تحليل نص المادة 67 من قانون الاجراءات
المدنية والادارية الدفع بعدم القبول أولا التحليل الشكلي لنص المادة 67 ق ا م ا
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 67 ق ا م ا
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 67 ق إ م إ :
{ الدفع بعدم القبول ،هو الدفع الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي ،كانعدام الصفة وانعدام المصلحة والتقادم وانقضاء الأجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه ، وذلك دون النظر في موضوع النزاع .}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 67) في القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الاجراءات المدنية و الادارية .
و قد جاءت المادة في الكتاب الأول في الأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية , الباب الثالث في وسائل الدفاع, الفصل الثالث في الدفع بعدم القبول.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 67 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية حيث جعلها تتألف من
فقرة واحدة .
تبدأ من
" الدفع بعدم " وينتهي عند
" موضوع النزاع "،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت فقرات المادة 67 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع
الدفع بعدم القبول ،و كمثال على ذلك نشير إلى :
" الدفع " ، " لانعدام الحق " ، "كانعدام الصفة " ، " إنقضاء الأجل " .وغيرها من المصطلحات التي تفيد موضوع الدفع بعدم القبول.
البناء المنطقي :
نلاحظ ان المادة 67 ق إ م إ بدأت بعبارة " الدفع "وهنا المشرع يقصد إمكانية الفرد من جميع وسل الدفاع التي يجوز أن يستعين بها ليجيب عن دعوى خصمه بما فيها
" الدفع بعدم القبول " ويتحقق هذا الدفع عندما تنعدم الصفة أو المصلحة أو يكون هناك تقادم أو انقضاء الأجل المسقط أو حجية الشيء المقضي فيه وفي آخر المادة المادة يبين المشرع أنه وذلك دون النظر في موضوع النزاع.
- يلاحظ أن المادة اعتمدت
أسلوبا إخباريا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 67 ق إ م إ يتضح أن تظهر حماية حق المتقاضي من خلال الدفع بعدم القبول، في مجملها شروط عامة و شروط خاصة لقبول الدعوي كإنعدام الصفة و المصلحة و كذلك فيما بخص ما يسمى بانقضاء الأجل المسقط إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار في الخصومة أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع ،أما بخصوص الدفع بعدم القبول لحجية الشيء المقضي فيه، فان ترافع المتقاضي في قضية سبق وان صدر فيها حكم قضائي حائز لحجية الشيء المقضي فيه من خلال توافر نفس الأطراف والموضوع والسبب، فان للخصم إمكانية إثارة الدفع بعدم القبول في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد إبداء دفوع في الموضوع.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 67 ق إ م إ يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي أنواع الدفوع بعدم القبول التي اوردها المشرع في المادة 67 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : الدفوع بعدم القبول المتعلقة بالمتقاضين
المطلب الأول : انعدام الصفة حالة لعدم القبول
المطلب الثاني : انعدام المصلحة حالة لعدم القبول
المبحث الثاني : الدفع بعدم القبول المتعلقة بالدعوي
المطلب الأول : التقادم كدفع لعدم قبول الدعوي
المطلب الثاني : انقضاء الأجل المسقط كدفع لعدم قبول الدعوي
المطلب الثالث : حجية الشيء المقضي به كدفع لعدم قبول الدعوي
خاتمة
مقدمة :
الدفع هو ما يجيب به الخصم على طلب خصمه قصد تفادي الحكم به أو تأخير هذا الحكم، وهو يعتبر وسيلة من وسائل الدفاع التي منحها المشرع كقاعدة عامة للمدعى عليه حتى يتمكن من الرد على ما يدعيه المدعى ضده، ولكن هذا لا يعني حرمان المدعي الأصلي من الرد على ما دفع به المدعى عليه الأصلي بل يمكنه أيضا (أي المدعي الأصلي) الرد بدفوع وهذا لأن مركزي المدعي والمدعى عليه قابلان للتغيير بالنظر إلى كل الطلبات والدفوع المقدمة، ولا يرتبطان بالطلب الأصلي فقط.
نص المشرع الجزائري على الدفع بعدم القبول في قانون الإجراءات المدنية والإدارية من خلال المادة 67 ونظرا لأهمية الدفع بعدم القبول أجاز المشرع الجزائري تقديمه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تقديم اضافة في الموضوع، كما يجب أن يثير القاضي الدفع بعدم القبول إذا كان من النظام العام. وعليه سنقوم بتناول الدفوع بعدم القبول التي جاءت على سبيل المثال لا الحصر في المادة 67، ودفوع أخرى بعدم القبول وردت في نصوص أخرى من خلال الواقع القضائي، وتحديدا من خلال المنازعات القضائية الناجمة في هذا الصدد والتي انتهت الى المحكمة العليا ومجلس الدولة، وبالتالي سنتناول في هذه الدراسة ما تطرق اليه الاجتهاد القضائي في الدفوع بعدم القبول، وتبيان دوره فيها.
