الحماية القانونية للأسرة في بعض التشريعات الجزائريةالمطلب الأول : قانون رقم 10-12 المتعلق بحماية الأشخاص المسنين المحور الأول : واجبات الأسرة تجاه الأشخاص المسنين في وسطهم العائلة المحور الثاني : التزام الدولة تجاه الشخص المسن خارج محيطهم الأسري
المحور الثالث : المسؤولية الجزائية اتجاه كل من يخرق حقوق الشخص المسن المطلب الثاني: الحماية المقررة للجنين في التشريعات الجزائرية
أولا- بداية الشخصية القانونية في القانون المدني
ثانيا- في القانون الجنائي
د. عيسى معيزة
ملخص :
تناولت عدد من المواثيق والاتفاقيات الدولية الحماية القانونية للأسرة لعل أهمها:-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية- وثيقة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) 1979م- المؤتمر الرابع للمرأة ببكين ووثيقة الإعلان السياسي وخطة العمل 1995- وثيقة مؤتمر السكان بالقاهرة 1994- وثيقة حقوق الطفل 1990.
وقد انعكست هذه الاتفاقيات المصادق عنها على التشريعات الداخلية في للجزائر، سلبا وإيجابا، وإشكالية التوفيق بين الهوية الإسلامية للأسرة ومتطلبات هذه الاتفاقيات الدولية التي تشدد على التجديد والتطوير دون الأخذ بعين الاعتبار للتقاليد والضوابط الدينية أو غيرها.
وأولت جل هذه المواثيق الدولية الأسرة أهمية بالغة انطلاقا من المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية اللتان نصتا على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، وهو ما كرسه الدستور الجزائري في المادة 72 منه، كما منح المشرع الجزائري نفس الأهمية للأسرة، وعملت على ضمان حمايتها واستقرارها والمحافظة عليها من خلال سنه لقوانين في مختلف الميادين تكفل لها ذلك سواء مدنيا أو جزائيا. وقد اخترت نموذجين للتشريعات المتعلقة بالأسرة والتي تناولت حماية الفئات الهشة وهي التشريعات المتعلقة بحماية المسنين وحماية الأجنة –الحمل-.
مقدمة :
كانت فكرة الكتابة في هذا الموضوع الذي يعالج إشكالية هامة وهي: ما هي أهم صور الحماية القانونية للأسرة في التشريعات الجزائرية ؟ وما مدى تأثرهما بالمواثيق والاتفاقيات الدولية في هذا المجال؟
للإجابة على هذا الإشكال نسعى إلى إظهار أهم صور الحماية القانونية سواء المدنية أو الجزائية، ومدى توفيق المشرع بين الحفاظ على المرجعية الدينية والموروث الثقافي والهوية الإسلامية للمجتمع، وبين ما تفرضه الاتفاقيات الدولية من مطلق التجديد وتحديات العولمة، وكنموذج لهذه التشريعات نتحدث عن حماية المسنين والأجنة باعتبارهما من الفئات الهشة التي تحتاج إلى رعاية خاصة. المطلب الأول : قانون رقم 10-12 المتعلق بحماية الأشخاص المسنين :
لم يعرف المشرع الجزائري المسن إلا من خلال القانون رقم 10-12 القانون رقم 10/12 المؤرخ في 23 محرم 1432 الموافق ل 29 ديسمبر 2010 المتعلق بحماية الأشخاص المسنين حيث نص في مادته الثانية بأنه: كل شخص بلغ من العمر 65 سنة فما فوق.
