معنى التنفيذ العيني للالتزام
تحديد معنى التنفيذ العيني للالتزامات العقدية
المعنى الموضوعي للتنفيذ العيني
المعنى الإجرائي للتنفيذ العيني

بالرجوع إلى التشريع الجزائري وبعض التشريعات المقارنة ، نجد المشرع لم يقم بتعريف التنفيذ العيني، ولكن قام بتنظيم بعض الأحكام الموضوعية والإجرائية له في العديد من النصوص المتفرقة والتي تشكل برمتها المصادر القانونية لنظرية التنفيذ العيني، بحيث تناول المشرع التنفيذ العيني وأحكامه الموضوعية والإجرائية في القانون المدني وقانون الإجراءات المدنية والإدارية وبعض النصوص الخاصة .

تحديد معنى التنفيذ العيني للالتزامات العقدية :
إن التنفيذ العيني تحكمه العديد من القواعد القانونية سواء الموضوعية منها أو الإجرائية، وهو الشيء الذي انعكس على مدلوله، لذلك سنركز في تعريف حق الدائن في إجبار مدينه على التنفيذ على معيارين، الأول موضوعي وا ني إجرائي، تماشيا مع القواعد القانونية المتعلقة به، إذ أن الجانب الإجرائي للتنفيذ العيني، يرتبط ارتباط وثيق بالجانب الموضوعي، بحيث أن القواعد الإجرائية تعتبر الوسيلة الفنية لأعمال القواعد الموضوعية .
تعريف التنفيذ العيني للالتزامات العقدية :
إن تحديد تعريف التنفيذ العيني له أهمية عملية بالغة، تترتب عنه نتائج وآثار قانونية عديدة، إذ أن ذلك يؤدي إلى توضيح مفهومه مقارنة ببعض النظم القانونية المشابهة له، زيادة إلى أن تحديد معنى التنفيذ العيني يسمح لنا بمعرفة أنواعه.
انقسمت الآراء الفقهية في تعريفها للتنفيذ العيني إلى موقفين رأسيين، موقف يعرف التنفيذ العيني تعريف موضوعي، وموفق ثاني يعرفه تعريف إجرائي.
أ- المعنى الموضوعي للتنفيذ العيني :
ينقسم الفقه في تعريفه للتنفيذ العيني، حسب هذا الموقف إلى رأيين، رأي يعرفه تعريف ضيق، ورأي ثاني يعطي له معنى واسع.
ينطلق أصحاب التعريف الضيق وعلى رأسهم الأستاذ مازوmazeaud من فكرة أن التنفيذ العيني هو التنفيذ الاختياري للالتزام مهما كان مصدره، وأنه في حالة عدم التنفيذ الاختياري ينقضي الالتزام الأصلي، وينشأ بعد ذلك التزام جديد وهو الالتزام بالتعويض العيني الناتج عن قيام المسؤولية العقدية، وهو يزيل الضرر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه.
غير أن هذا الموقف تعرض إلى نقد شديد من طرف الفقه خاصة في فرنسا الذي يرى ن التنفيذ العيني للالتزامات العقدية يتم بعدة طرق، فقد يكون اختياري وقد يكون تنفيذ عيني مباشر أو غير مباشر، ويرى البعض أنه لا تهم طريقة التنفيذ العيني بل المهم هو حصول الدائن على حقه الموضوعي .
-التنفيذ العيني لا يمكن حصره في التنفيذ الاختياري بل له مفهوم واسع، إذ أنه لا يمكن تصور التنفيذ الاختياري فقط في مرحلة ما قبل اللجوء إلى القضاء، بل يمكن تصوره أيضا بعد صدور الحكم القضائي، حيث أن الحكم القضائي لا ينفذ جبرا ضد المدين مباشرة إلا بعد امتناعه عن التنفيذ الاختياري ، وكما أن التنفيذ العيني يختلف عن التعويض العيني على أساس أن الأول هو تنفيذ عين ما التزم به المدين، أما الثاني فهو طريق من طرق التنفيذ بمقابل يحصل بمقتضاه الدائن على أداء عيني بدلا من الأداء الأصلي .
-أما أصحاب التعريف الموسع والراجح ، فانهم ينطلقون في تعريف التنفيذ من مبدأ أن أثر حلول أجله، سمي الالتزام هو وجوب تنفيذه، فاذا نشأ الالتزام في ذمة شخص ما ثم قام بتنفيذه عند هذا التصرف بالوفاء أو التنفيذ الاختياري، فينقضي بذلك الالتزام دون تحريك عنصر المسؤولية، وإذا حل أجل التنفيذ وامتنع المدين عن التنفيذ الاختياري، قام الدائن بتحريك عنصر المسؤولية عن طريق دعوى التنفيذ، فتنشا عندئذ خصومة قضائية تسمى خصومة التنفيذ العيني.
