شرح جريمة ﻋدم اﻟﺗﺻرﻳﺢ
ﺑﺎﻟوﻻدة وفق القانون الجزائري كيفيات و اوقات التصريح بالمواليد الأشخاص المكلفون بالتصريح بالولادة تجريم عدم التصريح بالميلاد
العقوبة المقررة لجريمة عدم التصريح بالميلاد
مقدمة
حياة الإنسان تمر بمراحل وأحداث، وتبدأ أول مرحلة بالولادته وعدم التصريح بهذه الولادة طفل يعد من أبشع السلوكيات إجراما لأنها تؤدي إلى طمس وتزييف نسب هذا الطفل الحديث العهد بالولادة، إذ تتمثل في التكتم أو السكوت عن واقعة ميلاد الطفل.
يعد حق النسب من الحقوق اللصيقة بالطفل و يشترط لثبوته أن يكون المولود ناتج عن زواج شرعي بين رجل وامرأة حيث نصت المادة 41 من ق أ على أن ينسب الولد لأبيه متى كانت الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة .
وهذا من خلال عملية الولادة التي تعتبر واقعة طبيعية يبنى على أساسها نظام النسب ، ولقد تكفل المشرع الجزائري بتنظيم هوية الأشخاص لاسيما الأطفال وذلك بإصدار مجموعة من النصوص القانونية تعود أساسا إلى كل من قانون العقوبات ، قانون الحالة المدنية وقانون الجنسية بالإضافة إلى قانون الأسرة .
فضلا عما تتيحه هذه القوانين من معرفة تاريخ الميلاد والجنس والنسب وعلى أساسها تقررت حقوق الطفل في الجنسية والنفقة و الميراث وهذه الحقوق تصبح رحمة المحيطين بالطفل حال عدم تسجيله ولأجل هذا الغرض بين ق ح. م كيفيات و أوقات التصريح بالمواليد كما بين جريمة عدم التصريح بالميلاد. أولا : كيفيات و اوقات التصريح بالمواليد
لقد نصت المادة 61 من قانون الحالة المدنية على أنه يجب أن يصرح بالمواليد خلال خمسة (5) أيام من الولادة إلى ضابط الحالة المدنية للمكان و إلا فرضت العقوبات المنصوص عليها في المادة 442 ف 3 من ق ع ج ولقد جاء في هذه الفقرة كل من حضر ولادة طفل و لم يقدم عنها الاقرار المنصوص عليه في القانون وخلال المواعيد المحددة يعاقب بالحبس من عشرة (10) أيام على الأقل إلى شهرين (02) على الأكثر وبغرامة من 8.000 الى 16.000 دج بينما أوجب المشرع المصري في نص المادة 14 من قانون الطفل لعام 1996 المعدل و المتمم الإبلاغ عن المواليد خلال 15 يوما من تاريخ حدوث الولادة أما المشرع المغربي فقد نظم التصريح بالولادة في قانون الحالة المدنية ومرسومه التطبيقي الصادر في 9 أكتوبر 2002 تحت رقم 2.99.665 إذ جعل التصريح إجباريا في أجل ثلاثين يوما من تاريخ وقوع الولادة ، وعلى ما يبدوا أنه أعطى لأشخاص الملزمين بالتصريح الوقت الكافي للتصريح بمواليدهم كذلك بينت المادة 61 ق ح م أنه لا يجوز لضابط الحالة المدنية عندما لم يعلن عن الولادة و في الأجل القانوني أن يذكرها في سجلاته إلا بموجب حكم يصدره رئيس محكمة الدائرة التي ولد فيها الطفل ، مع بيان الملخص في الهامش لتاريخ الولادة وإذا كان مكان الولادة مجهولا فيختص رئيس المحكمة محل إقامة الطالب ، ويتم تمديد أجل التصريح بالولادة في ولايتي الواحات و الساورة وكذا في البلاد الأجنبية ، فيتم التصريح خلال عشرة أيام (10) من الولادة