تتجـلى حمـاية الـدولـة الجزائرية للأشخـاص المسنيـن مـن خـلال مجمـوعة من النصـوص القانـونية رتبهـا المشرع الجزائري فـي كـل ميـدان عـلى حـدا، لضمـان حقـوقهم.و من هنا تطرح الاشكالية التالية: ماهي مسؤولية الأسرة و الدولة و الحركات الجمعوية اتجاه الشخص المسن؟ و فيم يتمثل الالتزام الوطني لهؤلاء الأشخاص لحماية الشخص المسن وفق القانون 10/12؟ للإجابة على الإشكالية سنعرض الخطة في ثلاث محاور :
المحور الأول: واجبات الأسرة تجاه الأشخاص المسنين
المحور الثاني : التزام الدولة تجاه الشخص المسن
المحور الثالث : المسؤولية الجزائية اتجاه كل من يخرق حقوق الشخص المسن
المحور الأول : واجبات الأسرة تجاه الأشخاص المسنين في وسطهم العائلة
تلتزم الأسرة بحماية الأشخاص المسنين و صون كرامتهم و يعتبر هذا الالتزام التزاما وطنيا،تلتزم به بالدرجة الأولى الأسرة و لاسيما منها الفروع و الدولة و جماعاتها المحلية فضلا عن الحركات الجمعوية [1]
و تتمثل واجبات الأسرة اتجاه الشخص المسن في ضمان الحق في العيش بصفة طبيعية محاطا بأفراد أسرته بمحبة و ألفة و تلاحم أسري،[2] و في حال تعذر على الأشخاص المتكفلين بالشخص المسن القيام بواجب التكفل ماديا فيمكن طلب إعانات مادية من الدولة و الجماعات المحلية [3]
كما تلتزم الدولة بحماية الأشخاص المسنين و إبقائهم في وسطهم العائلي و تعزيز علاقاتهم الأسرية والسهر على راحتهم و صون كرامتهم، و ضمانا لهذا الحق يحق لكل شخص طبيعي أو معنوي تبليغ السلطات المختصة بكل حالة سوء معاملة أو إهمال،[4] و يمكن اللجوء إلى الوساطة العائلية و الاجتماعية عن طريق المصالح الاجتماعية.[5]
و تعرف الوساطة العائلية و الاجتماعية أنها إجراء وقائي يرمي إلى تسوية حالات النزاع التي قد تنشب في الأسرة لاسيما بين الفروع و الأصول على حد سواء، قصد تفادي اللجوء إلى المصالح القضائية.[6]
يندرج استحداث هذا الترتيب ضمن الاستراتيجيات المنتهجة من طرف وزارة التضامن الوطني والأسرة و قضايا المرأة الرامية للتكفل بفئة الأشخاص المسنين، لاسيما أولئك المتواجدين في وضعية نزاع و التي يمكن أن تهدد استقرارهم و راحتهم في وسطهم العائلي و يهدف إلى :
حماية الشخص المسن من كل أشكال سوء المعاملة و الإهمال و التهميش و الإقصاء والتخلي المحتملة بوسطه الأسري،
تسوية النزاعات التي يمكن أن تنشب في الأسرة بين الفروع و الأصول على حد سواء،تفادي اللجوء إلى المصالح القضائية التي يترتب عنها تفكك الروابط الأسرية و فقدان تلاحمها.
يمكن لكل من الهيئات التالية الإخطار لدى مكتب الوساطة العائلية والاجتماعية المنصب على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي و التضامن للولاية:[7]
- كل شخص مسن يعاني من سوء المعاملة أو التهميش أو الإقصاء أو التخلي من وسطه الأسري.
-بناء على تبليغ من أي شخص يعلم بحالة النزاع بين الأصول و الفروع.
-بناء على اقتراح من المصالح الاجتماعية و دور الأشخاص المسنين. الإجراءات المتخذة للجوء لهذا الترتيب :
لا يبت مكتب الوساطة العائلية و الاجتماعية في القضايا المرفوعة أمام الجهات القضائية.
في حالة عدم تسوية النزاع، يمكن للأطراف المتنازعة اللجوء إلى الجهات القضائية،
تتم الإجراءات المتعلقة بالوساطة العائلية و الاجتماعية في حدود خمس (5) جلسات،
توجه استدعاءات للأطراف في حالة نزاع،
يتم إيداع طلب خطي لدى مديرية النشاط الاجتماعي و التضامن للولاية،
يتولى لمكتب ترتيب الوساطة العائلية و الاجتماعية:
متابعة و تقييم عملية الوساطة العائلية و الاجتماعية.
