التعليق على المادة 111 من القانون المدني الجزائري تفسير العقد
وسلطة القاضي في ذلك وفق القانون الجزائري.
نص المادة 111 ق م ج : { إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للالفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف الجاري في المعاملات }.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 111 ق م .
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 111 ق م .
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 111 : { إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها. من طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للالفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل. وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف الجاري في المعاملات }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 111) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني. و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الإلتزامات و العقود ، من الباب الأول وعنوانه مصادر الإلتزام ، في الفصل الثاني وعنوانه العقد ، القسم الثالث و عنوانه آثار العقد.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 111 من القانون المدني تتألف من فقرتين، .
الفقرة الأولى : تبدأ من " إذا كانت " وتنتهي عند " إرادة المتعاقدين " ، .
الفقرة الثانية : تبدأ من " أما إذا كان " وتنتهي عند " في المعلملات " .
البناء اللغوي والنحوي :
إستعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت فقرات المادة 111 من القانون المدني محملة. بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع، ﺴﻟطﺔ اﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ تفسير العقود و كمثال على ذلك نشير إلى :
" عبارة العقد " ، " تأويلها " ، " للمتعاقدين " .
وغيرها من المصطلحات التي تدل علي موضوع سلطة القاضي في تفسيره للعقد.
البناء المنطقي :
جاء البناء المنطقي للمادة 111 من القانون المدني متسلسلا ما أعطى. للنص صفة السهولة و الوضوح نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " إذا كانت " وهنا ظرف لما يستقبل من الزمان. متضمنة معنى الشرط خافضة لجواب بمعنى لايجوز التأويل و الإنحراف بالنسبة لعبارات العقد الواضحة في العقد. ثم في الفقرة الثانية إستهلها بــ أما تفيد الشرط والتفصيل في الفقرة الثانية من المادة .
نلاحظ أن المادة اعتمدت أسلوبا شرطيا.
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 111 ق م يتضح أن المشرع قد بين بأن للقاضي سلطة ﻓﻲ تفسير و التأويل للعقود إذا كانت عباراتها غير واضحة .
التفسير هو عملية فنية يقوم بها القاضي من أجل تحديد ما انصرفت إليه الإرادة المتعاقدين .
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 111 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماذا نقصد بتفسير العقد و ما هي مجالات تدخل القاضي فيه ؟.
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم تفسير العقد وشروطه.
المطلب الأول : تعريف تفسير العقد.
المطلب الثاني : شروط تفسير العقد.
المبحث الثاني : مجالات تدخل القاضي في تفسير العقود.
المطلب الأول : سلطة القاضي في تفسير عبارات العقد الواضحة.
المطلب الثاني : سلطة القاضي في تفسير عبارات العقد غير الواضحة .
خاتمة.
مقدمة :
تفسير العقد هو عملية قضائية جوهرها إحترام مبدأ سلطان الإرادة، ومحله يقع على الألفاظ التى إستعملها أطراف العقد، ولا تثأر مسألة تفسير العقد إلا عندما يكون هناك نزاع وتضارب المصائح حول تنفيذ العقد، نتيجة لغموض وعدم دقة التعبير، مما يمنح للقاضي سلطة التدخل لتفسير العقد بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، فيجد القاضي أن العبارات التى إستخدمها المتعاقدان للتعبير عن إرادتهما إما واضحة الدلالة لا تحتاج إلى تفسير، أو قد تكون هذه العبارات غير واضحة الدلالة على مقصود المتعاقدين فتحتاج إلى تفسير لتحديد مدلول العقد، وقد يبقى الشك يسود ما قصده المتعاقدين.
فالمشرع زود القاضي بمجموعة من القواعد يرجع إليها أثناء تفسير العقد كالرجوع إلى العقد ذاته وسميت بالعوامل الداخلية، واخري خارجة عنه ومرتبطة به وسميت بالعوامل الخارجية، وعند قصورها وبقاء الشك يسود ما قصدة المتعاقدين يفسر الشك فى مصلحة المدين واستثناء عقود الإذعان يفسر الشك فيها في مصلحة الطرف المذعن، وتخضع عملية تفسير العقد لأحكام وقواعد تضبطها .
