الفصل الثاني فقدان الجنسية عن طريق الزواج
تعتبر الجنسية كما أسلفنا الذكر رابطة بين الفرد و الدولة تفيد انتماء الفرد حقيقة إلى دولة معينة متى استوفى شروط يقررها النظام القانوني في الدولة، تتعلق في مجملها بتوفر الشعور بالولاء للدولة و الانتماء الروحي و النفسي لها.
غير أن ذلك الولاء و الانتماء، قد يكونان عرضة للتغيير و الفتو، ليس فقط بفعل طبيعتهما المعنوية أو النفسية، بل أيضا بفعل تغيير الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي يعيشها الفرد .
لذلك اعترف المجتمع الدولي الحديث بحق كل فرد في تغيير جنسيته بفقده جنسيته السابقة ليكتسب جنسية أخرى، إذ هجرت تشريعات الدول مبدأ الولاء الدائم للجنسية، و عليه فإن رابطة الجنسية التي تربط بين الفرد و الدولة رابطة أزلية غير أبدية.
و يعني فقدان الجنسية انتقال من الصفة الوطنية إلى الصفة الأجنبية بأية وسيلة كانت سواء كان هذا الفقد إرادي نابع من إرادة الفرد وحده، أو بإرادتي الفرد و الدولة معا، كحالة التخلي مثلا أو غير إرادي، إذا تم بإرادة الدولة وحدها كحالة التجريد أو الإسقاط، و يطبق الفقدان على الأصيل صاحب الجنسية الأصلية و الدخيل أي من له جنسية مكتسبة على حد السواء.
و قد تباينت مواقف التشريعات بخصوص الطريقة التي يتحقق بها هذا الفقد، و نظم المشرع الجزائري من بين طرق زوال الجنسية فقدانها بالزواج المختلط، فإضافة إلى كونه ظرف مسهل لاكتساب الجنسية يعد بسبب من أسباب فقدانها،فقد ينجم هذا الفقد إما من جراء إبرام عقد الزواج مع أجنبي، و إما بزوال الرابطة الزوجية، كما قد تمتد آثار هذا الفقد إلى جانب الزوجين، الأولاد كذلك، وقد يؤدي أحيانا أخرى إلى ظهور مشكلة خطيرة ألا و هي حالة انعدام الجنسية.
و مما سبق ارتأينا أن نقسم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث نتناول فيها هذه النقاط السابقة بشكل من التفصيل كالآتي:
- حالات فقدان الجنسية عن طريق الزواج المختلط (المبحث الأول).
- إمكانية استرداد الجنسية المفقودة بسبب الزواج المختلط(المبحث الثاني).
- ظاهرة انعدام الجنسية التي يثيرها الزواج المختلط(المبحث الثالث).
المبحث الأول : حالات فقدان الجنسية عن طريق الزواج :
بالإضافة إلى الأثر الإيجابي الذي يرتبه الزواج المختلط على الجنسية ،فإنه قد يتسبب إبرامه صحيحا أو بطلانه أو انحلاله في بعض الحالات عن طريق الطلاق أو الوفاة في فقدان جنسية الزوج أو الأولاد ،هذا ما سنتطرق له من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول : إبرام عقد الزواج كسبب من أسباب فقد الجنسية
إضافة إلى اعتبار الزواج المختلط ظرف مسهل لاكتساب الجنسية ، قد يعتبر كذلك سببا من أسباب فقد الجنسية ، يرتب آثارا على جنسية كل من الزوجين و الأولاد ,سنبين من خلال الفرعين التاليين الآثار السلبية التي يرتبها الزوجين على جنسية الزوجين و على الأولاد في ظل القانون الجزائري .
الفرع الأول : بالنسبة لأحد الزوجين.
لقد سبق و أن تطرقنا في الفصل الأول إلى الأثر الايجابي الذي يرتبه إبرام عقد الزواج المختلط مع جزائري أو جزائرية، إذ اعتبره المشرع في ظل أمر 05-01 ظرف مسهل لكسب الزوجة أو الزوج الأجنبي الجنسية الجزائرية متى توافرت فيهما بعض الشروط القانونية المطلوبة.
إلا أن المشرع الجزائري لم يرتب في مختلف التعديلات التي طرأت على التشريع الخاص بالجنسية الجزائرية، أثرا سلبيا على جنسية الزوج الجزائري الذي يكتسب من جراء زواجه بأجنبية جنسية هذه الأخيرة متأثرا بذلك بمبدأ تبعية الزوجة لجنسية الزوج.
فلو اكتسب الجزائري من جراء زواجه بأجنبية جنسية زوجته، يبقى محتفظا بجنسيته الوطنية إلى جانب الجنسية الأجنبية المكتسبة بسبب زواجه، مصبحا بذلك مزدوج الجنسية.
و هذا لا يعني أن المشرع الجزائري يمنع الجزائري من تغيير جنسيته، إذ أن حرية الشخص في تغيير جنسيته حق مكرس في جميع المواثيق الدولية، كما أن الجنسية تقوم على رابطة روحية مبنية على الولاء السياسي و القانوني للشخص نحو دولته، و بالتالي لا مصلحة للدولة في الإبقاء على شخص معين ضمن رعاياها بالإكراه ، و منه إذا أراد الجزائري التخلي عن جنسيته الوطنية لاكتسابه جنسية أجنبية بسبب زواجه من أجنبية يمكن أن يطلب إذن للتخلي عن جنسيته الجزائرية بناءا على حكم المادة 18/01 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بالأمر 05/01، إذ جاءت صياغة هذه المادة عامة و لم تشترط طريقة معينة لكسب الجنسية الأجنبية، و لذلك لا نرى مبررا لقصر حكم هذه المادة على كسب الجنسية بطريقة التجنس.
و قد اشترط المشرع لفقد الجزائري الجنسية الوطنية طبقا للمادة 18 الفقرة الأولى السالف ذكرها عدة شروط نوجزها فيما يلي:
1- يجب أن يكون اكتساب الجنسية الأجنبية عن طواعية و اختيار من شخص كامل الأهلية بالغ سن الرشد، لا يشوب إرادته أي عيب من عيوب الإرادة، وعليه إذا جعل قانون دولة الزوجة للزواج أثرا مباشرا و حتميا على جنسية الزوج، لا تعتد به الدولة الجزائرية لأن من مبادئ التجنس أن تتجه إرادة طالبه إلى اكتساب الجنسية المراد الحصول عليها، ومنه يصبح الجزائري حينها مزدوج الجنسية.
2-يجب أن يطلب الجزائري صراحة التخلي عن جنسيته الوطنية، إذ لم يعتبر المشرع اتجاه إرادة الشخص الصريحة لاكتساب جنسية أجنبية قرينة على إرادته الضمنية لفقد جنسيته الجزائرية، خاصة أن الفقد المنصوص عليه في المادة 18 فقرة 1 فقد إرادي لا يجوز فرضه على الشخص.
3-كما يجب أن يكون طالب التخلي عن الجنسية مقيما بالخارج، إذ لا يسوغ أن ترخص دولة لرعاياها المقيمين فوق إقليمها بإتباع دولة أخرى لمساسه بالسيادة الجزائرية و إلا عد ذلك تنازلا من الجزائر على أحد رعاياها لفائدة دولة أجنبية.
4-و يشترط أخيرا صدور مرسوم تأذن فيه السلطة المختصة للشخص التخلي عن الجنسية الجزائرية، فالدولة الجزائرية غير ملزمة بإصدار مرسوم الإذن بالتخلي إذا اقتضت مصلحتها ذلك مهما كانت وضعية الشخص تجاه الجنسية الأجنبية، و يبدأ سريان أثر فقدان الجنسية الجزائرية ابتداء من نشر المرسوم في الجريدة الرسمية.
و على العكس من ذلك تماما، فإن المشرع الجزائري و على غرار بعض التشريعات العربية و القانون الفرنسي، لم يكتف بهذا الأثر الايجابي، بل جعل للزواج المختلط أثرا سلبيا و مفقدا لجنسية المرأة الجزائرية المتزوجة أجنبيا، وذلك منذ صدور أول قانون ينظم الجنسية الجزائرية بتاريخ 27/03/1963 طبقا لأحكام المادة 21/03 من قانون 63/96، التي ألغيت بموجب المادة 41 من أمر 70/86 و حلت محلها المادة 18/3 من نفس الأمر المعدل و المتمم بالأمر 05/01 و التي نصت على أنه: '' تفقد الجنسية الجزائرية المرأة الجزائرية المتزوجة بأجنبي، وتكتسب من جراء زواجها جنسية زوجها، و أذن لها بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية الجزائرية."
يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع الجزائري رتب فقد جنسيته الوطنية من جراء اكتسابها جنسية زوجها الأجنبي بفعل الزواج إذا توافرت جملة من الشروط نذكرها فيما يأتي:
1- صحة عقد الزواج :
يعتبر عقد الزواج صحيحا باكتمال كل شروطه الموضوعية و الشكلية التي يتطلبها القانون، إلا أنه تختلف شروط صحة عقد الزواج من بلد إلى آخر، فالدول الإسلامية مثلا تبطل زواج المسلمة بغير مسلم، في حين بعض الدول المسيحية ترتب على تخلف الشكل الديني بطلان عقد الزواج. لذلك ثار جدال لمعرفة على ضوء أي قانون يحدد صحة عقد الزواج المختلط، فذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه يجب أن يكون الزواج صحيح في ضوء قانون الزوجة لأنه هو الذي يفقدها جنسيتها، و قد تبنى التشريع المصري الصادر سنة 1975 هذا الاتجاه إذ اشترط في مادته الثانية عشر (12) وجوب صحة عقد زواج المصرية من أجنبي من حيث الشكل و الموضوع طبقا للقانون المصري لتتمكن من التخلي عن جنسيتها الوطنية، أما إذا كان باطلا طبقا لأحكام القانون المصري و صحيحا في نظر القانون الأجنبي، فإن الزوجة المصرية تبقى محتفظة بجنسيتها المصرية حتى لو أبدت الرغبة في التخلي عنها، واكتسب جنسية زوجها كأصل عام.
لكن يعاب على هذا القول أن الفقدان مترتب على اكتساب جنسية الزوج، و هذا متوقف بدوره على صحة الزواج في نظر قانونه.
لذلك ذهب البعض الآخر من الفقهاء بوجوب صحة عقد الزواج في نظر قانون جنسية الزوج إلا أن هذا الرأي مردود عليه كون أن دولة الزوج لا يمكنها أن تتدخل في صلاحيات دولة الزوجة مادام الفقد من صلاحيات هذه الأخيرة.
و ترى الأستاذة مخباط عائشة أن هذا الشرط زائد و لا فائدة منه مادام أن الجنسية تعتبر حالة سياسية للشخص لا تميز بين الشرعية و غير الشرعية، إذ تمنح الجنسية الجزائرية بناء على رابطة الدم أو الإقليم للإبن الشرعي و غير الشرعي، و لذا فالمشكل الحقيقي الذي يثور في مسألة الجنسية هو انعدامها أو تعددها و لذا فإذا ما اكتسبت الزوجة جنسية زوجها الأجنبي، وطلبت التخلي عن جنسيتها الوطنية لا مبرر لإبقائها غصبا عنها و بقوة القانون ضمن رعايا الدولة بعد أن أبدت رغبتها في الانفصال عنها لمجرد عدم شرعية عقد الزواج، خاصة أن اغلب الدول لاسيما الأوروبية كسويسرا و فرنسا تعترف بالزواج الظني أي الزواج غير الشرعي الذي ابرم عن حسن نية و ترتب عليه كل آثار الزواج الصحيح.
إلا أنه يمكن الرد على هذا الرأي بالقول، و إن كانت الجنسية حالة سياسية لا تميز بين شرعية و غير شرعية، كونها رابطة تقوم أساسا على الشعور بالولاء السياسي، فإنه لا يجب أن ننسى أنها تعتبر من جهة أخرى رابطة تنظيمية بين الدولة و الفرد، و هي لا تخضع لأهواء هذا الأخير، بل للدولة الحق في مراقبة رعاياها ما داموا يشكلون احد أركانها الأساسية، فلها أن تمنع البعض من التجنس بجنسيتها كما لها أن تمنع البعض الآخر من التخلي عن جنسيتها خاصة أن كان باستطاعتهم أن يجلبوا فائدة لبلدهم.
وأما الرأي الراجح يرى أنه متى تفقد الزوجة جنسيتها و تكتسب جنسية زوجها يجب أن يكون عقد الزواج صحيحا في نظر كل من قانون جنسية الزوجة المراد التنازل عنها و كذا في نظر القانون الأجنبي أي قانون جنسية الزوج المراد الدخول في جنسيته.
