شرح الدفوع المقررة
لإبطال المحرر العرفي
الدفع بالإنكار و عدم العلم
الدفع بالتزوير
تمييز الدفع بالتزوير عن الدفع بالإنكار وعدم العلم
حدد القانون طريقتين للطعن في صحة المحررات و هما الطعن بالإنكار و بعدم العلم والطعن بالتزوير و التزييف بحسب طبيعة المحرر
أولا : الدفع بالإنكار و عدم العلم :
الإنكار
إن الطعن بالإنكار هو رخصة مخولة لمن يحتج عليه بمحرر عرفي لإسقاط حجية المحرر العرفي مؤقتا دون حاجة إلى سلوك سبيل الادعاء بالتزوير على عكس المحرر الرسمي فهو لا يؤثر فيه إنكار توقيعه وهذا الطعن لا يتطلب إجراءات معينة فهو مجرد نفي لفظي لواقعة حصول التوقيع على المحرر العرفي منه و كتابته بخطه ء و من ثم يكفي أن يتخذ موقفا سلبيا دون أن يكون مطالبا بإثبات عدم صدور التوقيع و الكتابة عنه
و يعتبر الطعن بالجهالة صورة من صور الطعن بالإنكار فتكون هذه الصورة في الحالة التي يكون فيها المحرر منسوبا إلى مورث الشخص أو سلفه فيكفى أن يحلف الوارث أو الخلف يمينا بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى الحق عنه وقد نص المشرع على هذا الطعن في المادة 327 من التقنين المدني و كذلك المادة 165 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
عدم العلم
في حالة ما إذا تعلق الأمر بورثة المحتج عليه بالمحرر العري فان المشرع أكتفى فقط بدفعهم بالجهالة، أي عدم علمهم أن الخط أو الإمضاء أو البصمة هي لمورثهم مع أدائهم اليمين لدحض حجية المحرر العرفي .
وهذا طبقا لأحكام المادة 327 من القانون المدني الي ذكرناها سابقا، والتي نصت بالقول ( يعتبر العقد العرفي صادرا ممن ووضع عليه بصمة أصبعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء، أما ورثته أو خلفه فلا يطلب منهم الإنكار، ويكفي أن يحلفوا يمينا بأهم لا يعلمون أن الخط أو الإمضاء هو لمن تلقوا منه هذا الحق )، كما أن المادة 76 قانون الإجراءات المدنية والإدارية الحالي نصت
على أنه : إذا أنكر أحد الخصوم الخط أو التوقيع المنسوب إليه أو ادعى عدم تعرفه على خط أو توقيع الغير....
كما نصت المادة 165 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (الجديد) رقم 09/08 أنه ( إذا أنكر أحد الخصوم الخط أو التوقيع المنسوب إليه ، أو صرح بعدم الاعتراف يخط أو توقيع الغير...) فعدم العلم أو عدم التعرف هو من الجهل، أي جهل الخلف سواء كان عاما أو خاصا بأن الخط أو التوقيع الوارد في المحرر العرفي هو للسلف الذي تلقى عنه الحق .
أما الفقه فيعرف الدفع بعدم العلم بأنه صورة من صور الإنكار المقررة للوارث أو من في حكمه، وما دام الأمر كذلك فإن أحكامه تخضع لنفس القواعد التي تحكم الدفع بالإنكار وبالتالي فإن الوارث لا يقع عليه عبء إنبات صحة توقيع المحرر بل يكفيه أن يحلف اليمين بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء الوارد في المحرر هو لمورثه، وفي هذه الحالة يكون عبء إنبات صحة التوقيع على عاتق من يحتج بالمحرر العرفي وذلك باللجوء إلى إجراءات تحقيق الخطوط مع الإشارة هنا أن الدفع بعدم العلم من طرف الوارث من دون تأدية اليمين، يجعل التوقيع الوارد في المحرر صحيحا ومنسوبا إلى مورثه ويكون بذلك دليلا كاملا في الإثبات .
غير أنه ما يجب لفت الانتباه إليه هو أنه إذا سبق للمورث أو السلف أن أقر بصحة توقيعه أو خطه الوارد في المحرر علي النحو الذي رأيناه سلفا، فإن الوارث أو الخلف لا يجوز له في هذه الحالة أن يدفع بعدم العلم، وإنما يجب عليه سلوك سبيل الطعن بالتزوير.