المبحث الأول : مفهوم تفسير العقد وشروطه.
المطلب الأول : تعريف تفسير العقد :
المقصود بالتفسير هو الإبانة والتوضيح، فيقال فسر الشيء أي وضحه وكشف عنه.
ولفظ التفسير مستوحى من الكلمة اللاتينية (interprétation)، ويقصد بها نفس المعنى المعروف في معاجم اللغة العربية، وهو شرح الشيء وإظهاره وبيان معناه وحقيقته.
إنه تلك العملية التي يقوم بها المسر بسبب ما شاب العقد من غموض من أجل الوصول إلى الإرادة الحقيقية مستتدا إلى العقد في حد ذاته والعناصر الخارجة عنه والمرتبطة به.
إن التعريف الصائب هو الذي يلم بمفهوم التفسير كعملية فنية دون الاقتصار على تعريف اللفظ ذاته أو الغرض منه او الاساس او الباعث.
وفي هذا الشأن نجد المشرع الجزائري نظم نظرية التفسير عند معالجته لآثار العقد في المادتين 111 و 112 من القانون المدني الجزائري، إلا انه إستعمل فى كلتا المادتين مصطلح التأويل بدلا من التفسير. وقد جاء فى النص باللغة الفرنسية مصطلح (interprétation). والذي يعني التفسير والأرجح أن نستعمل التفسير بدلا من التأويل.
ذلك أن التأويل عند فقهاء الإسلام يختلف عن التفسير ، فالأول تبيين المراد من الكلام على سبيل الظن ، والثاني على سبيل القطع.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكون للتفسير موجب من الناحية العملية إلا إذا كانت ألفاظه غامضة أو مبهمة تحتمل أكثر من معنى.
المطلب الثاني : شروط تفسير العقد :
أولا : يجب أن يكون العقد صحيحا :
إن تفسير العقد لا يكون بمعزل عن البحث فى تكوينه، وكون العقد صحيحا إذا إستوفى جميع أركانه وشروطه، فإن العقد لا يكون موجودا إلا إذا توفر على جميع أركانه من رضا ومحل وسبب وكذلك الشكلية بالنسبة للعقود التى أوجبها القانون افراغها فى قالب رسمي.
أما فيما يتعلق بشروط الصحة فإن العقد بتخلفه يكون قابلا للإبطال، وهذه الأخيرة متعلفة بصحة الرضا الذي يمسه عيب من عيوب الرضى كالغلط والإكراه أو الاستغلال.
فلابد على القاضى أن يبحث في تكوين العقد أولا فلا جدوى إذا كان العقد باطلا إذ لا يمكن تنفيذه. ويكون العقد صحيحا إذا توفر على ما يلي:
1) الرضا :
الرضا هو ركن جوهري في العقد ذلك أن العقد يستمد منه قوامه. ويفصد به اتجاه الإرادة إلى إحداث الأثر القانونى.
وعليه فإنه يجب لكى يستقر نهائيا أن يكون الرضا صادر من ذي أهلية. ويتم التعبير عن هذه الإرادة بوسائل التعبير الذي خولها القانون والتي ننص عليها المادة "60" من ق م ج .
2) المحل :
المحل (L'objet) ركن في الالتزام كما هو ركن في العقد، ومحل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، وهدا الأخير قد يلتزم بإعطاء شيء أى تأدية شيء، ويقصد بالمحل هو العملية القانونية التي إتفق المتعاقدين على تحقيقها كالبيع والإيجار. ولقد نص المشرع الجزائري على المحل في المواد 92 إلي 98 من ق م ج، و يجب أن يكون المحل مشروعا غير مخالف للنظام العام.
3) السبب :
يعتبر السبب الركن الثالث من أركان العقد، ولقد تناول المشرع السبب في المادتين 97 و 98 من ق م ج ، والسبب يعرف عادة بأنه الغرض المباشر المجرد الذي نقصد إليه المتعاقد من إلتزامه، أما الغرض غير المباشر فهو الباعث أو الدافع إلى التعاقد.