جاء في المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لكل شخص يدعي حقا أن يرفع دعوى أمام القضاء للحصول على حقه أو لحمايته، ومن هذا المنطلق فان الشخص الذي يدعي حقا ويريد حمايته أو الحصول عليه أمام القضاء الجزائري، يجب أن يرفع دعوى قضائية طبقا للشكليات القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت طائلة عدم قبول دعواه أو رفضها شكلا، ويستفيد الخصوم أثناء سير خصومتهم بفرص متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم 5، وتنقسم هذه الأخيرة إلى وسائل دفاع موضوعية وهي دفوع تهدف إلى دحض ادعاءات الخصم، والى وسائل دفاع شكلية وهي دفوع تهدف إلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضائها أو وقفها، والى وسائل دفاع بعدم القبول التي هي مناط دراستنا. اختلفت التشريعات المقارنة في تصنيف الدفع بعدم القبول بين الدفوع الشكلية والموضوعية، وهناك من يعتبرها ذات طبيعة مختلطة، وهو ما ذهب إليه المشرع الجزائري حيث اعتبرها دفوعا من نوع خاص ،
لقد تطرقت المادة 67 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى تعريف الدفع بعدم القبول بأنه الدفع الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي، كانعدام الصفة وانعدام المصلحة والتقادم وانقضاء الأجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه، وذلك دون النظر في موضوع النزاع، كما نصت المادة 68 من نفس القانون بان الدفع بعدم القبول يمكن أن يقدم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تقديم دفوع في الموضوع، و أوجبت المادة 69 إثارة القاضي للدفع بعدم القبول من تلقاء نفسه إذا كان من النظام العام، لاسيما عند عدم احترام أجال طرق الطعن أو عند غياب طرق الطعن، وعليه ومن خلال ما جاء به قانون الإجراءات المدنية والإدارية بخصوص الدفع بعدم القبول يمكن أن نستنتج أن هذا الدفع يتميز بالخصائص التالية :
هو الدفع المقدم عند انعدام الحق في التقاضي.
- يثار في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تقديم دفوع في الموضوع.
-انه دفع شكلي وليس موضوعي.
- يجب إثارته تلقائيا من طرف القاضي إذا تعلق بالنظام العام.
المبحث الأول: الدفوع بعدم القبول المتعلقة بالمتقاضين :
تتمثل الدفوع بعدم القبول المتعلقة بأشخاص المتقاضين في انعدام الصفة ، و انعدام المصلحة.
المطلب الأول : انعدام الصفة حالة لعدم القبول :
هي الشرط الأساسي لقبول الدعوى، وقد نصت عليها المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وأقرت بأنه لا يجوز لأي شخص أن يتقاضى ما لم تكن له صفة ويثيرها القاضي تلقائيا إذا لم تتوافر في المدعي أو المدعى عليه.
ان الصفة هي الحق في المطالبة أمام القضاء ، فمثلا لا يجوز أن يطالب القسمة من ليس وريثا، ولكي يثبت هذا الأخير للقضاء صفته فعليا أن يقدم فريضة المورث المبين فيها اسمه ونصيبه، ولا يجوز أن يطالب الزوج طلاقه من زوجته إلا إذا قدم عقد الزواج الذي يثبت صفته كزوج، ولا يجوز أن يطالب المستفيد من سكن ترقوي صاحب مشروع الترقية العقارية الذي يكون عادة ممثلا لشركة الترقية العقارية أمام القضاء إلا بصفته كمرقي ممثل لهذه الشركة لا باسمه الخاص.
إن انعدام الصفة في الدعوى القضائية يؤدي إلى عدم قبول الدعوى دون التطرق إلى الموضوع، كما يجب أن يثير القاضي الدفع بعدم القبول لانعدام الصفة تلقائيا لكونها من النظام العام وطبقا لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
في هذا الصدد قضت المحكمة العليا غرفتها العقارية في القرار رقم : 194631 الصادر بتاريخ: 2000-06-24 بأنه من الثابت قانونا أن المستثمرة الفلاحية وان كانت تتمتع بأهلية التقاضي كشركة مدنية إلا أن أعضاءها لا يتمتعون إلا بحق الانتفاع الدائم، أما ملكية الأرض فتبقى ملكا للدولة ومتى تعلق الأمر بالمنازعة وملكية الأرض الممنوحة للمستثمرة الفلاحية فان القانون حدد الهيئات المؤهلة للمنازعة باسم الدولة. ولما قضى قضاة المجلس بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة على أساس أن إدارة أملاك الدولة هي الممثلة القانونية للمستثمرة الفلاحية أمام القضاء فإنهم طبقوا القانون تطبيقا سليما.