ويجوز تمديد هذا الأجل إلى ستون يوما (60) وذلك في ولايتي الواحات و الساورة بموجب مرسوم يحدد إجراءات و شروط هذا التمديد ولا يحسب يوم الولادة في الآجال المحددة في الولايتين السابق ذكرهما و كذا البلاد الأجنبية، أما إذا كان آخر يوم جمعة أو صادفه يوم عطلة يمدد هذا الأجل إلى أول يوم عمل يلي يوم العطلة ، هذا فيما يخص مواعيد و أوقات التصريح بالولادة أما عن الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن الولادة فقد حددتهم المادة 62 من ق ح م وهم الأب أو الأم أو الأطباء و القابلات أو أي شخص آخر حضر الولادة، وعندما تكون الأم ولدت خارج مسكنها فالمسؤول بالتبليغ هنا الشخص الذي ولدت عنده الأم وبالتالي يتم تحرير شهادة الميلاد فورا والملاحظ هنا أن المشرع الجزائري كان حريصا بالتبليغ عن ميلاد الطفل وذلك يبرز من خلال تكليفه للشخص الذي ولدت الأم عنده أو أي شخص اخر حضر الولادة ولو لم يكن أحد الأقارب .
كما يبين ضابط الحالة المدنية في عقد الميلاد يوم وساعة ومكان الولادة وجنس المولود و الأسماء التي أعطيت له، وأسماء و ألقاب و مهنة و مسكن الأب و الأم و كذلك بالنسبة للقائم بالتصريح م 63 ق ح م ويتم اختيار اسم المولود من طرف الأب أو الأم أو المصرح وذلك في حالة عدم وجودهما م 64 ق ح م ويترتب على التصريح بولادات متعددة إعداد عقد منفرد لكل طفل 66 ق ح م ولقد اهتمت كل التشريعات بتوفير حماية شاملة للطفل و يظهر ذلك من خلال توقيع معظم الدول على الاتفاقيات والمواثيق الخاصة به نذكر منها ما نصت عليه المادة 6 من الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل و رفاهيته لكل طفل الحق في اسم عند مولده و يقيد فور مولده كما له الحق في الحصول على الجنسية. ثانيا : الأشخاص المكلفون بالتصريح بالولادة
إن هذه الجريمة تقوم على التصرف السلبي الصادر من الأشخاص المحددون في المادة 442 فقرة 3 من قانون العقوبات، وبالرجوع إلى الأمر رقم 70-20 المتعلق بالحالة المدنية، نجده ينص على : " يصرح بولادة الطفل الأب والأم وإلا فالأطباء والقابلات أو أي شخص آخر حضر الولادة وعندما تكون الأم ولدت خارج مسكنها فالشخص الذي ولدت الأم عنده يحرر شهادة الميلاد فورا " .
من خلا المادة 62 من قانون الحالة المدنية يكون المشرع قد عدد 6 أشخاص قسمهم كالآتي: فذكر اثنين بصفتهما الشرعية وهما الأب أو الأم واثنين بصفتهما المهنية وهما الطبيب والقابلة واثنين آخرين في الظروف والحالات الخاصة وهما الشخص الذي وضعت الأم بمسكنه أو أي شخص آخر حضر الولادة، فهو أيضا من الملزمين بالإبلاغ عن ولادة الطفل مثله مثل الأشخاص السابق ذكرهم . ثالثا : تجريم عدم التصريح بالميلاد
تعتبر واقعة الميلاد واقعة مادية لذلك اهتم المشرع الجزائري بها اهتماما بالغا ونظمها بقواعد خاصة في قانون الحالة المدنية ، فأوجب الإبلاغ عن كل مولود وحدد مدة القيام بذلك تحت طائلة الجزاء الجنائي كما حدد الأشخاص المكلفين بذلك وكل ما يتعلق بإجراءات ضبطها و إثباتها .
