التعليق على المادة 10 من القانون المدني الجزائري
قواعد الإسناد.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 10 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 10 ق م.
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 10 ق م : { يسري على الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم.
ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في الجزائر وتنتج آثارها فيها إذا كان أحد الطرفين أجنبيا ناقص الأهلية، وكان نقص أهليته يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل تبينه على الطرف الآخر، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته وفي صحة المعاملة.أما الأشخاص الاعتبارية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، يسري على نظامها القانوني قانون الدولة التي يوجد فيها مقرها الاجتماعي الرئيسي والفعلي.
غير أنه، إذا مارست الأشخاص الاعتبارية الأجنبية نشاطا في الجزائر، فإنها تخضع للقانون الجزائري }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 10 ق م ) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم .بالقانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.
و قد جاء في الكتاب الأول منه أحكام عامة ، من الباب الأول وعنوانه آثار القوانين و تطبيقها، الفصل الثاني وعنوانه تنازع القوانين من حيث المكان .
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص
المادة 10 ق م. من القانون المدني حيث جعلها تتألف من
أربع 4 فقرات .
الفقرة الاولي : تبدأ من
"يسري على " وينتهي عند
" بجنسيتهم " ،
الفقرة الثانية : تبدأ من
" و مع ذلك " وينتهي عند
" صحة المعاملة" ،
و الفقرة الثالثة : تبدأ من
" أما الأشخاص " وينتهي عند
" الرئيسي و الفعلي" ،
الفقرة الرابعة : تبدأ من
" غير أنه " وينتهي عند
" للقانون الجزائري" .
البناء اللغوي والنحوي :
إستعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة. و قد جاءت المادة 10 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع قواعد الإسناد و كمثال على ذلك نشير إلى :
" يسري على الحالة المدنية " ، " قانون الدولة " ، " التصرفات المالية "، " تخضع للقانون الجزائري ". وغيرها من المصطلحات التي تفيد موضوع قواعد الإسناد.
و تتجزأ إلى أربعة أفكار تتمثل في :
1- الأهلية والحالة المدنية تخضعان لقانون الجنسية .
2- خضوع أهلية الالتزام المالي للقانون الوطني للشخص (قانون الجنسية).
3- الأشخاص الإعتبارية يسري عليها قانون الدولة التي يوجد فيها مقرها الإجتماعي.
4- نشاط الأشخاص الإعتبارية الأجنبية في الجزائر خاضع للقانون الجزائري.
البناء المنطقي :
جاء البناء المنطقي للمادة 10 من القانون المدني متسلسلا. ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح. نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة
" يسري علي " وهنا يقصد التطبيق و ربطها بحرف عطف "و". في الفقرة الثانية من المادة "
في التصرفات المالية " وهنا يقصد هي جملة المعاملات المالية المتصلة بالبيع والشراء وبالإيجار...إلخ. بعدها إنتقل إلي الفقرة الثالثة بإستخدام أداة التفصيل
"أما" التي هي حرف شرط وتفصيل وتوكيد. وهي أداة ربط بين جملتين .
في الفقرة الرابعة و الأخيرة بدأ بعبارة
" غير أنه " تستعمل للاستثناء .
نلاحظ أن المادة 10 من القانون المدني اعتمدت أسلوبا إخباريا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 10 ق م يتضح أن المشرع قد أخضع الأهلية لقانون جنسية الشخص.
كإستثناء و إعمالاً للمصلحة الوطنية، وحماية الطرف الوطني، تخضع أهلية الأجنبي للقانون الجزائري إذا توفرت عدة شروط منها، أن تدخل العلاقة القانونية في دائرة التصرفات المالية ( لا يطبق هذا الاستثناء على الأحوال الشخصية ) .
أن يكون التصرف عُقِدَ في الجزائر وترتبت آثاره في الجزائر.
أن يكون المتعاقد الأجنبى ناقص الأهلية. لسبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبنيه.
و أن يكون الأجنبي كامل الأهلية وفق القانون المدني الجزائري.
أما ناقصي الأهلية وعديمي الأهلية فقد نص المشرع الجزائري. في المادة 15 منالقانون المدني على تطبيق قانون جنسية من تجب حمايته.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 10 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماهي قواعد الإسناد في القانون المدني الجزائري ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الاول : إسناد القانون واجب التطبيق علي مسائل الأحوال الشخصية.
المطلب الأول : تعريف و خصائص قواعد الإسناد.