في نفس السياق قررت الغرفة التجارية والبحرية بالمحكمة العليا أفي قضية نقلت فيها الباخرة ليبارتي كمية من اللحم لحساب شركة ايديبال ووصلت هذه الباخرة إلى ميناء الجزائر وحجزت هذه اللحوم بمحضر من طرف البيطري مفتش المذبحة، رفعت على إثرها الشركة الجزائرية للتأمينات النقل دعوى ضد الناقل للحكم عليه بالتعويض عن الخسائر إلا أن شركة التأمينات لم تقدم عقد الحلول أمام المحكمة وقدمته أمام المجلس الذي قضى بعدم قبول دعوى الطاعنة لانعدام الصفة عند رفعها، ومنه قررت المحكمة العليا برفض طعن الطاعنة.
مقتضيات قرار الغرفة التجارية انه من المقرر قانونا أن يحل المؤمن محل المؤمن له وجاء ضمن في حقوقه ودعاويه ضد الأطراف الأخرى المسؤولة في حدود التعويض الذي يدفعه للمؤمن له.
ولما ثبت في قضية الحال أن عقد الحلول الذي تقدمت به الشركة الطاعنة، جاء بعد رفع الدعوى بما يزيد من سنة فان قضاة المجلس كانوا على صواب عندما قضوا بعدم قبول دعواها لانعدام الصفة، لان الصفة لا تعطى إلا ابتداء من التعويض، وان التسديد هو شرط أساسي لممارسة الدعوى، ومن ثم يتعين القول بأنه لا يمكن للمؤمن أن يحل محل المؤمن له قبل أن يعوضه مما يستوجب بالنتيجة رفض الطعن .
نفس الغرفة بالمحكمة العليا قضت في قرارها رقم: 187291 الصادر بتاريخ : 08-12-1998، انه طبقا للمواد : 324 مكرر 5و 6، 844 و 846 من القانون المدني والمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، بأنه من المقرر قانونا انه يعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة، وانه من المقرر أيضا أن حق الانتفاع يكتسب بالتعاقد وبالشفعة وبالتقادم آو بمقتضى القانون، وانه كذلك من المقرر قانونا أن ثمار الشيء المنتفع به تكون للمنتفع بقدر مدة انتفاعه.
وان القرار المطعون فيه الذي قضى بطرد الطاعنين من المحل المتنازع عليه بناء على دعوى المطعون ضده كمالك للرقبة جاء مخالفا للقانون، لان صفة المطعون ضده كمالك للرقبة تعطي له الحق في التصرف فقط ولا يخول له الحق في استغلال العقار الذي اشتراه منتقصا حق الانتفاع وبالتالي لا يسوغ له مقاضاة الغير لانعدام صفة التقاضي لديه.
المطلب الثاني : انعدام المصلحة حالة لعدم القبول :
إن المبدأ هو لا دعوى بدون مصلحة، وهو الأصل في قانون المرافعات، والمقصود بالمصلحة في فقه المرافعات الفائدة التي تعود على رافع الدعوى جراء الحكم له بجميع طلباته أو ببعضها فقط، ولهذا الشرط من الأهمية بما كان إذ هو الذي يضمن دون غيره من الشروط جدية الدعوى التي يرفعها المدعي، أيا كانت طلباته ، ولقد نصت على هذا الشرط المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها انه لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون.
تكون المصلحة قائمة حينما تستند إلى حق أو مركز قانوني فيكون الغرض من الدعوى حماية هذا الحق أو المركز القانوني من العدوان عليه أو تعويض ما لحقه من ضرر كأن يحل أجل الدين فيمتنع المدين عن الوفاء للدائن به، وتكون المصلحة محتملة إذا لم يقع الاعتداء لكن يحتمل وقوعه مستقبلا كحالة الخشية من تصرف المطلوب الحجر عليه وفقا للمادة قانون الأسرة في ماله إضرارا بالورثة نتيجة إصابته بالجنون أو العته أو السفه، فمصلحة ذوي الحقوق هنا احتمالية إلا أن رجحان كفة الأضرار بهم تمنحهم الحق في قيد دعوى الحجر، وبالتالي فان الهدف من اشتراط المصلحة ضمان جدية الالتجاء إلى القضاء والحد من استعمال الدعاوى دون مقتضى لكن ذلك لا يخول للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه إنما عليه أن ينظر في انتفاءها لما يدفع الخصم بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.
يتضح من خلال ما سبق أن عدم توافر شرط المصلحة في الدعوى، ينتج عنه الدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة، يقضي به القاضي حال توفره وطلب الخصم بذلك، غير انه لا يسوغ له إثارته من تلقاء نفسه لأنه ليس من النظام العام.
المبحث الثاني : الدفع بعدم القبول المتعلقة بالدعوي :
تتمثل الدفوع بعدم القبول المتعلقة بالدعوى في التقادم انقضاء الأجل المسقط، وحجية الشيء المقضي به.
