بحث قانوني حول ضمان عدم التعـرض و ضمان الاستحقاق
في عقد البيع و تطبيقاته على عقد الشركة
الفـصل الأول ضمان عدم التعـرض و ضمان الاستحقاق في عقد البيع و تطبيقـاته على عقد الشركة
المبحث الأول ضمان عدم التعرض في عقد البيع
المطلب الأول : ضمان عدم التعرض الشخصي
المطلب الثاني : ضمان عدم تعرض الغير في عقد البيع
المبحث الثاني : ضمان الاستحقــــــاق في عقد البيع
المطلب الأول : عناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الكلي
المطلب الثاني : عناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الجزئي
المطلب الثالث: الاتفاقات المعدلة لأحكام ضمان الاستحقاق
المبحث الثالث: تطبيقات أحكام الضمان في عقد البيع على عقد الشركة
المطلب الأول : طبيعة الحصص المقدمة في عقد الشركة
المطلب الثاني : مجال تطبيق أحكام ضمان البيع على عقد الشركة
الفصـل الثاني : ضمان عدم التعرض والاستحقاق في عقد الإيجار وتطبيقاته على عقد الشركة
المبحث الأول : ضمان عدم التعرض في عقد الإيجار
المطلب الأول : ضمان المؤجر لأعماله الشخصية
المطلب الثاني : ضمان المؤجر لعدم تعرض الغير
المطلب الثالث : ضمان الاستحقاق في عقد الإيجار
المبحث الثاني : تطبيقات أحكام الضمان في عقد الإيجار على عقد الشركة
المطلب الأول : طبيعة الحصص المقدمة في عقد الشركة
المطلب الثاني : مجال تطبيق أحكام ضمان الإيجار على عقد الشركة
الخـاتمــة
مقــدمة
تختلف العقود باختلاف موضوعاتها و غاياتها و القواعد و الأحكام المنظمة لكل منها ،فالبيع مثلا موضوعه نقل الملكية بعوض و لما كان هدف المشتري من الشراء الحصول على المبيع بكافة سلطات المالك عليه،و الانتفاع به انتفاعا هادئا و مستمرا فإنه لا يكفي لتحقيق ذلك أن يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري و تسليمه إليه ،بل يلزم فضلا عن ذلك أن يضمن لهذا الأخير ملكية المبيع و حيازته حيازة هادئة و بمقتضى هذا الضمان يلتزم بالامتناع عن كل ما من شأنه حرمان المشتري من الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه .
و يعرف القانون المدني عقد البيع في المادة 351 منه التي وردت في الأحكام العامة على أنه ( عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا في مقابل ثمن نقدي ) و من هنا يمكنني القول أن عقد البيع يتميز بأنه : عقد رضائي ( كقاعدة عامة)، عقد ملزم لجانبين ، عقد معاوضة ، عقد ناقل للملكية. وبما أنه عقد ملزم لجانبين فمتى كان صحيحا فإنه يرتب التزامات متقابلة على عاتق طرفيه تخول لأحداهما الدفع بعدم التنفيذ طبقا لنص المادة 123 من القانون المدني أو طلب الفسخ طبقا لنص المادة 119 من القانون المدني و ذلك متى توافرت الشروط، وما يهمني هي الالتزامات الواقعة على عاتق البائع بسبب عقد البيع وهي : الالتزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري طبقا لنص المادة 361 من القانون المدني ، والالتزام بتسليم المبيع إلى المشتري طبقا لنص المادة 364 من القانون المدني ، وكذلك الالتزام بضمان عدم التعرض و ضمان الاستحقاق طبقا لنص المادة 371 من القانون المدني و الالتزام بضمان العيوب الخفية ، وموضوع الدراسة ينصب على الالتزام الثالث ألا و هو ضمان عدم التعرض و الاستحقاق .
و التزام البائع بالضمان يعد في حقيقة الأمر التزاما مزدوجا فهو من ناحية يلتزم بعدم التعرض شخصيا للمشتري أي التزام بالامتناع ، ومن ناحية أخرى يلتزم بضمان التعرض الصادر من الغير و هذا التزام إيجابي فإذا حصل تعرض التزم هذا الأخير بدفعه تنفيذا عينيا لالتزامه ،فإذا أخفق في دفعه و استحق المبيع للغير جزئيا أو كليا فيلتزم بضمان الاستحقاق ، والالتزام بالضمان يعتبر مجرد امتداد للالتزام بالتسليم إذ لا جدوى من تسليم المبيع إذا كان يعقبه ما يؤدي إلى سلب ملكية المشتري أو إلى حرمانه من الانتفاع بالمبيع .
و يلاحظ أن الالتزام بضمان عدم التعرض و الاستحقاق لا يقتصر على عقد البيع و إنما يوجد في كافة التصرفات الناقلة للملكية كالهبة و الشركة و كذلك القسمة والشفعة ، كما يوجد هذا الالتزام أيضا في العقود الواردة على حق الانتفاع كالإيجار و الإعارة ،و لذلك كان من المفروض و ضع أحكام الضمان ضمن النظرية العامة للالتزام ،و لكن مرعاة من المشرع في أن عقد البيع هو العقد الذي يغلب فيه استعمال الضمان فقد رأى أن يضع فيه القواعد العامة له ، كما أنه و من جهة أخرى و بالرجوع إلى التطور التاريخي لعقد
البيع خاصة في القانون الروماني فإن الضمان مرتبط بهذا النوع من العقود، و لقد انتهج القانون المدني الفرنسي هذا النهج فنظم أحكام الضمان في عقد البيع و اتبعه في ذلك القانون المصري و كذلك القانون الجزائري الذي نص على ذلك في القانون المدني منه، و اكتفى في العقود الأخرى بالإحالة إليه مع بيان ما يتميز به الضمان في كل عقد من أحكام مختلفة عنه.
و هو ما ألاحظه في تنظيم المشرع لأحكام عقد الإيجار إذ ميز الضمان ببعض الأحكام الخاصة ، نظرا لأهمية هذا العقد البالغة في الحياة الاجتماعية و حماية للطرف الضعيف في هذا العقد و هو المستأجر الذي لا يطلب تمليك المنفعة أو العين المؤجرة كما هو الحال بالنسبة للمشتري إزاء المبيع ، ولكنه يسعى إلى ضمان الانتفاع المؤقت بالعين المؤجرة فقط .
و إذا كان المشرع قد أورد أحكام الضمان في عقد البيع و ميز كل عقد بأحكام خاصة كما فعل في عقد الإيجار.إلا أنه في عقد الشركة طبق الضمانين معا و كان المعيار الفاصل بينهما هو طبيعة الحصة التي قدمها الشريك و أساس تقديمها، هل هي على أساس التمليك أو على أساس الانتفاع ؟ و نظرا لأهمية الموضوع و انعكاساته على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، ارتأينا تناول الموضوع و تفصيله من خلال طرح عدة إشكالات أهمها :
1- ما مفهوم ضمان عدم التعرض و ضمان الاستحقاق ؟
2 - كيف تناول المشرع أحكام ضمان عدم التعرض و الاستحقاق في عقد البيع ؟ .
3 - ما الذي يميز هذا الضمان في عقد الإيجار ؟ .
4 - كيف يتم تطبيق الضمانين على عقد الشركة ؟ أو بالأحرى كيف يتم الضمان في عقد الشركة ؟ .
الفصل الأول : ضمان عدم التعرض والاستحقاق في عقد البيع وتطبيقاته على عقد الشركة يخضع كل من عقد البيع وعقد الشركة وعقد الإيجار لالتزام مهم يتمثل في ضمان التعرض والاستحقاق المترتب عن نقل الملكية أو الالتزام بتسليم الحصة المتفق عليها لإنشاء الشركة أو الالتزام بتسليم العين المؤجرة (1).
ويتناول هذا الفصل ضمان التعرض والاستحقاق في عقد البيع وتطبيقاته على عقد الشركة وينشأ هذا الضمان على البائع عندما يستلم المشتري المبيع ومن ثم يجب على البائع أن يقوم بتنفيذ التزاماته ومن بينها تمكين المشتري من المبيع والانتفاع به انتفاعا هادئا، وفي حالة ثبوت ملكية المبيع للغير كله أو بعضه فيقع عليه الالتزام بالتعويض إذا كان له مبرر أي ضمان الاستحقاق. إلا أن البائع يلتزم بالتزام واحد وأصيل وهو ضمان التعرض، أما ضمان الاستحقاق فهو نتيجة يلجأ إليها في حالة فشل هذا الأخير في تنفيذ التزامه أي عدم تمكنه من التنفيذ العيني فيتوجب عليه حينها القيام بالتنفيذ بمقابل ( ضمان الاستحقاق ) ويقصد به ثبوت حق للغير على المبيع مهما كان هذا الحق سواء كان عيني كالملكية أو حق متفرع عنها كحق الارتفاق أو حق غير عيني كحق الإيجار أو كان هذا الاستحقاق كليا أو جزئيا.
وقد يضاف إلى ضمان التعرض كلمة (عدم) وتصبح ضمان عدم التعرض وعندها يتغير المعنى وحيث يقصد (بضمان التعرض) ترتيب المسؤولية المالية على البائع في رد الثمن أو التعويض للمشتري في حالة الاستحقاق فيقصد (بضمان عدم التعرض) هو التكفل أي أن البائع يكفل ويضمن للمشتري عدم تعرض احد له في المبيع، ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد استعمل المصطلحين في القانون المدني فاستعمل في المادة 371 منه والمتعلقة بعقود البيع مصطلح (ضمان البائع عدم التعرض ) واستعمل في المادة 483 منه المتعلقة بعقود الإيجار مصطلح ( ضمان التعرض).
وقد يطلب المشتري كفيلا من البائع قبل إبرام العقد والغاية من ذلك هو الرجوع بالضمان على الكفيل في حالة إعسار البائع لأنه يبقى ملتزما إلى جانبه ويتحقق هذا الالتزام إذا كان سبب التعرض قائما وقت إبرام البيع سواء بفعل البائع أو بفعل الغير ويحرم المشتري كليا أو جزئيا من المبيع فلا يكفي مجرد الخوف (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني، العقود التي تقع على الملكية(البيع والمقاضية )دار التراث العربي، ص 62.
(2)– عبد الرزاق السنهوري – نفس المرجع ، ص 626.
ولقد نظم المشرع هذا الموضوع في الباب السابع المتضمن العقود المتعلقة بالملكية في الفصل الأول منه الخاص بعقد البيع المواد من 371 إلى 378 من القانون المدني الجزائري وعليه سنتناول في هذا الفصل الأول ضمان عدم التعرض والاستحقاق في عقد البيع وتطبيقاته على عقد الشركة ونخص المبحث الأول منه لضمان عدم التعرض والذي يتضمن في المطلب الأول ضمان عدم التعرض الشخصي وفي المطلب الثاني ضمان عدم تعرض الغير أما المبحث الثاني فخصصناه لضمان الاستحقاق وخصصنا المطلب الأول منه لعناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الكلي أما المطلب الثاني فيتضمن عناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الجزئي أما المطلب الثالث فيتضمن الاتفاقات المعدلة لأحكام الضمان وفي المبحث الثالث نتعرض إلى تطبيقات أحكام الضمان للبيع المطبقة على عقد الشركة.
المبحث الأول: ضمان عدم التعرض في عقد البيع
يعرف التعرض بأنه كل عمل مادي أو قانوني يصدر من البائع ويحول دون حيازة المشتري للمبيع حيازة هادئة ودون الانتفاع به بحسب الغرض المعد له والذي كان سبب شراءه للمبيع سواء كانت الحيلولة كلية أو جزئية، ولقد جمع المشرع الجزائري ضمان التعرض الشخصي وضمان تعرض الغير في نص المادة 371 من القانون المدني والتي تنص ( يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير يكون له وقت البيع حقا على المبيع يعارض به المشتري ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حق ذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه) (1).
ويتضح من هذا النص أن ضمان التعرض الشخصي لا يشترط فيه أن يكون تعرضا قانونيا إذ أن البائع بمقتضى عقد البيع ملتزم بالامتناع عن التعرض للمشتري ولو كان تعرضا ماديا. أما تعرض الغير فلا يضمنه البائع إلا إذا كان تعرضا قانونيا(2).وعليه يوجد نوعين من التعرض :
أ/ تعرض شخصي.
ب/ تعرض صادر من الغير.
ولكل نوع خصوصيته وعليه قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين نخصص المطلب الأول لدراسة ضمان عدم التعرض الشخصي وفي المطلب الثاني ضمان عدم تعرض الغير، أما المطلب الثالث فسنتطرق إلى تطبيق أحكام هذا الضمان على عقد الشركة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 371 من القانون المدني الجزائري تقابلها المادة 439 قانون مدني مصري وهي أكثر وضوحا إذ تنص (ويكون البائع ملزما بالضمان ولو كان الأجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليه من البائع نفسه) وهي مطابقة للنص الفرنسي الذي يقول:
( Le vendeur est tenu de la garantie, encore que le droit de tiers soit postérieur à la vente, pourvu qu'il procède du vendeur lui même)
(2) - محمد حسنين – عقد البيع في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 128.
