بحث حول حجية الاثبات بالمحررات
وفق القانون المدني الجزائري
المبحـث الأول حجيـة المحـرر الرسمـي فـي الإثبـات
المطلـب الاول ماهيـة المحـرر الرسمـي
المطلـب الثاني حجيـة المحـرر الرسمـي من حيـث الأشخاص
المطلـب الثالث : حجيـة صـور المحـرر الرسمـي
المبحـث الثانـي : حجيـة المحـرر العرفـي فـي الإثبـات
المطلـب الاول : حجيـة المحـرر العرفـي المعـد للإثبـات
المطلـب الثاني : حجيـة المحـرر العرفـي الغير معـد للإثبـات
المطلـب الثالث : إنتفـاء حجيـة المحـرر العرفـي فـي الإثبـات
المبحـث الثالـث : حجيـة الإثبـات بالكتابـة الإلكترونيـة
المطلـب الاول : الكتابـة الإلكترونيـة
المطلـب الثاني : شـروط حجيـة المحـرر الإلكترونـي المقـدمــــة :
إن الإثبـات بمعنـاه القانونـي هو إقامـة الدليـل أمـام القضـاء بالطـرق التي حـددها القانـون على وجـود واقعـة قانونيـة ترتبـت آثـارها ، فإثبـات الحـق هو إقامـة الحجـة عليـه ، فالحـق المجـرد عن الدليـل لا وجـود لـه ويعـدو عدمـا عنـد حصـول المنازعـة .
فالإثبـات من الناحيـة العمليـة أهميـة بالغـة و ذلك لإرتباطـه الوثيـق بقاعـدة عـدم جـواز إقتضـاء الشخـص حقـه بنفسـه ، فلما كان من المتعيـن على من يدعـي حقـا أن يلجـأ إلى القضـاء لتمكينـه من هذا الحـق و الإعتـراف له به ، فإن ذلك يقتضـي من صاحـب الحـق أن يقنـع القاضـي بوجـود الحـق الذي ينازعـه فيه غيـره و ذلك بإقامـة الدليـل على هذا الحـق.
و تحتـل قواعـد الإثبـات أهميـة بالغـة في فـروع القانـون كافـة فالمحكمـة ليس في وسعهـا أن تعايـن بنفسهـا واقعـة معينـة و تتعـرف على حقيقتهـا ، و من ثم عليها أن تستعيـن بوسائـل تعيـد أمامهـا روايـة و تفصيـل الواقعـة المذكـورة وهذه الوسائـل هي أدلـة الإثبـات .
وقد إحتلـت الكتابـة من بين الأدلـة القانونيـة منزلـة متقدمـة و تحديـدا في المسائـل المدنيـة و التصرفـات العقديـة و لذلك تعـد وسيلـة هامـة في مجـال الإثبـات فالتصـرف الذي يكون محـل كتابـة يكون مؤكـدا و ثابتـا على غـرار الشهـادة التي يمكن أن تـزول بالنسيـان مع مـر الزمـان ، فالكتابـة وجـدت للإحتفـاظ بالإلتزامـات والحقـوق التي تتضمنهـا .
و قد عـرف الإنسـان منذ العصـور القديمـة الكتابـة و تطـورت إلى أن وصلـت إلى ما وصلـت إليه اليوم ، فالمتمعـن في تاريخ الكتابـة يتبيـن بكل جـلاء أن الإرتبـاط بينهما و بين الورق ليس إرتباطـا عضويـا و أن الكتابـة بإعتبـارها ضرب من ضـروب الرمـوز المتفـق عليها في إيطـار إجتماعـي معيـن قد ظهـرت عدة قـرون قبل ظهـور الورق و إتخـذت لها عدة سنـدات ماديـة مثل جـدران الكهوف و الحجـارة و جلـود الحيوانات و خشـب الأشجـار ، و في خضـم هذا التطـور كان الورق أخر هذه المستنـدات إلا أن تطـوره و تدعيمـه بأساليـب الطباعـة جعـل من الفحـوى المتمثـل في الكتابـة يرتبـط إرتباطـا وثيقـا بشكلـه المادي الورقـي إلى درجـة التمازج و الإنصهـار و إلى درجـة أصبحـت فيها عبارتـا الكتـب أو الوثيقـة تحمـلان في طياتهـا معنـى ضمنيـا من أن الأمـر يتعلـق بكتـب ورقـي أو بوثيقـة ورقيـة .
أمـا الأدلـة الكتابيـة و هو ما يعنينـا في هذا المقـام ، فهي :
المحـررات الرسميـة .
المحـررات العاديـة العرفيـة .
و بعـد التطـور التكنولوجـي الذي سـاد في الفتـرة الأخيـرة ظهـور ما يسمـى بالمحررات الإلكترونيـة .
و مما لا شك فيـه أن الكتابـة و هي أقـوى طرق الإثبـات نظـرا لقوتهـا المطلقـة و أهمهـا حتى أصبحـت هي الأصل فـي الإثبـات و هذا ما أخـذت به مختلـف التشريعـات القانونيـة ، و من هنا تظهـر أهميـة هذا البحـث و ذلك للإبـراز دورهـا و حجيتهـا في إثبـات التصرفات المبرمـة بين الأفـراد و الإعتـداد بهـا و تحديـد درجتهـا حسب كل نـوع منهـا . المبحـــث الأول : حجيـة المحرر الرسمـي في الإثبــات
إن التصرف القانونـي قوامـه إتجاه الإرادة لإنتاج أثر قانونـي معين بصرف النظـر عن وسيلـة إثباتـه و الشكل الذي يفرغ فيـه ، و يقصد هنـا بالشكل الكتابـة وذلك لحفظ الإلتزامات و الحقوق التي تضمنهـا التصرف و تكون وسيلـة للإثباتـه أو الدليـل على قيامـه . فتصبح الكتابـة بذلك وسيلـة هامـة في مجال الإثبـات .
و لكن يجـب التمييـز بين الكتابـة التي تعتبـر ركنـا شكليـا في بعض التصرفات القانونيـة و كونهـا أداة للإثبـات ففي الحالـة الأولى تكون الكتابـة لازمـة للإنعقـاد بحيـث يؤدي تخلفهـا إلى عدم وجود التصرف أصلا لتخلف ركن من أركانـه لا يمكن أن يقوم بدونـه . أما بطـلان أداة الإثبـات لا يؤثـر في صحة التصرف القانونـي ، فلا بد قبل كل شيء إذن التطرق إلى القواعد التي تحكم تحرير المحرر الرسمي و كيفية إكتسابه للصفة الرسمية و لذلك سنتطرق من خلال هذا المبحـث إلى ماهيـة المحرر الرسمي للتعريف به و تحديـد شروطـه في المطلب الأول ثم إلى حجيته من حيث الأشخاص في المطلب الثانـي و إلى حجية صوره في المطلب الثالـث . المطلـب الأول : ماهيــة المحـرر الرسمـي
نصـت المـادة 324 من القانون المدنـي بعد تعديلهـا بموجب القانون رقم 88/14 المؤرخ في 1988.05.03 على أن " العقد الرسمي عقد يثبت فيه الموظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ، ما تم لديه أو تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا للأشكال القانونية ، و في حدود سلطته و إختصاصه " . و العقد يتم بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبيـر عن إرادتين متطابقتيـن ، بينما قبل التعديل المشرع إستعمل مصطلح الورقة الرسميـة و ما يلاحظ أن النص الفرنسـي للمادة 324 لم يتغيـر ACTE . و من تلاوة نص المـادة يتضح أن المشرع جعـل منـاط إكتسـاب المحرر للصفـة الرسميـة رهنـا بمجموعـة من الشروط يتحقـق بإجتماعهـا مصداقيـة و ثقـة في المحرر وما يتضمنـه من بيانـات و هي :
1 – أن يقـوم بكتابتـه موظف عام أو شخص مكلف بخدمـة عامـة .
2 – أن يراعـي فيـه الأوضاع التي قررهـا القانـون .
الفـرع الأول : صدوره من موظف عام في حدود سلطته و إختصاصه .
معنـى صدور المحرر من موظف عام أن ينسـب إليـه المحرر و لا يستلزم ذلك أن يكتـب المحرر بيد الموظف ، و هو الشخص الذي تعينـه الدولـة للقيـام بعمـل من أعمالهـا سواء بأجـر أو بغيـر أجـر و بصفـة دائمـة أو مؤقتـة ، و يتنوع هؤولاء الأشخاص تبعـا لما يقومون بـه من أعمـال و بإختلاف الأوراق التي يحررونهـا و حسـب إختصاصهم .
فالموثـق يتولـى تحريـر التصرفات المبرمـة بين الأفـراد و القاضـي موظف فيما يخص الأحكام التي يحررها و أمين الضبط موظف فيما يخص محاضر الجلسات ... إلخ .
و وفـقا للقانون 06/02 المؤرخ في 2006.02.20 و المتضمن قانون تنظيم مهنة الموثق يعتبر الموثق ضابط عمومـي .
أما الموظف فقد عرفتـه المادة 04 من الأمر المؤرخ في 2006.07.15 و المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العموميـة " كل عون معين في وظيفة عمومية دائمة و رسم في رتبة في السلم الإداري " .
وليس ضروريـا أن يكون من يتولى تحرير المحـرر موظف أو ضابط عمومي بل يمكن أن يكون مكلف بخدمة عامة كما نصت على ذلك المادة 324 من القانون المدنـي . فيتسع بذلك نطاق شمول تلك المادة إلى ما أبعد من الموظـف العادي حسب مفهوم القانـون الإداري (1).
فنظرا لأهميـة الأعمال المكلفون بأدائهـا أضفـت على أوراقهـم التي يحررونهـا صفـة الرسميـة مثل الخبراء ، و لكن الذي يهمنـا في دراستنـا هو إثبات التصرفات القانونيـة المبرمـة بين الأفراد ذوي الشأن من قبل الضابط العمومي و هي من إختصاص الموثـق .
و المحرر الرسمي يشمل ما كان محررا و موقعـا بمعرفـة الموظف العام المختـص و تطبيقـا لنص المادة 324 فإن المحرر الرسمي إذن يحرر في حدود إختصاص و سلطة الموظـف العام ، و معنى أن تكون في حدود سلطتـه هي أن تكون له الولايـة في تحريرهـا و يقصـد بالولايـة هنـا هي التي خولهـا القانون لهذا الموظـف فإذا كان قد عزل أو أوقـف عن عملـه أو نقـل إلى جهـة أخـرى فلا مجـال لأعمـال الولايـة ، لأنـه يفقـد بذلك سلطتـه .
و الواقـع أن هذه الحالـة لا تتعلـق بشـرط صـدور المحـرر عن موظف عام و إنمـا بشرط أن تكون للموظف العام سلطـة إصـدار المحـرر ، ذلك أن الوقـف أو النقـل لا ينفـي صفـة الموظف العام و إنما ينفي سلطتـه في إصـدار المحـرر أو إختصاصـه بإصداره (2) .
____________________
(1) الأستاذ يحي بكـوش - أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامـي . دراسـة مقارنـة نظريـة و تطبيقيـة – المؤسسة الوطنية للكتـاب الطبعة الثانيـة ص 94 .
(2) الدكتور رمضـان أبو السعـود - أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية . الدليل الكتابـي - الدار الجامعية 1994 ص 42 .
و من ناحيـة أخـرى ألا يكون بالموظـف الذي صدر منه المحـرر مانـع شخصـي يجعلـه غير صالح لإصـداره ، كما يستلـزم كذلك أن يكون الموظـف أو الضابط العمومي أو المكلف بخدمة مختصـا سواء من الناحيـة النوعيـة أو من الناحيـة المكانيـة .
و الإختصاص من الناحيـة المكانيـة يتحدد بمكـان تواجد مقر عمـل الموظف و لا يتعـداه إلى إختصاص جهـة أخرى ، غير أن الإختصاص المكانـي إنما يقيـد فيه الموظفون العامون وحدهم ، بحيث لا يجوز لهم القيام بنشاط خارج دائـرة إختصاصهم ، أما ذوو الحاجات الذين يطلبون توثيـق أوراقهم فهم غير مقيديـن بدائـرة إختصاص معينـة (1) .
فالإختصاص المكانـي إذن يقيـد شخص الموثـق لا أصحاب الشأن الذين لهم الحق في أن يطلبوا من أي مكتب توثيـق أن يقوم بتوثيـق محرراتهم ، و الأصل أن يكون التوثيـق في مكتب التوثيق بالذات و في مواعيـد العمل الرسميـة ، إلا أنه إذا كان أحد أصحاب الشأن في حالـة لا تسمـح له بالحضـور إلى المكتب يحق للموثـق أن ينتقـل على أن يثبـت ذلك في العقـد .
أما الإختصاص من الناحيـة النوعيـة و حسـب ما جاءت به المادة 324 من القانون المدنـي فإنه يجب عليـه أن يحرر الوثيقـة في حدود صلاحياتـه الموضوعيـة ، فإذا تجـاوز تلك الصلاحيـة إنتزعـت الصبغـة الرسميـة عن الورقـة و لم تعـد لهـا حجيـة السنـد الرسمـي . فيجـب إذن عليـه الإلتـزام بحدود الصلاحيـات الوظيفيـة المقررة لوظيفتـه و يتحدد نطـاق الإختصاص النوعـي لكل وظيفـة بالنظر للقانون الموضوعـي المنظم لصلاحيات الوظيفـة ، و هذا كلـه لتجنـب التنازع بين مختلـف المصالح .
فكل تصرف قانونـي يقضـي القانون بضرورة توثيقـه ، كان الموثـق مختصـا نوعيـا بتوثيقـه و كذلك إذا إتفـق الأطـراف على إثبـات أي تصرف لم يشترط القانون فيـه الرسميـة ، كان الموثـق أيضـا مختصـا بتوثيقهـا .أما إذا قام بتوثيـق محرر لا يدخـل في إختصاصـه فلا يكون المحرر رسميـا و كذلك أيضـا إذا أثبـت في المحرر بيانـا لا تقتضيـه طبيعتـه فإن هذا البيـان لا تكون لـه ذات الحجيـة الرسميـة للبيانات التي إقتضتهـا طبيعـة المحـرر (2)
__________________
(1)الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص96 .
(2) الدكتـور رمضـان أبو السعـود ـ المرجع السابـق ـ ص 56 .
الفـرع الثانـي : مراعــاة الأوضـاع القانونيــة المتطلبــة
أولا / نصـت المادة 324 من القانون المدنـي على أن يكون " ذلك طبقـا للأشكـال القانونيـة " فالقانون يقـرر لكل نـوع من المحـررات الرسميـة أشكـالا معينـة يجـب على الموظف المختص مراعاتهـا عند تحريـر هذا المحـرر حتى يتسـم بالصفـة الرسميـة(1) .
