل بتاريخ 30 ماي 1995، إذ احتوت هذه المادة على 52 خطأ من الدرجة الثالثة منها تكرار الأخطاء من الدرجة الثانية والغياب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بدون عذر مقبول، ويعد هذا خرقا لأحكام المادة 73 المعدلة والمتممة بالقانون 91/29.
وهو نفس اتجاه المحكمة العليا الذي أقرته في قراراها الصادر بتاريخ فيفري 1998 ملف رقم 115985، في قضية (م وص ج) ضد (ن ع ق)ن وقد جاء في قرارها ما يلي: "حيث طعنت بالنقض المؤسسة الوطنية لصناعة الجلود – وحدة الرويبة – في الحكم الصادر في محكمة الرويبة في 27 نوفمبر 1995 الذي قضى بإعادة إدراج المطعون ضده في منصب عمله ومنحه أجوره من تاريخ الطرد إلى غاية الرجوع الفعلي، وكذا الحقوق المالية المستحقة و30 ألف دج تعويض.
حيث أن الخطأ المنسوب المطعون ضده حتى وإن نص عليه النظام الداخلي للمؤسسة فإنه لا يوجد ضمن الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى الطرد المنصوص عليه في المادة 73 من قانون 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 على سبيل الحصر.
وحيث أنه لا يمكن أن يكون النظام الداخلي مخالفا لتصريح النص القانوني، وعليه فإن الخطأ المنسوب المطعون ضده ومهما كانت ظروفه وملابساته لا يمكن أن يترتب عن ارتكابه طرد العامل من منصب عمله".
هذا وقد اعتبرت المحكمة العليا أن الأخطاء من الدرجة الثالثة المنصوص عليها في النظام الداخلي لبعض المؤسسات الاقتصادية والتي قرر لها عقوبة الطرد من منصب العمل فيه مخالفة للقانون، ذلك أن التسريح التأديبي يكون في حالة ارتكاب العامل خطأ جسيما من الأخطاء الواردة في المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدل والمتمم بقانون رقم 91/29، ومنه فإنه قضاة الموضوع لما اعتبروا هذه الأخطاء من ضمن تلك الخطاء المؤدية إلى التسريح فإنهم بذلك أخطأوا في تطبيق القانون مما يستوجب معه النقض.
وبعد تحديدنا لمفهوم الخطأ الجسيم وطرق تحديد صوره، وكذا التضارب الموجود في فهم وتطبيق المادة 73 ننتقل إلى الفرع الثاني وهو تحليل الأخطاء الواردة في المادة 73.
ثانيا :الطريقة التنظيمية لتحديد الخطأ الجسيم المرتكب من قبل العامل :
و نعني بها أنه يتم تحيد طبيعة و نوع الأخطاء الجسيمة عن طريق النظام الداخلي للمؤسسة، و عليه سوف نتطرق بصفة وجيزة إلى تعريف النظام الداخلي و اجراءات وضعه بصفة موجزة. 1 -تعريف النظام الداخلي :
إن النظام الداخلي له أهمية بما كان في المجال التأديبي، ذلك أنه يترتب على عدم وجوده أو خرق إجراءاته اعتبار التسريح حتى و لو كان قانوني تعسفي، و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 02/07/1996 في قضية رقم 41656 – غياب النظام الداخلي يجعل التسريح تعسفيا و يعفي القاضي من الفصل في الموضوع و النظر في القضية.
أما المشرع الجزائري فقد عرف النظام الداخلي في المادة 77 بأنه:" وثيقة مكتوبة يحدد فيها المستخدمة لزوما القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل و الوقاية الصحية و الأمن، و الانضباط، كما يحدد النظام الداخلي في المجال التأديبي طبيعة الأخطاء المهنية و دراجات العقوبات المطابقة و إجراءات التنفيذ
إذن من العناصر الأساسية التي يجب ذكرها في النظام الداخلي هي تحديد طبيعة و نوعية الأخطاء المهنية و درجات العقوبات و الجزاءات المقررة لها، و تجدر الإشارة إلى أن النظام الداخلي هو حق معترف به قانونيا لصاحب العمل حماية لمصالح المؤسسة، و بالتالي فهو التصرف بالإدارة المنفردة لصاحب العمل عند إعداده، غير أنه يتخذ بعد ذلك الطابع التعاقدي، إذ ألزم المشرع المستخدم بعرضه على لجنة المشاركة أو ممثلي العمال عند غياب هذه الأخيرة لإبداء الرأي .
و يعتبر الرأي الاستشاري للجنة المشاركة إجراءا شكليا جوهريا، و على مفتش العمل المختص إقليميا التأكد من مدى احترام صاحب العمل لهذا الإجراء قبل المصادقة عليه.