المطلب الأول: ضمان عدم التعرض الشخصي
يستند التزام البائع بالضمان إلى عقد بيع صحيح فلا التزام إذا كان العقد باطـلا بطلانا مطلقا أو قضي بإبطالـه( بطلان نسبي)، والتعرض الشخصي هو كل عمل، مادي أو قانوني مباشر أو غير مباشر صادر من البائع ويكون من شأن هذا العمل حرمان المشتري من الانتفاع بالمبيع كليا أو جزئيا والالتزام بالضمان أن يمتنع عن القيام بهذه الأعمال عملا بقاعدة( من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض . (1)(
الفرع الأول: مفهوم التعرض الشخصي
قد يكون التعرض تعرضا ماديا أو قانونيا سواء كان مباشرا أو غير مباشر في كلتا الحالتين، إلا أن التقسيم الأول هو الشائع والذي سنخصه بالدراسة.
التعرض المادي: ( trouble de fait ): هو الذي لا يستند فيه البائع إلى حق يدعيه، بحيث يترتب عليه حرمان المشتري من الانتفاع بالمبيع كليا أو جزئيا وقد يكون مباشرا ( كاغتصاب البائع للعين المبيعة من المشتري ) وقد يكون غير مباشر ( كما إذا تسبب البائع في أن تصدر جهة الإدارة قرارا يحد من الانتفاع بالأرض المبيعة )(2) ، وهذا التقسيم بدوره يتفرع إلى قسمين:
1/ أعمال مادية محضة : كقيام شخص ببيع براءة اختراعه ثم يقوم باستغلالـها بعد ذلك، فان هذا الاستغلال يعتبـر تعرضا(3) أما إذا تعرض البائع للمشتري بعمل من أعمال التعدي أو العنف فانه يكون مسؤولا عن عمله كأي شخص أخر ارتكب عملا غير مشروع، لا كبائع ملتزم بضمان عدم التعرض.
2/ أعمال مادية ناتجة عن تصرفات قانونية : فالتصرف القانوني الصادر من البائع إلى الغير يعد عملا ماديا بالنسبة للمشتري لأنه ليس طرفا في هذا التصرف. ومثال ذلك أن يقوم البائع ببيع الشيء مرتين فهنا نكون أمام تعرض مزدوج فهو تعرض من المشتري الثاني ( يعتبر كغير لأنه استمد حقه من تصرف البائع ) وعليه فان مصدر هذا التعرض واصله هو البائع.
التعرض القانوني : ( trouble de droit ):هو الذي يستند فيه البائع إلى حق ( كما إذا ادعى انه مالك للمبيع أو صاحب حق عيني كحق انتفاع أو ارتفاق أو صاحب حق عيني آخر )(4) ( trouble de droit atteinte fondée sur un droit prétendu) ، كما قد يستند البائع إلى حق سابق عن عقد البيع أو لاحق له كأن يبيع البائع عقار للمشتري دون أن تتم إجراءات الشهر التي تؤدي إلى نقل الملكية وخلال هذه المدة يرفع البائع دعوى على المشتري باعتباره انه لا يزال مالكا للعقار، ففي هذه الحالة يستطيع المشتري أن يدفع بضمان البائع لتعرضه، إذ انه لا يجوز الاسترداد لمن وجب عليه الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
- عبد الرزاق السنهوري - مرجع سابق، ص 622.
-خليل احمد حسن قدادة ،الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، الجزء الرابع، عقد البيع، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، الجزائر ص 128.
- عبد الرزاق السنهوري - نفس المرجع، ص 627.
- توفيق حسن فرج- الوجيز في عقد البيع، طبعة 1988 ، الدار الجامعية ، الإسكندرية، ص 120.
أو أن يبيع عينا غير مملوكة له ثم يصبح مالكا لها لسبب من أسباب الملكية ( الإرث ، الوصية ، .. ) فيحتج البائع بصفته الجديدة ففي هذه الحالة يستطيع المشتري الدفع بالتزام البائع بالضمان (1) .
- فهل يعتبر تملك البائع للعقار بالتقادم المكسب تعرضا للمشتري ؟ .
ففي هذا المجال تعددت الآراء ، حيث استقر ( القضاء الفرنسي ) : على أن البائع لا يستطيع في هذه الحالة أن يحتج بالتقادم على المشتري، لأنه ملتزم بالضمان وهذا الالتزام أبدي لا يسقط بالتقادم ويحق للمشتري في هذه الحالة أن يتمسك بقاعدة ( من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض ) إلا أن هذا الرأي مردود عليه على أساس أنه متى تم فعلا التعرض من البائع كان للمشتري دعوى الرجوع عليه وهذه الدعوى تسقط كسائر الدعاوى بانقضاء 15 سنة من وقت وقوع التعرض. إلا أن ( القضاء في مصر) انقسم إلى قسمين: فالأول يؤيد رأي محكمة النقض الفرنسية أما الثاني فله وجهة نظر أخرى، على أساس أن التزام البائع ابدي أي انه في حالة وقوع تعرض ولو بعد مضي 15 سنة وجب على البائع الضمان أما إذا وقع التعرض فعلا وسكت عليه المشتري ومضى على وضع يد البائع 15 سنة انقلب سببا مشروعا للتملك ، لا يحول دون التزام البائع بالضمان .أما فيما يخص ( اجتهادات المحكمة العليا ) فإننا لم نجد أي قرار أو اجتهاد يخص هذه النقطة بالتفسير وعليه نرجع إلى موقف القضاء الفرنسي لأنه الأقرب للصواب في نظرنا.
الفرع الثاني : خصائص ضمان عدم التعرض الشخصي وشروطه
ولهذا الالتزام خصائص و شروط يجب توفرها وهي:
1) خصائص ضمان التعرض الشخصي: يتصف الالتزام بضمان التعرض الشخصي بالخصائص التالية :
1/ عدم قابليته للتجزئة : فهو التزام بالامتناع عن عمل من شأنه أن يحرم المشتري من الانتفاع من المبيع كليا أو جزئيا ، فلا يمكن أن ينفذ البائع جزء منه دون الآخر. فإذا كان المبيع قابل للانقسام وتعدد البائعون فلا يجوز لأي منهم أن يتعرض للمشتري في أي جزء من المبيع ، ذلك لان هذا الالتزام لا يقبل التنفيذ الجزئي وبالتالي فإن الدفع بالضمان بدوره لا يقبل التجزئة .
2/ انه التزام مؤبد : فلا يجوز للبائع أن يتعرض للمشتري مهما طال الزمن على انعقاد عقد البيع ولقد أخذ المشرع الجزائري بمبدأ أبدية الضمان ووضح ذلك في المادة 371 من القانون المدني ونص على أن (التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي ابدي لا يسقط بالتقادم) فالالتزام بالضمان من شأنه أن يمنع البائع من التمسك بالتقادم المكسب والمسقط على السواء وهذا ما جرى عليه قضاء محكمة النقض الفرنسية، أما محكمة النقض المصرية ذهبت إلى أن الالتزام بالضمان لايحول دون اكتساب البائع للملكية بالتقادم المكسب وإن كان يحول دون سقوط دعوى صحة ونفاذ عقد البيع بالتقادم، وأرى أن قضاء محكمة النقض الفرنسية قضاء منطقي يتفق مع القول بأبدية الالتزام بالضمان فهو الأرجح (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- تنص المادة 398 ف 2 من القانون المدني (يعتبر البيع صحيحا في حق المشتري إذا اكتسب البائع ملكية المبيع بعد انعقاد البيع). فالبائع ليس ملزم بالتزامين: التزام بضمان عدم التعرض وآخر بضمان الاستحقاق بل هو التزام واحد ( ضمان عدم التعرض) .
(2)- خليل احمد حسن قدادة ، مرجع سابق، ص147 (قرار بتاريخ 25 /06 /1986،مجلة قضائية سنة 1992 عدد 3 ص 11).
3/ انتقال الالتزام بالضمان إلى الورثة : إن المدين في الالتزام بالضمان هو البائع ويتعهد هذا الأخير بالامتناع عن القيام بأي تعرض للمشتري في المبيع لأنه خرج من ملكيته فلا يمكن التصرف فيه لأنه أصبح ملكا للمشتري ،أما بالنسبة للدائن فهو الذي يلزم البائع بتنفيذ التزامه والامتناع عن أي تعرض يحول دون انتفاعه بملكية المبيع وبما أن المدين هو البائع فهل ينتقل هذا الالتزام إلى ورثته؟ .إننا نجد كل من (القانون الجزائري) و(القانون المصري) ينصان على عدم إمكانية انتقال الالتزام بالضمان إلى الورثة بل يبقي في تركة البائع فلا يستطيع الورثة أن يستوفوا حقوقهم من التركة إلا بعد سداد الديون،عكس ما ذهب إليه (القانون الفرنسي) وهو إمكانية انتقال الدين إلى الورثة عند قبولهم التركة ولا يمكن أن يكون هذا الضمان دين إلا في حالة وقوع التعرض وفشل البائع في دفعه فيلتزم بالتنفيذ عن طريق التعويض وفي حالة وفاة البائع ينتقل هذا الدين إلى تركته،حيث جاء في الحكم الصادر عن محكمة النقض المصرية بتاريخ 29/04/1975 أن التزام البائع بالضمان من الالتزامات الشخصية التي تنشأ عن عقد البيع بمجرد انعقاده فيتعين عليه تنفيذه عينا بدفع ادعاء الغير بجميع الوسائل القانونية فان لم ينجح وجب عليه تنفيذ التزامه عن طريق التعويض ويتنقل هذا الالتزام من البائع إلى ورثته فيمتنع عليهم كذلك والى الأبد التعرض للمشتري فيما كسب من حقوق بموجب العقد، ولكن مع غياب نص قانوني جزائري يدعم هذا الاجتهاد فانه لايمكن الاستناد على الاجتهاد المصري وإنما يتعين علينا الاكتفاء بالقواعد العامة للقانون. فلا ينتقل هذا الالتزام إلى الخلف الخاص ولا إلى دائن البائع ومنه يبقى الملزم بالضمان البائع فقط (1).
وتجدر الإشارة إلى أن ضمان التعرض لا يقبل الانقسام بين ورثة البائع بينما ضمان الاستحقاق يقبل ذلك، فإذا تعدد الورثة ليس على المشتري أن يطالب بالتعويض إلا في حدود نصيب كل وارث، أما بالنسبة للدائن في الالتزام بالضمان فهو المشتري.فهل يمكن انتقال هذا الالتزام إلى ورثته؟.
نعم ينتقل حق المشتري في الضمان إلى خلفه العام والخاص (2) .فالتزام البائع بالضمان يشمل كل أنواع البيوع سواء كانت قضائية أو إدارية أو رضائية بخلاف ضمان العيوب الخفية (3).
شروط هذا الالتزام : فليس كل عمل يعد تعرضا يصح أن يقوم على أساسه الالتزام بالضمان، بل هناك شروط يجب توفرها ومن هذه الشروط ما يتعلق بعقد البيع ومنها ما يتعلق بالتعرض في حد ذاته.
أ) الشروط المتعلقة بعقد البيع :
1/ أن يكون العقد صحيحا : فلا التزام بالضمان إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا أو قضي بإبطاله في حالة البطلان النسبي (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1–أنور طلبة – عقد البيع في ضوء قضاء النقض، توزيع دار الفكر العربي، القاهرة، ص 157.
(2)– عبد الرزاق السنهوري– مرجع سابق ، ص 635.
(3) – محمد حسنين – مرجع سابق ، ص149.
(4) - محمد حسنين – نفس المرجع ، ص128، يكون العقد باطل بطلانا مطلقا كقاعدة عامة (إذا تخلف ركن من أركانه واستثناء –الرسمية – في العقود المنصوص عليها في المادة 324 مكرر1 من القانون المدني) أما البطلان النسبي ( في حالة ما إذا شاب إرادة احد الطرفين عيب من عيوب الإرادة (الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال، نقص الأهلية ) .
2 /أن يكون العقد عقد بيع : أي عقد يتضمن الالتزام بضمان التعرض والاستحقاق لان العبرة بالتكييف القانوني لا الوصف الذي يعطيه الأطراف، وفي هذه الحالة فان القاضي غير مقيد بهذا الوصف وإنما له السلطة التقديرية في التكييف ،فإذا كان عقد البيع وارد على عقار فلا يهم أن يكون مسجل أو غير مسجل إلا انه بصورته هذه ينشأ التزامات شخصية على عاتق البائع ومن بينها الالتزام بضمان التعرض والاستحقاق (1)، وذلك على خلاف ماتراه الأستاذة(ليلى زروقي)في محاضراتها (أن الالتزامات التي تقع على البائع من تسليم وضمان) تبدأ من تاريخ القيد وليس من تاريخ إبرام العقد. كما يتحقق ضمان التعرض في كافة البيوع حتى في حالة البيع بالمزاد،وهذا بخلاف الضمان في حالة العيوب الخفية.
ب) الشروط المتعلقة بالتعرض في حد ذاته :
1/ أن يكون التعرض صادر من البائع: أي أن يحول البائع دون الانتفاع بالمبيع كليا أو جزئيا وبغض النظر عما إذا كان التعرض كان ماديا أو قانونيا، أو كان مباشرا أو غير مباشر(2) فلا يعد تعرضا من البائع إذا قام بالتنفيذ الجبري على المبيع استيفاء للثمن أو فسخ العقد لعدم دفع الثمن أو استعماله لحق الشفعة الذي لا يتضمن إنكار لحق المشتري الأصلي.