ضمان المرافقة الاجتماعية للأطراف في حالة النزاع قصد تحقيق الوساطة،
تقديم اقتراحات لتسوية النزاع،
إعلام الأشخاص المعنيين بعملية الوساطة العائلية و الاجتماعية و نتائجها،
القيام بالتحقيقات الاجتماعية ذات الصلة بموضوع الوساطة،
دراسة و معالجة الطلبات و الإخطارات و الاقتراحات المتعلقة بالوساطة العائلية و الاجتماعية،
يمكن أن تجرى جلسات الوساطة العائلية و الاجتماعية بـ:
مقر مكتب الوساطة العائلية و الاجتماعية لمديرية النشاط الاجتماعي و التضامن للولاية.
منزل أحد الأطراف المتواجدة في حالة نزاع، تنظيم مجريات جلسات الوساطة العائلية و الاجتماعية :
يتكفل طاقم متعدد الاختصاصات بتسيير مجريات الجلسات و يضم كل من :
وسيط اجتماعي،
نفساني عيادي،
مساعد(ة) اجتماعي(ة)
كما يمكن الاستعانة بكل شخص كفء يمكنه المساعدة لتحقيق الوساطة.
تـــســجل حـــالات تــســـويــة والمــــســــاعــــدون المذكورون في المادة 5 السالفة الذكر وكذا الأطراف المعنيين.[8]
فضلا عن تسوية النزاعات تلتزم الدولة بالنسبة للشخص الـــنــزاع أو عــدم اتـــــفـــــاق الأطـــــراف في مـــــحـــــضـــــر الـــــوســــاطـــــة الـــــعـــــائـــــلـــــيــــة والاجــــتــــمــــاعــــيـــــة يــــوقــــعـه رئــــيس الجــــلـــــســــة
المسن في وضعية حرجة أي ذلك المسن الذي يكون في وضعية تبعية أي لا يستطيع القيام بأعماله اليومية لأساسية أو يحتاج إلى مراقبة،[9] فتسهر الدولة على توفير الإمكانات الضرورية له من تجهيزات خاصة و أجهزة كما تسهر على توفير المؤسسات و هياكل الاستقبال والمستخدمين .
المحور الثاني : التزام الدولة تجاه الشخص المسن خارج محيطهم الأسري
يظهر التزام الدولة اتجاه الأشخاص المسنين من خلال مساهمة الجماعات المحلية في المساعدات المالية المقررة للمسنين، كما يظهر في إطار عدم التركيز من خلال المديريات حيث تكلف مديرية حماية الأشخاص المسنين ، بالاتصال مع الدوائر الوزارية و المؤسسات المعنية، بما يأتي : [10]
وضع برامج حماية الأشخاص المسنين و ترقيتهم، لاسيما الأشخاص المسنين المحرومين و/أو في وضع اجتماعي صعب،
وضع برامج حماية و مساعدة تجاه الأشخاص المسنين في وضعية تبعية،
تشجيع إبقاء الأشخاص المسنين في وسطهم العائلي،
تصور آليات مساعدة الأشخاص المسنين بالمنزل و وضعها،
وضع تدابير ترمي إلى الوقاية من إهمال الأشخاص المسنين و التخلي عنهم،
تشجيع إحداث هياكل استشارة و وساطة و توجيه تجاه الأشخاص المسنين،
تشجيع إحداث فضاءات التسلية و الترفيه لصالح الأشخاص المسنين،
تشجيع الحركة الجمعوية ذات الطابع الاجتماعي و الإنساني الناشطة في ميادين حماية و ترقية الأشخاص المسنين و ترقيتهم، بالاتصال مع الهيكل المركزي المعني،
السهر على ترقية كل أشكال التعاضد و التضامن مع الأشخاص المسنين.
المحور الثالث : المسؤولية الجزائية اتجاه كل من يخرق حقوق الشخص المسن
تظهر المسؤولية الجزائية اتجاه كل من يخرق حقوق المسن في:
أقر القانون 12/10 العديد من العقوبات ضد كل من يقوم بأفعال ضد المسن دون الإخلال بالأحكام الواردة في قانون العقوبات الجزائري حيث يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 50 ألف إلى 500ألف و دون ترخيص مسبق من السلطة المختصة كل من : [11]
-أنشأ مؤسسة أو هيكل استقبال الأشخاص المسنين و أجرى تعديلات عليها أو ألغاها،
-سير أو استغل مؤسسة أو هيكل استقبال الأشخاص المسنين،
ويعاقب بنفس العقوبة كل من ثبت استغلاله للمسنين أو للهياكل الخاصة بهم، لأغراض تتنافى مع القيم الحضارية و الوطنية،
-ويعاقب بنفس العقوبة، كل من قام بعرقلة المراقبة الممارسة من الأعوان المؤهلين.