ثانيا : الدفع بالتزوير :
التزوير
إن الادعاء بالتزوير هو إجراء رسمه المشرع لإثبات عدم صحة محرر ما سواء كان محررا عرفيا أو رسميا و إسقاط حجيته و قوته في الإثبات هذا و نصت المادة 179 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أن الادعاء بالتزوير ضد العقود الرسمية هو الدعوى التي تهدف إلى إثبات تزييف أو تغيير عقد سبق تحريره أو إضافة معلومات مزورة إليه وقد تهدف أيضا إلى إثبات الطابع المصطنع لهذا العقد.
أما التزوير فهو تغيير الحقيقة في المحرر تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير وهو في أصل اللغة يعني الكذب والباطل فيقال.... زور كلامه أي موهه
والتزوير إما أن يكون موضوعا لدعوى عمومية يرفعها من تضرر من فعل التزوير أمام المحاكم الجنائية أو بمبادرة من النيابة العامة إذا وصل إلى علمها ذلك و قد خصها المشرع بباب خاص في الكتاب الخامس من قانون الإجراءات الجزائية تحت عنوان التزوير و هي من المادة 532 إلى المادة 537 منه بالإضافة إلى مواد متفرقة منه و إما أن يكون موضوعا لدعوى مدنية مختلفة منها ما يرمى إلى المطالبة بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة و منهاما يراد به إثبات عدم صحة المحرر المقدم في دعوى مدنية لإسقاط الاحتجاج به في الإثبات و دعوى التعويض إما أن ترفع إلى المحكمة الجزائية بطريق التبعية للدعوى الجزائية وإما أن ترفع بطريقة أصلية إلى المحكمة المدنية وتتبع عند ذلك في سيرها الطريق العادي الذي تسلكه الدعاوى المدنية ومع ذلك فإنه يتحتم رفعها إلى المحكمة المدنية في حالة وفاة المتهم بالتزوير أو انقضاء الدعوى الجزائية بالتقادم أو عدم توافر ركن القصد الجنائي في التزوير.
أما دعوى التزوير التي يقصد بها إثبات عدم صحة المحرر بغرض هدم الدليل المستفاد منه فموضوعها إجراء من إجراءات الإثبات يقدم في خصومة مرفوعة أمام المحاكم المدنية .
و المستحدث بموجب القانون الجديد هو إمكانية الإعداء بالتزوير عن طريق دعوى أصلية أمام القاضي المدني بدلا من الاقتصار على دعوى التزوير الفرعية فقط.
إذا دعوى التزوير يمكن مباشرتها كدعوى أصلية أمام القضاء المدني إعمالا للدور الإيجابي للقاضي المدني مع احتفاظ النيابة بوصفها صاحبة الولاية في الدعوى الجزائية بحقها في متابعة الشخص المرتكب للجرم إذا مارات في ذلك ملائمة.
انواع التزوير
- التزوير المادي :
هي تلك التغييرات المادية غير الحقيقية الي يقوم بإحداثها المزور على المحررات، بحيث يمكن إدراكها بالعين، سواء تمت في المحرر ذاته أو بإنشاء مجرر آخر ، ويأخذ التزهير المادي صورتين .
أ التقليد : ومعناه اصطناع شيء مماثل للأصل أو لما قلد عنه، وإن كان الشائع فيه أنه يرد على النقود والأوراق المالية والأختام،
فإنه يجد مجاله أيضا في المحررات وبالأخص الأوراق الرسمية، أين يتم اصطناع أوراق مماثلة لها وإسنادها إلى موظف أو ضابط عمومي، وهدا بوضع التوقيعات والأختام المقلدة عليها ، وفي حقيقة الأمر أن هذه الورقة لا وجود لها أصلا، ولم تصدر عن الموظف أو الضابط العمومي .
ب التزييف : وهو تلك التغييرات غير الحقيقية التي تتم على ذات المحرر المراد تزويره إما بالتحشير أو الكشط أو الإضافة .
ومن هنا نلمس الفرق أساسا بين التقليد والتزييف ، فإذا كان هذا الأخير يرد على ذات المحرر المراد تزويره، فإن التقليد لا يرد عليه ، وإنما يقوم المزور باصطناع محرر آخر مشابه أو مطابق له، وما يهمنا في التزوير المادي، أنه قد يتم من موظف أو ضابط عمومي أو أي شخص آخر، سواء تعلق الأمر بمحرر رسمي أو عرقي.
