logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في المحاكم والمجالس القضائية ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .





26-05-2021 06:49 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 28-12-2014
رقم العضوية : 1558
المشاركات : 317
الجنس :
تاريخ الميلاد : 7-1-1985
الدعوات : 2
قوة السمعة : 140
المستوي : ليسانس
الوظــيفة : متربص

تحليل نص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات
الجزائري المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي

التحليل الشكلي لنص المادة 51 مكرر قانون العقوبات
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 51 مكرر قانون العقوبات
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص 51 مكرر من قانون العقوبات : { باستثناء الدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزئيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك.
إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
}
موقع النص القانوني :

يقع هذا النص ( المادة 51 مكرر) في الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم .
و قد جاء في الباب الثاني منه عنوانه مرتكبو الجريمة، في الفصل الثاني و عنوانه المسؤولية الجزائية.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات حيث جعلها تتألف من فقرتين 2 .
الفقرة الأولي ت بدأ من " باستثناء الدولة " وينتهي عند " على ذلك " ،.
الفقرة الثاني تبدأ من " إن المسؤولية " وينتهي عند " نفس الأفعال " ،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 51 مكرر من قانون العقوبات محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و كمثال على ذلك نشير إلى :
" الجماعات المحلية " ، " للقانون العام " ، " مساءلة الشخص " .
البناء المنطقي :
المشرع إستهل نص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات بعبارة " بإستثناء الدولة " وهنا يقصد قصر المسؤولية الجزائية على الأشخاص المعنوية الخاصة الخاضعة للقانون الخاص فقط، مع استثناء الدولة والجماعات الإقليمية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام و في نهاية الفقرة الأولي يأكد المشرع علي ضرزرة وجود نص قانوني حتي تقوم مسؤولية الشخص المعنوي " عندما ينص القانون على ذلك" ثم في الفقرة الثانية إنتقل المشرع لتوضيح أنه بإمكان مسائلة الشخص الطبيعي كفاعل اصلي او شريك للشخص المعنوي إن قامت المسؤولية ضد هذا الاخير.
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات يتضح أن المشرع الجزائري وضع شروط محددة لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فمنها شروط تتعلق بالشخص المعنوي محل المساءلة، والذي يجب أن يكون خاضعا للقانون الخاص، وأن تكون مسؤوليته منصوصا عليها صراحة بنص القانون ، وهناك شروط تتعلق بمظهر الجريمة محل المساءلة؛ إذ يجب أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي، أو أن يتم ارتكابها من ممثله الشرعي.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 51 مكرر ق ع يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي أسس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟ وماهي شروط قيامها ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المطلب الأول: موقف الفقه حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المبحث الثاني: شروط وأثر قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المطلب الأول: شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المطلب الثاني: أثر قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
خـاتـمة

مقدمة
إن الشخصية القانونية تفترض شخصا طبيعيا أو معنويا كطرف للحق، ولكن الأمر يختلف بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي؛ فالشخص الطبيعي يكتسب الشخصية القانونية بمجرد ولادته حيا، بل وقد تثبت له بعض مميزات هذه الشخصية قبل الولادة، أما الشخص المعنوي وهو مجموع من الأموال أو جماعة من الأشخاص يتحدون للقيام بنشاطات مشتركة، ولأغراض مختلفة، وسمي كذلك بالشخص الاعتباري لأنه ليس له كيان مادي، وإنما له وجود معنوي فقط، مع اعتراف القانون له بالقدرة على اكتساب الحقوق والتحمل للالتزامات.
يترتب على هذه القدرة ما يسمى بالمسؤولية القانونية وهي المحاسبة على ضرر أُحدث للغير ، فإن كان هذا الضرر يقتصر على مصالح خاصة لأفراد أو أشخاص معنويين خاضعين للقانون الخاص فهنا تكون المسؤولية مدنية ، أما إذا كانت هذه الأضرار تمتد إلى مصالح الجماعة ـ بأن يكون الفعل الضار جريمة معاقبا عليها ـ فهنا تكون المسؤولية جزائية ، مع العلم أن الشخص المعنوي مفهوم حديث نسبيا من جهة ومن جهة أخرى فتكاثر أعداده، وتعاظم نشاطاته لا سيما في المجال الاقتصادي أصبحت قدرته على إحداث أضرار خطيرة بالمصالح الخاصة والعامة مسألة جدية، تستوجب الاهتمام والمواجهة .
ففكرة المسؤولية الجزائية تعد المحور الأساسي الذي تدور حوله السياسة والفلسفة ، كما أنها تعتبر العمود الفكري للقانون الجزائي ، حيث ظهرت فكرة المسؤولية الجزائية في العصور القديمة التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الفعل المرتكب من الشخص الطبيعي ليعاقب عليه بشخصه على أساس أنه هو وحده المخاطب بالجزاء ، وعلى إثر التطور الاجتماعي والاقتصادي في مختلف المجتمعات في الأزمنة الأخيرة واتجاه الأفراد للتوحد في إطار جماعات للدفاع عن مصالحهم المشتركة ، أدى هذا إلى ظهور نوع آخر من المسؤولية وهي المسؤولية عن فعل الغير .
ومن أبرز ما جسدها هو تشكل شخص آخر يطبق عليه الجزاء مثله مثل الشخص الطبيعي ألا وهو الشخص المعنوي، وهو الذي لم يكن معروفا وموجودا كفكرة أصلا في العصور القديمة، وهو ما سنحاول التطرق إليه من خلال بحثنا التالي، لذلك نتساءل: إلى أي مدى أقر المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟ وماهي شروطها وآثار قيامها؟

المبحث الأول : أساس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
نظرا للأهمية التي يكتسيها موضوع إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي خصصنا المبحث التالي للبحث على أساس هذه المسؤولية على مستوى الفقه الذي يعد المصدر الذي يستمد منه المشرع نظريات قانونية ليصنع منها قواعد قانونية تتماشى والمنطق القانوني السائد.