4) الشكلية :
إن الشكلية هي وسيلة إثبات والتى أوجبها المشرع بإفراغها في شكل رسمي، إلا أن الشكلية لطالما ثار جدال فى شأنها فهناك من اعتبرها وسيلة إثبات وليست ركن في العقد وتخلفها لا يعرض العد للإبطال، ومنه من قال أن الشكلية هى الركن الرابع من أركان العقد. وقد أصدرت اجتهادات قضائية فى هذا المجال منها من قضى بأن الشكلية ركن من أركان العد وبذلك أبطلت العقود الرضائية، ومنهم من اعتبرها وسيلة إثبات للعد.
ثانيا : يجب أن يكون العقد غامضا :
إذ كانت عبارات العقد واضحة فلايجوز الانحراف عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين ، و قد تكون العبارات غير واضحة مع إمكانية التعرف على إرادة المتعاقدين إذ يتعين على القاضي أن يفسر العبارة وهو فى محل ذلك يجب عليه أن يبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين .
وإن مسؤولية تحديد غموض العقد من عدمه إنما تدخل ضمن إختصاصات قاضي الموضوع. فله السلطة التقديرية في الوصول إلى القول أن العقد غامض، فهو لن يبقى في إدعاء المتعاقدين بل عليه استعمال سلطته التقديرية فى ذلك.
المبحث الثاني : مجالات تدخل القاضي في تفسير العقود.
المطلب الأول : سلطة القاضي في تفسير عبارات العقد الواضحة :
عبارات العقد إما أن تكون واضحة الدلالة على إرادة العاقدين ، بحيث لا تحتاج إلى تفسير ، وإما أن لا تكون كذلك سواء كان اللفظ في ذاته غامضا أم كان في ذاته واضحا ولكن طبيعة العقد أو ظروف التعاقد تشعر بأن مدلول اللفظ لا يتفق مع قصد العاقدين ، فتحتاج عندها إلى تفسير .
وفي هذه الحالة إما أن يستطاع عن طريق التفسير الوصول إلى معرفة قصد الطرفين في غير شك ، وإما أن يبقى الشك حائما حول حقيقة ما قصداه .
نجد أن المشرع أحيانا يقيد القاضي في التفسير بالقول أنه لا محـل للتفسير إذا كانت عبارة العقد واضحة .
وبمفهوم المخالفة يكون هناك محل لتفسير العقـد إذا لم تكن عبارته واضحة.
ويتضح أن المشرع الجزائري حصر حالات ثلاث للعبارات الواردة في العقد يمكـن أن تعرض للقاضي في خصوص التفسير :
الحالة الأولى : تكون عبارة العقد فيها واضحة، والقانون يميز هنا بين نوعين من الوضوح :
1- عبارة واضحة معبرة عن إرادة واضحة ، فلا تحتاج في الأصل إلى تفسير إلا إذا كانت بالرغم من وضوحها لا تعبر تعبيراً صادقا عن الإرادة .
2-عبارة واضحة لا تعبر عن إرادة واضحة، بمعنى أن العبارة رغم وضوحها إلا أنها لا تكشف عن وضوح الإرادة . فيكون العقد هنا محلا للتفسير ، حسب غالب الفقه والقضاء .
الحالة الثانية : تكون فيها عبارة العقد غامضة ولا تكشف عن النية الحقيقية لأطراف العقد :
الأصل في تفسير الوضوح هو أن يبقى القاضي ملزما بتطبيق ما جاء في العقـد عنـدما يتضح له بتفحص العقد أن عباراته واضحة وتتفق كلية مع إرادة أطرافه ونيتهم المشتركة .
وعليه فإن أي تفسير للعبارة الواضحة من قبله تشكل انحراف أو تشويها للعقد فـي حـد ذاته وهو الأمر الذي لن يفلت من رقابة جهة النقض . فالخروج عن المعنى ينطـوي علـى تعديل لعقد لا يملكه القاضي
فالقاضي ملزم بأن يأخذ عبارة المتعا قدين الواضحة كما هي ، خاصة إذا تطابقت مـع عبارات العقد، فلا يجوز تحت ستار التفسير الانحراف عن مؤادها الواضح علـى معنى آخر، لأنه لا مجال للإجتهاد في موضوع العقد طالما أن عباراته واضحة. فسلطة القاضي في تفسير العقد مقيدة بضابط قانوني مهم. وهو ضرورة عدم التحريف والمسخ أيا كان الدافع لإجرائه ، حتى ولو اقتضته عدالة القاضي .