وقد كرس المشرع الجزائري هذا الاتجاه بموجب قواعد تنازع القوانين الجزائرية الواردة في القانون المدني إذ أرست المادة 11 منه على المبدأ العام المتمثل في سريان القانون الوطني لكلا الزوجين على الشروط الموضوعية الخاصة بصحة عقد الزواج المختلط، إلا أن المادة 13 من نفس القانون قيدت هذا المبدأ إذ أسندت الاختصاص التشريعي الدولي للقانون الجزائري فيما يخص صحة الزواج و أثاره و انحلاله إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت إبرام الزواج إلا فيما يخص شرط الأهلية .
أما من حيث الشكل فيطبق قانون البلد الذي تم فيه إبرام عقد الزواج طبقا للمادة 19 من القانون المدني.
و عليه يطبق القاضي الجزائري نص المادة 11 من القانون المدني إذا كان كلا الزوجين أجنبيين، لكن إذا كان أحد الزوجين جزائريا فانه يقرر صحة الزواج من عدمه على ضوء القانون الجزائري طبقا للمادة 13 من نفس القانون، كما هو الحال في نص المادة 18/03 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بموجب الأمر 05/01، إذ تشترط هذه الأخيرة أن تكون الزوجة الجزائرية و يقصد بذلك أن تحمل الجنسية الجزائرية الأصلية أو المكتسبة قبل زواجها من أجنبي، و لا يهم إن كانت متمتعة بجنسيات أخرى.
غير أنه لا يكفي في الحقيقة أن يكون الزواج صحيحا في هذه الحالة، وفقا للقانون الجزائري فحسب، مادام أن فقد الزوجة الجزائرية جنسيتها الوطنية معلق على اكتساب جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج، الشيء الذي لا يتحقق ما لم يكن الزواج صحيحا طبقا لهذا القانون أيضا.
و بما أن المشرع أضاف هذا الشرط الثاني، فإنه يكون قد أقر ضمنيا بوجوب صحة عقد الزواج في ظل قانون الزوج الأجنبي كذلك.
2-اكتساب جنسية الزوج الأجنبي عن طريق الزواج :
اشترط المشرع الجزائري أن تكتسب المرأة الوطنية فعلا، و كمرحلة أولى جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج قبل أن تطلب التخلي عن جنسيتها الجزائرية، وعليه يجب أن يكون قانون جنسية الزوج الأجنبي يمنحها جنسيته متى توافرت شروط اكتسابها في الزوجة الوطنية حتى يكون الاكتساب صحيحا.
و الحكمة من تقرير هذا الشرط هو تفادي صيرورة الزوجة الجزائرية عديمة الجنسية، و قد نصت كل من اتفاقية لاهاي لسنة 1930 في مادتها الثامنة و اتفاقية نيويورك الصادرة سنة 1961 في مادتها الخامسة على هذا المبدأ بنصهما على تعليق فقدان المرأة الوطنية جنسيتها على إثر الزواج بحصولها على جنسية زوجها.
و منه لا ينطبق نص المادة 18 فقرة 03 إذا كان الزوج عديم الجنسية مادام أساس الفقد يتمثل في اكتساب جنسية الزوج، كما لا ينطبق هذا النص إذا اكتسبت الزوجة جنسية زوجها بأي طريق آخر غير الزواج، و تبعا لذلك إذا تجنس جزائري متزوج بجزائرية بجنسية أجنبية و فرض قانون جنسيته الجديدة انصراف أثر التجنس إلى زوجته تلقائيا، فسوف تكون الزوجة مزدوجة الجنسية لان القانون الجزائري لن يسمح لها بالتخلي عن جنسيتها الجزائرية مادامت لم تكتسب جنسية زوجها عن طريق الزواج، مع أن سبب كسب المرأة الجزائرية جنسية زوجها الأجنبي في هذه الحالة هو الأثر الجماعي للتجنس على الزوجة و الأولاد توحيدا لجنسية الأسرة إلا أنه ترتب بعد الزواج في حين أن نص المادة 18/30 يشترط أن تكتسب الزوجة الوطنية جنسية زوجها الأجنبي ابتداء، سواء تم ذلك تلقائيا أم باختيارها، ففي كلتا الحالتين يكون كسب الجنسية بسبب الزواج ابتداء فلو كان قانون جنسية الزوج يدخلها في جنسيته تلقائيا، تظل حينئذ المرأة وطنية و أجنبية في نفس الوقت، أي مزدوجة الجنسية، أما إذا منحها قانون الزوج الخيار بين الدخول في جنسيته أم البقاء على جنسيتها السابقة، و اختارت جنسية زوجها توحيدا لجنسية الأسرة، يطبق حينئذ نص المادة 18/03، و تفقد المرأة الجزائرية جنسيتها الوطنية.
و عليه نستخلص مما سبق أن المشرع الجزائري لم يرتب على زواج الجزائرية بأجنبي فقدان الجنسية الجزائرية تلقائيا و بقوة القانون ، فالأصل أن تحتفظ المرأة الجزائرية المتزوجة أجنبيا بجنسيتها، إلا أن المشرع مكنها من التخلي عن جنسيتها الوطنية متى أبدت الرغبة في اختيار جنسية زوجها، وكان قانون هذا الأخير يمنحها الحق في اكتساب جنسيته مراعاة لرغبة و إرادة المرأة.
غير أن فقد الجنسية حسب أحكام المادة 18/03 يتطلب إلى جانب توافر عامل الزواج، عامل أساسي آخر يتمثل في تقديم طلب التخلي للجهة المختصة.
3- تقديم طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية إلى السلطة المختصة :
سبق و أن ذكرنا أن المشرع الجزائري لم يجعل من زواج الجزائرية بأجنبي أثر مباشر لفقدها جنسيتها الوطنية ، وعليه لا يكفي لفقد الجزائرية جنسيتها الوطنية أن تكتسب جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج، بل استوجب المشرع إضافة لذلك أن تعرب و تفصح صراحة عن رغبتها في التخلي عن جنسيتها الوطنية، و اختيارها جنسية زوجها الأجنبية، إذ نص المادة 18/03 على أنه: ''...و أذن لها بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية الجزائرية.'' و مادام الإذن يفترض وجود استئذان قبله، فالفقد لا يكون تلقائيا، بل بناءا على طلب تقدمه الزوجة إلى السلطة المختصة.
و قد اشترطت معظم التشريعات هذا الشرط حرصا منها على تفادي تهرب الوطنيين من التزاماتهم المفروضة على عاتقهم أو من أحكام قانونهم الوطني، و كذا تفاديا لظاهرتي انعدام و تعدد الجنسية.
إلا أن هناك بعض التشريعات الأخرى رتبت فقد الجنسية الوطنية بمجرد اكتساب الوطنية جنسية زوجها الأجنبية دون اشتراط أي استئذان من السلطة المختصة.
و قد نصت المادة 25 من أمر 70/86 على وجوب تقديم طلب التخلي عن الجنسية الوطنية إلى وزير العدل.
و تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري بموجب تعديله نص المادة 25 بموجب أمر 05/01 اقتصر على اشتراط تقديم المستندات اللازمة لإثبات توافر الشروط القانونية لدى طالبة التخلي عن الجنسية الوطنية دون اشتراط تقديم الوثائق الكفيلة بالسماح للسلطة المختصة البت في مدى توفر مبرر من الوجهة الوطنية و قد أصاب المشرع الجزائري بحذف هذا الشرط الأخير، لأن هذه المسالة تعد من صلاحيات تقدير السلطة المختصة.
كما أن المشرع الجزائري حذف كذلك بموجب تعديله لنفس النص السابق بيان طريقة تقديم الطلب بالنسبة للمقيمين خارج التراب الجزائري ، و من ثمة يجب الرجوع فيما يخص هذه النقطة للقواعد العامة,
و لم يشترط المشرع الجزائري في ظل الأمر 70/86 المعدل و المتمم بالأمر 05/01 ميعادا محددا لتقديم طلب التخلي عن الجنسية الوطنية، فيستوي الأمر بتقديمه في بداية الحياة الزوجية أو في وقت متأخر من استئنافها، مع العلم أنه في ظل قانون 63/96 كان المشرع يشترط بموجب أحكام المادة 21/03 على أن يتم قبول طلب التخلي عن الجنسية الوطنية قبل إتمام مراسيم الزواج، مما يعني أن يتم تقديم الطلب قبل انعقاد الزواج.
إلا أننا نرى أنه في المادة تناقض، إذ يشترط المشرع من جهة، لقبول طلب التخلي أن تكتسب الوطنية جنسية زوجها الأجنبي بموجب الزواج، ومن جهة أخرى يشترط تقديم الطلب للبت فيه من قبل السلطة المختصة قبل انعقاد هذا الزواج، فالسؤال المطروح في هذه الحالة هو كيف لهذه الوطنية أن تكتسب جنسية زوجها الأجنبي مادام المشرع اشترط البت في طلب التخلي قبل إتمام مراسيم الزواج؟
و عليه حسنا فعل المشرع حين عدل هذه المادة بموجب الأمر 70-86 لأن هذا اللبس من شأنه أن يسبب عدة حالات انعدام الجنسية، فقد لا تكتسب الزوجة الوطنية جنسية زوجها و تفقد جنسيتها الجزائرية.
4-موافقة السلطة المختصة على طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية :
تقديم طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية لا يعني بالضرورة قبولi من طرف السلطة المختصة، إذ أن الدولة الجزائرية ممثلة في وزير العدل غير مجبرة على قبول الطلب، فلها أن تقبله و تصدر مرسوم الفقد، كما لها الحق أيضا أن ترفضه صراحة أو ضمنا كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك.
فقد نصت المادة 26 من أمر 70-86 المعدلة بموجب الأمر 05-01 على أنه يمكن لوزير العدل أن يرفض طلب التخلي عن الجنسية الوطنية إذا لم تتوفر الشروط القانونية المطلوبة بموجب مقرر معلل يبلغ للمعني بالأمر، كما أنه له الحق كذلك في رفض الطلب رغم استيفائه كل الشروط القانونية المطلوبة إلا أن المشرع لم يلزمه في هذه الحالة تسبيب مقرر الرفض.
مع العلم أن رفض الطلب، لا يمنع الزوجة الجزائرية من إعادة تقديم طلبها، كون أن هذا الرفض مجرد إجراء إداري مؤسس على اعتبارات الملائمة التي يمكنها أن تتغير فيما بعد بتغير الظروف، ولا يعد بأي حال من الأحوال حكما قضائيا حائزا حجية الشيء المقضي فيه.
و تجدر الملاحظة أنه بتعديل نص المادة 27 من الأمر 70/86 بموجب الأمر 05/01 ترك المشرع الجزائري فراغا قانونيا، يتعلق بالمدة التي يتعين فيها على السلطة المختصة البت في طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية، فرغم أهمية هذه المسألة، لم يتطرق لها المشرع في نص المادة 27 من الأمر الحالي، و هذا من شأنه أن يشجع الإدارة على التماطل و عدم الفصل في الطلبات في وقت معقول، مما يؤدي إلى تكديس الملفات و تعطيل مصالح المعنيين.
و قد كانت المادة السابقة تمنح لوزير العدل أجل 12 شهرا يبتدئ حسابه من يوم إعداد الملف بصفة كاملة للبت في الطلب، واعتبرت سكوته بعد انقضاء هذه المدة قبولا.
إضافة إلى الشروط السابقة، يجب أن تكون المرأة الجزائرية بالغة سن الرشد باعتبار فقد الجنسية عمل إرادي بالرغم من أن المشرع الجزائري لم يشترط ذلك صراحة، كون أن الأصل من شروط صحة الزواج أن تكون الزوجة بالغة سن الرشد، إلا أنه من الممكن أن تفقد الزوجة الجزائرية أهليتها سواء بالجنون اللاحق للزواج أو السفه، و بالتالي تصبح إرادتها منعدمة أو معيبة، و في هده الحالة يتعين أن يقدم الطلب بواسطة نائبها القانوني.
إذا توفرت كل الشروط السابق ذكرها، ورأت السلطة المختصة بما لها من سلطة تقديرية قبول الطلب، تصدر هذه الأخيرة ممثلة في شخص وزير العدل مرسوما يقضي بفقد الزوجة جنسيتها الوطنية.