للتعرف على أساس مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، نتطرق إلى موقف الفقه حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي (المطلب الأول) وبعدها نبرز موقف مشرعنا الوطني حيالها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: موقف الفقه حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
اختلف فقهاء القانون حيال إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، ليكون الموقف التقليدي معارضا لقيامها ومنكرا لوجودها، مستندا لحجج، ليظهر بعدها اتجاه حديث يرى أن قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ويستند في رأيه إلى حجج تمثل في مجملها ردودا على حجج الاتجاه التقليدي، لذلك سنتناول كلا من الاتجاه المعارض لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي (الفرع الأول) والاتجاه المؤيد لقيامها (الفرع الثاني)
الفرع الأول: الاتجاه المعارض للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
يسمى هذا الاتجاه بالاتجاه التقليدي، وهو ينكر إمكانية قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، وقد ساد هذا الاتجاه في الفقه الجنائي في القرن التاسع عشر إلى غاية الثلث الأول من القرن العشرين. وقد اقترح البعض منهم بدائل؛ حيث ركز هذا الاتجاه على عدم مساءلة الشخص المعنوي عن الجرائم المرتكبة لحسابه من قبل شخص طبيعي ونسبتها لهذا الأخير وهو ما كان سائدا لدى الغالبية من الفقهاء فالأفعال الإجرامية التي تقع من العضو أو الممثل باسم الشخص المعنوي ولحسابه لا يسأل عنها جنائيا ، بينما يعد المسؤول عنها من يرتكبها من الأشخاص الطبيعيين فقط.
يستند أنصار هذا الاتجاه إلى الحجج الآتية :
أولا ـ الشخص المعنوي ذو طبيعة مجازية : الشخص المعنوي مجرد افتراض قانوني من صنع المشرع فما هو إلا تصور قانوني ليس له وجود في الواقع كما أنه لا يتصور منه ارتكاب الركن المادي للجريمة، كما المعنوي لغياب الوعي والإرادة اللذين لا يتوافران إلا للشخص الطبيعي.
ثانيا ـ التعارض مع مبدأ شخصية العقوبة : الشخص لا يسأل جنائيا عن فعل يرتكبه غيره ، بأي حال من الأحوال ، لأن الأصل في المسؤولية الجزائية والعقوبة أنها شخصية ، لا تقع إلا على عاتق مرتكب الجريمة لذلك فإن مرتكب الجريمة وحده هو الذي يتحمل المسؤولية وذلك على خلاف قواعد المسؤولية المدنية التي تجعل من الشخص مسؤولا عن فعل غيره كمسؤولية الأب أو الأم عن الفعل الذي يرتكبه أولادهما القصر، وكذلك مسؤولية رب العمل عن أفعال تابعه، فيترتب على ذلك القول بمسؤولية الشخص المعنوي أن تطال العقوبة كل المساهمين في إنشائه على الرغم من بعدهم عن الجريمة.
ثالثا ـ التعارض ومبدأ تخصص الشخص المعنوي: الشخص المعنوي تتحدد مسؤوليته وأهليته القانونية بالأنشطة التي تستهدف تحقيق أغراضه المشروعة فإذا ارتكب الشخص المعنوي جريمة فهذا يعد خروجا على مبدأ التخصص؛ أي أنه خرج عن الأهداف التي أُنشيء من أجلها وبهذا لا يتمتع بتلك الشخصية القانونية أو المعنوية عند ارتكابه لها، وما يترتب على ذلك من وجود التناقض بين هذا المبدأ " التخصص " وبين إمكانية ارتكاب الشخص المعنوي للجرائم.
رابعا ـ التعارض وأهداف العقوبة الجزائية : تساهم العقوبة الصادرة ضد الجاني بترسيخ العدالة في المجتمع، لأنها تنطوي على إيلام المجرم وإرضاء شعور المواطنين، فهي تحد من ظاهرة الإجرام كونها تتضمن ردعا خاصا وهو ردع الجاني وردعا عاما هو ردع المجتمع، مع العلم أن الشخص المعنوي لا يمكن ردعه وتخويفه مثل الشخص الطبيعي، فضلا على أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي كالإعدام وسلب الحرية والتنفيذ بالإكراه البدني.
إلا أن هناك من قدم بدائل مثل الإقرار بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية في مواجهة الشخص المعنوي، كالحل ومصادرة ماله، وحظر نشاطاته من خلال تنظيمها في قانون العقوبات، وهناك من أراد إخضاعها لجزاءات غير جنائية في حالة مخالفته للقواعد التي تحكمه، وهناك من أراد أن يسأل الشخص المعنوي عن الجرائم الاقتصادية فقط قصد إنجاح السياسة الاقتصادية.
الفرع الثاني : الاتجاه المؤيد للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أدت التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفها العالم إلى انتشار الأشخاص المعنويين بكثرة، وإذا سلكت طريق الإجرام سيكون أثرها وخيما يفوق إجرام الأشخاص الطبيعيين بأشواط، لذلك يرى الفقه الجنائي الحديث ضرورة مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، فذهب فريق من الفقهاء المحدثين إلى القول بإمكانية قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فرفضوا حجج الاتجاه المعارض ودحضوها بحججهم الآتية:
أولا ـ الوجود الفعلي للشخص المعنوي : جماعة الأشخاص ومجموعة الأموال التي تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة ليسوا أشخاصا افتراضيين بل هم حقيقة ملموسة ، فإذا اعترف لها المشرع بالشخصية القانونية فهو لا يخلق شيئا من عدم ، إنما يُقر هذا الوجود فقط كما أنه لا يوجد اختلاف بينه وبين الشخص الطبيعي، فمن حيث التكوين فهي تشبه الجماعات بالأشخاص الطبيعية تشبيها جسديا فخلاياه هم الأفراد المكونون له علما بأنه لا يُعتد بالوجود الفيزيولوجي بل بأهلية ألتمتع بالحقوق والتحمل للالتزامات، فإذا لم يُعد بالإمكان إنكار وجوده بل ومسؤوليته في القانون المدني والقانون التجاري فلم يعد كذلك بالإمكان إنكارها في القانون الجزائي.