و هذه الشكليـات هي التي تسمـح بتفسيـر قرينـة الرسميـة التي تتمتـع بهـا هذه الأوراق لأنهـا تضفـي عليهـا ظاهـرا يدل على صحتهـا و يوحـي بالثقـة فيهـا و الإطمئنـان إليهـا . وهنـا يجـب التمييـز بين الأوضـاع و الإجراءات الجوهريـة و هذه هي التي يترتـب على تخلفهـا بطـلان المحـرر و بين الأوضاع و الإجراءات الغير جوهريـة و التي لا يترتـب على تخلفها البطلان .
و لما كان تحريـر الأوراق الرسميـة أو العقـود الرسميـة يقوم بهـا في أغلـب الأحيـان الموثقـون سنتناول و لتبيان الإجراءات الجوهريـة التي يؤدي تخلفهـا إلى بطلان المحـرر و عدم إضفـاء الصبغـة الرسميـة عليـه إلى الأوضـاع و القواعـد الإجرائيـة التي جاء بهـا القانون فيما يخص ذلك .
و هنـا تقتضـي الحالـة أن نقسـم هذه الأوضاع إلى 03 مراحل أساسيـة لتوثيـق الورقـة الرسميـة و هـي :
1- مرحلــة ما قبـل التحريـر .
2-مرحلــة التحريـر .
3- مرحلــة ما بعـد التحريـر .
1- مرحلــة ما قبـل التحريـر :
أولا يجـب على الموثـق أن يتأكـد من أن الخدمـات التي طلبهـا منـه المتعاقديـن لا تخالـف القانون و الأنظمـة المعمـول بهـا ، و إن تبيـن له ذلك يستوجـب عليـه الأمر برفـض توثيـق ذلك التصرف القانونـي . ثم بعـدها يتأكـد من شخصيـة المتعاقديـن إما بمستنـد رسمي ( شهادة ميلاد ، بطاقة تعريف وطنية ، جواز سفر، أو أي مستند له قوة ثبوتية ) و إلا يتأكـد من ذلك بشهادة شاهديـن بالغيـن تحت مسؤوليتهمـا . و هذا كله ليتأكـد من الأهليـة و البلوغ و العقـل .
___________________
(1)محاضـرات الأستـاذ ملـزي عبد الرحمان ـ طـرق الإثبات في المواد المدنيـة ـ المدرسة العليـا للقضـاء ، ملقــاة على الطلبـة القضاة الدفـعة السادسـة عشرة (16) .
ثم يتأكـد من صحـة و جديـة الوقائـع و من رضـاء المتعاقديـن و يعلمهم بما عليهم من إلتزامات و مالهم من حقـوق و الوسائـل التي يمنحهـا القانون لضمـان تنفيـذ إرادتهـم .
2- مرحلــة التحريـر :
هنـا الموثـق يقوم بتحريـر الورقة الرسميـة مراعيـا في ذلك البيانات التي يجب أن تتضمنهـا الورقـة لتكتسـب صفـة الرسميـة و هي نوعـان ، بيانات متعلقـة بموضوع الورقة و بيانات عامة .
أولا / بيانات تتعلـق بموضـوع الورقـة ، و المقصـود هنـا بموضوع التصرف القانونـي المراد توثيقـه كالبيـع أو الوكالـة مثلا ، فيذكر فيهـا ثمن البيـع ، الشروط الجزائيـة في حالـة عدم التنفيذ إلى غير ذلك من معلومات خاصـة (1)
ثانيـا / بيانـات عامـة ، و هي بيانات تشتمل عليهـا كافـة المحررات الرسميـة ما لم ينص التشريع المعمول به خلاف ذلك ، و من بينهـا :
1-إسم و لقب الموثـق الذي يحررهـا و مكان و مقر إقامتـه الهنيـة .
2-إسم و لقب و صفة و مسكن وتاريخ و محل ولادة الأطراف .
3 السنة و الشهر و اليوم و المحل الذي أبرمـت فيه العقود .
4-أسمـاء الشهـود .
في حالـة التعاقـد بالوكالات ذكرهـا و تبقـى ملحقـة بالأصل .
و يجـب أن يكون المحرر مكتوبـا باللغـة العربيـة في نص واحـد ، واضح تسهل قراءتـه و بدون إختصـار أو بيـاض أو نقـص ( فـراغ ) أو كتابـة بين الأسطـر و تكتـب المبالـغ و السنـة و الشهـر و يـوم الوقائـع على العقـد بالحروف و يصادق على الإحالات أي التخريجـات في الهامـش أو إلى أسفـل الصفحـات و على عدد الكلمـات المشطوبـة في العقد بالتوقيـع بالأحرف من قبل كل الأطراف و الشهود و الموثـق المادة 18 من قانون التوثيـق .
و إذا أصبحت الورقـة أو العقـد جاهـزا و قبل التوقيـع عليـه وجـب على الموثـق تلاوتـه على الأطراف و الشهود مع تبيـان النصوص المتعلقـة بالضرائـب و التشريع الخاص المعمول بـه و أن يذكـر هذه القراءة في صلـب المحرر ثم يوقـع عليـه الأطراف جميعـا مع ترقيـم الصفحـات2.
____________________
(1) المـادة 324 مكرر4 " يبين الضابط العمومي في العقود الناقلة أو المعلنة عن ملكية عقارية ، طبيعة و حالات و مضمون، و حدود العقارات و أسماء المالكين السابقيـن ، و عند الإمكان صفة و تاريـخ التحويـلات المتتاليـة " .
(2) المـادة 324 مكرر 2 من القانون المدنـي .
3- مرحلــة ما بعـد التحريـر :
فـي الأخير يقوم الأطراف بدفـع الرسـوم المستحقـة عنهـا .
و يجـب أن نميـز بيـن نوعيـن من العقـود يحررهـا الموثـق فهنـاك عقـود يحتفـظ بأصلهـا و تسمـى أصولا ( BREVET ) حيـث يسلـم منهـا صورا تنفيذيـة أو نسـخ و هنـاك عقـود لا يحتفـظ بأصلهـا و هي عـادة تكـون أقـل أهميـة كالمخالصـات و الوكالات فمبجرد أن ينتهـي من تحريرهـا يسلمهـا مباشـرة للأطـراف دون الإحتفـاظ بأصلهـا .
و إن كان من الناحيـة العمليـة أن الموثـق يحتفـظ بكل الأصول ، لا سيما بعـد إنتشـار أساليـب و طـرق التزويـر المتطـورة (1) .
و هناك طائفـة أخرى من العقـود التي لا يشـارك الموثـق في تحريرهـا بل يتسلمهـا للإيـداع و الإحتفـاظ بهـا كالوصايـا المكتوبـة بخط يـد الأفـراد .
الموثـق و كعمليـة أخيرة بعد أن يحتفـظ بالأصول و يسلم النسـخ لذوي الشـأن يرسل صور منها إلى مصلحـة التسجيـل لحفظهـا خاصة إذا تعلـق موضوع العقـد بنقـل الملكيـة أو الحقـوق العينيـة العقاريـة .
و نظـرا للأهميـة العقـود الرسميـة و قوتهـا الثبوتيـة ، منـح القانـون للموثـق إضفـاء الصيغـة التنفيذيـة عليـه و الصورة التنفيذيـة أو LA GROSSE هي صورة أولـى من العقـد تلبـس بصيغـة التنفيـذ ولا تسلـم إلا صـورة واحـدة منـه ، و في حالـة ضياعهـا لا تسلـم نسخـة ثانيـة منهـا إلا بأمـر من رئيـس المحكمـة .
ثانيــا / كمـا رأينـا سابقـا فإن صـدور المحـرر من شخـص لا تتوافـر فيـه صفـة الموظـف أو ضابط عمومـي أو مكلف بخدمـة عامة أو في غير حـدود سلطتـه و إختصاصـه يؤدي إلى بطلان المحـرر و فقدانـه الصفـة الرسميـة .
و ما تجدر ملاحظتـه أنه يجب التفرقـة بين العقـود التي تود الأطـراف المتعاقـدة إعطاءهـا الصفـة الرسميـة و العقـود التي يشترط فيهـا القانـون الصفة الرسميـة ( الشكلية ) ففي النوع الأول من العقود إذا كانت الورقـة باطلـة لا يكون بالضرورة التصرف القانونـي ( ما إتفق عليه المتعاقدين ) باطـلا ، بل يجوز إثباتـه بغير الكتابـة . أما النوع الثانـي من العقـود التي تعتبـر فيهـا الصفـة الرسميـة ركنـا لإنعقادهـا فإذا قضـي ببطلانهـا بطـل التصـرف ذاتـه .
____________________
(1) الأستـاذ ميـدي أحمـد ـ الكتابـة الرسميـة كدليل إثبـات في القانـون المدنـي الجزائـري ـ دار هومـة الطبعـة الأولـى 2005 ص 40 .
و القاعدة أن بطلان المحـرر الرسمـي يؤدي إلى بطلانـه في كافة أجزائـه ، فالبطلان لا يتجزأ و بالتالي إذا لم يوقع أحد أصحاب الشأن أو الشهود أو الموثـق مثلا على المحـرر بطـل المحرر كله و لكن قد يكون المحـرر الذي تم توثيقـه رسميـا متوافـرا فيه ظاهريـا الشروط التي يتطلبهـا القانون لصحتـه ثم يطعـن من بعد في بعض البيـانات الواردة في هذا المحـرر بالتزوير و يثبـت تزويرهـا فما هي آثـار ذلك على التصرف القانونـي ؟
إن الفقـه غالبـا يميـز بين الإجراءات الجوهريـة التي يؤدي عدم مراعاتهـا إلى بطلان المحرر بوصفـه محررا رسميـا و الإجراءات الغير جوهريـة و هي التي لا يؤدي عدم مراعاتهـا إلى البطـلان .
و مثال الأوضاع الجوهريـة : البيانـات العامـة الواجـب ذكرهـا كالتاريخ و أسماء ذوي الشـأن و إسم الموثق و الشـهـود و التوقيعـات التي يتطلبهـا القانون ويعتبـر من الأوضاع الغير جوهريـة ترقيـم الصفحـات بالإضافـة إلى التحشيـر و الكشـط .
و في هذه الأحوال فإن بطلان المحرر الرسمي لا يؤدي إلى بطـلان التصرف القانونـي الذي إشتمل عليه فيبقى صحيحـا و يجوز إثباتـه طبقـا للقواعد العامـة و قد يتحول إلى محرر عرفـي إذا إستوفـى الشروط المطلوبـة لذلك .
و مهمـا يكـن من أمـر الفقـه في هذه المسألـة فإن المشرع الجزائـري أخـذ بقاعـدة تحـول المحرر الرسمـي إلى محرر عرفـي ، حيـث جاء في نص المـادة 326 مكرر 2 من القانون المدنـي " يعتبـر العقـد غير رسمـي بسبـب عدم كفاءة أو أهليـة الضابط العمومي أو إنعـدام الشكل كمحرر عرفـي إذا كان موقعـا من قبـل الأطراف " .
موقــف القضــاء : صدر قرار عن المحكمة العليا مؤرخ في 1990.10.21 ملف رقم 68467 جاء فيه ما يلي : " من المقرر قانونـا أنه يشترط في العقد الرسمي أن يكون محررا أمام الموثـق ، محتوى على أصل الملكية مكرس لإتفاق الطرفين ـ محدد المحل ـ معاين لتسديد المبلغ أمام الموثـق ، مسجل و منشور لدى مصالح الشهر العقاري . و من المقرر أيضا أن اللفيف هو عقد عرفـي يحرر أمام الموثـق يثبـت فيه تصريحات الأطراف و الشهود فقط .
و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأيـن منعدم الأساس القانونـي .
و لما كان من الثابت في قضية الحال أن كلا من العقدين المقدمين للمحكمة عرفييـن و من ثم فإن قضاة الموضوع بأخذهم باللفيف و إعتباره عقد رسمي دون توفـره على الشروط المنصوص عليها قانونـا خرقوا القانـون ".
و يلاحظ أن المحـرر الرسمي الباطـل يحمل تاريخـا أثبتـه الموثـق ، فهل إذا تحول هذا المحرر إلى محرر عرفـي ، يعد محررا عرفيـا ثابت التاريـخ ؟ الواقع أن بطـلان المحـرر هنا يمتـد إلى كل ما قـام به
الموثـق من أعمال و منها ذكره لتاريـخ التحريـر ، و بالتالي يعد المحرر هنا محررا عرفيـا بسيطـا بغير تاريخ ثابـت ، و لا يصبـح لهذه الورقـة تاريخ ثابـت إلا بإحدى الطرق المنصوص عليهـا قانونـا . المطلـب الثانـي : حجيـة المحـرر الرسمـي من حيـث الأشخاص .
إن الحجيـة مفترضـة في الورقـة الرسميـة متى كان مظهرهـا الخارجـي سليمـا و لا ينبىء أنهـا غير ذلك و لا يلزم من يتمسـك بهـا أن يقيـم الدليـل على صحتهـا و هذا وفقـا لما جاءت بـه المـواد 324 مكرر 5 و 324 مكرر 7 .
المادة 324 مكرر 5 " يعتبـر ما ورد في العقـد الرسمـي حجـة حتى يثبـت تزويـره . و يعتبـر نافـذا في كامل التـراب الوطنـي " .
المادة 324 مكرر 7 " يعتبـر العقـد الرسمـي حجـة بين الأطراف حتى و لو لم يعبـر فيـه إلا ببيانـات على سبيـل الإشارة ، شريطـة أن يكون لذلك علاقـة مباشرة مع الإجراء .
و لا يمكن إستعمال البيانـات التي ليست لهـا صلـة بالإجـراء سوى كبدايـة للثبـوت " .
ويتضـح من ذلك أن المشرع وضـع قرينـة قانونيـة على سلامـة المحرر الرسمـي من الناحيـة الماديـة و من حيـث صدوره من الأشخاص الذين و قعـوا عليـه متى توافرت لـه شروطـه المطلوبـة و كان مظهره الخارجـي ناطقـا برسميتـه (1) .
وعلى هذا يمكن القـول إذن بأن المحـرر الرسمي حجـة على الناس كافـة ما لم يطعـن فيه بالتزويـر كما جاءت بـه المادة 14 من قانون التوثيـق المؤرخ في 1970.12.15 التي تنص " يعتبـر ما ورد في العقـود الموثقـة حجـة ما لم يثبـت تزويرهـا " .