و يبدأ سريان أثر فقدان الجنسية الجزائرية من تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية طبقا للمادة 20 من أمر 70-86 المعدل و المتمم بالأمر 05-01، في حين أن المادة 22 فقرة 2 من قانون 63-96 كانت تقضي ببدء سريان أثر الفقد من تاريخ إبرام عقد الزواج و من ثمة تصبح الزوجة الجزائرية أجنبية عن الجماعة الوطنية التي كانت تنتمي إليها، و بالتالي تلتزم بنفس الالتزامات الملقاة على عاتق الأجانب، إذ يسحب منها جواز سفرها الجزائري، و تصبح تخضع لنظام دخول و خروج الأجانب من الجزائر، كما أنه يفرض عليها قيود الإقامة و التشغيل، وكذا القيود الخاصة بممارسة النشاط السياسي و الجمعوي، و تضيع كذلك حقها في طلب الحماية الدبلوماسية من الممثليات الجزائرية في الخارج، و لا يصبح القانون الجزائري قانونها الشخصي في مسائل الأحوال الشخصية و عليه ينتفي معه الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية.
و في الأخير نخلص إلى القول أن المشرع الجزائري فإن سوى بين الرجل و المرأة، فيما يخص الأثر الإيجابي غير المباشر على جنسيتهما، فإنه و على العكس من ذلك تماما لم يرتب أي أثر مفقدا على جنسية الزوج الذي يكتسب جنسية زوجته الأجنبية من جراء الزواج بها، في حين أنه رتب أثرا سلبيا غير تلقائي على جنسية المرأة الجزائرية التي تتزوج أجنبيا و تكتسب جنسية هذا الأخير عن طريق الزواج.
الفرع الثاني : بالنسبة للأولاد القصر :
اتفقت التشريعات المقارنة جميعا على عدم انصراف أثر فقد الجنسية بالزواج إلى أولاد المعني بالأمر القصر.
وقد حذا المشرع الجزائري حذو هذه التشريعات، حرصا منه على تلافي انعدام الجنسية، إذ نص بموجب أحكام المادة 21 من أمر 70-86 المعدل و المتمم بموجب الأمر 05-01 على أنه " لا يمتد أثر فقدان الجنسية الجزائرية في الحالات المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه إلى الأولاد القصر"، ومن بين الحالات المذكورة في المادة 18 حالة المرأة الجزائرية التي تفقد جنسيتها الجزائرية بناء على طلبها لاكتسابها جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج بعد صدور مرسوم الإذن بالتخلي من السلطة المختصة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من نفس المادة.
وعليه، فلو كانت للزوجة الجزائرية أولاد قصر غير متزوجين يعيشون معها من زواج سابق يبقون محتفظين بجنسيتهم الجزائرية بالرغم من بقاء العلاقة الزوجية مع الأجنبي قائمة.
كما أن المشرع الجزائري قد راعى أيضا مصلحة الطفل بإقراره بموجب التعديل الجديد لمادة 21 عدم امتداد أثر فقد الجزائري جنسيته الوطنية من جراء تخليه عنها لاكتساب جنسية أجنبية إلى أولاده القصر، الحالة المشار إليها بموجب أحكام المادة 18/01.
إذ كانت تنص المادة 21 السابقة على أنه "يمتد أثر فقدان الجنسية الجزائرية في الحالات المنصوص عليها في الفقرات 1و2 و4 من المادة 18 المذكورة أعلاه ، بحكم القانون إلى أولاد المعني بالأمر القصر غير المتزوجين، إذا كانوا يعيشون معه فعلا"
و حسنا فعل المشرع الجزائري بتعميم عدم انصراف أثر فقد الأبوين جنسيتهما الوطنية سلبا على جنسية الأولاد، إذ كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انعدام جنسية الأولاد في بعض الحالات لا محالة كون أن المشرع لم يشترط حصول الأولاد فعلا على جنسية أبيهم الجديدة أو اكتسابهم جنسية أخرى إلى جانب اشتراطه أن يكون الأولاد قصر و غير متزوجين وكذا يعيشون مع أبيهم.
خاصة و أنه قد نصت اتفاقية نيويورك المتعلقة بالحد من حالات انعدام الجنسية المبرمة في 30/08/1961 في مادتها السادسة على أنه "لا يستطيع أي مواطن دولة أن يتسبب في فقد زوجه أو أولاده لجنسيتهم دون سبق حصولهم على جنسية دولة أخرى" .
ومما سبق نستخلص أن المشرع الجزائري لم يرتب أي أثر مباشر أو غير مباشر للزواج المختلط على جنسية الأولاد مستبعدا بذلك مبدأ تبعة الأولاد القصر إلى من ينوبهم قانونا، كون أن الجنسية تعتبر من المسائل الخطيرة التي ينبغي أن تحظى بالعناية الكاملة، وخاصة عند فقدها.
المطلب الثاني : زوال الرابطة الزوجية وأثره على الجنسية
سبق وأن تطرقنا إلى الآثار الإيجابية و السلبية التي يرتبها عقد الزواج المختلط الصحيح في نظر القانون الجزائري على جنسية كل من الزوجين و الأولاد.
غير أنه قد يحدث أن يكون عقد الزواج باطلا أصلا، أو ينحل بعد إبرامه صحيحا، فما مصير ذلك على جنسية كل من الزوجين و الأولاد، هذا ما سنحاول أن نبينه في الفرعين المواليين:
الفرع الأول : آثار بطلان عقد الزواج على الجنسية :
يعتبر عقد الزواج باطلا متى تخلف فيه ركن من أركان انعقاده، و الركن هو الشيء الذي يدخل في ماهية الشيء، فلا يوجد إلا بوجوده، وينعدم بانعدامه.
نص المشرع الجزائري بموجب أحكام المادة 09 من قانون رقم 84-11المؤرخ في 06-09-1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل و المتمم بالأمر رقم 05-02 المؤرخ في 27-02-2005 على ركن واحد لانعقاد عقد الزواج يتمثل في تبادل رضا الزوجين، في حين أنه كان في السابق ينص على أربعة أركان تتميز في الرضا، الولي، الشاهدين، الصداق.
وعليه يعتبر عقد الزواج باطلا حسب أحكام المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة متى انعدم فيه ركن الرضا أو إذا اشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد.
وقد تباينت اتجاهات تشريعات الدول فيما يخص الأثر الذي يرتبه عقد الزواج الباطل على الجنسية.
فالبلدان التي تأخذ بمبدأ ازدواج الجنسية في العائلة لم ترتب أي أثر على بطلان عقد الزواج كالولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، وكذا مصر، إذ نصت المادة 12/02 من قانون الجنسية المصرية أنه إذا كان زواج المصرية بأجنبي باطلا طبقا للقانون المصري وصحيحا طبقا لأحكام قانون الزوج ، فإنه تظل تلك الزوجة مصرية و لا تفقد جنسيتها الوطنية، إلا أنه أجاز بمقتضى قرار من وزير الداخلية اعتبارها فاقدة لجنسيتها المصرية إذا اكتسبت جنسية زوجها .
بررت المذكرة الإيضاحية حل المشرع المصري الشاذ و غير المألوف بحرصه على عدم وضع المصرية التي تزوجت زواجا باطلا من أجنبي و أولادها في مركز أفضل من المصرية التي تزوجت بأجنبي زواجا صحيحا وأولادها .
وهناك بعض الدول كالبحرين و سوريا ترتب على بطلان عقد الزواج فقدان جنسية زوجها الجديدة إذ استردت جنسيتها الأصلية.
وأما البعض الآخر من الدول كالسعودية، تايلاندا و تونس يرتبون على بطلان عقد الزواج سحب جنسية الزوجة المكتسبة بالزواج تلقائيا، فقد نص القانون الجنسية التونسية في الفصل السادس عشر، على أن الأجنبية التي اكتسبت الجنسية التونسية من جراء زواجها بتونسي تفقد الجنسية التونسية بأثر رجعي، إذ صدر حكم نهائي بقضي ببطلان عقد الزواج.
في حين أن القانون الفرنسي، رتب بموجب أحكام المادة 201 ق.م على عقد الزواج الظنيle mariage putatif وهو العقد الباطل المنعقد يحسن النية من أحد الطرفين كل أثار عقد الزواج الصحيح بالنسبة للزوج الذي كان حسن النية، بحيث اعتبر الزواج قائما من الجهة الفعلية منذ انعقاده إلى وقت تقرير بطلانه، بصفة ظنية، فقرر عدم انسحاب أثار البطلان إلى الماضي رعاية للزوج حسن النية و الأولاد.
وقد اختلف الفقهاء في مدى امتداد أثر الزواج الظني على الجنسية، فذهب البعض إلى القول أن أثار الزواج الظني يتعلق بالقانون الخاص ولا تتعدى إلى الجنسية كونها رابطة من روابط القانون العام وعليه من يكتسب الجنسية بموجب زواج باطل يفقدها.
في حين ذهب أغلبية الفقه وكذلك القضاء الفرنسي إلى القول بامتداد أثار الزواج الظني إلى الجنسية المكتسبة، فلا يؤثر بطلان هذا الزواج أيضا على جنسية الأولاد الذين كانوا ثمرة له .
نشير في الأخير، أن القانون الجزائري اقتصر على ذكر الآثار التي يرتبها عقد الزواج الصحيح على الجنسية، ولم يتطرق صراحة إلى الآثار التي يرتبها عقد الزواج الباطل .
إلا أنه بالتمعن في أحكام قانون الجنسية الجزائرية، يمكن استنباط أن المشرع الجزائري لم يرتب أي أثر على الزواج الباطل .
ذلك أنه من بين الشروط التي استلزمها المشرع الجزائري لكسب الأجنبية جنسية زوجها الأجنبي بموجب أحكام المادة 12 من قانون 63/96 أن لا يكون الزواج باطلا أو مفسوخا بتاريخ 06 أشهر من إبرامه، وهو الميعاد الذي يصادف تاريخ رد وزير العدل الصريح أو الضمني على طلب الأجنبية المتضمن رغبتها في اكتساب الجنسية الجزائرية.
كما أنه اشترط أيضا بموجب المادة 09 مكرر من أمر 05/01 لاكتساب الأجنبي أو الأجنبية الجنسية الجزائرية من جراء زوجها مع جزائرية أن يكون الزواج قانونيا وقائما منذ ثلاث سنوات.
وعليه نستنتج بمفهوم المخالفة أنه لو صدر حكم قضائي نهائي يقضي ببطلان عقد الزواج قبل مضي ستة أشهر من إبرام عقد الزواج في الحالة الأولى أو قبل انقضاء أجل ثلاث سنوات في الحالة الثانية، لا تكتسب الأجنبية وإلى جانبها الأجنبي في الحالة الثانية الجنسية الجزائرية.
لكن ما هو مصير الجنسية الجزائرية المكتسبة عند صدور حكم يقضي بالبطلان ؟ فهل تبقى هذه الجنسية قائمة أو تسحب؟
سكت المشرع عن هذا الجواب، ولم يتطرق لهذه الحالة، و في رأينا يجب سحب الجنسية الجزائرية المكتسبة بالزواج، مادام أن الأساس القانوني لاكتسابها أصبح منعدما، خاصة أن هذا الحل يستقيم مع المنطق السليم و المبادئ القانونية التي تنص على أنه ما بني على باطل فهو باطل، لأن البطلان غير مرتبط بوقت معين، فهو منعدم الوجود أصلا فالبطلان بعدم الزواج فيجعله كأن لم يكن، وأثاره تنسحب إلى الماضي بحيث يعتبر الزواج كأن لو يكن في يوم من الأيام، و لو كانت العلاقة قد أخذت مظهر الزواج لفترة من الزمن.
وعليه نخلص إلى القول أنه إذا كان عقد الزواج باطلا، تفقد الأجنبية و الأجنبي جنسيتهما الجزائرية المكتسبة بزواجهما مع جزائري أو جزائرية مادام أن المشرع اشترط لاكتساب هذه الجنسية صحة عقد الزواج في نظر القانون الجزائري.
غير أن هذا الحل قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على الأجانب الذين يكونون قد تخلوا عن جنسياتهم السابقة، لذا كان على المشرع الجزائري أن يتطرق لهذه المسألة ويرتب فقد الجنسية الجزائرية المكتسبة بشرط استرداد الأجانب جنسيتهم السابقة تفاديا لانعدام الجنسية.
و بالمقابل فإنه لا تفقد الزوجة الجزائرية جنسيتها الوطنية طبقا لأحكام المادة 18 غفرة 3 من أمر 70-86 إذا كان عقد زواجها باطلا في نظر القانون الجزائري.
إلا أنه لو اكتشف البطلان بعد صدور مرسوم التخلي عن جنسيتها الوطنية ولم تدخل فعلا في جنسية زوجها الوطنية قد تصبح عديمة الجنسية.
الفرع الثاني : آثار انحلال الرابطة الزوجية على الجنسية
تشترط معظم تشريعات الدول استمرار قيام الزوجية فترة معينة، حتى يستطيع الزوج الأجنبي بعد مضيها الحصول على جنسية زوجه الوطني، أو أن بتقديم بالطلب للحصول عليها .