فطبقا للنظريات الحديثة فإن الشخص المعنوي له وجود حقيقي كما تتوافر له إرادة يترتب عليها عدم إنكار قدرته على التعاقد والالتزام، ومنه عدم إنكار مسؤوليته المدنية، وهو ما يتناقض مع قواعد القانون التي تعترف له بالشخصية القانونية.
ثانيا ـ عدم التعارض ومبدأ شخصية العقوبة : ردا على حجة الاتجاه التقليدي بهذا الشأن يرى الاتجاه الحديث بأن الإقرار بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لا يتعارض ومبدأ شخصية العقوبة، على اعتبار أن لها آثاراً غيرَ مباشرة تمتد إلى من يرتبطون به كما هو الحال مع الشخص الطبيعي الصادرة ضده عقوبة، فيتعدى أثرها إلى من يعيلهم ، وبذلك فإن إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا يعد إخلالا بمبدأ شخصية العقوبة ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن امتداد آثار العقوبة إلى من يرتبطون به يجعلهم أكثر حرصا وإشرافا على سيره الحسن.
ثالثا ـ عدم التعارض ومبدأ التخصص : تنحصر أهمية هذا المبدأ في تحديد نشاط الشخص المعنوي، فإذا خرج عن حدوده ظل له وجود، ولكن نشاطه يعد غير مشروع، كما قد يستغل حدود تخصصه لارتكاب الجرائم أثناء مباشرته لنشاطه، كأن تلجأ الشركة لتحقيق الربح إلى ارتكاب جريمة التهرب الضريبي، أو المضاربة غير المشروعة، وبالتالي لا يمكن القول بوجود تعارض بين مبدأ التخصص وبين إمكانية ارتكاب الشخص المعنوي للجرائم.
رابعا ـ إمكانية توقيع العقاب على الشخص المعنوي : إن عدم إمكان تطبيق نوع معين من العقوبات على الشخص المعنوي لا يعني عدم إمكان مساءلته جزائيا، إذ لابد من إيجاد العقوبة التي تحقق الإيلام الكافي المتناسب مع الجريمة المرتكبة، والمتناسب مع طبيعة الشخص المعنوي، فالجزاءات السالبة للحياة " الإعدام " أو السالبة للحرية إنما هي جزاءات تتناسب مع طبيعة الشخص الطبيعي.
فالعقوبات التي تتلاءم مع طبيعة الشخص المعنوي والتي يخشاها هي تلك المتمثلة في العقوبات المالية كالغرامة والمصادرة، بالإضافة إلى إيقاف نشاطه لمدة معينة، مما يوقعه في خسائر كبيرة، وكذلك يخشى من حله وهو أشد ما يكون شبيها بعقوبة الإعدام فيما يتعلق بالشخص الطبيعي ، أما عن حجة عدم التلاؤم بين فكرة العقوبة والشخص المعنوي فإن العقوبة لا تقتصر وظيفتها على الوظيفة الإصلاحية، بل لها وظائف وقائية وردعية، ومنها يمكن وضع نظام عقابي خاص بالشخص المعنوي.
خامسا ـ حماية مصالح المجتمع : يري أصحاب هذا الرأي أن اعترافهم بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي يحقق مصالح المجتمع ، حيث إن معاقبة الشخص المعنوي تؤدي إلى الردع ، مثلها في ذلك مثل تلك العقوبات التي توقع على الأشخاص الطبعيين ، على اعتبار أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي تجعل القائمين على الأمر فيه أكثر حرصا وحذرا ومحافظة على الالتزام بتنفيذ القوانين، واحترام حقوق الغير، خاصة وأن هؤلاء الأعضاء هم اليد المنفذة ، لما يمكن أن يرتكبه الشخص المعنوي من جرائم ، شأنها في ذلك شأن اليد أو الرأس في حالة الشخص الطبيعي .
المطلب الثاني : موقف المشرع الجزائري حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي .
تكريسا للمواقف الفقهية حيال مدى إمكانية قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي اختلفت التشريعات حيال إقرارها، فهناك من التشريعات التي انتهجت الاتجاه المعارض لقيامها، مثل القانون الألماني الذي لا يعترف بها بحيث إنه عند وقوع الجريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي يسأل ممثلها " الشخص الطبيعي"، بينما تبقى الجريمة التي ارتكبها الشخص المعنوي ذات طابع إداري ترصد لها جزاءات إدارية.
بينما أخذت تشريعات أخرى بالاتجاه المؤيد لمسؤولية الشخص المعنوي على الصعيد الجنائي مثل القانون الانجليزي الذي يعد أقدم التشريعات التي أخذت بالاتجاه المؤيد لمسؤولية الشخص المعنوي على الصعيد الجنائي، وكذا القانون الفرنسي الصادر سنة 1992 الساري مفعوله إلى يومنا هذا بعد أن كان لا يعترف بها، بينما لم يعترف بها المشرع السعودي وكذلك التونسي كقاعدة عامة إلا في أحوال استثنائية .
أما عن موقف مشرعنا الوطني فقد انتقل بالتدرج من عدم إقرارها إلى غاية الاعتراف الصريح بها، وتعميمها في كل المنظومة القانونية، إذ تعتبر التعديلات الواردة على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية سنة 2004 معيار التمييز بين المواقف المتباينة التي مرت بالجزائر حيال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
الفرع الأول: مرحلة ما قبل سنة 2004
قبل صدور التعديلات التي مست المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وآثارها، وكل ما يخص متابعة الشخص المعنوي جزائيا كان المشرع الجزائري في البداية لا يعترف بها لينتقل بعد ذلك لاعتراف جزئي بموجب بعض القوانين الخاصة.