ويمكن تعريف هذه الجريمة أنها التستر أو السكوت عن واقعة ميلاد طفل وهو الفعل المعاقب عليه بموجب المادة 442 ف 3 ق. ع .ج وسوف نتناول في هذا المطلب أركان جريمة عدم التصريح بالميلاد والعقوبة المقررة لجريمة عدم التصريح بالميلاد .
لقيام كل جريمة توفر أركان خاصة بها ولهذا سوف نتناول في هذا الفرع الركن المادي لجريمة عدم التصريح بالميلاد والركن المعنوي لجريمة عدم التصريح بالميلاد. أولا : الركن المادي لجريمة ﻋدم اﻟﺗﺻرﻳﺢ ﺑﺎﻟوﻻدة :
يقوم الركن المادي على جملة من العناصر يمكن استنباطها من النصوص القانونية المذكورة أعلاه ويمكن إجمالها في عنصرين، عنصر الامتناع عن التصريح بميلاد طفل خلال الأجل القانوني و عنصر الأشخاص المعنيين بواجب التصريح .
يعد عنصر الامتناع عن التصريح بميلاد طفل خلال الأجل القانوني من العناصر الخاصة التي تساهم في قيام جريمة عدم التصريح بالولادة و التي تقوم على التصرف السلبي الصادر من الأب أو الأم أو من أحد الأشخاص الذين ذكرتهم المادة ق ح م ، والمذكورين عل سبيل الحصر وذلك بسهو أو إهمال أو إغفال التصريح به دون مبرر شرعي أو قانوني ولم تفرق المادة هل الطفل ولد حيا أو ميتا ولكن يشترط الفقه الفرنسي أن تستمر مدة الحمل 180 يوما حتى يجب التصريح بالطفل في حالة وفاته وهذه المدة هي اقل مدة يمكن أن يولد فيها الطفل حيا وهي تعادل مدة 6 أشهر وجاء تحديدها من خلال قوله تعالى :« ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا»
كما يستدل بقوله تعالى : « الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين »
فإن أقل مدة حمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع هي سنتان إذا أسقطناها من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر مدة الحمل ، وهذا ما جاء في المادة 42 ق أ أقل مدة حمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر .
أما العنصر الثاني لقيام الجريمة هو فوات الأجل المحدد في القانون للتبليغ عن ميلاد الطفل وهو (5) أيام بالنسبة للأطفال المولودين ضمن واحدة من بلديات الوطن و (10) أيام ابتداء من اليوم الموالي ليوم الولادة بالنسبة للأطفال المولودين في بلديات ولايتي بشار و ورقلة.
كما يعد عنصر توفر الالتزام بالتصريح من العناصر المكونة لهذه الجريمة حيث نصت المادة 62 من ق ح م على الأشخاص الملزمين بالتصريح بالميلاد و يمكن ترتيبهم على النحو التالي :
الأب و هو المسؤول عن عدم التصريح ، باعتباره أول من ذكر في النص فمن المنطقي أن يلتزم بهذا الواجب عندما يكون حاضرا في عملية الولادة ، وتأتي الأم في المقام الثاني فالمشرع هنا لم يراعي الظروف الصحية للأم و أجبرها على التصريح بالمولود على عكس المشرع الفرنسي الذي يعفي الأم من واجب التصريح طبقا للنص المادة 56 قانون مدني فرنسي أما الأطباء والقابلات فيحتلون المقام الثالث إذا كان الوالد غائبا أو عاجزا أو ميتا ولم تقم الأم بالتصريح بالميلاد أو في حالة امتناع الأب أو الأم بالتصريح ينتقل هذا الواجب إلى الأطباء أو القابلات أو الأشخاص الآخرون الذين حضروا الولادة وهذا يكون إذا ولدت الأم في محل إقامتها أو في أحد الأماكن المشروعة أما في حالة ولادتها خارج محل الاقامة يلزم الشخص الذي ولدت عنده بالإقرار بالولادة و الادلاء بالتصريح من أحد الملزمين يحرر الآخرين من واجب التصريح ثانيا : الركن المعنوي لجريمة ﻋدم اﻟﺗﺻرﻳﺢ ﺑﺎﻟوﻻدة :