المطلب الثاني : المقصود بالإسناد في مسائل الأحوال الشخصية.
المبحث الثاني : إسناد القانون واجب التطبيق علي التصرفات المالية.
المطلب الأول : تطبيق قانون جنسية الشخص علي التصرفات المالية وفق القانون الجزائري.
المطلب الثاني : تطبيق قانون جنسية الشخص علي التصرفات المالية وفق لإتفاقيتي جنيف 1930-1931.
المبحث الثالث : إسناد القانون واجب التطبيق علي الأشخاص الإعتبارية.
المطلب الأول : تطبيق القانون الوطني بإعتباره القانون الواجب التطبيق.
المطلب الثاني : أثر القانون الوطني علي تطبيق القانون الواجب التطبيق.
خاتمة .
مقدمة :
تعد الأهلية من الصفات اللصيقة بالشخص، ترافقه أينما وجد، وتعد أيضا من الشروط الموضوعية لصحة أي التزام قانوني، فاستنادا على هذا لا بد أن يتسم القانون. الذي يحكمها بالاستقرار والثبات الذي يحقق امتداد سلطانه على الشخص دون انقطاع من يوم صدوره إلى يوم إلغائه.
يشكل موضوع تنازع لقوانين أبرز مواضيع القانون الدولي الخاص. إضافة إلى الجنسية والموطن ومركز الأجانب وتنازع الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية.
وردت أحكام تنازع القوانين ضمن المواد من 10 إلى 20 من القانون المدني، على أنه يجب الوقوف على الأحكام الخاصة بكيفية تطبيق قواعد التنازع من خلال المواد من 21 إلى 24 من نفس القانون. كما وردت أحكام أخرى متفرقة من قانون الحالة المدنية وخاصة المواد 71 و 96 و 97 من القانون رقم 70-220 المؤرخ في 19-02-1970 المتعلق بالحالة المدنية. المعدل والمتمم بـ الأمر رقم 14-08 المؤرخ في 09-08-2014.
كما عرفت قواعد تنازع القوانين تعديلا بموجب القانون 05-10. الذي عدل وتمم الأمر رقم 75-58، والظاهر أن هذا التعديل جزء من خطة استراتيجية شاملة هدفها إعادة النظر في القانون المدني الجزائري برمته. وإدخال إصلاح جذري عليه بما يكفل التكفل والرد على كل الانشغالات الفقهية والقضائية في الجزائر . لاسيما النقائص التي كانت تشوب نصوص قواعد التنازع وكذا إدراج أحكام جديدة. اقتضتها ضرورة اتساق النصوص القانونية مع تعهدات الدولة الجزائرية، وكذا الظروف الراهنة لتطور الدولة الجزائرية وخاصة في ظل الانفتاح على التجارة الخارجية. وانتهاج أسلوب الاقتصاد الحر يعني القبول بالقانون الاتفاقي الدولي في مجالات الأحوال الشخصية. والعينية وخاصة في مجال الاستثمار والتحكيم الدوليين.
المبحث الاول : إسناد القانون واجب التطبيق علي مسائل الأحوال الشخصية.
المطلب الأول : تعريف و خصائص قواعد الإسناد :
قواعد الإسناد هي القواعد القانونية التي تدل القاضي الوطني. على القانون الواجب التطبيق على العلاقة ذات العنصر الأجنبي والتي يتزاحم على اختصاصها قانونان فأكثر، حيث يقوم المشرع الوطني بتحديد القانون الأنسب لحكم العلاقة، وقاعدة الإسناد على هذا النحو تعبر عن الفلسفة والأفكار السائدة في نظام قانوني معين، وتعد مقياس لقدرة الأنظمة على مواجهة المشاكل الناشئة عن وجود منازعة ذات عنصر أجنبي.
كما يُعد القانون الدولي الخاص أحد فروع القانون. المعني بتنظيم العلاقات القانونية التي يتخللها أحد العناصر الأجنبية، حيث يتولى تحديد القانون الواجب التطبيق على تلك العلاقة سواء أكان هذا القانون هو القانون الوطني أم قانون أجنبي، وتكون مهمة تحديد القانون الواجب التطبيق من اختصاص ما يسمى بقواعد الإسناد.
وتتصف قواعد الإسناد بأوصاف تميزها عن أي قواعد قانونية أخرى. وسنتناول تلك الخصائص في مقالنا كما سيلي :
قاعدة الإسناد قاعدة مزدوجة.