أولا ـ مرحلة عدم الاعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
وهي المرحلة التي كان فيها الأمر 66-156المتضمن قانون العقوبات لا يتضمن إقرارا بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وهو أمر مبرر آنذاك، بحيث إنه قبل صدور الأمر 75-58 لم يكن هناك اعتراف بالشخصية القانونية للشخص المعنوي، هنا نكون أمام موقف صريح رافض لمساءلة الشخص المعنوي جزائيا.
إلا أنه تم اعتبار موقف المشرع الجزائري آنذاك إقرارا ضمنيا بها، على أساس الكثير من العبارات المتضمنة في قانون العقوبات آنذاك مثل ما ورد في المادة 9 منه بخصوص اعتبار حَلّ الشخص المعنوي عقوبة تكميلية يجوز الحكم بها في مواد الجنح والجنايات ، كذلك ما ورد في المادة 17 منه بشأن "إغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا" في حالات محددة بنص القانون ، كذلك نص المادة 26 منه بخصوص منع الشخص المعنوي من ممارسة نشاطه ، إلا أن الأستاذ رضا فرج اعتبر كل هذه العبارات تدل على تدابير أمنية تطبق في مواجهة الأشخاص الطبيعيين، بحيث إن المشرع الجزائري لم يسلم كقاعدة عامة بالمسؤولية الجزائية للأشخاص الاعتباريين، وإنما توقع احتمال صدور نصوص خاصة لتجريم بعض الأفعال مع توقيع عقوبات جنائية، لذلك حرص النص على العقوبات التكميلية، وعلى تدابير الأمن التي توقع على الشخص الاعتباري الذي تصدر بشأنه عقوبة جنائية.
أما ما ورد في المادة 647 من قانون الإجراءات الجزائية آنذاك بخصوص ضرورة فرض إنشاء صحيفة للسوابق القضائية لتقييد العقوبات التي تطبق على الشركات التجارية، فقد اعتبرها الأستاذ رضا فرج بعيدة عن الإقرار الضمني بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وإنما أرجع ذلك إلى أحكام استثنائية تقرر بموجب نصوص خاصة تعاقب الشخص المعنوي.
ثانيا ـ مرحلة الاعتراف الجزئي بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
سمينا هذه المرحلة بالاعتراف الجزئي للدلالة على أن قانون العقوبات الجزائري لم يعترف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي من جهة، ومن جهة أخرى كرس هذه المسؤولية بموجب قوانين خاصة نذكر منها الأمر 75-37 المتعلق بالأسعار وقمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صراحة هذه المسؤولية حيث ورد فيها :" عندما تكون المخالفات المتعلقة بأحكام هذا الأمر مرتكبة من القائمين بإدارة الشخص المعنوي أو مسيريه أو مديريه ، باسم ولحساب الشخص المعنوي يلاحق هذا الأخير وتصدر بحقه العقوبات المالية المنصوص عليها في هذا الأمر ، فضلا عن الملاحقات التي تجري بحق هؤلاء في حالة ارتكابهم خطأ عمديا " ، كما نصت المادة 303 من قانون المالية 1992المتعلق بالرسم على رقم الأعمال على أنه: " عندما ترتكب المخالفة من شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة وبالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين والممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة ، ويصدر الحكم بالغرامات الجزائية ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين وضد الشخص المعنوي ...".
ونشير كذلك لما ورد في المادة 5 من الأمر 96-22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج؛ حيث نص على أنه: " تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات المنصوص عليها في المادتين 1 و2 من هذا الأمر للعقوبات التالية، دون المساس بالمسؤولية الجزائية للممثلين الشرعيين".
وقد تدارك المشرع الجزائري الخطأ الذي وقع فيه وذلك بموجب الأمر 03/01 المعدل للقانون السالف الذكر؛ حيث حصر نطاق الأشخاص المعنويين المعنيين بالمسؤولية الجزائية في دائرة الخاضعين للقانون الخاص لتتغير المادة 5 منه وتصبح على النحو التالي: " يعتبر الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص دون المساس بالمسؤولية الجزائية للممثلين الشرعيين مسؤولا عن (مخالفات الصرف) المرتكبة لحسابه من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين".
الفرع الثاني: مرحلة ما بعد سنة 2004
مواكبة من المشرع الجزائري للتطورات العالمية والمحلية في مختلف جوانب الحياة السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية ، أصبح من الضروري الإقرار بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي الذي تزايدت أعداده، وتعاظمت نشاطاته ومنه توسعت إمكانية ارتكابه جرائم جسيمة تلحق أضرارا تفوق ما يأتي به إجرام الأشخاص الطبيعيين، لذلك قرر المشرع الجزائري بموجب التعديلات التي مست قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية وبموجب قوانين خاصة تلت هذه التعديلات استحداث مسؤولية جنائية محددة المعالم من حيث الأشخاص المعنويون والشروط المتطلبة لقيامها، مع الحفاظ على مساءلة الأشخاص الطبيعيين فاعلين كانوا أم شركاء في الجريمة التي يرتكبها الشخص المعنوي.
فبالرجوع إلى القانون 04/15 المتعلق بقانون العقوبات نلحظ المواد 15 مكرر إلى 18 مكرر 3 التي تحدد العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنويين، وذلك في الباب الأول مكرر بعنوان " العقوبات وتدابير الأمن" وهو ما سنبرزه في أوانه.
كما ورد في المادة 51 مكرر التي تناولت شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كما سنبينه لاحقا.