و تحديد مدة قيام الزوجية تختلف من دولة لأخرى تبعا لمصالح الدول، فبعضها يفضل تقصير هذه المدة، و أما البعض الآخر يفضل إطالتها.
و أما القانون الجزائري، فقد اكتفى باشتراط في ظل قانون 63-96 بموجب أحكام المادة 12 بقاء الزوجية قائمة مدة لا تتعدى ستة (6) أشهر لاكتساب الزوجة الأجنبية جنسية زوجها الجزائري بفضل الزواج.
في حين أنه بموجب التعديل الجديد، مدد المشرع الجزائري المدة اللازمة لاستمرارية الزواج بمقتضى المادة 09 مكرر من أمر 05-01 إلى ثلاث سنوات، إذ لم يجيز تقديم الأجنبي أو الأجنبية المتزوجان جزائري أو جزائرية طلب الحصول على الجنسية الجزائرية بسبب الزواج إلا بعد مضي هذه المدة من إبرام عقد الزواج المختلط.
إلا أنه قد يحدث أن ينحل عقد الزواج الصحيح المكسب للجنسية قبل أو بعد مضي المدة المقررة قانونا لاكتساب الجنسية خاصة و أن الزواج المختلط غالبا ما لا يكون طويل العمر لاختلاف الثقافات و التقاليد وبعض الأحيان الديانات بين الزوجيين. فما هو أثر ذلك على جنسية الزوجين و جنسية الأولاد؟
تنحل الرابطة الزوجية إما بالوفاة أو الطلاق أو التطليق أو الخلع أو الانفصال الجسماني وتجدر الإشارة أن أسباب انقضاء الزواج يثير اختلافا واضحا بين القوانين، فإن كانت غالبية الدول تجيز حل الرابطة الزوجية بالطلاق، فإنها تختلف في تنظيم أحكامه، فمنها من يجعله سلطة في يد الزوج مثل الدول التي تعتنق الشريعة الإسلامية إذ أن الشريعة الإسلامية بالرغم من تقريرها حكم الكراهية للطلاق إلا أنها ترى أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تبقى مع الخلاف، لذا جعلت الطلاق بيد الرجل و الخلع للمرأة، وهناك من يجعله معلقا على إرادة الزوج أو الزوجة على حد سواء، وهناك من تقر بطلاق التفويض توقعه المرأة إذا اشترطت في العقد أن تكون عصمتها بيدها، في حين أن هناك من لا يبيحه إطلاقا كما هو الحال عند الكنائس الكاثوليكية في دول الشرق، وبذلك نظمت قوانين هذه الدول ما يسمى بالانفصال الجسماني الذي يطلبه أحد من الزوجين إذا ما ضاقت الحياة الزوجية وتوافرت أحد الأسباب التي يحددها ذاك القانون .
كما أن الدول التي توكل أمر الطلاق إلى المحكمة تختلف في الأسباب التي يمنح على أساسها التطليق ،وأما الخلع فهو للزوجة يمكن أن تطلبه من المحكمة لا يخضع لإرادة الزوج ويكون بعوض.
وأما المشرع الجزائري نص بموجب أحكام المادة 47 من قانون الأسرة على أن انحلال الرابطة الزوجية يكون عن طريق الطلاق أو الوفاة، ويقصد هنا الطلاق بوجه عام، و أما الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج نص عليه بموجب أحكام المادة 48 من قانون الأسرة ،في حين أن الخلع يكون بالإرادة المنفردة للزوجة بمقابل مالي طبقا للمادة 54 وأخيرا التطليق يتقرر متى توفرت أحد الأسباب المقررة في المادة 53 من قانون الأسرة.
أولا: أثر الطلاق على جنسية الزوجي و الأبناء
وأما عن أثر انحلال الرابطة الزوجية على جنسية الزوجين عن طريق الطلاق فإن الدول قد اختلفت في ترتيب ذاك الأثر.
فالأصل أنه إذا انحل الزواج المختلط فبل اكتمال المدة المقررة قانونا لاكتساب جنسية الزوج، لا يكتسب الزوج الأجنبي جنسية زوجه، فلو انحل زواج جزائرية من أجنبي قبل مرور ثلاث سنوات المقررة بموجب أحكام المادة 09 مكرر من أمر 05-01 لا يمكن لهذا الأخير تقديم طلب لاكتساب الجنسية الجزائرية بفضل الزواج، مادام أن السند القانوني الرئيسي لاكتساب الجنسية قد زال، وقد نص المشرع الفرنسي في نفس السياق أنه إذا انحل الزواج قبل اكتساب الجنسية الفرنسية يتعذر حينئذ طلب الدخول في الجنسية الفرنسية.
إلا أنه اختلفت الدول في الأثر المترتب على الجنسية إذا انحل الزواج الصحيح بعد اكتساب الجنسية ،فذهبت معظم الدول إلى القول أن انحلال الزواج المكسب للجنسية لا يؤثر تلقائيا لفقد جنسية الزوج المكتسبة متبنية بذلك نظام ازدواج الجنسية في الأسرة مثل أوربا وأفريقيا، و قد نص القانون الفرنسي أنه إذا كان انحلال الزواج بسبب التطليق لا يمكن إجبار الزواج أو الزوجة عل التنازل عن الجنسية إذا كان قد اكتسبها.
و تجدر الإشارة إلى أن غالبية الدول استبعدت تأثير انحلال الزواج على جنسية الزوج الأجنبي، كون أن احتمال فقد الزوج لجنسية الدولة التي تنتمي إليه مطلقته إذا كان قد اكتسبها احتمال ضعيفا مثلما كان احتمال اكتسابه لها احتمالا واهنا، إذ أنه قد لا يكتسب جنسية دولة الزوجة الوطنية إذا لم يسمح قانون جنسيتها بذلك، و حتى في الدول التي تسمح للزوج الدخول في جنسية الزوجة الوطني، فإنه لن يفقد الزوج تلك الجنسية بانحلال الرابطة الزوجية لأنها لم تكن وحدها أساس منحه الجنسية، و إنما كانت شروط أخرى تقترب من الشروط العامة للتجنس، عكس جنسية المرأة، فالأصل أن تتأثر بجنسية زوجها طبقا لمبدأ تبعية المرأة لجنسية الزوج و حرصا على مبدأ وحدة الجنسية في العائلة.
في حين أن البعض الآخر من الدول يجيز للزوجة التي انحل زواجها أن تتنازل عن الجنسية التي اكتسبتها بالزواج، فماليزيا مثلا تقرر ذلك إذا انحل الزواج خلال سنتين من إشهاره، في حين جواتيمالا تقر ذلك إذا طلبت الزوجة التطليق في نفس وقت التجنس و هناك دولا أخرى كالتشريع المصري في مادته الثامنة و التشريع الليبي في مادته السابعة الفقرة الثانية و التشريع البلجيكي في مادته الرابعة الفقرة الثالثة و التشريع الإيطالي في مادته العاشرة الفقرة الثانية يقرون أن تفقد الزوجة الجنسية التي اكتسبتها بزواجها من وطني، إذا استردت الجنسية التي كانت تحملها قبل الزواج بعد انحلال الزواج، أو إذا اكتسبت جنسية جديدة، معتبرين ذلك إفصاحا عن عدم رغبتها في البقاء بين رعايا دولة زوجها، وقد أكدت ذلك المادة الثامنة من قانون الجنسية المصري الحالي بنصها على أنه : " إذا اكتسبت الأجنبية الجنسية المصرية......فلا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا إذا استردت جنسيتها الأجنبية، أو تزوجت من أجنبي ودخلت في جنسيته طبقا لقانون هذه الجنسية".
و عليه اشترط المشرع المصري لفقد الزوجة الجنسية المصرية التي اكتسبتها نتيجة الزواج بمصري أن يتدعم الطلاق أو التطليق بأحد الأمرين، إما استرداد تلك المرأة جنسيتها السابقة أو أن تتزوج من أجنبي وتكتسب جنسيته .
وهناك دولا أخرى تشترط إضافة لانحلال رابطة الزوجية، إقامة الزوجة في الخارج لكي تفقد جنسيتها التي اكتسبتها بسبب الزواج، و قد نص على ذلك القانون الإيطالي و السعودي و كذا القانون الليبي في مادته السابعة.
وقد نصت المادة الثالثة من اتفاقية الجنسية لسنة 1954 الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية أنه يحق للمرأة العربية عند انتهاء الزوجية أن تعود إلى بلدها الأصلي لتقيم به كما يحق لها عند الإقامة أن تسترد جنسيتها السابقة إذا طلبت ذلك و تفقد في هذه الحالة الجنسية التي اكتسبتها بالزواج.
و أما المشرع الجزائري فإنه لم ينص على الأثر الذي يرتبه انحلال الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق بعد اكتساب الزوج الأجنبي جنسية الزوج الوطني.
وعليه نستنج أنه لم يجعل لانحلال الرابطة الزوجية بالطلاق أو التطليق أو الخلع بعد اكتساب الزوج و الزوجة الأجنبيان جنسية زوجهما الوطني أثر مفقد لجنسيتهما الجزائرية المكتسبة.
و حسنا فعل المشرع مادام أن تلك الجنسية الوطنية المكتسبة أصبحت حقا مكتسبا لا يجوز للدولة الجزائرية مساسه بغير نص، و خاصة وأن فقد الجنسية أمر ذا أهمية وخطورة بالغة مما يستوجب ترتيبه إلا بنص صريح لا ضمني.
أما فيما بخص جنسية الأولاد فإن المشرع الجزائري لم يرتب على انحلال الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق أثر مفقد لجنسيتهم، إذ أن العبرة لاكتساب الأولاد جنسية أبائهم هي اكتساب الوالدين تلك الجنسية وقت ميلاد الأبناء.
ومادام أن المشرع لم يرتب على انحلال الزواج أي أثر مفقد على جنسية الزوجين، فإن ذلك سوف يرتد على جنسية الأولاد، ومنه تبقى جنسيتهم دون تغيير، كما أن المشرع الجزائري بموجب التعديل الجديد أصبح يعترف للأم مثلها مثل الأب بالحق في نقل جنسيتها لأبناء ها.
عكس أولاد المرأة المصرية التي تتزوج أجنبيا، فإن طلاقها يؤدي إلى خلق مشاكل اجتماعية ذات دافع اقتصادي خطيرة تتعلق بجنسية أبناءها الذين يعيشون في الإقليم المصري كالغرباء، إذ أنه غالبا بعد الطلاق يخفى الآباء المستندات الخاصة بالأبناء أو ينكروا نسب أبناءهم نكاية في الأم، فيبقون الأولاد عديمي الجنسية لأن جنسية أمهم لا تكفي لمنحهم الصفة الوطنية، كما أن الارتباط الفعلي بالإقليم المصري لا يكفي وحده لإسباغ الجنسية المصرية على غير الراشدين في غير حالة جهالة الأبوين.
ثانيا : أثر الوفاة على جنسية أحد الزوجين و الأبناء:
تعد وفاة أحد الزوجين سببا غير إراديا لانحلال رابطة الزواج بالنسبة للزوج الآخر، و قد نظم المشرع المصري عكس المشرع الجزائري الذي التزم الصمت الآثار التي ترتب من جراء وفاة أحد الزوجين على جنسية الزوج الباقي على قيد الحياة و الأولاد سواء تحققت الوفاة قبل أو بعد اكتساب الجنسية المصرية بسبب الزواج، إذ نص بموجب المادة السابعة من القانون رقم 26/75 المتضمن قانون الجنسية المصرية على إمكانية اكتساب الزوجة الأجنبية التي تتزوج من مصري الجنسية المصرية إذا أعلنت عن إرادتها في الحصول على الجنسية، حتى و لو حدثت وفاة الزوج بعد هذا الإعلان بوقت قصير، إذا ما توافرت بقية الشروط التي يتطلبها القانون للمتمتع بالجنسية، وقد بررت المذكرة الإيضاحية هذا الحكم المستحدث في القانون المصري بقولها أن: "حرمان الزوجة من حق طلب الدخول في الجنسية المصرية بسبب وفاة زوجها ....يؤدي إلى الإضرار بالزوجة وأبناءها القصر بدون مبرر، ولسبب لا يد لها فيه".
أما إذا تحققت وفاة أحد الزوجين بعد اكتساب الزوج الآخر جنسية زوجه المتوفى المصرية بسبب الزواج لم يرتب المشرع المصري أي أثر على ذلك، فمن حق الزوج الآخر التمتع بجنسية دولة الزوج المتوفى مادام لم يرتكب أية مخالفة تبرر زوال هذه الجنسية عنه.