أما إذا ظهر العكس ، كما في حالة عدم تطابق الإرادة مع العبارة ، وهي في الواقـع صورة من صور الغموض ، فيكون للقاضي سلطة التفسير . ولا يعد ذلك تحريفا للعقد ، لكن بشرط تعليل حكمه .
وبعبارة أخرى إذا اتضح للقاضي أن الألفاظ المستعملة في محرر العقد. لا تعبر عـن حقيقة نية الأطراف كنا بصدد عبارة غير جلية الدلالة وكان العقد حينها محتاجا للتفـسير .
فالعبرة في الوضوح في العقد محل بحث وليس بوضوح أو بغموض مجرد .
الحالة الثالثة : تكون فيها عبارة العقد محل شك وإبهام ، تطبق بشأنها قواعد خاصة :
وهنا أيضا نجد القانون يميز بين نوعين :
1-الشك الذي يحوط بعبارات عقد من عقود العادية (عقود المساومة) . وهنا توجد قاعدة أصلية تطبق في مجال تفسير الشك .
2-الشك الذي يحوط بعبارات عقد من عقود الإذعان ، وهنا تقرر قاعدة استثنائية .
الحالة الرابعة : وضوح العبارة وعدم وضوح الإرادة :
رأينا فيما سبق أن العبارة الواضحة لا يجوز تفسيرها. إذا كان الوضوح يشمل الوضوح اللفظ والإرادة معا ، وكل تفسير أو تأويل لها من جانب القاضي ، ولو مع مبرر ات العدالة ، يعد تحريفا للعقد ، حتى ولو كان حكم القاضي مسببا تسبيبا مقنعا ، ويخضع بالتالي لرقابـة جهة النقض .
إلا أنه قد يحدث وأن تكون العبارة واضحة ، لكنها غامضة بالنسبة إلى دلالتها بلفظ لا يستقيم في هذا المعنـى لا على ما قصدته إرادة المتعاقدين ، أي أن الوضوح في العقد يقتصر في هذه الحالة على اللفظ دون أن يظهر في الإرادة .
وبعبارة أخرى أن المتعاقدان أساءا استعمال اللفظ السليم والتعبير، فقصد الصحيح عن ما يريدانه وهو واضح معنى آخر من أجل الوقوف على النية المشتركة للمتعاقدين فإن مهمة القاضـي فـي التفـسير لا تقتصر على وضوح اللفظ فقط ، فعبارات العقد قد تحيد أو تجانب صواب الإرادة المشتركة لطرفي العقد .
فالترجيح هنا يكون للإرادة بالدرجة الأولى ، على الرأي الغالب فـي الفقـه والقضاء الوضعي.
فللقاضي أن يترك المعنى الظاهر الذي تدل عليه عبارة العقد إلى معنى آخر يصل إليه. عن طريق التفسير ويراه أكثر اتفاقا مع إرادة المتعاقدين . وتفسيره اللفظ الواضح في هـذه الحالة لا يعد انحرافا للعقد عن معناه الظاهر. إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان .
فالعبرة هي بوضوح الإرادة لا اللفظ ، كما تقول محكمة النقض المصرية في العديـد من أحكامها . أي أن وضوح العقد أو غموض يقـاس بوضـوح أو بغمـوض إرادة الطرفين المشتركة وليس بوضوح أو غموض عبارة العقد . إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر تعبيرا صحيحا وصادقا عن ما تقصده الإرادة ، وإن البحث في مدى التطابق بين اللفظ و الإرادة يكون بالرجوع إلى باقي بنود العقد .
المطلب الثاني : سلطة القاضي في تفسير عبارات العقد غير الواضحة :
يعطي المشرع للقاضي سلطة أوسع في التدخل لتفسير عبارات العقد. وهو الأمر الذي لم يثر جدلا كبيرا لدى الفقه والقضاء بخلاف ما أثير بشأن تفسير العبارات الواضحة. وربما يعود السبب إلى تباين مواقف الفقه والقضاء ، وليس التشريعات، من مسألة الأخذ بالإرادة الظاهرة أو الإرادة الباطنة على النحو الذي سبق عرضه.