كذلك المادة 53 مكرر 7 التي تناولت ظروف تخفيف العقوبة على الشخص المعنوي، وظروف تشديدها في المواد 53 مكرر 8، 54 مكرر 5، 54 مكرر 9 التي وردت في الفصل الثالث "شخصية العقوبة"، كما ذهب المشرع إلى وضع نصوص جديدة تحدد الجرائم المرتكبة من الشخص المعنوي في الكتاب الثالث بعنوان " الجنايات والجنح وعقوبتها" التابع للجزء الثاني بعنوان " التجريم " وسنذكر بعضها لاحقا.
أما التعديل 04/14 المتعلق بقانون الإجراءات الجزائية فقد ورد في مواده من 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 تحديد الاختصاص القضائي المحلي، إجراءات التحقيق والمحاكمة وتمثيله خلال هذه الأطوار، وذلك في الفصل الثالث بعنوان " في المتابعة الجزائية للشخص المعنوي "التابع للباب الثاني بعنوان" في التحقيقات " من الكتاب الأول بعنوان " في مباشرة الدعوى العمومية وإجراء التحقيق"، كل هذه الأمور تدل على العناية الفائقة التي أولاها المشرع الجزائري لموضوع المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مواكبة للتطورات العالمية والمحلية على مستوى كل الأصعدة .
المبحث الثاني: شروط وأثر قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
حتى يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا يجب أن يكون من أشخاص القانون الخاص، كما يجب أن يحدد القانون الجرائم التي تتحدد فيها مسؤوليته، والتي يجب أن يأتي بها باسمه ولحسابه، ليترتب عن ذلك حق الدولة في معاقبته ومنه تحقيق الردع العام.
المطلب الأول: شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
تنص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات الجزائري على ما يلي: " باستثناء الدولة والجماعات المحلية والأشخاص الخاضعة للقانون العام يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك.
إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال"
ومنه نخلص الى القول بأن المادة 51 مكرر أعلاه حددت شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي منها شروط تتعلق بالشخص المعنوي محل المساءلة، والذي يجب أن يكون خاضعا للقانون الخاص، وأن تكون مسؤوليته منصوصا عليها صراحة بنص القانون ، وهناك شروط تتعلق بمظهر الجريمة محل المساءلة؛ إذ يجب أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي، وأن يتم ارتكابها من ممثله الشرعي.
الفرع الأول : شروط تتعلق بالشخص المعنوي محل المسائلة
أولا ـ أن يكون الشخص المعنوي خاضعا للقانون الخاص :
حدد المشرع الجزائري الأشخاص المعنويين المسؤولين جزائيا ، وهو ما انتهجته معظم التشريعات التي تُقر بمبدأ مسؤولية هؤلاء الأشخاص ، هذا التحديد يستند إلى تقسيم الأشخاص المعنويين إلى أشخاص معنويين عامة وأشخاص معنويين خاصة إذ إن المادة 51 مكرر من قانون العقوبات السالفة الذكر استثنت صراحة الأشخاص المعنويين العامين، وكان ذلك نتيجة آراء فقهية تستبعد مسؤوليتها الجزائية ، إذ إنه منذ الحرب العالمية الأولى والثانية دارت الأبحاث حول تقرير مسؤوليتها على الصعيد الدولي، ووضع الأستاذ ألبرت لوفيت مشروع قانون عقوبات دولي في عشرة مواد مع اقتراح آخر من الأستاذ رو بخصوص إنشاء محكمة نقض دولية ، كما أنه أثناء الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة ألمانيا النازية تجددت المحاولات الهادفة إلى تقرير تلك المسؤولية للتنكيل بالمنهزمين وإشباع رغبة المنتصر لكن يبقى هذا الأمر على الصعيد الدولي ، أما على الصعيد الداخلي فقد تم استبعاد قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنويين العامين على أساس أن ذلك يتناقض مع مبادئ القانون العام الذي يهدف لإشباع الحاجيات العامة كما أن مساءلة الشخص المعنوي العام يمس بمبدأ العدالة؛ إذ إن هؤلاء الأشخاص المعنويين يعملون لحساب ومصلحة الكافة، فهي تهدف إلى تحقيق الصالح العام فمعاقبتها يؤدي الى إهدار المصلحة العامة.
كما يرى جانب من الفقه أن إقرار مسؤوليتها الجنائية يؤدي إلى انكسار مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة بين الأفراد أو المواطنين، لأن بعضهم يستحقون العواقب الجنائية دون البعض الآخر رغم أنهم لم يرتكبوا أي جرم، كما هو الحال بالنسبة للبلدية أو الولاية عند إدانتها في جريمة، وإلزامها بدفع الغرامة فإنها تلجأ إلى فرض ضرائب إضافية على المواطنين لسدادها ويقتصر هذا على المواطنين المقيمين فيها، وهو ما يؤدي إلى تضررهم .
بينما تسأل الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون الخاص مهما كان الشكل الذي تتخذه (مدنية أو تجارية) وأيا كان شكل إدارتها، مهما كان هدفها سواء كان ربحيا أو دون مقابل، وكذا كل الجماعات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي ذات الأهداف الاقتصادية، مع ملاحظة أن العبرة بالشخصية القانونية، إذ إن شركة المحاصة والشركة الفعلية لا تسأل جنائيا لعدم تمتعها بالشخصية القانونية.
ثانيا ـ نص القانون على مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا :
أخذ المشرع الجزائري بمبدأ التخصص بحيث رصد نصوصا صريحة تحدد الجرائم محل المساءلة ، نذكر بعضا من النصوص على سبيل المثال للدلالة على حالات يكون فيها الشخص المعنوي مسؤولا جنائيا، فقد نصت المادة 253 مكرر من قانون العقوبات على ما يلي: " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم المحددة في هذا الفصل، وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر من هذا القانون.
تطبق على الشخص المعنوي العقوبات المنصوص عليها في المادة 18 مكرر، وعند الاقتضاء تلك المنصوص عليها في المادة 18 مكرر2 من هذا القانون.