تعد جريمة عدم التصريح بالمولود في المواقيت القانونية جريمة عمدية يجب لقيامها توفر النية الاجرامية بأن يتعمد الجاني عدم التبليغ عن ميلاد الطفل خلال الآجال القانونية ويحدث هذا كثيرا عندما يكون الحمل غير شرعي للتستر عن الفضيحة ، وحماية لنسب الأطفال من الضياع قرر المشرع عقوبة لهذه الجريمة سنتطرق لها لاحقا. ملاحظة :
ان المشرع لم يشترط القصد الجنائي في هذ ا النوع من الجرائم، لاعتباره يشكل مخالفة ، ومن ثم فإن الحالة الجرمية تتحقق دون البحث عن الباعث أو النية. رابعا : العقوبة المقررة لجريمة عدم التصريح بالميلاد :
عاقب المشرع الجزائري مرتكب جريمة عدم التصريح بالميلاد من خلال المادة 442 ف 3 من (ق ع ج)حيث جاء فيها:« يعاقب بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج كل من حضر ولادة طفل ولم يقدم عنها الإقرار المنصوص عليه في القانون في المواعيد المحددة » أما المشرع المصري فقد جرم كل فعل من شأنه الإدلاء ببيان غير صحيح عند التبليغ عن المولود ، حيث تناولت المادة 24 من قانون الطفل المصري ، جريمة الادلاء عمدا ببيان غير صحيح من البيانات الواجب ذكرها عند التبليغ عن المولود وهو يوم الولادة ، وتاريخها وجنس الطفل و اسمه ولقبه واسم الوالدين و لقبهما و جنسيتهما ومحل إقامتهما ومهنتهما ومحل قيدهما (المادة 16 من قانون الطفل )، إذ يعاقب بالحبس مد لا تزيد عن سنة و بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن 500 جنيه أو بإحداهما والملاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص على هذه الأفعال في قانون الحالة المدنية لكن بالرجوع إلى المادة 216 و 217 من ق ع ج نجد أنها تجرم كل تزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها و موضوع النسب يندرج ضمن المحررات الرسمية ، فأي تصريح غير صحيح أو تزييف للبيانات يعرض مرتكبها إلى نفس العقوبات والغرامات المقررة في هاذين النصين والملاحظ على نصوص قانون العقوبات أنها بالرغم من احتوائها على أحكام تقرر الحماية الجنائية للنسب الطفل ، إلا أنها جاءت خالية من تجريم إنكار النسب ، وهو ما يشكل فراغا قانونيا من الواجب تداركه، ولتوفير حماية أكبر للأطفال والحفاظ على نسبهم سنتناول جريمة أخرى وهي جريمة عدم تسليم الأطفال حديثي العهد بالولادة و التي غالبا ما تكون أسباب التخلص منهم نتيجة عدم رغبت الأم في الاحتفاظ بالطفل بسبب علاقة غير شرعية أقدمت عليها مع والد الطفل . خاتمة
وتعتبر شهادة الميلاد من الأدلة التي تثبت الوجود القانوني لأي شخص طبيعي، فهي تبين حالته ونسبه وجنسه وسنه إلى غير ذلك ففي حالة ما لم يصرح بالولادة لا يمكن وجود شهادة ميلاد لذلك أوجب القانون أن كل ولادة تقع فوق التراب الوطني الجزائري أن يصرح بها إلى ضابط الحالة المدنية للدائرة الإقليمية التي وقعت بها الولادة وذلك خلا أجل معين لتفادي الوقوع في جريمة عدم التصريح بالميلاد. فقد اهتمت المواثيق الدولية بهذا الحق إذ نص العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على "كل طفل يجب أن يقيد فور مولده ويختار له اسم " .