كما يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 50.000إلى 200.000 دج كل من ساعد أو سهل بأي وسيلة كانت الحصول على الأداءات أو الإعانات الاجتماعية المنصوص عليها في هذا القانون لمستفيدين غير شرعيين.[12]
و يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 50.000 إلى 200.000 دج كل من تلقى عن طريق الاحتيال ، الخدمات أو الإعانات المذكورة في لقانون 10/12 مع استرداد المبالغ المتحصل عليها بصفة غير شرعية.
المطلب الثاني: الحماية المقررة للجنين في التشريعات الجزائرية :
لا خلاف في أن الحمل قبل الولادة يعتبر جنينا، وتثبت له جميع الحقوق والحماية الخاصة به، كما لا خلاف أنه بعد تمام عملية الولادة ينتقل من كونه جنينا ويصبح مولودا؛ أي إنسانا تمت ولادته حيا، وتثبت له جميع الحقوق والحماية المقررة للإنسان الكامل؛ لأنه يكتسب الشخصية القانونية بتمام ولادته حيا.
إلا أن التساؤل الذي يثور هنا هو هل للجنين أثناء مرحلة الحمل شخصية قانونية، وبالتالي يصبح صالحا لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات ؟
وحتى نجيب على هذا التساؤل فإنه يجب بداية التفريق بين الجنين والمولود، ولا يكون ذلك إلا بتحديد نهاية مرحلة الحمل وبداية صفة المولود؛ أي لحظة اكتساب الشخصية القانونية، وهو ما اختلفت فيه القوانين، وتباينت فيه آراء الفقه والقضاء، هل يكون ذلك ببــــــداية آلام المخاض، أم أثنــــــاء عملية الوضع، أم بتمام ولادته حيا؟ أولا- بداية الشخصية القانونية في القانون المدني:
تنص المادة 25 من القانون المدني الجزائري([13])على ما يلـــــــــــــــــــــي:
تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته.
على أن الجنين يتمتع بالحقوق التي يحددها القانون بشرط أن يولد حيا.
فكلا الفقرتين تتعلقان بموضوع بداية الشخصية القانونية عند الإنسان التي اكتفى فيها المشرع المدني بهذين التقسيمين، متجاهلا المراحل التي يمر بها الجنين أثناء تخلقه داخل بطن أمه، والتي حددها الطب في كون الجنين يكون بداية نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم تتشكل العظام فيكسوها اللحم ثم يصبــــــــــــــــح خلقا آخر بنفخ الروح فيه بعد أربعـــــــــــــــــــــــــــــة أشهر من التلقيح، فيبدأ الجنين ابتــــــــــــــــــــــداء من هذه اللحظة بالحركة داخل بطن أمه إلى أن يكتمل نموه بعد تسعة أشهر فتتم عملية الولادة ويصبح وليدا ثم رضيعـا. ومن خلال نص المادة 25 من القانون المدني الجزائري نلاحظ أن المشرع ميز بين مرحلتين هامتين من حياة الإنسان هما:
مرحلة ما قبل الولادة، ويعتبر الحمل أثناءها جنينا.
مرحلة ما بعد ولادته حيا، وينتقل فيها الجنين إلى وصفه إنسانا بشرط ولادته حيا، «وهذا يعني أن العبرة ليست بالجنين في حد ذاته، فهو بهذه الصفة لا يمكن أن يكون صاحب حق، وإنما عندما يكتسب الشخصية القانونية بعد ولادته حيا، والمعروف أنه عند بلوغ الجنين هذه المرحلة فقد حل المشكل بالنسبة للحقوق الحالية أو المستقبلة، في حين هناك عقبة بالنسبة للحقوق التي قد تنشأ قبل الولادة » [14]
ولم يأخذ المشرع المدني الجزائري بالرأي الثاني في الفقه الذي يعترف للجنين بالشخصية القانونية منذ بداية آلام المخاض، وإنما اشترط تمام ولادته حيا، وقد يكون تأثر هنا بالقاعدة الرومانية التي تعتبر بأن الجنين مولود كلما كانت هناك مصلحة له[15]. ولم يأخذ أيضا بالتشريع المدني الفرنسي الذي اشترط في المولود أن يكون قابلا للحياة، ويكون المولود حيا طالما يكون مكتملا كل أعضائه[16]
أما إذا ولد الحمل ميتا فإنه لا يثبت له أي حق،ويعتبر كأن لم يكن[17].