2/ أن يقع التعرض فعلا : فلا يكفي احتمال وقوع التعرض أو تهديد البائع المشتري بالتعرض له.
الفرع الثالث : جزاء الإخلال بضمان عدم التعرض الشخصي
ويتمثل جزاء الإخلال بهذا الالتزام في انه إذا كان هذا التعرض تعرضا ماديا، يمكن أن يطالب المشتري بالتنفيذ العيني،أو يطلب الفسخ( مع التعويض في الحالتين) وفقا للقواعد العامة ويقضي بالتنفيذ العيني إن كان ممكنا كما لو كان المبيع منقولا واغتصبه البائع فيحكم برده للمشتري ما لم يكن البائع قد تصرف فيه لمشتر آخر حسن النية وسلمه له وتمسك المشتري الجديد بقاعدة ( الحيازة في المنقول سند الحائز) أو كان المبيع عقارا واغتصبه البائع أو بني فيه، فيحكم بطرد البائع ووقف الأعمال الجديدة فيه أو هدمها، وللقاضي هنا أن يحكم بالغرامات التهديدية على البائع وذلك لحمله على التنفيذ العيني لالتزامه بعدم التعرض. وإذا كان هذا التعرض تعرضا قانونيا كرفع البائع دعوى على المشتري وهي دعوى استرداد المبيع و تثبيت الملكية و للمشتري أن يدفع بدعوى الالتزام بالضمان وتقضي المحكمة برفض الدعوى وللقاضي أن يحكم بفسخ البيع إذا طلبه المشتري وكان تعرض البائع جسيما، وله أن يرفض طلب الفسخ لأن هذا الطلب يخضع لتقدير القاضي طبقا للقواعد العامة، ما لم يكن متفقا على اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه عند تعرض البائع، حيث يتعين على القاضي أن يقضي بالفسخ في هذه الحالة مع مراعاة قواعد الأعذار ويحكم القاضي بتعويض المشتري في جميع الأحوال إذا أصابه ضرر نتيجة تعرض البائع له وطلب المشتري تعويض هذه الأضرار(3)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سليمان مرقس – شرح القانون المدني، الطبعة الرابعة، دار الهناء للطباعة القاهرة، ص 366.
(2)– توفيق حسن فرج – مرجع سابق، ص 119.
(3)– عبد الناصر توفيق العطار – شرح أحكام البيع، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 220.
ويمكن تعديل أحكام هذا الضمان إما عن طريق :
أ) الإعفاء من الضمان: فلا يمكن للبائع إعفاء نفسه منه حتى ولو اشترط في العقد فان هذا الشرط يقع باطلا حسب نص المادة 378 من القانون المدني الجزائري(يبقىالبائع مسؤولا عن كل نزع يد ينشأ عن فعله ولو وقع الاتفاق على عدم الضمان ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك).
ب) الاتفاق على زيارة الضمان : ومن ذلك أن يشرط المشتري على البائع أن يقدم كفيلا بالضمان وذلك في حالة ما إذا أراد المشتري الانتفاع بالمبيع انتفاعا خاصا، وقد يشمل هذا الاتفاق التوسيع في سبب الضمان أو في آثار التعرض كمجال التعويض مثلا (1) وبالتالي نكون أمام الشرط الجزائي (clause pénale) (2) والذي هو تقدير اتفاقي للتعويض سواء كان عن التنفيذ أو عن التأخير فيه ويحصل قبل وقوع الضرر. ويتميز الشرط الجزائي عن باقي الشروط بأنه:
1/التزام تبعي لالتزام أصلي : (الملزم به المدين أصلا) فكل مايلحق الالتزام الأصلي يلحق الالتزام التبعي.
2/ التزام احتياطي: (subsidiaire) لأنه تعويض، ويكون عند عدم التنفيذ العيني.
3/ تقديرجزافي: (forfaitaire) للتعويض لأنه على اتفاق مسبق.وللقاضي السلطة التقديرية في تخفيض الضمان بالشرط الجزائي حسب درجة الضرر،فإذا كان هناك شك في وجود هذه الأحكام فانه يتعين تفسير الشك لمصلحة المدين (البائع) عملا بأحكام نص المادة 112 الفقرة1 من القانون المدني الجزائري .
ج) الإنقاص من الضمان : من ذلك الاتفاق على إنقاص ما يستحق المشتري من تعويضات وهذه الشروط المخففة نجدها مألوفة في مجال العقود وهي ما يعرف بـ: (clause de style) وقاضي الموضوع هو الذي يفصل في وجود أو عدم وجود مثل هذه الشروط .
- فهل تبقي هذه الشروط سارية في حالة ما إذا ثبتت سوء نية البائع؟
فللإجابة على هذا السؤال نرجع إلى نص المادة 377 فقرة1، فقرة 3 من القانون المدني الجزائري والتي تنص:في الفقرة1(يجوز للمتعاقدين بمقتضي اتفاق خاص أن يزيدا في ضمان نزع اليد أو ينقصا منه أو يسقطاه) وهذه هي القاعدة العامة. أما الفقرة الثالثة فهي تنص( يكون باطلا كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا تعمد البائع إخفاء حق الغير) وهذا هو الاستثناء، إلا أنها تتضمن الاتفاقات الخاصة بضمان تعرض الغير.
- فهل يمكن تطبيق أحكام الفقرة الثالثة على الاتفاقات الخاصة بضمان التعرض الشخصي؟
فإذا كان البائع ملزم بضمان تعرض الغير فانه من باب أولى أن يضمن تعرضه الشخصي ومتى كانت سوء نيته تحرمه من الاستفادة بتخفيف أحكام الضمان لتعرض الغير للمشتري فانه من باب أولى أن يحرم من الاستفادة بتخفيف أحكام الضمان لتعرضه الشخصي وذلك عملا بالقاعدة التي مفادها ( أن الغش يفسد كل شيء).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق، ص 639.
(2)- هذا الشرط تحكمه المواد( 183،184) من القانون المدني الجزائري .
المطلب الثاني : ضمان عدم تعرض الغير في عقد البيع
يقصد بالغير كل شخص أجنبي عن العقد يدعي حقا على الشيء ويرفع به دعوى على المشتري ويقوم هذا الضمان على دفع تعرض الغير الذي يستند على حق يدعيه ويكون ثابت له وقت البيع أو انتقل إليه بعد البيع من طرف البائع نفسه، وبالتالي يلتزم هذا الأخير بدفع تعرض الغير، و تنص المادة 371 من القانون المدني الجزائري (...من فعل الغير يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري) فمن هذه الفقرة يتبين لي أن التزام البائع بضمان التعرض لا يقتصر فقط على أفعاله الشخصية وإنما على أفعال الغير والتي تمثل تعرضا للمشتري في حيازته . ولا يلتزم البائع بان يدفع تعرض الغير إلا إذا كان ذلك التعرض قانونيا، بينما أجد أن ضمان التعرض الشخصي يلزم البائع بالامتناع عن تعرضه الشخصي سواء كان التعرض ماديا أو قانونيا ويشمل ضمان تعرض الغير التزامين على عاتق البائع وهما التزامه بدفع تعرض الغير والتزامه بتعويض المشتري إذا ما اثبت الغير ما يدعه من حق وهذا هو ما يسمى بضمان الاستحقاق.
الفرع الأول : مفهوم ضمان عدم تعرض الغير
فهذا الالتزام الذي يقع على البائع يسميه البعض ( التزام الضمان الأصلي ) ذلك لان هذا الالتزام يقع على البائع وينشأ مباشرة من عقد البيع، فهذا الالتزام لا يتم تنفيذه دفعة واحدة بل يتجدد تنفيذه بتجدد الزمن لذلك فهو دائم لا يرد عليه التقادم وهو بطبيعته لا يقبل التجزئة.حيث أن المادتين 372 ، 373 من القانون المدني الجزائري نصتا عن حالة ما إذا رفع الغير دعوى استحقاق على المشتري يدعي فيها بأنه يملك المبيع كله أو بعضه، أو يدعي حقا على المبيع كحق الرهن مثلا أو ينكر فيها حقا للمبيع كحق الارتفاق وعليه فان سبب الالتزام قائم مما يستلزم معه قيام التزام البائع بضمان تعرض الغير(1) وعلى البائع أن يبدأ في تنفيذ التزامه بان يدخل في دعوى الاستحقاق إلى جانب المشتري أو أن يحل محله بدفع ادعاء الغير إلى أن يصدر حكما برفض دعواه ومتى تحقق ذلك يكون قد نفذ التزامه بضمان تعرض الغير تنفيذا عينيا. ومن خلال أحكام هذين المادتين ، نجد أن المشرع وضع إجراءات لكل من المشتري والبائع وذلك لاستقرار المعاملات، ذلك لأنه في حالة ثبوت ادعاء الغير في دعوى الاستحقاق وبحسب نوع الحق الذي يدعيه هذا الغير قد يسلب المبيع من المشتري أو يتم الإنقاص من منافعه كما يمكن فسخ العقد الذي أجراه البائع ونتيجة لذلك يرد ثمن المبيع وما قد يترتب من تعويضات.فكانت المصلحة بينهما مشتركة وهي حماية حقوقهما وكي لا يؤخذ المشتري بسبب جهله ولا يفاجئ البائع بحكم وقد كان لديه ما يدفعه. فإذا قصر احدهما حمله القانون نتيجة تقصيره.وعلى المشتري متى رفع الغير دعوى الاستحقاق أن يخطر البائع بذلك(2) ولا يوجد ما يمنعه من إدخاله في الدعوى كضامن، وعلى البائع أن يتدخل ويحل محله وإذا علم البائع بذلك عن طريق آخر فانه يجوز له أن يتدخل من تلقاء نفسه. كما يجوز للغير المدعي في دعوى الاستحقاق أن يدخل البائع كضامن (3).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص 663.
(2)- ليس لهذا الإخطار مواعيد خاصة ولا شكل معين، إلا أنه يقع على المشتري عبء الإثبات إذا كان الإخطار شفويا.
(3)- و ذلك تطبيقا للقواعد العامة في قانون الإجراءات المدنية في الأحكام المتعلقة بالتدخل و الإدخال (المواد:81،82،83 قانون الإجراءات المدنية ).
- فهل يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإدخال البائع في الدعوى كضامن؟
ففي قانون المرافعات المصري وفي المادة 144 منه تنص على ذلك. وإذا رجعنا إلى القانون الجزائري فإننا لا نجد نص مقابل ، وقد اعتبرت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 09/02/1981 تحت رقم 21564 ( أن القاضي بحكم محايد لا يفصل سوى فيما يعرض عليه من طلبات و لا يتعدى حدودها) وبذلك لا يمكن للمحكمة أن تدخل الغير من تلقاء نفسها.وإذا تأخر البائع بعد إخطاره من المشتري يعتبر مقصرا في واجبه القانوني، وإذا حكم للغير بما يدعيه، حق للمشتري الرجوع على البائع بإلزامه بضمان الاستحقاق وما لهذا الأخير إلا أن يدفع بان الحكم الصادر في الدعوى كان نتيجة تدليس أو خطا جسيم صادر من المشتري، وفي حالة تصالح المشتري مع الغير دون انتظار صدور حكم قضائي عن حسن نية منه فانه لا يمنع ذلك مطالبة البائع بضمان الاستحقاق ما لم يثبت البائع أن الغير لم يكن على حق وان المشتري قد تسرع في المصالحة(1). كما يستطيع البائع أن يثبت سوء نية المشتري ويكون له دفع رجوع المشتري عليه بالتعويضات وإضافة إلى هذا قد يعود عليه هو بالتعويض إن اقتضى الأمر ذلك (2) أما إذا تصالح المشتري مع الغير بمقابل مالي ليكف عن تعرضه، فانه يجوز للبائع أن يتخلص من التزامه بالضمان بان يرد للمشتري المبلغ مع قيمة ما أداه من مصاريف الخصام وهذا ما نصت عليه المادة 374 من القانون المدني الجزائري. وقد جاء في قرارات المحكمة العليا، قرار بتاريخ 25/06/1986 تحت رقم 36889 (من المقرر قانونا أن البائع يضمن عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير، ومن المقرر أيضا إذا رفعت على المشتري دعوى استحقاق المبيع، للبائع أن يتدخل في الخصومة إلى جانب المشتري ومن ثم فان القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد مخالفا للقانون.
ولما كان من الثابت – في قضية الحال- أن قضاة الاستئناف برفضهم اعتراض الغير الخارج عن الخصومة بحجة أن البائع لقطعة ارض محل النزاع يفقده شرط المصلحة، يكونوا قد خالفوا أحكام المادتين 371 ،372 من القانون المدني اللتان تلزمان البائع بضمان كل تعرض يقع على المشتري مع وجوب التدخل في الخصومة إلى جانب المشتري) (3).
الفرع الثانـــي: خصائص ضمان عدم تعرض الغير وشروطه
أ) خصائص هذا الالتزام: ويتميز هذا الالتزام بالخصائص التالية :
1) انه التزام بالقيام بعمل: فهو التزام ايجابي فالبائع يلتزم بدفع التعرض القانوني الصادر من الغير كذلك الالتزام بضمان الاستحقاق ( لأنه يتمثل في دفع تعويض للمشتري).