المطلب الأول : التقادم كدفع لعدم قبول الدعوي :
تطرق القانون المدني الجزائري إلى التقادم من خلال نصوص المواد 308 إلى 322 منه، وجاء في مقتضيات هذه المواد انه يتقادم بمرور 15 سنة كل التزام، إلا ما ورد فينص خاص أو ما جاء في الاستثناءات الآتية :
1- نقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو اقر به المدين كأجرة المباني والديون المتأخرة والمرتبات والأجور والمعاشات.
2- تتقادم بسنتين حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين بشرط أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل مهنتهم وعما تكبدوه من مصاريف.
3- تتقادم بأربع سنوات الضرائب والرسوم المستحقة للدولة ويبدأ سريان هذا التقادم من نهاية السنة التي تستحق عنها، كما يتقادم بأربع سنوات أيضا الحق في المطالبة برد الضرائب والرسوم التي دفعت بغير حق ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها.
4- تتقادم بسنة واحدة، حقوق التجار والصناع وأصحاب الفنادق والمطاعم، مبالغ العمال والأجراء مقابل عملهم، ومن يتمسك بالتقادم في هذه الحالة يوجب عليه القانون من خلال المادة 312 فقرتها الثانية من القانون المدني أن يحلف انه أدى الدين فعلا وتوجه اليمين تلقائيا من القاضي إلى ورثة المدين أو أوصيائهم على أنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء.
وعليه يتبين مما سبق وانه لاستقرار المعاملات، جاء القانون المدني واقر بتقادم الحقوق التي لا يطلبها أصحابها خلال المدد الزمنية المحددة حسب كل حالة، ويكون من تحقق لصالحه التقادم أن يدفع به إذا تمت مقاضاته، إذ أنها وسيلة دفاع كفلها له القانون، وله أن يستعملها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد أي دفع في الموضوع.
في هذا الصدد قرر مجلس الدولة بعدم قبول الدعوى لتقادمها في القرار رقم: 22461 الصادر بتاريخ : 18-10-2005 وتأكيده على أن دعوى استرداد الأرض محل نزع الملكية غير المستعملة فيما نزعت من اجله تتقادم بمرور 15 سنة طبقا للمادة 48 من الأمر الصادر سنة 1976.
كما قضى مجلس الدولة بقبول الدفع بعدم قبول الدعوى لتقادمها في القرار رقم: 563 الصادر بتاريخ : 22-01-2001 ، في القضية المرفوعة أمامه من قبل مواطن يدعي حقه على الأرض التي ورثت البلدية وضعيتها منذ سنة 1964 وأصبحت بما فيها من مرافق ملكا للدولة، إذ كان بإمكان من له الصفة والمصلحة استرجاعها قبل هذا التاريخ ، حيث جاء في قرار مجلس الدولة هذا أن الدفع بعدم القبول للتقادم الذي تمسكت به البلدية مؤسس قانونا وفي محله، والمتعلق بالتقادم بحيث أن هذه الأرض أصبحت ملكا للدولة منذ سنة 1964، وهو ما ثبت من أوراق الدعوى لكون مورث المستأنفين لم يقم بأي اعتراض ضد تصرف الإدارة حال حياته حتى سنة 1988 أي بعد مضي أكثر من 20 سنة، وبالتالي فدفع المستأنف عليها بالتقادم جاء في محله وعليه يتعين تأييد ما ذهب إليه قضاة الدرجة الأولى.
وقد قضت المحكمة العليا في القضية رقم : 50602 بقرار مؤرخ في: 29-05-1989، انه من المقرر قانونا أن التقادم المسقط ينعقد بمرور 05 سنوات على بدل إيجار المحلات السكنية باعتباره من الحقوق الدورية المتجددة .
ومن المقرر أيضا أن الإيجار طلبيا وليس حمليا فسوء نية المستأجر في مجال تسديد الإيجار لا تتحقق إلا بعد توجيه إنذار بالإدلاء بعقد شرعي باق دون جدوى بعد مرور شهر كامل على تبليغه، ومن ثم فان القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد خطا في تطبيق القانون ، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعن مدين للمطعون ضده ببدل إيجار من 01-12-1973 إلى 28-05-1983 تاريخ نشر الدعوى ومرت بذلك 05 سنوات وان مدة التقادم هذه لم تنقطع أو تتوقف، وان سوء نية الطاعن غير متحققة ومن ثم فان قضاة الاستئناف بتأييدهم الحكم المستأنف فيما يخص تسديد الإيجار المجمد، فإنهم بقضائهم كما فعلوا اخطئوا في تطبيق القانون. ومتى كان كذلك استوجب نقض وابطال القرار المطعون فيه.
وفي قرار صادر بتاريخ : 16-12-2003 تحت رقم: 10956، عن مجلس الدولة أثناء فصله في قضية تتعلق بمنازعة ضريبية ، تتلخص وقائعها في أن للمستأنف حساب مفتوح لدى صندوق التوفير والاحتياط الذي وجه له إشعار الغير الحائز من طرف إدارة الضرائب فتم حجز مبلغ 100.000 دج من حسابه لصالح إدارة الضرائب، ما جعل المستأنف يدفع بعدم القبول لتقادم الضريبة طبقا للمادة 311 و 321 من القانون المدني والتمس إلغاء الضريبة وتمكينه من التعويص.