وتزول الحقوق التي تقررت له بأثر رجعي[18]
وهذا ما قضت به المحكمة العليا : (من المقرر قانونا أن شخصية الإنسان تبدأ بتمام ولادته حيا، وعلى هذا الأساس كان تمتع الجنين بحقوقه المدنية، واكتسابه بذلك العنوان أهلية الوجوب خاضعا هو الآخر لشرط الولادة حيا.
ومتى تحقق ذلك الشرط وثبت في الدعوى دون أن يحظى من طرف القضاء بالاعتراف في استحقاق التعويض عن الحادث الذي أودى بحياة الوالد، فإن المجلس القضائي حين رفضه الطلب قضائه بصرف الأم لما تراه مناسبا يكون أنكر حقا مكتسبا أقره القانون ومن ثمة أخطأ في التطبيق مما يستوجب النقض)[19]
وهذا ما يعني بأن المشرع المدني لم يعترف للجنين بالشخصية القانونية إلا بعد تمام ولادته حيا، ويكون له وجود آخر من وجهة نظر أخرى، وهذا ما سنتعرض له في تعريف الجنين في القانون الجنائــــــــي.
وقد اختلف الفقهاء في الطبيعة القانونية للجنين أثناء مدة الحمل؛ أي قبل تمام ولادته واكتسابه الشخصية القانونية إلى الآراء التالية :
الأصل في القانون الجزائري أن الإنسان يكتسب الشخصية القانونية الحقيقية بولادته حيا، ونستثني منه الجنين الذي تكون له شخصية افتراضية [20]
تثبت الشخصية القانونية للجنين في القانون الجزائري من وقت الحمل؛ أي في وقت تكوين الجنين في بطن أمه، غير أنها شخصية احتمالية تثبت وتتأكد بتمام ولادته حيا فتصبح شخصية يقينيــــــــــة[21]
للجنين شخصية محــدودة تتمثل في أهلية وجوب قاصرة على الصلاحية لاكتساب الحقوق النافعة نفعا محضـــــــــــــــــا فقط.
أن المشرع لم يعترف للجنين بالشخصية القانونية أيا كان وصفها، وإنما أعطاه وضعا استثنائيا لا غير، فثبت له بعض الحقوق تنشأ وهو جنين في بطن أمه وتثبت له بمجرد ولادته حيا، فالعبرة ليست بالجنين في حد ذاته، لأنه بهـــــــــــــــــــــــــــذه الصفـــــة لا يمكن أن يكون صـــــاحب حـــــــــــق، إلا باكتسابه الشخصية القانونية بعد ولادته حيا[22]
يعد الجنين إنسانا نسبيا؛ أي يتمتع بشخصية قانونية محدودة، تثبت له بعض الحقوق فقط دون حقوق أخرى، والحقوق الثابتة له هي النسب لأبيه، والإرث منه، والوصية له، وبولادته حيا تثبت له باقي الحقوق التي تنقصه، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 25 من القانون المدني الجزائري[23] ثانيا- في القانون الجنائي :
أما في القانون الجنائي فإن تحديد لحظة الميلاد كما ذكرنا تكتسي أهمية عملية جد بالغة؛ لما يترتب عليها من آثار خطيرة في قانون العقوبات؛ باعتبارها هي الخط الفاصل بين الجنين الذي يعتبر الاعتداء عليه جريمة إجهاض؛ لأنه لم يكتسب الشخصية القانونية، وبين الإنسان الذي يعتبر الاعتداء عليه جريمة قتل، فمنذ لحظة الولادة يبدأ الاعتراف القانوني بالحياة التي يشكل إهدارها قتلا [24]
بداية الحياة الإنسانية في التشريع الجنائي الجزائري :