و للمحـرر الرسمي حجيـة فيمـا بين الأطراف ذوي الشأن الذين أبرمـوا التصرف القانونـي و التي حددت في مضمونهـا إلتزامات و حقـوق كل طرف متعاقـد و حجيتهـا بالنسبـة للغيـر ( الذي ليس طرف في العقـد ) و هذا ما سنتناولـه فـي الفروع التاليـة . الفـرع الأول : حجيتـه فيمـا بين طرفيـن العقـد
نصـت على ذلك المادة 324 مكرر 6 من القانون المدنـي الفقرة الأولى منهـا و التي نقلهـا المشرع عن نص المادة 1319 قانون مدنـي فرنسـي " يعتبـر العقـد الرسمـي حجـة لمحتـوى الإتفـاق المبـرم بين الأطراف المتعاقـدة و ورثتهـم و ذوي الشـأن " .
__________________
(1)محاضـرات الأستـاذ ملـزي عبد الرحمان ـ المرجع السابـق ـ .
فمتى كانت المظاهر الخارجيـة للمحرر تنبـىء أنه محرر رسمي ، إعتبر كذلك إلى أن يثبـت ذو المصلحـة أنه ليس له صفة الرسمية لبطلانـه أو لتزويـره . و بذلك يكون له حجة بسلامته المادية و بصدوره ممن صدرت منه دون حاجـة إلى الإقـرار به من قبلهم . و يجـب التفرقـة بين الوقائـع التي حدثـت تحت سمـع و بصـر الضابط العمومي ( الموثـق ) و أثبتهـا في المحـرر الرسمي و التي تكتسـي حجيـة مطلقـة و لا يكون لصاحـب المصلحـة الذي يدعـي غير ذلك أن يطعـن فيهـا إلا بالتزويـر وبين الوقائـع التي ينقلهـا عن الأطراف و التي يمكن الطعـن فيهـا بإثبـات عكسهـا دون الطعـن في المحـرر في حد ذاتـه . فالمحرر الرسمـي يتضمـن نوعيـن من البيانـات ، الأولـى ما يثبتـه الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة في حدود مهمتـه أو التي تصدر عن ذوي الشأن في حضوره و يثبتهـا الموظف بناءا على معرفتـه أو مشاهدتـه أو سماعـه شخصيـا و الثانيـة هو ما يثبتـه الموظـف بناء على ما يقره الأطراف فتقتصـر مهمتـه على إثبـات ما يصـدر عنهـم فقط .
أيـا كان نصيبـه من الحقيقـة فالنوع الأول من البيانـات يرتبـط بمهمـة الموظف و بالثقـة التي أولاهـا لـه القانون و تلك هي التي تضفـي على المحرر صفـة الرسميـة أما النوع الثانـي فتقتصـر مهمـة الموظـف بشأنـه على تلقيـه من ذوي الشأن(1) .
أولا / البيـانـات الصادرة عن الموظـف نفسـه أو من ذوي الشأن في حضوره :
و تشمـل البيانـات التي يثبتهـا الموظف العام تطبيقـا لواجبات وظيفتـه أو تحقـق منهـا بنفسـه في حدود مهمتـه مثل توقيعـه على المحـرر أو التاريخ الذي يدونـه على المحرر و إثباتـه حضور الأطراف و الشهود وتوقيعهم أمامـه ، و غير ذلك من الإجراءات المتعلقـة بإتمـام الإجراءات التي يتطلبهـا القانـون .
فكل هذه البيـانات المدونـة في المحـرر الرسمي يفترض أنهـا صحيحـة بالنظـر لمكانـة و أمانـة الضابط العمومي في نظر المشرع و جعـل لهـا طريقـا معقـدا لدحضهـا و هو طريـق الطعـن بالتزويـر كذلك بالنسبـة للبيانات المتعلقـة بأمـور وقعـت من ذوي الشأن في حضور الموظف ، فيثبـت ما جرى تحـت سمعـه و بصـره من ما صدر منهم كواقعـة تسليـم المشتـري للبائـع ثمـن المبيـع و حيـازة المشتري الشيء المبيـع ، و يترتـب على ذلك أن من يتمسـك بالمحرر الرسمـي لا ينتظـر من خصمـه أن يعتـرف بتوقيعـه عليهـا . لأن الموظف العام الذي يتولـى صياغـة المحرر الرسمـي هو في نظر المشرع يعتبـر بمثابـة ( شاهـد ممتـاز ) تتميـز شهادتـه بقيمـة إستثنائيـة .
____________________
(1) الدكتـور رمضـان أبو السعـود ـ المرجع السابـق ـ ص 88 .
و ليس أمام من تحتم عليه الطعن بالتزويـر إلا سلوك هذا الطريـق ، فليس له أن يستجوب خصمه تمهيدا للحصول على إقـرار منه ، و لا أن يوجـه له اليمين الحاسمـة و لا أن يطلـب إحالة الدعوى على التحقيـق بغير الطريـق المرسوم للطعن بالتزويـر .(1)
هذا و يشتـرط أن تكون البيانات التي يؤكدهـا الموظف و التي تعتبـر حجيتهـا قائمـة إلى أن يطعـن فيهـا بالتزويـر داخلـة في إختصـاص الموظف العام الذي قام بتحريـر المحـرر الرسمي و في إطـار مهمتـه ، فإذا خرجـت هذه البيانـات عن ذلك النطـاق أمكن إثبـات ما يخالفهـا بوسائـل الإثبـات المختلفـة . كما يجـب أن تكون تلك البيانات متعلقـة بصلـب العقـد و مرتبطـة بـه إرتباطـا و ثيقـا بحيـث لا يمكن أن يقـوم العقـد بدونهـا .
إلا أن تقديـر ما إذا كانت البيانـات من صلب العقـد أو غير ذلك هي من الوقائـع التي يستقـل القضـاة بتقديرهـا و لا رقابـة عليهم فيهـا (2) .
ثانيــا / البيـانـات الصـادرة من ذوي الشـأن :
أمـا النوع الثانـي من البيانات التي يدونهـا الموظف العام أو المكلف بخدمـة في المحرر الرسمـي هي الإقرارات أو البيانـات التي يدلـي بهـا ذوو الشـأن إليـه عن أمـور لم تقـع أمامـه و لم تجـر بحضـوره و إنمـا يتم تدوينهـا على مسؤوليتهم دون أن يقـوم الموظف بالتحقـق من صحتهـا مثل : إقـرار البائع أمام الموثـق أنـه قبض الثمـن .
هذه الطائفـة من البيانـات تعتبـر صحيحـة حتى يقـوم من ينكـر صحتهـا بإثبـات عكسهـا بالطرق العاديـة للإثبـات . و لمـا كانـت هذه البيانـات قد أثبتــت في المحـرر كتابـة ، فإنـه لا يجـوز إثبـات عكسهـا بين ذوي الشأن إلا بالكتابـة أيضـا أو بمبدأ ثبـوت بالكتابـة مستكمـلا بالبينـة أو القرائـن . و العلـة من كل هذا أن الطعـن في هذه البيانات لا يتضمـن مساسـا بأمانـة الموثـق و صدقـه ، لذلك تكون إجراءات الطعـن فيـه بالتزويـر عديمـة الجدوى
و كذلك قيـام التصرف القانونـي ذاتـه و صحتـه التي تفرض توافر الأهليـة ، و خلوه من عيوب الإرادة و وجود محل و سبـب مشروع و مسألة نفـاذ التصرف القانونـي فيما بين الطرفيـن و في حق
الغيـر كل ذلك لا شأن له بما قرره الموثـق من وقوع التصـرف ، فلكل ذي مصلحة أن ينازع في أيـة نقطة من هذه النقاط و يثبـت ما يدعيـه وفقا للقواعد المقـررة قانونـا .
____________________
(1)الدكتـور عبد الـرزاق أحمـد السنهـوري ـ الوسيـط في شرح القانون المدنـي الجـزء الثانـي نظريـة الإلتـزام بوجه عام المجلد الأول
الإثبـات ـ دار النهظـة العربيـة الطبعـة الثانيـة 1982 ص 199 .
(2)الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 116 .
فلو أن ورثـة البائع إدعـوا أن مورثهم كان مجنونـا وقـت إمضـاء البيـع ، فعليهم إثبات ما إدعوه و لهم أن يثبتـوه بجميع الطرق دون حاجـة إلى الطعن بالتزوير و ذلك بالرغم مما أثبتـه الموثق في المحرر الرسمي من أن البائع كان سليم العقـل ، لأن المحـرر الرسمي ليس معـد للإثبـات ذلك .
موقـــف القضـــــاء : صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 1997.04.30 ملف رقم 148561 جاء فيـه " من الثابـت قانونـا و قضـاءا أنه إذا كان للعقد الرسمي قوة إثباتية حتى يطعن فيه بالتزوير . فيما يخص المعاينات التي قام بها الموثق نفسه ، فإن المعلومات الأخرى المعطاة من قبل أطراف العقد ، تكون لها قوة إثباتية ، إلى غاية تقديم الدليل العكسي . ولما كان ثابت – في قضية الحال – أن الفريضة التي تم على أساسها البيع أمام الموثق لم تكن تشمل جميع الورثـة الشرعيين بتعمد من المدعيين فهذا يشكل غشـا من شأنـه أن يؤدي إلى بطلان العقد و من ثم فإن قضاة المجلس كانوا على صواب لما أبطلوا عقد البيع ، يستوجب رفض الطعن " .
ـ قرار صادر بتاريخ 1991.02.06 ملف رقم 65136 جاء فيه " من المقرر قانونـا أنه لا يجوز الإتيـان بالبينة فيما يخالف أو يجاوز ما إشتمل عليه مضمون عقد رسمي، و من ثم فإن النعي على القرار المطعـون فيه بقصور الأسبـاب و سوء تطبيـق القانون غير مؤسس . و لما كان من الثابت ـ في قضية الحال ـ أن الطاعن لإثبات كونه المالك الشريك للسكن المتنازع عليه ، طلب تقديم الحجة بالإستماع إلى الشهود و أن قضاة الإستئناف رفضوا طلبه هذا على أساس أنه لا يجوز الإتيان بالبينة فيما يخالف أو يجاوز العقد الرسمي المقدم من المطعون ضده و المثبت لملكيته للأمكنة المتنازع عليها ، يكونوا بقضائهم كذلك قد طبقـوا صحيح القانـون .و متى كان كذلك إستوجب رفض الطعـن ".
ـ قرار صادر بتاريخ 1998.11.18 ملف رقم 176264 جاء فيه " إن تغاضي و تجاهل جهة الإستئناف للعقدين الرسميين اللذين لهما قوة ثبوتيـة قاطعـة و إقتصارهـا على مناقشتها للعقد العرفـي المحتـج به من طرف المطعون ضده ، مرجحـة إيـاه ضمنـا على العقدين الرسميين الذي يستلزم لدحضهما الإستظهار بحجـة مماثلـة لهما في القوة قانونـا أو أكثر قوة يعـد إساءة في تطبيـق قواعد الإثبات و يعرض القرار للنقض ". الفـرع الثانـي : حجيتـه بالنسبـة للغيــر
يعتبـر ما دون في المحرر الرسمي حجـة ليـس على أطرافـه فحسـب بـل و على الغيـر و الناس كافـة و يتعيـن لبيـان مـدى هذه الحجيـة في مواجهـة الغيـر إجـراء ذات التفرقـة بالنسبـة لحجيـة المحرر الرسمـي بين أطرافـه من نوعـي البيانـات التي يتضمنهـا .
فبالنسبـة للبيانـات الصادرة عن الموظف أو المكلف بخدمة عامة أو تلك التي وقعـت من الأطراف في حضوره فإنـه لهـا حجيـة بالنسبـة للغيـر حتى يقوم الدليل على العكس و إذا ما أريـد الإحتجاج
عليـه بهذا المحـرر ، فلا يجوز لـه إثبـات عكس تلك البيانات إلا عن طريـق الطعـن بالتزويـر .
أما بالنسبـة للبيانـات الصادرة عن الأطراف و التي لم تقع في حضور الموثـق فهي حجـة عليـه غير أنـه يمكن لـه أن يثبـت عكسهـا بغيـر طريـق الطعـن بالتزوير بل بجميـع الطرق الممكنـة فمثلا إذا إدعى الغيـر أن التصرف المدون في المحرر الرسمـي ليس بيعـا كما تدل عليـه بل هو هبـة مستتـرة بإمكانـه أن يثبـت ذلك بالوسائـل المختلفـة .
أو مثال أخر أنـه يستطيـع دائـن البائـع أن يطعـن بالصوريـة في البيـع الرسمـي الصادر عن مدينـه و يثبتهـا بكافـة طـرق الإثبـات منهـا البينـة و القرائـن .
فإذن يمكن للغير أن ينكر صحـة الوقائع التي أثبتهـا الموثـق دون أن يتعـرض في ذلك لأمانـة الموثـق أو صدقـه .
و في الأخيـر نـرى أن حجيـة المحرر الرسمـي بالنسبـة للغيـر هي ذات حجيتهـا فيمـا بين الطرفيـن . المطلـب الثالـث : حجيــة صـور المحـرر الرسمـي .
كمـا إتضـح لنـا سابقـا فإن أصـل المحرر الرسمـي لـه حجيـة مطلقـة سـواء على الطرفيـن أو الغيـر و لا يجـوز دحـض حجيتـه إلا عن طريـق التزويـر . مع الإشـارة إلى أنـه فيمـا يتعلـق بالبيانات التي صدرت من ذوي الشـأن و التي لم تقـع بحضـور الضابط العمومـي ( الموثق ) لهـا حجيـة غيـر أنـه يمكـن إثبـات عكسهـا بالطـرق المقـررة قانونـا في حالـة نـزاع بشأنهـا .
وكمـا سبـق و أن تطرقنـا إليـه فإن الموثـق يحـرر نوعيـن من الأوراق : النوع الأول يحتفـظ بأصولهـا في مكتبـه و تحـت مسؤوليتـه المادة 22 ن قانون التوثيق.
و لا يسلـم للأطراف المتعاقـدة ذوي الشـأن إلا صـورا عنهـا .
النوع الثانـي لا يحتفـظ الموثـق بأصلهـا بـل يقـوم بتسليمـه للأطرافـه ( مثل الوكالات و الإشهادات ) . و بادىء ذي أمـر لا بـد أن تعطـي تمييـزا بين أصـل المحـرر و صورتـه .
فيقصـد بأصـل المحـرر هو ذلك الذي يحمـل توقيـعـات الأطراف و الموثـق و الشهـود و المترجـم عند الإقتضـاء و هي تعتبـر من صنـع الموثـق .
أما الصـورة فهـي لا تحمـل توقيعـات الأطـراف و لكن تحمـل توقيـع الموثـق و ختمـه ، و إنمـا هي منقولـة عن الأصـل سواء كانـت خطيـة أو فوتوغرافيـة بواسطـة الموثـق و لكن رسميتهـا محـدودة في كونهـا صـورة لا في كونهـا أصـل .