قاعدة الإسناد قاعدة غير مباشرة.
إن قاعدة الإسناد لا توجد إلا في القانون الدولي الخاص.
قاعدة الإسناد من صنع المشرع الوطني.
قاعدة الإسناد غالبا ما تشير إلى تطبيق قانون أجنبي. فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية.
إن قواعد الإسناد قواعد محايدة.
المطلب الثاني : المقصود بالإسناد في مسائل الأحوال الشخصية :
بالرجوع إلى التشريع الجزائري، نجده لم يحدد المقصود بالأحوال الشخصية في القانون المدني أو قانون الأسرة ، لكن يفهم من مضمون قانون الأسرة والديباجة الواردة في المشروع التمهيدي المقترح من طرف الحكومة والمقدم إلى المجلس الشعبي الوطني في 19 سبتمبر 1981. أنه يدخل ضمن الأحوال الشخصية المسائل المتعلقة بالحالة والأهلية العامة وحماية عديمي الأهلية وناقصيها، إضافة للعلاقات بين أفراد الأسرة كالزواج والتصرفات المالية وانحلاله وأثاره والبنوة والنسب والنفقة. بين الأصول والفروع وبين الأقارب والوقف والميراث والوصية والكفالة.
يلاحظ من خلال المادة 10 المذكورة أعلاه في فقرتها الأولى. أن القانون المدني الجزائري قد أخضعت الأهلية والحالة المدنية لقانون الجنسية.
الحالة المدنية : هي مجموعة من الصفات المعرفة للشخص ذاته كالاسم والموطن. أو تلك التي تحدد ذات الشخص ومركزه من أسرته ودولته وهذه الصفات تقوم على أسس من الواقع مثل :
السن الذكورة الأنوثة، الصحة أو على أسس من القانون كالزواج والجنسية. وقد اخضع المشرع الجزائري حالة الأشخاص المدنية لقانون الجنسية بموجب المادة 10 الفقرة 1 من القانون المدني الجزائري. بمعني انه إذا كان أحد الأطراف المتنازعة يحمل الجنسية الجزائرية وقت رفع الدعوى. فان التنازع حول الاسم يخضع للقانون الجزائري وهو في هذه الحالة قانون الحالة المدنية الجزائري التي تنقسم الى :
1- حالة الشخص الطبيعي :
يمكن تحديد حالة الشخص الطبيعي في مجموعة من الصفات التي بها يرتبط بأسرته. وتميزه عن نفس الوقت عن بقية الأشخاص الآخرين سواء كانوا من العائلة او من خارجها. كأن يكون مثلا متزوجا أو أعزبا، ابنا أوابا غير ذلك من الصفات التي تدخل في نطاق الحالة المدنية للشخص كالاسم واللقب. وهذا ما نصت عليه المادة 10 تقول " يسري القوانين المتعلقة بالحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم على الجزائريين ولو كانوا مقيمين في بلاد أجنبية "
وبناءً على هذا النص الصريح فان حالة الجزائريين المدنية تخضع. الى قانون جنسيتهم اي انه اخذ بضابط الجنسية في مجال الأحوال الشخصية ولم يأخذ بضابط الموطن. وهذا يعني بمفهوم المخالفة للنص المذكور أعلاه أن الأجانب سوف يطبق على حالته قانون جنسيتهم. لان قاعدة الإسناد الجزائرية تخضع الحالة الي قانون جنسية الشخص الطبيعي. ما لم يتعارض قانون الجنسية مع النظام العام للدولة المعروض عليها النزاع.
2- حالة الشخص المعنوي :
يتمتع الشخص الاعتباري بمجموعة من المسائل والنظم القانونية يعتبرها الفقه حالة خاصة به على غرار حالة الشخص الطبيعي مثل المسائل المتعلقة بتأسيسه، وكيفية الاعتراف له بالشخصية المعنوية وطريقة تحديد أهليته وانحلاله او بطلانه وبعبارة عامة كل ما يخص نظامه القانوني، الى غير ذلك من المسائل المتعلقة مثلا بالشركات أو الجمعيات التي تتوفر فيها شروط الشخصي المعنوي وحددته المادة 10 بوجود معيارين :
معيار الشركاء المؤسسين للشركة :
المعيار الذي يحكم حالة الشخص الاعتباري هو قانون جنسية هؤلاء الشركاء المؤسسين لهذه الشركة، ويترتب على ذلك ضرورة البحث عن جنسية هؤلاء لكي يعرف ذلك القانون الذي تخضع له حالة الشخص الاعتباري وهو معيار صعب المنال خاصة عندما يكون الشخص المعنوي شركة أموال.