حيث تبين مجلس الدولة أن الدفع مؤسس قانونا وان إصدار إشعار للغير الحائز متى كان الدين الضريبي مستحقا قانونا، وان القرار المستأنف القاضي برفض دعوى المدعي المستأنف قد أخطا إذن في تطبيق المادتين 384 و 387 من قانون الضرائب التي تجيز إصدار إشعار الغير الحائز متى كان الدين الضريبي مستحق قانونا، ودون مناقشة الدفوع الأخرى يتعين القضاء بإلغاء القرار المستأنف وفصلا من جديد إبطال إشعار الغير الحائز موضوع النزاع وبالنتيجة القضاء على المستأنف عليها مديرية الضرائب بإرجاعها للمستأنف مبلغ 100.000 دج المحصل عليه عن طريق الإشعار المذكور.
المطلب الثاني : انقضاء الأجل المسقط كدفع لعدم قبول الدعوي :
قد يرافع ذوي الصفة والمصلحة ضد خصومهم أمام القضاء في دعوى قضائية، وهذه الأخيرة قد تنتهي بحكم قبل الفصل في موضوعه بالأمر بالقيام بخبرة، أو إحضار شهود لسماعهم بإجراء تحقيق في القضية، لكن ولاستقرار العمل القضائي خص المشرع هذه الخصومة بمدة محددة قانونا يمكن بانقضائها سقوط الخصومة، ليعود الأطراف إلى حالتهم الأولى من جديد وكأنما لم يلجوا أبواب قصر العدالة إطلاقا، ويشترط لسقوط الخصومة شرطين:
الفرع الأول : عدم السير في الخصومة لمدة سنتين من آخر إجراء في الخصومة :
وهو ما نصت عليه المادة 223 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وتحسب الآجال منذ تاريخ صدور الحكم أو صدور أمر القاضي الذي كلف الخصوم القيام بمساعي تهدف إلى مواصلة القضية وتقدمها.
وقد أضافت المادة 224 من نفس القانون أن اجل سقوط الخصومة يسري على أي شخص طبيعي ولو كان ناقص الأهلية، كما يسري على الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات ذات الصبغة الإدارية وعلى أي شخص معنوي آخر.
الفرع الثاني: إهمال المدعي :
ويكون ذلك إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار في الخصومة أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع مثل امتناعه عن تنفيذ الحكم التحضيري الذي يأمره باستحضار شهوده في اليوم والساعة المحددين لإجراء التحقيق، ولا يعتبر مهملا في حالة القوة القاهرة أو أي مانع قانوني، وتعود للقاضي سلطة تقدير إهمال المدعي من عدمه.
إلا أن هذا المبدأ لديه استثناءات أوردتها المادة 210 من قانون المرافعات من خلال أن الخصومة قد تنقطع حال تغير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم، أو وفاة احدهم إذا كانت الخصومة قابلة للانتقال، أو حال استقالة أو وفاة أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي إلا إذا كان التمثيل جوازاي، وعلى كل فان سقوط الخصومة يخلف آثارا منها عودة الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل رفع الدعوى، وقد يؤدي إلى سقوط الدعوى بطريق غير مباشر إذا تم السقوط في مرحلة الاستئناف أو إذا سقط الحق محل النزاع بالتقادم، وكذا كأثر أخير تحمل المدعي كافة المصاريف الإجراءات التي قضي بسقوطها .
وفي هذا الصدد قضى مجلس الدولة في قراره المؤرخ في : 26-06-1982 تحت رقم : 28496، بان تسبب المدعي في عدم الاستمرار في دعواه أو إعادة السير فيها، من شانه تجميد النزاع وتركه دون فصل إلى ما قد يسيء بمركز المدعى عليه القانوني ، ومن هذا المنظور أجازت المادة 220 من قانون الإجراءات المدنية")، لهذا الأخير طلب إسقاط دعوى خصمه بشرط أن يمتد عدم الاستمرار فيها إلى سنتين متكاملتين وان يدفع بالسقوط قبل الفصل في الموضوع، وفي نفس السياق قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ : 16-09-2009 تحت رقم : 5361115، بان يسري اجل سقوط الخصومة في حالة الإحالة ما بعد النقض اعتبارا من تاريخ النطق بقرار المحكمة العليا.