ويأخذ عدم الوضوح صورتين : صورة عدم وضوح العقد والإرادة معا، وهو ما يعبر عنه بالغموض، وصورة ابهام العقدوالعجزعن تحديد إرادة أطرافه وفهم مضمونه، وهو ما يعبر عنه بالشك.
وفي كلتا الحالتين تكون للقاضي الحرية في استجلاء النية المشتركة للمتعاقدين. الغموض قد يتمكن القاضي من باللجوء إلى استعمال بعض الوسائل المادية، وأيضا وسائل الإثبات في بعض الأحيان، دون إهمال الجوانب الشخصية للمتعاقدين.
الفرع الأول : حالة غموض العبارة :
جاء في الفقرة الثانية من المادة 111 من التقنين المدني الجزائري أنه :
{... أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النيـة المـشتركة للمتعاقـدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ، مع الإستهداء في ذلك بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة و ثقة بين المتعاقدين ، وفقا للعــرف الجاري في المعاملات }.
فإذا كانت عبارة العقد غير واضحة ، أي يكتنفها الغموض ، فإنها تصبح في حاجـة إلى استجلاء معانيها عن طريق التفسير ، ويستطيع القاضي بواسطته أن يزيل هذا الغموض لكي يهتدي إلى الإرادة المشتركة للمتعاقدين .
إذا كانت عبارة العقد غير واضحة أو مبهم ، بحيث تحتمل ، في جزئيتها أو فـي جملتها، أكثر من معنى تعين الالتجاء للتفسير . فالعبارة تكون غير واضحة إذا كانـت فـي مجموعة العقد تعطي أكثر من معنى ، بحيث لا تعبر بوضوح عن حقيقة الإرادة.
ويجب أن تفهم عبارة العقد على أنها مجموع عبارات العقد. أي نصوصه في مجملهـا ولـيس عبـارة أو جملة معينة كما سبق. و أن قدمنا فإن العبارة الواضحة قد تكون محلا للتفسير إذا وجدد مبرر لذلك ،
مع أن التفسير في الأصل لا محل إلا بصدد غموض ا لعقد كله أو جزء منه . أو كان أساسه عبارة غامضة بداءة لا توضح المقصود منها ، ومن باب أولى إذا توافر هذا المبـرر مـن العبارات الغامضة . فعلى محكمة الموضوع أن تبحث بكل الطرق عـن النيـة المـشتركة للمتعاقدين. إذا لم تكن واضحة من عبارتهما ولا تعبر عن حقيقة الإرادة .
الفرع الثاني : حالة قيام الشك في حقيقة معنى العبارة الغامضة :
يكون القاضي في حالة شك من حقيقة المعنى المقصود إذا كانت العبارات الغامـضة تحتمل أكثر من معنى واحد. ولم تقدر وسائل التفسير في استجلاء المعنى الذي قـصد إليـه العاقدان ، ولم يتوصل القاضي إلى ترجيح معنى على آخر بالرغم من بحثـه. عـن الإرادة المشتركة بشتى وسائل التفسير المختلفة .
فالفرض في الحالة التي نعالجها أن تحتمل العبارة الغامضة أكثر من معنى . ويظل القاضي في شك من حقيقة المعنى المقـصود ، لأن لكـل معنى وجه ينهض به ، وأنه لا وجه لترجيح معنى على آخر.
هذه الحالة ، أي حالة الشك في فهم مدلول العبارات الغامضة ، وضع المشرع الجزائري قاعدة احتياطية من أجل إزالة الغموض الذي انتاب إرادة الطرفين ، وذلـك فـي الفقرة الأولى من المادة 112 مدني تقضي بأنه : " يؤول الشك في مصلحة المدين " .
ويفهم من ذلك أن قواعد تفسير العبارات الغامضة قد تنهي. إلى استخلاص ما قـصدته الإرادة المشتركة بشكل قاطع يطمئن إليه القاضي . وفي هذه الحالة يطبق القاضي المعنـى الذي انتهى إليه سواء كان نافعا أو ضارا بالمدين .