تجدر الملاحظة أن المشرع الجزائري لم ينص على القانون الذي يحكم حالة الشركات الجزائرية التي تعمل خارج الإقليم الجزائري ولها مركز إدارته في الجزائر ، مما يؤدي بنا الي الرجوع بحكم المادة 50 من القانون المدني الذي يفيد الأخذ بمركز الإدارة الرئيسية في حالة وجود النشاط خارج الجزائر وينطبق هذا الحكم على الشركات الأجنبية التي يكون مركز إدارتها في الجزائر.
معيار الإدارة الرئيسي :
القانون الذي يحكم حالة الشخص الاعتباري وفقا لهذا المعيار هو قانون البلد الذي يوجد فيه مركز الإدارة الرئيسي للشركة، وهو ما ذهب إليه المشرع الجزائري بالنص في الفقرة الثالثة من المادة 10 من القانون المدني الجزائري كقاعدة أساسية لقانون مركز إدارته الرئيسي الاجتماعي الرئيسي والفعلي: "أما الأشخاص الاعتبارية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، يسري على نظامها القانوني قانون الدولة التي يوجد فيها مقرها الاجتماعي الرئيسي والفعلي".
والمقصود بمركز الإدارة الرئيسي الفعلي هو المكان الذي تتركز فيه الإدارة العليا والتوجيه والرقابة واجتماعات الهيأة العامة ومجلس الإدارة، وقد اعتمد المشرع على ضابط المركز الفعلي ليستبعد المركز الصوري، الذي يتخذه بقصد التهرب من قانون دولة معينة.
ويمكن تطبيق هذا النص فيما يتعلق بالأشخاص الاعتبارية الأجنبية الأخرى من شركات ومؤسسات وجمعيات دولية، علما يجب ملاحظة أن القانون الذي يحكم العلاقات القانونية التي يدخل فيها مع الغير من بيع وشراء ورهن وغير ذلك، لا تكون محكومة بالمادة 49 من القانون المدني، بل للقانون الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الخاصة بنوع العلاقة، كقانون إرادة المتعاقدين أو قانون موقع المال أو قانون محل إجراء التصرف القانوني...الخ.
أما إذا كان الشخص الاعتباري قد باشر نشاطه في الجزائر ، فإنه يطبق عليه القانون الجزائري، أي إذا كان مقر الإدارة الفعلي والرئيسي للشخص المعنوي موجودا في الخارج، ولكن يمارس نشاطا في الجزائر فإنه يخضع في ممارسة هذا النشاط للقانون الجزائري بوصفه قانون محل ممارسة النشاط، وهذا ما قررته الفقرة الرابعة من المادة 10 من القانون المدني الجزائري : "غير أنه إذا مارست الأشخاص الاعتبارية الأجنبية نشاطها في الجزائر، فإنها تخضع للقانون الجزائري ".
المبحث الثاني : إسناد القانون واجب التطبيق علي التصرفات المالية.
المطلب الأول : تطبيق قانون جنسية الشخص علي التصرفات المالية وفق القانون الجزائري :
بالرجوع لنص المادة العاشرة 10 من القانون المدني الجزائري نرى أن المشرع الجزائري وعلى غرار التشريعات المقارنة أخضع موضوع الأهلية لقانون الجنسية. وباعتبار الأهلية أنواع أهلية أداء أهلية وجوب وأهلية التقاضي .
الأهلية المقصودة بقاعدة الإسناد هي أهلية الأداء العامة، والتي مناطها القدرة على التعبير عن الإرادة، وبالتالي نطاقها يتحدد بالأعمال أو التصرفات القانونية التي تحتاج إلى الإرادة في إنشائها وكذلك في ترتيب آثارها أما باقي أنواع الأهلية فهي تخضع لقوانين أخرى، فمثلا أهلية الوجوب فهي لا تخضع للقانون واحد، وإنما يسري في شأنها القانون المختص بحكم الحق المراد معرفة ما إذا كان الشخص يتمتع به أم لا، فحق الشخص في أن يرث يخضع لقاعدة الإسناد التي تحكم الميراث، والتي تقضي بتطبيق قانون الجنسية، وحق الشخص في أن يتزوج من امرأة ثانية، يخضع لقانون جنسيته، وحق الشخص في أن يمتلك شيء ما يخضع للقانون الذي يحكم الملكية أي قانون موقع المال.