حيث إن قضاة الموضوع أحسنوا تطبيق المادة 220 من قانون الإجراءات المدنية التي تحدد مدة سنتين لسقوط ذلك لعدم استمرار الإجراءات طيلة هذه الفترة وكذا حسب اجتهاد المحكمة العليا المكرس في المادة 229 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي تنص على انه يسري اجل سقوط الخصومة بعد النقض والإحالة اعتبارا من تاريخ النطق بالقرار من طرف المحكمة العليا وفي دعوى الحال انه صدر قرار المحكمة العليا بتاريخ: 01-12-2004 وأعاد الطاعن السير في الدعوى بعد النقض أمام المجلس يوم 14-04-2007 وهو الإجراء الخارج عن الأجل القانوني يصبح نهائيا طبقا للمادة 224 من نص القانون من حيث انه ولذا فان الحكم محل الاستئناف يترتب على السقوط إبطال جميع إجراءات التقاضي الاستئناف للحكم الابتدائي وبالتالي فان هذا الطعن غير مؤسس يتعين رفضه.
يلاحظ من خلال التمعن في هذا القرار انه طبق المادة 229 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي بدورها شرعت طبقا للاجتهاد القضائي بتأكيد القرار على ما يلي: "حيث إن قضاة الموضوع أحسنوا تطبيق المادة 220 من قانون الإجراءات المدنية التي تحدد مدة سنتين لسقوط ذلك لعدم استمرار الإجراءات طيلة هذه الفترة وكذا حسب اجتهاد المحكمة العليا المكرس في المادة 229 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي تنص على انه يسري اجل سقوط الخصومة بعد النقض والإحالة اعتبارا من تاريخ النطق بالقرار من طرف المحكمة العليا.
إن هذا هو ما يبين دور الاجتهاد القضائي في إنشاء نصوص قانونية ويعتبر تكريس الاجتهاد القضائي ضمن النصوص التشريعية، مساهمة تستهدف معالجة الإشكالات العملية المثارة في التمسك بالدفوع غير الموضوعية، وهو الهدف الخامس لهذا الملتقى الموقر، وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الدفع بعدم القبول لانقضاء الأجل المسقط لا يثيره القاضي من تلقاء نفسه بل يبقى على عاتق الخصوم، فان أثاروه وتبين ضي تحققه حكم به وان تبين له غير ذلك بعد تفحصه لأوراق الملف حكم بغير ذلك ومن ثم استبعاده.
المطلب الثالث : حجية الشيء المقضي به كدفع لعدم قبول الدعوي :
لن من آثار الأحكام القضائية خروج النزاع من ولاية المحكمة فلا يجوز لها العدول عنه أو تعديله بالنقصان أو الزيادة، وكذا تقرير وتقوية الحقوق أو إنشائها، وأخيرا حجية الشيء المقضي فيه.
نص المشرع الجزائري على حجية الحكم المقضي به في القانون المدني في الفصل المتعلق بالقرائن، واعتبرت المادة 338 منه أن الأحكام التي حازت حجية الشيء المقضي به تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لنلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم، دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بحقوق لها نفس المحل والسبب. ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة تلقائيا، ويترتب عن صدور الحكم اكتسابه حجية الشيء المقضي فيه، والتي تعد قرينة قانونية مقتضاها أن الحكم يتضمن قضاء عادلا وصحيحا، ولا يحوز الحكم هذه الحجية إلا إذا توافرت ثلاثة عناصر هي :
1- وحدة الأطراف دون أن تتغير صفاتهم.
2- حدة الموضوع: وهو ما ترمي إليه الدعوى.
3- وحدة السبب: وهو الأساس الواقعي والقانوني الذي تتأسس عليه الدعوى.
وقد نصت المادة 296 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الحكم في الموضوع هو الحكم الفاصل كليا أو جزئيا في موضوع النزاع أو في دفع شكلي أو في دفع بعدم القبول أو في أي طلب عارض، ويكون هذا الحكم بمجرد النطق به حائزا لحجية الشيء المقضي فيه في النزاع المفصول فيه، وعليه وبمفهوم المخالفة نستنتج أن الحكم الحائز للشيء المقضي فيه هو الحكم الفاصل في موضوع النزاع كليا أو جزئيا أو في دفع شكلي أو بعدم القبول، ولا يمكن أن تراجع المحكمة نفسها الأخطاء المادية المرتكبة سهوا من طرف فيه، إذا توافرت عناصر الحجية، باستثناء تصحح الفاضي أو أمين الضبط في الحكم بدعوى تصحيح الأخطاء المادية الموجودة في الحكم والتي ترفع من ذوي الصفة والمصلحة من الحكم المراد تصحيحه طبقا للمادة 286 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وعليه يمكن لأي طرف من أطراف الدعوى أن يستفيد من الدفع بعدم القبول لحجية الشيء المقضي به، إذا تبين له أن خصمه رافعه في قضية سبق وان صدر فيها حكم قضائي حائز لحجية الشيء المقضي فيه من خلال توافر نفس الأطراف والموضوع والسبب. وله أن يثيره في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد إبداء دفوع في الموضوع، لكن يقتصر هذا الدفع على الأطراف فقط وليس للقاضي إثارة هذا الدفع مثلما تمت الإشارة له مسبقا في نص المادة 338 من القانون المدني.