ويتعرض أيضا لواحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها من المادة 18 مكرر "، وذلك بشأن جرائم التزوير المنصوص عليها في الفصل السابع بعنوان "التزوير" التابع للباب الأول بعنوان " الجنايات والجنح وعقوبتها"
كما نذكر أن المادة 382 مكرر 1 من قانون العقوبات بشأن الجرائم المتعلقة بالأموال تنص على أنه: " يمكن أن يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم المحددة في الأقسام 1 و2 و3 من هذا الفصل، وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر".
الفرع الثاني : شروط تتعلق بمظهر الجريمة محل المساءلة
لا يكفي لكي يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا بمجرد أن يكون من أشخاص القانون الخاص، وأن يتم النص على مسؤولية تجاه جرائم محددة، بل لابد أن ترتكب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادته، فهو بمثابة اليد التي تعمل والرأس الذي يفكر، و هنا نجد بعض الفقهاء مثل الفقيه ميستر يذهب إلى التفرقة بين العضو والممثل، حيث اعتبر العضو هو الفرد أو مجموعة الأفراد المنوط بهم اتخاذ القرارات باسم الشخص المعنوي، أما الممثل فيناط به مجرد وظيفة بسيطة يشغلها، ولا تعد قراراته صادرة عن الشخص المعنوي بطريقة مباشرة.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري جنّب نفسه مشقة البحث عن التفرقة بين الممثل والعضو تفاديا لما قد يترتب عن هذه التفرقة؛ بحيث حدد المقصودين من عبارة "الممثل الشرعي" وذلك بموجب المادة 65 مكرر 2 الفقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن: "... الممثل القانوني للشخص المعنوي هو الشخص الطبيعي الذي يخوله القانون أو القانون الأساسي للشخص المعنوي تفويضا لتمثيله..." وبالتالي تم استبعاد مستخدمي الشخص المعنوي غير المفوضين لتمثيله ، فما يرتكبونه من جرائم بصدد وظائفهم لا تحسب على الشخص المعنوي التابعين له، إنما يسألون عنها لوحدهم.
ويجدر التنويه بما قد يثار من صعوبات بصدد الجرائم السلبية (الإهمال/الامتناع) فيما يتعلق بتحديد الشخص الطبيعي المرتكب للجريمة بصفته ممثلا شرعيا في حالة تعددهم، ودور كل واحد منهم، كما أن مسؤولية الشخص المعنوي تتحدد بقدر دور ممثله الشرعي في الجريمة (فاعل أصلي/شريك) وتبقى مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية قائمة حتى ولو كان ممثلها الشرعي مجهولا، وهذه الحالة قد تكون في حالة اشتراك العديد من الممثلين الشرعيين في اتخاذ قرارات الشخص المعنوي.
هذا الأمر يقودنا لشرط آخر وهو أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي، وليس لمجرد تحقيق هدف شخصي لممثليه الشرعيين، حيث نصت المادة 51 مكرر من قانون العقوبات على ما يلي:
...يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك ..." "
والمقصود من عبارة "لحسابه" هي كل ما يكون من الأفعال التي تخدم المصالح المادية و المعنوية سواء كانت بتحقيق هدف معين، أو التهرب من خسارة سواء كان ذلك محققا أو ممكنا.
المطلب الثاني : أثر قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
إن قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي يترتب عليها أثر يعتبر هو الهدف من وراء كل المحاولات الرامية لمحاسبة الشخص المعنوي جزائيا، والمتمثل في ردعه وذلك بعقابه، مع العلم أن العقوبة يقصد بها الجزاء الذي يقرره المشرع ويوقعه القاضي على من تثبت مسؤوليته في ارتكاب جريمة.
وقد أصبح توقيع العقاب على الشخص المعنوي ضرورة ملحة لا غنى عنها، إذ إنه لا يتصور تسليط العقوبات على الأشخاص الممثلين لهذه الشخصيات المعنوية فقط وبقاء هذه الأخيرة ممارسة لنشاطها، لذا فالحل الأمثل هو توقيع العقاب على الشخص المعنوي ذاته، ومن ثم تأييد موقف الفقه الحديث.
الفرع الأول : العقوبات الأصلية التي تطبق على الشخص المعنوي
وهي العقوبات الواردة بنص المادة 18 مكرر من قانون العقوبات الجزائري بحيث رصدت للشخص المعنوي في كل من مواد الجنايات والجنح عقوبة أصلية تتمثل في الغرامة التي تساوي من مرة واحدة إلى 05 مرات الحد الأقصى وهي إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من المال إلى خزينة الدولة، وتعتبر الغرامة من أهم العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي وأنسبها.
كما نصت المادة 18 مكرر 1 بصورة صريحة على هذه العقوبات في مواد لا تثير أي لبس على النحو التالي: " العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في المخالفات هي: الغرامة التي تساوي من 01 مرة إلى 5 مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة، كما يمكن الحكم بمصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها".
مع العلم أنه إذا لم يحدد المشرع غرامة معينة للشخص الطبيعي فإن حساب الغرامة للشخص المعنوي يكون حسب المادة 18 مكرر 2 المستحدثة بموجب التعديل 06/23 43 المتعلق بقانون العقوبات كالآتي :
ـ إذا كانت عقوبة الشخص الطبيعي هي الإعدام والسجن المؤبد، تكون الغرامة بالنسبة للشخص المعنوي 2.000.000 دج ـ إذا كانت عقوبة الشخص الطبيعي هي السجن المؤقت فإن عقوبة الشخص المعنوي هي 1.000.000 دج.
ـ إذا كانت الجريمة جنحة فإن عقوبة الشخص المعنوي 500.000 دج.