2) انه التزام بتحقيق نتيجة : وهو ضمان نقل كل الحقوق التي باعها إلى المشتري.
3) أنه غير قابل للانقسام :هذا الالتزام لا يقبل التجزئة كسائر الالتزامات بعمل أو الامتناع عن عمل.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص 669.
(2) – عبد الناصر توفيق العطار – مرجع سابق، ص 227.
(3) – المجلة القضائية، العدد الثالث، 1992، ص 11.
4) انه التزام مؤبد : أي أن البائع يلتزم بشكل مستمر ودائم بالقيام بأي عمل من شانه أن يدفع تعرض الغير للمشتري. أما التزام البائع بضمان الاستحقاق فهو التزام فوري لأنه ينفذ دفعة واحدة من خلال دفع التعويض للمشتري، ويعتبر ضمان الاستحقاق، ضمانا احتياطيا بالنسبة لضمان التعرض إلا إذا لم يكن الالتجاء إلى هذا الأخير، أي بمجرد نجاح الغير في تعرضه والحكم له بما ادعاه من حق على المبيع.
ب) شروط الالتزام بضمان تعرض الغير:لا يكون البائع ضامنا في هذه الحالة إلا إذا توفرت الشروط الآتية :
1) أن يكون التعرض قانونيا : أي أن يستند المتعرض إلى حق قانوني يدعيه أما تعرض الغير تعرضا ماديا للمشتري فلا يضمنه البائع(1) أي إذا كان الغير لا يدعي بحق على المبيع ، فان البائع لا يسال ولا يكون للمشتري إلا دفع التعرض بالطرق التي رسمها القانون في هذا الصدد، كأن يرفع دعاوى منع التعرض واسترداد الحيازة هذا فضلا عن حقه في مطالبة الغير بالتعويضات عما يحدث له من أضرار نتيجة هذا التعرض، وذلك استنادا إلى القواعد العامة (2).
2) أن يكون الحق المدعى عليه ثابتا له وقت البيع أو آل إليه بعد البيع لكن بفعل البائع : لا يخول التعرض للمشتري الحق في الضمان إلا إذا كان المتعرض يستند إلى حق له، سابق على البيع ويترتب على هذا انه إذا كان سبب التعرض لاحق على البيع فلا يسال عنه البائع ما لم يكن راجعا إلى فعله بعد البيع.
3) أن يقع التعرض فعلا : فحق الضمان المقرر للمشتري لا ينشأ إلا من وقت منازعة الغير فعلا في الانتفاع بالمبيع وحيازته حيازة هادئة ولا يكفي أن يتضح للمشتري أن المبيع مملوك للغير(3)، بل يلزم تعرض الغير فعلا للمشتري في الانتفاع بالمبيع وحيازته الهادئة. أما إذا كان التعرض محتمل الوقوع فلا يمكن مطالبة البائع بالضمان، فلا يعد التعرض حالا بمجرد وجود رهن على العقار المباع ذلك لأنه يمكن أن يستعمل الدائن المرتهن حقه في التنفيذ على العقار ومن جهة أخرى قد يقوم البائع بشطب الرهن عند وفائه بالدين الذي عليه ففي هذه الحالة الغير يكون في موقف سلبي، كذلك لا يتحقق التعرض فعلا إذا تبين للمشتري أن المبيع مملوك لغير البائع ولم يقع تعرض من الغير ويكون المشتري في هذه الحالة إذا ما علم بخطر استحقاق المبيع أن يمتنع عن دفع الثمن، أو يطالب بفسخ العقد أو إبطاله وفقا لأحكام بيع ملك الغير(4).
ويكون التعرض برفع الدعوى التي تختلف باختلاف الحق الذي يدعيه الغير، فقد تكون دعوى استحقاق كلي يطالب فيها بكل المبيع أو دعوى استحقاق جزئي يطالب بملكية جزء من المبيع فقط أو دعوى رهن يطالب فيها بدين مضمون بالرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - خليل احمد حسن قدادة – مرجع سابق، ص 135.
(2) - حسن فرج - مرجع سابق،ص 127.
(3)- للمشتري الحق في طلب إبطال البيع في حالة بيع ملك الغير، عملا بنص المادة 397 قانون مدني جزائري(قرار مؤرخ 17/02/1988 ملف رقم 51734، المجلة القضائية لسنة 1991 العدد الثاني، ص 11).
(4) - عبد الرزاق السنهوري - مرجع سابق، ص 642.
4) إن كان الحق مستندا إلى حق ارتفاق : فيشترط أن يكون الارتفاق غير ظاهر وان كان مستندا إلى تكليف أيا كان فيشترط ألا يكون البائع قد اعلم به المشتري، فإذا كان الارتفاق ظاهر فانه دليل على انصراف إرادتهما إلى اشتراط عدم الضمان (1). ولكن مجرد تسجيل الارتفاق لا يكفي لإعفاء البائع من ضمان الارتفاق غير الظاهر إذا لم يكن قد أفصح عنه للمشتري، كذلك نجد أن المادة 445 ف2 مدني مصري والتي تقابلها المادة 377 فقرة2 مدني جزائري تنص ( يفترض في حق الارتفاق أن البائع قد اشترط عدم الضمان إذا كان الارتفاق ظاهرا أو كان البائع قد اعلم به المشتري).فإذا توفرت هذه الشروط يكون البائع ملزما بضمان عدم تعرض الغير ولو كان البيع من البيوع القضائية أو من البيوع الإدارية وتم بطريق المزاد، ولا يمنعه من الضمان إذا كان البيع قد تم جبرا عليه نتيجة لقيام دائنيه بالتنفيذ على العين وبيعها بالمزاد، وللراسي عليه المزاد أن يرجع على الدائن بطلب رد ما قبضه على أساس دعوى الإثراء بلا سبب وإذا كان الدائن يعلم بان المال غير مملوك للمدين فيكون الرجوع بدعوى المسؤولية التقصيرية وذلك بعكس ضمان العيوب الخفية على انه لا ضمان للعيب في البيوع القضائية ولا في البيوع الإدارية إذا كانت بالمزاد.وفي حالة مااذا تعاقبت البيوع فان للمشتري الأخير أن يرجع على البائع له. كما يجوز له أن يرجع على البائع الأصلي مباشرة على أساس انتقال دعوى الضمان من المشتري الأول إلى المشتري الثاني بوصفها من ملحقات البيع، وهذه الحالة ليست من حالات الدعوى المباشرة، لان هذه الأخيرة لا تكون إلا بنص، فهي بمثابة حق امتياز، ولان دعوى الضمان قائمة ولو انقضت بالوفاء علاقة الالتزام بين البائع الأصلي والمشتري الأول بعكس الدعوى المباشرة التي يرفعها الدائن على مدين مدينه إذ يشترط أن يكون رافعها دائنا لدائن المدعى عليه ويترتب عن كون دعوى الضمان من ملحقات المبيع انه ليس للمشتري الأول بعد أن باع العين أن يرجع بدعوى الضمان على البائع إذ أن هذه الدعوى قد خرجت من يده وانتقلت إلى خلفه.
الفرع الثالث : الأحكام القانونية الخاصة بضمان تعرض الغير
وأجد هذه الأحكام في المواد : من 372 إلى 378 من القانون المدني، إضافة إلى القواعد العامة في نظرية الالتزام.فيكون البائع هو الملزم بالضمان ولا يتعدى هذا الالتزام ورثته أو خلفه العام أو دائنوه، أما كفيل البائع فيكون ملزما بالضمان حتى ولو ظهر فيما بعد أنه المالك الحقيقي للمبيع فانه لا يمكنه استرداد هذه العين لان من وجب عليه الضمان لا يجوز له الاسترداد. أما المشتري فهو الدائن في الالتزام بضمان تعرض الغير وينتقل هذا الحق إلى الخلف العام والخاص ودائن المشتري وبالنسبة لهذا الأخير، فإذا باع شخص عينا غير مملوكة له ثم استحقت للمشتري فان دائن هذا الأخير يستطيع أن يرفع باسم المشتري دعوى على البائع بالضمان ويستوفي حقه من التعويض الذي يلزم به البائع للمشتري ولكن يزاحمه في هذه الحالة سائر دائني المشتري حسب قواعد الدعوى الغير مباشرة التي تحكمها نص المادتين 189،190 من القانون المدني الجزائري.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- وقد نصت على ذلك المادة 445 ف2 من القانون المدني المصري بقولها ( يفترض في الارتفاق أن البائع قد اشترط عدم الضمان إذا كان هذا الحق ظاهرا أو كان البائع قد أبان عنه للمشتري) حيث أن هذه الفقرة في المادة 384 من القانون المدني الجزائري لا توجد.
المبحث الثاني : ضمان الاستحقاق في عقد البيع
فالاستحقاق هو أن يظهر بعد البيع حقا للغير على المبيع مهما كان نوعه سواء كان(حق ملكية أو أي حق آخر) ومتى ثبت الاستحقاق للغير حرم المشتري من المبيع سواء كليا أو جزئيا وبمجرد نجاح الغير في تعرضه والحكم له بأي حق مما ادعاه على المبيع يعتبر البائع مخلا بالتزامه بدفع التعرض (1) ولا يقبل منه القول بأنه بذل جهدا لدفع هذا التعرض و يقع عليه تنفيذ التزامه بطريق التعويض بعد عدم استطاعته التنفيذ عينا أي بالمقابل يقوم الالتزام الاحتياطي وهو (ضمان الاستحقاق) فيحق للمشتري الرجوع على البائع ومطالبته بالتعويض بحسب حالة الاستحقاق. وقد عالج القانون المدني الجزائري أحكام ضمان الاستحقاق في الباب الخاص بعقد البيع ونظم الواجبات المتقابلة في هذا الموضوع بين البائع والمشتري والمستحق في المواد 375 إلى 378 من القانون المدني، وعند ثبوت الحق الذي يدعيه المعترض على الشيء المبيع فقد منح للمشتري ثلاث مسالك، يسلك إحداها لصيانة حقه الذي ضاع، ورفع الضرر الذي لحقه من جراء الاستحقاق وتتمثل فيما يلي: إما طلب فسخ العقد المبرم بينه وبين البائع(2) وإما طلب إبطاله أو التنفيذ بطريق التعويض ويقصد بالتعويض تضمين البائع ضمانا خاصا يلتزم به في حالة ثبوت للغير ما يدعيه في مواجهة حق المشتري، فما هي ياترى عناصر الاستحقاق؟ وهل هي نفسها في حالة كون الاستحقاق كلي أو جزئي؟ وعليه للإجابة عن هذه التساؤلات تناولنا المطلبين التاليين:
المطلب الأول : عناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الكلي
تنص المادة 375 من القانون المدني على انه(في حالة نزع اليد الكلي عن المبيع فللمشتري أن يطلب من البائع قيمة المبيع وقت نزع اليد ،قيمة الثمار التي الزم المشتري بردها إلى المالك الذي نزع يد المشتري عن المبيع ،المصاريف النافعة التي يمكنه أن يطلبها من صاحب المبيع وكذلك المصاريف الكمالية إذا كان البائع سيء النية .جميع مصاريف دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق باستثناء ما كان المشتري يستطيع أن يتقيه منها لو اعلم البائع بهذه الدعوى طبقا للمادة 373 .وبوجه عام تعويضه عما لحقه من الخسائر وما فاته من كسب بسبب نزع اليد عن المبيع.كل ذلك ما لم يقم المشتري دعواه على فسخ البيع أو إبطاله) (3).
ويلاحظ من العبارة الأخيرة لهذه المادة أن عناصر التعويض التي عددتها، لاتوجب إلا في حالة رجوع المشتري على البائع بضمان الاستحقاق الكلي، أما إذا كان رجوع المشتري على أساس دعوى البطلان أوفسخ العقد، فليس للمشتري إلا عناصر التعويض التي تقضي به القواعد العامة للفسخ أو البطلان والعلة في هذه التفرقة تقوم على أساس أن دعوى ضمان الاستحقاق على العقد القائم بين المشتري والبائع وبالتالي يعتبر التعويض الذي يستحقه المشتري ليس إلا تنفيذا بمقابل لالتزام البائع بضمان الاستحقاق ،ومن ثم فان أساس
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وتسمى دعوى ضمان التعرض بدعوى الضمان الأصلي، أما دعوى ضمان الاستحقاق فتسمى دعوى الضمان الفرعي أو الجزئي.
(2) وقد حكم بعدم تطبيق أحكام ضمان الاستحقاق عند مطالبة المشتري بالفسخ لاستقلال دعوى الضمان عن دعوى الفسخ و الإبطال، نقض بتاريخ 22/02/1968،عبد الناصر توفيق العطار – مرجع سابق، ص 228.
(3) تقابلها المادة 443 من التقنين المدني المصري، عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص 673.
التعويض في هذه الحالة هو (المسؤولية التعاقدية)،بينما في إبطال العقد أو فسخه ،فان الدعوى لا يمكن تأسيسها على أساس المسؤولية العقدية، وإنما على أساس المسؤولية التقصيرية وذلك لان التقرير ببطلان العقد أو فسخه سيؤدي حتما إلى زوال العقد وبأثر رجعي يعود إلى يوم انعقاد العقد وفقا للقواعد العامة فتنعدم الحكمة من اللجوء إلى أحكام العقد وبالتالي تكون دعوى التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية (1).