تبنى المشرع الجزائري الرأي الراجح في الفقه الجنائي الذي يعتبر بأن بداية الحياة الإنسانية تبدأ ببداية آلام الوضع، «طبقا للمواد 288-289 عقوبات و 239 من القانون 85/05 يسأل الطبيب أو الجراح أو القابلة على جنحة القتل بالإهمال إذا وقع إهمال جسيم أثناء عملية الازدياد، مما أدى إلى وفاة الجنين، ذلك أن المشرع الجزائري يحمي الجنين في بطن أمه، كما يحميه أثناء عملية الازدياد؛ فيعتبره إنسانا حيا منذ بداية آلام الوضع الطبيعي عنـــــــــــــــــــــــــــــــد الأم» [25]
خاتمـــــــــة :
نص المشرع الجزائري على الحماية القانونية المسنين من خلال القانون رقم 10-12 القانون رقم 10/12 المؤرخ في 23 محرم 1432 الموافق ل 29 ديسمبر 2010 المتعلق بحماية الأشخاص المسنين. و الذي نص على تقسيم نوع الحماية حسب فئة المسن فهناك من يخضع لحماية خاصة و هو كل من بلغ سن 65 فما فوق، و هناك من يخضع لحماية معززة و هم المسنون في وضعية تبعية.
أعطى المشرع الجزائري الحماية المدنية و الاجتماعية للمسنين و كفلها لهم من خلال العديد من الآليات أهمها مديرية حماية الأشخاص المسنين و التي أنشاها بموجب المرسوم التنفيذي رقم 13-135 مؤرخ في 29 جمادى الأول عام 1434 الموافق 10 أبريل سنة 2013، يتضمن تنظيم الإدارة المركزية لوزارة التضامن الوطني و الأسرة و قضايا المرأة.
كما وضع المشرع الجزائري العديد من العقوبات الجزائية لردع كل من تسول له نفسه انتهاك حقوق المسنين.
وفيما يتعلق بالجنين فتوصلنا إلى نتيجة هامة وهي ضرورة توسيع الحماية المدنية والجنائية للجنين بالاعتماد على معيار القابلية للحياة، في القانون الوضعي وجعلها تتوافق مع ما نصت عليه الشريعة الإسلامية، خصوصا مع التطور الطبي الرهيب في عصرنا الحالي، والذي أصبح يمس بشكل مباشر بحرمة وحياة الجنين داخل رحم أمه كالاستنساخ والهندسة الوراثية، واستعمال بعض أعضاء الأجنة في البحوث، والقدرة على تحديد واختيار جنسه، أصبح من الضروري إعطاء موضوع الشخصية القانونية للجنين أهمية قصوى.
كما أصبح البحث في هذه القضية القانونية وإيلائه عناية خاصة أكثر إلحاحا من ذي قبل، واقتصار نظرة القانون في اعتباره أن الحياة الإنسانية تبدأ ببداية آلام المخاض يعتبر في نظرنا تقصيرا في حمايته من الاعتداء عليه سواء لأسباب علمية أملاها التطور الطبي الكبير، أو لأسباب إجرامية بإجهاضه، خصوصا ونحن نعلم بأن الجنين بعد دخوله الشهـــــــــــــــــــــــر الرابع يكتمل نموه، وتنفخ فيه الروح، ويظهر ذلك جليــــــــــــــــــــــا من خلال الحركات التي يقوم بها داخل بطن أمه ويتنفس ويضحك، وهذا ما أكده علمــــــــاء الأجنة، «لذلك فإن تصور معيار بداية عملية الولادة يظهر بشكل واضح إذا ما تصورنا ارتكــــــــــــــــــــــــــاب أفعال من شأنها المساس بالجنين مكتمل النمو وقبل بداية عمليـــــــــــــــــــة الوضـــــــــــــــــــــع........