وفي موضوع الالتزامات المالية يجب أن يكون الموقع على الورقة التجارية أهلا لالتزامه المالي أيا كانت الصفة التي التزم بها ، ساحبا كان أو مظهرا أو ضامنا احتياطيا أو قابلا ، وذلك وفقا لقانون جنسيته، والذي يحدد من خلاله القانون الواجب التطبيق، يعتد بقانون الجنسية من وقت نشوء الالتزام المالي أي منذ تاريخ التوقيع على السند.
وتطبيقا لهذه القاعدة، إذا كان القانون الجزائري هو الواجب التطبيق بوصفه قانون جنسية الملتزم بالسند التجاري، وكان الملتزم قاصرا غير مرشد فيعتبر توقيعه على السند باطلا طبقا للمادة 393 من القانون التجاري التي تنص : " إن السفتجة التي توقع من القصر الذين ليسوا تجارا تكون باطلة بالنسبة لهم بدون أن ينال ذلك من الحقوق التي يختص بها كل من الطرفين بمقتضى المادة 191 من القانون المدني" .
المطلب الثاني : تطبيق قانون جنسية الشخص علي التصرفات المالية وفق لإتفاقيتي جنيف 1930-1931 :
أوردت اتفاقيتي جنيف مبدأ عام مفاده خضوع أهلية الالتزام المالي للقانون الوطني للشخص (قانون الجنسية)، كما أن المشرع الجزائري على غرار التشريعات العربية واللاتينية يسند الأهلية إلى قانون الجنسية وذلك حسب نص المادة 10 من القانون المدني الجزائري والتي يعتمد عليها في تحديد القانون الذي يحكم أهلية الملتزم الصرفي في ظل غياب نص خاص يحكم أهلية الالتزام الصرفي في القانون الجزائري.
عالجت اتفاقية جنيف هذه المسألة في المادة الثانية 2 فقرة 1 بقولها : " تحدد أهلية الملتزم بمقتضى الحوالة أو الكمبيالة أو السفتجة بموجب أحكام قانونه الوطني (قانون الدولة التي ينتمي إليها الملتزم بجنسيته) وبالتالي يخضع الملتزم بموجب سفتجة أو سند لأمر أو الشيك والمتنازع بموجبه حول صحة أهليته لقانونه الوطني، فلو كان محرر السفتجة في الجزائر فرنسي، فإن القانون الفرنسي هو الذي يحدد صحة أهليته من عدمها.
هذا فيما يتعلق بأهلية الشخص الطبيعي أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على أهلية الشخص المعنوي فإن اتفاقيتي جنيف لم تتطرق لها بالإضافة إلى أنها لم تتطرق للحالة التي يكون فيها الملتزم المالي شخصا طبيعيا عديم الجنسية أو لاجئا أو متعدد الجنسية، كما أنها لم تتضمن أي نص يتعلق بأهلية سحب السند التجاري مما يعني أن هذه المسألة يحكمها التشريع الداخلي لكل دولة.
المبحث الثالث : إسناد القانون واجب التطبيق علي الأشخاص الإعتبارية.
عمل المشرع الجزائري على تطبيق معيار محل الاستغلال، وهو استثناء مقرر لصالح القانون الوطني في حالة ممارسة نشاطا في الجزائر استنادا إلى مبدأ الإقليمية الذي ينتج عنه تطبيق القواعد ذات التطبيق الضروري .
المطلب الأول : تطبيق القانون الوطني بإعتباره القانون الواجب التطبيق :
تنص المادة 10 فقرة 4 ق م ج على سريان القانون الوطني على الأشخاص الاعتبارية التي تمارس نشاطا في الجزائر، فبموجب هذه المادة يكون القانون الجزائري هو المختص بشأن ممارسة هذا النشاط وحده، واختصاص القانون الجزائري في هذه الحالة يكون على أساس التطبيق الإقليمي للقانون الوطني.