ومن هذا يتضح لنا انه إذا نزع المبيع من المشتري بسبب استحقاق الغير له ولم يكن هناك شيء في العقد يختص بالضمان، أو كان البائع قد تعهد للمشتري بالضمان، فانه يكون للمشتري أن يطالب البائع بالمبالغ التي حددها النص عند رجوعه (2).
الفرع الأول : قيمة المبيع وقت الاستحقاق وقيمة الثمار
1/ قيمة المبيع وقت الاستحقاق : وهو الوقت الذي رفعت فيه الدعوى لان الحكم بالاستحقاق يستند إلى يوم رفع الدعوى(3) وذلك بدلا من رد الثمن الذي دفعه المشتري لأنه يطالب بالتعويض على أساس المسؤولية العقدية لا على أساس فسخ العقد وإبطاله أين يسترد فيهما الثمن.وقيمة المبيع وقت الاستحقاق قد تختلف عن الثمن الذي دفعه المشتري زيادة أو نقصانا.ففي القانون المصري وطبقا لنص المادة 443 من القانون المدني، انه إذا كان للمشتري أن يرجع على البائع عند استحقاق المبيع فلا شك أن للأساس الذي يرجع بمقتضاه أثره من حيث مقدار المبلغ الذي يمكن الرجوع به، فإذا اعتبر أن ضمان الاستحقاق تعويض للمشتري لعدم إمكان التنفيذ العيني، فانه يستحق (قيمة المبيع وقت الاستحقاق ) وهذه القيمة لا تتمثل في ثمن المبيع، بل في قيمته الحقيقية وقد تزيد، كما قد تنقص عن مقدار الثمن. ذلك أن قيمة المبيع هي القدر الذي ضاع فعلا على المشتري بسبب الاستحقاق حيث تطبق القواعد العامة. أما في القانون الفرنسي فانه يكون للمشتري أن يسترد الثمن فقط(4).بصرف النظر عن قيمة المبيع وقت الاستحقاق، إذ يعتبر العقد في هذه الحالة كان لم يكن، أي يعتبر انه لم يرتب أثرا وفي هذه الحالة يكون الثمن بين يدي البائع بدون سبب، فيكون للمشتري أن يسترده على أساس الدفع غير المستحق، إذ أن دفعه تنفيذا لبيع لم يؤد إلى انتقال الملكية إليه وبالتالي يكون لدعوى الاستحقاق نفس الآثار التي تترتب على دعوى الفسخ، وفضلا عن ذلك يكون للمشتري أن يطلب البطلان إذا ما تعلق الأمر ببيع ملك الغير وله أن يسترد الثمن كذلك.وعليه يجب على البائع الملتزم بالضمان أن يرد الثمن الذي قبضه فإذا لم يكن قد تم قبض الثمن كان للمشتري حبسه إذا وقع له تعرض من الغير يضمنه البائع .
- وفي حالة البيع الجبري، إذا استحق المبيع بين يدي المشتري، يكون له أن يرجع على المدين المحجوز عليه وله كذلك الرجوع على الدائنين الحاجزين لاسترداد الثمن على أساس ما دفعه بغير حق.
وفي عنصر قيمة المبيع وقت الاستحقاق لا يهم حسن أو سوء نية البائع أو المشتري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- محمد حسنين - مرجع سابق، ص 162 .
(2)– توفيق حسن فرج - مرجع سابق، ص 142.
(3)- عبد الرزاق السنهوري - مرجع سابق ص877.
(4)- هذا ما نصت عليه المادة 1630 من القانون المدني الفرنسي،Code civil – DALLOZ 95-97 ص 1114.
2/ قيمة الثمار التي الزم المشتري بردها إلى المالك الذي استحق المبيع :
الأصل أن المشتري يكون له الحق في ثمار المبيع من وقت البيع ما لم يتفق على خلاف ذلك، إلا انه يكون ملزم برد الثمار التي قبضها وهو سيء النية أي من اليوم الذي علم فيه بسبب الاستحقاق وذلك من وقت رفع الدعوى عليه من المستحق، وبذلك يخسر هذه الثمار التي كانت ستكون له لو بقي عقد البيع، ومن ثم كان له أن يرجع بقيمتها على البائع استيفاء لحقه في التعويض. ولكن إذا استحق المبيع إلى الغير فان المشتري يكون حائزا للمبيع دون أن يملكه وبالتالي يكون له الثمار أيضا إذا كان حسن النية وهذا ما تقرره أحكام المادة 873 من القانون المدني الجزائري.
الفرع الثاني : المصاريـف
أ) المصروفات الضرورية : وهي المصروفات التي تكون لازمة لحفظ المبيع وصيانته، وهي تحقق منفعة للمالك وكان سيقوم بإنفاقها حتما لو كان هذا المبيع بين يديه، لذلك فالمالك المستحق ملزم بدفعها إلى المشتري سواء كان هذا الأخير سيء النية أو حسنها وقد نصت المادة 839 ف1 من القانون المدني الجزائري (على المالك الذي يرد إليه ملكه أن يدفع إلى الحائز جميع ما أنفقه من المصروفات اللازمة).
ب) المصروفات النافعة : وهي التي تهدف إلى الزيادة في قيمة المبيع( قيام ببناء جديد، غرس أشجار مثمرة ) فالأصل أن المشتري لا يستطيع الرجوع بها جميعها على المستحق وذلك عملا بنص المادة 839 ف2 من القانون المدني التي تحيلنا إلى نص المادتين 784 ،785 من نفس القانون المتعلقتان بأحكام الالتصاق بالعقار والتي تعطي خيارات للمستحق والذي سيختار ما يناسبه وفي المقابل فان المشتري قد لا يسترد كل ما أنفقه وبالتالي عليه أن يرجع بالفرق على البائع(1).
ج) المصروفات الكمالية : وهي تلك التي يقوم بها المشتري ولا تعود بالنفع على المبيع وليست ضرورية للصيانة أو الإصلاح وإنما يقوم بها لمجرد إرضاء مزاجه وهواه، وهذه المصاريف لا يلزم بها المستحق عملا بالمادة 839 ف 3 من القانون المدني ومنه يكون للمشتري الرجوع بها على البائع بدعوى الضمان إذا كان هذا الأخير يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق.وفي ذلك صدر قرار المجلس الأعلى( المحكمة العليا ) بتاريخ : 18/06/1969 عن الغرفة المدنية جاء فيه(من المبدأ قانونا أن المشتري حسن النية الذي يعطي زيادة مهمة في القيمة للملك المكتسب إثر المصاريف الضخمة التي قدمها له الحق في المطالبة بتعويض مناسب للتحسينات التي أتى بها في الأصل في حال إبطال البيع.الحكم بوجه آخر هو إباحة إثراء الغير مستحق لصالح من يسترجع الملك المبيع) (2)
د) مصروفات دعوى الضمان ودعوى الاستحقاق : عدا ما كان في استطاعة المشتري اتقاءه لو انه اخطر البائع بالدعوى طبقا لأحكام المادة 373 من القانون المدني الجزائري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص 681.
(2) - قرار منشور في مجموعة الأحكام (المجموعة الأولى ) الجزء 2 ، وزارة العدل، مديرية التشريع.
الفرع الثالث: التعويض عما لحق من خسارة وما فات من كسب
وهي عبارة عامة، تحيط بكل عناصر التعويض وهي تطبيق للقواعد العامة، وبالتالي يكون للمشتري الرجوع على البائع بذلك غير ما ذكر في العناصر السابقة (1).
المطلب الثاني : عناصر الرجوع في حالة الاستحقاق الجزئي
ويقصد به ثبوت ملكية الغير لجزء من العين سواء كان الجزء المستحق مفرزا أو حصة شائعة في العين كلها، أو أن يحكم له بحق ارتفاق أو استعمال أو انتفاع وهذا ما نصت عليه المادة 376 من القانون المدني. فعلى هذا الأساس فإنها تنقص من قيمة المبيع ولم يكن المشتري يتوقع ذلك عند العقد، ولهذا طبق القانون بالنسبة لحالة ظهور حقوق على المبيع أحكاما مشابهة لما أورده بالنسبة لاستحقاق جزء من المبيع.
وقد فرق القانون في حالتي الاستحقاق الجزئي وظهور أعباء على المبيع، بين ما إذا طلب المشتري فسخ البيع وحكم له به وبين ما إذا ظل العقد قائما.
الفرع الأول : حالة فسخ العقد
إذا استحق جزء من المبيع أو تبين للمشتري وجود حقوق عينية غير ظاهرة لم يصرح بها وكان الجزء المستحق أو الحقوق والأعباء من الجسامة إلى حد يمكن معه القول بان المشتري لو علم بذلك ما اشترى المبيع، كان له أن يطلب الفسخ وفي هذه الحالة تترك السلطة التقديرية للمحكمة(2) فإذا حكم بالفسخ اعتبر البيع كان لم يكن وبذلك نكون أمام حالة الاستحقاق الكلي، مع مراعاة هذه الحالة أين يكون المشتري ملزم برد ما تبقى من المبيع عندما يستحق جزء منه، كما يلتزم بان يرد المبيع الذي ظهرت عليه حقوق مستمرة لم يكن مصرحا بها ويلتزم البائع برد الثمن و المبالغ الأخرى.
الفرع الثاني : حالة الإبقاء على العقد
إذا تبين للقاضي أن ما حصل فيه استحقاق لم يكن جسيما إلى الحد الذي صوره المشتري، أو إذا لم يطلب هذا الأخير فسخ العقد أبقى على العقد وله ذلك في جميع الحالات إلا أن السؤال يطرح عما إذا كان له حق الرجوع به؟. ففي حالة ظهور حقوق أو أعباء على المبيع يضمنها البائع، فانه إذا لم يرد المشتري الفسخ يكون له الحق في التعويض الذي يكون بقدر ما نقص من قيمة المبيع بسبب ظهور تلك الحقوق.و يقدر القاصي التعويض في الاستحقاق الجزئي و ذلك في حالة رد ما بقي من المبيع و ما أفاده المشتري منه و إما طبقا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية في غير ذلك من الحالات لأن مصدر هذا التعويض هو عقد البيع ،و بالتالي يقدر التعويض على أساس الضرر المتوقع ما لم يكن الاستحقاق الجزئي قد وقع بغش البائع أو بخطأ جسيم منه حيث يقدر التعويض عندئذ بالضرر المتوقع و غير المتوقع. وحيث أن القانون قد حدد عناصر التعويض التي يستحقها المشتري في ضمان الاستحقاق و يساوى في ذلك المشتري سيء النية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ومن أمثلة الخسائر التي قد تلحق المشتري: - مصاريف الانتقال والمعاينة والخبرة.
أما الأمثلة عن ما فاته من كسب فهي: - كما لو فاتته صفقة تجارية رابحة.
(2) - محمد حسنين ، مرجع سابق، ص 168.
على أساس أن نصوص ضمان الاستحقاق لم تشترط حسن أو سوء النية، إلا أنه لاستحق عناصر التعويض الأخرى إلا إذا كان حسن النية ،و قد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الرأي و ذلك على أساس أنه(فمن غير المعقول إذا حرم القانون المشتري-سيء النية- من الرجوع بالتعويض على من باع له ملك غيره أن يتيح له في نفس الوقت الرجوع عليه بعناصر التعويض في ضمان الاستحقاق الكلي)أما عن حسن نية البائع أو سوء نيته لا أثر لها على استحقاق المشتري للتعويض ،لأن القانون لم يشترط سوء النية في نصوص ضمان الاستحقاق غير أنهى إذا كان البائع حسن النية فإنه لا يلتزم بغير تعويض الضرر المتوقع ،أما إذا كان البائع سيء النية فإنه يلتزم بتعويض الضرر المتوقع و غير المتوقع طبقا للقواعد العامة.
المطلب الثالث: الاتفاقات المعدلة لأحكام ضمان الاستحقاق
فالأصل أن الالتزام بالضمان كما في غيره من الالتزامات العقدية أنه يخضع لإرادة المتعاقدين إلا أن المادة 377 ف1 من القانون المدني نصت على انه ( يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في ضمان نزع اليد، أو ينقصا منه، أو يسقطاه ) فمن خلال حكم هذه المادة نرى بان المشرع أجاز للمتعاقدين الاتفاق على ما يخالف حكم هذه المادة في فقرتها الأولى، ذلك لان هذه الأحكام مكملة لإرادة المتعاقدين ونرى أن هذه الأخيرة ليست من النظام العام يجوز الإتفاق على تعديلها، وهذا ما سأتطرق له من خلال النقاط التالية:
الفرع الأول: الاتفاق على زيادة الضمان
وهو أقل شيوعا في العمل من الاتفاق على إنقاصه، لان في أحكام الضمان القانوني حماية كافية للمشتري وذلك لان المادة 375 من القانون المدني أحاطت بكل ما يثور عند استحقاق المبيع عندما كفلت للمشتري تعويضا كافيا يزيد عما تكفله أحكام البطلان والفسخ.
ويجب أن لا تكون الزيادة في الضمان واردة في عبارات عامة وإنما يجب أن يخصص في العقد وجه الزيادة في أحكام الضمان، كان يكون للمشتري في حالة الاستحقاق الجزئي أن يرد المبيع فقط دون الثمار أو أن يقتضي تعويضا كاملا في حالة الاستحقاق الجزئي دون التطرق عما إذا كانت الخسارة جسيمة أم لا.