يتضح لنا إذن أن التنفيذ العيني حسب مفهومه الموضوعي، يشمل جميع الطرق التي تؤدي إلى حصول الدائن على عين ما التزم به المدين، وبالتالي يمكن أن نعرف التنفيذ العيني تعريفا موضوعيا بالقول بأنه التنفيذ الذي يقوم به المدين سواء بطريقة اختيارية أو بطريقة جبرية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وأنه ينتج على ذلك حصول الدائن على عين ما التزام به المدين في العقد.
ب - المعنى الإجرائي للتنفيذ العيني :
لقد انقسم الفقه كذلك فيما يخص تحديد المعنى الإجرائي للتنفيذ العيني إلى قسمين، فيعرفه أصحاب التعريف الإجرائي الضيق على أنه التنفيذ الجبري أو القهري، وذلك بالاعتماد على مبررين، الأول يعود لكون التنفيذ حسب رأيهم يتم جبرا على المدين وذلك باستعمال السلطة العمومية، طبقا للمبدأ القائل أنه لا يجوز للدائن أن يقتضي حقه لنفسه بنفسه ، أما الثاني فهو يقوم على تأصيل عناصر الالتزام، بالقول أن الدائن عندما يستعمل حقه في التنفيذ العيني يقوم بتحويل عنصر المسؤولية في الالتزام، والذي يتجسد في الدعوى القضائية، التي يطالب بها الدائن مدينه قضائيا بتنفيذ التزامه رغما عن إرادته ، ولكن أصحاب هذا الرأي لم يبينوا طبيعة هذه الجوانب الإجرائية، وكذلك طبيعة الدعوى القضائية التي يحركها الدائن ضد مدينه.
أما أصحاب التعريف الموسع، فيعرفونه على أنه التنفيذ الجبري الإجرائي الذي يتم عن طريق لجوء الدائن إلى السلطة العامة من أجل إجبار المدين وحمله على تنفيذ التزامه عينا باستعمال إجراءات خاصة تحقق له ذلك ، وينتج عن هذا الموقف أن التنفيذ العيني تتعدد وسائله الإجرائية، وذلك بالنظر إلى محل وطبيعة العقد، وبالتالي فإنه ينتج من هذا الرأي النتائج التالية: أن التنفيذ العيني يكون عن طريق سلوك عدة إجراءات تجسد الحماية الإجرائية لحق الدائن، وهذه الإجراءات قد تكون الغاية منها هي الحصول مباشرة على الحق الموضوعي للدائن، عن طريق دعوى التنفيذ العيني، أو باستعمال إجراءات غير مباشرة تهدف إلى الضغط على الذمة المالية للمدين أو على شخصه عن طريق دعوى الغرامة التهديدية، أو إجراءات الإكراه البدني.
أنه يمكن الوصول إلى التنفيذ العيني في حالة كون محل الالتزام هو مبلغ من النقود عن طريق الحجز التنفيذي، واستيفاء الدائن لحقه من حصيلة بيع المال المحجوز، أو استيفاء جميع الدائنين لحقوقهم من هذا البيع في حالة الإعسار أو الإفلاس .
إن التنفيذ العيني يتم طبقا للقواعد الإجرائية التي حددها المشرع لهذا الغرض، حتى لا ينحرف التنفيذ عن أهدافه، أو يتجاوز الغايات المرجوة منه.
وإدراج المشرع لقواعد وطرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ينتج عنه عدة آثار قانونية، إذ أن المبادئ التي تسود قانون الإجراءات المدينة والإدارية هي التي تطبق على التنفيذ من حيث سريان القانون من حيث الزمان والمكان، ومن حيث الشكل، والمواعيد والبطلان .
وكما يجب الإشارة إلى أن المشرع تناول كذلك موضوع تنفيذ العقد، عند تطرقه لآثار العقد في المادة 107 من ق م، وهذا تكريسا لمبدأ القوة الملزمة للعقد الذى يفرض على المتعاقدين أن ينفذوه كما لو كان قانونا عملا بأحكام المادة 106 من نفس القانون.
خلاصة القول، هي أن المعنى الموضوعي للتنفيذ العيني يستخلص بالنظر إلى الأداء محل التزام المدين، والذي قد يكون منفعة مادية أو غير مادية، أي يكون محله القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو إعطاء شيء أو أداء مالي أو غير مالي، مبلغ نقدي أو غير نقدى ، أما المعنى الإجرائي له، فيقصد به مدى قابلية الأداء محل الالتزام للتنفيذ الجبري في حالة امتناع المدين عن التنفيذ الاختياري، ومن ثمة يستبعد من نطاق التنفيذ كافة الالتزامات التي يكون مضمون الأداء فيها لا يقبل بطبيعته التنفيذ الجبري أو يستعصي على استعمال القوة الجبرية، مع الإشارة أن طريقة التنفيذ لا تؤثر في ذات الحق المراد اقتضائه كما لا يؤثر على التأمينات التي تضمن أداءه، بحيث تبقى هذه الضمانات سارية المفعول لتضمن التنفيذ.