كما أن المشرع المصري لم يرتب أي أثر على وفاة الأجنبي زوج المصرية على جنسية الأبناء، باعتباره الأب بالنسبة لهم، سواء تحققت الوفاة قبل ميلاد الأبناء أو في فترة الحمل كون أن الأب لا يمكنه تغيير جنسيته بعد وفاته، أو سواء تحققت الوفاة بعد تمام اكتساب الأبناء للجنسية استنادا إلى ثبوت نسبهم إلى هذا الأب مادام في هذه الحالة تثبت لهم الجنسية الأصلية منذ الميلاد على أساس حق الدم من جهة الأب.
و أما في حالة وفاة الأم المصرية و كان الأولاد يتمتعون بجنسية الأب الأجنبي، فإنه يمكن لهؤلاء الأولاد اكتساب جنسية أمهم المتوفاة متى توافرت الشروط القانونية المنصوص عليها.
في حين أن المشرع الجزائري، كما قد سبقت الإشارة، فإن التزام الصمت حيال هذه المسألة و هذا شيء مؤسف خاصة و أنه عدل قانون الجنسية حديثا، و كان عليه أن يغتنم هذه الفرصة لتدارك هذا الفراغ التشريعي.
إذ أنه قد فوت بسكوته هذا فرصة اكتساب الزوج الأجنبي الذي يتوفى عنه زوجه الجزائري قبل اكتمال مدة ثلاث سنوات من إبرام عقد الزواج الجنسية الجزائرية، خاصة و أن الحكمة من تقرير هذه المدة هي التحقق أولا من جدية الرابطة الزوجية.
فلو انحلت هذه الرابطة بالطلاق قبل اكتمال المدة المحددة قانونا لاكتساب الجنسية الجزائرية يكون عدم منح الجنسية الجزائرية للزوج الأجنبي مبرر كون أنه لم يثبت اندماجه في المجتمع الجزائري و كذا لهشاشة علاقته الزوجية.
و أما الوفاة فهي أمر غير إرادي لا يد للزوج الآخر فيه، و لا يمكن التنبؤ بها، كما أنه قد تقتضي مصلحة الأسرة اكتساب الزوج الأجنبي جنسية زوجه المتوفى الجزائرية إقتضاءا لمصلحة الأطفال و مصلحة والدهم الأجنبي، إذ بحصول الزوج الأجنبي جنسية زوجه المتوفى يشعر باندماجه في المجتمع الجزائري، و عليه يربي أولاد الوطن المتوفى في مجتمع والدهم على دينه و وفقا لتقاليده.
و عليه حرمان الزوج ا لأجنبي من الجنسية الجزائرية بسبب انفصام الرابطة الزوجية بوفاة الزوج الأجنبي يكون بليغ الأثر على أسرته في هذه الحالة، لذا حبذا لو ينص المشرع الجزائري على حكم مفاده أنه يمكن للزوج الذي توفى عنه زوجه الجزائري قبل مرور ثلاث سنوات أن يقدم طلب لاكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج.
في حين أنه إدا توفى الزوج بعد اكتساب الزوج الأخر الجنسية الجزائرية أو بعد فوات ثلاث سنوات فهذا لا يؤثر في جنسية الزوج الآخر المكتسبة.
و أما بالنسبة للأولاد فإنه مادام المشرع قرر اكتساب الجنسية الجزائرية من جهة الأم أو الأب على حد السواء، فموت أحدهما لا يغير من اكتساب الجنسية الجزائرية للأولاد سواء توفى قبل أو بعد الميلاد فالعبرة بواقعة ثبوت الجنسية و ليس بالوفاة أو الحياة.
المبحث الثاني: إمكانية استرداد الجنسية المفقودة بسبب الزواج
لقد سبق و أن ذكرنا بأن الجنسية لا تعتبر رابطة أبدية، فقد يفقد الشخص جنسيته لعدة أسباب قد تكون إرادية أو غير إرادية.
و لكن قد يعاود هذا الشخص الحنين إلى جنسيته السابقة التي فقدها، فيود استردادها و التمتع بها من جديد.
و عليه يراد باسترداد الجنسية إعادتها إلى شخص سبق له و أن تمتع بها أو فقدها، أو هو رخصة خولها القانون للشخص الذي فقد جنسية دولة ما، يسترد بمقتضاها جنسيته المفقودة، ومنه فهو كما يقول البعض "عودة لاحقة لجنسية سابقة ".
و قد اختلف الفقه و التشريعات المقارنة في تكييف الطبيعة القانونية للاسترداد، فذهب البعض منهم إلى عدم اعتبار الاسترداد طريق لاكتساب الجنسية، بحجة أن مفهوم الاكتساب يتمثل في الحصول على جنسية جديدة لم يسبق للشخص أن تمتع بها متى توافرت الشروط القانونية المطلوبة، في حين أن الاسترداد يتطلب توافر الشروط أخرى غير الشروط العادية لاكتساب الجنسية، فهو متوقف غالبا على شرطين هما إبداء الشخص بصفته وطني سابق رغبته في العودة إلى جنسيته السابقة و كذا سلوك هذا الأخير طريق أسهل لاسترداد جنسيته السابقة.
و أما البعض الآخر اعتبر الاسترداد سبب من أسباب اكتساب الجنسية الطارئة، ولو سبق للشخص و أن تمتع بتلك الجنسية بصفة أصلية بحجة أنه ليس للاسترداد اثر رجعي، إذ أن الشخص يبقى أجنبيا في الفترة الممتدة بين فقد الجنسية و استردادها.
و قد تبنى المشرع الجزائري هذا الاتجاه الأخير بموجب أحكام المادة 14 من الأمر 70-86 المعدل و المتمم بموجب الأمر رقم 05-01.
كما أن شروط و آثار استرداد الجنسية، تختلف من قانون لآخر، و عليه سوف نتطرق إلى ذلك من خلال المطلبين المواليين مقارنة بأحكام القانون الجزائري.
المطلب الأول : شروط استرداد الجنسية المفقودة بسبب الزواج
سبق و أن ذكرنا أن الاسترداد يعتبر تمتع الشخص من جديد بجنسيته السابقة التي فقدها و قد نص المشرع الجزائري على الشروط اللازمة لاسترداد الجنسية الجزائرية بموجب أحكام المادة 14 من أمر 70-86 المعدل و المتمم بموجب الأمر 05-01 على أنه : ''يمكن استرداد الجنسية الجزائرية بموجب مرسوم لكل شخص كان متمتعا بها كجنسية أصلية و فقدها، و ذلك عن طريق تقديم طلب بعد 18 شهرا على الأقل من الإقامة المعتادة و المنتظمة.''
و نستخلص من هذا النص العام و الشامل أن المشرع الجزائري قد سوى بين الرجل و المرأة في حق طلب الاسترداد، كما وحد الشروط الواجب توافرها لاسترداد الجنسية الجزائرية، إذ جعلها موحدة في كل حالات فقدان الجنسية الجزائرية خلافا للتشريعات المقارنة التي أفردت كل حالة من حالات فقدان الجنسية بشروط خاصة بها لاسترداد الجنسية.
فقد نص القانون المصري على إمكانية استرداد الوطنية جنسيتها المصرية التي فقدتها بسبب الزواج من أجنبي، و فرق في هذا الصدد بين نوعين من الاسترداد، أحدهما جوازي معلق على إجازة السلطة المختصة و الآخر وجوبي يتحقق بمجرد إبداء الرغبة فيه.
فأما الاسترداد الجوازي، فقد نصت عليه المادة 13 من قانون الجنسية المصرية فأجازت المرأة المصرية المتزوجة أجنبيا، أن تسترد جنسيتها أثناء قيام الزوجية إذا طلبت ذلك و وافق وزير الداخلية على ذلك.
و بما أنه في هذه الحالة يفترض أن علاقة زواج المصرية من أجنبي مازالت قائمة، فإنه لا يلفت النظر إلى إقامة الزوجة في مصر أو خارجها، ذلك أن الظروف العملية أظهرت أن الكثير من المصريات يستمرن في الإقامة بمصر و يصبحن أجنبيات في بلادهن و لا يستفدن من الحماية الدبلوماسية المصرية، لذلك مكن المشرع المصري المصرية استرداد جنسيتها.
و هذا الاسترداد الجوازي لا يحدث أثره إلا من تاريخ صدور قرار وزير الداخلية بالموافقة، ولا يتم بمجرد إبداء رغبة الزوجة فيه، و على هذا النحو لا يكون له أثر رجعي.
و أما الاسترداد الو جوبي تسترد بموجبه المرأة المصرية جنسيتها بمجرد إعلان رغبتها في ذلك و بقوة القانون دون أي سلطة تقديرية للسلطة التنفيذية فلا يحق لوزير الداخلية الاعتراض على هذا الاسترداد طالما تحققت شروطه فهو لا يحتاج إلى صدور قرار من الجهة المختصة.
و قد قسم المشرع المصري هذا النوع إلى أربعة فروض، يتمثل الأول في استرداد المصرية المتزوجة أجنبيا جنسيتها المصرية و جوبيا إذا أصبح زوجها الأجنبي مصريا على فرض استمرار الزوجية أو إذا تزوجت مصري على فرض انتهاء زواجها من أجنبي.
و أما الثاني يتحقق متى انتهت الزوجية بين المصرية و الأجنبي و أبدت رغبتها في ذلك، و كانت مقيمة بمصر أو عادت إليها.
و الحكمة من تقرير هذه الحالة هو انتهاء علاقة الزواج التي كانت تربط المصرية بالأجنبي و عودتها إلى أرض الوطن، ومنه لم يبقى شيء يربطها بالجماعة الأجنبية و من ثمة لم يبق مبرر لعدم عودتها إلى مصر.
و أما الفرض الثالث يتعلق بالمصرية غير المقيمة بمصر المتزوجة أجنبي و أصبح زوجها مصريا أو تزوجت مصريا و أبدت رغبتها في ذلك.
و أما الفرض الرابع الأخير يتحقق متى تزوجت المصرية من أجنبي و اكتسبت جنسيته و كان عقد زواجها منه باطلا طبق لأحكام القانون المصري و صحيحا طبقا لأحكام قانون الزوج إلا أن وزير الداخلية كان قد أصدر قرارا باعتبارها فاقدة للجنسية المصرية .
و قد ميز القانون الفرنسي كذلك بين نوعين من الاسترداد أحدهما يكون بموجب صدور مرسوم و الآخر بمجرد تصريح المعني على رغبته في ذلك.
تتعلق الحالة الأولى بالشخص الذي فقد جنسيته الفرنسية بالتجريد و زالت أسباب الفقد، بشرط أن تتوفر فيه كل شروط التجنس العادي ماعدا شرط مدة الإقامة.
و أما الحالة الثانية تتعلق بالشخص الذي سبق و أن كان فرنسي أصلي و فقد جنسيته بسبب الأثر الجماعي للزواج أو باكتساب جنسية أجنبية بصفة منفردة.
في حين أنه في ظل القانون الجزائري، فإن الجزائري أو الجزائرية اللذان اكتسبا جنسية دولة زوجهما الأجنبي بسبب الزواج و تخليا عن جنسيتهما الجزائرية لاشتراط الدولة الأجنبية ذلك للدخول في جنسية الزوج الأجنبي، يخضعان لنفس الشروط التي يخضع لها فاقد الجنسية الجزائرية لسبب آخر لاسترداد جنسيتهما السابقة.
و عليه لاستردادهما جنسيتهما الجزائرية السابقة التي فقداها، يجب أن تتوفر جملة من الشروط تتمثل في الآتي:
1- يجب أن يكون طالب الاسترداد وطني سابق يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية، إذ أن المشرع الجزائري حصر نطاق الاسترداد على الجزائريين الأصلاء فقط المنصوص عليهم في المادتين 6 و 7 من أمر 05/01 و هم:
أ- الولد المولود من أب جزائري أو أم جزائرية.
ب- الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين، ما لم يثبت أثناء قصوره انتسابه إلى أجنبي أو أجنبية.
ت- الولد المولود في الجزائر من أب مجهول و أم مسماة في شهادة ميلاده دون بيانات أخرى تمكن من إثبات جنسيتها.
ث- و من ثمة إذا كان الشخص اكتسب الجنسية الجزائرية الطارئة، ثم فقدها، لا يمكنه استردادها، و لو تم الفقد بغير إرادته و لو زال سبب الفقد.
2- إقامة طالب الاسترداد بالجزائر بصفة معتادة و منتظمة و شرعية مرخص بها من الجهة المختصة بإقامة الأجانب لمدة لا تقل عن 18 شهرا بتاريخ تقديم طلب الاسترداد.