لقد تناول الاجتهاد القضائي هذا الدفع من خلال قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ : 21-12-1985 يحب رقم : 43308، قضى انه وطبقا للمادة 338 من القانون المدني، متى صدر قرار قضائي فاصلا في طعن من اجل تجاوز السلطة ونطق ببطلان جزئي او كلي للقرار الإداري، اكتسب الحجية المطلقة للشيء المقضي فيه، فانه يتعين على الإدارة تجنب اتخاذ بعده قرارا آخر يتناول نفس الأطراف وينصب على نفس المحل ويقوم على نفس السبب. إن الإدارة تجاهلت قرار المجلس الأعلى بإبطال قرار متخذ منها عن تجاوز السلطة وأصدرت قرارا آخر يخص نفس الأطراف والسبب والمحل، تكون بتصرفها المذكور قد خرقت مبدأ حجية الشيء المقضي فيه للأحكام القضائية مما يستوجب الإبطال.
وفي قرار آخر عن المجلس الأعلى مؤرخ في: 27-06-1987 تحت رقم: 53098، قضى انه من المقرر قانونا أن القرارات الإدارية التي تستهدف الوقوف ضد حكم قضائي نهائي تمس بمبدأ قوة الشيء المحكوم به وتعتبر مشوبة بعيب تجاوز السلطة، وتستوجب البطلان.
ولما كان من الثابت في قضية الحال، أن الطاعن استفاد بموجب مقرر صادر عن رئيس الدائرة مؤرخ في: 07-12-1973 بمنحه السكن المتنازع عليه، وان الغرفة الإدارية لدى المجلس الأعلى بقرارها المؤرخ في: 11-12-1982 أبطلت المقرر المؤرخ في: 01-03-1980 الأمر بسحب المقرر الأول ومن ثم فان المقررين المطعون فيهما الأول مؤرخ في: 1984/01/16 المتضمن إبطال مقرر 07-12-1973 والثاني المؤرخ في: 31-12-1984 الذي منح السكن المتنازع فيه إلى شخص آخر يمسان بالشيء المحكوم به من طرف المجلس الأعلى ويعتبران مشوبان بعيب تجاوز السلطة.
ومتى كان ذلك استوجب إبطال المقررين المطعون فيهما.
خاتمة
يتضح مما سبق دراسته أن الدفوع بعدم القبول إنما جاءت وجمعت بين هدفين الأول حماية حق المتقاضين في الدولة، باعتبار أن غاية المشرع الجزائري من خلال سنه لقواعد الإجراءات القضائية هو أن يكون المتقاضي مرتاحا خلال مباشرة دعواه أمام القضاء، واتباعه للأساليب القضائية المعتمدة ومراعيا في ذلك ما يستجوبه القانون لإثبات صفته طبقا لموضوع النزاع، وكذا التفطن لرفع الدعوى على ذي الصفة لتفادي الحكم عليه بانعدام الصفة في التقاضي، كما يجعله يراعي وجود مصلحة له في النزاع الذي ينوي طرحه أمام القضاء لتفادي الوقوع في دفع من الخصم يرمي إلى عدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة.
بل إن الأكثر من ذلك والاهم بكثير هو أن المشرع قد وضع قاعدة التقادم محاولة منه لإيجاد نوع من الاستقرار في المعاملات، فوضع بذلك آجالا معينة قد تتقادم فيها الحقوق، حرصا منه على المتقاضي وحفاظا على مصلحته وخوفا عليه من ضياع حقوقه، وهنا يبقى على المتقاضي مراعاة هذه الآجال لتفادي ضياع حقوقه ،ومن ثم عدم تركه لثغرة التقادم أن تبقى حجرة عثرة في ملفه القضائي فيواجه بذلك عند رفع دعواه بدفع الخصم ضده بتقادم الحقوق، وبالتبعية عدم قبول الدعوى للتقادم.
- نجد أن المشرع جاء بالعديد من أنواع الدفوع، مقسما إياها إلى ثلاثة أنواع تختلف عن بعضها البعض من حيث وقت تقديمها، فمنها ما يجب تقديمها قل الخوض في موضوع الدعوى وهي الدفوع الشكلية ومنها ما يمكن تقديمه في أية مرحلة كانت عليها الدعوى كما هو الحال بالنسبة للدفوع الموضوعية والدفع بعدم القبول، كما أنها تختلف عن بعضها من حيث الهدف من إبدائها،
فالدفوع الموضوعية تهدف إلى دحض ادعاءات الخصم أما الدفوع الشكلية فتهدف إلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضائها أو وقفها هذا على خلاف الدفع بعدم القبول الرامي لرفض طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي أصلا.
تظهر حماية حق المتقاضي من خلال الدفع بعدم القبول، كذلك بخصوص ما يسمى بانقضاء الأجل المسقط إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار في الخصومة أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع ،وذلك حثا من المشرع على وجوب أن يكون المتقاضي متسما بالفعالية في حياته القضائية وان لا يتهاون بالقضاء الذي يحكم باسمه وباسم الشعب بأكمله.