لهذه العقوبات المالية دور في تحقيق العدالة إذ إن فرض غرامات مالية تصل إلى خمسة أضعاف ما يفرض على الشخص الطبيعي في الجرائم المماثلة يحقق التناسب بين عدم التزام الشخص المعنوي بالتقيد بالقانون، وجسامة الأضرار الناجمة عن ذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن ضآلة الغرامات المالية المفروضة على الشخص المعنوي تدفعه إلى الإهمال والاستهتار لما يملكه من أموال.
الفرع الثاني: العقوبات التكميلية التي تطبق على الشخص المعنوي
كما حددت المادة 18 مكرر عقوبات تكميلية "في مواد الجنح والجنايات" تطبق واحدة منها أو أكثر، وقد وردت بالترتيب الآتي:
أولا ـ حل الشخص المعنوي :
وهي عقوبة بمثابة الإعدام تجاه الشخص الطبيعي والمقصود بها كعقوبة هو إنهاء وجود الشخص المعنوي، مع العلم أن القانون لم يلزم القاضي بالنطق بها؛ إذ تبقى له السلطة التقديرية إزاءها.
ثانيا ـ غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز 05 سنوات :
إلا أن الملاحظ قبل تعديل 06/23 المتعلق بقانون العقوبات السالف الذكر أن هذه العقوبة كانت عقوبة أصلية من قبيل التدابير العينية التي تطبق على الشخص المعنوي.
ثالثا ـ الاقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات :
وقد يكون هذا المنع بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ويبقى القاضي متمتعا بالسلطة التقديرية في تحديد هذه النشاطات، ويقصد بها أن يستبعد الشخص المعنوي المدان من كل صفقة تبرمها الدولة وجماعاتها المحلية ومؤسساتها العامة، وبصفة عامة كل المشاريع التي تلجأ طواعية أو على سبيل الإلزام إلى تطبيق إجراءات قانون الصفقات العمومية.
رابعا ـ المصادرة: وذلك بمصادرة الشيء الذي أستعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، والمصادرة هي نزع ملكية مال من صاحبه جبرا، وإضافته إلى ملكية الدولة دون مقابل، كما أنه لا يترتب على نزع ملكية هذا المال أي خصم من مقدار الضرائب المستحقة عليها، فهي ذات أثر مزدوج بالنسبة للشركات التجارية (الشخص المعنوي) إذ تتعرض لعقوبة جزائية من جهة، ومن جهة أخرى إلى خسارة المال المصادر، أضف إلى ذلك الانخفاض في رقم أعمالها، وذلك يعود لانخفاض في مردود إنتاجها .
خامسا ـ نشر وتعليق حكم الإدانة :
وهو ما يلحق أضرارا بسمعة الشخص المعنوي، الأمر الذي يبعد الغير عن التعامل معه.
سادسا ـ الوضع تحت الحراسة القضائية :
وذلك لمدة لا تتعدى 05 سنوات، وقد حدد القانون نطاقها في النشاط المؤدي إلى ارتكاب الجريمة، ويقصد بالحراسة القضائية الوضع تحت إشراف القضاء لمدة معينة، وطبيعة هذه العقوبة تقترب من نظام الرقابة القضائية الذي يؤمر به أثناء مرحلة التحقيق القضائي ضد الشخص الطبيعي، ويتمثل الهدف من هذه المراقبة التأكد بأن الشخص المعنوي المحكوم عليه يحترم الأنظمة التي تحكم المعاملات التجارية، والتي تنظم نشاطاتها.

إستنتاج :
من خلال تحليل المادة 51 مكرر ق ع نخلص إلى أن فكرة المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية أصبحت تمل حقيقة واقعية وقانونية وهذا الإقرار التشريعي بإمكانية قيام هذه المسؤولية لم يأت من فراغ ، إذ سبقه اعتراف كل من الفقه والقانون بوجود الشخص المعنوي، وإمكانية تحميله المسؤولية المدنية، وكان نتيجة حتمية أملتها اعتبارات عملية وواقعية، فرضها تواجد الشخص المعنوي ككيان قائم بذاته في الحياة الاجتماعية ومعترف به من الناحية القانونية، وله نشاطات كبيرة ومتزايدة، مما دفع بالمشرع إلى الارتقاء فوق الجدل الفقهي مقرا بإمكانية مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا، خوفا مما قد ينجر عن تركها تنشط في الواقع مع ما قد ينجر عن ذلك من جرائم تبقى خارج نطاق المساءلة والعقاب.
ولقد اختلفت التشريعات في معالجة الموضوع، فمنها من أخذ بها كقاعدة أو مبدأ عام كما هو الحال في القانون الإنجليزي والقانون الفرنسي، ومنها من أخذ بتدابير تطبق على الشخص المعنوي المخالف للقانون دون أن يرتقي إلى الإقرار بهذه المسؤولية، وهو حال القانون الإيطالي على سبيل المثال.
أما القانون الجزائري، فإنه وتماشيا مع الاتجاهات الحديثة للمسؤولية الجزائية، وفي إطار إصلاح المنظومة التشريعية، قد أقر بدوره بمبدأ مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا كقاعدة عامة وذلك بموجب القانون رقم 15-04 المعدل والمتمم لقانون العقوبات الذي استحدث المادة 51 مكرر التي نصت على المبدأ وشروط تطبيقه.
نلاحظ ان هذه النقلة في التشريع الجزائري جعلها لا تخلو من بعض الثغرات التي جعلتها عرضة للنقد ، و هذه الانتقادات هي النتائج التي توصلت اليها .
-استبعاد مساءلة الأشخاص المعنوية العامة بصفة مطلقة، فإذا كان من المعقول ألا يسأل الشخص المعنوي العام عندما يتصرف باعتباره سلطة عامة ومستعملا امتيازاتها، فإنه لا يفهم لماذا استبعد المشرع مسالة الأشخاص المعنوية العامة عندما تتصرف كشخص عادي وفي إطار القانون الخاص، لنضعها على قدم المساواة مع الشخص الطبيعي أو المعنوي الخاضع للقانون الخاص، لأنه قد تقع منهما جريمة في نفس الظروف، فيسال الشخص الخاص دون العام، وهو ما يتماشى ومبادئ العدالة والمساواة، وجدير بالذكر بأن المشرع الفرنسي الذي تأثرنا بالعديد من نصوصه في هذا المجال قد نص على إمكانية مسالة الشخص المعنوي العام إذا تصرف بصفته شخصا خاصا.