و الملاحظ أن المشرع الجزائري اشترط مدة قصيرة للإقامة مقارنة بما هو مطلوب في التجنس العادي و حتى لاكتساب الجنسية عن طريق الزواج، و يعود السبب في ذلك إلى أخذ المشرع بعين الاعتبار صفة الشخص طالب الاسترداد، باعتباره جزائري سابق، و اعتبار ذلك قرينة على سهولة إعادة اندماجه في المجتمع الجزائري.
3- تقديم المعني بالأمر طلب الاسترداد إلى الجهة المختصة، كون أن الاسترداد يعد اكتساب جنسية طارئة، ومن ثمة فهي لا تثبت للشخص تلقائيا، بل هو تصرف قانوني يستوجب بلوغ الشخص سن الرشد و كمال الأهلية و خلو الإرادة من كل العيوب التي يمكن أن تشوبها ، فعلى الشخص أن يبدي صراحة رغبته في اكتساب الجنسية الجزائرية من جديد عن طريق تقديم طلب إلى وزير العدل حسب المادة 25 من أمر 05/01 مصحوب بالعقود و الوثائق و المستندات التي تثبت من جهة سبق تمتع الطالب بالجنسية الجزائرية الأصلية و من جهة أخرى إقامة الطالب مدة 18 شهرا بالجزائر بصفة منتظمة و شرعية.
4- قبول السلطة المختصة طلب الاسترداد، كون أن المشرع الجزائري لم يعتبر الاسترداد حق للشخص، بل رخصة تخضع للسلطة التقديرية لوزير العدل، إذ نص بموجب المادة 26 أنه يمكن لهذا الأخير رفض الطلب بموجب قرار معلل إذا لم تتوافر الشروط القانونية، كما له أن يرفض الطلب و لو توافرت كل الشروط القانونية بموجب قرار.
و أما في حالة قبول الطلب فإنه ينشر المرسوم في الجريدة الرسمية و ينتج هذا الاسترداد أثره تجاه الغير ابتداء من تاريخ النشر.
5- و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري كان يشترط في ظل الأمر السابق رقم 70/86 بنص المادة الثالثة تقديم تصريح بالتخلي عن الجنسية السابقة في كل حالات اكتساب الجنسية الجزائرية.
و منه كان يشترط إضافة إلى الشروط السابق ذكرها وجوب تقديم طالب الاسترداد تصريح بالتخلي عن جنسيته السابقة مادام أن الاسترداد هو اكتساب جنسية طارئة، و الحكمة من تقرير هذا الشرط هو تأكد الدولة الجزائرية من حرص طالب الاسترداد في الحصول من جديد على جنسيته الجزائرية، كما تتحرى من خلاله على ولائه و إخلاصه للجزائر و مدى اندماجه في المجتمع الجزائري و قطعه روابطه مع الجماعة التي كان ينتمي إليها.
إلا أن المشرع الجزائري ألغى هذه المادة بموجب التقرير الأخير، و هذا من شانه أن يشجع ازدواج الجنسية، و لذا كان من الأحسن لو ترك المشرع هذه المادة لتفادي هذه الظاهرة.
المطلب الثاني: آثار الاسترداد
يرتب استرداد الجنسية عدة آثار قانونية إحداها فردية، و الأخرى جماعية.
ففيما يخص الآثار الفردية، فإنها تتعلق بالشخص المسترد فقط، و قد نص المشرع الجزائري كأغلب التشريعات المقارنة أن استرداد الجنسية يحدث أثره في عودة الصفة الجزائرية للشخص و تمتعه بكل حقوق المواطنة الجزائرية طبقا للمادة 15 من أمر 70/86 من تاريخ نشر مرسوم الموافقة على طلب الاسترداد في الجريدة الرسمية دون أي أثر رجعي على الماضي.
و منه يبقى المسترد أجنبي في الفترة الممتدة بين فقد جنسيته و استردادها، و لذا يذهب البعض إلى القول أن هذا الأثر الفوري يؤكد أن '' الاسترداد ما هو إلا اكتساب جنسية طارئة ''.
في حين يرى البعض الآخر من الفقهاء أن الاسترداد ليس طريقا لكسب الجنسية الطارئة مادام أن المسترد لا يعتبر دخيلا عن الجماعة، إذ أنه كان ينتمي إليها من قبل، كما أنه لا يخضع لفترة الإختبار المقررة عادة للوطني الدخيل، بل يتمتع بكافة حقوق مواطني الدولة حتى السياسية منها.
و نحن نميل إلى الرأي الأول خاصة و أن المشرع الجزائري ألغى بموجب أمر 05/01 المادة 16 التي كانت تقضي بجواز حرمان مؤقتا و لمدة خمس سنوات المتجنس بالجنسية الجزائرية من مزاولة نيابة انتخابية.
كما أنه لو كان الاسترداد هو استرجاع جنسية أصلية لرتب المشرع آثاره بأثر رجعي منذ ميلاد الشخص و عليه يمكن تجريد الشخص من جنسيته الجزائرية طبقا للمادة 22 مادام استرداد الجنسية يثبت بأثر فوري، و قد نص المشرع الفرنسي على إمكانية تجريد المسترد من جنسيته الفرنسية.
و أما الآثار الجماعية للاسترداد، فهي تلك الآثار التي تتعدى الشخص المسترد و ترتد على زوجته و أولاده، وقد نص عليها المشرع الجزائري بموجب نص المادة 17 من قانون الجنسية الجزائرية، و يجب التمييز في هذا الصدد بين مرحلتين، تتعلق الأولى بالفترة ما قبل صدور أمر 05/01 و أما الثانية تتعلق بالفترة التي تلت صدور و تعديل قانون الجنسية الجزائرية.
أولا: مرحلة ما قبل صدور أمر 05/01:
نص المشرع الجزائري بموجب المادة 17/2 من أمر 70/86 على الآثار الجماعية للاسترداد و لم يرتب في هذا الصدد أي أثر على جنسية زوجة المسترد، متأثرا بذلك بمبدأ استقلالية الجنسية في العائلة.
كما أنه لم يرتب على جنسية الأولاد الراشدين أي أثر لاسترداد والدهم جنسيته الجزائرية المفقودة و لو فقدوها بسبب الأثر الجماعي لفقد أبيهم جنسيته.
و منه ترك لهم المشرع حرية التعبير عن رغبتهم في استرداد جنسيتهم الجزائرية شخصيا ماداموا راشدين عن طريق تقديم طلب استرداد مستقل عن طلب أبيهم متى توافرت فيهم الشروط القانونية المطلوبة.
في حين أنه نص على امتداد أثر استرداد الوالد الجنسية الجزائرية إلى أولاده القصر بشرط أن يكونوا قصر أي غير بالغين سن الرشد و أن يكونوا مقيمين فعلا مع والدهم وقت صدور مرسوم الاسترداد و أن لا يكونوا متزوجين كون أن القاصر يصبح راشدا بالزواج و مستقلا عن والده في معيشته.
و قد ميز المشرع الجزائري بشأن الأولاد القصر بين طائفتين، تشمل الأولى القاصر الذي فقد الجنسية الجزائرية الأصلية بفقد أبيه لها و يسترد القاصر في هذه الحالة مثل والده الجنسية الجزائرية بقوة القانون.
و أما الطائفة الثانية تتعلق بالقاصر الذي يولد بعد فقد أبيه الجنسية الجزائرية، ففي هذه الحالة يكتسب الولد الجنسية الجزائرية بواسطة الأثر الجماعي للاسترداد بقوة القانون و لو لم يشملهم طلب الاسترداد لأنه لم يتمتع بها من قبل.
ثانيا: مرحلة ما بعد صدور تعديل 05-01 :
عدل المشرع الجزائري بموجب الأمر 05-01 المادة 17 من أمر 70-86 و ألغى فقرتها الثانية التي كانت تنص على الأثر الجماعي للاسترداد.
و عليه لم يعد قانون الجنسية الجزائرية الحالي ينص على الأثر الجماعي للاسترداد رغم أهميته و خطورة هذه المسالة خاصة عندما يتعلق الأمر بالأولاد لاسيما القصر منهم كونهم هم أحوج للرعاية و كون أنه غالبا ما تزول عنهم جنسيتهم تلقائيا بسبب لا دخل لهم فيه و دون أن يتمكنوا من التعبير عن إرادتهم نظرا لقصرهم، لذا فمن مبادئ العدالة أن يستردوا جنسيتهم الجزائرية خاصة إذا فقدوها كأثر تبعي لفقد والدهم جنسيته الوطنية.
كما أن حذف المشرع النص المتعلق بالآثار الجماعية للاسترداد من شانه أن يؤدي إلى خلق ظاهرة انعدام الجنسية كما لو فقد القاصر جنسيته الجزائرية تبعا لفقد والده جنسيته و كان قانون جنسية الأم لا يدخله قي جنسيتها لاعتداده مثلا برابطة الإقليم، حينئذ يبقى القاصر عديم الجنسية و لا يتمتع بحماية أي بلد في العالم، لذا على المشرع الجزائري أن يتدارك هذا الفراغ التشريعي في أقرب الآجال، تفاديا للنتائج الوخيمة التي قد تنجر عنه، مسايرا بذلك مختلف التشريعات المقارنة التي أقرت باسترداد الأولاد القصر و حتى البالغين منهم جنسيتهم المفقودة نتيجة استرداد والدهم لجنسيته.
فقد نص المشرع الفرنسي بموجب أحكام المادة 24 مكرر 03 من قانون الجنسية الفرنسية الصادر بتاريخ 22/07/1993 على الأثر الجماعي لأبناء مسترد الجنسية الفرنسية الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشر، إذ يكتسبون تلقائيا جنسيتهم الفرنسية التي فقدوها كأثر لفقد أبيهم جنسيته، و نص كذلك القانون السعودي بموجب أحكام المادة 19 منه على إمكانية استرداد القاصر دون قيد أو شرط جنسيته السعودية التي فقدها بالأثر الجماعي لفقد أبيه لها، إذا كان مقيما خارج السعودية وقت فقد والده الجنسية السعودية.
كما أن جل القوانين العربية أقرت بإمكانية استرداد الأولاد الراشدين جنسيتهم التي فقدوها كأثر تبعي لفقد أبيهم جنسيته كون أنه أصبحت لهم إرادة يعتد بها قانونا، بشرط أن يكونوا قد سبق و أن تمتعوا بهذه الجنسية و فقدوها تبعا لفقد أبيهم لها لما كانوا قصرا، كما عليهم أن يبدوا رغبتهم عند بلوغهم سن الرشد خلال مدة محددة عادة بسنة واحدة في استرجاع جنسية الدولة.
و من أمثلة ذلك ما نص عليه القانون المصري إذ منح للقصر إمكانية استرداد جنسيتهم المصرية التي فقدوها بسبب تغيير أبيهم جنسيته و لاكتسابهم لهذه الجنسية الجديدة متى أبدوا الرغبة في اختيار استرجاع الجنسية المصرية في أجل سنة من بلوغهم سن الرشد.
و تجدر الملاحظة أن القانون العماني تشدد في منح القاصر الذي فقد جنسيته نتيجة فقد أبيه لها إمكانية استردادها إذ اشترط أن يعلن عن رغبته في استردادها سنة بعد بلوغه سن الرشد و متى توافرت فيه الشروط المقررة في التجنس العادي ماعدا شرط مدة الإقامة الذي أعفاه منه.
المبحث الثالث : ظاهرة انعدام الجنسية التي يثيرها الزواج
تعد ظاهرة انعدام الجنسية من اخطر الظواهر التي قد تلحق الفرد و تسبب له أضرارا كثيرة، كون أن عديم الجنسية يعد أجنبي في كل بلدان العالم فلا يتمتع بالحماية الدبلوماسية التي تقررها الدول لرعاياها، و يكون دائما عرضة الترحيل و الإبعاد من كل إقليم يحاول الحلول به.
و قد اصطلح الفقه خطأ على تسمية انعدام الجنسية بالتنازع السلبي للجنسيات كون أن هذا المصطلح غير دقيق و غامض لأن انعدام الجنسية لا يثير أصلا تنازعا بين الجنسيات بل يتعلق الأمر بحالة لا تتزاحم فيها دولتان أو أكثر على اعتبار شخص معين من رعاياها، ومنه فهو اسم على غير مسمى.
و عليه يمكن تعريف ظاهرة انعدام الجنسية على أنها الوضع القانوني لشخص لا ينتمي لأية دولة من دول العالم كونه لا تتوفر فيه شروط اكتساب أية جنسية من جنسيات العالم، أو هو الوضع الذي يجد فيه الشخص نفسه منذ ميلاده أو في تاريخ لاحق على الميلاد مجردا من حمل جنسية أية دولة من الدول.