و المفروض أنهـا مطابقـة للأصـل مطابقـة تامـة بما ورد فيهـا من بيانـات ، و هذا كلـه حسـب ما جاءت بـه المادة 325 من القانون المدنـي " إذا كان أصل الورقـة الرسميـة موجودا فإن صورتهـا الرسميـة خطيـة كانـت أو فوتوغرافيـة تكون حجـة بالقـدر الذي تكون فيـه مطابـقـة للأصل و تعتبـر الصورة مطابقـة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين ، فإن وقع نزاع ففي هذه الحالـة تراجـع الصورة على الأصـل " .
و في المقابـل فإن صورة المحرر الرسمـي التي لم تصدر عن الموظف المختص بإمضائـه يشهـد توقيعـه عليهـا بأنهـا مطابقـة للأصـل المحفوظ لديـه ، لا تعتبـر صورة رسميـة ولا قيمـة لهـا في الإثبـات ما لم يقبلهـا الخصم صراحـة أو ضمنـا(1) .
و تكون الصورة الرسميـة المأخـوذة من الصورة الأصليـة الحجيـة ذاتهـا و لكن يجوز في هذه الحالـة لكل من الطرفيـن أن يطلـب مراجعتهـا على الصورة الأصليـة التي أخـذت منهـا حسـب ما جاءت بـه المادة 326 من القانون المدنـي .
و لكن هنـا يثـار إشكـال كون أن القانون إشترط لقيـام هذه الحجيـة أن يكون أصل المحرر الرسمـي موجود للرجوع إليه عند الحاجـة و أن تكون الورقـة التي ينازع فيهـا ليست الأصل بل الصورة منـه
و لذلك نكون هنـا بصدد حالتيـن :
1- حالـة ما إذا كان أصل المحـرر الرسمي موجـود .
2-حالـة ما إذا كان أصل المحـرر الرسمي غير موجـود .
و هذا ما سنتناولـه من خلال الفـروع التاليـة . الفـرع الثاني : في حالـة وجـود أصل المحـرر
و هذه هي الحالـة الغالبـة ، فقلما ينعـدم الأصل الذي يبقـى محفوظـا في مكتـب الموثق و لا يفقـد إلا لأسبـاب قهريـة أو طارئـة كالحريق أو السرقـة .
فصاحـب الشـأن يتقـدم بالصـورة الرسميـة التي تسلمهـا فحسب و عندئذ يعتبرهـا القاضـي
____________________
(1)الدكتـور همام محمد محمود زهـران ـ الوجيـز في الإثبـات المـواد المدنيـة و التجاريـة ـ دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندريـة طبعـة 2003 . ص 154 .
مطابقـة للأصل دون أي تحقيـق و تكون لها حجيـة الأصـل بفضل قرينـة المطابقـة طالما لم ينـازع
الطـرف الآخر في مطابقـة الصورة الرسميـة للأصل حيـث يعـد ذلك منه تسليمـا و إقـرارا بتلك المطابقـة . إذن يشترط أن تكون الصورة الرسميـة - أي الصورة التي شهـد الموظف العام المختـص على مطابقتهـا - فإذا كانـت صورة عاديـة فإنـه لا يعتـد بهـا و قد تكون هذه الصورة الرسميـة صورة عن الأصل ذاتـه ، كما قد تكون صورة عن صورة رسميـة للأصل أيـا كان عدد الصور الرسميـة التي توسطـت بينهـا وبين الأصل و الحـال في جميـع الحالات سواء ، طالما أن الأصل ( Minute ) موجـود لأنه يمكن دائمـا مضاهاتهـا بـه . أي بمعنـى أدق سواء كانـت هذه الصورة هي الصورة التنفيذيـة أو أن تكون صورة غير تنفيذيـة أي بسيطـة .
فهنا تقوم قرينـة قانونيـة على أن الصورة مطابقـة للأصل و تكون لها حجيتهـا غير أن هذه القرينـة غير قاطعـة و هي قائمـة ما دام لم ينكرهـا الخصم قابلـة للإثبات العكس ، فإذا نوزع فيها وجـب مراجعتها و مطابقتهـا على الأصل .
و متى تم الرجوع إلى الأصل فتبيـن أن الصورة مطابقـة له ثبـت للصورة حجيتها ، غير أن هذه الحجيـة ليسـت حجيـة ذاتيـة و إنما تستمدهـا من مطابقتهـا للأصل ، أما إذا تبيـن عدم مطابقـة الصورة للأصل إستبعدت الصورة و بقـي الأصل هو المستنـد في الدعوى بحجيتـه كما عرضناهـا في المطلب السابـق .
و هذا ما أخـذ بـه المشرع الجزائـري بـه في نص المـادة 325 من القانون المدنـي .
و لمراجعـة الصورة بالأصل وجـب إتبـاع الإجراءات التاليـة : ينتقـل القاضي المنتـدب إلى مكتـب التوثيـق حيـث يوجـد أصل المحرر الرسمـي و يقارن الصورة بالأصل و يحرر محضر بذلك يوقعـه مع الموثـق و أمين الضبط .
من غير أن يكلف المنازع بإثبـات عدم مطابقتـه الصوة للأصل و هذا خروجـا عن القاعدة العامـة في عـبء الإثبـات و هي " البينـة على من إدعـى ... " .
و هذا بإعتبـار أن المادة 325 من القانون المدنـي هي نفسهـا المادة 12 من قانون الإثبـات المصـري . الفـرع الثالث : في حالـة عدم وجـود أصل المحـرر.
هذه الحالـة تنطبـق على صور الأوراق الرسميـة و لا تنطبـق على الأوراق العرفيـة و هذا أمر طبيعـي لأن المحررات العرفيـة لا توفـر أدنـى شيء من الضمانات لأنها لم تحرر أمام موظف عمومـي
ويجـب على الخصم الذي يريـد الإستفادة من هذه الحالة بتقديم صورة للأصل يزعم عـدم وجـوده
أن يتولى إثبـات إنعـدام الأصل ، غير أن الإجتهاد القضائـي واسع التفسيـر في هذا المجال إذ يكتفـي بإثبـات أن الأصل لا يوجد حيـث ينبغـي أن يوجد فيـه (1).
و هذا حسـب ما نصـت عليـه المادة 326 من القانون المدنـي " إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية كانت الصورة حجة على الوجه الآتي : يكون للصور الرسمية الأصلية تنفيذية كانت أو غير تنفيذية حجية الأصل متى كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها للأصل .
و يكون للصور الرسمية المأخوذة من الصور الأصلية الحجية ذاتها و لكن يجوز في هذه الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التي أخذت منها .
أما ما يؤخذ من صور رسمية للصورة المأخوذة من النسخ الأولى فلا يعتد به إلا لمجرد الإستئناس تبعا للظروف " .
و من خلال إستقـراء نص المادة نجـد أن المشرع الجزائري ميـز بين 03 حالات فيما يتعلـق إذن بحجيـة الصورة في حالة فقـدان أصل المحرر الرسمـي .
الحالـة الأولـى : حجيـة الصورة الرسميـة الأصليـة المأخـوذة من الأصل .
وهي الصورة التي تنقـل مباشـرة من المحرر الرسمـي بواسطـة الضابط العمومي ( الموثق ) سواء كانـت صورة تنفيديـة ( Grosse Executoire ) و التي لا تعطـى إلا لأصحـاب المصلحـة أطـراف المحـرر الرسمـي و مرة واحـدة فقـط .
أو تكون صـور غير تنفيذيـة تنقـل من الأصل مباشـرة و تسمى صور أصليـة أولى Premiere Expedition . إن جميـع هذه الصور تستفيـد من حجيـة الأصل المفقـود متى كان مظهرها الخارجي لا يـدع مجالا للشك في مطابقتهـا للأصل ، أي بمعنـى أنهـا لا تستمـد الحجيـة من الأصل الغير الموجود بل منها ذاتهـا ما دام مظهرهـا سليمـا (2)
بالرغم من أنها لا تحمل توقيـع الخصم و بالرغم من عدم إمكانيـة مطابقتهـا على الأصل .
و يقول الأستاذ أحمد نشـأت في هذا الصدد " و لكن يصح أن يلاحظ في هذه الحالة أيضا أن الإكتفـاء بالمظهر الخارجـي للصورة الأولى تنفيذيـة أو غير تنفيذيـة و أنها حررت عقـب العقـد و بمعرفـة محرره غالبـا لا يقطـع في أن الصورة كتبـت كالأصل تماما و لم يحصل فيها أي تغييـر بمعرفـة محررها أو موظف آخر على أن القاضي قد يستطيـع بواسطة الخبراء أن يولي ثقـة أكبـر للصورة الشمسيـة التي عليهـا توقيعـات المتعاقديـن و الشهود و الموثـق " .(3)
(1) يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 123 .
(2)ميـدي أحمـد ـ المرجع السابـق ـ ص 66 .
(3) الدكتـور رمضـان أبو السعـود ـ المرجع السابـق ـ ص 123 .
أما إذا كان المظهـر الخارجي للصورة يبعـث على الشـك في أن يكون قد عبـث بها ، كما إذا وجـد كشـط أو محو أو تحشيـر أو نحو ذلك ، فإن الصورة تسقـط حجيتهـا في هذه الحالة .
الحالـة الثانيـة : حجيـة الصور الرسميـة المأخـوذة من الصور الأصليـة .
و هي صورة صـادرة عن الموظـف التي لم تنقـل عن الأصل مباشـرة بل نقلـت عن الصـورة الأصليـة المأخـوذة من الأصل .
ولذلك لا يجوز أن تكون لها حجيـة أكبر من حجيـة الصور الأصليـة التي هي ليست إلا صورا منها بشرط أن تكون الصورة الأصليـة موجودة ، و لذلك فإن حجيتهـا ليست مستمـدة من ذاتها بل هي تتمتع بقرينـة المطابقـة للصورة الأصليـة فإن حدث نزاع وجـب التأكيد من مدى مطابقتهـا لها متى كان مظهرها الخارجـي لا يسمح بالشـك في مطابقتهـا لها . فإن وجدت مطابقـة كان لها حجيـة الأصل و إن وجدت غير مطابقـة إستبعـدت هذه الصورة وإستبقيـت الصورة الأصليـة و هي التي تكون لها الحجيـة .
و لكن يثور التساؤل في حالـة ما إذا كانـت الصورة الرسميـة الأصليـة مفقودة فهنـا لا يمكن مضاهاة الصورة الرسميـة بها ، و قد إختلفـت الآراء الفقهيـة بخصوص هذه المسألـة .
فيرى البعض من الفقهـاء و منـه الأستـاذ سليمان مرقص أنه إذا كانت الصورة الأصليـة قد فقـدت كما فقـد أصل المحرر الرسمـي ، أمكن إعتبار الصورة الغير الأصليـة بمثابـة صورة مأخوذة عن الصورة الأصليـة المفقودة ، فيكون لها حجيـة الصورة الأخيرة متى كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتهـا لهـا (1).
و يرى البعض الآخر و منهم الأستـاذ أحمد نشأت و الأستـاذ عبد المنعـم الصده أن الصورة الثانيـة في هذه الحالـة يجـب أن يعترف لها بقيمـة مبدأ الثبـوت بالكتابـة على الأقل (2).
و يرى رأي أخير و أنه أمام عدم وجود نص صريح فإنه لا تكون لها حجيـة محددة و لا يعتـد بها إلا لمجرد الإستئناس شأنهـا في ذلك شأن الصور المأخوذة من الصور الأصليـة .
و يرى الأستـاذ محمد حسن قاسم أن تقديـر حجيـة هذه الصورة يجـب أن يترك للقاضي فله إعتبارها بمثابـة الصورة المأخوذة عن الصورة الأصليـة أو مبدأ ثبوت بالكتابـة أو أن لا يعتـد بها إلا على سبيـل الإسئناس و ذلك على ضوء ظروف الدعوى و حالـة الصورة و ما إذا كان مظهرها الخارجي سليما لا يبعـث على الشك أم كان يدعو إلى الشك في صحتها (3) .
____________
(1) الدكتـور عبد الـرزاق السنهـوري ـ المرجع السابـق ـ ص 225 هوامـش .
(2) الدكتـور رمضـان أبو السعـود ـ المرجع السابـق ـ ص 126 هوامـش .
(3)الدكتـور محمد حسن قاسـم ـ أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية ـ منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان طبعـة 20033 ص 152 .
الحالـة الثالثـة : حجيـة صور الصـور المأخـوذة من الصور الأصليـة .
و هي الصـور المأخـوذة من الصور الأصليـة أي تعـد الصورة الثالثـة بالنسبـة للصورة الرسميـة
الأصليـة ، فهنا الحلقات أخـذت تتعـدد بين الأصل و الصورة . فهنا إذا إحتـج بهـا و أنكـر أحد
ذوي الشأن مطابقتها فإنه يمكن إجراء المضاهاة و المطابقـة على الصورة الرسميـة الأصليـة إن وجـدت و لا يجوز مطابقتها على الصورة الرسميـة .
و إذا كانت الصورة الرسميـة الأصليـة مفقودة لا تكون لها حجيـة و لا يعتـد بها إلا على سبيـل الإستئناس تبعـا للظروف ، و لكن لا يجوز إعتبارها مبـدأ ثبـوت بالكتابـة .
و عليـه فإنـه يتبيـن لنا أن الصورة الثالثـة و من باب أولى أية صورة دونها لا حجيـة لها في ذاتهـا فإن وجـدت الصورة الأصليـة كانـت الحجيـة لهذه الصورة و إن كانـت الصورة الأصليـة مفقـودة سواء وجـدت الصورة الثانيـة أو لم توجـد ، فلا يعتـد بالصورة الثالثـة إذن إلا لمجرد الإستئناس كما قدمنـا .
و هذا ما أخـذ به المشرع الجزائـري من خلال نص المادة 326 فقرة 03 من القانون المدنـي . المبحـث الثانـي : حجيـة المحـرر العرفـي في الإثبـات
لم يضـع المشرع الجزائري تعريفـا خاصـا للمحرر العرفـي و لكن يمكن وضـع تعريـف لها على النحو التالـي :
"الورقـة العرفيـة سنـد معـد للإثبـات يتولـى تحريـره و توقيعـه أشخـاص عاديون بدون تدخـل الموظـف العام "(1) .
العقـد العرفـي هو كل عقـد غير رسمـي لم يتدخل في تحريـره موظف ما بحكم وظيفتـه (1).
معنـى أن ذلك أن المحرر العرفـي يتميـز عن المحرر الرسمـي بإنعـدام الرسميـة فيـه ، فالأفراد هم الذيـن يتولـون صياغتـه و إعـداده و لا دخل للموظف العمومـي في ذلك .