الفرع الأول : الاختصاص الإقليمي للقانون الوطني :
يقصد بالاختصاص الإقليمي أو "مبدأ إقليمية القوانين" سريان قانون الدولة على كل ما يقع داخل إقليمها من وقائع، وعلى كل الأشخاص الموجودين فيه، فيخضع لهذه القواعد كل من الوطني والأجنبي على السواء بحكم وجودهم داخل إقليم واحد ، وبالمقابل فإن مبدأ الإقليمية يعني عدم سريان القواعد القانونية خارج حدود الدولة، أي أنه لا يمتد إلى خارج الإقليم الوطني حتى لو تعلق الأمر بالمواطنين الموجودين في الخارج، فإنهم يخضعون للدولة التي يقيمون فيها.
فالأصل في القوانين حسب معظم التشريعات هو التطبيق الإقليمي. بحيث أن مبدأ الاختصاص الإقليمي للقانون يستند إلى فكرة " سيادة الدولة على إقليمها ويعد تطبيق قانون الدولة في إقليمها على كل الأشخاص الموجودين فيه من أهم مظاهر السيادة التي بموجبها لا يكون هناك مجال لمزاحمة القوانين الأجنبية داخل إقليم الدولة 74 ، وهذا ما نصت عليه المادة 4 فقرة 1 ق م ج التي تنص على أنه : " تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ".
وقد استمدت التشريعات هذا المبدأ من الوضع السائد في العهد الروماني، حيث ورد هذا المبدأ في لأول مرة في القانون الروماني المسمى "بقانون الشعوب" الذي كان يحكم علاقات الأجانب فيما بينهم وعلاقات الأجانب مع الرومان.
وقد جاء المشرع الجزائري ببعض التطبيقات لهذا المبدأ في التقنين المدني، منها ماهو متعلق بالعلاقات التي تحتوي على عنصر أجنبي، مثلا خضوع شكل العقد إلى محل الإبرام، وخضوع المال والعقار لبلد موقعهما، أما فيما يخص الأشخاص الاعتبارية الأجنبية. فإن المشرع أورد مبدأ الإقليمية على سبيل الاستثناء، لأنه في هذه الحالة يسري القانون الشخصي على هذه الأشخاص.
وذلك خروجا على الأصل نظرا لاعتبارات العدل التي تقتضي. بأن يكون القانون واجب التطبيق هو أكثر القوانين اتصالا بالنزاع حتى لو كان أجنبيا.
الفرع الثاني : مجال تطبيق الاختصاص الإقليمي :
بالرجوع إلى أحكام المادة 10فقرة 4 ق م ج فإننا نجد أن المشرع الجزائري قد استثنى عن القاعدة العامة خضوع الشركات الأجنبية للقانون الجزائري باعتباره مكان ممارسة النشاط، فبمجرد وضع هذه الشركات رحالها في الإقليم الجزائر وممارسة أي نشاط سواء رئيسيا أو فرعيا، فإنها تخضع للقانون الوطني بحكم ممارستها هذا النشاط، حتى لو كان مركزها الرئيسي في الخارج فإنه يعتبر في نظر القانون الداخلي في الجزائر ، وهذا ما تؤكده المادة 50 فقرة 5من نفس القانون التي تنص على أنه :
"... الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها في نظر القانون الداخلي في الجزائر ..."
وكذا المادة 547 قانون تجاري جزائري التي تنص على أن موطن الشركة يكون في مركز الشركة، والشركات التي تمارس نشاطها في الجزائر تخضع للتشريع الجزائري.
فمن خلال هاتين المادتين نستنتج أن المشرع تبنى معيار الاستغلال، باعتبار أن الشركات التي يوجد مركزها الرئيسي في الخارج وتمارس نشاطها في الجزائر ، تخضع للتشريع الجزائري، وهذا حل كلاسيكي، إذ أن القاعدة الدولية المتعارف عليها تنص على أن ممارسة نشاط في إقليم معين يخضع للقانون الإقليمي.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري في تطبيق مبدأ الإقليمية على أساس محل ممارسة النشاط لم يشترط أن يكون نشاط الشركات رئيسيا، عكس ما قام به المشرع الفرنسي ومعظم التشريعات العربية، بحيث اشترطت هذه التشريعات على الشركات التي تمارس نشاطها في أقاليم هذه الدول أن يكون هذا النشاط رئيسيا، وذلك بهدف بسط ولاية قوانينها على أوسع نطاق بالنسبة لنشاط الشركات الأجنبية.
وقد عمل المشرع الجزائري في مرحلة أولى . على تطبيق مبدأ إقليمية القوانين على الشركات التي تعمل في الجزائر، حيث كرسه في بداية السبعينات في قانون المحروقات الصادر في 12-04-1971 الذي يلزم الشركات الأجنبية بإنشاء شركة تجارية تخضع للقوانين الوطنية ولها مقرها الرئيسي في الجزائر .