أما بخصوص الدفع بعدم القبول لحجية الشيء المقضي فيه، فان ترافع المتقاضي في قضية سبق وان صدر فيها حكم قضائي حائز لحجية الشيء المقضي فيه من خلال توافر نفس الأطراف والموضوع والسبب، فان للخصم إمكانية إثارة الدفع بعدم القبول في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد إبداء دفوع في الموضوع.
إن الهدف الثاني من سن المشرع للدفوع بعدم القبول إنما ينم كذلك من نظرية استقرار العمل القضائي، فكثرة المنازعات القضائية أمام المحاكم القضائية بمختلف درجاتها وأنواعها يؤدي إلى تأخير الفصل في القضايا المعروضة أمامها، وكذا الانتقال من قضاء الكيف إلى قضاء الكم وبالتالي يفقد الحكم القضائي نوعيته بالنظر إلى الحجم الكبير للملفات المجدولة، وهو ما يؤدي إلى تخلف قطاع العدالة في الدولة.
ولعل الدفوع بعدم القبول في هذا المجال تخفف نوعا ما على جهاز القضاء ، من عناء النظر والتأخير في الفصل في قضايا إجراءاتها مشوبة بعيوب انعدام الحق في التقاضي، وبالتالي فان الدفع بعدم القبول لانعدام الحق في التقاضي لا يؤدي فقط إلى استقرار المعاملات بين المواطنين، بل يؤدي كذلك إلى استقرار العمل القضائي في الدولة.
وبعد دراستنا هذه ارتأينا أن نقدم مجموعة من التوصيات وهي:
1- أن الدفع بعدم القبول، هو وسيلة دفاع يرمي إلى إنكار وجود دعوى أساسا، من خلال التمسك بعدم وجود شرط من شروط الدعوى، سواء كانت العامة أو الخاصة، حيث أن الدفوع بعدم القبول لها نظام اجرائي خاص بها، وأنها تقترب في بعض أحكامها من الدفوع الشكلية من حيث وجوب إبدائها قبل الدخول في أساس الدعوى والفصل فيها على حدة، ورغم مساسها بأصل الحق المدعى به، و وجوب إثارتها من قبل المحكمة في تعلقها بالنظام العام.
هذا وتلتقي الدفوع بعدم القبول مع الدفوع الموضوعية في جواز إبدائها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى وجواز ضمها إلى الموضوع والفصل فيها مع الحكم الفاصل في الموضوع.
2- يسلب الدفع بعدم القبول سلطة المدعي في استعمال الدعوى، كون هذه السلطة لم تباشر وفق الشكل المحدد لها، وبالتالي أصبحت وسيلة المدعى عليه غير قادرة على المطالبة بالحقوق.
3- غموض الدفع بعدم القبول، وعدم وضوح معالمه أدى إلى اضطراب في بيان طبيعته القانونية لدى الفقهاء، إلا أن ما استقر عليه حاليا، هو أن الدفع بعدم القبول هو دفع مستقل ولا يؤثر في وجود بعض ملامح التشابه ما بين أحكامه وأحكام الدفوع الأخرى.
4- يترتب على كون الدفع بعدم القبول من النظام العام في بعض الحالات أن تتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها دون انتظار إثارته من قبل أحد الخصوم، وذلك في أي مرحلة كانت عليها الدعوى.
5- الدفع بعدم القبول يوجه إلى الحماية القضائية وبالتالي فان الحكم بقبوله يؤدي إلى زوال الخصومة المتولدة عن ممارسة الحق في اللجوء إلى القضاء وزوال سائر الآثار القانونية المترتبة على قيامها، فيعود الخصوم الى الحالة التي كانوا عليها من قبل الدعوى.
المراجـع :
1- القوانين :
- القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الاجراءات المدنية و الادارية.
- الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم بموجب القانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
2- الكتب :
- د سائح سنقوقة - شرح قانون الاجراءات المدنية و الادارية - الجزء الثاني دار الهدي الجزائر سنة 2011.
- بوبشير محند أمقران، قانون الإجراءات المدنية و الإدارية (نظرية الدعوى ، نظرية الخصومة والإجراءات الاستثنائية)، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2008.
- حسين فريجة ، المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، الطبعة الثانية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 2010.
- حسين طاهري، شرح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد، الجزء الأول ، دار الخلدونية ، الجزائر، 2012.
- د بربارة عبد الرحمان - شرح قانون الاجراءات المدنية و الادارية - منشورات بغدادي , الطبعة الثانية , الجزائر سنة 2009.
- سليمان بارش ، شرح قانون الإجراءات المدنية الجزائري، الجزء الأول ، دار الهدى ، الجزائر، 2006 .
- د عسالي عبد الكريم - ط د قيشو وردية " الدفع بعدم القبول في الدعوى بين حماية حق المتقاضي واستقرار العمل القضائي" مجلة الباحث في العلوم القانونية و السياسية العدد 4 سنة 2020 .