2- إجراءات وضع النظام الداخلي:
يقوم صاحب العمل بإعداد و وضع النظام الداخلي للمؤسسة و ذلك لحماية مصالحه و لكنه حتى يكون هذا النظام الداخلي ساري المفعول، فإنه على صاحب العمل أن يلتزم و يتبع جملة من الإجراءات حددها المشرع في الفصل السابع من الباب الثالث من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقات العمل و هي:
أ- وجوب عرض النظام الداخلي على الأجهزة المشاركة، أو ممثلي العمال في حالة عدم وجود هذه الأخيرة قصد إبداء الرأي فيه، و قد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا أن هذا الإجراء هو إجراء جوهري يترتب على مخالفته أو تخلفه اعتبار التسريح الصادر عن صاحب العمل تعسفيا، و ليس لهذا الأخير في هذه الحالة تقديم الدلائل على شرعية الإجراءات التأديبية.
ب- بعد إبداء العمال رأيهم في النظام الداخلي سواء بالموافقة أو بالرفض، يحول صاحب العمل مشروع النظام الداخلي على مفتشية العمل المختصة إقليميا من أجل المصادقة عليه، ويقصد بالمصادقة فحص مدى تطابق النظام الداخلي مع النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بهما.
والأصل هنا أن يحول النظام الداخلي مصحوبا برأي العمال فيه، وما دام أن هذا الإجراء الشكلي جوهريا كما سبق ذكره، ويتعين على مفتش العمل عدم المصادقة عليه عند غياب رأي العمال فيه.
ويدخل النظام الداخلي حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ إيداعه لدى أمانة ضبط المحكمة إقليميا، بعد أن يضمن له صاحب العمل إشهارا واسعا في أوساط العمال. (المادة 79/2 من قانون رقم 11/90)
ولقد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا ضمان إشهار النظام الداخلي من قبل المستخدم إجراء جوهريا أيضا يترتب على تخلفه عدم نفاذ النظام الداخلي على العمال داخل المؤسسة.
والملاحظ هو أن المشرع اعتمد على الطريقة التنظيمية في تحديد الأخطاء الجسيمة وذلك في المادة 73 من قانون 90/11 قبل تعديلها، أما بعد تعديلها فقد أخذ بالطريقة القانونية.
ثالثا : السبب الحقيقي و الجدي لإعتبار الخطأ المرتكب من قبل العامل جسيما أولا: مفهوم السبب الحقيقي :
لقد عرفه القضاء الفرنسي بأنه ذلك السبب الذي يعد في نفس الوقت موجودا و صحيحا و موضوعيا . الشرط الأول :
أن يكون السبب موضوعيا: يقصد بالسبب الموضوعي السبب الذي لا يكون صادرا عن أهواء صاحب العمل، كأن يدعي بأن العامل ذو سلوك سيء، دون ان يقدم الدليل على التصرفات السيئة المنسوبة إلى العامل، و دون أن يقوم بتحديد المراد بالسلوك السيء، و بالمقابل يعتبر تسريح العامل موضوعيا، إذا كانت تصرفات هذا الأخير مع غيره من العمال غير لائقة. و في هذه الحالة يحق لصاحب العمل تسريح العامل حفاظا على السير العادي و الحسن للمؤسسة. الشرط الثاني :
أن يكون السبب موجودا: إذا كان التسريح يخلو من أي سبب يكون تعسفيا، فإذا إدعى مثلا صاحب العمل عدم كفاءة العامل المهنية بدون أن يقدم مفهوما دقيقا لعدم الكفاءة، أو قدم مفهوما ناقصا بحيث لم يقتنع به قاضي الموضوع اعتبر تسريح العامل تعسفيا، و إذا فصل بائع من منصب عمله لأنه لم يكن موفقا في عمله، أو إذا فصلت ممرضة لأنها لم تكن لها القدرة علي مسايرة عملها، فيجب على قضاة الموضوع أن يبحثوا و يتحققوا، هل فعلا أن النتائج التي توصل إليها البائع كانت غير مرضية؟ و هل أن الممرضة لم تكن فعلا قادرة على ممارسة عملها؟ فإذا توصل القضاة إلى أن النتائج التي حققها البائع كانت معتبرة، و أن الممرضة لم تكن مقصرة في تأدية عملها، كان التسريح تعسفيا لعد وجود السبب الحقيقي. الشرط الثالث :
أن يكون السبب صحيحا: يكون السبب صحيحا إذا كان خاليا من أي نية سيئة، و هو ما ذهب إليه الإجتهاد الفرنسي، في قضية تسريح عاملة بفندق لأخذها ما بقي في صحن الزبائن، غير أن قضاة الموضوع اعتبروا أن مثل هذا التصرف لا يشكل سوى سرقة تافهة بسيطة، و بالتالي لا يعد سببا استند إليه صاحب العمل لتسريح هذه العاملة بينما السبب الحقيقي لهذا التسريح يرجع إلى الشهادة التي أبدتها العاملة المسرحة ضد صاحب العمل في قضية طلاقه لزوجته، و لذلك اعتبر قضاة الموضوع أن تسريح هذه العاملة يعتبر تعسفيا يستوجب التعويض
ثانيا: مفهوم السبب الجدي :
لقد عرف وزير العمل الفرنسي السبب الجدي أثناء المناقشة البرلمانية، و قبل التصويت على قانون العمل المؤرخ في 13 جويلية 1973 بأنه " السبب الذي يكتسي نوعا من الخطورة مما يؤدي إلى الإخلال بعلاقة العمل و من تم استحالة استمرارها، نظرا للضرر الملحق بالمؤسسة".