و هذا المحرر يتنوع إلى نوعيـن بحسـب الغرض المقصـود منه و هي :
1 – محـرر عرفـي غير معـد للإثبـات .
2 – محرر عرفـي غير معـد للإثبـات .
و سنتنـاول حجيـة كل منهما من خلال المطالـب التاليـة . المطلـب الأول : حجيـة المحـرر العرفـي المعـد للإثبـات
و هذا معنـاه أن الغـرض منـه هو تهيـأة دليـل على التصرف بمناسبـة إنشائـه و عليـه فهي تحمـل توقيـع من يـراد الإحتجـاج به عليـه .
و يعـد دليـلا كتابيـا كاملا على من تحمـل توقيعـه ما دام لم ينكـر ما هو منسـوب إليه من توقيـع .
مع العلم أن القانون لا يتطلـب أي شكـل معيـن في إعـداده ، بحيـث إذا لم يتوفـر ذلك الشكـل لحقـه البطـلان ، فالعنصـر الوحيـد الواجـب إستكمالـه لإعطـاء قيمـة ما لهذا المحرر هو التوقيـع عليهـا .
__________________
(1) الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 126 .
(2)الدكتـور عبد الحكـم فـوده ـ المحررات الرسميـة و المحررات العرفيـة في ضوء مختلف الآراء الفقهيـة و أحكام محكمة النقض ـ دار الفكـر والقانون طبعـة 2006 . ص 53 .
و بالرجـوع إلى التشريـع الجزائري ، نجـده لم يعرف المحرر العرفـي صراحـة ، و نتاولـه من خلال المواد 326 مكرر 2 ، 327 من القانون المدنـي المعدلة بموجب القانون 05-10 المؤرخ في 2005.06.20 .
ولذلك سنعرض من خلال الفـروع التاليـة إلى أهم المسائـل التي يكون فيها للمحرر العرفي حجيـة للإثبـات . الفـرع الأول : حجيــة الأصــل
لما كانـت حجيـة المحرر العرفـي في الإثبـات تتأسس على التوقيـع الغير المنكـور ممن يـراد الإحتجـاج به إتجاهـه ، فإن البعض إعتبـر التوقيـع هو المقـوم الوحيـد له ليصبـح دليـل كامـل للإثبـات ، غير أنه و لما كان التوقيـع يـرد بالضـرورة على محـرر مكتـوب يـدون فيه التصـرف المـراد إعـداد الدليـل عليـه .
فإنه و لتحليـل مقومـات المحـرر العرفـي كدليـل للإثبـات يقـوم على مقوميـن :
الكتابــــة .
التوقيــــع .
أولا / الكتابـة ، و يقصـد بذلك أن تكون بصـدد ورقـة مكتوبـة يـدون فيهـا التصـرف بصـرف النظـر عن طبيعتـه عقـدا أو تصرفـا بإرادة منفـردة .
و ليس لازم أن يتولـى الأطراف المتعاقـدون تحريرها بأنفسهم ، بل يمكن أن يقـوم بذلك أي شخـص كان ، كما يمكن أن تكون مكتوبـة بخط اليـد أو على الآلـة الراقنـة ، أو آلـة الطباعـة ، كما يمكن أن تكون في شكـل إستمـارة معـدة مسبقـا .
و أن القواعـد الخاصـة بتحشيـر المحررات الرسميـة و تهميشها و تذييلهـا لا يمكن أن تنطبـق على المحرر العرفـي و نتيجـة لذلك فإن الكلمات المشطوبـة تعتبـر ملغـاة على أساس أن التشطيـب وقـع عند صياغـة المحـرر إلا إذا تبيـن من ظروف القضيـة أن التشطيـب وقع بصفـة تدليسيـة و هنا يتمتـع القضـاة بسلطـة واسعـة فيما يتعلـق بتقديـر قيمـة التهميش أو التحشيـر التي يتضمنـه المحرر العرفـي .
و على العموم يجـب أن تشمـل الكتابـة على البيـانات الجوهريـة المعنيـة بالتصرف الذي أعـدت دليـلا عليـه ، فلو كان عقـد بيـع وجـب أن تتضمـن الكتابـة تحديـدا للمبيـع و الثمـن .
و في المقابـل فإن إغفـال الكتابـة لأحـد البيـانات الغيـر جوهريـة لا يؤثـر في حجيتهـا فـي
الإثبـات فمثلا لا يضعـف حجيتهـا ألا تتضمن شهـودا على التصـرف . و كما يصـح أن تكون باللغـة العربيـة يصح أن تكون بغيرهـا .
ثانيـا / التوقيـع ، و هو شرط أساسـي لوجود المحرر العرفـي لأنه هو الذي ينسـب ما دون في المحرر إلى صاحـب التوقيـع و هو الذي يعطـي له قوتـه في الإثبـات .
و يتمثـل التوقيـع في أن يضـع الشخص بخـط يـده على المحرر العرفـي لقبـه أو إسمـه أو هما معـا أو كنيتـه أو أيـة كتابـة أخرى جرت عادتـه أن يدلل بها على هويتـه ، و من ثم فلا بـد أن يكون التوقيـع باليـد (1) .
كما عرف على أنه " علامـة أو إشـارة أو بيـان ظاهـر مخطوط إعتـاد الشخص على إستعمالـه للتعبير عن موافقتـه على عمل أو على تصـرف قانونـي بعينـه " .(2)
فإذا كان العقـد ملزمـا للجانبيـن وجـب أن يوقعـه الطرفـان أما إذا كان ملزمـا لجانـب واحـد فلا يلـزم سوى توقيـع الطـرف الذي يلتـزم.
و لما كان التوقيـع يجـب أن يتـم بطريقـة تدل على موافقـة الموقـع على مضمون المحرر فإنه عادة ما يتـم التوقيـع أسفـل المحرر ، إذ في هذه الحالـة يمكن إستنتـاج موافقتـه على المضمون إلا أنه عدم وروده بتلك الطريقـة لا يؤدي إلى إعتباره عديـم القيمـة . و إذا تمـت الكتابـة في عدة ورقـات فإنه يمكن الإكتفـاء بتوقيـع الورقـة الأخيـرة شريطـة ثبـوت الإتصال الوثيـق بين سائـر أوراق المحـرر و يخضـع تقديـر هذا الإتصال للقاضـي .
و ما تجـدر ملاحظتـه أن المشرع الجزائـري و في تعديلـه لنص المادة 327 من القانون المدنـي تطرق إلى التوقيـع ببصمـة الإصبـع و إعتـد بهـا خلافـا لما كانت عليه في السابـق و ذلك راجـع للإنتشـار الأميـة في المجتمـع فيجـوز الإمضـاء بالبصمـة لمن لا يعـرف القراءة أو الكتابـة خاصـة بعـد أن أثبـت العلـم عدم تشابـه بصمـات الأصابـع بين الأفـراد و أنه من السهل التأكـد من أن البصمـة الواردة بالمحـرر هي لمن ينسـب إليه التصرف أم لا .
بينما التوقيـع بالختـم ففيـه محاذيـر كثيـرة إذ يسهل تقليـده ، كما أنه عرضـة للضيـاع أو السرقـة لذلك فإن إستخدامـه كوسيلـة للتوقيـع لا تكون لها نفـس القـوة كغيرهـا .
_____________
(1)الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 130 .
( 2)الدكتـور محمد حسن قاسـم ـ المرجع السابـق ـ ص 159 .
التوقيـع في حالـة تعـدد نسـخ المحـرر العرفـي :
يثـور الإشكـال حول مدى الإعتـداد بالتوقيـع بالكربـون أم التوقيـع مباشـرة على المحرر بالرجوع إلى التشريـع و الإجتهاد القضائي الجزائري لا نجـد تناولهما لهذه المسألـة ، غير أنه بالرجوع إلى القانون و الإجتهاد المقارن نجـد أنه قضي في شأنه بأن " التوقيـع بالإمضاء أو ببصمـة الختم أو بصمـة الإصبـع هو المصدر القانوني الوحيـد لإضفـاء الحجيـة على الأوراق العرفيـة ... و إذ أن المقصود بالإمضاء هو الكتابـة المخطوطـة بيـد من تصدر عنـه ، و كان الإمضاء بالكربون من صنـع ذات يـد من نسبـت إليه ، فإن المحرر الموقع عليه بإمضاء الكربون يكون في حقيقتـه محررا قائمـا بذاتـه له حجيتـه في الإثبـات ..... و كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر هذا المحرر صورة منقولة عن أصلها ليس لها حجيـة في الإثبـات ، فإن الحكم إذ بنى قضاءه بعدم قبـول دعوى التزويـر يكون معيبـا بالخطأ في تطبيـق القانون " . (1)
و في القضاء الفرنسي نجـد أنه ذهبـت محكمة برن إلى إعتبار المحرر الموقـع بالكربون أصلا له حجيتـه في الإثبـات ، على أساس توافـر الشرط الجوهري للتوقيـع و هو أن يكون ناتجـا عن حركة اليد .
بينما ذهبـت محكمة إستئناف تولوز إلى عكس ذلك و بالقول بأن التوقيـع بالكربون لا يعبـر بوضوح عن إرادة الموقـع لإلتزامـه بمضمون السنـد و قد أيـدت محكمة النقض الفرنسيـة هذا الإتجاه و رفضـت إعتبار النسخـة الموقعـة بالكربون أصلا في حد ذاتها و إعتبرتها مجـردة صورة منقولـة عن الأصل .
التوقيـع بالوكالـــة :
فهنا نرجـع إلى مضمون الوكالـة نفسهـا ، فمتى كان سنـد الوكالـة يسمـح بذلك وجـب على الوكيـل أن يوقـع بإمضائـه هو أي بإسمـه مع ذكر صفتـه كوكيـل ، أماإذا قام بالتوقيـع بإسم موكلـه أو قلـد توقيعـه فهنا يكون التوقيـع باطـل .
التوقيـع على بيــاض :
قـد يحـدث أن يوقـع أحـد الأطراف وهو المديـن في التصرف بطبيعـة الحال على ورقـة بيضـاء و يترك للطرف الآخـر كتابـة ما تم الإتفـاق عليـه و هذا يحـدث عامـة عندما تكون الثقـة كبيـرة بين الطرفيـن المتعاقديـن .
________________
(1) الدكتـور همـام محمد محمود زهـران ـ المرجع السابـق ـ ص 160 .
و هنا تجـدر الإشـارة إلى أن حجيـة البيانـات المكتوبـة بعـد التوقيـع هي نفس الحجيـة التي تعطى لتلك البيـانات لو أنها كتبـت قبلـه .
و أنه حمايـة لإستقرار المعاملات و للثقـة في التعامل فإن صاحب الشأن الذي وقـع على بياض يلتـزم بمقتضى توقيعـه في مواجهـة الغير حسن النيـة الذي إكتسـب حقـا مرتبطـا بالمحرر العرفـي .
و يلاحظ أن هذه الطريقـة محفوفـة بالمخاطر و قد خص المشرع عقوبـة خيانـة الأمانـة على كل من أؤتمن على ورقـة موقعـة على بياض و خان أمانتهـا بأن حرر عليهـا زورا إلتزامـا أو إبـراءا يمكن أن يعرض شخص الموقـع أو ذمتـه الماليـة للضرر ، المادة 381 من قانون العقوبات .
و لما كان تسليـم ورقـة موقعـة على بياض واقعـة ماديـة فإنه يصـح إثباتها بجميع طـرق الإثبـات (1) .
و يقـع على المديـن – الذي وقـع على بياض – عبء إثبـات أن ما جاء في المحـرر يخالـف ما إتفـق عليه و يكون ذلك وفقـا للقواعـد العامـة في الإثبـات و التي تقضي بأنه لايجـوز إثبـات ما يخالـف الكتابـة إلا بالكتابـة ، ما لم يكـن هناك غـش أو إحتيـال فحينئـذ يجـوز الإثبـات بكافـة الطـرق . و إذا ما تمكن المديـن من إثبـات ذلك سقطـت حجيـة المحـرر و أصبـح باطـلا (2).
جـزاء الإخـلال بمبـدأ التوقيـع على المحـرر العرفـي :
التوقيـع هو الشكليـة الأساسيـة الآزمـة لصحـة المحرر العرفـي و هو الوسيلـة الوحيـدة لصحة البيـانات الواردة فيه ، فهو وحـده الذي يدل على وجـود الرضاء الضروري لإنشاء أي تصرف قانوني و من ثمـة فإن المحرر يعتبـر باطـل بدون التوقيـع عليه .
ولكن ليس من السهل القـول بأن المحـرر بذلك يفقـد كل قيمتـه في الإثبـات لأن التوقيـع ليس إلا مجـرد قرينـة على وجـود التصرف القانونـي ، بحيـث يمكن الإثبـات بالوسائـل أخرى .
التراضي على العقـد مثلا يستقـل عن التوقيـع و المحـرر الموقـع ليس سوى أداة لإثبـات الرضا و على ذلك يجـوز إثبـات الأخيـر إستقلالا عن المحرر و توقيعـه .
أما إذا تبيـن من ظروف الدعوى أن عدم توقيـع بعض الأطراف ليس إمتناعـا من موافقتهم على مضمونها ، أو أن ظروفـا خاصـة منعتهـم من توقيعهـا فإن بإمكـان القاضـي أن يعتبـر الورقـة حجـة بالنسبـة للجميـع (3) .
____________
(1)الدكتـور همـام محمد محمود زهـران ـ المرجع السابـق ـ ص 163 .
(2) الدكتـور محمد حسـن قاسـم ـ المرجع السابـق ـ ص 163 .
(3) الأستـاذ يحـي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 135 .
فإذا كتـب المحرر العرفـي و لم يوقع و كانـت الكتابة بخط المتعاقـد ، أمكن إعتباره مبدأ ثبـوت بالكتابة أما إذا كتب بخط غير المتعاقديـن فلا يجوز إعتباره كذلك .
و بشكل عام إذا توافرت هذه الشروط في المحـرر العرفـي و إشتمـل على توقيع الأطراف كانت له الحجيـة في إثبـات التصرف القانونـي المبرم بينهمـا .
و هذا حسب نص المادة 327 من القانون المدنـي و التي تقابلها المادة 14 من قانون الإثبات المصري . فيتبين لنا إذن أن المحرر العرفي لا يكون حجـة إلا إذا لم ينكره الشخص المنسوب إليه إنكـارا صريحـا ، فإذا إعترف صاحب التوقيع صراحـة بصدور المحرر منه يكون لهذا الأخير حجيـة في الإثبات من حيـث صدوره ممن وقعـه و من حيـث سلامتـه الماديـة ، و يصبح من هذه الوجهـة كالمحرر الرسمي بحيـث لا يجوز له بعـد ذلك أن يدعي حصول تغييـر في المحرر أو حـذف أو إضافـة إلا بإتبـاع طريق الطعن بالتزويـر (1).