و قد عرفت اتفاقية نيويورك المبرمة بتاريخ 28/09/1954 المتعلقة بحالة و وضع عديمي الجنسية في مادتها الأولى عديم الجنسية على أنه '' الشخص الذي لا تعتبره أية دولة رعية لها بالتطبيق لتشريعها.''
و بهذا المفهوم فإنه يختلف عديم الجنسية apatride عن اللاجئ السياسي politique réfugié كون أن هذا الأخير يتمتع بجنسية دولة معينة إلا أنه هجرها و استقر على إقليم دولة أخرى خوفا من الاضطهاد أو معاقبته بسبب جنسه أو عقيدته أو انتمائه السياسي أو أفكاره الاقتصادية، فهو إن كان لا يتمتع بحماية دولته إما لتنازله عن طلب الحماية أو لرفضها ذلك، فإنه يتمتع غالبا بحماية الدولة المقيم فيها بصفته لاجئ سياسي، فلا يجوز لها تسليمه أو طرده، كما أنه يستفيد من الحماية المقررة للاجئين السياسيين المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، عكس عديم الجنسية الذي لا يتمتع بأية جنسية على الإطلاق، و عليه يعد في مركز اقل من اللاجئ السياسي و الأجنبي كونه غير مشمول أصلا بالحماية الدبلوماسية.
كما أن عديم الجنسية يختلف أيضا عن الأجنبي، كون أن الأجنبي يعتبر من رعايا دولة ما و أجنبي في الدول الأخرى أما عديم الجنسية يعد أجنبيا في كل دول العالم.
و قد بينت محكمة القضاء الإداري المصري هذا التباين في حكمها الصادر بتاريخ 18/01/1955 الذي جاء فيه أنه: '' إذا صح أن عديم الجنسية ينطوي في المدلول العام لمعنى الأجنبي، فلا ريب أن صفة الأجنبي بالنسبة إليه ليست نسبية كما هو الحال فيما يتعلق بالأجنبي العادي، و إنما هي مطلقة، إذ الواقع أنه أجنبي عند جميع الدول، و هو بهذا الوصف لا يتمتع بأي نظام قانوني دولي مما يتمتع به الأجنبي المعتبر عضوا أصيلا في مجتمع معين يستمد من الرابطة القانونية القائمة على انتمائه إلى هذا المجتمع حقوقا يلتزم مقابلها بواجبات و لا يعني اعتبار عديم الجنسية أجنبيا بالمعنى المتقدم أن يصبح هو و غيره من الأجانب على حد السواء في المركز القانوني، أي حالته و وضعه لا تحكمها مجموعة القواعد القانونية التي تقرر في دولة معينة نظاما خاصا بالأجنبي يختلف به عن الوطني من حيث التمتع بالحقوق العامة أو الخاصة، و إنما يخضعان لنظام لا يسوي في المعاملة أو المركز القانوني بينه و بين الأجنبي ذي الجنسية المحددة.''
و بناء على ما سبق، سنتطرق في هذا المبحث من خلال المطلبين التاليين إلى أسباب انعدام الجنسية و المشاكل التي تطرحها هذه الظاهرة و كيفية علاجها و تفاديها عن طريق الزواج المختلط.
المطلب الأول: أسباب انعدام الجنسية والمشاكل التي تثيرها
تعبر ظاهرة انعدام الجنسية عن عجز القانون الدولي لحماية الأفراد ، نظرا للمشاكل التي تلحق الشخص من جراء هذه الظاهرة، إذ يعتبر عديم الجنسية كما أسلفنا الذكر أجنبي في مواجهة كل الدول فهو كما يقول الفقيه أوبنهايم oppenheim ''كالسفينة التي تسير في البحر بدون علم تتخبط في عرض البحر''.
و بالنتيجة فإن ذلك يثير تساؤل بشأن مدى تمتع عديم الجنسية بالحقوق و إخضاعه للتكاليف في الدولة التي تأويه، مادام لا يعامل معاملة الأجانب العاديين.
و ما يزيد الطين بلة هو مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للدول التي تعتد في ذلك بجنسية الأفراد مثل القانون الجزائري .
و يعود ظهور هذه الظاهرة الخطيرة إلى أسباب كثيرة و متنوعة، و لكن سنقتصر في هذا المقام على ذكر الأسباب التي يثيرها الزواج المختلط و تشمل هذه الأخيرة أسباب ترجع إلى وقت ميلاد الشخص و أسباب أخرى ترد إلى فترة لاحقة لميلاده.
أولا: الانعدام المعاصر للميلاد
تنحصر هذه الأسباب أساسا في الآثار التي يرتبها إبرام عقد الزواج أو انحلاله على جنسية الأولاد لاختلاف المعايير التي تأخذ بها الدول التي ينتمي لها الوالدين في شأن فرض جنسيتها الأصلية.
فتتحقق هذه الظاهرة كلما ولد شخص و لم تثبت له جنسية دولة معينة كأن يولد طفل لأبوين مختلفي الجنسية يأخذ قانوني جنسيتهما بحق الإقليم لمنح الجنسية للأولاد في دولة أخرى تمنح جنسيتها على أساس حق الدم، ففي هذه الحالة لا يكتسب الولد لا جنسية أبويه لأنه ولد في بلد أجنبي عن بلدهما و لا جنسية الدولة التي ولد فوق إقليمها مادام لا يحمل أبويه جنسيتها. كما يمكن أن يتحقق انعدام جنسية الولد بالرغم من اتحاذ دول أبويه في الأسس التي تأخذ بها في فرض جنسيتها كأن تأخذ قانوني أبويه بحق الدم المستمد من الأب فقط و يكون هذا الأخير مجهول أو عديم الجنسية، فيلد الطفل في هذه الحالة عديم الجنسية منذ ميلاده.
و قد يولد كذلك الشخص عديم الجنسية إذا كان مجهول الأبوين و ولد في بلد يمنح جنسيته على أساس الدم فقط دون الاعتداد برابطة الإقليم.
و أخيرا قد يولد الطفل عديم الجنسية إذا كان قانون جنسية الأم يفقدها جنسيتها بالزواج بأجنبي، ولا يكسبها قانون الزوج جنسيته أو يكسبها إياها و لكن يعتد قانون جنسيته برابطة الإقليم إلا أن الولد يولد خارج دولة الأب أو ينكر الأب نسب إبنه فيبقى عديم الجنسية كونه لا يمكنه اكتساب جنسية أمه لأن هذه الأخيرة أصبحت كذلك عديمة الجنسية بسبب زواجها من أجنبي.
ثانيا: انعدام الجنسية الطارئ بعد الميلاد:
يتحقق هذا النوع من الانعدام كلما فقد الشخص جنسيته دون اكتساب جنسية أخرى، و تعود أسباب ظهور هذا النوع من انعدام الجنسية إلى نوعين من الأسباب، إحداهما أسباب غير إرادية تتمثل أساسا في أنانية الدول و مغالاتها في تجريد و سحب جنسيتها دون اكتراثها بمصالح و مصير الأفراد ، و الأخرى أسباب إرادية تتجلى أساسا في تخلي الشخص على جنسيته لاكتساب جنسية زوجه الجديد مثلا إلا أنه لا ينجح في الحصول عليها.
قد ينتج إنعدام الجنسية من تباين موقف بعض التشريعات فيما يتعلق بأثر زواج المرأة، كأن ينص قانون المرأة الوطنية على فقدها جنسيتها تلقائيا بزواجها من أجنبي، بينما لا يكسبها قانون جنسية الزوج جنسيته، فتبقى عديمة الجنسية.
و على العكس من ذلك، فقد يشترط قانون جنسية الزوج لمنح الجنسية للزوجة تخليها عن جنسيتها السابقة مثل نص المادة 12 من قانون 63/96 الملغى إلا أنه بعد صدور مرسوم قبول طلب التخلي عن الجنسية، لا تمنح دولة الزوج الجنسية لتلك الزوجة فتصبح عديمة الجنسية لانحلال الرابطة الزوجية مثلا قبل انقضاء المدة اللازمة لاستمرارية الزواج أو لبطلان الزواج مثلا في نظر دولة الزوج رغم صحة في نظر دولة الزوجة.
و أخيرا قد يجرد الشخص من الجنسية التي اكتسبها بفضل الزواج بعد أن تخلى عن جنسيته السابقة فيصبح عديم الجنسية.
و بعد استعراض كل أسباب ظهور انعدام الجنسية المعاصرة أو اللاحقة للميلاد سوف نتطرق فيما يلي إلى المشاكل التي تثيرها هذه الظاهرة.
المطلب الثاني: الحلول الوقائية و العلاجية لحل مشكلة انعدام الجنسية:
نظرا للمشاكل التي تلحق الفرد من جراء انعدام جنسيته، حاول الفقه و كذا الدول عن طريق تشريعاتها الداخلية و هيئاتها القضائية و حتى عن طريق إبرام المواثيق الدولية إيجاد حلول وقائية و أخرى علاجية للإقلال من حدة المشاكل عند وقوع هذه الظاهرة. سنتطرق لهذه الحلول من خلال الفرعين المواليين:
الفرع الأول: الحلول الوقائية المقترحة :
اقترحت الدولة عدة وسائل لاستئصال ظاهرة انعدام الجنسية من جذورها سواء تم هذا الانعدام وقت ميلاد الشخص أو في وقت لاحق لميلاده نذكر منه ما يأتي:
1- نصت اتفاقية لاهاي بتاريخ 12-04-1930 في مادتيها 14 و 15 على أخذ الدول بحق الإقليم لمنح الجنسية الوطنية للشخص الذي يولد من أبوين مجهولين أو عديمي أو مجهولين الجنسية، و قد تبنت معظم الدول هذا الحل في تشريعاتها الداخلية كالقانون الجزائري إذ نص على اعتبار الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين جزائري بموجب أحكام المادة 07 من أمر 05-01، إلا أنه لم ينص على الولد المولود من أبوين مجهولين أو عديمي الجنسية عكس القانون السوري الذي أورد حكما بنصه على اعتبار الشخص المولود في الإقليم السوري وطني إذا استعصى عليه اكتساب جنسية دولة أخرى بناءا على حق الدم.
2- كما أنه يمكن تدارك نشوء حالة انعدام الجنسية في الدول التي تأخذ بحق الدم من جهة الأب فقط لمنح جنسيتها بتبنيها معيار حق الدم من جهة الأم كأساس احتياطي يلجأ إليه عند استعصاء كسب الجنسية عن طريق الأساس الأصلي، كأن يجرد الزوج من الجنسية التي اكتسبها عن طريق الزواج فيصبح عديم الجنسية، فتمنح في هذه الحالة الزوجة جنسيتها لأولادها تفاديا لصيرورة أبنائها عديمي الجنسية.
و تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري قد قرر بموجب تعديل قانون الجنسية بالأمر 05/01 المساواة بين الأب والأم الجزائريين في منح جنسيتهما لأولادهما.
3- و قد علقت المادة الثامنة من اتفاقية لاهاي السالفة الذكر فقد المرأة جنسيتها لزواجها مع أجنبي على كسب هذه الأخيرة جنسية زوجها الجديدة فعليا بنصها على أنه: ''إذا كان قانون المرأة يفقدها جنسيتها بسبب زواجها بأجنبي، فإن هذا الأثر يعلق على اكتسابها جنسية زوجها'' و قد تبنى القانون الأردني هذا الحل.
4- و اقترح بعض الفقهاء لتفادي انعدام جنسية الزوجة المتزوجة أجنبيا، اكتسابها جنسية زوجها من يوم زواجها، إذا كان قانونها الوطني يجردها من جنسيتها الأصلية إذا تزوجت أجنبيا.
5- و يمكن كذلك تفادي انعدام جنسية احد الزوجين المكتسبة بسبب الزواج بعدم سحبها بعد انحلال الرابطة الزوجية إلا إذا استردا جنسيتهما الأصلية السابقة، و قد نصت اتفاقية مونتيفيدو المبرمة سنة 1933 على حكم مماثل في مادتها السادسة التي نصت على عدم ترتيب إبرام أو انحلال الزواج أي أثر على جنسية أحد الزوجين و الأولاد المكتسبة بسبب الزواج.
6- كما نصت اتفاقية جامعة الدول العربية المبرمة بتاريخ 05/04/1954 الخاصة بالجنسية في مادتها الثانية على استرداد الزوجة جنسيتها السابقة تلقائيا إذا سحبت دولة الزوج جنسيتها عنها تفاديا لانعدام جنسيتها، و تنص كذلك أن جنسية الزوجة العربية لا تتأثر بزواجها من عديم الجنسية بحيث لا تسقط جنسيتها بزواجها منه .