بعد ذلك تم تعميم هذا المبدأ على جميع الأشخاص المعنوية. التي تمارس نشاطها في الجزائر من خلال القانون المدني والتجاري وقوانين أخرى خاصة.
وقد ورد في المادة 6 من القانون 04-08 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية 8 أنه : " بغض النظر عن أحكام المادة 20 من الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 والمتضمن القانون التجاري، المعدل والمتمم، " يجب على كل مؤسسة تمارس نشاطها بالجزائر، باسم شركة تجارية يكون مقرها بالخارج، التسجيل في السجل التجاري".
المطلب الثاني : أثر القانون الوطني علي تطبيق القانون الواجب التطبيق :
إن تطبيق القانون الوطني على نشاط الشركات الأجنبية في الجزائر من شأنه أن يؤثر على تطبيق القانون واجب التطبيق. ذلك أن ازدهار العلاقات الخاصة الدولية وتطورها أدى إلى ضرورة البحث عن مناهج أخرى جديدة ومستقلة. من أجل تفادي منهج قواعد التنازع وآلياته المعقدة. ومن جهة أخرى تولي للدولة التحكم في المسائل التي تمس بمصالحها الحساسة. لذا عمد الفقهاء إلى إنشاء قواعد سميت "بالقواعد ذات التطبيق الضروري" .
الفرع الأول : إعمال القواعد ذات التطبيق الضروري :
لم تحظ فكرة القواعد ذات التطبيق الضروري باهتمام الفقه. إلا بعد النصف الأول من القرن الماضي، وقد أثارت هذه القواعد في بداياتها كغيرها من القواعد الجديدة الكثير من الجدل الفقهي. من أبرزها الاختلاف حول التسمية، إلا أن أكثر التسميات استعمالا لدى الفقه هو اصطلاح " القواعد ذات التطبيق الضروري".
لأنه يبدو المصطلح الأقرب للصواب، نظرا للغاية التي يعبر عنها، وهي حماية المصالح الوطنية وتحقيق ما تقصده وترمي إليه السياسة التشريعية للدولة من سن هذه القواعد .
وقد ظهرت هذه القواعد نتيجة تطور العلاقات الخاصة الدولية، حيث أن التشريعات في سعيها في تنظيم قوانين التوجيه الاقتصادي والاجتماعي فرضت حماية خاصة بهذه القوانين، وأسبغتها طابعا أمرا اقتضى وجوب إعماله على كافة المسائل التي تدخل في إطار سريانها المكاني، ولو كانت بشأن علاقة ذات طابع دولي، الأمر الذي تولد عنه منهج "القواعد ذات التطبيق الضروري".
ويقصد بها تلك القواعد الداخلية الموضوعية التي تتصدى بنفسها لتحديد مجالها دون اللجوء إلى قواعد التنازع، وقد نص المشرع الجزائري على ذلك، إذ نجد أن المادة 5 ق م ج تنص على أنه : " يخضع كل سكان القطر الجزائري لقوانين الشرطة والأمن" . وهي نسخة عن القانون المدني الفرنسي في المادة 3 فقرة 1 .
أما الوجود الفعلي لهذه القواعد فقد كان في مجال عقود التجارة الدولية، إذ أنه من المعلوم أن العقود بصفة عامة تخضع لقانون الدولة الذي اختاره المتعاقدين، فإذا لم تتصد الإرادة لهذا الاختيار تعين إسناد العقد لقانون الدولة الأكثر صلة به، إلا أن هذا الحل قد يؤدي إلى الإفلات من القواعد الآمرة في هذا القانون، لذا فإن وجود القواعد ذات التطبيق الضروري من شأنه وضع هذه الإرداة في إطار القانون الذي يحكم العقد، أو إعادة التوازن إذا كانت من قبيل عقود الإذعان.
إن فكرة القواعد ذات التطبيق الضروري هي فكرة إقليمية، بحيث لا تسمح بتدخل القوانين الأجنبية داخل إقليم الدولة، كما أن الهدف من هذه النظرية هو" تخويل القانون الوطني امتيازا أو أرجحية في التطبيق على كل قانون أجنبي، حتى في ظل قواعد الإسناد المزدوجة، ودون الحاجة إلى إعمال فكرة النظام العام كدفع لإحلال القانون الوطني محل القانون الأجنبي.