خاتمة :
لأن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني ، ولأن توافق الإرادتين يقتضي أن تكون كل من الإرادتين معبرا عنها ، وأن تكون إحداهما مطابقة للأخرى ، فـإن مـضمون العقد يحدده مجموع العبارات التي يتألف منها كلا التعبيرين المتطابقين ، وهي العبارات التي تدل على إرادة العاقدين المشتركة ، ولذلك كان لابد في تحديد مضمون العقد من تفهم مد لول العبارات التي عبر بها الطرفان عن إرادتيهما المتطابقتين وتحصيل معناها ، وهذا ما يسمى " تفسير العقد " .
ويدخل موضوع التفسير في صميم سلطة محكمة الموضوع دون رقابـة عليهـا مـن محكمة النقض. طالما كان استخلاصها نية العاقدين المشتركة بيقين عبارات العقد وظروفـه وملابساته. استخلاصا سائغا مستندا إلى أصل ثابت في الأوراق وليس في خروج علـى مـا تحتمله عباراته ، ولا سلطان لمحكمة النقض عليها مادامت تلك العبارات والشروط تحتمـل المعنى الذي حصلته .
و كخلاصة لتحليل المادة 111 من القانون المدني يمكن القول. بأن تفسير العقد هو عملية فنية يقوم بها القاضي من أجل تحديد ما انصرفت إليه الإرادة المتعاقدين، بسبب ما اعترى العقد من غموض، و هذا من خلال الوقوف على الإرادة المشتركة للمتعاقدين مستهديا بالعوامل الداخلية والخارجية، و عليه يمكن استخلاص النتائج التالية :
إذا كانت عبارات العقد واضحة، فإنه لا يجوز للقاضي تأويلها بغية التعرف على إرادة المتعاقدين، و لكن هذا لا يعني أن القاضي لا يملك سلطة تفسير عبارات الواضحة. خاصة إذا أثبت أن عبارات العقد لا تدل على مدلولها الحقيقي.
أما إذا كانت عبارات العقد غامضة، فإنه يجب الوقوف على النية المشتركة للمتعاقدين. من خلال الوقائع و ظروف إبرام العقد، دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ و العبارات.
كما أقر المشرع الجزائري قاعدة مهمة في التفسير. من أجل حماية الطرف الضعيف و هي تفسير الشك لمصلحة الطرف المذعن. و هذا من أجل حماية الطرف الضعيف في الرابطة العقدية.
قائمة المراجع :
أولا القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975. المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم .
ثانيا الكتب :
1- خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري. الجزء الأول: مصادر الإلتزام، الطبعة الثانية ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
2- زكريا سرايش الوجيز في مصادر الإلتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر، 2013.
3- على فيلالي الالتزامات النظرية العامة للعقد موفم للنشر - الجزائر - الطبعة الثالثة - 2013.
4- بلحاج العربي النظرية العامة الالتزام في القانون المدني الجزائري الجزء الأول . ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر - طبعة 2008.
5- علي علي سليمان - النظرية العامة الالتزامات مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري . ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر -2015.
6- محمد صبري السعدي الواضح في شرح القانون المدني النظرية العامة للالتزامات. العقد والإرادة المنفردة - دار الهدى - عين مليلة الجزائر -2012.
7- أحمد سليمان شهيب السعداوي - جواد كاظم جواد سمسم مصادر الإلتزام. مكتبة زين الحقوقية والأدبية بيروت لبنان - الطبعة الأولى -2015.
8- بودالي محمد - الشروط التعسفية في العقود في القانون المدني الجزائري - دار هومة للنشر والتوزيع - الجزائر -2007.
9- أحسن زقور - المقارنة بين فقه المعاملات المالكي والقانون المدني الجزائري -منشورات دار الأديب - وهران الجزائر.
10- أمجد محمد منصور النظرية العامة للإلتزامات. مكتبة الوفاء القانونية الإسكندرية مصر الطبعة الأولى - الإصدار الخامس - 2009.