2- التزوير المعنوي :
وهي تلك التغييرات التي لا تحدث في شكل المحرر أو مادته بل في معناه أو مضمونه، ويتم هذا النوع من التزوير وقت تحرير المحرر من طرف الموظف أو الضابط العمومي، فيكون صحيحا في شكله ، غير أنه يتضمن بيانات صحيحة أو غير مطابقة للواقع، وهذا إما بكتابة اتفاقات خلافا لما أملاه عليه الأطراف، أو دونت في صورة وقائع صحيحة مع العلم أنها كاذبة، أو تم الإشهاد عليها كذبا بأنها وقعت في حضوره، أو تغيير الإقرارات التي تلقاها الموظف عمدا .
وما يلاحظ في هذا النوع من التزوير أنه يتم من ذي صفة فقط أي أن يكون موظفا أو ضابط عمومي، فلا يتصور صدوره من شخص عادي، وهكذا يكون التزوير المعنوي محصورا في المحررات الرسمية دون المحررات العرفية.
وهذا المعي وبغض النظر عن الصورة أو الكيفية التي تم بها التزوير فما دام أنه ينطوي على غش وتحايل بهدف الإضرار بمن له حق ثابت بموجب المحرر محل التزوير، فإن المتضرر منه ينشأ له حقين أساسيين هما : إما التمسك بالدفع بالتزوير ومباشرة إجراءاته بصفة فرعية أو أصلية أمام القضاء المدني، وفي نفس الوقت أو بصفة مبتدئة، مباشرة دعوى أصلية بالتزوير أمام القضاء الجزائي .
ثالثا : تمييز الدفع بالتزوير عن الدفع بالإنكار وعدم العلم :
سنتعرض إلى أوجه الشبه والاختلاف بينها، وكذا الآثار المترتبة عن الدفع وهذا على النحو الآني .
أ- أوجه الشبه : وفيها نميز وجهين أساسيين هما :
- وحدة طرق الإثبات : وهي إجراءات تحقيق الخطوط المنصوص عليها في المادتين 76 و 77 قانون الإجراءات المدنية و الادارية ويقابلهما المادتين 165, 167 من نفس القانون، والتي تتم إما بمستندات أو الشهود وإن لزم الأمر بواسطة خبير.
- وحدة الطبيعة القانونية : إذ تشكل كل من هذه الدفوع ، دفوعا موجهة إلى الدليل الكتابي الذي يستند إليه الطلب وذلك من خلال إهدار حجيته في الإنبات .
- وحدة الهدف : كل من هذه الدفوع يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، وهي معرفة ما إذا كان المحرر صحيحا أو غير صحيح.
ب - أوجه الاختلاف :
- بالنسبة لمحل الدفع : فالدفع بالإنكار أو الدفع بعدم العلم يردان على المحررات العرفية فقط أما الدفع بالتزوير ويرد على المحررات الرسمية والعرفية على السواء.
- بالنسبة لنطاق الادعاء : فالدفع بالإنكار أو الدفع بعدم العلم ينصبان على واقعة حصول الكتابة أو التوقيع دون التعرض لمضمون المحرر، ذلك أن عدم الدفع بهما يجعل ما هو منسوب إلى صاحب المحرر من توقيع حجة بما دون فيه، في حين أن الدفع بالتزوير ينصرف إلى التوقيع والمضمون معا في غالب الأحيان .
بالنسبة لميعاد التمسك بهما : إن الدفع بالتزوير يجوز التمسك به حتى ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا، في حين أن الدفع بالإنكار أو عدم العلم لا يجوز إنارتهما لأول مرة أمام جهة الاستئناف، أما الدفع هما أمام المحكمة العليا فهذا غير جائز كون هذه الأخيرة محكمة قانون وليست محكمة موضوع .
- بالنسبة لعبء الإثبات : إن المنكر للمحرر العرفي أو الورثة لا يقع عليهما أي عبء إنبات وإنما الخصم هو الذي يلتزم بإثبات صحة هذا المحرر العرفي في حين أن المدعي بالتزوير يقع عليه عبء إثبات عدم صحة الورقة المطعون فيها بالتزوير.
- بالنسبة للإثبات بالشهود: في حالة الإنكار أو عدم العلم، فإن الإثبات بالشهود يقتصر على واقعة حصول الكتابة أو التوقيع دون التصرف، في حين أن الإثبات بالشهود في الادعاء بالتزوير يشمل التوقيع أو الكتابة وأيضا مضمون الورقة .
و- بالنسبة لترتيب الطعون : فالطعن بالتزوير يعد طريقا صعبا وبالتالي فسلوك هذا الطريق ابتداء يعد - مانعا بعد الفشل فيه من سلوك طريق الإنكار أو الجهالة اللذان يعدان طريقا سهلا ، وفي المقابل من فشل في الإنكار أو عدم العلم يجوز له التمسك بالادعاء بالتزوير بعد ذلك .