حصر إمكانية مساءلة الشخص المعنوي في عدد من الجرائم و ليس كلها و استبعاد مساءلته في المخالفات، رغم إمكانية تصور وقوع العديد من الجرائم من قبله نظرا لنشاطاته المتزايدة في مختلف المجالات، لكن تبقى خارج المتابعة في ظل مبدأ الشرعية الذي يقيد القاضي، وعلى النقيض من ذلك فان القانون الفرنسي يخضع الشخص المعنوي للمساءلة على طائفة كبيرة من الجرائم.
- عدم نص المشرع الجزائري على إمكانية إفادة الشخص المعنوي المدان بوقف تنفيذ العقوبة. - عدم نص المشرع الجزائري على حل الشخص المعنوي قبل اكتشاف الجريمة وتحريك
الدعوى العمومية، كسبب لانقضاء هذه الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة لوفاة الشخص الطبيعي لأنه لا يعقل متابعة شخص معنوي لم يعد له وجود لا في الواقع ولا في القانون.
- كما أن المشرع الجزائري حدد الحد الذي يمكن للقاضي النزول إليه في حالة ما إذا قرر إفادة الشخص المعنوي المدان بظروف التخفيف، وجعله الحد الأدنى للغرامة المقررة في القانون الذي يعاقب على الجريمة بالنسبة للشخص الطبيعي، فما هو الحال بالنسبة للجرائم التي لا يقرر فيها القانون عقوبة الغرامة للجريمة بالنسبة للشخص الطبيعي.

خاتمــــة
إن فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كانت فكرة غير مطروحة قبل مدة وجيزة ، وقد تمخض عنها اتجاهان فقهيان: الأول يعارض مساءلة الشخص المعنوي جزائيا وأرجع ذلك لطبيعته المفترضة، وتخصصه في هدفه من جهة ، ومن جهة أخرى اعتبر مساءلته جزائيا تتعارض مع شخصية العقوبة وأهدافها، والثاني يؤيد ويعترف بالمسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري ، استند في رأيه إلى الرد على حجج الاتجاه المعارض بحيث اعتبروا وجود الشخص المعنوي وجودا فعليا كما اعتبروا مساءلته جنائيا لا يتعارض مع مبدأ تخصصه ولا مع شخصية العقوبة وأهدافها، بل برروا ذلك بحماية مصالح المجتمع .
بسبب تباين الآراء حول إمكانية قيام المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري اختلفت التشريعات بين منكر ومؤيد، ليكون موقف مشرعنا الوطني في ظل الأمر 66-156 المتضمن قانون العقوبات رافضا ومستبعدا لفكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، ليكرسها لاحقا بموجب نصوص خاصة، وبذلك انتقل المشرع الجزائري من الإنكار التام إلى الاعتراف الجزئي بهذه الفكرة.
وفي سنة 2004 صدر القانون 04-15 المتعلق بقانون العقوبات والقانون 04-14 المتعلق بقانون الإجراءات الجزائية ليصبح المشرع الجزائري معترفا صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، وجعلها مقرونة بشروط وهي أن يكون الشخص المعنوي المراد مساءلته من أشخاص القانون الخاص وبالتالي استبعاد أشخاص القانون العام ( الدولة ، الولاية ، البلدية ...) ، بالإضافة إلى تحديد القانون للجرائم التي تتحدد فيها مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية، وهنا حبذا لو أخذ المشرع الجزائري بمبدأ العموم حتى لا يجد حرجا في المستقبل أمام أفعال خطيرة ومضرة بالمصالح الاجتماعية يرتكبها الشخص المعنوي دون نص يعاقبه .
كما اشترط المشرع الجزائري لقيام مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية ارتكاب الجريمة باسمه أو بواسطة ممثليه الشرعيين، وأن يكون ذلك لحساب الشخص المعنوي أي لتحقيق مصالحه.
بتوافر هذه الشروط تقوم مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية، ويترتب على ذلك حق الدولة في توقيع العقاب عليه بعقوبات تتناسب وطبيعته المختلفة عن طبيعة الشخص الطبيعي، وهو الهدف من وراء كل المساعي للاعتراف بمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية ـ بل ومن وراء كل قاعدة جنائية ـ والمتمثل في تحقيق الردع الخاص " ردع الشخص المرتكب للجريمة " والردع العام " ردع الأشخاص الآخرين الذين يمكن أن يرتكبوا جرائم في المستقبل" .

المراجع
القوانين :
الأمر رقم 66-156 و المتضمن قانون العقوبات الجزائري مؤرخ في08 يونيو 1966،ج.ر 49 مؤرخة في 10 أوت 1966 معدل و متمم.
المؤلفات :
-محمد حزيط ، المسؤولية الجزائية للشركات التجارية في القانون الجزائري و القانون المقارن ، دار هومة ،الجزائر، 2013
- د.لحسن بوسقيعة, الوجيز في شرح القانون الجزائي العام, ديوان الأشغال التربوية سنة 2002
- عمر سالم، المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وفقا لقانون العقوبات الفرنسي، جامعة القاهرة، الطبعة الأولى 1995.
- عبدالله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ،بدون ط،موفم للنشر،الجزائر،سنة 2009 ،
- عمر خوري، شرح قانون العقوبات –القسم العام- كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2007.
- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
التعليق ، المادة ، مكرر ، قانون ، العقوبات ، الجزائري ،









الساعة الآن 11:18 AM