الفرع الثاني : آلية تطبيق القواعد ذات التطبيق الضروري :
يلاحظ أنه غالبا ما يضمن المستثمرين عقودهم شرط " الثبات التشريعي" تحسبا لإصدار الدولة قوانين آمرة أثناء تنفيذ العقد، مما يسمح بتقييد السلطة التنفيذية لعمل السلطة التشريعية. لذا فإن معظم التشريعات تخضع عقود الدولة التي تبرمها مع المستثمرين الأجانب لإرادة المشرع الإلزامية. ويتحدد ذلك عن طريق القواعد ذات التطبيق الضروري إن تطبيق القواعد ذات التطبيق الضروري من شأنه أن يعطل عمل قواعد الإسناد بخصوص المسائل التي تدخل في نطاقه، إذ أن إعمال هذه القواعد يؤدي مباشرة. إلى تطبيق القانون الوطني دون البحث عن قاعدة التنازع التي تشير إلى القانون واجب التطبيق.
كما أن هذه القواعد يمكن أن تتدخل في مسائل عدة، فمثلا عندما تنظم الدولة نشاط شركة أجنبية ما فإنه ينبغي على هذه الشركة احترام هذا التنظيم في جميع مراحل أعمال الشركة التي تتم داخل إقليم الدولة، وهو ما جاءت به المادة 10 فقرة 4 ق م ج التي تنص على أنه : "... غير أنه إذا مارست الأشخاص الاعتبارية الأجنبية نشاطا في الجزائر، فإنها تخضع للقانون الجزائري " .
ويتضح من خلال المادة أن المشرع الجزائري أدرج هذه المسألة ضمن نطاق القواعد. ذات التطبيق الضروري، ذلك أن الشركات الأجنبية عند ممارسة نشاطها في الجزائر فإنها ملزمة باحترام تلك القواعد والامتثال لها.
كما يلاحظ أن المشرع الجزائري من خلال ما تقدم - قد قام بتحويل المادة السابقة من قاعدة إسناد إلى قاعدة ذات تطبيق ،ضروري، وذلك من خلال إدماج الفكرة المسندة الخاصة بنشاط الشركات الأجنبية في الجزائر، نظرا لكون هذا النشاط من النظام القانوني الذي يخضع أصلا لقانون مركز الإدارة الرئيسي، ضمن القواعد ذات التطبيق الضروري وجعلها قاعدة ذات التطبيق المباشر التي تحدد بذاتها مجال تطبيقها المكاني (القانون الوطني)، بغض النظر عن دخول هذه المسألة في نطاق الفكرة المسندة تخضع بحسب الأصل إلى قانون آخر.
خاتمة :
نص المشرع الجزائري في المادة 10 من القانون المدني. على إخضاع الأهلية لقانون جنسية الشخص.
و الاستثناءا إعمالاً للمصلحة الوطنية، وحماية الطرف الوطني. تخضع أهلية الأجنبي استثناءًا للقانون الجزائري إذا توفرت الشروط التالية :
1- أن تدخل العلاقة القانونية في دائرة التصرفات المالية ( لا يطبق هذا الاستثناء على الأحوال الشخصية ).
2- و أن يكون التصرف عُقِدَ في الجزائر وترتبت آثاره في الجزائر.
3- أن يكون المتعاقد الأجنبي ناقص الأهلية لسبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبنيه.
4- أن يكون الأجنبي كامل الأهلية وفق القانون المدني الجزائري.
أما ناقصي الأهلية وعديمي الأهلية فقد نص المشرع الجزائري في المادة 15 من القانون المدني. على تطبيق قانون جنسية من تجب حمايته.
المراجـع :
أ- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975. المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.
ب- الكتب :
- علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري، ط 4 ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2006
- محمد سعيد جعفور، مدخل إلى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون، ج: 1، ط: 18، دار هومه، الجزائر
- أعراب بلقاسم ، القانون الدولي الخاص الجزائري. ج2 (تنازع الاختصاص القضائي الدولي، الجنسية)، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر، ط2، 2008.
- الطيب زروتي، القانون الدولي الخاص علما وعملا ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2010.
- الطيب زروتي، دراسات في القانون الدولي الخاص ،الجزائري، دار هومه، الجزائر 2010.
- نادية فوضيل أحكام الشركات طبقا للقانون التجاري الجزائري، دار هومه، الجزائر 2002.