الفرع الثاني: الاتفاق على إنقاص الضمــان
وهذا التعديل كثيرا ما يقع وبالتالي يجوز للبائع أن يشترط إعفائه من الضمان لبعض أعمال التعرض التي قد تقع، كان يشترط عدم ضمانه في حالة ما يطالب الغير بحق ارتفاق غير ظاهر على المبيع(1) ويقع باطلا الشرط المنقص للضمان إذا كان البائع قد تعمد إخفاء حق الغير وذلك طبقا لأحكام المادة 377 ف3 من القانون المدني ويكون مسئولا عن الضمان(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - محمد حسنين ، مرجع سابق، ص 170.
(2) - خليل احمد حسن قدادة ، مرجع سابق، ص 149.
الفرع الثالث: الاتفاق على إسقاط الضمـان
أجازت المادة 377 من القانون المدني على الاتفاق على إسقاط الضمان على البائع سواء في حالة الاستحقاق الكلي أو الجزئي، ولا يستطيع المشتري الرجوع على البائع إلا إذا كان هذا الاستحقاق راجع إلى فعل البائع فان الإسقاط في هذه الحالة يكون باطلا ويقتصر اثر الشرط على إعفاء البائع من عناصر التعويض الأخرى غير أن هناك حالتين طبقا لأحكام هذه المادة تعفي البائع من الضمان بموجب شرط عدم الضمان وهما :
1- أن يكون المشتري عالما بسبب الاستحقاق وقت التعاقد وارتضى مع ذلك بشرط عدم الضمان فيعني ذلك إن اعفي البائع من المسؤولية عن هذا السبب وما على البائع إلا إثبات علم المشتري بسبب الاستحقاق وقت البيع.
2- أن يكون المشتري قد اشترى تحت مسؤولية البائع ( أي يخاطر بذلك) فإن تضمن العقد لبند مثل هذا يجعله من عقود الغرر.
المبحث الثالث : تطبيقات أحكام الضمان في عقد البيع على عقد الشركة
سنتنــاول في هـذا المبحث أحكـام الضمان في عـقـد البيع المطبقـة على عقـد الشركـة , وذلك لأهميـة هـذه الأحكـام في تجسيـد هـذا الأخيـر الذي يتميـز عن عقد البيع وعقـد الإيجار , ذلك أن أطراف العقـد وهـم الشركـاء , مصالحهـم بعـد تكويـن الشركـة متحـدة غـير متعارضة .
وعليـه يجب التطرق إلى عقد الشركة, وذلك بتعريفها و إبراز خصائصهـا أولا، ثم نتـطرق إلى أركـانها الموضوعيـة الخاصة, حتى نطبق عليها فيما بعد أحكام ضمان عدم التعرض و الاستحقاق. و تجدر الإشارة أن الشركات المدنية تختلف عن الشركات التجارية حيث أن القانون التجاري في شأن الشركات لم يتضمن سوى قواعد خاصة، أما الأحكام العامة فهي واردة في القانون المدني.
فعقد الشركة من ضمن العقود التي نضمها المشرع الجزائري في القانون المدني فنص عليها في المادة 416 منه (الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو اعتباريان أو أكثر على المساهمـة في نشـاط مشتـرك بتقديـم حصـة من عمـل او مـال أو نقـد بهدف إقتسام الربـح الذي قـد ينتـج أو تحقيـق إقتصاد أو بلـوغ هـدف إقتصـادي ذي منفعـة مشتـركـة , كما يتحملـون الخسائـر التي تـنجـر عن ذلك ) (1) ويقابـل النـص الجزائري نص المادة 505 من القانون المدني المصري بقولها ( الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لإقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربـح أو خسـارة ) في حيـن أن القانـون الفرنسـي نـص في المـادة 1832 من القـانون المدني على :
(La société est instituée par deux ou plusieurs personnes qui conviennent par un contrat d affecte a une entreprise commune des biens ou leur industrie en vue de partager le bénéfice ou de profiter de léréconomie qui pourra en résulter, elle peut étre instituée dans les cas prévus par la loi par l acte de volonté d une seule personne. les associés S engagent à contribuer aux pertes)
وتبـيـن من خـلال هـذا التعريـف بأنـه يبرر العناصر الأساسية لعقـد الشركة وخصائصها كما يـبـرز الأركان الموضوعيـة لعقـد الشركـة والتي يمكن تقسيمها إلى أركان خاصة وهي التي يجب توافرهـا في كـل العقـود وهي : الرضاء , المحل , السبب , وعليه فالشركة كغيرها من العقـود تخضع من حيـث تنظيـم أركانهـا للمبـادئ العامـة الــواردة في بـاب الإلتزامــات , أما الأركان الخاصة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) –قرار مؤرخ في: 15/06/1985 ملف رقم 34400، المجلة القضائية لسنة 1989، العدد الرابع، ص 141.
فهي تبدو من خلال التعريف : اجتماع شخصين فأكثر, مساهمـــة كل منهم بحصة في رأس مال الشركة، نية الاشتراك أو نية التعاون, مساهمة كل شريك في الأرباح والخسائر. فالشركة تتميز عن باقي العقود بأنها : عقد شكلي ، عقد ملزم لجانبين ، عقد من عقود المعاوضة ،عقد محدد .
و كذلك بأركانها الموضوعية الخاصة التي تستلزمها طبيعة هذا العقد و هي: تعدد الشركاء ، تقـديم الحصص .
المطلب الأول : طبيعة الحصص المقدمة في عقد الشركة
فتقديم الحصة في عقد الشركة يعتبر من الأركان الموضوعية الخاصة ، و بالتالي فإن التزام كل شريك بتقديم حصة في رأس مال الشركة يعد أمرا حيويا لقيامها ، ويعد الشريك فيما بعد ضامن لحصته . و لا أهمية بعد ذلك لطبيعة الحصة التي وضعها الشريك تحت تصرف الشركة ، و يستوي في ذلك أن تكون الحصة مالا منقولا أو عقارا ، أو أن تكون حصة من عمل ، وعليه يمكن أ تكون الحصة :
حصة نقدية : وهـي عبـارة عـن مبلـغ من النقود يقدمه الشريك أو يتعهد بتقديمه في الميعـاد المتفـق عليـه ويعتبـر الشريـك مدينـًـا للشركـة إذا لـم يقـدم هـذا المبـلـغ.
حصة بالعمل: (1) فيمكـن أن يكـون عمـل الشريـك حصـة في الشركة, و يجـب أن يكـون هـذا العمل بمـا يعود على الشركة بالفائدة.
حصة عينية : ( 2) قد تكون هـنا عقـار أو منقول مادي أو معنوي يقدمه الشريك للشركة إما على وجه التمليك أو على سبيل الإنتفاع .
حصة دين في ذمة الغير : حيث تنص المادة 424 من القانون المدني الجزائري على أنه ( إذا كانت الحصة التي قدمها الشريـك هي ديـن له في ذمة الغير فلاينقض إلتزامه للشركـة إلا إذا إستوفـت هـذه الديـون ومع ذلك يبقـى الشريـك مسـؤولاً عـن تعـويــض الضرر إذا لم توفى الديون عند حلول أجلها ) .
ومن خلال هذه المادة نلاحـظ أن الشركـة تكون قـد اعتمدت على استيفاء الحق الذي أحيل إليها من الشريك كحصة في الشركة وذلك في تكوين رأسمالها فإذا تعذر عليها استيفاء هذا الحق أو تأخــر هـذا الوفاء نقـص رأس مـال الشركـة بمقدار هذا الحق وقد يكون ذلك سببًـا يعوقها عن القيام بنشاط ويكبدها بعض الخسائر (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومثال ذلك أن تكون الحصة كالخبرة في الشركة.
(2)- ومثال ذلك أن يقدم الشريك: قطعة أرض, سيارات تلزم لنشاط الشركة , علامة تجارية .
(3)- علي حسن يونس – الشركات التجارية – دار الكتاب الحديث، 1996 ، ص 12 .
المطلب الثاني :مجال تطبيق أحكام ضمان البيع على عقد الشركة
حيث أن المشرع الجزائري قرر نص المادة 422 في القانون المدني كمبدأ عام، و بالتالي فهي تطبق على جميع الشركات التجارية و ذلك لعدم إمكانية تعارض القانون التجاري مع القانون المدني.
فهذه المادة تنظم كيفية دخول الحصة العينية في رأس مال الشركة (1) ، فإذا كانت الحصة ملكية مال أو أي حق عيني آخر ، فإن الشريك يتخلى نهائيا عن حقوقه على الشيء و يصبح ملكا للشركة ، كما لو كان الأمر يتعلق ببيع من الشريك إلى الشركة على أن تنازل الشريك في هذه الحالة ليس بمثابة بيع تماما و إنما هو يشبهه من حيث كيفية انتقال الملكية ، فتطبق أحكام انتقال الملكية في البيع منقولا أو عقارا ، ويلزم باستيفاء إجراءات الشهر المقررة للحقوق العينية العقارية ، وعليه فإن الشريك يضمن حصته في رأس المال كضمان البائع للبيع فتطبق أحكام ضمان الاستحقاق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الشركة لا يعتبر بيعا بالمفهوم القانوني ، ففضلا على أنه لا يوجد ثمن بالمعنى الحقيقي للكلمة ، فإن الشريك لا يتمتع بما يتمتع به البائع من امتيازات . فإذا كانت الحصة العينية عقارًا فتطبق عليه إجراءات الشهر والتسجيل لانتقال العقار سواء كـان ذلك بيـن الشريـك والشركـة أو بينه وبين الغير.
أما إذا كانت الحصة منقول مادي فإنه وبمـجرد تأسيـس الشركـة وجب على الشريك تسليم المنقول لأنه أصبح حق للشركة ويلـتزم بعدم التعرض لهـا فيـه وسواء كانت الحصـة منقول أو عقـار فإنها تخضع لإجـراءات التسليم المقررة في عقد البيع من حيث الحالة التي يكون عليها وقت التسليم وغير ذلـك من القواعد المقررة بهذا الشـأن في عقد البـيـع ، فإذا ادعى الغير ملكية العين المقدمة كحصة في الشركة فيمكن لهذه الأخيرة إدخال الشـريك في الخصومة كضـامن وفقًـا للقواعد العامة المتعلقة بالإدخال المطبقـة في عقد البيع , وإذا حكم باستـحقـاقـه الحصـة فعلى الشريك أن يقدم غيرها وإلا أقصي من الشركة .
وعليه فإذا حصل تعرض من الغير على الحصة العينية المقدمة , فلو إدعى شخص ما ملكية العقار المقدم كحصة في الشركة فيلتزم الشريك بدفع التعرض عن طريق التدخل في الدعوى عند إخطاره بها , وفي حالة نجاح المتعرض في دعواه يمكن للشركـة الرجوع عليـه بدعـوى ضمان الاستحقاق وتطبق في ذلك القواعد العامة في الرجوع .
الفصل الثاني : ضمان عدم التعرض والاستحقاق في عقد الإيجار و تطبيقاته على عقد الشركة لقد تطرق المشرع الجزائري لعقد الإيجار وذلك في نص المادة 467 من القانون المدني( ينعقد الإيجار بمقتضى عقد بين المؤجر والمستأجر) إلا أن التعبير غير مجد ، وبالرجــوع إلى نص المادة باللغة الفرنسية نجده "Le rapport de bail â loyer se forme par contrat entre le bailleur et le locataire" وما نلاحظه أن نص المادة باللغة الفرنسية ينص على تجسيد العقد في محرر ، ولم يصدر أي مرسوم تنفيذي ينص على تجسيد هدا العقد فيما إذا كان كتابيا أو شفويا وهدا ما يعاب على المشرع الجزائري ، في حين أن المشرع المصري قد عرف عقد الإيجار في نص المادة 558 من القانون المدني (الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين بذاته مدة معينة ، لقاء أجر معلوم). (1)
فمن نص هذه المادة الأخيرة ، ألاحظ أن التزامات المؤجر كلها تنطلق من فكرة واحدة وهي : تمكين المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر ، ومن هذا المنطلق يلتزم المؤجر بتسليم الشيء بحالة صالحة لآداء الغرض الذي تم التأجير من أجله ، وبضمان انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعا هادئا (2) ، وعلى ذلك يمتنع على المؤجر أن يقوم بكل ما من شأنه أن يحول دون هذا الانتفاع ، وهذا هو ضمان التعرض . وعليه فإنني سأتطرق في هذا الفصل إلى دراسة ضمان عدم التعرض والاستحقاق في عقد الإيجار وتطبيقاته على عقد الشركة، بحيث خصصت المبحث الأول: لدراسة ضمان عدم التعرض و ضمان الاستحقاق وتركت المبحث الثاني لإسقاط أحكام الإيجار على عقد الشركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ـ القانون الفرنسي أتى بنفس التعريف في نص المادة 1709.من القانون المدني ، في حين أن الشريعة تعرفه بأنه (تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من العين المؤجرة في الشرع ونظر العقلاء بعوض يصلح أجرة ) ونلاحظ أن المشرع ابتعد عن تعريف عقد الإيجار وتركه للفقه .