فإنه لا بد من تبني معيار آخر يدخل الجنين المكتمل النمو في نطاق الحماية الجنائية المقررة للإنسان الحي؛ بحيث يغدو المساس بكيانه المادي وهو داخل الرحم وقبل بداية عملية الولادة ... والوقوف على لحظة اكتمال نمو الجنين واكتساب كيانه المادي وصف الجسم لا يثير ثمة صعوبة من الناحية الفنية؛ إذ أن مرجعه لأهل الخبرة من الأطباء والمتخصصين
في علم الأجنــــــــــــــــــــــــــــــة.»[26]
لذا فإنني أرى بتبني معيار قانوني آخر يضمن حق الجنين في سلامة جسده منذ أن يقرر الأطباء أنه مكتمل النمو، ويظهر القصور في القانون الحالي أن العقوبة المقررة للاعتداء على الجنين في بداية تشكله؛ أي منذ تخلق النطفة الملقحة هي نفس العقوبة المقررة على الجنين حتى ولو كان في شهره التاسع رغم أنه في الأخيرة يكون مكتمل النمو ويستطيع أن يعيش خارج بطن أمه من الشهر السادس باعتبارها أقل مدة للحمل بالاعتماد على نفسه كما قرره الأطباء، إذ يمكن اعتباره من الناحية الطبية إنسانا يتنفس ويتغذى ويتحرك ويضحك.
وهذا ما أدركه الفقه والقضاء في فرنسا وأمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى بوجود فراغ قانوني وخلل في ذلك، وأن العقوبة المقررة في جرائم الإجهاض لا تتناسب مع حجم الجريمة الواقعة على الجنين المكتمل النمو في شهره السادس أو السابع أو الثامن؛ لذا لجأ جانب من الفقه والقضاء في تبني معيار القابلية للحياة.
وهو ما ذهب إليه الفقه الفرنسي بأن الوليد القابل للحياة والولادة يعتبر بمثابة شخص كامل النمو، ويعتبر الاعتداء عليه في هذه المرحلة معاقبا عليه كجريمة قتل عمدي أو بإهمال[27]
كما استقر القضاء على ما أكده الطب باعتبار الجنين يصبح إنسانا ومستقلا بكيانه الجسدي، وبالتالي يتحول عند هذه المرحلة ما بين الأسبوعين العشرون والرابع والعشرون من نطاق حماية الجنين بالمواد المقررة للإجهاض إلى جرائم الاعتداء على الأشخاص كحد فاصل، كما يؤيد هذا الموقف استقلالية قانون العقوبات في تحديد مفهوم الشخـــــــــــــــص أو الغير عن القانون المدني[28]
وهو ما حكمت به المحكمة الابتدائية (الفرنسية) التي أدانت سائق حافلة بالقتل الخطأ على جنين، وأدانته بجنحة القتل الخطأ[29]
كما صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في تطور كبير عن نظرته السابقة، تأثرا بمعيار القابلية للحياة في 25 مارس 2004 على قانون اعترف فيه بالشخصية القانونية للجنين، ويعتبر الاعتداء على المرأة الحامل متابع بجريمتين:
الأولى ضد الأم والثانية: ضد الطفل الذي تحميه [30]
الهوامش :
[1]-المادة 3 القانون رقم 10-12 القانون رقم 10/12 المؤرخ في 23 محرم 1432 الموافق ل 29 ديسمبر 2010 المتعلق بحماية الأشخاص المسنين.
[2]-المادة 4 من القانون 10-12
[3]- المادة 6، 7،9 من القانون 10-12
[4]-المادة 11 من القانون 10-12
[5]-المادة 11 من القانون 10-12
[6]- المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 16-62 المؤرخ في 2 جمادى الاولى عام 1437 الموافق 11 فبراير سنة 2016 الذي يحدد كيفيات تنظيم الوساطة العائلية و الإجتماعية لإبقاء الشخص المسن في وسطه العائلي.
[7]-المادة 3من المرسوم التنفيذي 16-62
[8]-المادة 5 من المرسوم التنفيذي 16-62
[9]- المادة 20 من المرسوم التنفيذي 16-62
[10]-المادة 3 من مرسوم تنفيذي رقم 13-135 مؤرخ في 29 جمادى الأول عام 1434 الموافق 10 أبريل سنة 2013، يتضمن تنظيم الإدارة المركزية لوزارة التضامن الوطني و الأسرة و قضايا المرأة، الجريدة الرسمية، العدد 20، السنة الخمسون، ص 19.