7- بالإضافة إلى ذلك يمكن تفادي انعدام جنسية الزوج الذي يرغب في اكتساب جنسية زوجه بسبب الزواج، بعدم اشتراط دولة الزوج الآخر تخلي الزوج عن جنسيته السابقة لمنحها جنسيتها و تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري ألغى المادة 03 من أمر 70/86 بموجب أمر 05/01 التي كانت تشترط تخلي الشخص عن جنسيته الأصلية لاكتساب الجنسية الجزائرية.
8- و نصت المادة 7 من اتفاقية لاهاي حكما مماثلا في هذا السياق، إذ قضت بتعليق تسليم الإذن بالتخلي عن الجنسية السابقة باكتساب الشخص الجنسية الجديدة فعلا، و قد تبنى المشرع الجزائري هذا الحكم في المادة 18 من أمر 70/86 باشتراطه فقد الزوجة الوطنية التي تتزوج أجنبيا جنسيتها الجزائرية اكتسابها فعلا جنسية زوجها بالزواج.
و في الأخير نخلص إلى القول أنه رغم اهتمام المجتمع الدولي بظاهرة انعدام الجنسية بإبرام الاتفاقيات و الأخذ بعين الاعتبار الحلول لتفادي وقوع هذه الظاهرة عند سنها تشريعاتها، إلا أنه يستحيل استئصال هذه الظاهرة جذريا لانفراد كل دولة بتنظيم أحكام جنسيتها، لذا اقترح الفقيه سال scelle لعلاج الانعدام بصفة نهائية إعطاء عديمي الجنسية، جنسية دولية تعادل جنسية الدول، و وضعهم تحت حماية هيئة خاصة أو دولية ترفع الدعاوي باسمهم لدى المحاكم الدولية.
إلا أن هذا الحل يعد ضربا من الخيال لاصطدامه بمبدأ حرية الدول تنظيم أحكام جنسيتها ، لذا عكفت الدول على تنظيم المركز القانوني لعديم الجنسية.
الفرع الثاني : الحلول العلاجية المقترحة :
سبق و أن ذكرنا أنه لا يمكن اجتثاث ظاهرة انعدام الجنسية من جذورها نهائيا، لذا راحت الدول تفكر في تنظيم المركز القانوني لعديم الجنسية الذي يمثل في حقيقته حلول علاجية لأهم المشاكل التي تثيرها هذه الظاهرة، و تنحصر أساسا في تقرير الحماية الدولية لعديم الجنسية و كذا تحديد القانون الواجب التطبيق على أحواله الشخصية عن طريق إبرام اتفاقيات و سن أحكام في التشريعات الداخلية.
ففيما يخص الحماية الدولية المقررة لعديم الجنسية، نظمت اتفاقية نيويورك المبرمة بتاريخ 28-07-1954 المتعلقة بعديمي الجنسية، الوضعية الدولية لعديمي الجنسية، فحثت الدول المتعاقدة على تسهيل إجراءات تجنس عديم الجنسية بجنسية الدولة التي يقيم فوق إقليمها، كما منحت عديم الجنسية تقريبا نفس الحقوق الممنوحة للاجئ السياسي مع بعض الفوارق البسيطة، فمثلا لا يعفى عديم الجنسية من العقاب إذا دخل إقليم بلد معين دون رخصة عكس اللاجئ السياسي.
و قد نصت الجزائر بموجب المرسوم التنفيذي المؤرخ في 25/07/1963 على سريان أحكام اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين المبرمة بتاريخ 28/07/1951 على عديمي الجنسية، و أحدثت بموجب نفس المرسوم مكتبا خاصا بالحماية لدى وزارة الشؤون الخارجية، كون أنه يعاب على اتفاقية نيويورك عدم تضمنها نصوصا خاصة بإنشاء هيئة عليا لمراقبة تطبيقها عكس اتفاقية جنيف المتعلقة باللاجئين السياسيين.
كما يمكن لعديم الجنسية الاستناد إلى العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية و السياسية و كذا الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966 للتمتع بالحقوق الأساسية للأفراد كالحق في التعليم و الحق في العمل و الحق في التنقل لعدم تمييز العهدين بين الأفراد على أساس جنسهم أو عرقهم أو انتمائهم الديني أو جنسيتهم للتمتع بهاته الحقوق.
في حين أن اتفاقية نيويورك لم تنص على حق عديم الجنسية في ممارسة المهن الحرة أو على حقه في إنشاء الجمعيات، كما أنها لم تتمكن من حل مشكل إقامة عديم الجنسية، إذ لا يمكن إجبار الدول على منح تأشيرة دخول عديم الجنسية إقليمها و السماح له بالاستقرار فوق إقليمها إذا كان ذلك متعارضا مع مصالحها.
أما فيما يخص تحديد القانون الواجب التطبيق على مسائل الأحوال الشخصية لعديم الجنسية بالنسبة للدول التي تأخذ بالجنسية كضابط للاستناد في شأن هذه المسائل كالقانون الجزائري، فإنه يستحيل إعمال ضابط الجنسية عندما يتعلق الأمر بشخص عديم الجنسية، فقد اختلف الفقه و التشريعات في تعيين الضابط البديل و الاحتياطي الذي يستعاض به بدلا من ضابط الجنسية.
فذهب جانب من الفقه إلى القول بتطبيق قانون الدولة التي ولد فوق إقليمها عديم الجنسية إلا أنه يعاب على هذا الرأي تطبيق على عديم الجنسية قانون بلد امتنع عن منحه جنسيته.
و ذهب بعض الفقهاء إلى القول بتطبيق قانون آخر جنسية تمتع بها عديم الجنسية و قد تبنى القانون الألماني هذا الاتجاه قبل تعديله سنة 1938، إلا أنه لا يمكن تطبيق هذا الحل في كل الحالات فقد يولد الشخص عديم الجنسية و يبقى كذلك طوال حياته.
و اقترح آخرون تطبيق قانون الجنسية التي جرد منها الشخص تعسفيا، غير أنه لا يمكن لدولة ما التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى و تقرير مدى تعسف الدولة في تجريد الشخص من جنسيته إذ لا يوجد هيئة تعلو على الدولة في القانون الدولي.
في حين أن بعض الدول الأخرى نصت على تطبيق قانون القاضي كقانون الإمارات العربية المتحدة و القانون المغربي، إلا أن هذا الموقف منتقد كون أنه قد يؤدي إلى تطبيق قانون على عديم الجنسية لا يرتبط به من الناحية الواقعية وقت قيام الخصومة.
و إزاء قصور المعايير السابقة المقترحة نصت بعض الدول على ترك سلطة تعيين القانون الواجب التطبيق إلى القاضي يستشفه من ظروف و ملابسات كل قضية، فهو كما يقول البعض حل شبيه بفكرة الجنسية الفعلية و قد نص القانون المصري على هذا الحل، كما تبنى المشرع الجزائري هذا الحكم بموجب أحكام المادة 22 فقرة 2 من القانون المدني قبل تعديله سنة 2005 إذ نص على أنه '' في حالة انعدام الجنسية يعين القاضي القانون الواجب تطبيقه''.
إلا أنه يعاب على هذا الاتجاه عدم تحديد المشرع ضوابط اختيار هذا القانون، مما يفتح الباب لتعسف القضاة.
و أما الرأي الراجح فقها و قضاء ذهب إلى تطبيق قانون دولة موطن عديم الجنسية أو محل إقامته، وقد اعتمدت اتفاقية نيويورك في مادتها الثانية عشر نفس الحل.
و قد تبنت معظم التشريعات الغربية هذا الحل كالقانون الاسباني الصادر سنة 1974 و القانون السويسري الصادر سنة 1987.
كما قضت المادة 22 فقرة 3 من القانون المدني بعد تعديله سنة 2005 على نفس الحكم بنصها على أنه ''و في حالة انعدام الجنسية يطبق القانون الموطن أو قانون محل الإقامة ''.
و قد أصاب المشرع عندما عدل هذه المادة كونها كانت تتعارض قبل التعديل مع أحكام اتفاقية نيويورك التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 64-173 المؤرخ في 08-06-1964 مع أن المادة 132 من الدستور الجزائري تنص على سمو المعاهدات المصادق عليها على التشريع الداخلي، لذا على المشرع أن يعدل التشريع الداخلي بما يتوافق مع المعاهدات التي تصادق عليها الدولة الجزائرية .
ثانيا - المؤلفات الخاصة
1- حسام الدين فتحي ناصف،أثر انعقاد الزواج و انحلاله على جنسية أفراد أسرة الوطنية و الأجنبي دراسة مقارنة،شركة الإيمان للطباعة بالقاهرة ،سنة1996.
2-عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمن،جنسية المرأة المتزوجة و آثارها في محيط الأسرة في القانون المصري و الفرنسي و السوداني دراسة مقارنة ، مكتبة النصر،سنة1991.
ثالثا - البحوث و الرسائل
1- مخباط عائشة،فقد الجنسية دراسة مقارنة،بحث للحصول على درجة الماجستير في العقود و المسؤولية، معهد الحقوق و العلوم الإدارية،جامعة الجزائر، سنة 1987,
2- العقون الأخضر،التنازع الإيجابي و السلبي بين الجنسيات ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ، كلية الحقوق بن عكنون، جامعة الجزائر،سنة 1977-1978.
3- أحمد عبش، أثر الزواج المختلط على جنسية الزوجة ،بحث للحصول على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق و العلوم الإدارية ،جامعة الجزائر،سنة 1976.
4- شفيقة العمراني،إثبات الجنسية و المنازعات و الأحكام المتعلقة بها ، بحث للحصول على درجة الماجستير في العقود و المسؤولية ،جامعة الجزائر،سنة 1994.
5- طالبي سرور،حقوق المرأة في التشريعات الجزائرية مقارنة مع اتفاقيات حقوق الإنسان ،جامعة الجزائر،سنة 2000.
رابعا-المقالات
1- زروتي الطيب، أثر اختلاف ديانة الزوجين أو جنسيتهما في الزواج المختلط، تعليق على فتوى شرعية للمجلس الإسلامي الأعلى ،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الاقتصادية ،عدد4،سنة 1993،صفحة897-952.
2- حسن أمين العرضى، مشاكل الجنسية و التجنس في التشريع المصري،مجلة هيئة قضايا الدولة، العدد الثاني ،السنة الثالثة و الثلاثون، أبريل يونيو 1989.
3-عمر بوحلاسة،عقود الزواج المغفلة،نشرة القضاة ،العدد الثاني أفريل 1986.
4- فؤاد عبد المنعم رياض ،مشكلة جنسية أبناء الأم المصرية،المجلة المصرية للقانون الدولي ،عدد42 سنة 1986.
5- جعفر الفضلي، انقضاء الزواج في القانون الدولي الخاص،مجلة الحقوق،عدد1،سنة 1988.
6- حسن محمد الهداوي ،اكتساب الأجنبية لجنسية زوجها في التشريعات العربية،مجلة الحقوق و الشريعة،السنة الأولى العدد الثاني،سنة 1988.
7- أحمد عصمت عبد الحميد ،مؤتمر الأمم المتحدة للقضاء أو الإقلال من حالات انعدام الجنسية في المستقبل، المجلة المصرية للقانون الدولي ،عدد15،سنة 1909.
8- الطيب زروتي ،بمناسبة الأمر 05/01 المتضمن تعديل و تتميم قانون الجنسية الجزائرية.
9- زروتي الطيب، حماية الطفل من منظور القانون الدولي الخاص،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الاقتصادية و السياسية،الجزء41،رقم 1 سنة 2000.
المراجع باللغة الاجنية :
1- Bendeddouche Jacqueline , Notion de nationalité et de son application à la nationalité Algerienne ,Thèse pour le doctorat , 1973 .
2- Augustin Barbara , Mariage sans frontière, Edition Gention ,année 1979 .
النصوص التشريعية و التنفيذية :
1- قانون الجنسية الجزائرية رقم 63-96 الصادر بتاريخ 27-03-1963.
2-القانون الجنسية الجزائرية الصادر بموجب الأمر رقم 70-86 بتاريخ 15-12-1970 المعدل و المتمم بموجب الأمر رقم 05-01 المؤرخ
3-قانون الحالة المدنية الجزائري الصادر بأمر 70-20 المؤرخ في 19-02-1970.
4-قانون الأسرة رقم 84-11 المؤرخ في 09-06-1984 المعدل و المتمم بالأمر رقم 05-02 الصادر بتاريخ 27-02-2005,
5- القانون المدني الجزائري الصادر بموجب الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26-12-1975 المعدل و المتمم بالأمر رقم 05-10 المؤرخ في 20-06-2005 .
6-قانون رقم 08-11 مؤرخ في 25-06-2008 يتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر و إقامتهم بها و تنقلهم فيها .