و يمكن أن يكون الإعتراف ضمنيـا كالسكوت مثلا عند الإحتجـاج بالمحرر العرفي قبله ، و كذلك الأمر إذا بدأ من ينسـب إليه المحرر في مناقشـة موضوعه ،فلا يقبل منه بعد ذلك أن يعود فينكـر توقيعـه على المحرر .
أما إذا أنكـر الشخص التوقيع المنسوب إليه فإن ذلك يـؤدي إلى زوال حجيـة المحرر مؤقتـا و على القاضي أن يفصل في المحرر موضوع النزاع ويبدي رأيـه فيه بإعتبـاره مسألة أوليـة (2)
و ينتقـل عـبء الإثبـات على عاتـق المتمسك به . و عدم إبـداء الإنكار في صورة صريحـة جازمـة يؤدي إلى سقوط حقـه في التمسك بالإنكـار بحيـث لا يبقى أمامـه من سبيل لنفي حجيـة المحرر إلا الطعن عليه بالتزويـر و تحمل عبء إثبات ذلك .
موقــف القضــاء : نجـد القرار رقم 45658 المؤرخ في 1987.12.07 الذي جاء فيه " من المقرر قانونـا أن العقد يتم بمجرد تبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما ، و من المقرر أيضـا أن العقد العرفي يعتبر صادرا ممن وقعه ، ما لم ينكر صراحـة ما هو منسوب إليه و من ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفته للقانون و الخطأ في تطبيقـه في غير محله و يستوجب الرفض . و لما كان من الثابت ـ في قضية الحال ـ أن الطاعن لا ينكر إتفاقـه مع مطلقتـه المنزل الزوجي معها و الزوجيـة قائمـة بينهما طبقا للعقد العرفي الممضي من قبله .
فإن قضاة المجلس بتأييدهم الحكم المستأنف لديهم و القاضي بإرجاع الغرفـة و المطبخ للمطعون ضدها طبقوا صحيح القانون ، و متى كان كذلك بإقتسامـه إستوجب رفض الطعن " . ______________
(1)الدكتـور محمـد حسن قاسـم ـ المرجع السابـق ـ ص 165 .
(2) الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 137 .
كما يجب أن نميـز بين قيمـة المحرر العرفـي في الإثبات و بين الأثـر الإلزامي للإتفاق المبرم فيه فالإتفاق المبرم فيه لا يلزم إلا الأطراف المتعاقـدة ، أما المحرر فهو يثبـت وجود هذا الإتفاق و بذلك يكون حجـة على الغير بنفس القيمـة التي تكون فيها حجـة على المتعاقديـن ، إذا ثبت تاريخ له .
فمثلا : المحرر العرفـي قد يصلح لإكتساب الملكيـة بموجب قواعـد التقادم المكسـب لمدة 10 أعوام لفائدة الغير الحائـز حسن النيـة طبقا لنص المادة 828 من القانون المدنـي .
و لكن هذا ليس معناه أن الحجيـة التي تتعلق بالمحـرر العرفـي هي نفس الحجيـة التي تعطى للمحرر الرسمي فيما يخص البيانات المدونـة ، فبإمكان الشخص الذي يحتج عليه بالمحـرر العرفـي أن يثبـت دومـا أن محتـواه مخالف للحقيقـة القانونيـة المتنازع فيها و ذلك من دون اللجوء إلى طريق الطعن بالتزويـر الخاصـة بالمحرر الرسمي و لكن بما أن الإثبـات هنا ضد سنـد مكتوب فإنه يكون مقيـدا فلا يقبل الإثبـات بالبينـة إلا إذا وجـد مبدأ ثبوت بالكتابـة (1)
هذا و قد يحـدث أن يحتـج بالمحـرر العرفـي لا في مواجهـة موقعـه و إنما في مواجهة ورثتـه أو خلفه ، فقد نصت المادة 327 الفقرة 1 من القانون المدنـي على أنه في هذه الحالة يكفي أن ينفـوا علمهم بأن الخط أو الإمضاء لمورثهـم و يحلفون اليميـن على ذلك .
و لكن تجـب الإشـارة إلى أنه إذا أقـر الوارث بأن الختم أو التوقيـع الموجود على الورقـة هو صحيح فإنه لا يقبل منه بعد ذلك الطعن بالجهالـة ، بل يجب عليه في هذه الحالة سلوك طريـق الطعن بالتزوير في المحرر العرفـي .كما يراعى أنه إذا بدأ بمناقشة الموضوع من طرف الورثة فإن ذلك يؤدي إلى سقوط حقهم في الدفع بعد ذلك بالجهالـة .
و قد يحـدث أن يعترف الشخص الذي نسـب إليه المحرر العرفـي بأن البصمة أو الختم هي بصمته أو ختمه ولكنه ينكر أنه وقـع بها على هذا المحـرر ، فقد يكون قد فقـد أو سرق منه و هنا لا يستطيع الخصم التنصل مما يثبـت عليه المحـرر إلا إذا طعن فيه بالتزويـر و أثبـت أنه لم يوقع بالختم و لا يكفي في هذا الإثبات أن يكون قد أعلن عن فقـد ختمه في الصحـف ، فهذا الإعلان لا ينهض دليلا على حدوث الفقـد فعلا ، و لا يعتبر حجـة على المتمسك بورقـة مختومـة بهذا الختم (1) . الفـرع الثانـي: حجيـة التاريـخ الوارد بالمحـرر العرفـي
بصفـة عامـة فإن القانون لا يشترط كتابـة التاريخ على المحرر العرفي و لكنه يكتسـب أهمية لا تنكـر لأن عدم ذكره قد يثيـر بعض المشاكل ، فقـد يحدث أن تتغيـر حالة أحدهم بفقـدان أهليتـه أو نقصانهـا بعد أن كان متمتعـا بها وقـت التعاقـد فإذا كان التاريخ مكتوب إعتبـر ذلك
______________
(1)الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 139 .
(2) الأستـاذ ملـزي عبد الرحمان ـ المرجع السابـق ـ .
قرينـة على أن التوقيـع عليها قد وقـع قبل حدوث التغييـر في الأهلية ، فيبقى المحرر صحيحـا .
كما أنه يفترض أن التوقيع على المحرر العرفـي يشكل قرينـة على أن الموقـع يتمتع بالأهليـة الآزمـة فإذا إدعى شخص أنه كان قاصرا وقـت توقيعـه ، وقع عليه عـبء الإثبـات .
و إذا تعددت التواريخ في المحرر العرفـي فإن التاريـخ الأخيـر هو الذي يجب أخـذه بعين الإعتبـار .
و قد نصت المادة 328 من القانون المدنـي " لا يكون العقد العرفي حجـة على الغير في تاريخـه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابـت ..." .
فأولا سنتطـرق إلى تعريف الغيـر ، و هنا المقصـود به ـ بصفة عامة ـ كل شخص لم يكن طرفـا في العقد و لكن التصرف القانونـي المبرم يسري في حقه و من ثمـة يجوز الإحتجاج عليه بهذا المحرر كدليل على التصرف الذي يـراد سريانـه في حقه .
فلا يعتبـر من الغير الوكيل أو الوصي أو الولي و الخلف العام [كالوارث ، الموصى له بجزء من التركة بإعتباره يخلف سلفه و عليه يكون ممثلا في التصرفات التي أمر بها السلف .
و الدائن العادي كذلك لأنه لا يدعي حقـا خاصـا على مال بالذات لمدينـه فليس له إلا حق الضمان العام على جميع أموال المدين . فكل تصرف يبرمه المدين في أمواله يسري في حق الدائن العادي، إذ ينتقص التصرف من هذا الضمان العام أو يزيـد فيه ، فيعتبـر الدائن ممثلا في التصرف و يكون التاريخ العرفـي حجـة عليه كما هو حجـة على المدين (1) .
و بالتالي يمكن الإحتجاج عليهم بتاريخـه و لو لم يكن ثابتـا و ذلك إلى أن يثبـت عدم صحـة هذا التاريخ . وعليه فإنه يعتبـر من الغير بالنسبـة لتاريخ المحـرر العرفـي هم :
1ـ الخلـف الخاص ، وهو الشخص الذي ينتقل إليه من أحد أطراف التصرف المثبـت بالمحرر حق معين مثل مشتري المنقول هو خلف خاص للبائع . فإذا باع البائع المنقول إلى مشتري ثانـي فإن هذا البيع لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابـت .
2ـ الدائن الحاجـز ، إذا حجز شخص الدائن على منقول مملوك لمدينـه فإنه يعتبر من الغير بالنسبـة للتصرفات التي تصدر من المدين بشأن المال المحجـوز .
3ـ دائن التفليسـة ، ففي حالة إشهار إفلاس التاجر فإن دائنـي هذا الأخير يصبحون من الغير بالنسبة إلى تصرفاتـه المدنية ، فلا تكون نافـذة في حقهم إلا إذا كانت ثابتـة التاريخ قبل شهر الإفلاس طبقا لنص المادة 244 من القانون التجاري . فحكم شهر الإفلاس يرفع يـد المدين بقوة القانون عن إدارة أمواله أو التصرف فيها .(1)
_____________
(1)و (2) الدكتـور محمـد حسن قاسـم ـ المرجع السابـق ـ ص 176 . 175 .
و يشترط في الغير الذي يتمسك بعدم الإحتجـاج عليه بتاريخ المحرر العرفـي لعدم ثبوته ، أن يكون سنده الشخصي ثابت التاريخ ، و ألا يتطلب القانون إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ مثل الإجراءات المحددة بشأن التصرفات الواردة على العقار فتكون هنا العبرة بالأسبقيـة في التسجيل .
كما يشتـرط في الغيـر أن يكون حسن النيـة أي عدم علمه بسبق حصول التصرف المثبـت في المحرر العرفـي الذي يراد الإحتجاج به عليه وقـت نشوء حقـه الذي أكسبـه صفـة الغير .
إن الهدف الذي توخاه المشرع من خلال نص المادة 328 من القانون المدنـي على قاعدة ثبوت التاريخ هو حماية الغيـر من خطر تقديم التاريخ و هي قاعدة مقـررة لمصلحة الغيـر ، فهي ليست من النظام العام و لذلك لا يحق للقاضـي إثارتهـا من تلقاء نفسـه ، و يعد سكوته تنازلا عنـه .
كما أنه بالرجوع إلى المادة 328 من القانون المدنـي نجد أن المشرع حدد وسائل ثبوت التاريخ و تتمثل فـي:
1ـ من يوم تسجيلـه ، يقصد بالتسجيل هنا Enregistrement في مصلحة الطابع و التسجيل فيكون تاريخ التسجيل هو التاريخ الثابت و بصدور قانون المالية لسنة 1992 منع تسجيل المحررات العرفية ، و أوجـب أن تفرغ جميع العقود الخاضعة للتسجيل في محرر رسمي ، و عليه أصبحـت هذه الحالة غير متصورة عمليـا .
2ـ من يوم ثبوت مضمونـه في عقد أخر حرره موظف عام ، مثال : كأن يشيـر القاضي في الحكم إلى أن المدعى قدم محرر عرفـي في دعواه يتضمن تصرف قانونيـا ، فيعد تاريخ صدور هذا الحكم هو التاريخ الثابـت للمحـرر العرفـي المشار إليه .
و نفس الأمر عندما يشار للمحرر العرفـي في محاضر الضبطية القضائية أو في محاضر المحضرين أو أي محرر صادر من موظف عام مختص أو شخص مكلف بخدمة عامة .
3ـ من يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص ، و هذا عند المصادقة على إمضاءات الأطراف المحرر العرفـي أمام ضابط أو موظف مختص أثناء تأدية مهامه ، فيؤشر عليه بأيـة علامة أو كتابـة تفيد بأنه قدم إليه في تاريخ معيـن .
أو مثلا عندما يقدم محرر عرفـي أمام القاضـي في دعوى ، فيؤشر عليه و يقدمه إلى الخبير لإجراء مظاهـاة الخطوط ، فهذا التأشير يكسبه تاريخ ثابـت .
4ـ من يوم وفـاة أحد الذين لهم على العقد خط و إمضاء ، و هنا يكون من المفروض أن المحرر صدر قبل الوفـاة و يصبح تاريخ الوفـاة إذن تاريخ ثابـت للمحرر العرفـي .
ويقـاس نفـس الأمر بالنسبـة لليوم الذي يصبح مستحيلا على أحدهم أن يكتـب أو يبصم لعلـة في جسمـه كبتر اليديـن .
و يستوي في ذلك أن يكون الأشخاص المتوفون ممن وقعـوا على المحرر العرفـي بصفتهم متعاقدين أو شهود أو مجرد كاتـب ، مع الإشارة في الأخير إلا أن الفقرة الأخيرة لنص المادة 328 من القانون المدنـي و التي تقابلها المادة 2/15 من قانون الإثبات المصري ، نصت على أنه يجوز للقاضي تبعـا للظروف رفض تطبيـق هذه الأحكام فيما يتعلق بالمخالصـة .
و المخالصـة Les Quittances هنـا إستقـر الإجتهاد القضائـي ، أن المدين يستطيع أن يثبـت تحـرره من الدين بمخالصـة ليست بذات تاريخ ثابـت و يطبق هذه القاعـدة على المخالصات التي وقعـت في ميعادها أما إذا كانت سابقـة لأوانهـا فإن على المدين الذي يدفع دينـه قبل حلول أجلـه أن يقدم البينـة للغير على أن الدفع كان حقيقيـا لا شبهـة فيـه (1) . الفـرع الثالـث : حجيـة صـورة المحـرر العرفـي .
إن المحرر العرفـي يستمد قوتـه في الإثبـات من توقيـع أصحاب الشأن عليها ، أما صور المحرر العرفي فليست لها بحسب الأصل أية حجيـة في الإثبـات طالما أنها غير موقعـة ممن صدرت منه . لذلك لا تكون لها حجيـة في الإثبـات إلا بقدر ما تهدي إلى الأصل إذا كان موجودا فيرجع إليه أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للإحتجـاج بالصـورة .
أما إذا كانت الصورة محـررة بخط يد المدين فتعتبـر هنا الصورة و لو كانت خاليـة من التوقيع مبدأ ثبـوت بالكتابـة و عندئذ تكمل بشهادة الشهود أو القرائن .