(2)- (La jouissance paisible du preneur;BIBL coraly. D.1979. Chron. .27 (obligation du bailleur en cas d abus de jouissance d un locataire au préjudice d un autre locataire) (Le bailleur est oblige d'assurer au preneur une jouissance paisible de la chose louee pendant la durée du bail et cette obligation ne cesse qu en cas de force majeur).civ. 3eme, 9oct 1974. Bull. civ3 .n°345 code civil Dalloz (95/96) p1152 .
المبحث الأول : ضمان عدم التعرض
يلتزم المؤجر بضمان انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعا هادئا ولذلك كان لزاما عليه الامتناع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة و ملحقاتها أو ينقص من هذا الانتفاع، فهو بذلك ضامن لعدم تعرضه الشخصي ، ويعتبر في حكم التعرض الشخصي ذلك الذي يحدث من أحد أتباع المؤجر ، كما يكون لزاما على المؤجر أيضا أن يمنع التعرض الواقع من الغير إذا كان مبنيا على سبب قانوني ، حيث لايمكن للمؤجر أن يضمن التعرض المادي الصادر من الغير، فإذا فشل المؤجر في دفع تعرض الغير ،اعتبر مخلا بالتزامه بالضمان وفي هذه الحالة يلتزم بضمان الاستحقاق وهذا ما سأتطرق له بالدراسة في هذا المبحث.
المطلب الأول : ضمان المؤجر لأعماله الشخصية
لقد وضع المشرع الجزائري قواعد لضمان المؤجر للمستأجر تعرضه الشخصي في الانتفاع بالعين المؤجرة وهذا ما نصت عليه المادة 483 من القانون المدني ( على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ولا يجوز له أن يحدث بها أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع . ولا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال التي تصدر منه أو من مأمورية ، بل يمتد هذا الضمان إلى كل إضرار أو تعرض مبني على سبب قانوني يصدر من مستأجر آخر أو من أي شخص تلقى الحق عن المؤجر)(1) و يقصد بالإخلال أو التعرض في عقد الإيجار هو تسبب المؤجر بعدم انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعا هادئا سواء وقع هذا الإخلال بالعين في حد ذاتها أو تسبب في إحداث تغيرات بملحقاتها، ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد جمع بين التعميم والتخصيص في نص المادة وذلك زيادة في التأكيد على ضمان التعرض في عقد الإيجار وحماية للمستأجر فعمم ضمان عدم التعرض على العين ثم خصص ذلك بمنع المؤجر من إحداث تغيير فيها أو في ملحقاتها، وهذا ما ذهب إليه المشرع المصري في المادتين 373 ،458 من القانون المدني القديم والمادة 571 المعدلة لهما وذلك تجنبا منه لعدم اقتصار الضمان على مجال ضيق يضر بمصلحة المستأجر، بينما القانون الفرنسي لم يعمم هذا النص حسب نص المادة 1723 من القانون المدني والتي تنص على أنه ( لا يجوز للمؤجر أثناء مدة الإيجار أن يغير في شكل الشيء المؤجر )
(Le bailleur ne peut, Pendant la durée du bail, changer la forme de la chose louee.) وهذا إنما يعد أحد تطبيقات التزام المؤجر العامة بعدم التعرض للمستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ـ قرار مؤرخ في 8/04/1989، ملف رقم، 688 58، المجلة القضائية سنة 1991، العدد الثاني، ص159." قرار إداري ، حق الأفضلية للمستأجر ، عدم مراعاته بهذا الحق، مخالفة القانون " .
ـ من المقرر قانونا أنه على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المتاجر بالعين المؤجرة ولا يجوز أن يحدث بها أو بملحقاتهما أي تغيير يخل بهذا الانتفاع ، ومن ثم فإن القرار الإداري المخالف لهذا المبدأ يعد مخالف للعقد .
ـ قرار مؤرخ في 22/11/1992 ملف رقم 97405، المجلة القضائية سنة 1993، العدد الثالث، ص 176 "التزامات المؤجر، إحداث تغيير في العين المؤجرة، تعويض المستأجر، تطبيق صحيح للقانون ".
وفي سبيل دراسة هذا النص الذي تعرض لضمان التعرض الحاصل من المؤجر، ندرس أولا أعمال التعرض التي يضمنها المؤجر، ثم شروطه والاتفاقات المعدلة لأحكام هذا الضمان، و في الأخير جزاء الإخلال به.
الفرع الأول : مفهوم ضمان عدم التعرض الشخصي وشروطه
ـ مضمونه :
فالمؤجر يلتزم أساسا بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة على الوجه المقصود من الإيجار وعليه ، يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول بين المستأجر والانتفاع ، وبالتالي لايجوز له أن يتعرض للمستأجر في انتفاعه فالمؤجر يضمن كل تعرض ينشأ عن فعله سواء أكان التعرض ماديا أو قانونيا. فالنصوص القانونية في هذا الصدد لاتفرق بين نوعي التعرض .
ويقصد بالتعرض المادي قيام المؤجر بأي عمل مادي محض يترتب عليه الإخلال بانتفاع المستأجر أو حرمانه من فائدة تعود عليه من انتفاعه بالعين.(1) وهناك ما يدخل في مفهوم التعرض المادي وهو القائم على تصرفات قانونية . (2) والواقع أن مجرد قيام المؤجر بإعطاء حق يتعارض مع حق المستأجر لا يعتبر بذاته تعرضا ، ولكن إذا تعرض هذا الغير للمستأجر فعلا عندئذ فقط نكون بصدد تعرض قانوني يضمنه المؤجر ،أما التعرض القانوني فيتحقق إذا ادعى المؤجر حقا على العين المؤجرة في مواجهة المستأجر من شأنه أن يحرم الأخير من الانتفاع (3).
ـ شروطه :
يشترط في الفعل الذي يصدر عن المؤجر ويعتبر تعرضا شخصيا منه مستوجبا ضمانه مايلي:
1/ ـ أن يكون من شأن الفعل الذي صدر عن المؤجر الإخلال بانتفاع المستأجر: فلابد من وقوع التعرض فعلا فإذا كان الفعل ماديا فلابد أن يصدر من المؤجر فعلا أعمال مادية تحول دون الانتفاع ، فمجرد التهديد لا يحقق الضمان ، وإذا كان التعرض قائما على تصرفات قانونية كبيع المؤجر للعين المؤجرة وكان الإيجار لايسري في حق المشتري ، فلابد من تعرض المشتري فعلا للمستأجر وذلك بمطالبته بالإخلاء . (4) كما يجب أن يكون ما صدر عن المؤجر من تعرض قد وقع أثناء مدة انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مثال ذلك: أن يقوم المؤجر بتعلية جدار منزل مجاور يحجب الضوء، أوان يدخل المنزل بدون مبرر، أو يمنع المستأجر من استعمال السلم.
(2) مثال ذلك: أن يعطي المؤجر للغير حقا عينيا أو شخصيا يتعارض مع حق المستأجر ويحتج به عليه (كحق المشتري للعين المؤجرة إذا لم يكن تاريخ الإيجار أسبق من تاريخ البيع ).
(3) مثال ذلك: أن يقوم المؤجر بتأجير العين وهي غير مملوكة له، ثم يمتلكها بعد ذلك ويطالب المستأجر برد العين إليه استنادا إلى ملكيته.
(4) وعلى إثر ذلك يتقادم التزام المؤجر بضمان التعرض بخمس عشرة سنة من وقوع التعرض فعلا.
و يراعى أن اعتبار فعل ما مخلا بالانتفاع أم لا يعد مسألة موضوعية يترك تقديرها لقاضي الموضوع.
2/ ـ أن يكون هذا الفعل الصادر عن المؤجر غير مشروع : أي أنه لايتحقق التعرض إذا استمد المؤجر حقه في هذا الفعل، سواء من عقد الإيجار أو من القانون أو من حكم قضائي .(1)
ويعد التزام المؤجر بضمان انتفاع المستأجر التزاما غير قابل للإنقسام وعلى ذلك إذا تعدد المؤجرون أو ورث المؤجرون ورثة متعددون وجب على كل منهم أن يمتنع عن التعرض للمستأجر في الانتفاع بالعين كلها أو بجزء منها ، وعليه ففي حالة التعرض حق لهذا الأخير أن يرجع عليه بالضمان كاملا لأنه لايقبل الانقسام (2).
ـ صور التعرض الشخصي :
يتخذ تعرض المؤجر للمستأجر في الانتفاع بالعين أشكالا متعددة، كما أن المشرع في هذا الشأن حرص على إيراد المبدأ العام الذي يقضي بمنع المؤجر من التعرض مع إعطاء مثال تطبيقي يتعلق بإحداث المؤجر تغييرا يخل بالانتفاع وذلك في نص المادة 483 من القانون المدني ، وعليه سوف نتطرق لهذا المثال مع إيراد تطبيقات أخرى كثيرا ما تتناول في الواقع.
1/ التغيير في العين أو في ملحقاتها :
لقد حرص المشرع على ذكر هذه الصورة وذلك لأهميتها ، وعليه يجب على المؤجر أن يترك العين المؤجرة وملحقاتها بذات الحالة التي كانت عليها وقت الإيجار(3) ، كما يمتنع على المؤجر إجراء أي تعديل في ملحقات العين المؤجرة ، كما إذا كانت للعين حديقة فلا يجوز للمؤجر قلع أشجارها أو تحويلها إلى مخزن أو حضيرة . كما يمتنع عليه أن يبني طابقا جديدا أثناء مدة الإيجار(4) و لكن في المقابل ليس للمستأجرأن يلزم المؤجر بإجراء هذه التغيرات إذا كانت تؤدي إلى تحسين الانتفاع أو تسهيله ، ما لم يتفق على غير ذلك . إلا أن التساؤل الذي يثار : هل يشترط لتحقيق هذا المنع إلحاق الضرر بالمستأجر أم هذا المنع بصفة مطلقة ؟ .
فهناك جانب من الفقهاء يذهب إلى منع المؤجر من القيام بهذا التغيير بشكل مطلق ولم يترتب عليه إلحاق الضرر بالمستأجر ، غير أنه هناك جانب آخر من الفقهاء يذهب إلى أن الأصل للمؤجر ـ على فرض أنه مالك ـ أن يجري ما يشاء من تغييرات في العين التي يملكها، فإذا منعه القانون فذلك لحكمة هي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الأفعال مستمدة إما من : ( من عقد الإيجار: كالإتفاق على تعلية الجدران مثلا .أو من القانون : وهي حقوق المؤجر كإجراء الترميمات الضرورية للمحافظة على العين أو من الحكم القضائي : كتعيين المؤجر حارسا قضائيا ) .
(2) ـ عبد الرزاق السنهوري ـ مرجع سابق ، ص 332.
(3) فلا يجوز للمؤجر هدم أو إزالة جزء من العين المؤجرة أو أن يسد نافذة مثلا .
(4) (Interdiction de changer la forme de la chose louee Sapplique non seulement aux immeubles et portion d - immeubles qui font L objet principal du bail et dont le preneur a la jouissance privative mais aussi aux accessoire de la chose louee .et notamment aux entres et couloirs d accès dont le preneur a L usage concurremment avec les autres locataires). Paris. 31oct. 1957. Ctaz. Pal .1957 .2 . 397 .Dalloz- 95. 96. P115.
وجوب عدم الإخلال أو الانتقاص من الانتفاع وعليه إذا لم يكن لهذا التغيير إخلال في الانتفاع ولا يحدث منه ضرر فإن هذا المنع يرفع أي لا يكون للمستأجر أية مصلحة في المنع ،وبالتالي لا تقوم دعوى بغير مصلحة .
ونحن نتفق مع الرأي الثاني ذلك أن المشرع في نص المادة 483 من القانون المدني الجزائري (لا يجوز له أن يحدث بها، أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع ) (1)
2 / الإخلال بوجوه الانتفاع التي خصصت لها العين المؤجرة :
و يمتنع على المؤجر أيضا أن يقوم بأي عمل من شأنه الإخلال بوجه الانتفاع الذي خصصت لها العين المؤجرة أو ملحقاتها بمقتضى عقد الإيجار، فلا يجوز للمؤجر أن يقطع عن المتأجر المياه والكهرباء إذا كان الإيجار يشمل إمداد المستأجر بها ، ولا يجوز له أن يمنعه من استعمال المدخل العام ، وعليه لا يجوز للمؤجر أن يمنع المستأجر من كل عمل بشأنه أن يكون مخصص للانتفاع بالعين المؤجرة ، ويعد الإخلال بوجه الانتفاع أمرا نسبيا يختلف باختلاف البلاد والعين المؤجرة من حيث التخصيص وهو مسألة واقع يبت فيها قاض الموضوع .