[11]-المادة 35 من القانون 10/12
[12]-المادة 36 من القانون 10/12
-[13] عدلت بالقانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005/الجريدة الرسمية عدد 44 ص 20، حررت في ظل الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، وصياغة المادة قبل التعديل كانت كما يلي: ( تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا، وتنتهي بموته. على أن الجنين يتمتع بالحقوق المدنية بشرط أن يولد حيا (
-[14] علي فيلالي: تعليق على قرار قضائي بشأن حق الجنين في التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء وفاة والده طبقا للمادة 25-2 مدني، المجلة الجزائرية للعلوم القانونيــــــــــة والاقتصادية والسياسية، كلية الحقــــــــــــوق والعلوم الإدارية، جــامعة الجزائر، الجــــــزء 39، العدد 04، 2001،ص 154-159.
[15]-جيرار كورنو: معجم المصطلحات القانونية، ترجمة: منصور القاضي، 01/662.
[16]-انظر: علي فيلالي، نفسه، ص160.
غير أن المشرع الجزائري قد اشترط في المادة 134 من قانون الأسرة في الصياغة باللغة الفرنسية التي اختلفت عن صياغتها باللغة العربية، ولادة الحمل حيا أو أن يكون قابلا للحياة: (L’enfant simplement conçu n’a vocation héréditaire que s’il nàit vivant et viable au moment de l’ouverture la succession….. ) voir dans le même sens l’art 209 code de la famille
"غير أن العبرة تكون بالنص العربي باعتباره النص الرسمي" انظر: علي فيلالي: نظرية الحق، مردع سابق، هامش ص 185.
[17]-فريدة محمدي: المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق،ـ ص57.
[18]-إبراهيم أبو النجا: وجود الشخصية القانونية للشخص الطبيعي في القانون الجزائري، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، الاقتصادية والسياسية، العدد 04، ص961.
-[19] المحكمة العليا: المجلة القضائية، العدد الأول، 1989، ملف رقم 35511 قرار بتاريخ 10 أكتوبر 1984 )
[20]-إبراهيم أبو النجا: نفسه، ص968-958).
-[21]-نفسه، ص968-958
-[22] علي فيلالي، المرجع السابق، ص153-158-159.
[23]- إسحــــــــــــــــاق إبراهيم منصور: نظريتــــــــــا القانون والحق وتطبيقاتهما في القوانين الجزائــــــرية، الجزائر، الديوان الوطني للمطبوعـــات الجامعية، 2011،ص 218.
[24]-انظر: محمد زكي أبو عامر وسليمان عبد المنعم: قانون العقوبات الخاص، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2007، ص160-161 / عدلي خليل: جرائم القتل العمد علما وعملا ، مصر ، دار الكتب القانونية ، 2002، ص10-12 / فوزية عبد الستار: شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مصر، دار النهضة العربية، ط2، 2000، ص354-357 / علي محمد جعفر: قانون العــــــقوبـــــــات القســـــــــم الخاص ، لبنان ، المؤسسة الجامعية للدراســـــــــــات والنشر والتوزيع ، ط1 ، 1426هـ/2006 م ، ص133.
[25]-بلحاج العربي: حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستخدمة، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، كلية الحقوق والعلوم الإدارية، جامعة الجزائر، رقم 03، 1993، ص600.
وانظر أيضا: احسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجزائي الخاص، (1/12)
-[26] مهند صلاح أحمد فتحي العزة: مرجع سابق، ص31-32.
[27]-عبد النبي محمد محمود أبو العينين: مرجع سابق، ص139.
[28]- انظر: طباش عز الدين: الحماية الجنائية للجنين المكتمل النمو في القانون الجزائري (بالخصوص من جرائم القتل)، الجزائر، نشرة المحامي، منظمة المحامين ناحية سطيف، عدد 05، مارس 2007، ص 70 / مهند صلاح أحمد فتحي العزة: مرجع سابق، ص34 / عبد النبي محمد محمود أبو العينين: مرجع سابق، ص139.
-[29] أحسن بوسقيعة: مرجع سابق، ص13
-[30] أ حسن بوسقيعة: نفسه، ص14.