و الصورة الفوتوغرافية كالصورة الخطيـة أو المكتوبـة لا قيمة لها في الإثبـات ، و قد يقال إن الصورة الفوتوغرافية أدل على الأصل من الصورة المكتوبـة ، و هذا صحيح و لكن التصوير الفوتوغرافـي لا ينفـي كل شبهـة و لا يمكن حتى معه التحقـق من أن الأصل غير مـزور (1)
أما إذا كانت الصـورة موقعـة عليها ممن صدر عنه الأصل إعتبرت في هذه الحالة نسخة ثانية Exemplaire و كانت لها نفس قيمـة الأصل في الإثبـات ، و لكن إذا قدمـت صورة المحرر في دعوى و لم ينازع الخصم في مطابقتهـا للأصل و لم يطلب تقديم الأصل لمضاهاتهـا عليها أمكن إعتباره مسلمـا بصحـة مطابقـة الصورة على الأصل .
____________
(1)الأستـاذ يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 149 .
(2)الدكتـور عبد الـرزاق السنهـوري ـ المرجع السابـق ـ ص 333 .
حجية الاثبات بالمحررات وفق القانون المدني الجزائري
المبحـث الثالـث : حجيـة الإثبـات بالكتابـة الإلكترونيــة
لقـد أمكن إستغـلال وسائـل تقنيـة المعلومـات في إبـرام العقـود المختلفـة و تبـادل البيانات التي تتصـل بالذمـة الماليـة و أتيـح بفضـل ذلك إلى التعاقـد الفـوري بين شخصيـن غائبيـن مكانـا و إجـراء مختلـف التصـرفات القانونيـة .
فبتـطور وسائل الإتصال و ظهور الحاسوب الذي دخل في مختلف نواحي الحياة المختلفة و بعد ربطه بالهاتف برزت الشبكة الإلكترونية ( الأنترنيت ) التي أحدثت ثورة هائلة في مجالات الحياة المختلفة و ظهر ما يسمى بالتجارة الإلكترونية كنمط جديـد من أنماط التعامـل التجاري لا في ميدان البيـع و الشـراء فقط و إنما في مياديـن التعاقـد كافـة كعقـود التأمين و الخدمات و غيرها ، مما جعل الدول تعمل على البحث عن إيجاد طرق لفرض حماية على المعاملات التي تبرم و تنعقد في إيطارها و هذا ما أخذ به المشرع الجزائري من خلال تعديله للقانون المدنـي بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 2005.06.20 ، في المواد 323 مكرر و 323 مكرر1 و327 منه المسألـة التي سنتناولها في المطلبين التاليين من إقرار المشرع لحجيـة الكتابـة الإلكترونيـة في الإثبـات و شروطهـا المطلـب الأول : الكتابــة الإلكترونيـــة
مع تزايد الإعتماد يوما بعد يوم على وسائل تقنيـة المعلومات في إدارة و تنفيـذ الأعمال المختلفة ومع حمى التوجـه نحو عالم الرقميات كبديل لعالم المحسوسات ، عالم البيانات و الملفات المخزنـة في أنظمـة المعلومات كبديل للبيانات المحررة على الورق و حوافظ الملفات التقليديـة ، يزداد الإهتمام بمدى حجيـة و قوة وسائل التخزيـن التقني للمعلومات في الإثبـات و مدى حجيـة مستخرجات الحاسوب و مدى إمكان النظام القانونـي للإثبات إستيعـاب هذه الأنماط المستجدة من وسائل إثبـات التصرفات التعاقديـة .
فالتطور التكنولوجي خاصة في مجال التجارة الإلكترونية فرض ضرورة البحث في إمكانية توفير الحماية القانونية لما يتم إبرامه من صفقات بالوسائل الإلكترونية الحديثة فإبرام صفقات عبر الأنترنيت جعل من التشريعات الحديثة تقبل صراحة الأدلة الموجودة على دعامات إلكترونية كدليل قانونـي كامل في الإثبات .
و إتجهـت النظم القانونيـة و القضائيـة و الفقهيـة بوجـه عام إلى قبـول وسائـل الإثبـات التي توفـر من حيـث طبيعتهـا الموثوقيـة في إثبـات الواقعـة و صلاحيـة للدليـل محل الإحتجـاج و تحقـق فـوق ذلك وظيفـة إمكان حفظ المعلومات لغايـات المراجعـة عند التنـازع .
و حسب تحليل أحد الفقهاء العرب فإن " التعاقد بالأنترنيت و غيره من الوسائل الحديثة لا يختلف في شيء عن التعاقد بالرسالة في الفقه الإسلامي أو كما يسمى في الفقه الوضعي التقليدي بالتعاقد بين غائبين _ وسيلة نقل الإيجاب و القبول" .
لقـد جرى العـرف و إستقـر العمـل على تدويـن المحـررات الرسميـة و العرفيـة على الأوراق و بالحـروف الخاصـة بلغـة المتعاقديـن أو اللغـة التي يعتمدانها لتحريـر العقـد ، فإن اللجـوء إلى تدويـن المحـررات على وسائـط إلكترونيـة من خلال ومضـات كهربائيـة و تحويلهـا إلى اللغـة التي يفهمهـا الحاسوب الآلي يثيـر التساؤل عن مدى إعتبـار المحـرر الإلكترونـي من قبيـل الكتابـة .
و حتى يمكن الإحتجاج بمضمون المحـرر المكتـوب في مواجهـة الأخريـن فإن هذا الأخير يجب أن يكون مقـروءا و مفهومـا للشخص الذي يـراد الإحتجاج عليه بـه .
أما إذا رجعنـا إلى المحرر الإلكتروني و كما قلنـا فيتم تدوينها على هذه الوسائط بلغة الآلـة التي لا يمكن أن يراها الإنسـان بشكل مباشـر و لا بد له من إيصال المعلومات في الحاسوب الذي يتم دعمـه ببرامـج لها القدرة على ترجمـة لغـة الآلـة إلى لغـة مقـروءة للإنسان .
فالكتابة عموما وسيلة يتم توظيفها لإعداد الدليل على وجود التصرف القانونـي و تحديد مضمونه بما يمكن الأطراف من الرجوع إليه في حالة نشوب خلاف فإذا ما نظر إلى المحررات الإلكترونية نجدها مدونة على الوسائط بلغة الآلة التي لا يمكن أن يقرأها الإنسان بشكل مباشر إلا عن طريق جهاز الحاسب (1) .
و هنا تثار مشكلة حول طبيعة المستخرج من الحاسب الإلكتروني بواسطة الطابعة و الذي يحتوي على النص المطبوع لمحتوى السند ، حيث أن السند المطبوع لا تتوافر فيه صفة الأصل و ليس إلا مجرد صورة تولدت عن البيانات الرقمية فهذه المستندات المستخرجة بواسطة طابع الحاسب ليست إلا مجرد صورة للمستند الإلكتروني و لا تعد محررا بالمعنى القانوني و بالتالي فلا تتاح فكرة إنشاء السند القانوني أو الكتابي المتعارف عليه و هناك رأي لا يرى وجه الإختلاف في الأداة المستخدمة و الوسيط كوسيلة للإثبات إذ تتم الكتابة التقليدية من خلال القلم بشتى أشكاله كالحبر الجاف أو السائل أو الرصاص و على وسيط ورقي كما هو مألوف أو شائع في المعاملات المدنية القانونية في حين تتم الكتابة الإلكترونيـة عن طريـق الآلـة
_________
(1)العقد الإلكترونـي – سمير عبد السميع الأودن – منشأة المعارف . ص 154 .
الطابعة في جهاز الكمبيوتر و هو الوسيط الإلكتروني الذي يؤدي وظيفته الكتابية بشكل أكثر وضوحا في القراءة و الفهم وسرعة الحفظ والإسترجاع مقارنة بالكتابة التقليدية .(1)
كما يرى البعض من الفقهاء أن المستندات المعلوماتية لا تعد مبدأ ثبوت بالكتابة و ذلك راجع لأن الآلة بشكلها الإلكتروني لا يخرج عنها من حيث المبدأ أية مستندات أو نسخ أصلية يمكن تمييزها عن النسخ المستنسخة عنها لأنها تعتبر تكرارا تام للأصل يمكن نسخها بعدد غير محدود .
و لقد تبنت العديد من التشريعات النظام الإلكتروني في المعاملات المدنية بصفة عامة ، فصدر قانون نموذجي عام 1996 من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي يتعلق بالتجارة الإلكترونية UNCITRAL و قد حددت هذه اللجنة مجموعة من المبادىء القانونية التي تنطبق على التجارة الإلكترونية و ذلك على سبيل إسترشاد الدول بهذه المبادىء عند وضع تشريعاتها الداخلية .
و تجدر الإشارة إلى أنه في التشريعات العربية نجد التشريع التونسي يعترف بالوثيقة المعلوماتية كدليل إثبات و ذلك بصدور قانون 57/2000 المؤرخ في 13 جوان 2000.
و كذلك بصدور القانون 30/2000 قام المشرع الفرنسي بتعديل القانون المدني أين تناول الكتابة الإلكترونية و أعطى لها نفس الحجية الكتابة الورقية من خلال نص المادة 1316-3 :
" l'ecrit sur support electronique a la meme force probante que l'ecrit sur support papier "
فالمشرع الفرنسي قد تبنى تعريفا موسعا للإثبات عن طريق الكتابة ليشمل صلاحية كل أشكال الكتابة للإثبات و بناءا على ذلك فإن هذا التوسع يشمل الشكل الإلكتروني أو ما يسمى بالكتابة الإلكترونية فالكتابة تعبر عن الفكر والقول في حين أن المحرر هو محل هذا التعبير، فالمستند الإلكتروني يتميز بأنه ينطوي على 03 عناصر :
1-أن يتضمن تعبير عن المعاني و الأفكار الإنسانية المترابطة .
2-أن يكون هذا التعبير له قيمة قانونية .
3-أن يتصف هذا المستند بالصفة الإلكترونية .
أما الصفة الإلكترونية للمستند تعني أن العمليات المختلفة التي تتصل به مثل كتابته أو حفظه أو إسترجاعه أو نقله أو نسخه تتصل بتقنية تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو بصري أو غيرها (1)
و المستنـد هو الدليل الذي يستند إليه عند حدوث أو قيام نزاع بين المتعاقديـن . و يتماثل المستند
___________________
(1)سمير عبد السميع الأودن ـ المرجع السابـق ـ ص 156 .
(2)العقد الإلكتروني ـ سمير عبد السميع أودن ـ منشأة المعارف .ص 159 .طبعة 2005 .
الإلكتروني و المحرر في أن كل منها ينطوي على مجموعة من الرموز التي تعبر عن مجموعة مترابطة من الأفكار و المعاني الإنسانية .
و يختلف في أن فكرة المحرر ترتبط بتسطير محتواه في صورة ورقية أما المستند الإلكتروني فإنه يدخل في نظام تشغيل إلكتروني يمكن من خلاله الإطلاع عليه و الوصول إلى محتواه و لا يمكن أن يتم ذلك بمجرد الرؤية المجردة التي تتوافر في المحرر (1).
و لقد تم منح المحرر الإلكتروني حجية قانونية في الإثبات بناء على إتفاقات أطراف المحرر و ذلك حتى قبل وجود نصوص تشريعية صريحة في هذا المجال . كان الأطراف يتفقون على منح المحرر الإلكتروني القيمة القانونية للمحرر العرفي بقوته في الإثبات ، إلا أنه يجب مراعاة أن مثل هذه الإتفاقات في مجال ما يبرم من صفقات بالوسائل الإلكترونية الحديثة تؤدي إلى منح المحرر الإلكتروني حجيـة تفوق ما قرره المشرع من حجيـة للمحرر العرفـي .
و يؤكد وجهـة النظـر هذه أن المشرع خول المدعى عليـه سلطة إنكار خطـه أو توقيعـه أو بصمة يده ليدحض المحرر العرفـي غير أنه على عكس من ذلك فإن المتعاقد في صفقـة إلكترونية لا يستطيع أن يتمتع بهذه السلطة حيـث أن المحرر الإلكتروني لم يحرر بخطـه و لم يحمل توقيعه التقليدي (2) .
و يضيف الدكتور حسن عبد الباسط جميعي أن وجود مثل هذا الإتفاق يقلب عبىء الإثبات الذي يفرضه المشرع ، خصوصا أمام صعوبة الإثبات ، فيجعل للمحرر الإلكتروني حجية مطلقة . و معنى ذلك أنه يجعل لهذا المحرر حجية مساوية لحجية المحرر الرسمي في الإثبات القانوني .(3)
و لذلك فإن أمان الأنظمـة المعلوماتية تشكل محورا رئيسيـا و تعد محلا لنقاش مستمر ، و يبقى دائمـا نقطـة ضعف التعاملات ، فيرى البعض أن الإثبات الإلكترونـي أصبح اليوم مقبولا و له حجيـة من الناحيـة القانونية إلا أنه لايضمن الأمان بشكل تام من إمكانيـة الغش .
و لذلك فإن الحجيـة القانونيـة للكتابة الإلكترونيـة تتوقف بشكل رئيسي على عمليـة حفظ هذه الكتابـة بما يكفل ضمان الحفاظ على نفس محتواهـا .
و يلاحظ أن عمليـة الحفظ يكون لهـا دور هام في مجال الإثبات ، فيجب أن تبقى المعلومات المحفوظـة كما هي طوال مدة التقادم التي يخضع لهـا التصرف المحفوظ ، لذلك يجب أن يتم حفظ المعلومات و المعطيات على دعامات إلكترونية ضد التلف أو التعديل أو أي صورة من صور الهلاك قد تتعرض القاضي
___________
(1) سمير عبد السميع أودن ـ المرجع السابـق ـ ص160 .
(2)سعيد السيد قنديل ـ التوقيع الإلكتروني ـ ص 43 .
(3)التوقيع الإلكتروني ( ماهيته ، صوره ، حجيته في الإثبات بين التداول و الإقتباس ) – الدكتور سعيد السيد قنديل . دار الجامعة الجديدة الطبعة الثانية 2006 . ص 43 .
بعض الصعوبات المتعلقـة بتنازع الحجـج ، فما هو الحل في صورة التضارب بين وثيقـة ورقيـة و وثيقـة إلكترونيـة أو في صورة التنازع بين وثيقتيـن إلكترونيتيـن ؟
لقد سكت المشرع بالرغم من أهميـة هذه الإشكاليـة من الناحيـة التطبيقيـة خلافـا للمشرع الفرنسي الذي نص في صلب المادة 2/1316 أن القاضي يبـت في تنازع الحجـج الكتابيـة بأن يحـدد بكل الوسائل الوثيقـة الأكثر مصداقيـة مهما كان شكلهـا .
Le juge regle les conflits de preuve litterale en determinant par tous moyens le titre le plus vraisemblable quel que soit le support المطلـب الثانـي : شـروط حجيــة المحرر الإلكترونـــي .
إن التطـرق إلى مسألـة حجيـة الكتابـة الإلكترونيـة تقتضي بالضرورة الخوض في مبـدأ التسويـة بين الكتابـة الإلكترونية و الكتابـة الورقيـة من حيث الحجيـة إذ أن هذه التسويـة هي وحدها الكفيلة بزرع الثقـة في هذا الصنـف من الوثائـق بما يؤمن إقبـال المستعمليـن عليه و تنميـة للإقتصاد المادي .
و لا شك أن التسويـة من حيث الحجيـة يقتضي أن يوفـر هذا الأخير نفس الضمانات التي يوفرها الأول و هو ما سعى إليه المشرع من خلال بيـان شروط حجيـة الوثيقـة الإلكترونيـة .
فبالإضافـة إلى إشتراط كون المحرر الكتابـي مقروءا يشترط أيضـا للإعتـداد بالكتابـة في الإثبـات أن يتم التدويـن على وسيـط يسمـح بثبـات الكتابـة عليـه و إستمرارهـا بحيـث يمكن الرجـوع إلى المحرر كلما كان ذلك لازمـا لمراجعـة بنـود العقـد أو لعرضـه على القضـاء عند حدوث خلاف بين أطرافـه .
و عليه يتضـح بعد الرجوع إلى نص المادة 323 مكرر 1 من القانون المدنـي بعد التعديل الطارىء عليه بموجب قانون 05- 10 المؤرخ في 2005.09.26 و التي تنص " يعتبر الإثبات بالكتابة في الشكل الإلكتروني كالإثبات بالكتابة على الورق ، بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها و أن تكون معدة و محفوظة في ظروف تضمن سلامتهـا " أن المشرع الجزائري حدد شرطين للإعتداد بالمحرر الإلكتروني في إثبات التصرفات المبرمـة بين الأفراد .
فإذن تعد شروط حجيـة المحرر الإلكترونـي فـي :
1- حفظ المحرر الإلكترونـي .
2- أن تكون مدعمـة بإمضاء إلكترونـي لتحديد هوية صدره . الفـرع الأول : حـفـظ المحرر الإلكترونـي .
لا بد من أن نلاحظ و منذ أول وهلـة أنه رغمـا عن كون عنصر الحفظ هو عنصر خارجي عن المحرر الإلكترونـي فإن المشرع قد جعل منه أحد عناصر تعريفهـا الأساسيـة و شرطـا من شروط حجيتهـا و إن شرط حفظ ذلك المحرر يثيـر عدة ملاحظات تتعلق بوسيلـة الحفظ و وثوقهـا و بمدة الحفظ .
إن وسائل الحفـظ تتعـدد نذكر منهـا :
القرص الليـن ( Disquette ) ، القرص الصلـب ( Disque dur ) ، القرص المضغوط
( CD ou compact disk )و في هذا المجال تجدر الملاحظـة أنه ما دام الأمر يتعلق بحفظ المحرر الإلكتروني فإن وسيلة الحفظ يجب أن تكون من نفس طبيعة المعلومة المراد حفظهـا .
و على العموم و مهمـا كانت الوسيلة المستعملة لحفظ المحرر الإلكتروني فإن النص يشترط أن تؤمن تلك الوسيلة إمكانية قراءة المحرر و الرجوع إليهـا عند الحاجـة للإستخراج نسخة منهـا قصد الإدلاء بها لدى من له النظر أو الإستظهار بها في نزاع قضائي و هذا الجانب هو عنصر مشترك بين حفظ المحرر الإلكتروني و حفظ الوثائق العاديـة .
و لعل أهم هدف للحفظ هو تأمين سلامة المحرر الإلكتروني من كل تحريف أو تغييـر أو إتلاف عفوي أو قصدي ، إذ أن المخاطر و لو نتيجة لخطأ غير مقصود في إستعمال جهاز الإعلام لذلك فإن الوسيلة الحفظ يجب أن تؤمن بقاء المحرر على شكلهـا النهائي و تحميهـا من الأخطار السالفة الذكر و لم يتعرض المشرع إلى تحديد مدة الحفظ المحرر الإلكتروني و قد يكمن الحل في القياس على الحلول المعتمدة بالنسبة للوثائق الكتابية .
فإذا كانت الوسائط الورقيـة بحكم تكوينهـا المادي تسمح بتحقيـق هذه الشروط فإن إستخدام الوسائط الإلكترونيـة يثيـر التساؤل عن مدة تحقـق هذا الشرط فيهـا حتى يمكن إعتبارهـا من قبيـل المحررات الكتابيـة و في هذا الصدد فإن الخصائص الماديـة للوسيط الإلكترونـي قد تمثل عقبـة في سبيل تحقـق هذا الشرط . ذلك أن التكوين المادي و الميكانيكي للشرائح الممغنطـة و أقراص التسجيل المستخدمـة في التعاقد عن طريق الأنترنيت تتميـز بقدر من الحساسيـة بما يعرضهـا للتلف السريع عند إختلاف قوة التيار الكهربائـي أو الإختلاف الشديد في درجـة الحرارة .
و هي بذلك تعـد أقل قدرة من الأوراق على الإحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلـة . و مع ذلك فإن هذه الصعوبـة الفنيـة قد أمكن التغلب عليهـا بإستخدام أجهزة و وسائط أكثر قدرة و بالتالي يمكنهـا الإحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلـة ربما تفوق قدرة الأوراق العاديـة التي تتأثر هي الأخرى بعوامل الزمن و قد تتآكل بفعل الرطوبـة نتيجـة لسوء التخزيـن .
و يجب أيضـا حتى يعتـد به كدليل كتابـي في الإثبات أن لا تكون هذه الكتابـة قابلـة للتعديل إلا بإتلاف المحـرر أو ترك أثر مادي عليـه .
و يترتب على هذا الإختلاف المادي بين الأوراق و الوسائط الإلكترونيـة أن المحرر الإلكتروني يفتقد بحسب الأصل على شرط من أهم الشروط التي تتصل بوظيفـة المحرر الكتابـي في الإثبات و التي تهدف إلى تحقيـق الثقـة في البيانات المدونـة في المحرر .
و مع ذلك فإن التطور التكنولوجي قد أدى إلى حل هذه المشكلـة أيضـا عن طريق إستخدام برامج حاسب آلي بتحويل النص الذي يمكن التعديل فيـه إلى صورة ثابتـة لا يمكن التدخل فيهـا أو تعديلهـا و يعرف هذا النظام بإسم ( ** Image Processing ) . الفـرع الثانـي : التوقيـع الإلكترونـي
على الصعيد العالمي كان للجنة اليونسترال في الأمم المتحدة وقفـة مبكرة حيث أنجزت القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية لعام 1996 الذي عالج من بين ما عالج مسائل التواقيع الإلكترونية و قـرر وجـوب النص على قبول التوقيع الإلكترونـي كوسيلة للتعاقـد .
يعد تحديـد هويـة الشخص من الأمـور المهمـة في عالم الإلكترونيـات و خاصـة في مجـال الصـراف الآلي و الشبكـات المفتوحـة مثل الأنترنيـت خاصـة التي تحتـاج إلى وسيلـة يتم بها التأكـد من هويـة المتعاقـد عبر الأنترنيـت ، حتى نقطـع الطـرق على المنتحليـن و على من هم دون سـن الأهليـة القانونيـة .
لم يحدد قانون اليونسترال معنى معينـا للتوقيع الإلكترونـي أو معيـارا معينـا لمسائلة الإجرائيـة و إكتفى بالمبادىء العامة القائمـة على فكرة إيجـاد وسيلة تكنولوجية تحقـق نفس المفهوم و الغرض الذي تحققـه التواقيع العاديـة.
و يمكن القـول أن التوقيـع الإلكترونـي قـادر على تحديـد هويـة الشخص الموقـع و ربما بصورة ممتـازة تفـوق قـدرة التوقيـع العادي .
و يفترض القانون أن مجـرد وضـع الشخص توقيعـه على مستنـد ما فإنه قد أقـر بما فيه أو علـم بمضمونـه ، و قام بالتالي بوضـع توقيعـه عليه معبـرا بذلك عن موافقتـه بما ورد في السنـد .
إن ظهور التوقيع الإلكتروني كمصطلح جديـد يقتضـي منا محاولـة بيـان المقصـود بهذا المصطلح و قد بذلـت جهود كبيـرة لبيـان ذلك من قبل بعض المنظمات الدوليـة المتخصصـة في هذا المجال و كذلك من قبل الكثيـر من القوانيـن الدوليـة و الوطنيـة و من قبل الفقـه ، و كما أن للتوقيع العادي صورا فإن للتوقيع الإلكترونـي صورا و أشكالا مختلفـة .
إن التوقيع الإلكترونـي يتفوق على التوقيع التقليدي بالنظـر إلى أن إستيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتينـي في كل مرة يتم فيها إستخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص و بالتالي فإنه لا بالنسبـة للمحررات الموقعة بخط اليـد .
مجال للإنتظـار حتى يحدث النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال
و قد عرفـت قانون التجارة الإلكترونيـة المصري التوقيع الإلكتروني في المادة الأولى كما يلي : " التوقيع الإلكتروني ، حروف أو أرقام أو رموز ، أو إشارات لها طابع متفـرد تسمح بتحديـد شخص صاحـب التوقيع و تميـزه عن غيـره " .(1)
أما تعريف الفقـه له هو " هو الذي يقوم على مجموعة من الإجراءات و الوسائل الذي يتيـح إستخدامها عن طريق الرموز أو الأرقام إخراج رسالة إلكترونيـة تتضمن علامـة مميـزة لصاحـب الرسالة المنقولـة إلكترونيـا يجري تشفيرها بإستخدام خوارزم المفاتيح واحد معلن و الآخر خاص بصاحب الرسالـة " (2).
و هناك أيضا تعريف أخـر للتوقيع الإلكتروني حيث قيل بأنه " مجموعـة من الإجراءات التقنيـة التي تسمح بتحديـد شخصيـة من تصدر عنه هذه الإجراءات وقبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبتـه " .
والحديـث عن التوقيـع الإلكتروني لا يعنـي الحديـث عن توقيـع يأخـذ صورة واحـدة فكما أن التوقيـع التقليدي قد يظهـر على عـدة أشكـال فإن للتوقيـع الإلكتروني أيضا عدة أشكـال أو صور يجمـع بينهما قيامها على الوسائـط الإلكترونيـة و إستخدام تقنيـات حديثـة تستطيـع أن تحـول بعض الصفـات المميـزة للشخص و الأرقام و الحروف إلى بيانـات ينفـرد هو بإستعمالها من أجل توقيـع مستنـدات و عقـود إلكترونيـة.
و نذكر مثالا أنواعـه التي تتمثل في :
التوقيـع الرقمـي أو الكودي و هو عبـارة عن عدة أرقـام يتم تركيبهـا لتكون في النهايـة كود يتم التوقيع به و يستخدم هذا في التعاملات البنكيـة و المراسلات الإلكترونيـة التي تتم بين التجـار أو بين الشركـات وبعضهـا مثل بطاقـة الإئتمـان .
التوقيـع البيومتري و يقوم على أساس التحقـق من شخصيـة المتعامل بالإعتماد على الصفات
_______________
(1)حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات ( دراسة مقارنة) ـ علاء محمد نصيرات ـ دار الثقافة للنشر و التوزيع سنة2005 ص 28 .
(2) علاء محمد نصيرات ـ المرجع السابـق ـ ص 30 .
الجسمانيـة للأفراد مثل البصمة الشخصية ، مسح العين البشرية ، خواص اليد البشرية ، التحقـق من نبـرة الصوت ، و يتم التأكـد من شخصيـة المتعامل عن طريـق إدخال المعلومات للحاسب .
التوقيـع بالقلم الإلكترونـي يقوم هنا مرسل الرسالـة بكتابة توقيعه الشخصي بإستخدام قلم إلكتروني خاص على شاشـة الحاسب الآلي ، عن طريـق برنامج معيـن ، و يقوم هذا البرنامج بإلتقاط التوقيـع و التحقـق منه .و لكن يحتاج هذا النظام إلى جهاز حاسب آلي بمواصفات خاصة .
و يجـب أن يتمتـع التوقيـع الإلكتروني بالشروط الآزم توافرهـا في التوقيـع حتى يستطيـع تحقيـق وظائفـه و هذه الشروط هي :
1ـ أن يكون التوقيـع علامـة مميـزة للشخص .
2ـ أن يكون التوقيـع واضحـا و مستمـرا .
و الإمضاء كان يدويـا أو إلكترونيـا يلعب دوريـن و هما :
ـ التعريف بالموقع .
ـ التعبيـر عن إرادة المتعاقـد في المصادقـة على فحو الوثيقـة و يضاف إلى هذيـن الهدفيـن التقليديـن هدف يختص به الإمضاء الإلكتروني و هو ضمان سلامـة فحوى الوثيقـة من كل تغييـر .
و قد عرفـه المشرع الفرنسي في نص المادة 1316 /4 من القانون المدني على أنه :
La signature necessaire a la perfection d'un acte juridique identifie celui qui l'appose . elle manifeste le consentement des parties aux obligations qui decoulent de cet acte.
و في الأخيـر نقول أن حجيـة المحرر الإلكترونـي لا تقل عن حجيـة المحرر العرفـي بحيـث يتعيـن على القاضي أن يأخـذ بالمحرر الإلكترونـي المعروف عليه بما يأخـذ به المحرر العادي . الخاتمــــــــة
إن المشرع الجزائـري و نظـرا للأهميـة من الناحيـة العمليـة للإثبـات كونـه مرتبـط بقاعـدة عدم جـواز إقتضـاء الشخـص حقـه بنفسـه نظـم الإثبـات بالكتابـة و حـدد حجيتهـا و مـدى الإعتـداد بهـا حيـن الفصـل فـي المنازعـات الطارئـة بين الأطـراف ، بل و أكثـر من ذلـك حثهـم على إبـرام تعاقـداتهم على الشكـل الكتابـي نظـرا لما توفـره من إئتمـان و ثقـة و ضمـان .
و حتى أنـه قد سايـر التطـور العلمـي و التكنولوجـي و ظهـور التعاقـد عبر وسائـل متطـورة و ذلك بتعديلـه للقانـون المدنـي بموجب القانون 05-10 المؤرخ فـي 2005.06.20 ، و أخـذ بالكتابـة فـي الشكـل الإلكترونـي وإعتـد بحجيتهـا فـي إثبـات التصرفـات المبرمـة بين الأفـراد كحجيـة الإثبـات على الورق .
و فـي الأخيـر نقـول أن المحـررات هي مجموعـة المعلومـات و البيانـات المدونـة على دعامـة ماديـة يسهـل قراءتهـا مباشـرة عن طريـق الإنسـان أو بإستخـدام آلـة مخصصـة لذلك .
ولكـل درجتهـا فـي الإثبـات حسـب قوتهـا من رسميـة إلى عرفيـة و إلكترونيـة
حجية الاثبات بالمحررات وفق القانون المدني الجزائري