- هذا و نتساءل في هذا الخصوص حول إمكانية تنازل صاحب العمل عن التمسك بالخطاء الجسيم و ما أثر ذلك؟
إن تنازل صاحب العمل عن حقه في إنهاء العقد إذا ما ارتكب العامل خطاء جسيما، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم جواز حرمان العمل من مكافأة مدة خدمته و من أجره عن مهلة الإخطار عند انقضاء العقد في الوقت لاحق، و هذا نظرا للارتباط الذي أوجده المشرع بين حق صاحب العمل في إنهاء العقد لارتكاب العامل خطاء جسيما، و حقه في حرمان العامل من أجره عن مهلة الإخطار، و يتأسس هذا الحكم على أن عدم استعمال صاحب العمل لحقه في إنهاء العقد في هذه الحالة، يتضمن تنازلا منه في التمسك بالخطاء الجسيم ذاته، و يفقد صاحب العمل بالتالي الحقوق المترتبة على ارتكاب العامل الخطاء الجسيم.
و يثور التساؤل في هذا الصدد، حول مدى دلالة تأخير صاحب العمل في انهاء العقد على تنازله عن حقه في التمسك بالخطاء الجسيم.
إن القاعدة في هذا الصدد هي أن صاحب العمل بحكم كونه صاحب المصلحة الأولى في المؤسسة، و هو الأقدر على تقدير مدى تأثير خطاء العامل على حسن سير المؤسسة المستخدمة، و على ذلك فإن تأخير صاحب العمل في إنهاء عقد العمل و تسريح العامل يتضمن اعترافا من جانبه بأن هذا الخطاء لا يستحق إنهاء العقد، بناء على عدم تأثيره على حسن سير المنشأة، و يرفع بالتالي صفة الجسامة عن الفعل أو السلوك الخطئ المنسوب إلى العامل و ما سيتتبع ذلك من عدم جواز تسريحه تأديبيا و إلا عد التسريح تعسفيا.
و قد تشدد القضاء الفرنسي في هذا الإتجاه، و أوجب أن يكون إنهاء صاحب العمل للعقد فور علمه بالخطاء الجسيم الصادر من العامل، بحيث أن تأخره في إنهائه و لو لأيام قليلة لا يجعل من خطاء العامل جسيما.
و لقد بالغ القضاء في تشدده إلى حد القول بأن صاحب العمل لا يحتفظ لمهلة للتروي بشأن البحث في مصير العقد بعد صدور خطاء جسيم من العامل، فرضا صاحب العمل بتشغيل العامل خلال هذه المدة يفيد عدم إضرار العامل بحسن سير المؤسسة المستخدمة.
و إن هذا التشدد منتقد، كما يرى الدكتور أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، إذ كان من الأجدر أن يترك لقاضي الموضوع سلطة تقديرية بشأن تفسير إرادة صاحب العمل من حيث إتجاهها إلى التنازل عن التمسك بالخطاء الجسيم من عدمه، مستعينا في ذلك بالظروف الملابسة لوقوع الخطاء.
و لا يعتد بتأخير صاحب العمل في انهاء العقد، إذ ذلك راجعا إلى الإجراءات التي يتعين على صاحب العمل اتباعها بناءا على أحكام النظام الداخلي للمؤسسة أو القانون.
إن توقيع صاحب العمل جزاءا تأديبيا عل العامل قبل إنهائه للعقد، لارتكابه خطاء معنيا كالوقف عن العمل، لا يجوز له بعد ذلك التمسك بجسامة هذا الخطاء و المطالبة بحرمان العامل من أجره عن مهلة العطلة، عند إنهائه للعقد في وقت لاحق، ذلك أن توقيع صاحب العمل عقوبة تأديبية على العامل في وقت سابق على إنهاء العقد يتضمن تنازلا من جانبه عن التمسك بالخطاء الجسيم الذي يجيز له حرمان العامل من أجره في مهلة العطلة عند إنهائه للعقد.