3 / الإخلال بالانتفاع نتيجة التغيير في عين مجاورة :
فإذا كان هناك عقار للمؤجر مجاور ومملوك له ، فالأصل أنه يجوز لهذا الأخير إجراء ما يشاء من أعمال في العقار المجاور لأنه مالك له ، إلا أنه لايجوز أن يحدث في العقار المجاور ما قد يخل بانتفاع المستأجر كتعلية جدار في العقار المجاور يمنع عليه الضوء أو يفتح نوافذ في المنزل المجاور تطل على العين المؤجرة ، ولكن لا يعد تعرضا أن يبيع المؤجر عقاره المجاور ، فيقوم المشتري بأعمال مما تقدم فلا ضمان للمؤجر في هذه الحالة ، لأنه لم يلتزم بتخصيص العقارات المجاورة لمنفعة العين المؤجرة ، بل بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة . (2)
4/ مزاحمة أو منافسة المستأجر في تجارته أو صناعته :
فإذا كانت العين المؤجرة مكانا لمباشرة تجارة أو صناعة ، فهل للمؤجر ممارسة نفس النشاط في عين أخرى في العقارالمؤجرأو في عقار مجاور مملوك له ، وهل يجوز له أن يؤجر هذه العين المجاورة أو في ذات العقار لمستأجر آخر يباشر فيها ذات النشاط ؟ وعليه للإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نأخذ بالاعتبارين التاليين : أولهما مبدأ حريته بالتجارة وبحق الملكية وثانيهما تحديد مضمون مدى التزام المؤجر بضمان تعرضه الشخصي للمستأجر . وفي هذه النقطة عدة آراء، فهناك فئة ترى
ـــــــــــــــــــــــــ
ـ قرار مؤرخ في : 11 /04 /1993 ، ملف رقم96237 ، المجلة القضائية لسنة 1994 ، العدد الأول ، ص 203 (الانتفاع بعقد الإيجار ، إتباع الوسائل القانونية لفسخه ، تعويض المستأجر عند إلحاق الضرر به ،تطبيق سليم للقانون ) من المقرر أنه على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ولا يجوز له أن يحدث بها أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع ، ومن ثم فإن قيام رئيس م ش ب بتهديم المبنى ، المؤجر للمستأنف عليه ، قد ارتكب اعتداء بتصرفه هذا على المستأجر بدون إنذاره ولا إعلامه وبدون إجراء تحقيق ، وخاصة بدون أي دعوى قضائية لفسخ عقد الإيجار المبرم وبذلك يتعين القول أن قضاة الدرجة الأولى قد أصابوا عندما قضوا بإعادة بناء المحل ودفع التعويض، مما يستوجب تأييد قرارهم
ـ عبد الرزاق السنهوري ـ مرجع سابق ، ص315.
بأن ذلك يعد مزاحمة للمستأجر في صناعته وبالتالي فهو تعرض وجب على المؤجر ضمانه، وفئة
أخرى ترى أن ذلك لا يوصف بالتعرض، أما الفئة الثالثة فهي تميز بين حالتين وهما كالتالي :
الحالة الأولى : إذا كانت العين المؤجرة معدة لتلك الصناعة أو التجارة وجب على المؤجر عدم ممارسة تلك الصناعة أو التجارة بالذات لأن تأجير هذه العين بعد تعهدا منه بعدم ممارسة مثل تلك الصناعة أو التجارة ،
الحالة الثانية : إذا كانت العين المؤجرة غير معدة لتلك الصناعة التي يمارسها المستأجر، فهنا يمكن للمؤجر مزاحمته في صناعته . والذي نراه أقرب للصواب أن تقدير ضمان المؤجر بعدم المنافسة أو المزاحمة للمستأجر في نشاطه إنما يتجاوز مدى ومضمون الالتزام بضمان عدم التعرض ، حيث يجب أن يقف هذا المدى عند حد معين لايتعداه وهو التمكين من الانتفاع دون مضايقة .
5 / أعمال التعرض الصادرة عن مأموري المؤجر :
يلاحظ أن نص المادة 483 من القانون المدني الجزائري والتي تقابلها المادة 571 من القانون المدني المصري بعد أن قضت في فقرتها الأولى بالتزام المؤجر بالامتناع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ، قضت في فقرتها الثانية بأن ضمان المؤجر ( لا يقتصر على الأعمال التي تصدر منه أو من مأمورية) (أتباعه فيه النص المصري) (1) وهذا يدل على أن المؤجر لا يضمن فحسب التعرض الشخصي الصادر منه وإنما يضمن أيضا التعرض الصادر من مأموريه . فما المقصود بالمأمورين ( الأتباع) ؟ فهذا الاصطلاح يشمل كل شخص لا يكون أجنبيا عن المؤجر في تنفيذ عقد الإيجار، أو هو كل من تقوم بينه وبين المؤجر صلة مكنة من التعرض للمستأجر، أو كان وجوده بالعين المؤجرة بناء على حق قرره له المؤجر. وبهذا الاصطلاح يدخل في مفهوم المأمورين :
ـ أ / الأشخاص الذين يستعين بهم المؤجر في مباشرة حقوقه وتنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد الإيجار، سواء كانوا بدلا أم مساعدين له (2)
ـ ب / الأشخاص الذين ينوبون عن المؤجر كالولي والوصي والقيم والوكيل.
ـ ج / الخلف العام و الخاص (3) للمؤجر وكل من تلقى عنه حقا كمستأجر آخر من المؤجر ذاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ والأصح في النص المصري ( من أتباعه) ولدينا (من مأمورية) لأن النص باللغة الفرنسية يقول .(de ses préposés)
(2)- و البديل:هو كل من يحل محل المؤجر في تنفيذ التزاماته كالمقاول أما المساعد: فيقتصر عمله في مساعدة المؤجر فيما يجب عليه أو فيما يحق له كالخدم .
(3)- فالخلف العام هو الذي يمثل السلف في الحقوق العينية و في الحقوق الشخصية في حدود التركة، أما الخلف الخاص هو الذي يمثل السلف في حقوق معينة بالذات بشرط أن تكون التعاملات سابقة لانتقال العين .
ولكي يكون المؤجر ملزما بالضمان عن أفعال أتباعه يجب أن تتوافر شروط وهي :
1/ أن يقع الفعل من التابع أثناء تأدية عمله :
كتابع أو بسبب تأديته لهذا العمل (1) ، أما إذا كان الفعل الذي أتاه التابع غير داخل في مهمته فلا يضمنه المؤجر وذلك كإرسال المستأجر البواب ليشتري له أشياء فيبدد النقود .
ـ فهل يسأل المؤجر عن السرقات التي تحدث للمستأجر؟ .
تقوم مسؤولية المؤجر إذا وقعت السرقة من البواب أو باشتراكه ، أما إذا حدثت السرقة من الغير إضرارا بالمستأجر، فإن المؤجر لا يسأل هنا حيث تعد السرقة تعرضا ماديا صادر من الغير لا يسأل عنه المؤجر، فإذا ثبت أن حدوث السرقة بسبب تقصير البواب نحمل المؤجر بالمسؤولية عن فعل تابعه ، فإذا انقضت رابطة السببية بين التقصير وارتكاب السرقة لا يسأل المؤجر(2) ، وتقدير التقصير من عدمه يعد مسألة واقع تخضع للعرف الجاري ويفصل فيها قاضي الموضوع .
ويترتب على إقامة مسؤولية المؤجر أنه لا يكون مسؤولا عن جميع الأضرار المباشرة بل تقتصر مسؤوليته على الأضرار المتوقعة الحصول (3) .
2/ ألا يكون فعل التابع نتيجة تقصير من المستأجر:
فتنتفي مسؤولية المؤجر إذا ثبت اشتراك تقصير المستأجر مع تقصير التابع ، كأن يدخل المستأجر البواب في شقته و أهمل مراقبته فسرقه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- كقيام بواب المنزل بإهانة المستأجر، أو امتنع أن يفتح له الباب ، أوحال بينه وبين المصعد.
(2)- (Le bailleur n'encourt. En principe aucune responsabilité à raison du vol. commis par un tiers au préjudice du locataire .dans les locaux faisant l'objet du bail .il n’en est autrement dans le cas seulement ou la perpétration du vol se rattache. Par un lien direct de causalité. À une faute déterminé dudit bailleur ou de ses préposés) civ. 8 avr 1941.D, 1945.13 note tunc. Code civil. Dalloz. p1156 .
(3)- هناك رأي يذهب إلى إقامة المسؤولية على أساس المسؤولية التقصيرية وهي مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة ، غير أن الرأي الغالب يؤسسها على أساس المسؤولية العقدية، فالمؤجر في الحالات التي يقضي فيها العقد أو العرف بحراسة الدار وبواسطة بواب يضمن للمستأجر نوعا خاصا من الانتفاع بالعين المؤجرة ، فإذا قصر البواب في هذه الحراسة ،تحمل المؤجر بالضمان ،بل يمكن القول أن الحراسة يمكن اعتبارها من ملحقات العين المؤجرة، فهذا الالتزام هو التزام بوسيلة وليس التزاما بغاية ، وعليه يجب إثبات تقصير المؤجر.
الفرع الثاني : الاتفاقات المعدلة لأحكام ضمان التعرض الشخصي
يلاحظ أن الأحكام الواردة بشأن التزام المؤجر بعدم التعرض للمستأجر في انتفاعه، إنما هي مكملة لإدارة المتقاعدين وبالتالي يجوز الاتفاق على ما يخالفها. وعليه يكون الاتفاق على :
1/ تشديد الضمان : كأن يتفق على منح المستأجر الحق في الفسخ أيا كانت درجة الإخلال .
2/ تخفيف الضمان : كالاتفاق على حرمان المستأجر من طلب الفسخ إذا قام المؤجر في التغيير في شكل العين المؤجرة .
3/ الإعفاء من الضمان : فلا يكون المؤجر مسؤولا عن تعرضه ، إلا إذا وقع التعرض نتيجة لخطأ جسيم منه فيقع هذا الشرط باطل . ولكن يجوز الاتفاق على إعفاء المؤجر من الخطأ الجسيم الذي يقع من أتباعه ويجب أن يفسر الشرط الذي يعدل من أحكام الضمان تفسيرا ضيقا.
الفرع الثالث: جزاء الإخلال بضمان عدم التعرض الشخصي
فإذا أخل المؤجر بالتزامه بعدم التعرض للمستأجر، كان لهذا الأخير وفقا للقواعد العامة أن يطلب إما التنفيذ العيني بعدم التعرض، وإما أن يطلب الفسخ إذا كان هناك ما يبرره أو يطلب إنقاص الأجرة. كما يكون له في جميع الحالات أن يطلب تعويض عما أصابه من ضرر.
وعليه سنتطرق بالدراسة لكل حالة على حدى :
1- التنفيذ العيني: فإذا تعرض المؤجر للمستأجر في انتفاعه بالعين و كان التعرض قائما وقت رفع الدعوى كان من حق المستأجر أن يطلب من القضاء منع المؤجر من التعرض ،و للمحكمة أن تلجأ إلى وسيلة التهديد المالي لتنفيذ ذلك ، و للمستأجر أن يكتفي بطلب الفسخ مع التعويض طبقا للقواعد العامة ،أو أن يطالب بإنقاص الأجرة ،و المحكمة ليست ملزمة بإجابة طالب التنفيذ العيني إلى طلبه ،فلها رفضه إذا رأت أن الخسائر التي تكبدها المؤجر أكبر من الضرر اللاحق بالمستأجر ،حتى يدفع المؤجر إلى التنفيذ العيني أن يحبس الأجرة لإيقاف تعرضه .(1)
2- فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة : للمستأجر أن يطالب إما بفسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة،و في هذه الحالة يستطيع المؤجر أن يدفع طلب المستأجر بأنه على استعداد للتنفيذ العيني ،فإذا تحقق ذلك انتفت مصلحة المستأجر،و لا يبقى له الحق سوى في التعويض .فإذا لم يشأ المستأجر أن يطالب بالتنفيذ العيني وقت التعرض ، كان له أن يطالب بفسخ العقد ، أما إذا فضل البقاء في العين مع وجود التعرض ، جاز له طلب إنقاص الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة بسبب التعرض. (2)
3- التعويض : فللمستأجر الحق في المطالبة بتعويضه عما أصابه من أضرار نتيجة إخلال المؤجر بالتزامه وذلك في جميع الحالات، ويكون تقدير هذا التعويض وفقا لقواعد المسؤولية العقدية .(3) فالأصل في تعويض المستأجر ألا تتجاوز قيمة الأجرة المتفق عليها، ومع ذلك يجوز أن يحكم بتعويض أكبر من قيمة الأجرة إذا سبب التعرض أضرارا غير حرمانه من الانتفاع كتلف أثاثه ومفروشاته . (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري- مرجع سابق ، ص332.
(2)- وما يلاحظ أن نقص الأجرة لا يكون إلا بالنسبة للمستقبل ولذلك يحق للمستأجر أن يطلب تعويضه عما لحق من ضرر وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري في نص المادة 477 من القانون المدني .
(3)-هناك من يرى وجوب إعذار المؤجر حتى يستحق التعويض ، و آخرون يقولون بعدم وجوبه ، ما دام التعرض قد حصل وذلك بمعناه أن المؤجر قد أخل بالتزامه فعلا .
- قرار مؤرخ في 21/02/1990 ، ملف رقم 58315 ،غير منشور (في العقود الملزمة للجانبين ،احتفاظ طرفيه بحق الفسخ بعد الإعذار ،لايبيح للطرف الآخر الحق في التعويض ،رفض) الأستاذ عمر بن سعيد (الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني) دار الهدى،عين مليلة، الجزائر، ص 75.
(4) - رمضان أبو السعود (العقود المسماة ، عقد الإيجار) الأحكام العامة،طبعة 1999، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية